آق سنقر الحاجب

عودة للموسوعة

آق سنقر الحاجب الهجرماني (?-487 هـ) الملقب قسيم الدولة، قائد حاكم مسلم، تولّى حُكم حلب وعدة مدن حولها مثل حماة واللاذقية، وهووالد القائد الشهير عماد الدين زنكي. اشتهر بصلاحه وعدله وكان حسن السيرة. وكما هوواضح من اسمه فهومن قبائل الأتراك، من قبيلة تُعهد باسم "ساب يو"، وهي قبيلة تمتَّعت بمكانة رفيعة عند السلاجقة الأتراك. تميز آق سنقر بعدله في الحكم وقضائه على الفساد والاضطرابات في حلب كما يقول المؤرخون.

كان آق سنقر حاجب السلطان ملكشاه بن ألب أوفدان ومن أصحابه، وهوسلطانٌ عظيم امتدَّت حدود دولته من الصين شرقاً إلى آسيا الصغرى غرباً، وكان عادلاً حسن السيرة كما يذكر المؤرخون؛ فكان يُقَرِّب منه الصالحين من المسلمين، فكان وزيره الأول نظام الملك، وهومن أعظم الوزراء في الإسلام، وحاجبه كان آق سنقر والد عماد الدين زنكي، فهذا من أدلَّة صلاح السلطان ملكشاه وهي البطانةَ الصالحة.

التسمية ولقب قسيم الدولة

كان آق سنقر مقرَّبًا بدرجة كبيرة إلى قلب السلطان ملكشاه بن ألب أوفدان لدرجة أنه أنعم عليه بلقب عجيب، وهو«قسيم الدولة»، ومعنى اللقب حتى يقتسم معه إدارة الدولة وشؤونها، وهي منزلة رفيعة جداً.

أما حدثة "آق" في اللغة العثمانية تعني اللون "الأبيض"، وهي تعني أيضاً: "طَاهِر" أو"عَفِيف".

الأوضاع السياسية بعصره

كانت هناك أحداث صعبة تمرُّ بها بلاد الشام؛ حيث كانت تُمَزِّقها صراعات سياسية خطيرة، خاصَّة منطقة حلب حيث كان يتنازع السيطرة عليها ثلاث قوى رئيسية: القوة الأولى فهي قوَّة مسلم بن قريش العقيلي صاحب الموصل وحلب. وأمَّا القوَّة الثانية فهي قوَّة تتش بن ألب أوفدان أمير دمشق، وهوأخوالسلطان "ملكشاه" الذي يعمل معه آق سنقر، ولكنه كان فاسدًا وكذلك صار أولاده من بعده؛ وهم: رضوان ودقاق. وأمَّا القوَّة الثالثة فهي قوَّة سليمان بن قتلمش مؤسِّس إمارة سلاجقة الروم ووالد قلج أوفدان الأول.

وكنتيجة مأساويَّة لهذا الصراع قُتل مسلم بن قريش على يد سليمان بن قتلمش، وأصبح الطريق إلى مدينة حلب مفتوحًا لسليمان، ولكن أهلها رفضوا تسليم المدينة له، وأوفدوا إلى السلطان العادل ملكشاه ليتسلَّم مدينة حلب، فوافق السلطان ملكشاه، واتى بجيشه، لكن في هذه الأثناء قُتل سليمان بن قتلمش على يد تتش بن ألب أوفدان ، وانطلق تتش ليستولي على حلب، غير أنه وصلها مع وصول جيش أخيه ملكشاه، ووجد تتش أنه لا طاقة له بهذا الجيش العملاق، فانسحب وهجر المدينة لملكشاه.

توليه الحكم على حلب وحماة وحولها

السلطان ملكشاه بن ألب أوفدان ولّى آق سنقر على مدينة حلب في شهر شوال 479 هـ الموافق يناير 1087م، استلمها وكان الوضع فيها سيِّئًا للغاية نتيجة الصراعات الدموية التي دارت في المنطقة؛ فلم يجد السلطان ملكشاه حلاًّ لإصلاح أوضاعها إلاَّ بتسليم إدارتها لرجل يثق بقدراته وأخلاقه وورعه، وهوقسيم الدولة آق سنقر الحاجب، إلى غير ذلك بدأ الحُكم السلجوقي لمدينة حلب عملياً، وأعطاه إلى جوار حلب عدَّة مدن في المنطقة منها حماة ومنطقة مَنْبِج واللاذقية.

أوضاع حلب المتدهورة قبل تسلمه حكمها

تسلَّم آق سنقر الحاجب المدينة وهي في حالة مزرية من الفوضى والاضطراب بعمل الصراعات الكثيرة التي كانت بين حكَّام وأمراء المنطقة؛ مما جعل الحكام الذين تولَّوْا حكمها لا يلتفتون أبدًا إلى أمورها الداخلية، أوإلى حياتها الاقتصادية، فتراجعت واردات البلاد، وفُرضت ضرائب باهظة على السكان، ونتيجة لغلاء الأسعار انتشر اللصوص في المدينة، وعُدِمَ الأمن؛ ومن ثَمَّ تعطلت الحركة التِّجارية، كما تراجعت الزراعة، وهذا كله -لا شكَّ- أثَّر سلبًا في جميع قطاعات المجتمع. ومع هذا التدهور الرهيب في جميع مناحي الحياة فإن آق سنقر بدأ يُمارس عمله بنشاط، ساعيًا بكل طاقته لإصلاح الأمور كلها، وكانت نظرته شمولية، فلم يهتم بجانب على حساب آخر، بل تناول الأحوال جملة واحدة.

إصلاحاته الأمنية في حلب

اهتم آق سنقر بداية بالحالة الأمنية الخطيرة التي كانت تُعاني منها منطقة حلب وما حولها، فأقام الحدود الشرعية في الاسلام، وطارد اللصوص وقُطَّاع الطرق، وقضى عليهم، وتخلَّص من المتطرِّفين في الفساد. وإضافةً إلى هذه السياسة التي تعتمد على وجود شرطة قوية عادلة تُدافع عن الحقوق، وتستخدم سلطتها في حماية الناس بدلاً من التسلُّط عليهم. إضافةً لهذه الشرطة فإن آق سنقر لجأ إلى سياسة أخرى عجيبة آتت ثمارًا وفي وقتٍ محدود؛ ذلك أنه أقرَّ مبدأ المسؤولية الجماعية لكل قرية أوقِطَاع في المدينة؛ مما يعني أنه في حالة إذا هُوجمت قافلة إبل أوإنسان أونحوه، فإن أهل القرية يتحمَّلون مسؤولية الدفاع عنه، وإذا سُرقت أمواله، فإنهم يجتمعون معًا لتعويضه عما سُرق؛ ومن ثَمَّ أصبحت مهمَّة الحفاظ على الأمن هومهمَّة الجميع ، ولا يمكن حتى يشكَّ الناس في لص أوعصابة مجرمين دون الإخبار عنها؛ لأن المسؤولية أصبحت جماعية وليست فردية، وهذا له مرجع في الشريعة الاسلامية، حيث مبدأ «العاقلة»، بمعنى حتى أفراد العائلة الواحدة أوالقبيلة الواحدة، أوالقرية الواحدة يتعاقلون فيما بينهم، أي يتعاونون فيما بينهم لجمع الدِّيَة المطلوبة من أحدهم، أوسداد الدَّين عنه، وبذلك تعود الحقوق لأصحابها مهما كانت كبيرة.

انتشار الأمن والأمان في زمنه

ونتيجة لسياسته ونتيجة للاستخدام السليم لجهاز الشرطة في الإمارة، عمَّ الأمن والأمان في منطقة حكمه في غضون أشهر قليلة، وانعكس ذلك على حركة التجارة والزراعة، وانعكس على حركة الأموال والبضائع؛ ومن ثَمَّ تحسَّن الاقتصاد بشكل ملموس وانخفضت الأسعار، وتوفَّرت المنتجات، وصار لحلب شأن عظيم بين الإمارات المجاورة.

وكان حريصًا تمامًا على إقامة الحدود الشرعية، مع حتى الكثيرين قد يعتقدون أنها ستهجر مجتمعًا مشوَّهًا نتيجة بتر أيدي السارقين، وقتل القاتلين، ورجم الزناة المحصنين، وجلد الزناة غير المحصنين، وجلد شاربي الخمر؛ قد يعتقد البعض حتى المجتمع في حلب أصبح مشوَّهًا نتيجة تطبيق الحدود في وجود الكثير من المفسدين والمجرمين، لكن واقع الأمر حتى هذا لم يحدث؛ لقد كان تطبيق الشريعة الإسلامية مع مجرم أواثنين رادعًا لبقية المجرمين، ولم تَنْقِلْ لنا المصادر حتى عددًا كبيرًا قد عُوقب بهذه الحدود، إنما نقلت حتى الأغلب الأعمَّ من المجرمين ارتدع عن جرائمه، فأصبحت حياة حلب وأمنها وعزِّها وتحسُّن اقتصادها وعلوّ شأنها في تطبيق القصاص، وفي الالتزام بالحدود الشرعية.

لا يحمل أحد متاعه من الطريق

ونتيجة لهذا الأمن، نادى آق سنقر في أهل حلب بأمر عجيب، وهوحتى لا يحمل أحد متاعه من الطريق إذا أراد حتى يمضى إلى مكان بعيد ثم يعود، بل يهجره دون حراسة، وهوضامن له ألا يُسرق، وهذا أمرٌ أثر بشعوب المنطقة فكان أمنًا عجيبًا تحدَّث عنه الناس هنا وهناك.

ومما يُروى في هذا الصدد قصَّة عجيبة، وهي حتى آق سنقر كان قد مرَّ بقرية من قرى حلب، فوجد أحد الفلاحين -وكان لا يعهد آق سنقر- قد فرغ من عمله في حقله، ويستعدُّ لحمل أداة من أدوات الزراعة على دابَّته ليحملها إلى القرية، وكانت هذه الآلة مغلَّفة بالجلد، فنطق له آق سنقر: ألم تسمع مناداة قسيم الدولة بأن لا يحمل أحدٌ متاعًا ولا شيئًا من موضعه،يا ترى؟ بمعنى أنه يضمن لك حفظه من السرقة. فنطق الفلاح: حفظ الله قسيم الدولة، وقد أُمِّنَّا في أيامه، وما نحمل هذه الآلة خوفًا عليها من السرقة، لكن هنا حيوان ينطق له ابن آوَى (حيوان مثل الذئب) تأتي إلى هذه الآلة فتأكل الجلد الذي عليه، فنحن نحفظه منها ونحمله لذلك. فعندما عاد قسيم الدولة إلى حلب أمر الصيَّادين فتتبعوا هذه الحيوانات في جميع الإمارة، فصادوها حتى أفنوه.

إسهاماته في المجال العمرانى

فام أيضاً باسهامات عمرانية فكان متوازنًا مهتمًّا بكل التفاصيل في إمارته، وقد جدَّد منارة مسجد حلب الجامع، وما زال اسمه منقوشًا عليها إلى اليوم.

اسهاماته في المجال العسكرى

كان منظّمًا؛ فكان له جيش نظاميٌّ معظمه من الهجرمان، وكان له -أيضًا- جيش احتياطي مكوَّن من العرب والهجرمان، وكانت القوَّات الاحتياطية تبلغ 20 ألف مقاتل.. وصار حديث الناس وأحبَّه أهل حلب وعامَّة المسلمين.

أقوال بعض المؤرخين عنه

يقول المؤرخ ابن القلانسي في ذيل "تاريخ دمشق" عن آق سنقر: «وأحسن فيهم السيرة، وبسط العدل في أهليها، وحمى السابلة (الطريق المسلوك) للمتردِّدين فيها، وأقام الهيبة، وأنصف الرعية، وتتبَّع المفسدين فأبادهم، وقصد أهل الشرِّ فأبعدهم، وحصل له بذلك من الصيت، وحُسن الذكر، وتضاعف الثناء والشكر، فعمرت السابلة للمتردِّدين من السفار، وزاد ازدياد البلد بالواردين بالبضائع من جميع الجهات والأقطار»..

ونطق ابن الأثير في حقه: «وكان قسيم الدولة أحسن الأمراء سياسةً لرعيته، وحفظًا لهم، وكانت بلاده بين رخص عام وعدل تام وأمن واسع»..

ونطق ابن كثير: «كان قسيم الدولة من أحسن الملوك سيرةً، وأجودهم سريرة، وكانت الرعية في أمن وعدل ورخص»..

تتش بن ألب أوفدان وحقده على اق سنقر

كان هناك مَنْ يُنكر عليه خيره وفضله، ومن يحقد عليه لصلاحه وورعه، أويغار منه، وعلى رأس هؤلاء كان "تتش بن ألب أوفدان" أخوالسلطان ملكشاه، وكان تتش يطمع في بسط سيطرته على الشام بكاملها، وفي وجود مثل هذا الحاكم العادل في حلب فإنَّ ذلك سيصعب عليه؛ فالناس يحبونه، وكذلك السلطان ملكشاه.

لقد كان تتش ذكيًّا في شرِّه فبدأ في السعي لضمِّ جميع الإمارات الشامية باستثناء حلب؛ لأنه يفهم حتى ملكشاه يحبُّ آق سنقر، فلا داعي لاستثارة السلطان عليه، ثم إنه أثار حملة السلطان لمساعدته بأن ذكر له حتى بقية الإمارات الشامية واقعة تحت تهديد النفوذ العبيديِّ، فأمر السلطان ملكشاه أمراء الشام بما فيهم آق سنقر حتى يساعدوا تتش في حروبه ضدَّ العبيديين.

لكن قسيم الدولة كان يُدرك أطماع تتش الانفصالية، وكان في الوقت نفسه عظيم الوفاء للسلطان ملكشاه، لكنه لم يستطع حتى يطعن في تتش لكونه أخَا ملكشاه، وهذا دفعه لمساعدة تتش بغير حماسة؛ مما أوغر صدر تتش عليه أكثر وأكثر، بل وراسل أخاه السلطان ملكشاه في أمر قسيم الدولة.

أراد السلطان ملكشاه حتى يحلَّ الأزمة برفق؛ فهولا يُريد حتى يُغضب كلا الطرفين؛ ومن ثَمَّ فقد استدعى جميع أمراء الشام بما فيهم آق سنقر وتتش إلى مقرِّه في فارس ليتباحثوا في أمر الشام، وهناك قام تتش بصراحة باتهام آق سنقر بعدم الإخلاص للسلاجقة، وهذا دفع آق سنقر لأن يدافع عن نفسه؛ بل واتهم تتش بالكذب، ومن العجب حتى السلطان ملكشاه أقرَّ آق سنقر على رأيه، ورفض عزله، وأوصى أخاه تتش بعدم التعرُّض له.

وكان هذا اللقاء في شهر رمضان 484 هـ، أي بعدخمسة سنوات من ولاية آق سنقر على حلب، لكن في السنة التالية وقع أمر هام وهو وفاة ملكشاه بن ألب أوفدان في (شوال 485 هـ الموافق نوفمبر 1092م)، وتولَّى بَرْكيَارُوق ابنه الأكبر الولاية على السلطنة السلجوقية الكبرى، وهذا أغضب تتش الذي كان يطمع في هذا المنصب الرفيع؛ ولذلك قرَّر تتش حتى يتحرَّك بالقوَّة العسكرية لحرب ابن أخيه بَرْكيَارُوق، والسيطرة على السلطنة بالقوَّة. ولكن تتش كان يخشى من وجود قوَّة آق سنقر خلف ظهره، وفي الوقت نفسه كان يُريد حتى يستغلَّ قوَّته العسكرية الكبيرة في تحقيق مطامعه، فأمره حتى يأتي على رأس جيشه ليُعاونه في حرب بَرْكيَارُوق بن ملكشاه.

فسقط قسيم الدولة آق سنقر في أزمة كبيرة؛ فهويفهم حتى قوَّة تتش أكبر بكثير من قوَّته، وهوفي النهاية أخوملكشاه السلطان المتوفَّى، وعمُّ السلطان الحالي بَرْكيَارُوق، لكن في الوقت نفسه هوعلى وفائه للسلطان العظيم ملكشاه، ويُريد حتى يحفظه في ابنه، كما أنه يفهم أطماع تتش، ويفهم أنه ليس بالشخصية الجديرة بحكم المسلمين.

لقد فكَّر قسيم الدولة آق سنقر في خطَّة خطيرة، قد يدفع ثمنها من حياته يومًا ما، لكن لم يجد أمامه حلاًّ آخر، فقرَّر حتى يخرج بجيشه مع تتش، ويوهمه أنه سيقاتل معه، فإذا التقى الجيشان، هجر قسيم الدولة جيش تتش وانضمَّ إلى جيش بَرْكيَارُوق.

فقسيم الدولة كان يرى حتى الحقَّ مع بَرْكيَارُوق، لكونه أصلح وأتقى من تتش؛ ولذلك ضحَّى بأمنه وحياته من أجل الدفاع عن هذا الحقِّ.

ونفَّذ قسيم الدولة خطته، وفي سنة 486 هـ التقى جيش تتش مع جيش بَرْكيَارُوق في مدينة الرَّيِّ بفارس، وعملاً انسحب آق سنقر بجيشه وانضمَّ إلى بَرْكيَارُوق، وعمل الشيء نفسه أمير الرها بوزان، وكان وفيًّا كذلك للسلطان الراحل ملكشاه، فاختلَّ توازن جيش تتش؛ ومن ثَمَّ انسحب مهزومًا من الرَّيِّ، وعاد إلى الشام بخُفَّي حُنَيْن، لكنه عاد بقلبٍ أشدَّ حقدًا على قسيم الدولة آق سنقر.

أعاد بَرْكيَارُوق قسيم الدولة آق سنقر إلى إمارة حلب تابعًا له، وذلك في ذي القعدة (486هـ)، وأمدَّه بقوات إضافية؛ لأنه كان يتوقَّع ضربة انتقامية وشيكة من تتش.

مقتله

وسرعان ما اتىت هذه الضربة؛ فقد جمع تتش عدَّة جيوش، وتقدَّم صوب حلب لامتلاكها، وخرج له قسيم الدولة بعد حتى استغاث ببعض الأمراء التابعين لبَرْكيَارُوق، لكنَّ الأمراء تأخَّرُوا في القدوم؛ مما جعل قسيم الدولة يُقابل تتش بجيشه وحده، وكانت هزيمة مفجعة، وأُسِرَ آق سنقر، وقام تتش بقتله على الفور.

كان مقتله في يوم السبتتسعة جمادى الأولى 487 هـ الموافق مايو1094م، إلى غير ذلك انتهت فترة حكم آق سنقر -وهيثمانية أعوام- لمدينة حلب، ويشهد الجميع أنها كانت من أزهى عصور حلب مطلقًا.

في عيون المسلمين

لقد قُتل قسيم الدولة آق سنقر، بينما لم يتجاوز ابنه عماد الدين زنكيعشرة سنوات، لقد كان عماد الدين زنكي طفلاً صغيرًا.

إن قسيم الدولة وإن كان لم يهجر لابنه عماد الدين مالاً كثيرًا، ولا منصبًا رفيعًا؛ فإنه هجر له أشياء أخرى كثيرة أعظم كثيرًا من المال والسلطان.

لقد هجر له أولاً رعاية الله عز وجل وحفظه، وكفى بهذه الرعاية ميراثًا! لقد كان قسيم الدولة ورعًا تقيًّا قائلاً للحقِّ دومًا، حتى نطق عنه ابن العديم: «وكان قسيم الدولة شديد التقوى، عميق الإيمان». وهذه التقوى في الإسلام يعتقد أنها حفظت الابن الصغير الضعيف "عماد الدين" كما يؤمن المسلمون بقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء: 9].

وهجر قسيم الدولة آق سنقر لابنه حبًّا عظيمًا للشريعة الإسلامية وآدابها، وتوقيرًا كاملاً لقوانينها وحدودها، ورأى عماد الدين زنكي بعينيه بركات تطبيقها. وأثر إعلاء لقيمة العدل، حتى ترسَّخ ذلك في قلب عماد الدين وكيانه، فكَرِه الظلم بكل صوره، وصار من أعدل حكام المسلمين كما كان أبوه، وحبًّا للجهاد وتعظيمًا له، فحياته كلها كانت جهادًا، وكذلك حياة ابنه؛ لقد علَّم ابنه كيف من الممكن أنقد يكون مجاهدًا في سبيل الله لا في سبيل الملك والمال، كما عَلَّمه ركوب الخيل وفنون الفروسية.

شدة حب أهل حلب له

هجر لابنه عماد الدين حبًّا في قلوب أهل حلب، فقد تعلَّقت قلوبهم جميعًا بهذا الحاكم العادل، حتى نطق ابن الأثير حدثة عجيبة تصف حبَّ الناس له، فنطق: «توارث أهل حلب الرحمة عليه إلى آخر الدهر». ونطق ابن العديم كذلك: «وعامل أهل حلب من الجميل بما أحوجهم حتى يتوارثوا الرحمة عليه إلى آخر الدهر».. أي حتى كلَّ أبٍ يُوصِي أبناءه حتى يتراحموا على قسيم الدولة، وهذا مرشد شدة حبهم له، ولا شكَّ حتى هذا سيكون له مردود كبير على حياة ابنه عماد الدين زنكي. وحبًّا واضحًا للسلاطين العادلين الأقوياء من السلاجقة، فقد كان ولاء قسيم الدولة لملكشاه، ولابنه بَرْكيَارُوق من بعده، وهذا منح وضوحَ رؤيةٍ كبير لعماد الدين زنكي، فلم ينبهر في حياته بلقبٍ أوشخص، إنما جعل ولاءه للسلطان العادل، ولم يتشتَّت بين القوى المتنوعة، بل ظلَّ ثابتًا في اتجاه واحد، وهذا حقَّق له خيرًا كثيرًا في حياته.

مصادر ومراجع

  • آق سنقر(قسيم الدولة)، سيرة الإسلام، 2016.
  • عماد الدين زنكي وتحرير الرها من الصليبيين
  • دولة السلاجقة قبيل الحروب الصليبية
  • دولة السلاجقة، سيرة الإسلام، 2008.
  1. ^ ابن العديم: بغية الطلب في تاريخ حلب 8/3844.
  2. ^ ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص186.
  3. ^ ابن الأثير: التاريخ الباهر ص4.
  4. ^ ابن العديم: زبدة الحلب 2/91، 92.
  5. ^ ابن العديم: زبدة الحلب 2/99، 100.
  6. ^ النويري: نهاية الأرب 27/93.
  7. ^ ابن واصل: مفرج الكروب 1/18.
  8. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/443.
  9. ^ مصطفى شاكر: دخول الهجر الغز إلى الشام ص307، 314، 315. المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام الأول، عمان 1975م.
  10. ^ ابن الأثير: الباهر ص15.
  11. ^ سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 8/244.
  12. ابن العديم: زبدة الحلب 2/104.
  13. ابن العديم: زبدة الحلب 2/105.
  14. ^ ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص196.
  15. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/495.
  16. ^ ابن كثير: البداية والنهاية 12/147.
  17. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/477.
  18. ^ سهيل زكار: مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ص216.
  19. ^ ابن العديم: بغية الطلب 4/1956.
  20. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/484.
  21. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/488.
  22. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/489، وابن العديم: زبدة الحلب 2/109، 110.
  23. ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/494، 495، وابن واصل: مفرج الكروب 1/27.
  24. ^ ابن الأثير: التاريخ الباهر ص15.
  25. ^ ابن العديم (586-660 هـ=1192-1262م): كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، الصاحب العلامة رئيس الشام، وكان محدثًا حافظًا مؤرخًا صادقًا فقيهًا مفتيًا منشئًا بليغًا محررًا مجودًا، تفهم وأفتى وصنَّف، وترسل عن الملوك، ولد بحلب، ورحل إلى دمشق وفلسطين والحجاز والعراق، وتوفي بالقاهرة، من خطه: (بغية الطلب في تاريخ حلب). انظر ابن شاكر: فوات الوفيات 3/126-129، والمضىي: تاريخ الإسلام 14/938.
  26. ^ ابن العديم: بغية الطلب في تاريخ حلب

وصلات خارجية

  • سلسلة : سيرة عماد، راغب السرجاني.
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:07:30
التصنيفات: وفيات في حلب, أشخاص اغتالهم الحشاشون, أشخاص من حلب, تاريخ الموصل, حكام ترك, سلاجقة, سوريون مغتالون, وفيات 1094, وفيات 487 هـ, صفحات تستخدم خاصية P569, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P20, صفحات تستخدم خاصية P40, صفحات تستخدم خاصية P53, صفحات تستخدم خاصية P106, بوابة الموصل/مقالات متعلقة, بوابة تركيا/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ/مقالات متعلقة, بوابة سوريا/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, سنة الولادة غير معروفة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كرواتيا تحرم البرازيل النجمة السادسة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 51%

الرئيس تبون يدعو الجزائريين لمواصلة معركة مكافحة الفساد

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:39
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

«الموارد البشرية»: توثيق عقود العمل من خلال منصة قوى - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:12
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

الأسود الثلاثة والديوك بين التأكيد والثأر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:16
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

عاجل/ اعتماد تطبيق "حضوري" لتسجيل حضور وانصراف موظفي "التعليم"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:25:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

أمطار رعدية مرتقبة بشرق البلاد ابتداء من هذا الجمعة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:18
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

85 يومًا على الانتفاضة الإيرانية.. عقوبات أوروبية ضد الملالي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:25:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

ولي العهد السعودي يلتقي قادة على هامش «قمة الرياض»

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:23:56
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 92%

أوكرانيا: روسيا دمّرت البنى التحتية بخيرسون... والوضع معقّد بأوديسا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:02
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 87%

واشنطن تحذر من «الشراكة العسكرية الواسعة النطاق» بين روسيا وإيران

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:23:58
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 93%

مطاردة لساعات طويلة، الدرك والأمن ينجحان في اعتقال أحد "أخطر" المجرمين

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:23:47
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 72%

أسود الأطلس لصنع التاريخ السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

5 إصابات جديدة بكورونا مع عدم تسجيل أي وفاة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:26
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

باريس تستمد طاقة التدفئة من «مياه المجاري»

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:23:59
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 91%

6 جرحى في سقوط سيارة من أعلى بولفار سكيكدة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:20
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

رئيس الوزراء العراقي يغادر الرياض

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:25:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

فتاة الخليج تحتفي بعالمي ذوي الإعاقة.. تحت شعار: "نعم متمكنين"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:25:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

ولي العهد يبحث العلاقات والمستجدات مع الرئيس المصري - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

وفاة رئيس الأمن الداخلي متأثرا بحروق خطيرة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:22
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

الحجار: سرقة منزل مفتشة للتعليم الابتدائي بمنطقة لحريشة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:24:24
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

كرواتيا تقهر البرازيل بالترجيحية… وتبلغ نصف نهائي المونديال

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-09 21:23:57
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 94%

تحميل تطبيق المنصة العربية