يعتقد بعض المراقبين حتى الوجودية تشكل أرضية فلسفية للأناركية (اللاسلطوية). يدعي المؤرخ الأناركي بيتير مارشال حتى «هناك صلة وثيقة بين ضغط الوجوديين على الفرد، والاختيار الحر، والمسئولية الأخلاقية، والمبادئ الأساسية للأناركية».

خلفية

ماكس ستيرنر

كان للأناركية رؤية وجودية أولية خاصةَ في كتابات الأناركي الفردي الألماني ماكس ستيرنر. في كتابه الأنا وذاتها (1845)، يدعوستيرنر إلى الوجود الفردي الواقعي، أوالذاتية، ضد المؤسسات الاجتماعية الأكثر قبولًا؛ مثل الدولة، وحق الملكية الخاصة، والحقوق الطبيعية بشكل عام، وكل فكرة مُجتمعية؛ التي يعتبرها مجرد خيالات أوجواهر عقلية. فالوجودية حسب هيربرت ريد هي «القضاء على جميع الأنظمة المثالية، وكل نظريات الحياة أوالنظريات التي تُخضع الفرد لفكرة ما أولتجريد من نوع ما. وتقضي أيضًا على جميع الأنظمة المادية التي تُخضع الفرد للقوانين الفيزيائية والاقتصادية. فيقول إذا الإنسان هوالواقع؛ لا الإنسان المجرد، بل الفرد البشري، أنت وأنا، وكل الأمور الأخرى -الحرية، والحب، والعقل، والله- هي أمور طارئة تعتمد على الإرادة الفردية. في هذا الصدد، تشهجر الوجودية مع الذاتية لماسك ستيرنر.

فريدريك تخصصه

يُعتبر فريدريك تخصصه من أوائل الفلاسفة الأساسيين للحركة الوجودية، على الرغم من حتى الحركة لم تظهر إلا بعد وفاته حين أصبحت أعماله معروفة. مع ذلك، ارتبط تخصصه عندما كان على قيد الحياة بالحركات الأناركية، وأثبت تأثيره على معظم المفكرين الأناركيين، على الرغم من حتى كتاباته في الحقيقة تحمل نظرة سلبية تجاه الأناركيين. كان هذا نتيجة الارتباط الشائع في فترته بين أفكاره وأفكار ماكس ستيرنر.

يمثل الإنسان الأعلى لتخصصه حرية الناس في تحديد طبيعة وجودهم، وأيضًا رغبتهم في إنسان حديث لاقد يكون عبدًا ولا سيدًا. يبتكر الإنسان المثالي لتخصصه قيمه الخاصة، ويُنشئ جميع المفاهيم التي يتميز من خلالها، دون اعتبار لله، أوللدولة، أوللسلوكيات الاجتماعية «للقطيع». وجهت تلك الأمور تخصصه تجاه الأناركيين والوجوديين على حد سواء، وإظهار القواسم المشهجرة الواضحة بينهما.

رواد آخرون

يشير البعض إلى ميخائيل باكونين بأنه من الممكن يتبع «الفلسفة الوجودية» ضد «فلسفة الجوهر» كما ادعى هيغل، وهوالشخصية التي عثر لديها الكثير من الأناركيين، على عكس الماركسيين، الشمولية أوحتى السلطوية. يخط باكونين: «إن جميع فرد لا يرث عند ولاته، بدرجات مختلفة، الأفكار الفطرية أوالمشاعر كما يدعي المثاليون، بل يرث فقط القدرة على الإحساس، والإرادة، والتفكير، والتحدث»، وهي مجموعة من «الملكات العقلية البدائية دون أي محتوى» والتي تُملأ من خلال التجارب الواقعية. عبر المفكرون الوجوديون المؤسسون مثل سورين كيركغور وفريدريك تخصصه عن معارضتهم لهيغل بسبب إنكاره دور حرية الفرد، وتمجيد الدولة والكنيسة، وانادىئه «الفهمَ المطلقة» للوجود الإنساني. وعلى الرغم من تأثره بهيغل في وقت مبكر من حياته، عارض باكونين هيغل في ما بعد بشدة، عندما تبنى الأفكار الأناركية، ورفض الاعتراف بتأثره به.

أثر المثاليون المتعالون، وخصوصًا هينري ديفيد ثورو، على الأناركية والوجودية.

أوائل القرن العشرين ومنتصفه

كافكا وبوبر

اكتشف عدد من الفلاسفة والكتاب الأدبيين في أوائل القرن العشرين ومنتصفه أفكارًا رئيسية وجودية. قبل الحرب العالمية الثانية، عندما لم يكن للوجوديين وجودٌ اسمي عمليًا، كان فرانز كافكا ومارتن بوبر من ضمن هؤلاء المفكرين الأناركيين. مع أنهما يُعتبران اليوم يهودًا وجوديين بالإضافة إلى كونهما يهودًا أناركيين.

من المُتفق عليه حتى أعمال كافكا لا يُمكن اختزالها في نظرية فلسفية أوسياسية، ولكن هذا لم يكن بالضرورة عقبة لربط الوجودية والأناركية بكتاباته الرئيسية. وبقدر ما يتعلق الأمر بالسياسة، جاء كافكا اجتماعات كلوب ملاديتش، وهوأناركي تشيكي مُعارض للحروب والتسليح وعضوفي مؤسسة العداء لرجال الدين. وفي إحدى المذكرات، أشار كافكا إلى الفيلسوف الأناركي المؤثر بيتير كروبوتكين بقوله، «لا تنسَ كروبوتكين!».

خط كافكا في أعماله الشهيرة عن الشخصيات السريالية والمُنعزلة التي تصارع اليأس والعبث، وهي مواضيع هامة بالنسبة للوجودية، ولكنها قدمت في الوقت ذاته نقدًا للعائلة الاستبدادية (في رواية المسخ)، ونقدًا للبيروقراطية (في بعض الأعمال مثل المحاكمة)، والتي عكست رؤيته القوية تجاه المؤسسات. تحدث كافكا، على سبيل المثال، عن حياة العائلة كساحة معركة: خط في رسالة «نظرت دائمًا إلى والدي كمضطهدين»، وأن «كل الآباء يريدون حتى يسحبوا الفرد إلى الأسفل تجاههم، للعودة إلى الأيام الخوالي، أيام كان يتوق فيها المرء لتحرير نفسه والهروب». وفي هذا الصدد، كان يتحدث بناءً على خبرة، ولكنه كان متأثرًا بصديقه أوتوغروس، وهوأناركي ومحلل نفسي نمساوي. دمج أوتوغروس بنفسه فريدريك تخصصه وستيرنر مع سيغموند فرويد؛ لتطوير شكل ليبرتاريته النفسية، وشعر أنهما كشفا عن إمكانات الإنسان التي أحبطتها الأسر الاستبدادية: «الآن فقط يمكننا حتى نستنتج حتى مصدر الاستبداد يكمن في الأسرة، وأن مزيجًا من النشاط الجنسي والاستبداد يظهر في الأسرة من خلال الحقوق التي تُمنح للأب، فتُقيد جميع فرد».

وبالاتفاق مع غروس وتبني رؤى أناركية رئيسية، سيُعرّف كافكا الرأسمالية على أنها بيروقراطية، «نظام العلاقات التبعية» حيث «تُرتب جميع الأمور هرميًا، وفي سلسلة»، وفي النهاية «سلاسل الإنسانية المعذبة المصنوعة من الأوراق الرسمية للوزارات». اشتهر مارتن بوبر بفلسفته للحوار، وهوشكل للوجودية الدينية تتمركز حول التمييز بين علاقة أنا-أنت (بالإنجليزية: I-Thou) وعلاقة أنا-هو(بالإنجليزية: I-It). وفي منطقته الأنا والأنت المنشورة في 1923، خط بوبر عن عدم إمكانية التواصل مع الآخرين من خلال «الأنا» تجاه «الهو»، وذلك تجاه الشيء المنفصل عن نفسه. بدلًا من ذلك، افترض حتى الوجود الإنساني ينبغي حتى يجد المغزى من العلاقات الإنسانية، من خلال «الأنا» تجاه «الأنت»، وذلك تجاه الناس باعتبارهم نهايات في حد ذاتهم، وسيقودنا ذلك بالتبعية تجاه الله. يمكن النظر إلى تلك الرؤية على أنها أناركية، بسبب أنها تنتقد مفاهيم «تقدمية» أساسية للأيدولوجيات الاستبدادية والتي تُستخلص هنا من الشخص، وتتلاقى مع الوجود البشري. نشر مارتن بوبر مؤخرًا كتابًا بعنوان مسارات في يوتوبيا (1952)، والذي شرح فيه صراحة آرائه الأناركية مع نظريته عن «المجتمع الحواري» القائم على «العلاقات التحاورية» بين الأشخاص.

فترة ما بعد الحرب

أصبحت الوجودية بعد الحرب العالمية الثانية حركة فلسفية وثقافية ذات مغزى وصيت، وألهمت في هذا الوقت الكثير من الأناركيين. وقع ذلك بشكل رئيسي من خلال البروز الشعبي لمحررين فرنسيين، هما جان بول سارتر وألبير كامو، اللذان خطا الروايات الأكثر مبيعًا، والمسرحيات، والصحف المقروءة على نطاق واسع، بالإضافة إلى النصوص النظرية.

هناك مرشد مؤثر على الوجودية الإلحادية من خلال أعمال سارتر التي شدد من خلالها على زيادة حرية الفرد في عالم بدون إله أوطبيعة إنسانية ثابتة. مثلما أكد الأناركيون دائمًا حتى المُخططات الزرقاء الحتمية (قد تعني الحتمية الجينية) لأنفسنا وللمستقبل لن تقود أبدًا نحوالحرية، افترض سارتر حتى البشر يمكنهم اختيار حريتهم لأنفسهم، «فالوجود من أجل ذاته» لا تحدّده القواعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المفروضة على البشر. تلك الحرية لن تكون مُبهجة دائمًا؛ لأنه بالنسبة لسارتر «فالإنسان محكوم عليه ألاقد يكون حرًا». يحاجج الأناركيون بالمثل، فالمجتمع الأناركي سيكون مرغوبًا به، ولكنه لن يُمنح لنا وسنتجنبه، ولذلك نهجر لأنفسنا وحدنا الاحتياجات والمسؤوليات الصعبة لتأسيس هذا المجتمع.

كان سارتر أناركيًا مُسالمًا لفترة قصيرة تمتد من 1939 وحتى 1940، على الرغم من اشتهاره بسياسته الماركسية وتوافقه مع الحزب الشيوعي الفرنسي والماويين خلال عام 1968. يقول سارتر بعد تمرد مايو«إذا أعاد أحدهم قراءة خطي، فسيدرك أنني لم أتغير بشكل عميق، وأنني ظللت دائمًا أناركيًا». اعتنق سارتر الأناركية بوضوح في نهاية حياته.

على الرغم من رفضه مصطلح «الوجودية»، كان كاموصديقًا لسارتر، واعتُبر جزءًا من الحركة الوجودية. وبصفته أحد المُمثلين للوجودية الإلحادية، اهتم في أعماله بلقاءة ما أسماه بالعبثية، وكيف علينا حتى نتصرف من خلال العيش ضدها؛ وذلك عبر إفساح الطريق للحرية دون أي حقيقة متعالية. قدمه الأناركي الفرنسي أندريه برودومولأول مرة خلال اجتماع لدائرة الطلاب الأناركيين عُقد عام 1948 باعتباره متعاطفًا مع الفكر الأناركي. خط كاموفي الكثير من المنشورات الأناركية مثل الليبرتارية، والثورة البروليتارية، وتضامن العمال (تضامن العمال، عضوالاتحاد الوطني النقابي الأناركي للعمال). دعم كاموالأناركيين عندما عبروا عن دعمهم لانتفاضة 1953 في ألمانيا الشرقية. تخالف كامومرة أخرى مع الأناركيين عام 1956، أولًا في دعم انتفاضة العمال في بوزنان في بولندا، وفي وقت لاحق من العام مع الثورة المجرية.

يبرز أحد أبرز التعبيرات لمواقفه الوجودية والأناركية في كتابه المتمرد. بالنسبة لكامو، كما هوالحال مع تخصصه، لا ينبغي حتى يقود التمرد إلى العدمية، وكما هوالحال مع ستيرنر، يجب حتىقد يكون التمرد مُميزُا عن الثورة، فالتمرد ليس عملًا وحيدًا، ولا يدمر التضامن الإنساني، بل يشدد على الطبيعة المشهجرة للبشر. في التجربة العبثية، تكون المعاناة فردية، ولكن عندما تتحول إلى تمرد فإنها تصبح جماعية. يعتقد كاموحتى المستوى الأولى للفرد المنعزل هي إدراكه لمشاركته في الاغتراب مع جميع البشر. لذلك يأخذ التمرد الفردَ بعيًدا عن الانعزال والاغتراب: «أنا أتمرد، لذلك نحن موجودون». في نهاية كتابه، يحتفل كاموبالروح المعادية للاستبداد في التاريخ، ويُبرز الأناركية النقابية كبديل وحيد: «إن النقابات العُمالية، مثل البلدية، هي رفض لواقع المركزية المجردة والبيروقراطية».

بالمقارنة مع الانتقاد لكفاكا وكامو، كان ستيغ دارغمان الممثل الرئيسي لمجموعة كُتاب سويديين يُطلق عليهم «طفل العامل» («كُتاب أربعينيات القرن الماضي»)، الذين نقلوا المشاعر الوجودية للخوف والعزلة واللامعنى المشهجر، وذلك في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. كان دارغمان أناركيًا نشطًا، فانضم إلى اتحاد الشباب النقابي، والمنظمة الشبابية للاتحاد النقابي وذلك عام 1941. في التاسعة عشرة، أصبح رئيس تحرير مجلة «ستورم» (العاصفة)، وهي مجلة شبابية. في الثانية والعشرين من عمره، عُيّن مُحررًا ثقافيًا لمجلة «العامل» (بالسويدية: أربيتارِن)، ثم لصحيفة يومية للحركة النقابية، وقد اعتبر مجلة «العامل» مسقط رأسه الروحي.

المراجع