البوذية الفهمانية -تُعهد أحيانًا باسم، البوذية الغنوصيّة، أوالغنوصّية البوذيّة، أوالبوذية الغنوسطيّة، أوالبوذية الإلحادية، أوالبوذيّة البراجماتيّة، أوالإلحاد البوذي، أوالفهمانيّة البوذيّة- هومصطلح لشكلٍ ناشئٍ من البوذية والروحانية الفهمانية التي تقوم على القيم الإنسانوية، والشكوكية، و/أوالغنوصية، إضافةً إلى البراجماتية و(بشكل ما) الممضى الطبيعي، بدلًا من المعتقدات الدينية (فوق الطبيعية والخارقة منها تحديدًا).

يميل البوذيون الفهمانيون إلى تفسير تعاليم بوذا والنصوص البوذية بطريقةٍ عقلانية ومبنيّة على الدليل، آخذين بعين الاعتبار السياقات التاريخية والثقافية للعصر الذي عاش فيه بوذا والذي كُتبت فيه نصوص السوتا، وحِكَم السوترا، والتنترا.

في إطار البوذية الفهمانية، يجوز للعقيدة البوذية حتى تتخلّى عن أيّ معتقداتٍ تقليدية غير محددة تُعتبر خرافية أولا يمكن إخضاعها للفحص بالمنهج التجريبي، وبشكل أخص: الكائنات الماورائية (مثل آلهة الديفا، والبوداسف، وآلهة الناغا، والأرواح الجائعة بريتا، أوأشخاص بوذا المستنيرين ...إلخ)، والفضيلة وانتنطقها، والولادة الجديدة، والكارما، والكوسومولجيا البوذية (بما فيها وجود الأراضي الطاهرة، والجحيم) وغيرها.

يمكن كذلك إخضاع الأخلاقيات البوذية للمساءلة، مثل المعتقدات المحافظة بخصوص الإجهاض، والعلاقات الجنسية الإنسانية. تتخذ المذاهب البوذية وخصوصًا البوذية الغربية مواقفَ تُعتبر تقدميّة فيما يتعلق بالأزمات الاجتماعية.

تاريخها

يُنظر إلى ظهور البوذية الفهمانية على أنه جزءٌ من تيار الفهمنة الكامل الذي أخذ ينموفي الغرب بعد استعادة الثقافة الإغريقية الكلاسيكية في عصر النهضة، ولا يُكتفى باعتبارها نتيجة للفوز المفترض للعقلانية الفهمية على الدين في العصر الحديث. إضافةً لذلك، فإن الدعوة للبوذية الفهمانية اتىت عبر التطوّرات التنظيمية التي بدأت تنتشر في أوساط عددٍ قليل من الجماعات البوذية الغربية خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، عندما بدأ التخلي عن الخصائص التراتبيّة للثقافة البوذية الرهبانية لصالح المبادئ الديمقراطية للروابط المدنية. بشكل أكثر تحديدًا، نجمت عن الحاجة الملحّة لإشراك المرأة أساليب تنظيمية مبتكرة قوّضت الأنماط التقليدية القديمة للسلطة الذكورية والتفرّد الجندريّ.

في القرن الواحد والعشرين، قدّمت تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة بيئة خصبة للفهمانية البوذية عبر جعل التعاليم والنقاشات متاحةً بشكل أسهل ومجاني؛ إلى غير ذلك سهّلت نشوء جماعات ممارسة افتراضية وواقعية. توجد اليوم مواقع إنترنت مكرّسة بشكل واضح للبوذية الفهمانية في كلّ من أستراليا، والنمسا، وكندا، ونيوزيلندا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.

تضرب البوذية الفهمانية بجذورها في الحداثة البوذية والإنسانوية الفهمانية. تأسست حركة التأمل الواعي الأمريكية وفقًا للقيم الفهمانية. ذكر جاك كورنفيلد، وهوأستاذ أمريكي وراهب تيرافادا سابق، حتى حركة التأمل الواعي الأمريكية سعت إلى طرح التأمل البوذي «دون تعقيدات الطقوس، والملابس، والترانيم، وسائر التنطقيد الدينية». كان من تعاليم إس إذا غوينكا، وهومدرّب بوذي شهير، حتى طريقته ليست عقيدة طائفية، بل «شيئًا يمكن للأفراد من جميع المشارب حتى يستفيدوا منه: فهي فنّ للحياة». يقارب هذا الطرح البوذية على أنها فلسفة تطبيقية، لا على أنها دين، أويقوم على الفلسفة البوذية دون التعصّب لها.

ينادي سيتفين باتشيلور -الذي يقدّم نفسه كبوذي فهماني- بصيغة بوذية صارمةِ الفهمانيّة. وعلى ضوء تجربته كراهب يمارس البوذية التيبتية وزِن لاحقًا، شعر باتشيلور بالحاجة إلى أسلوب أكثر فهمانية ولا-أدريّة. في كتابيه البوذية بلا معتقدات واعترافات بوذي ملحد، بسطَ باتشيلور أسلوب مقاربته لتعاليم بوذا، واصفًا غوتاما بودا كشخصية تاريخية وليس كأيقونة دينية مثالية، ومحّص في خطه العقائد البوذية التقليدية المختصة بمفهوم الحياة الآخِرة.

يُذكر في هذا الصدد الديمقراطي الليبرالي إريك لوبوك الذي كان بوذيّاً فهمانيّاً وإنسانويّاً وراعيًا لجميعة الإنسانيّة البريطانية حتى وفاته. أدى لوبوك دورًا بارزًا في إلغاء ازدراء الدين كجريمة في إنجلترا ومقاطعة ويلز.

المفاهيم والممارسات الرئيسية

ما تزال البوذية الفهمانية حركة في طور النشوء، بغالبها من الأشخاص العاديين غير المتخصصين. خلافاً للأنواع المتنوعة من الحداثة البوذية، والتي تميل إلى كونها تعديلات على المدارس التقليدية للفكر والممارسة البوذية في ضوء خطابات الحداثة، فإن البوذية الفهمانية تأسست على إعادة تشكيل للمنطلقات الأساسية لفلسفة دارما بذاتها. ولتحقيق هذا الهدف، تسعى البوذية الفهمانية إلى استعادة التعليمات الأصلية لغوتاما بوذا، بوذا التاريخي، رغم أنها لا تدّعي أنها تكشف «ما أراد بوذا قوله حقّاً». بدلاَ من ذلك، تفسّر الفهمانية البوذية التعاليم المقدسة المبكرة بكيفية تستخلص معانيها ضمن سياق بوذا التاريخي (أي، ثقافة سهول الغانج في القرن الخامس قبل الميلاد) وفي نفس الوقت تُظهر قيمتها وارتباطها بالبشر في واقعنا المعاصر. تنطبق على كِلا هذين الجانبين من التفسير حدثة «سيكيولار» (فهماني) إذ تستحضر معنى الحدثة بجذرها اللاتيني –عصرٌ أوجيل محدّد. يمكن القول إذا روح البوذية الفهمانية تتجسد بشكلٍ أفضل في كتاب ستيفين باتشيلور «اعترافات بوذي ملحد».

تطرح البوذية الفهمانية فكرة أنه يجب التخلي عن المعتقدات الغيبية وفهم الخلاص في الثقافة الدينية الهندية. نظرت هذه الثقافة للحياة الإنسانية على أنها عالمٌ مِن العذاب غير قابل للخلاص، ويجب على الفرد حتى يسعى دومًا للتعالي عليه عبر الوصول إلى حالة «ما بعد إنسانية دائمة» وهوالموقف الذي تنادي به عمليّاً جميع المذاهب البوذية، كما الهندوسية والجاينيّة. على الطرف اللقاء، تسعى البوذية الفهمانية إلى توظيف تعاليم بوذا كمرشد للازدهار البشري في هذه الحياة وهذا العالم. بتبنّيها هذا الموقف «ما بعد الغيبي»، تنفصل البوذية الفهمانية عن الأشكال الدينية الموجودة في الأرثوذكسية البوذية التي تطوّرت منذ وفاة بوذا. بدلاً من ذلك، تصنّف البوذية الفهمانية نفسها مع الفلسفات المعاصرة المتجاوزة للغيبيّات، ليس أقلّها الفينومينولجية. إلى غير ذلك تجد البوذية الفهمانية نفسها في خندق يجمعها بحركات مماثلة في اللاهوت المسيحي المتطرف، الذي تمثّله على أفضل وجه أعمال المفكرين من أمثال دون كوبيت وجياني فاتيمو.

يرفض البوذيون الفهمانيون الهياكل الشمولية في السلطة والتي تُضفي عليها الشرعيّة ميتافيزيقيا الأرثوذكسية البوذية نفسُها. بل تشكّك البوذية الفهمانية في السيرورة الروحانية القائمة على المواصفات المعيارية لممارسة التأمّل، والفكرة الشائعة بأن الممارسة البوذية تشغل نفسها بشكل رئيسي لاكتساب الفعاليّة عبر وسائل تأمليّة تقرّها سلطة الأستاذ أوالمدارس التقليدية. على العكس من ذلك، تشدد البوذية الفهمانية على الممارسة/ براكسيس التي تدفع إلى الاستقلالية والتي تضم جميع الجوانب الإنسانية في حياة الفرد، كما تُذكر في نموذج الطريق النبيل الثماني (الرؤية السليمة، العزم السليم، الكلام السليم، الفِعل السليم، العيش السليم، الجهد السليم، الوعي السليم، والتأمل السليم). يفتح هذا الأسلوب البابَ لتوليد طيف واسع من الاستجابات للاحتياجات الفردية والجماعية، بدلاً من الإصرار على «طريق واحد سليم» يقود إلى «الاستنارة» صالح في جميع زمان وكل مكان.

المراجع