أهل السنة والجماعة

عودة للموسوعة

أهل السُّنَّة والجماعة هم أكبر مجموعة دينية من المسلمين في معظم الفترات من تاريخ الإسلام، وينتسب إليهم غالبية المسلمين، ويُعرِّف بهم فهماؤهم أنهم هم المجتمعون على اتباع منهج السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل. ولم تكن هذه التسمية مصطلحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق، وإنما ظهرت هذه التسمية تدريجياً بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، وكان لقب أهل السنة يطلق على أهل الفهم من أئمة الصحابة ومن تبع طريقتهم المسلوكة في الدين، حيث ورد في مقدمة سليم مسلم عن ابن سيرين أنه لما سقطت أحداث مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والتي يشير إليها باسم "الفتنة" أنه نطق: «لمقد يكونوا يسألون عن الإسناد فلما سقطت الفتنة نطقوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»، فالأئمة في الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان هم أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين باعتبار حتى طريقتهم التي كانوا عليها قائمة على اتباع منهاج الهدي النبوي حيث نقلوا فهم الدين بعمومه، واستند عليه فهمهم فيما بينوه وفيما استنبطوه وفق أصول الشريعة.

كان أخذ فهم الدين مختصا بالحاملين له من الصحابة وكانوا في صدر الإسلام يسمونهم القراء لقراءتهم القرآن وفهمهم في الدين، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أنه بعد تمكن الاستنباط الفقهي وكمل الفقه وصار فهما بدلوا باسم الفقهاء والفهماء بدلا من القراء، وانتقل فهم الصحابة إلى التابعين وأخذ عنهم الأئمة من بعدهم، ثم انقسم الفقه فيهم إلى: طريقة أهل الرأي في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر الممضى فيه وفي أصحابه أبوحنيفة، وطريقة أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده.

بعد القرن الهجري الثاني بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره حتى جماعة من السلف تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فسقطوا في التجسيم، وباللقاء فأن المعتزلة بالغوا في التنزيه فأنكروا صفات ثابتة، وأما أهل السنة حينها فكان منهم جماعة مثل: أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وآخرون أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث كمالك بن أنس وغيره فنطقوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها كما هي ولا نتعرض لتأويلها، وكان جماعة من أهل السنة في عصر السلف أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية. بعد حدوث بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرها وانتشار مقولاتهم في أواخر عصر السلف بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره قام أبوالحسن الأشعري وأبومنصور الماتريدي بإيضاح عقائد السلف من أهل السنة ودفع الشبه عنها وتأييدها بالأدلة العقلية والنقلية بمناهج كلامية وخطا عن منطقات الفِرق، فكان من ذلك تمايز هذه الفِرق التي خط الفهماء عنها في "خط الفِرق" جلها في القرن الرابع الهجري ومنهم عبد القاهر البغدادي من فقهاء الممضى الشافعي في كتابه: "الفَرق بين الفِرق"، ذكر فيه أهل السنة والجماعة هي الفِرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من فريقي الرأي والحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق.

والسُّنة لغةً الطريقة والسيرة، وتكون بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين، أوالمثال المتبع والإمام المؤتم به، أوفي لقاء البدعة، ويختلف معنى السنة عند فهماء الشريعة بحسب المقصود منها. نطق الشافعي: «إطلاق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم». وسنة الرسول منهج لكل المسلمين، فهوإمام الأمة وأولى الناس بأمته ومفهمهم الأول، والمقصود بالسنة التي دلت نصوص الشرع على لزومها ووجوب اتباعها هي الطريقة النبوية المشار إليها في النصوص إشارة نوعية لا شخصية، نطق العيني: السُّنَّة: «طريقة النبي صلى الله عليه وسلم» وسنته طريقته في الدين وسبيله إلى الله وفهمه ومنهجه وهديه الذي كان عليه هووأصحابه، فإنهم أخذوا عنه فهم الدين واهتدوا بهديه وكانوا من بعده قدوة للأمة، فالسنة هي الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هووأصحابه والخلفاء الراشدون من بعده في الهدى والفهم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي المثال المتبع في الدين، الذي كان عليه الخلفاء الراشدون وأئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فيضم سنة الخلفاء الراشدين ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاؤه من بعده المبلغون عنه الحاملون لهديه، واتباع طريقتهم في الدين عند الاختلاف هواتباع لطريقته في الرجوع إليهم فيما أشكل من الأمور، واتباعهم فيما اجتهدوا فيه واجتمعوا عليه بعد عصر النبوة، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أواجتهادا مجتمعا عليه منهم أومن خلفائهم؛ فإن إجماعهم إجماع. ويدخل جميع ما وقع منهم مثل جمع القرآن في مصحف واحد وتدوين الدواوين وخط الفهم وغير ذلك من الأمور لكونها موافقة لأصول الدين وإن أحدثت بعد عصر النبوة. نطق الله تعالى: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله..الآية﴾ ونطق تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم..الآية﴾.

فالسنة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي هذه الطريقة المأمور في الشرع باتباعها على أساس حتى اتباع هؤلاء الأئمة قائم على اتباع هدي النبوة الذي هوسبيل الاهتداء إلى الصراط المستقيم. والمتفقون على هذه الطريقة هم الجماعة وهم أهل الفهم الشرعي. والجماعة في هذه التسمة تشير إلى جماعة أهل السنة والجماعة من معنى الاجتماع على هذه الطريقة. وقد اتى في الحديث الأمر باتباع السنة واجتناب البدعة، وأهل السنة والجماعة يفسرون البدعة بمعناها الشرعي بأنها البدعة في الدين التي لا أصل لها في الشريعة، وهي التي ورد في الشرع ذمها ووصف صاحبها بالضلال والموعود عليها بالنار، وهي عندهم تضم صنوف البدع التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من التاريخ الإسلامي، مثل: بدع الخوارج ومن تبعهم والقدرية والمجسمة وغيرهم، وكانت أول بدعة ظهرت في الإسلام فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعربوا خروجهم عن علي بن أبي طالب، وغالوا في الوعيد فنطقوا بتكفير العصاة وتخليدهم في النار، واتخذوا من تكفير المسلمين مبررا للخروج على ولاة الأمر واستباحوا بذلك دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق، وقصروا الإيمان على جماعتهم، وتشعبت منهم فرق كثيرة.

وأهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم من أهل الفهم الشرعي أصحاب المذاهب الفقهية الأئمة المجتهدون وفهماء الشريعة عبر التاريخ الإسلامي، ويدخل فيهم من سواهم ممن تبعهم ووافقهم من المسلمين، واستقر الفقه عندهم في عصور المتأخرين على تقليد المذاهب الأربعة في الأمصار وعمل جميع فقلد بممضى من قلده، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وعلى صحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، ويؤمنون بعدالة جميع الصحابة، وبوجوب السكوت عما جرى بين الصحابة، وإثبات أجر الاجتهاد لهم، ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، واتفقوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم. وإن كانوا عصاة، نطق النووي: «وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين».

التسمية

رسم لفظ الجلالة

أهل السنة والجماعة لقب جرى استعماله منذ فترات متقدمة من تاريخ الإسلام للدلالة على أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث ومن تبعهم وسار على طريقتهم، ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق بين المسلمين، فلمقد يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لمقد يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن سقط اختلاف بين الأئمة المجتهدين في غير ذلك من المسائل الفرعية فهوأمر أقره الشرع، وغالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعون على هدي النبوة، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «المسلمين» أوأهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل الفهم أوالقراء أي: المتفهمون أوالفقهاء بمعنى فهماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: ﴿وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال.

وأصل التسمية قبل حتى تكون لقبا متعارفا عليه قد جرى استعمالها عند أئمة أهل السنة في عصر السلف، حيث كانوا يستعملون عبارة: أهل السنة بمعنى: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين وهم الأئمة أهل الفهم الشرعي الذي يحمله من جميع خلف عدوله، وكانوا يستعملون حدثة: السنة بمعنى الفهم في الدين عموما، فيقولون مثلا: فلان أفهمهم بالسنة، والمقصود من هذا هوالفهم بالشريعة، ولما سقطت الفتنة التي ظهرت أحداثها بالخروج على الخليفة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء وأدت إلى مقتله بدء ظهور استعمال تسمية أهل السنة في تلك الفترة، وبحسب ما اتى عن ابن سيرين حتى لقب أهل السنة يراد به أئمة فهماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك حتى وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى فهم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي سليم مسلم: عن محمد بن سيرين نطق: «إن هذا الفهم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم» عن ابن سيرين نطق: «لمقد يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما سقطت الفتنة نطقوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم». وفي رواية للترمذي في العلل: عن ابن سيرين نطق: «كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما سقطت الفتنة سألوا عن الإسناد، لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع». روى مسلم في سليمه عن أبي هريرة يقول: "نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم»". فالسنة التي اتىت في كلامه بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في الهدى والفهم والعمل والاعتقاد، وأهل السنة هم أهل الفهم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية الفهم في الدين، فأهل السنة يراد بهم أهل الفهم المشتمل على الرواية والدراية معا، وقد ذكر ابن سيرين أهل السنة في لقاء أهل البدعة، وأهل السنة كانوا في حينها يفسرون أهل البدعة بأنه يضم جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما لا أصل له في الشريعة، كالخوارج والقدرية وغيرهم من الفرق التي ظهرت في العصور السابقة، فإنهم تحدثوا في الدين بأهوائهم، روى البخاري في سليمه تعليقا في وصف الخوارج ما نصه: «وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله ونطق: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين».

من المهم جدا فهم الألفاظ المستعملة عند أئمة السلف، ففي تعبير ابن سيرين عند قوله: «حديث أهل السنة» تفيد حتى رواية الحديث لم تكن مقصورة على أهل السنة، بل إذا من وصفهم بالبدعة كذلك يروون الحديث، وأن الحديث جزء من تعريف أهل السنة، إذ المراد بهم أهل الفهم الشرعي، وهوما دلت عليه نصوص أئمة السلف من أنهم لا يقصدون بأهل السنة رواة الحديث، بل يقصدون بذلك أهل الفهم المشتمل على رواية الحديث.

كان أئمة الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان مرجعا للمسلمين بعد عصر النبوة في أمور الدين، من حيث أنهم نقلوا الدين وفهم الشريعة بعمومه، فلا يقتصر فهمهم على النقل فقط بل يضم جميع ما نقلوه وتفهموه وما اختصوا به من الفهم بتفسير الدين وفهم الشريعة واستنباط الأحكام الفقهية لما لديهم من أهلية الاجتهاد وفهم الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ولكونهم أفهم من غيرهم بالشريعة، وقد اتى عن أئمة أهل السنة في عصر السلف أنهم كانوا يسمون هؤلاء الأئمة بـ أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كانوا عليها من الهدى والفهم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عندهم قائمة على اتباع منهاج النبوة من حيث أنهم نقلوا فهم الدين وفهموه واستنبطوا منه، والصحابة لمقد يكونوا كلهم أهل فتيا، بل كان مختصا بفهماء الشريعة منهم الذين تخصصوا منذ عصر النبوة للفهم في الدين، وكان يطلق عليهم في صدر الإسلام لقب: القراء أي: المتفهمين، وكان المتفهم منهم ينطق له قارئ، وبعد انتشار التعليم أصبح يطلق عليهم: الفقهاء أي: أئمة الدين وفهماء الشريعة، وبحسب ما ذكر ابن خلدون حتى لقب القراء كان يطلق في صدر الإسلام على المختصين بفهم الشريعة، وبعد توسع التعليم وتمكن الاستنباط الفقهي عند الأئمة المجتهدين حيث أصبح الفقه صناعة وفهما بدلوا لقب: القراء باسم: الفقهاء والفهماء. وانتقل فقه الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين إلى الأئمة المجتهدين من بعدهم، وصار الفقيه لقبا لأئمة المذاهب الفقهية، ثم اشتهر من ذلك طريقتان للمنهج الفقهي حسب ما ذكر ابن خلدون هما: منهج فقهاء أهل الرأي والقياس في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر الممضى فيه وفي أصحابه أبوحنيفة، ومنهج فقهاء أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. ثم إذا الإمام الشافعي وضع فهم أصول الفقه في كتابه: الرسالة وجمع بين الطريقتين، والفرق بينهما حتى طريقة أهل الرأي توسعوا في القياس أكثر، وهاتان الطريقتان هما اللتان اشتهرتا بعد ذلك عند فقهاء أهل السنة، باعتبار أنه منهج فقهي.

بعد تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها في عصر المتقدمين جمع الفهماء مخالفات هذه الفرق وبينوا مسمياتهم ومقولاتهم، وحصروا عدد تلك الفرق ودونوا تواريخها وجمعوها في خط الفرق، وذكر في كتاب الفرق بين الفرق حتى أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون من فريقي الرأي والحديث، وكان منهم أئمة القراء والمحدثون والفقهاء وأهل النظر، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على هذه الأصول وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، واختلاف الأئمة المجتهدين في فروع الأحكام لا يدخل في هذا التفرق بالاتفاق، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وبحسب ما اتى في كلامه حتى هذه التسمية كانت تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين.

مفهوم حدثة السنة

هذه الموضوعة جزء من سلسلة الإسلام عن:

التعريف اللغوي

السُنَّة في اللغة الطريقة المسلوكة والمثال المتبع الذي يقتدى به والسيرة المتبعة، والعادة المستمرة الدائمة، وعهدها ابن جرير الطبري بمعنى: «المثال المتبع والإمام المؤتم به». نطق لبيد:

من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها.

وسَنَّة الله: أحكامه وأمره ونهيه، وسننها الله للناس: بينها. وسن الله سنة أي: بين طريقا قويما، والسُنَّة أيضا بمعنى: السيرة، حسنة كانت أوقبيحة، وينطق: سننتها سننَّا، وسننتها بمعنى: سرتها، وسنة الأولين سيرتهم، وينطق: سننت لكم سنة فاتبعوها أي: سيروا عليها، وفي الحديث: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة..» يريد من عملها ليقتدى به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده، قيل: هوالذي سنه، نطق نصيب:

كأني سننت الحب أول عاشق من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي

وقد تكرر في الحديث ذكر حدثة: «السُنَّة» وما تصرف منها، والأصل فيه أنها بمعنى: الطريقة والسيرة، ونطق ابن منظور: «وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي ، ونهى عنه وندب إليه قولا وعملا مما لم ينطق به الكتاب العزيز؛ ولهذا ينطق: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث». ومما يشير على هذا حديث: «إنما أنسى لأسن» أي: إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون حتى يعملوا إذا عرض لهم النسيان، نطق: ويجوز حتىقد يكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها، وفي الحديث: «أنه هبط المحصب ولم يسنه» أي: لم يجعله سنة يعمل بها. نطق في التهذيب: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السنن وهوالطريق. نطق أبوعبيد: سنن الطريق وسننه محجته، وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه، ونطق الجوهري: السنن الطريقة ينطق: استقام فلان على سنن واحد.

نطق الآمدي: السنة في اللغة: الطريقة، فسنة جميع أحد ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه، سواء كان ذلك من الأمور الحميدة أوغيرها. نطق في شرح الكوكب المنير: «ومنه قوله : «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها..» الحديث». وتسمى بها أيضا: العادة والسيرة، نطق في البدر المنير: السنة السيرة حميدة كانت أوذميمة، ونطق في القاموس: السنة السيرة، ومن الله تعالى حكمه وأمره ونهيه.

بالمعنى الشرعي

تستعمل حدثة: «السُنَّة» وما تصرف منها بالمعنى الشرعي لمعان متعددة عند فهماء الشريعة الإسلامية على اختلاف مجالات العلوم الشرعية بحسب المقصود منها في جميع فهم، نطق الشافعي: «إطلاق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم».

فتطلق السُنَّة عند فهماء الفقه على: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على المندوب أوالمستحب الذي يقابل الفرض وغيره من الأحكام الخمسة.

السنة عند المحدثين هي: «ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أوعمل أوتقرير أوصفة خلقية أوخُلقية سواء كان قبل البعثة أوبعدها». فهوبمعنى: نقل ورواية ما أثر من الأقوال والأفعال والإقرار والرواية حقيقة أوحكما، ويضم سيرته وصفاتة الخلقية والخلقية وحركاته وسكناته في اليقظة وفي المنام قبل البعثة وبعدها.

السنة عند فهماء أصول الفقه هي: «قول النبي وعمله وإقراره»، نطق تقي الدين الفتوحي في تعريف السنة في اصطلاح فهماء أصول الفقه هي: «قول النبي غير الوحي أي: غير القرآن». أو: «ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هومعجز ولا داخل في المعجز»، وهذا النوع هوالمقصود بالبيان في فهم أصول الفقه. نطق سيف الدين الآمدي: «ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام، وأفعاله وتقاريره». والأقوال تضم الأمر والنهي والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية.

نطق تقي الدين الفتوحي: «السنة شرعا واصطلاحا: «قول النبي وعمله وإقراره على الشيء»، ينطق أويعمل، فإذا سمع النبي إنسانا يقول شيئا، أورآه يعمل شيئا فأقره عليه فهومن السنة بترا»، ونطق أيضا: «والمراد من أقوال النبي وأفعاله: ما لم يكن على وجه الإعجاز».

وتطلق السنة عند فهماء العقيدة علي «هدي النبي صلي الله عليه وسلم في أصول الدين وما كان عليه من الفهم والعمل والهدي».

وتطلق السنة في العهد الشرعي العام على جميع ما منقول من السنة النبوية أوعن الصحابة والتابعين، نطق تقي الدين الفتوحي: «واحترز بقوله: «اصطلاحا» من السنة في العهد الشرعي العام، فإنها تطلق على ما أعم من المنقول عن النبي وعن الصحابة والتابعين؛ لأنها في اصطلاح فهماء الأصول: «قول النبي غير الوحي أي: غير القرآن».

تستعمل حدثة: «السنة» في العهد الشرعي العام بمعنى الطريقة، نطق ابن حجر: «قوله ‹هذه السنة›: أشار إلى طريقة النبي إشارة نوعية لا شخصية». وهذا تعريف للسنة بمعناها الأعم الذي لا يقتصر على الحديث النبوي، فهوبمعنى: الطريقة النبوية والهدي النبوي بعمومه، وما يدخل ضمن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين. وقد تستعمل في العهد الشرعي العام بمعنى الدين كله باعتبار أنه مبلغ الدين عن الله وكل ما اتى بطريق الوحي لا يفهم إلا من جهته، فسنته هديه وطريقته وسبيله إلى الله وهي دعوتة التي دعى إليها والكيفية التي كان عليها من النادىء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وهجر معصيته.

والسنة عند أئمة السلف الصالح هي الفهم في الدين، نطق ابن حجر العسقلاني: نطق الأوزاعي: «الفهم ما اتى عن أصحاب رسول الله وما لم يجئ عنهم فليس بفهم». وأخرج أبوعبيد ويعقوب بن شيبة عن ابن مسعود نطق: «لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم الفهم من أصحاب محمد وأكابرهم، فإذا أتاهم الفهم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا». ونطق أبوعبيدة معناه حتى جميع ما اتى عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هوالفهم الموروث، وما أحدثه من اتى بعدهم هوالمذموم، وكان السلف يفرقون بين الفهم والرأي فيقولون للسنة فهم ولما عداها رأي. وعن أحمد: «يؤخذ الفهم عن النبي ثم عن الصحابة، فإن لم يكن فهوفي التابعين مخير». وعنه: «ما اتى عن الخلفاء الراشدين فهومن السنة وما اتى عن غيرهم من الصحابة ممن نطق إنه سنة لم أدفعه». وعن ابن المبارك: «ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر». نطق ابن حجر: والحاصل حتى الرأي إذا كان مستندا للنقل من الكتاب أوالسنة فهومحمود وإن تجرد عن فهم فهومذموم، وعليه يشير حديث عبد الله بن عمروالمذكور، فإنه ذكر بعد فقد الفهم حتى الجهال يفتون برأيهم.

السنة المأمور باتباعها

السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها هي الطريقة النبوية بمفهومها الأعم عند فهماء أهل السنة والجماعة فيدخل فيها سنة أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وفسرها أئمة أهل السنة من السلف المتقدمين بمعنى: فهم الدين والشريعة المنقول عن أئمة الصحابة وفهمائهم وأئمة التابعين لهم بإحسان، وكانوا يفسرون السنة التي دلت نصوص الشرع على لزوم اتباعها بأنها: «طريقة النبي صلى الله عليه وسلم». أي: هديه ومنهجه وما كان عليه هووأصحابه من الهدى والفهم والعمل والاعتقاد، بمعنى: الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هووأصحابه وخلفائه الراشدون من بعده ومن تبعهم من أئمة الدين، وهوتفسير للسنة بتمام معناها المتكامل، والكثير من فهماء أهل السنة والجماعة المتأخرين يفسرون السنة التي دلت النصوص على الأمر بلزومها بأنها مخصوصة في الاعتقادات من حيث حتى الابتداع المخالف فيها على خطر عظيم. وقد كان أئمتهم المتقدمون يقصدون منها فهم الدين المنقول بعمومه عن أئمة الصحابة وفهمائهم، فإنهم هم الذين حملوا فهم الدين والشريعة وتفهموه وبينوه للناس، فهوإمامهم ومفهمهم الأول وأولى الناس بإمته، وسنته طريقته في الدين ومنهجه وفهمه وهديه وبيانه للناس وحكمه بينهم فيما اختلط عليهم من الأمور، والصحابة لمقد يكونوا كلهم أصحاب فتيا، وإنما اختص منهم الذين تفهموا منه وكان منهم أئمة الدين وفهماء الشريعة، فإنهم أخذوا عنه الفهم في الدين والأمور التي فهمهم إياها وفهموها منه بالمجالسة والصحبة ومعايشة الوقائع، وكل هذا هوالمقصود من لفظ السنة التي لا تقتصر على نقل النصوص، وفهمهم يضم الذي تفهموه وما يضاف إلى ذلك من الأحكام التي فهموها أوبينوها أواستنبطوها أواجتمعوا عليها، وقد كان أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يفسرون السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها بمعنى الفقه في الدين وهوفهم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ويجعلون السنة بهذا المعنى في لقاء البدعة المخالفة لأصول الدين وقواعده من بدع الخوارج والقدرية والفرق المتفرعة منهم، ويسمون مقولات هذه الفرق أهواء مضلة، ويقصدون بذلك الذين نطقوا في الدين بغير فهم وفسروا الدين بأهوائهم وتحدثوا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه ولم يأخذوا الفهم من أئمة الدين حملة الشريعة.

وتفسيرهم السنة بمعناها المتكامل بمعنى فهم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان باعتبار حتى أئمة الصحابة كانوا مجتمعين على الهدى، وسنتهم داخلة في السنة النبوية ضمنا، وكان فهمهم بالسنة مشتملا على خصائص الفهم بالشريعة من جميع الوجوه، فكانوا أفهم الناس باللغة العربية التي تفسر لهم نصوص الشرع، فإنهم لمقد يكونوا يسئلون عن تفسير الكثير من القرآن؛ لأنه هبط بلغتهم، فلمقد يكونوا بحاجة إلى من يفسر لهم معاني ألفاظ نصوص القرآن والحديث؛ لأنهم أصحاب اللغة أصلا، وأئمة الصحابة لمقد يكونوا بحاجة إلى فهم قواعد تفسير القرآن والحديث وأصول التفسير ومناهج الاستدلال الفقهي وأصول الفقه وغير ذلك؛ لأن هذه الأمور كانت قريحة وملكة راسخة في أذهانهم، وأهل الفهم الذين وضعوا فهم التفسير وفهم الفقه وأصول الفقه وغيرها من علوم الشريعة إنما وضعوها نتيجة أخذ فهم الصحابة، والمذاهب الفقهية إنما هي محصلة مذاهب فقهاء الصحابة، وأئمة الدين من بعدهم كلهم عالة عليهم في الفهم المنقول عنهم.

نطق تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ..الآية﴾. أي: حتى تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلفوا عنه. نطق ابن جرير: «وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله وعسكره بالمدينة من المؤمنين به، فإن من يرجوثواب الله ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه ولا عن مكان هوبه، ولكنه تكون له به أسوة في حتىقد يكون معه حيثقد يكون هو».

نطق عمر بن عبد العزيز لما سئل عن القدر: «عمليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة».

السنة في لقاء البدعة

قد تطلق السنة شرعا على ما يقابل البدعة، وقد اتى في نصوص الشرع الأمر باتباع السنة ولزومها في لقاء النهي عن الابتداع والتحذير من البدع، والسنة المتبعة في لقاء البدع المستحدثة والهدى في لقاء الضلال، وقد كان أئمة السنة من السلف المتقدمين يفسرون السنة بمعناها المتكامل، ويجعلونها في لقاء البدعة بمعناها الشرعي وهي: البدعة المستحدثة في الدين المعارضة للسنة والمضادة للشريعة التي تخالف أصول الدين وقواعدة وليس لها أصل في الشريعة وليست من الدين أصلا والموصوف صاحبها بالضلال عن الصراط المستقيم الموعود عليها بالعقوبة في الآخرة، وهي عند أهل السنة والجماعة شاملة لجميع صنوف البدع والأهواء المضلة التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من تاريخ الإسلام والتي كان أولها بدع الخوارج والفرق المتفرعة منها كالقدرية وغيرها، ويستندون في هذا إلى النصوص الشرعية المنقولة في تفرق الأمة وصفات الخوارج ووقوع الفتن.

أخرج الترمذي في سننه: «عن العرباض بن سارية نطق وعظنا رسول الله يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فنطق رجل: إذا هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله! نطق: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم؛ ير اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن استوعب ذلك منكم عمليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»». وأخرجه الحاكم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..». وفي هذا الحديث دلالة على خصائص النبوة بما تضمن من جوامع الحدث، وفيه معجزة دالة على صدق النبوة في الإخبار بما سيكون من الابتداع في الدين المؤدي إلى الاختلاف والتنازع والتفرق، وإخبار الصحابة بأن من يعش منهم؛ فسيرى اختلافا كثيرا في الدين بظهور المحدثات المخالفة لأصول الدين وقواعده وليس لها أصل في الشريعة،

وأئمة أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يقصدون بهذه البدعة التي دلت على ذمها نصوص الشرع بأنها جميع ما استحدثته الفرق التي ظهرت في سالف العصور الإسلامية من الخوض في المتشابهات التي يحدث بسببها العداوة بين المسلمين والتفرق عن جماعة المسلمين والخروج على الحكام، والاستبداد بالرأي في معارضة النص، والاستئثار باتباع الهوى واختلاف الأهواء المضلة التيقد يكون الناس بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم ضمهم بالإسلام، وقد أشار إليها الحسن فنطق: «اتقوا هذه الأهواء فإن جماعها الضلالة وميعادها النار». وقد تضمن الحديث جملة من التعاليم الدينية منها: الوصية بتقوى الله، والسمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم، وفي السليمين عن ابن مسعود نطق: «إن رسول الله كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا».

نطق ابن رجب الحنبلي: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: جميع بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يشير عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يشير عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة. وما سقط في كلام السلف من استحسان بعض البدع؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنه نطق: إذا كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه نطق: هوبدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح، انتهى ملخصا. ومعنى الحديث: فمن استوعب منكم زمن الاختلاف الكثير؛ عمليه بسنتي أي: فليلزم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فإضافة السنة إليهم لكونهم أفهم بها ولاستنباطهم منها واختيارهم إياها. وقد اتى في الحديث الأمر بمتابعة الكيفية التي كان عليها رسول الله هووالصحابة، واتباعها والأخذ بها قولا وعملا واعتقادا، ويدل على ذلك حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..». وفي الحديث: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». وفي الحديث: «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا»، وفي رواية: «ستكون أمور تنكرونها»،

ونطق الشوكاني: «فالسنة هي الطريقة فكأنه نطق: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في جميع شيء، وعلى جميع حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها، وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ؛ عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هوأيضا من سنته لما دل عليه حديث معاذ لما نطق له رسول الله : بم تقضي،يا ترى؟ نطق: بكتاب الله، نطق: فإن لم تجد نطق: فبسنة رسول الله نطق: فإن لم تجد نطق: أجتهد رأيي نطق: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله أوكما نطق..». فإن ما عملوا فيه بالرأي هومن سنته، وقد حث على اتباعهم؛ تأكيدا لمن بعدهم لئلا يتوهم أحد أنهم مخالفون لهديه، وسنة الخلفاء الراشدين هي نفس السنة النبوية ولا تخرج عنها.

نطق ابن حجر العسقلاني: والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عهد الشرع: «بدعة» وما كان له أصل يشير عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عهد الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن جميع شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أومذموما، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد». وحديث العرباض في المعنى قريب من حديث عائشة المشار إليه وهومن جوامع الحدث. يشير على حتى المحدث يسمى بدعة، والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا مرشد له من الشرع بطريق خاص ولا عام. ونطق ابن حجر أيضا: وقسم بعض الفهماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهوواضح، وثبت عن ابن مسعود أنه نطق: «قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة عمليكم بالهدي الأول». نطق الشافعي: «البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهومحمود وما خالفها فهومذموم». ونطق الشافعي أيضا: «المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابا أوسنة أوأثرا أوإجماعا فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة». فمما وقع تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب. ومما وقع الخوض في المتشابهات والأغاليط في مسائل العقيدة، وقد اشتد إنكار السلف على ذلك، نطق ابن حجر العسقلاني: «وثبت عن مالك: أنه لم يكن في عهد النبي وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء -يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية-»، ونطق أيضا: «واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي، وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور، وسببه أنهم تحدثوا فيما سكت عنه النبي وأصحابه». وقسم العز بن عبد السلام البدعة خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ومكروهة.

والبدعة التي توصف بكونها ضلالة عند فهماء أهل السنة والجماعة هي التي تكون في الدين باستحداث ما ليس منه مثل: ابتداع الخوارج القول بتكفير أهل المعاصي، ومثل: ابتداع المجسمة فتنة التجسيم وغيرها من البدع الموعود مبتدعها بالنار وإن لم يخرج ببدعته عن الملة إذ المقصود العقوبة على البدعة. أما ما كان له أصل من الدين أوما من السنة الحسنة؛ فلاقد يكون من البدع المنهي عنها فقد ورد في الحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده خط له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده خط عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء». وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: و«من نادى إلى الهدى..» و«من نادى إلى الضلالة..». نطق النووي: هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة. ونطق النووي: «قوله : «فعمل بها بعده» معناه: إذا سنها سواء كان العمل في حياته أوبعد موته. والله أفهم».

اتباع سنة الخلفاء الراشدين

أسماء الخلفاء الأربع مكتوبة على سقف يني جامع في إسطنبول.

الخلفاء الراشدون بالمعنى العام هم أئمة المسلمين في الدين أهل الهدى والرشاد، أومن كان منهم خليفة للمسلمين وهم عند أهل السنة والجماعة الخلفاء الأربعة اتفاقا، ونص كثير من الأئمة على حتى عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، لأنهم جمعوا بين إمامة الدين والدنيا، وكانت لهم ولاية قائمة على منهاج النبوة، وأهل السنة والجماعة متفقون وجوب اتباع سنة الخلفاء، وأنها من السنة التي أمر الشرع باتباعها وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى، ويستدلون على ذلك بأدلة منها حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» ومعناه إلزموا طريقتي أي: التي كان عليها هووأصحابه من الفهم والعمل والاعتقاد والهدى، والزموا طريقة الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالهدى والرشاد، وهم المقتفون لأثره المتبعون لسنتة المهتدون بهديه، وذلك أنه لما كان رسولا للعالمين وخاتما للأنبياء والمرسلين كان الأئمة في الدين هم المستخلفون من بعده الحاملون لشريعته المبلغون عنه لرسالته الداعون بدعوته الهادون بهديه الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الوارثون لفهم النبوة من بعده في أخذ الفهم عنهم، وفي الحديث: «كان بنوإسرائيل تسوسهم الأنبياء، حدثا توفي نبي قام بعده نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون».

والمقصود بـالخلفاء في هذا الحديث الأئمة المجتهدون الفقهاء في الدين، الذين اختصوا بفهم الكتاب والسنة رواية ودراية، وهم الخلفاء الأربعة الأوائل أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ويتضمن الأمر باتباع سنة الخلفاء اتباع أئمة الفقهاء في الدين فهماء الشريعة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فإنهم ورثة فهم النبوة.

«عن يحيى بن أبي المطاع نطق سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد فنطق: «عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، وسترون من بعدي اختلافا شديدا عمليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن جميع بدعة ضلالة.»» في الحديث: الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كان المولى عليهم عبد حبشي مبالغة في وجوب لزوم الطاعة، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر ما لم يأمروكم بكفر بواح عندكم فيه من الله برهان. وقوله: «وسترون من بعدي اختلافا..» بمنزلة التعليل للوصية بذلك أي: والسمع والطاعة مما يدفع الخلاف الشديد فهوخير وعند ذلك: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» قيل هم الخلفاء الأربعة، وقيل: هم أهل الفهم بالكتاب والسنة ومما يشير عليه حديث: «وعن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري نطق: نطق رسول الله : «يحمل هذا الفهم من جميع خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»». رواه البيهقي. نطق السندي: قوله: «وسنة الخلفاء إلخ» قيل: هم الأربعة رضي الله عنهم وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام في إعلاء الحق وإحياء الدين وإرشاد الخلق إلى الصراط المستقيم. وقوله: «عضوا عليها بالنواجذ»: بالذال المعجمة وهي الأضراس قيل: أراد به الجد في لزوم السنة كعمل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعا من حتى ينتزع أوالصبر على ما يصيب من التعب في ذات الله كما يعمل المتألم بالوجع يصيبه قوله: «والأمور المحدثات» قيل: أريد بها ما ليس له أصل في الدين، نطق السندي: «وأما الأمور الموافقة لأصول الدين فغير داخلة فيها، وإن أحدثت بعده قلت: هوالموافق لقوله: «وسنة الخلفاء» فليتأمل».

والراشدون جمع راشد وهوالذي عهد الحق وعمل به، وإنما وصف الخلفاء بالراشدين لأنهم عهدوا الحق وقضوا به، والرشاد ضد الغواية، والغاوي من عهد الحق وعمل بخلافه. وفي رواية: «المهديين» يعني: حتى الله يهديهم للحق ولا يضلهم عنه فالأقسام ثلاثة: راشد وغاووضال فالراشد عهد الحق واتبعه والغاوي: عهده ولم يتبعه، والضال: لم يعهده بالكلية، فكل راشد فهومهتد، وكل مهتد هداية تامة فهوراشد، لأن الهداية إنما تتم بفهم الحق والعمل به أيضا.

«عن عبد الرحمن بن عمروالسلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول وعظنا رسول الله موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إذا هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا نطق: «قد هجرتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا عمليكم بما عهدتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد»».

نطق السندي: قوله: «على البيضاء» أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلا فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها وإليه الإشارة بقوله: «ليلها كنهارها» قوله: «فإنما المؤمن» أي: شأن المؤمن هجر التكبر والتزام التواضع فيكون كالجمل الأنف ككنف أي بلا أعطى وكصاحب أي: بالمد والأول أصح وأفصح أي: الذي جعل الزمام في أنفه فيجره من يشاء من صغير وكبير إلى حيث يشاء حيثما قيد أي سيق والله أفهم.

وفيه إخبار صحابته بما سيكون من بعده من الاختلاف الكثير أي: بعد انتشار الإسلام واندماج ثقافات الشعوب المتنوعة ووقوع ظواهر جديدة وإشكالات، فبين لهم حتى من استوعب زمن هذا الاختلاف عمليه بالرجوع إلى ما فهموه من سنته وسنة خلفائه من بعده فالسنة المأمور باتباعها عند أئمة السنة من السلف المتقدمين هي فهم الدين بعمومة عن أئمة الصحابة وفهمائهم، «وسنة الخلفاء..» داخلة في عموم معنى السنة، وإنما خصهم بالسنة المضافة إليهم لأن لهم سنة متبعة، ويجب اتباعها والرجوع إليها عند الاختلاف، وسنن الخلفاء التي اجتمع الناس عليها مثل جمع القرآن، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح ووضع الدواوين وغير ذلك،

روى أبونعيم من حديث عرزب الكندي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق: «إنه سيحدث بعدي أشياء فأحبها إلي حتى تلزموا ما أحدث عمر»".

ونطق مالك: نطق عمر بن عبد العزيز: «سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله، وليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها فهومهتد، ومن استنصر بها فهومنصور، ومن هجرها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا».

ونطق خلف بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهوخليفة فنطق في خطبته: «ألا إذا ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه فهووظيفة دين، نأخذ به وننتهي إليه».

وسنة الخلفاء التي سقط الاجتماع عليها تضم الأحكام الصادرة عنهم في مستجدات ليس فيها نص شرعي يشير عليها بخصوصها، كقضاء عمر الذي جمع عليه الصحابة في العول وفي مسألتي الغراوين ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي تحريم متعة النساء، وغير ذلك. وكل ما قضى به أئمة الصحابة أوخلفائهم وحصل الاجتماع عليه فهوعند أهل السنة والجماعة حجة معتبرة وإجماعهم إجماع، أما ما لم يجتمعوا عليه من فروع الأحكام فلا تكون حجة بل هي مذاهب فقهية.

نطق وكيع: «إذا اجتمع عمر وعلي على شيء فهوالأمر».

عن ابن مسعود أنه كان يحلف بالله: إذا الصراط المستقيم هوالذي ثبت عليه عمر حتى ولج الجنة.

وكان علي يتبع أحكامه وقضاياه، ويقول: «إن عمر كان رشيد الأمر».

وروى أشعث عن الشعبي نطق: «إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف من الممكن أن قضى فيه عمر فإنه لم يكن يقضي عمر في أمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور».

ونطق مجاهد: «إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما خلق عمر فخذوا به».

ونطق أيوب عن الشعبي: «انظروا ما اجتمعت عليه أمة محمد، فإن الله لم يكن ليجمعها على ضلالة، فإذا اختلفت فانظروا ما خلق عمر ابن الخطاب فخذوا به».

وسئل عكرمة عن أم الولد فنطق: تعتق بموت سيدها، فقيل له: بأي شيء تقول،يا ترى؟ نطق: بالقرآن نطق: بأي القرآن،يا ترى؟ نطق: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ (النساء: 59)، وعمر من أولي الأمر.

مفهوم لفظ الجماعة

تعريف

الجَماعة في اللغة المجتمعون على الشيء، وجمع الشيء عن تفرقة، وأصل الحدثة لإفادة معنى الاجتماع في لقاء الافتراق، وقد اتى في نصوص القرآن والحديث استعمال حدثة الجَماعة ضد الفُرقة والاجتماع ضد الافتراق، فلا تقتصر حدثة الجماعة على فرقة في لقاء أخرى، فالمسلمون كلهم كالجسد الواحد، ربهم واحد ونبيهم واحد ودينهم واحد، والمسلمون جميعا أمة واحدة وجماعة واحدة تجمعهم حدثة الإسلام، واجتماع أهل الإسلام جماعة واحدة وعدم تفرقهم هوالمطلوب في الشرع الإسلامي، وقد أمر الله جميع المسلمين حتىقد يكونوا جماعة واحدة مجتمعين غير متفرقين، فنطق تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاً ولا تفرقوا ..الآية﴾، نطق ابن عباس: معناه تمسكوا بدين الله، ونطق ابن مسعود: هوالجماعة، ونطق: «عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر الله به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة». ونطق مجاهد وعطاء: بعهد الله، ونطق قتادة والسدي: هوالقرآن، ونطق مقاتل بن حيان: بحبل الله: أي بأمر الله وطاعته. ونطق العيني: الكتاب والسنة.﴿ولا تفرقوا﴾ نطق البغوي: أي: لا تتفرقوا كما تفرق اليهود والنصارى. ونطق تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. فالتنازع يؤدي إلى الخذلان وذهاب القوة، والفُرقة المنهي عنها في الشرع الإسلامي هي التي تكون مضادة للجماعة بمخالفة جماعة أهل الإسلام فيما اجتمعوا عليه التي تُصيِّر الأمة شيعا وأحزابا متفرقين وجماعات متعددة، وهوغير الخلاف المعتبر في مسائل الفروع، فلا يدخل في معنى التفرق في الدين، فاجتهاد الخلفاء الراشدين وأئمة الصحابة ومن تبعهم من أهل الاجتهاد المعتبر لا يدخل في هذا بالإجماع، فهولا يؤدي إلى التنازع وتفريق الدين بل هوالذي رحمة ولا يفسد للودِّ قضية.

الجماعة من حيث هي في الشريعة الإسلامية جماعة المسلمين عموما، وجماعة المسلمين بوجه عام يضم عامة الناس وخاصتهم، إلا حتى الجماعة التي نهى الشرع عن مفارقتها لا تتمثل بكثرة العدد وإنما تكون في الخاصة وهي جماعة الأئمة والأمراء، فالأئمة أي: في الدين، والأمراء هم ولاة الأمور، والفرقة المنهي عنها تكون بمعنى مفارقة جماعة الأئمة والأمراء، وتكون كذلك بمعنى الافتراق في الآراء والأديان، وهذا التفصيل ذكر أبوسليمان الخطابي في كتاب: «العزلة» في القرن الرابع الهجري فنطق: «الفرقة فرقتان فرقة الآراء والأديان وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان: جماعة هي الأئمة والأمراء وجماعة هي العامة والدهماء»، وفي كلامه بيان المقصود من هذا التقسيم وهوحتى الجماعة المنهي عن مفارقتها إنما هي جماعة الأئمة والأمراء، أما جماعة عامة الناس فليست هي المقصودة من هذا النهي، كما حتى فرقة الأبدان والأشخاص ليست هي المقصودة من هذا النهي أيضا، وإنما المقصود فرقة الآراء والأديان.

واتى في كلامه: حتى الافتراق المنهي عنه في الشرع هوالافتراق في الآراء والأديان، وقد بين ذلك بقوله: «فأما الافتراق في الآراء والأديان فإنه محظور في العقول محرم في قضايا الأصول لأنه داعية الضلال وسبب التعطيل والإهمال، ولوهجر الناس متفرقين لتفرقت الآراء والنحل ولكثرت الأديان والملل ولم تكن فائدة في بعثة الرسل وهذا هوالذي عابه الله عز وجل من التفريق في كتابه وذمه في الآي التي تقدم ذكرها». ونطق: «وعلى هذه الوتيرة نجري الأمر أيضا في الافتراق على الأئمة والأمراء فإن في مفارقتهم مفارقة الألفة وزوال العصمة والخروج من كنف الطاعة وظل الأمنة وهوالذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأراده بقوله: «من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية»، وذلك حتى أهل الجاهلية لم يكن لهم إمام يجمعهم على دين ويتألفهم على رأي واحد بل كانوا طوائف شتى وفرقا مختلفين آراؤهم متناقضة وأديانهم متباينة وذلك الذي نادى كثيرا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعة الأزلام رأيا فاسدا اعتقدوه في حتى عندها خيرا وأنها تملك لهم نفعا أوتدفع عنهم ضرا».

تفسير معنى الجماعة

الجماعة من حيث هي بالمعنى الشرعي تشير عموما إلى جماعة المسلمين، لكن الجماعة التي يحرم في الشرع مفارقتها هي جماعة الأئمة والأمراء، والجماعة من حيث أنها تفيد معنى الاجتماع تدل على المجتمعين على أمر خالفهم فيه غيرهم، وقد اتى عن أئمة أهل السنة والجماعة تفسيرات لمعنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المأثورة في أقول منقولة عن أئمتهم من متقدمي السلف، وهي تفسيرات لتحديد الجماعة لاعتبارات مخصوصة في الجماعة وصفات المجتمعين وفيما اجتمعوا عليه، وقد جمع ابن جرير الطبري (ت 318 هـ) أقوال الأئمة ونقلها عنه الفهماء من بعده، ويرجع الفرق بين هذه الأقوال إلى اختلاف صفات الاجتماع بحسب ما يراد منه في معنى المخالفة، وهذه الأقوال نقلها عنه الشاطبي في كتاب: الاعتصام وذكرها في خمسة أقول باختصار هي: «السواد الأعظم، الأئمة المجتهدون، الصحابة، أهل الإسلام إذا اجتمعوا على أمر، جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير».

القول الأول: حتى الجماعة هي السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهوالحق، ومن خالفهم توفي ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أوفي إمامهم وسلطانهم، فهومخالف للحق، وهم الذين إذا اجتمعوا على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لهم ميتا ميتة جاهلية، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل الفهم والدين وغيرهم، المجتمعون على ما كان عليه أهل الهدي الأول، فيدخل في الجماعة مجتهدوالأمة وفهماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهوالحق، وممن نطق بهذا أبومسعود الأنصاري وابن مسعود، وهذه هي الجماعة التي وصفها أبومسعود الأنصاري فيما روى الطبري أنه لما اغتال الخليفة عثمان بن عفان سئل أبومسعود الأنصاري عن الفتنة فأوصى بالجماعة ونطق: إذا الأمة لا تجتمع على ضلال، ووصف الفرقة بأنها هي الضلال، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا، ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال، سواء كان المخالف لهم في أمر من الدين أوخالفهم في أميرهم.

أحدها: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهوالحق، ومن خالفهم توفي ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أوفي إمامهم وسلطانهم، فهومخالف للحق، وممن نطق بهذا أبومسعود الأنصاري وابن مسعود، فروى أنه لما اغتال عثمان سئل أبومسعود الأنصاري عن الفتنة فنطق: «عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة، واصبر حتى تستريح أويستراح من فاجر»، ونطق: «إياك والفرقة فإن الفرقة هي الضلالة»، ونطق ابن مسعود: «عليكم بالسمع والطاعة فإنها حبل الله الذي أمر به»، ثم قبض يده ونطق: «إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذين تحبون في الفرقة»، وعن الحسين قيل له: أبوبكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم،يا ترى؟ فنطق: «أي والذي لا إله إلا هو، ما كان الله ليجمع أمة محمد على ضلالة». عملى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدوالأمة وفهماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال.

الثاني: حتى الجماعة هي جماعة أئمة الفهماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه فهماء الأمة توفي ميتة جاهلية، وممن نطق بهذا عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف وهورأي الأصوليين، فالأئمة المجتهدون مرجع الأمة.

الثالث: حتى الجماعة هي الصحابة على الخصوص، لأن جماعتهم هي الأصل فإنهم مجتمعون على الهدى، ولا يتحقق الاجتماع على على الهدى إلا باتباعهم فيما اجتمعوا عليه من الحق، وممن نطق بهذا القول عمر بن عبد العزيز. والثالث: حتى الجماعة هي الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا، وقد يمكن فيمن سواهم ذلك، وممن نطق بهذا القول عمر بن عبد العزيز، فروى ابن وهب عن مالك نطق: كان عمر بن عبد العزيز يقول: «سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيها، من اهتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن خافها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا»، فنطق مالك: فأعجبني عزم عمر على ذلك. وعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أنا عليه وأصحابي» فكأنه راجع إلى ما نطقوه وما سنوه، وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق، وبشهادة رسول الله لهم بذلك خصوصا في قوله: «عمليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» وأشباهه، أولأنهم المتقلدون لكلام النبوة، المهتدون للشريعة، الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة، على فهم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال، بخلاف غيرهم فإذاً جميع ما سنوه فهوسنة من غير نظير فيه، بخلاف غيرهم، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا للنظر ردا وقبولا، فأهل البدع إذاً غير داخلين في الجماعة بترا على هذا القول.

والرابع: حتى الجماعة هي جماعة أهل الإسلام، إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام حتى لا يجمعهم على ضلالة، فإن سقط بينهم اختلاف فواجب تعهد الصواب فيما اختلفوا فيه، نطق الشافعي: «الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله، ولا سنة ولا قياس، وإنما تكون الغفلة في الفرقة». وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهويقتضي أيضا ما يقتضيه، أويرجع إلى القول الأول وهوالأظهر.

والخامس: ما اختاره الطبري الإمام من حتى الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدوإحدى حالتين، إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته السقمية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها وسماها النبي مارقة من الدين، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه. وقد نطق : «من اتى إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان». نطق الطبري: فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة، نطق: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية، فهي الجماعة التي وصفها أبومسعود الأنصاري، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل الفهم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم. نطق: وقد بين ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فروي عن عمر بن ميمون الأودي نطق: نطق عمر حين طعن لصهيب: «صل بالناس ثلاثا وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء، فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف فإن والىخمسة ونكص واحد فاجلد رأسه بالسيف، وإن والىأربعة ونكص رجلان فاجلد رأسيهما حتى يستوثقوا على رجل»، نطق: فالجماعة التي أمر رسول الله بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى كثرة العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم، نطق: وأما الخبر الذي ذكر فيه حتى لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه: حتى لا يجمعهم على إضلال الحق فيما نابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن الفهم ويخطئوه، وذلك لاقد يكون في الأمة. هذا تمام كلامه وهومنقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ. وحاصله: حتى الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر في حتى الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكور في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم.

الأئمة المجتهدون

كان الصحابة يختارون الخليفة على أساس حتىقد يكون إماما مجتهدا من أفقههم في الدين وأفهمهم بالشريعة يأتم به الناس وتجتمع عليه الأمة، وكان خلفاؤهم يختارون الولاة على أساس حتىقد يكونوا من أئمة الدين وفهماء الشريعة، وذلك حتى معنى الجماعة عندهم لا يتحقق إلا باجتماع الأئمة المجتهدين من أهل الفهم، واتى عن أئمة أهل السنة من متقدمي السلف تفسيرات لمعنى الجماعة التي دلت الأحاديث عليها، وقد ذكر ابن جرير الطبري أقوالهم في تفسير الجماعة، ونقلها عنه فهماء أهل السنة والجماعة ومنهم الشاطبي فنطق: «والثاني: أنها جماعة أئمة الفهماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه فهماء الأمة توفي ميتة جاهلية، لأن جماعة الله الفهماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة»، وذلك حتى العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع من النوازل، وهي تبع لها. فمعنى قوله: لن تجتمع أمتي لن يجتمع فهماء أمتي على ضلالة، وممن نطق بهذا عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف وهورأي الأصوليين، فقيل لـ عبد الله بن المبارك: من الجماعة الذين ينبغي حتى يقتدى بهم،يا ترى؟ نطق: أبوبكر وعمر -فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين ابن واقد- فقيل: هؤلاء ماتوا: فمِن الأحياء،يا ترى؟ نطق: أبوحمزة السكري، وعن المسيب بن رافع نطق: كانوا إذا اتىهم شيء من القضاء ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله سموه ‹صوافي الأمراء› فجمعوا له أهل الفهم، فما أجمع رأيهم عليه فهوالحق، وعن إسحاق بن راهويه نحومما نطق ابن المبارك. عملى هذا القول لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد، لأنه داخل في أهل التقليد، فمن عمل منهم بما يخالفهم فهوصاحب الميتة الجاهلية».

وقد اتفق الجميع على اعتبار أهل الفهم والاجتهاد، وأن الاعتبار في الجماعة المفسرة بالسواد الأعظم إنما هوبالسواد الأعظم من الفهماء المعتبر اجتهادهم فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية، وأما جماعة العوام فإنهم تبع لأئمتهم؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى الفهماء، فإنهم لواجتمعوا على مخالفة الفهماء لكانوا هم السواد الأعظم لقلة الفهماء وكثرة الجهال، لكن العبرة ليست بالكثرة، فلاقد يكون اجتماع العوام حجة ولا مرجعا في الدين وإن كانوا هم الأكثر عددا، فإنهم قد يجتمعون على ضلال، فلا يقول أحد: إذا اتباع جماعة العوام هوالمطلوب وإن الفهماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل الأمر بالعكس وأن الفهماء هم السواد الأعظم وإن قلوا والعوام هوالمفارقون للجماعة إذا خالفوا فإن وافقوا فهوالواجب عليهم، فلا يمكن حتى ينطق حتى العوام هم الجماعة المأمور باتباعها، وإن خلا الزمان عن مجتهد فلا يمكن اتباع العوام لأمثالهم، بل يتنزل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين فالذي يلزم العوام مع وجود المجتهدين هوالذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهد، فالأئمة المجتهدون في العصور المتقدمة فيما اجتمعوا عليه حجة على من بعدهم. وقد سئل ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم أجاب بأن نطق: أبوبكر وعمر.. نطق: فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين ابن واقد قيل: فهؤلاء ماتوا، فمن الأحياء،يا ترى؟ نطق: أبوحمزة السكري، وهومحمد بن ميمون المروزي.

نطق الشاطبي: فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة ورمي في عماية وهومقتضى الحديث السليم: «إن الله لا يقبض الفهم انتزاعا..» الحديث. روى أبونعيم عن محمد بن القاسم الطوسي نطق: سمعت إسحاق بن راهوية وذكر في حديث حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم نطق: «إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف عمليكم بالسواد الأعظم» فنطق رجل يا أبا يعقوب من السواد الأعظم،يا ترى؟ فنطق محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم ثم نطق: سأل رجل ابن المبارك: من السواد الأعظم،يا ترى؟ نطق: أبوحمزة السكري ثم نطق إسحاق: في ذلك الزمان (يعني أبا حمزة) وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه ثم نطق إسحاق: لوسألت الجهال عن السواد الأعظم لنطقوا: جماعة الناس ولا يفهمون حتى الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن كان معه وتبعه فهوالجماعة. وقد اتى عن البخاري وغيره تفسير الجماعة بأنها: جماعة أهل الفهم، وهم الأئمة المجتهدون وسائر فهماء الشريعة التابعون لهم بإحسان، ونطق بدر الدين العيني في بيان المراد بـ«الجماعة» في المذكورة في الحديث: «الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة الفهماء؛ لأن الله عزّ وجل جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها، وهم تبع لها، وهم المعنيون بقوله: «إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة»».

ثبت في الحديث السليم إخبار الصحابة بأن من يعش منهم فسيدرك زمناقد يكون فيه الاختلاف الكثير وأمورا ينكرونها، فأوصاهم بأن من استوعب شيئا من ذلك عمليه بالهدي الأول أي طريقته التي كان عليها هووأصحابه وطريقة الخلفاء الراشدين من بعده، وهذا هوالاجتماع على الحق والهدى في أمور الدين الذي كان عليه أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وهي مبنية على الاتفاق في أصول الدين، وأما الاختلاف في فروع الأحكام فقد حصل في زمن الصحابة ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين في حوادث الأمور التي ليس في الشرع نص يشير عليها بخصوصها، وفق شروط ذكرها الفهماء في فهم أصول الفقه، وقد كان هذا الاجتهاد المخصوص بالأئمة المجتهدين في غالب الأحيان ينتهي بالإجماع، وإجماع الأئمة المجتهدين من الصحابة فمن بعدهم حجة على أهل ذلك العصر فمن بعدهم، وقد انتقلت مذاهب فقهاء الصحابة إلى فقهاء التابعين فمن بعدهم من أئمة المذاهب الفقهية، واشتهر منها عند أهل السنة والجماعة مذاهب فقهاء أهل الرأي وفقهاء أهل الحديث، فأخذوا مذاهب الصحابة فمن تبعهم من الأئمة واجتهدوا في المسائل التي بقيت محل اختلاف فانتهوا في كثير منها إلى الإجماع، وهذه المذاهب نقلها أئمتهم واجتهد أصحاب جميع ممضى في المسائل التي لم يرد فيها نص عن إمام ممضىه وسقط الاختلاف في فروع من جميع ممضى، ثم اتى أهل الترجيح من أصحاب جميع ممضى فرجحوا قولا واحدا من الأقوال التي سقط فيها الخلاف، والمذاهب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة التي استقر عليها العمل عندهم في عصر المتأخرين هي المذاهب الأربعة، ويكون العمل بممضى واحد منها في التعليم والإفتاء والقضاء عند فهماء جميع ممضى بما ترجح في ممضىه، وقد ذكر ابن خلدون أنه وقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز. وعمل جميع مقلد بممضى من قلده منهم بعد تسليم الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الخط. ونطق ابن خلدون: «ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده. وقد صار أهل الاسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة».

لزوم جماعة المسلمين

لزوم جماعة المسلمين جماعة المسلمين مطلوب في سائر الأحوال، إلا أنه اختص على وجه التأكيد طالما الافتراق، ولزوم الجماعةقد يكون فيه معنى الاتباع والاقتداء بالأئمة في الدين والسمع والطاعة لولاة الأمر، وقد اتى في الحديث الأمر بلزوم جماعة المسلمين فيما اجتمعوا عليه من الحق عموما، ورجح ابن جرير الطبري حتى المراد: لزوم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، نطق: «فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم»، نطق ابن حجر العسقلاني: نطق الطبري: اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فنطق قوم: هوللوجوب والجماعة السواد الأعظم، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما اغتال عثمان: «عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة». ونطق قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم، ونطق قوم: المراد بهم أهل الفهم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين. نطق الطبري: والصواب حتى المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، نطق: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إذا استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما اتى في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها.

وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إذا استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وهوما يشير عليه: «عن حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة حتى يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فاتىنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر،يا ترى؟ نطق: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير،يا ترى؟ نطق: «نعم وفيه دخن»، قلت وما دخنه،يا ترى؟ نطق: «قوم يهدون بغير هديي تعهد منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر نطق: «نعم نادىة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت يا رسول الله صفهم لنا نطق: «هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك نطق «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام نطق «فاعتزل تلك الفرق كلها ولوحتى تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»». والخير سبيل هدى الإسلام وهوالكيفية التي كان عليها أئمة الصحابة والخلفاء الراشدون ومن تبعهم بإحسان في الهدى والفهم والعمل والاعتقاد، والمخالفون لهذه الطريقة هم الذين وصفهم بأنهم يهدون بغير هدي النبوة، واتى عن أهل السنة والجماعة تفسير النادىة على أبواب جهنم بأنهم الذين خرجوا في طلب الملك كالخوارج وغيرهم فإنهم ضلوا عن سبيل الهدى، فأوصاه بأن لا يتبع تلك الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، وأن يلزم الجماعة وإمامهم وهوالخليفة، فلزوم الجماعة راجع إلى الاجتماع على خليفة، فإن كان اجتماعهم موافقا لما اجتمع عليه أئمة الصحابة والخلفاء الراشدون فلزوم الجماعة معناه اتباعهم والاقتداء بهم والسمع والطاعة لأميرهم، وإن كان الخليفة عاصيا أوفاسقا أومن أصحاب الفرق المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة كما هوالحال في تغلب المعتزلة في زمن المأمون وأخويه من بعده فلا يتبعهم فيما استحدثوه من الأهواء، ورغم ذلك فإن أهل السنة حينها لم يخرجوا على الخليفة، والمراد بالنادىة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله: «الزم جماعة المسلمين وإمامهم»، يعني ولوجار، ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: «ولوضرب ظهرك وأخذ مالك». ومعنى: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» أي: ولي الأمر، زاد في رواية أبي الأسود: «تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»، وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني: «فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك، فإن لم يكن خليفة فالهرب». وقوله: «ولوحتى تعض بأصل شجرة..» هوكناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولوعصوا، وفي رواية عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة عند ابن ماجه: «فلأن تموت وأنت عاض على جذل خير لك من حتى تتبع أحدا منهم» أي: لا تتبع أحدا من أهل الأهواء الخارجين عن جماعة المسلمين وإمامهم. والجذل بكسر الجيم وسكون المعجمة بعدها لام عود ينصب لتحتك به الإبل. نطق البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة عمليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أوالمراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: «عضوا عليها بالنواجذ». ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر: «فإن مت وأنت عاض على جذل خير لك من حتى تتبع أحدا منهم». ونطق ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وهجر الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم: «نادىة على أبواب جهنم» ولم يقل فيهم: تعهد وتنكر كما نطق في الأولين، وهم لاقد يكونون كذلك إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة.

تدل النصوص الشرعية على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر؛ لأن فيه اجتماع الحدثة وفي الحديث: «عن ابن عباس عن النبي نطق: "من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا توفي ميتة جاهلية"». وفي رواية: «فليصبر عليه». وقوله: فإنه من خرج من السلطان أي: من طاعة السلطان وفي الرواية الثانية «من فارق الجماعة»، وقوله «شبرا»: كناية عن معصية السلطان ومحاربته. نطق ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولوبأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. وفي الرواية الأخرى: «فمات إلا توفي ميتة جاهلية» وفي رواية لمسلم: «فميتته ميتة جاهلية»، وعنده في حديث ابن عمر حمله: «من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن توفي وليس في عنقه بيعة توفي ميتة جاهلية» أي: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعهدون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، والمقصود الزجر والتنفير وظاهره غير مراد، نطق ابن بطال: في الحديث حجة في هجر الخروج على السلطان ولوجار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء.

والأدلة على لزوم الجماعة كثيرة ومنها: ما أخرج الترمذي: «عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن النبي نطق: نضر الله امرأ سمع منطقتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هوأفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم». ورواة الشافعي والبيهقي في المدخل.

وعن ابن أبي مليكة نطق: نطقت أسماء: "عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق: «أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فينطق لا تدري مشوا على القهقرى»" نطق ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك حتى نرجع على أعقابنا أونفتن.

اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على وجوب طاعة ولاة الأمر لما فيه من اجتماع حدثة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم؛ لقوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ ونطق النووي: «نطق الفهماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم الفهماء وقيل: الأمراء والفهماء، وأما من نطق: الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ».

روى مسلم في سليمه: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني». نطق النووي: «لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر هوصلى الله عليه وسلم بطاعة الأمير، فتلازمت الطاعة».

وفي رواية لمسلم: "عن أبي هريرة نطق: نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك»".

نطق النووي: «ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا حتى تروا منهم منكرا محققا تفهمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين». نطق: وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في خط الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع.

ونطق أيضا: «نطق الفهماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه».

«ونطق جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتحدثين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه؛ للأحاديث الواردة في ذلك».

مسألة الإمامة

رسم لاسم الإمام علي بن أبي طالب على أحد الصحون الجدارية العملاقة في آيا صوفيا.

تعد مسألة الإمامة من أبرز المسائل التي استخدمتها الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، وكان أولها فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعربوا خروجهم عن علي بن أبي طالب، قائلين لا حكم إلا لله، وقد رد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: «حدثة حق يراد من ورائها باطل» وهم أول من ابتدع الخروج على الحكام، ثم ظهرت فرق التشيع الذين اعتقدوا حتى الإمامة أصل من أصول الدين، وأنها بالوراثة على اختلافهم في تحديد مستحقها. واعتبر أهل السنة والجماعة حتى الإمامة مسألة مصلحية إجماعية وليست من أصول العقيدة. والإمام هوالذي يقتدي به الناس في أقواله وأفعاله، وأئمة المسلمين فهماء الدين وهم ورثة الأنبياء في حمل الفهم وتأدية المهام الدينية تجاه عامة الناس، وتختلف هذه المهام باختلاف المراتب الفهمية والصلاحيات المسندة إليهم، وأئمة المسلمين هم: الخلفاء فمن دونهم من أهل الولايات وفهماء الدين، والأصل في الإمامة أنها إمامة الدين في الأئمة المجتهدين على اختلاف مراتب الاجتهاد، وفهماء الدين تبع لهم، باعتبار حتى الأئمة في الدين حملة الشرع هم ورثة الأنبياء في نقل الدين وبيانه للناس، وقد قيل لأبي بكر الصديق: يا خليفة الله فنطق: "لا بل أنا خليفة رسول الله "، وقد كان اختيار الخلفاء في الابتداء على أساس حتىقد يكونوا أئمة في الدين، والخلفاء الراشدون كانوا كذلك، وكان جميع واحد منهم إماما مجتهدا، والصحابة لا يختارون لمنصب الخلافة إلا إماما مجتهدا من أفضلهم وأفهمهم في الدين، حتى يتمكن من الحكم بشرع الله بما لديه من فهم الشريعة، ويكون مرجعا للحكم في الناس فيما أشكل عليهم من مستجدات الأمور، والكثير من أئمة الصحابة والتابعين ومن بعدهم وكالأئمة الأربعة وغيرهم من أعلام الدين كانت مهمتهم فهمية، ولمقد يكونوا يسعون بفهمهم للحصول على السلطة، وكان الصحابة يختارون للخلافة أفضلهم وأفهمهم في الدين ويلتزمون طاعته، ولم يتخذوا من فهمهم سلما للوصول إلى مناصب سياسة ومعارضة الحكام ومنازعتهم.

الخلافة

الخلافة الإسلاميّة، 622-750
  توسع الدولة الإسلامية تحت حكم الرسول، 622-632
  التوسع تحت حكم الخلفاء الراشدين، 632-661
  التوسع تحت حكم الخلافة الأمويّة، 661-750
الخلافة الإسلامية العثمانية.

والخلافة أوالإمامة العظمى هي ولاية عامة، والإمام الأعظم القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، ومن ثم اشترط فيه ما شرط في القاضي وزيادة. ويسمى الخليفة إماما؛ لأن اختيار الخلفاء الراشدين قام على أساس حتىقد يكون الخليفة إماما مجتهدا في أعلى رتبة ممكنة من الفهم في الدين يقتدي به الناس في الفهم والدين ينقادون لحكمه ويصلون خلفه وتجب عليهم طاعته. نطق الماوردي: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا». ونطق سعد الدين التفتازاني في المقاصد: «الإمامة: هي رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي ». ونطق إمام الحرمين: «الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا. مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين». فيتولى أمور الرعية ويتفقد أحوالهم ويراعي مصالحهم ويقيم أحكام الدين وشعائره، ويلجأ إليه المظلوم فينصفه وينصره، ويأمن به الخائف، ويبتر تمادي الظالمين وقاطعي الطريق والمفسدين، وفي الحديث: «عن أبي هريرة عن النبي نطق: إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه». نطق النووي: «قوله : «الإمام جنة» أي: كالستر؛ لأنه يمنع العدومن أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته، ومعنى: «يقاتل من ورائه» أي: يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا، والتاء في «يتقى» مبدلة من الواولأن أصلها من الوقاية».

نطق ابن خلدون: «ثم إذا نصب الإمام واجب قد عهد وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في جميع عصر من بعد ذلك، ولم تهجر الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام». نطق: وإذا تقرر حتى هذا النصب واجب بإجماع فهومن فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل، فيتعين عليهم نصبه، ويجب على الخلق جميعاً طاعته، لقوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾. ذكر سعد الدين التفتازاني أدلة الجمهور على وجوب تنصيب خليفة في متن المقاصد بقوله: «لنا وجوه: الأول: الإجماع وهوالعمدة حتى قدموه على دفن النبي الثاني: أنه لا يتم إلا به ما وجب من إقامة الحدود وسد الثغور ونحوذلك مما يتعلق بحفظ النظام، الثالث: حتى فيه جلب منافع ودفع مضار لا تحصى وذلك واجب إجماعا، الرابع: وجوب طاعته ومعهدته بالكتاب والسنة، وهويقتضي وجوب حصوله وذلك بنصبه». انتهى باختصار من كلام السعد. ووجوب نصب الإمام ثابت بالأحاديث السليمة الواردة فِي التزام جماعة المسلمين وإمامهم، مثل حديث: «من توفي وليس فِي عُنُقه بيعَة توفي ميتَة جاهلية». و«عن حذيفة بن اليمان نطق له: "تلْزم جماعة المسلمين وإمامهم"».

والإجماع على تنصيب الخليفة حجة كافية، وعليه استقر حال الأمة على مدى التاريخ الإسلامي، وكانت الخلافة العثمانية آخر دولة للخلافة الإسلامية.

أحكام الخلافة

جامع بني أمية الكبير في دمشق، أحد أبرز الأمثلة على العمارة الأموية.

أجمع أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا، وجمهور الطوائف الأخرى على حتى نصب الإمام أي: توليته على الأمة واجب على المسلمين شرعا لا عقلا فقط؛ لأن الحاكم مأمور بوظائف دينية كما حتى الرعية مأمورون ديانة بطاعة ولي الأمر. واتفق جمهور أهل السنة والجماعة على حتى حكم تنصيب الخليفة أوالحاكم واجب شرعي؛ لحماية مصالح الناس، وأقوال الخوارج ومن وافقهم بخلاف ذلك لا يقوى على معارضة الإجماع. وقد تظافرت الأدلة الشرعية على وجوب طاعه ولاة الأمر بنصوص الكتاب والسنة والإجماع، نطق الله تعالى: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾، وفي الحديث: «عليكم بالسمع والطاعة» أي: لولاة الأمور، نطق أبوالحسن الأشعري: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى حتى جميع من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أوغلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أوعدل وعلى حتى يغزوا معهم العدوويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد».

طرق انعقاد الإمامة وتنصيب ولاة الأمر

تنعقد الإمامة بطرق أحدها: بطريق البيعة أي: بيعة أهل الحل والعقد من الفهماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفة عهدا، وأما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة بها، وثانيها: باستخلاف الإمام واحدا بعده، أوباستخلاف عدد يختار أهل الحل والعقد واحدا منهم، نطق النووي: «وتنعقد الإمامة بالبيعة، والأصح بيعة أهل الحل والعقد من الفهماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، وباستخلاف الإمام، فلوجعل الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف، فيرتضون أحدهم وباستيلاء جامع الشروط وكذا فاسق وجاهل في الأصح».

شروط الإمام

ذكر فهماء أهل السنة والجماعة شروطا متعددة فيمن يتولى منصب الخلافة، ومنها ما متفق عليه ومنها مختلف فيه، وهذه الشروط في الابتداء، أي: في ابتداء تنصيب الخليفة، أما في الدوام ففيه تفصيل، نطق النووي: «شرط الإمام كونه مسلما مكلفا حرا ذكرا قرشيا مجتهدا شجاعا ذا رأي وسمع وبصر ونطق وعدلا». فشرط الإمام كونه مسلما ليراعي مصلحة الإسلام وأهله، وهذا باتفاق جمهور أهل السنة والجماعة، أما من كان من غير المسلمين كاليهودي أوالنصراني أوغيره فلا ولاية له على المسلمين، وكونه مكلفا؛ لأن غيره مولى عليه فلا يلي أمر غيره، وأنقد يكون حرا؛ لأن من فيه رق لا يهاب، وأنقد يكون ذكرا فلا ولاية للمرأة بالإجماع؛ لضعفها وعدم مخالطتها للرجال، وفي الحديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وأنقد يكون قرشيا؛ وفي الحديث: «الأئمة من قريش»، ولا يشترط كونه هاشميا ولا علويا؛ لأن الخلفاء الثلاثة لمقد يكونوا كذلك وهم قرشيون، وقد اتفق الصحابة على خلافتهم. وأنقد يكون مجتهدا كالقاضي وأولى بل حكى فيه الإجماع، وقد كان الصحابة لا يختارون للخلافة إلا إماما مجتهدا من أفهمهم في الدين وأفضلهم، فإن لم يوجد مجتهدون أواستخلف واستتم له الأمر ولم يكن مجتهدا كما هوالحال في البعض بعد الخلفاء الراشدين؛ وجبت طاعته حيث يفوض للفهماء أمور الدين فيما يفتقر للاجتهاد، وأنقد يكون شجاعا ليغزوبنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمي البيضة، ويعتبر سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض كما ولج في الشجاعة وأنقد يكون ذا رأي ليسوس به الرعية ويدبر مصالحهم الدينية والدنيوية نطق الهروي: وأدناه حتى يعهد أقدار الناس وأنقد يكون ذا سمع وإن ثقل وذا بصر وإن ضعف بحيث لم يمنع التمييز بين الأشخاص أوكان أعور أوأعشى، وأنقد يكون ناطقا يفهم نطقه، وإن فقد الذوق والشم وذلك ليتأتى منه فصل الأمور، وأنقد يكون عدلا، فلواضطر لولاية فاسق جاز، ولذا نطق ابن عبد السلام: لوتعذرت العدالة في الأئمة قدمنا أقلهم فسقا، نطق الأذرعي وهومتعين؛ إذ لا سبيل لجعل الناس فوضى، فإذا تعذرت العدالة في أهل قطر قدم أقلهم فسقا.

نطق ابن خلدون: وأما شروط هذا المنصب فهي أربعة: الفهم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء، مما يؤثر في الرأي والعمل، واختلف في شرط خامس وهوالنسب القرشي.

ذكر القرطبي حتى شروط الإمامة أحد عشر شرطا، نطق ابن عابدين: وذكر العلامة البيري في أواخر شرحه على الأشباه حتى من شروط الإمامة: حتىقد يكون عدلا بالغا أمينا ورعا ذكرا موثوقا به في الدماء والفروج والأموال، زاهدا متواضعا مسايسا في موضع السياسة.

المدارس الفقهية

التاريخ

منظر قديم للمدينة المنورة.
صورة لمكة

في خط التراث الإسلامية مثل طبقات الفقهاء للشيرازي المكتوب في القرن الخامس الهجري، يمضى المؤلف لاعتبار أكثر الصحابة فقهاء بالتعريف، ويجعل الشيرازي الخلفاء الراشدين وعائشة من طبقة "فقهاء الصحابة"، ويضم إليهم من عُيّن ليفتي أويفقّه أوأوفد ليقضي أويحكم في زمن الرسول أومن الخلفاء والصحابة، ويستشهد لهم بالرسول والصحابة وأقوالهم عن بعض. فيورد عبد الله بن مسعود الذي أوفده عمر بن الخطاب إلى الكوفة في العراق قاضيا ووزيرا وأبوموسى الأشعري الذي بعثه النبي ليفهم أهل اليمن القرآن وولاه عمر على البصرة وأبي بن كعب الذي قيل عنه "أقرأ المسلمين" و"سيد أهل المدينة" ومعاذ بن جبل الذي قيل حتى الصحابة كانويقبلون عليه إذا امترى عليهم شيء فيسألونه وزيد بن ثابت الذي قيل فيه أنه أفهم المسلمين بالفروض وأبوالدرداء الذي أوصى معاذ بن جبل بالتماس الفهم من منه.

يصنف الشيرازي طبقة أخرى من فقهاء الصحابة ويسميهم "أحداث الصحابة" فقه هؤلاء إلى طبقة أخرى من الصحابة وكان أشهرهم العبادلة الأربعة (لأسمائهم التي تبتدء بـ"عبد الله" وهم: عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عمروبن العاص، وانتقل فقه العبادلة إلى فقهاء التابعين، ثم يصنف الشيرازي طبقة فقهاء يسميها "فقهاء التابعين" وتابعيهم، وأسسوا مذاهب الفقه الإسلامي، وكان جميع من اتى بعدهم عالة عليهم في الأخذ عنهم، ويعد القرن الثاني والثالث من الهجرة النبوية بمثابة العصر المضىي لصياغة المذاهب الفقهية وتدوين أصولها وقواعدها. وبعد وفاة العبادلة كان فقه الصحابة قد انتقل إلى التابعين في جميع البلدان، وكان من أشهرهم بحسب البلدان: فقيه مكة عطاء وفقيه المدينة سعيد بن المسيب وفقيه اليمن طاوس وفقيه اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقيه خراسان عطاء الخراساني.

تأسست مدارس فقه أهل السنة والجماعة على يد فقهاء الصحابة الذين انتشروا في مختلف البلدان، ثم تابعييهم، وكان منهم الأئمة المجتهدون، وجميع الفقهاء كانوا من رواة الحديث، واشتهرت مدرسة فقه أهل الحجاز في المدينة المنورة، وأشتهر من أعلامها زيد بن ثابت، وأشهر من أخذ عنه عشرة من فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب وأبوسلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير وأبوبكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبان بن عثمان وقبيصة بن ذؤيب والقاسم بن محمد. وأشهر من أخذ عنهم محمد بن مسلم الزهري وعنه أخذ الإمام مالك بن أنس.

ومدرسة الحجاز بمكة واشتهر فيها ممضى ابن عباس ومن أشهر تلامذته الفقهاء: عكرمة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير. ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: ابن جريج، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثالثة ومنهم: مسلم بن خالد الزنجي وعنه أخذ الشافعي الفقه. ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى اشتهر منها: محمد بن إدريس الشافعي مؤسس الممضى الشافعي.

واشتهر من الطبقة الأولى من فقهاء الصحابة في اليمن: علي بن أبي طالب وأبوموسى الأشعري ومعاذ بن جبل، ثم فقهاء التابعين في باليمن واشتهر منهم:طاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن مركبوذ، وأبوالأشعث شراحيل بن شرحبيل الصنعاني،وحنش بن عبد الله الصنعاني، ووهب بن منبه.

واشتهر من فقهاء التابعين بالشام والجزيرة: أبوإدريس الخولاني وشهر بن حوشب الأشعري، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: عبد الله بن أبي زكريا،وهاني بن كلثوم.وراتى بن حيوة ومكحول الشامي، ومنهم أبوأيوب سليمان بن موسى أبوالربيع الأشدق، ثم انتقلت الفتوى بالشام إلى: الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي، ومنهم: يزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبوالهذيل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، ويحيى بن يحيى الغساني وكان مفتي أهل دمشق. وثبتت الفتيا بالشام على ممضى الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. ومن فقهاء التابعين بالجزيرة: ميمون بن مهران.

واشتهر من فقهاء التابعين بمصر: الصنابحي، والجيشاني، وهما من أصحاب عمر. ثم انتقل إلى طبقة أخرى، ومنهم: أبوالخير مرثد بن عبد الله اليزني، قاضي الإسكندرية، أخذ عنه أبوراتى يزيد بن أبي حبيب. وكان ممن انتقل إليه الفقه: بكير بن عبد الله بن الأشج وأبوأمية عمروبن الحارث، ثم انتهى فهم هؤلاء إلى أبي الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن، مؤسس ممضى فقهي.

فقهاء العراق والبلدان الأخرى

جامع الإمام الأعظم في بغداد عام 1960م
محراب مسجد الكوفة

مدرسة الكوفة بالعراق: واشتهرت بفقه ابن مسعود. وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا ممضىه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة بن عمروالسلماني وشريح القاضي والحارث الهمداني، وهؤلاء الستة المذكورون هم أصحاب عبد الله بن مسعود، ومنهم عمروابن شرحبيل الهمداني وغيره. ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى منهم: الشعبي، وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، ثم انتقل الفقه بعد ذلك إلى طبقة أخرى منهم: الحكم بن عتيبة،وحماد بن أبي سليمان تفقه بإبراهيم النخعي، وأخذ أبوحنيفة عنه الفقه. وحبيب بن أبي ثابت، والحارث بن يزيد العكلي،والمغيرة بن مقسم الضبي وأبومعشر زياد بن كليب بن تميم الحنظلي، والقعقاع بن يزيد، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، أخذوا الفهم عن الشعبي والنخعي،وابن شبرمة وابن أبي ليلى ثم حصل الفقه والفتيا في: سفيان الثوري، مؤسس ممضى فقهي ومنهم: الحسن بن صالح بن حي بن مسلم بن حيان الهمداني، وشريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، وأبوحنيفة النعمان مؤسس الممضى الحنفي.

واشتهر من فقهاء التابعين بالبصرة: الحسن البصري، وجابر بن زيد الأزدي، ومحمد بن سيرين، ورفيع بن مهران، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، ومسلم بن يسار،أبوقلابة، وغيرهم.

واشتهر في عصر الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب الفقهية بعد أبي حنيفة ومالك والشافعي فقهاء بغداد وأشهرهم: أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، كان أحد رواة الممضى الشافعي، ثم استقل بوضع ممضى آخر يعد رابع المذاهب الفقهية الكبرى. وأبوثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، وهومن رواة الممضى الشافعي، بصفة مجتهد مطلق منتسب. وأبوعبيد القاسم بن سلام البغدادي. وأبوسليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني. وأبوجعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أحد رواة الممضى الشافعي بصفة مجتهد مطلق منتسب.

واشتهر من فقهاء خراسان: عطاء بن أبي مسلم الخراساني. وأبوالقاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي. وأبوعبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي. وأبويعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف بـ ابن راهويه.

وبعد انتشار الإسلام في أفريقية ثم الأندلس والمغرب، وكانت الحجاز أقرب إليهم من غيرها، حيث اشتهرت المدينة المنورة بفقه الإمام مالك بن أنس وكان أغلب فقهاء تلك البلاد يأخذون بفقه مالك، وبعد تدوين المذاهب الفقهية انتشر ممضى مالك في المغرب والأندلس.

المذاهب الفقهية

خريطة توضح انتشار المذاهب الإسلامية حول العالم.

المذاهب الفقهية التي صارت تعهد بمذاهب أهل السنة والجماعة هي خلاصة فقه الصحابة والتابعين وتابعيهم، وفي بداية تاريخ نشأة هذه المذاهب كانت هناك طريقتان مشهورتان أحدهما: طريقة أهل الرأي والقياس وهي طريقة أهل العراق، وإمامهم أبوحنيفة وأصحابه من بعده، وثانيهما: طريقة أهل الحديث وهي طريقة أهل الحجاز، وإمامهم مالك بن أنس وكان يعهد بـإمام دار الهجرة، وقد اختص فقهه بعمل أهل المدينة على اعتبار أنهم متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم. ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن أدريس الشافعي، تفقه بفقه أهل الحجاز، ثم انتقل إلى العراق من بعد مالك وأخذ عن أصحاب أبي حنيفة وجمع بين طريقة أهل الحجاز وطريقة أهل العراق، واتى من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من عِلِّيّة المحدثين، وأخذ عن الشافعي وروى عنه ممضىه، ثم استقل بممضى آخر. ويذكر ابن خلدون في تاريخه: حتى المذاهب المشتهرة في العصور المتقدمة كانت ثلاثة: ممضى أهل الرأي والقياس وأشهر أئمتهم أبوحنيفة وأصحابه من بعده، وممضى أهل الحديث وإمامهم مالك ثم الشافعي، وممضى داود الظاهري. وكان إمام هذا الممضى داود ابن علي وابنه وأصحابهما وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة. وقد انقرض ممضى الظاهرية واندراس في العصور المتأخرة، ولم يبق منه سوى الرسوم في الخط، بنقل الفهم من الخط من غير مفتاح المفهمين وهوما قد يؤدي إلى مخالفة الجمهور. نطق ابن خلدون: «ثم تفهم ممضى أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الخط المجلدة».

وقد استقر العمل بهذه المذاهب الأربعة، ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء جميع من اختص به من المقلدين، وحظروا حتى يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب، ولم يبق إلا نقل مذاهبهم، وعمل جميع مقلد بممضى من قلده منهم بعد تسليم الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الخط. نطق ابن خلدون: «ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده، وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة». وأما أحمد بن حنبل فتأسس ممضىه في بغداد، وكان أكثر مقلديه بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث. وانتشر ممضى مالك في الأندلس والمغرب، وانتشر ممضى أبي حنيفة في العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم. وكثرت مؤلفات الحنفية ومناظراتهم ومباحثهم مع الشافعية، واتىوا منها بفهم مستظرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شئ قليل نقله إليه القاضي بن العربي وأبوالوليد الباجي في رحلتهما. وأما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر ممضىه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وملئت خطهم بأنواع استدلالاتهم ثم تفهم ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن أدريس الشافعي لما هبط على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه، ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه الإسماعيلية وتلاشى من سواهم إلى حتى مضىت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفقت سوقه واشتهر منهم محيي الدين النووي في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام كذلك، ثم ابن الحملة بمصر وتقي الدين ابن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعدهما إلى حتى انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهوسراج الدين البلقيني فقد كان في ذلك اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير الفهماء بل أكبر الفهماء من أهل العصر.

فهم الخلافيات

أئمة المذاهب الفقهية متفقون في أصول الأحكام الشرعية الكلية وأصول الدين (العقيدة)، وإنما سقط الاختلاف في الفروع الفقهية. ولا يوجد بينهم اختلاف في العقيدة. ولم يحصل الاختلاف بين الأئمة من السلف في أمور الاعتقاد (أصول الدين) وإنما كان اختلافهم في الأحكام الفرعية، إما لعدم توفر مرشد صريح من الكتاب والسنة، أولضعف حديث بحيث لا تقوم به حجة، أوغيره من الأسباب. ومع انتشار الإسلام وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة التي ليس لها نص من الكتاب والسنة يشير عليها بخصوصها كانت هناك حاجة ملحة للخروج باجتهادات لهذه القضايا الفقهية المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من فهماء الفقه في الدين تفهم الناس في جميع إقليم شؤون دينهم ودنياهم. وكان التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر فيها، وأيضا قابلية الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات جميع ذلك أدى إلى نشأة المدارس الفقهية التي انتشرت في مختلف الأمصار الإسلامية. وأدلة الفقه عند أهل السنة والجماعة إما سمعية وهي: الكتاب والسنة والإجماع وإما عقلية وهي: القياس، بالإضافة إلى طرق أخرى للاستدلال مذكورة في خط أصول الفقه.

وكما تقرر فإنه لا اختلاف بين الأئمة كليات الشريعة، ولا في فروع الدين المتفق عليها مثل: فرض الصلاة والزكاة وغيرها مما هومعلوم من الدين بالضرورة، وإنما حصل الاختلاف في فروع الفقه التي هي محل الاجتهاد، ويكون الترجيح أوتقرير الحكم في المسألة عند المجتهد وفق أصول وقواعد ممضىه التي يستند إليها في الاستدلال. وبما حتى المذاهب الأربعة هي التي استقر العمل عليها عند جمهور أهل السنة والجماعة؛ فقد ظهرت ثمرة الخلاف في نشأة فهم الخلافيات، الذي الذي كانت مؤلفات الحنفية والشافعية فيه أكثر من المالكية، وقد ذكره ابن خلدون ثم نطق عنه: «وهولعمري فهم جليل الفائدة في فهم مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال عليه وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية؛ لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع ممضىهم كما عهدت فهم لذلك أهل النظر والبحث، وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر».

عقيدة أهل السنة والجماعة

عقيدة أهل السنة والجماعة هي أصول الدين الإسلامي المتفق عليها، بناء على حتى الإسلام هودين الله الذي ارتضاه لجميع خلقه، نطق تعالى: ﴿وأوحينا إليك حتى اتبع ملة إبراهيم﴾ ونطق تعالى: ﴿ملة أبيكم إبراهيم هوسماكم المسلمين من قبل..﴾. وأهل السّنة والجماعة متفقون في أصول الاعتقاد المتمثلة في توحيد الله والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بكل ما اتى به الرسول من عند الله، والإيمان بالله وملائكته وخطه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. والإيمان تصديق بكل ما فهم من الضروريات أنه من الدين، والإيمان بالله هوالفهم واليقين الجازم حتى الله وحده هوإله الكون كله وهوالإله المعبود بحق لا إله غيره ولا تكون العبادة إلا له وحده لا شريك له ولا شبيه ولا نظير ولا ند ولا صاحبة له ولا ولد، لا تدركه الأبصار وهويدرك الأبصار وهواللطيف الخبير، وأنه رب العالمين وخالق الخلق أجمعين ومالكهم ومدبر جميع شؤونهم، وأنه متصف بكل صفات الكمال المطلق، والمنزه عن جميع نقص، وأنه أنشأ الخلق وأوجد جميع المخلوقات من عدم، وكل ما سواه مفتقر إليه وهومستغن عمن سواه، يدخل من يشاء في رحمته، يغفر لمن يشاء بفضله ويعاقب من يشاء بعدله، لا يسأل عما يعمل وهم يسئلون، يفهم جميع الأمور ظاهرة وباطنة خفية كانت أودقيقة ويفهم ما أدق وأخفى ويفهم السر وأخفى، وهوالسميع البصير اللطيف الخبير، جميع المخلوقات قهر عظمته، وأنه هوالمبدئ والمعيد والمحيي والمميت والنافع الضار، له الأسماء الحسنى والصفات العلا. والإيمان بالله -«مقرونا بالباء»- تصديق بالقلب وإقرار، والإيمان لله -«مقرونا باللام»- هوالعمل الصالح. والإيمان بالرسل وبالملائكة وبكل ما يجب في حقهم. والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بالغيب أي: بما غاب عن الأعين مما دلت النصوص الشرعية عليه كالإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور والجزاء والحساب والصراط والميزان وغير ذلك.

أصول الدين

أصول الدين أوأصول العقيدة الإسلامية عند أهل السنة والجماعة كلها منقولة بالتلقي عن أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وكلهم متفقون سلفا وخلفا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وما سقط بينهم من اختلاف فهوخلاف لفظي أوشكلي لا يستوجب تكفيرا ولا تبديعا ولا تفسيقا لبعضهم البعض، وهذه الأصول مقررة في خط أئمتهم المعول على الأخذ بها، ويكفي معهدتها بطريقة ميسرة من غير التدخل فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه، وقد بين مراتب الدين في حديث جبريل وهي الإسلام والإيمان والإحسان. والإيمان في اللغة التصديق، والمقصود به الإقرار والتصديق بالله ورسوله وبكل ما يجب الإيمان به أنه من دين الإسلام، وفي القرآن: نطقت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا.. الآية نزلت في وفد أقروا بالإسلام ظاهرا وفهم الله ما في قلوبهم فأبلغ نبيه بذلك فتحقق الحكم عليهم بطريق الوحي، فالإيمان بالله تصديق وإقرار في القلب وهوبفهم الله المطلع على حقائق القلوب، وقد سمى الله الصلاة إيمانا؛ لأن العمل الصالح من الإيمان لله بمعنى تصديق ما في القلب بالعمل فالإيمان قول وعمل، وأجمع أهل السنة والجماعة على حتى الإيمان يزيد بعمل الطاعات وينقص بالمعصية، وعلى حتى المؤمن بالله لا يخرجه عنه شيء من المعاصي، خلافا للخوارج ومن وافقهم؛ لأن العصاة لم يخرجوا من خطاب التكليف ولا يخرجون من الملة بسبب الذنوب، وأنه لا يبتر على أحد من عصاة أهل القبلة بدخول النار، ولا على أحد من أهل الطاعة بالجنة، إلا من ثبت فيه نص صريح بتري من الكتاب أوالسنة. وأجمع أهل السنة والجماعة على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكييف له وأن الإيمان به واجب وهجر التكييف له لازم، وعلى أنه تعالى غير محتاج إلى شيء مما خلق، وأنه تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء ويعذب من يشاء وينعم على من يشاء، ويعز من يشاء ويغفر لمن يشاء ويغني من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وأنه لا يسأل في شيء من ذلك عما يعمل، وأنه يعمل ما يشاء كما يريد، ويؤتي من يشاء ما يشاء لا اعتراض عليه كما نطق: ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء﴾ ونطق: ﴿عذابي أصيب به من أشاء﴾ لا يسأل عما يعمل وهم يسألون، وعلى جميع الخلق الرضا بأحكام الله التي أمرهم حتى يرضوا بها، والتسليم في جميع ذلك لأمره، والصبر على قضائه، والانتهاء إلى طاعته فيما نادىهم إلى عمله أوهجره، وأنه متصف بالعدل في جميع أفعاله وأحكامه ساءنا ذلك أم سرنا نفعنا أوضرنا. وأجمعوا على حتى الله خالق لجميع الحوادث وحده لا خالق لشيء منها سواه، يعطي من يشاء ويوفق من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهوالمنعم المتفضل على عباده، وأنه ليس لأحد من الخلق الاعتراض على الله تعالى في شيء من تدبيره، وأن من يعترض عليه في أفعاله متبع لرأي الشيطان في ذلك حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وزعم حتى ذلك فساد في التدبير وخروج من الحكمة حين نطق أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.

وأجمع أهل السنة والجماعة على حتى للعباد حفظة يخطون أعمالهم، وعلى أنه تعالى قد قدر جميع أفعال الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما كائن منهم إلى يوم يبعثون، وقد دل على ذلك بقوله ﴿وكل شيء عملوه في الزبر، وكل صغير وكبير مستطر﴾. وعلى حتى عذاب القبر حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور، وعلى أنه ينفخ في الصور قبل يوم القيامة ويصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وعلى حتى الله تعالى يعيدهم كما بدأهم، وأن الله تعالى ينصب الموازين لوزن أعمال العباد، وأن الخلق يؤتون يوم القيامة بصحائف فيها أعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابا يسيرا، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيرا، وعلى الصراط والشفاعة والحوض، وعلى حتى الله تعالى يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان بعد الانتقام منه. وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهم بأيديهم وبألسنتهم إذا استطاعوا ذلك وإلا فبقلوبهم. نطق أبوالحسن الأشعري: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى حتى جميع من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أوغلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أوعدل وعلى حتى يغزوا معهم العدوويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد».

فضل الصحابة

اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على حتى خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم على كما دل عليه حديث: «خيركم قرني» وعلى حتى خير الصحابة الأئمة الخلفاء الأربعة وأولهم: أبوبكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر، وعلى حتى الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسبق في الإسلام، وعلى حتى جميع من آمن بالله ورسوله وحصلت له الصحبة ولوساعة أواجتمع برسول الله أورآه ولومرة مع إيمانه به وبما نادى إليه أفضل من التابعين بذلك. وأن إمامة الخلفاء الراشدين كانت عن رضى من جماعتهم وأن الله ألف قلوبهم على ذلك لما أراده من استخلافهم جميعا بقوله: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كم استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم..﴾ وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به وعلى أنهم أحق حتى ينشر محاسنهم ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج وأن نظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب ممتثلين في ذلك لقول رسول الله: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» ونطق أهل الفهم معنى ذلك لا تذكروهم إلا بخير الذكر، وقوله «لا تؤذوني في أصحابي فوالذي نفسي بيده لوأنفق أحدكم مثل أحد مضىا ما بلغ أعطى أحدهم ولا نصيفه» وعلى ما أثنى الله تعالى به عليهم بقوله ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل﴾. الآية وأجمعوا على حتى ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم كما لا يسقط ما كان بين أولاد يعقوب النبي عليه السلام من حقوقهم، وعلى أنه لا يجوز لأحد حتى يخرج عن أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه وعما اختلفوا فيه أوفي تأويله لأن الحق لا يجوز حتى يخرج عن أقاويلهم. وأجمعوا على النصيحة للمسلمين والتولي بجماعتهم وعلى التوادد في الله والنادىء لأئمة المسلمين والتبري ممن ذم أحدا من أصحاب رسول الله وأهل بيته وأزقابل وهجر الاختلاط بهم والتبري منهم. فهذه الأصول التي مضى الأسلاف عليها واتبعوا حكم الكتاب والسنة بها واقتدى بهم الخلف الصالح في مناقبها.

مفهوم الوسطية

مفهوم الوسطية في الإسلام عدم الإفراط ولا التفريط، بل وسطا بين ذلك قواما ودينا قيما لا غلوفيه ولا تقصير، فالمغالاة في الدين بتجاوز الحد فيه منهي عنها في الدين الإسلامي، والوسطية فيه مطلوب ديني لا يختص بمجموعة من المسلمين دون أخرى، وقد اتى عن أئمة أهل السنة والجماعة وفهمائهم أنهم يعتبرون التوسط في الدين منهجا دينيا عاما على اختلاف المسارات الاعتقادية والعملية والأخلاقية، ويعتبرون الغلوأوالتقصير في أصول الاعتقاد أنه من سمات فرق الضلال كالخوارج ومن تبعهم فقد ذكروا في وصفهم ما رواه البخاري في سليمه في الحديث بلفظ: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم..» الحديث. وذلك أنهم بالغوا في التعبد حتى وصفوا المقصرين والعصاة بالكفر، وهذا مخالف لوسطية الإسلام، ومن جهة أخرى فإنهم بالغوا في القول: حتى المعصية كفر، وغالوا في تفسير آيات الوعيد حتى كفروا جميع من يرتكب إثما ونطقوا: حتى العاصي مخلد في النار، ومنعوا بذلك رحمة الله عن الناس، ومن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، وأن الجزاء الأخروي بمشيئة الله ولا شأن للمخلوقين بتقرير ذلك.

ومن أمثلة الغلوفي الدين ما ذكر في القرآن من وصف النصارى لعيسى ابن مريم بصفات الألوهية، نطق الله تعالى: ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ فالأنبياء والفهماء والصالحون لهم مكانة واحترام وهم أولى بالتعظيم، والمنهي عنه في الإسلام إنما هوالإطراء بمعنى: المبالغة في تعظيم المخلوق ووصفه بما لا يستحق، فالألوهية لله وحده لا شريك له.

وقد اتى في القرآن التأكيد على حتى الله جعل الأمة المحمدية أمة وسطا في قوله تعالى ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾ أي: خيارا عدولا، أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العدل، وأصل هذا حتى أحمد الأمور أوسطها. وروى الترمذي: «عن أبي سعيد الخدري عن النبي في قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾ نطق: عدلا». نطق: هذا حديث حسن سليم. وفي التنزيل: ﴿نطق أوسطهم﴾، أي: أعدلهم وخيرهم. ونطق زهير:

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

ونطق آخر:

أنتم أوسط حي فهموا بصغير الأمر أوإحدى الكبر

ونطق آخر:

لا تمضىن في الأمور فرطا لا تسألن إذا سألت شططا

وكن من الناس جميعا وسطا

ووسط الوادي: خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء. ولما كان الوسط مجانبا للغلووالتقصير كان محمودا، أي هذه الأمة لم تغل غلوالنصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم. وفي الحديث: «خير الأمور أوسطها»، وفيه عن علي رضي الله عنه: «عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل».

نطق الشاطبي في معنى قول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: فالصراط المستقيم هوسبيل الله الذي نادى إليه، وهوالسنة، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع، وليس المراد سبل المعاصي؛ لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات. وعن مجاهد في قوله: ﴿ولا تتبعوا السبل﴾، نطق: البدع والشبهات. وسئل مالك عن السنة،يا ترى؟ فنطق: هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾. فهذا التفسير يشير على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعة دون أخرى. ومن الآيات قول الله تعالى: ﴿وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولوشاء لهداكم أجمعين﴾. فالسبيل القصد هوطريق الحق، وما سواه جائر عن الحق أي: عادل عنه وهي طرق البدع والضلالات.

والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه هوسبيل الله الذي نادى إليه، ومهمة الأنبياء والرسل هداية الناس إلى صراط الله المستقيم هداية دلالة وإرشاد، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد، والضلال والضلالة: ضد الهدي والهدى، وهوالخروج عن الطريق، فالضال يلتبس عليه الأمر حيث لم يكن له هاد يهديه، وهوالدليل، فصاحب البدعة لما غلب الهوى مع الجهل بطريق السنة توهم حتى ما ظهر له بعقله هوالطريق القويم دون غيره، فمضى عليه، فحاد بسببه عن الطريق المستقيم، فهوضال وإن كان بزعمه يتحرى قصدها. فالمبتدع من هذه الأمة، إنما ضل في أدلتها، حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله، وهذا هوالفرق بين المبتدع وغيره؛ لأن المبتدع جعل الهوى أول مطالبه، وأخذ الأدلة بالتبع.

وقد اتى النهي عن كثرة السؤال والمغالات فيه لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إذا تبد لكم تسؤكم﴾ وفي الحديث: «عن أبي هريرة عن النبي نطق: "دعوني ما هجرتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"». ولمسلم بلفظ: «ذروني» وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فنطق: «عن أبي هريرة خطبنا رسول الله فنطق: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فنطق رجل: أكل عام يا رسول الله،يا ترى؟ فسكت حتى نطقها ثلاثا، فنطق رسول الله: لوقلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم نطق ذروني ما هجرتكم..». نطق ابن حجر: والمراد بهذا الأمر هجر السؤال عن شيء لم يقع خشية حتى ينزل به وجوبه أوتحريمه، والنهي عن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت، وخشية حتى تقع الإجابة بأمر يستثقل، فقد يؤدي لهجر الامتثال فتقع المخالفة.

نطق ابن فرج: معنى قوله ذروني ما هجرتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولوكانت صالحة لغيره، والنهي عن التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما سقط لبني إسرائيل، إذ أمروا حتى يذبحوا البقرة فلوذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم. وفيه مرشد النهي عن كثرة المسائل والمغالاة في ذلك، نطق البغوي في شرح السنة: المسائل على وجهين أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهوجائز بل مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهوالمراد في هذا الحديث والله أفهم، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية حتى النبي نهى عن الأغلوطات نطق الأوزاعي: هي شداد المسائل، ونطق الأوزاعي أيضا: «إن الله إذا أراد حتى يحرم عبده بركة الفهم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس فهما» ونطق ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في الفهم يمضى بنور الفهم من قلب الرجل» ونطق ابن العربي: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية حتى ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» نطق: «وإنه لمكروه إذا لم يكن حراما إلا للفهماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب الفهماء ودروس الفهم» انتهى. ملخصا. وفي الحديث: «إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم».

نطق الشاطبي: فمن نصوص القرآن الدالة على ذم البدعة: قول الله تعالى: ﴿هوالذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..الآية﴾، فالمحكمات بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد من الناس، والمتشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والهجريب لا من حيث المراد. وفي رواية للبخاري بلفظ: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». وفي رواية: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». وفي رواية: «قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعهدوهم». روى ابن كثير عن الإمام أحمد: في قوله: ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه﴾ نطق: "هم الخوارج"، وفي قوله: ﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾، نطق: «هم الخوارج». ورجح الطبري أنه وإن كان نزول الآية في نصارى نجران إلا أنه يضم جميع أصناف المبتدعة كان من النصرانية أواليهودية أوالمجوسية أوكان سبئيا أوحروريا أوقدريا أوجهميا وغيرهم ممن يجادلون فيه.

وهذا بخلاف استخدام العقل وسيلة للتفكر في المخلوقات المؤدي إلى الإيمان، حيث دلت نصوص الشريعة على استخدام البرهنة العقلية في إثبات العقائد، نطق ابن خلدون: «وأمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثير وهي معلومة ومقررة، وما سقط من الخلاف في العقائد أكثره من اتباع المتشابه».

الجدول التالي يعرض وجهة النظر السنية من ناحية حتى أهل السنة والجماعة هم أهل الوسطية في المعتقدات.

القضاء والقدر الجبرية: غلوا في إثبات القدر، فنفوا عمل العبد أصلا، وجعلوا الإنسان مقسورا ومجبورا وليس له اختيارات أبدا. أهل السنة والجماعة: فتوسطوا وجعلوا له اختيارا، ولكن اختياره مربوط بمشيئة الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ونطقوا: إذا العباد فاعلون والله خالقهم وخالق أفعالهم، كما ذكر القرآن: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ. فهذا توسطهم في باب القضاء والقدر. القدرية: فرطوا في القضاء والقدر، ونطقوا إذا الإنسان هوالذي يخلق أفعاله وليس لله قدرة على هداية العبد أوعلى إضلاله.
مسالة الإيمان والدين الحرورية والمعتزلة: فالحرورية يسمون مرتكب الكبيرة كافرا ويستحلون دمه وماله، وأما المعتزلة فنطقوا: إذا مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فهوبمنزلة بين المنزلتين؟. أهل السنة والجماعة: جعلوا الإنسان مستحقا اسم الإيمان واسم الإسلام، ولوكان معه شيء من الذنوب وشيء من المعاصي، فمرتكب الكبيرة عندهم ناقص الإيمان، قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصيته، فلا ينفون عنه الإيمان أصلا ولا يخرجونه من الإسلام بالكلية، ولم يجعلوا المذنب تام الإيمان بل جعلوه مؤمنا ناقص الإيمان. المرجئة والجهمية: فالمرجئة نطقوا: حتى مرتكب الكبيرة مؤمن تام الإيمان ولا يستحق دخول النار، ونطقوا لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم حتى من صدّق بقلبه ولولم يعمل فهومؤمن تام الإيمان.
علي بن أبي طالب النواصب والخوارج: النواصب نطقوا: بفسق علي بن أبي طالب، والخوارج نطقوا: بكفر علي بن أبي طالب. أهل السنة والجماعة: نطقوا حتى علي بن أبي طالب خليفة راشد وأنه أفضل من ألوف من الصحابة إلا ثلاثة وهم أبوبكر وعمر وعثمان وكلهم ذوي فضل، ولكنه ليس معصوما كعصمة الأنبياء. الشيعة: فالإثناعشرية نطقوا: بأنه معصوم كعصمة الأنبياء وأنه أفضل من جميع الأنبياء إلا النبي محمد.

التاريخ

بطبيعة الحال يتصور كثير من أهل السنة اليوم حتى الإسلام السني يمثل طبيعة الإسلام الذي ظهر في الفترة اللاحقة لموت الرسول ، وأن باقي الطوائف هي انشقاقات عن الإسلام السني، كذلك ترى الطوائف الأخرى في اللقاء بطبيعة الحال أيضا أنها هي الأصل أوالممثل لطبيعة الإسلام الأولى، والأخذ بالتصور السني هوأمر يشير إليه مؤرخون مثل آرون هويز بأنها مغالطة شائعة لأنها مبنية على الأخذ بمصادر متأخرة وأيدولوجية كما لوكانت تمثل سرد تاريخي منضبط، ويرسخ ذلك الانطباع كون الغالبية العظمى من عموم المسلمين ينتسبون للسنة، بينما يُعزى الطائفتان الكبريان، السنة والشيعة، وغيرهما من الطوائف، لكونهم نتاج نهائي لخلافات أيدولوجية امتدت لقرون، استخدمت فيها جميع طائفة الآخر لتثبيت هويتها وتعاليمها.

أول بِدعة في الإسلام

كانت أول بِدعة سقطت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان خروجهم عن الحق بسبب الدنيا، وهوما ذكره ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ) في تفسيره حيث نطق: «فإن أول بِدعة سقطت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجئوه بهذه الموضوعة، فنطق قائلهم -وهوذوالخويصرة -بقر الله خاصرته- اعدل فإنك لم تعدل، فنطق له رسول الله : «لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»، فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب -وفي رواية: خالد بن الوليد- (ولا بعد في الجمع)- رسول الله في قتله، فنطق: «دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من جنسه- قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم»..». وهذا الحديث في السليمين وغيرهما بروايات سليمة ومنها في سليم مسلم: «عن جابر بن عبد الله نطق أتى رجل رسول الله بالجعرانة -منصرفه من حنين- وفي ثوب بلال: فضة، ورسول الله يقبض منها يعطي الناس، فنطق: يا محمد اعدل، نطق: «ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل» فنطق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فنطق: «معاذ الله حتى يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إذا هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»».

وفي كلام ابن كثير حتى ذا الخويصرة رأس الخوارج فإنه استحدث شبهة الخروج على الحق، ويدل عليه قوله: «يخرج من ضئضئ هذا..» أي: من جنسة، ومثل هذا استحداث الفتنة في زمن عثمان بن عفان والخروج عليه وقتله، إلا حتى خروجهم عن الحق لم يكن تحت مسمى فرقة إلا في زمن الخليفة علي بن أبي طالب حينما أعربوا انشقاقهم عنه بعد سقطة صفين فكانوا أول فرقة ظهرت في الإسلام، فقد انضموا في بداية الأمر إلى صف علي بن أبي طالب، فلما قبل بالتحكيم أعربوا خروجهم وصاحوا قائلين: «لا حكم إلا لله»، فرد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: «حدثة حق يراد من ورائها باطل»، حيث كان خروجهم لسبب دنيوي تحت مسمى ديني، وقد استشار الصحابة بشأنهم وحاورهم ابن عباس وغيره من الصحابة، ثم اتفقت أقوال الصحابة على وجوب قتالهم بما لديهم من نصوص الأحاديث الدالة على قتالهم إذا أعربوا خروجهم، وقتلهم علي بن أبي طالب بالنهروان. نطق ابن كثير: «ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومنطقات ونحل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدرية، ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أبلغ عنها الصادق المصدوق في قوله: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» نطقوا: من هم يا رسول الله،يا ترى؟ نطق: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي»..». وفي رواية عن حذيفة: «إن في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على غير تأويله». عن ابن العاص عن رسول الله نطق: «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، فما عهدتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به». نطق النووي: «قوله : «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم»، نطق القاضي: فيه تأويلان: أحدهما: معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف، الثاني: معناه: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل». وقد اتى في الحديث: «يمرقون من الدين» وفي رواية مسلم: «يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»، أي: من الدين، والمراد به هنا: دين الإسلام، كما في الرواية الأخرى بلفظ: «يمرقون من الإسلام»، كما يشير عليه قول الله تعالى: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾. نطق القاضي: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه، والرمية هي الصيد المرمي. ونطق الخطابي: هوالطاعة أي: من طاعة الإمام. انتهى ملخصا من كلام النووي. وقد ثبت في السليمين وغيرهما الكثير من الأحاديث السليمة في نعت الخوارج بأنهم: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، واتى في وصفهم حديث: «يحسنون القيل ويسيؤون العمل». واتى في حديث ذي الخويصرة في سليم مسلم بلفظ: «فنطق رسول الله : إذا من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم اغتال عاد».

استحدث الخوارج أول بدعة في الإسلام تتضمن مقولات متشددة ومبالغ فيها، واتخذوا من مبدأ التكفير سببا للخروج على ولاة أمر المسلمين، وبما حتى علي بن أبي طالب كان صارما في التعامل معهم وبما لديه من الفقه في الدين، فقد حاورهم وحاول حتى يستعيدهم للصواب فرجع منهم من عاد وبقي منهم من بقي، وبعد سقطة النهروان لم يبق منهم إلا عدد قليل تفرقوا في البلدان. ذكر ابن بطال في حديث عن علي بن أبي طالب أنه نطق في أثناء خطبته: «مايمنع أشقاكم حتى يخضبها بدم» وأشار إلى لحيته. وقد توجه من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي بن أبي طالب فقتله في المسجد يوم الجمعة قبل صلاة الفجر.

الكلام في الصفات ومسائل الاعتقاد

بعد ظهور الخوارج وانشقاقهم عن جماعة الصحابة تفرعت منهم فرق كثيرة، وقد وصفهم أهل السنة بأنهم أهل الأهواء المضلة الذين استحدثوا بأهوائهم ما لا أصل له في الشريعة وتحدثوا فيما نهى الله ورسوله عن البحث فيه فاختلفت أهواؤهم وافترقت آرآؤهم وتحولت شبهاتهم إلى معتقدات صاروا بسببها جماعات متفرقة، وكان أئمة أهل السنة من متقدمي عصر السلف يكتفون بإضاح القول فيما يحتاج إلى إيضاح ولا يتحدثون فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه، ويهجرون الخصام والجدال والمراء فيه، نطق ابن خلدون في تاريخه المدون في القرن الثامن الهجري: «وأمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية، وأدلتها من الكتاب والسنة كثير وهي معلومة ومقررة، وما سقط من الخلاف في العقائد أكثره من اتباع المتشابه». واتى في كلامه أنه لما كان وجوب التنزيه لله تعالى في وصفه بالكمال المطلق، ودلت عليه النصوص كقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ فقد بالغت القدرية (المعتزلة) في التنزيه مما أدى إلى استحداث بدعة القول بإنكار صفات ثابتة بالنص، وباللقاء فقد ظهر في عصر السلف مبتدعة بالغوا في إثبات الصفات، اتبعوا المتشابهات من النصوص وفسروها بحسب الظاهر، فسقطوا في التجسيم المناقض لآيات التنزيه الصريح، وذكر أبوالفتح الشهرستاني (479 هـ/ 548 هـ) في كتابه: «الملل والنحل» حتى المعتزلة لما بالغوا في التنزيه فأنكروا صفات ثابتة بالنص أطلقوا عليهم معطلة، وأن السلف لما كانوا من مثبتي الصفات كانوا يسمونهم الصفاتية، وأن بعض السلف بالغوا في إثبات الصفات فسقطوا في التجسيم، وذكر منها بدعة محمد بن كرام السجستاني، في القول بالتجسيم وتنسب إليه الكرامية، وقد نصرهم محمود بن سبكتكين السلطان، (وكان من الكرامية). نطق ابن خلدون: «ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلاقد يكون النفي على معانيها بنفيها مع أنها سليمة ثابتة من القرآن».

اتفق أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا على حتى النصوص الموهمة بظاهرها للتشبيه بالحوادث هي من المتشابهات التي لا يجوز الخوض فيها، وقد نهى الله عن الخوض فيها؛ لأنه من صفات أهل الزيغ والضلال حيث أنهم تحدثوا فيما لم يأذن به الله مما ليس لهم به فهم وفسروا المتشابهات وفق أهوائهم، وقد ورد ذلك في القرآن في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ..﴾. روى ابن كثير: «عن ابن عباس أنه نطق: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعهده العرب من لغاتها، وتفسير يفهمه الراسخون في الفهم، وتفسير لا يفهمه إلا الله عز وجل. ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم».

هناك ممضىان مرويان عن الصحابة ذكرهما المفسرون في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ..﴾، وقد ذكر ابن جرير الطبري القول في تأويل الآية: حتى المتشابه لا يفهم تأويله إلا الله، نطق: «وأما الراسخون في الفهم فيقولون: ﴿ءامنا به جميع من عند ربنا﴾، لا يفهمون ذلك، ولكن فضل فهمهم في ذلك على غيرهم الفهم بأن الله هوالعالم بذلك دون من سواه من خلقه». ثم ذكر اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك وهل ﴿الراسخون﴾ يفهمون بتأويل المتشابه، أم أنهم يقولون: ءامنا بالمتشابه وصدقنا حتى فهم ذلك لا يفهمه إلا الله،يا ترى؟ فنطق بعضهم: معنى ذلك: وما يفهم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بفهمه، وأما الراسخون في الفهم فيؤمنون به ولا يفهمون تأويله، عن عائشة نطقت: «كان من رسوخهم في الفهم حتى آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يفهموا تأويله». وروى هذا عن ابن عباس وعروة وأبي نهيك الأسدي وعمر بن عبد العزيز ومالك. ونطق آخرون: بل معنى ذلك: ﴿وما يفهم تأويله إلا الله والراسخون في الفهم﴾، وهم مع فهمهم بذلك ورسوخهم في الفهم يقولون: ﴿ءامنا به جميع من عند ربنا﴾. وروى عن ابن عباس أنه نطق: «أنا ممن يفهم تأويله». وعن مجاهد: ﴿والراسخون في الفهم﴾: يفهمون تأويله ويقولون: ﴿ءامنا به﴾. نطق أبوجعفر: وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسير والمرجع والمصير. ورجح ابن جرير الطبري (وهومن أئمة السلف): القول الأول وهو: حتى المتشابه لا يفهم تأويله إلا الله، نطق: وأما ﴿الراسخون في الفهم﴾ فلا يفهمون تأويل المتشابه، يقولون: ءامنا بالمتشابه وصدقنا حتى فهم ذلك لا يفهمه إلا الله.

وهذا الممضىان المرويان عن السلف حكاهما ابن كثير (وهومن فهماء القرن الثامن الهجري) أولهما: أنه لا يفهم تأويل المتشابه إلا الله، وهوما رواه ابن جرير على قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي ابن كعب، وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس: أنهم يؤمنون به ولا يفهمون تأويله، واختار ابن جرير هذا القول. وهذا هوممضى التسليم أوالتفويض لأنهم يفوضون فهم ذلك لله ولا يأولون المتشابه بل يؤمنون به ويقولون: لا يفهم تأويله إلا الله، وهذا القول مروي عن أئمة السلف. وثانيهما: لا يفهم تأويل المتشابه الذي أراد ما أراد ﴿إلا الله والراسخون في الفهم﴾ يفهمون تأويله ﴿يقولون ءامنا به﴾، ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عهدوا من تأويل المحكمات التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب، وصدق بعضه بعضا فنفذت الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر، ويسمى ممضى التأويل وهومروي عن بعض أئمة السلف، نطق ابن كثير: «وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول ونطقوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه نطق: «أنا من الراسخين الذين يفهمون تأويله». ونطق ابن أبي نجيح عن مجاهد: والراسخون في الفهم يفهمون تأويله ويقولون: آمنا به. وكذا نطق الربيع بن أنس. ونطق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير: ﴿وما يفهم تأويله﴾ الذي أراد ما أراد ﴿إلا الله والراسخون في الفهم يقولون ءامنا به﴾ ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عهدوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب، وصدق بعضه بعضا فنفذت الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر، وفي الحديث: حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى لابن عباس فنطق: «اللهم فقهه في الدين وفهمه التأويل»».

هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل على استخدام الاستدلالات العقلية في إثبات مسائل الاعتقاد، وهذا لا خلاف فيه عند أهل السنة والجماعة، إلا حتى الكلام في مسائل الاعتقاد الذي استحدثته الفرق المنشقة عن أهل السنة والجماعة أخذ منحىً آخر، حيث أنهم تحدثوا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه. نطق الشهرستاني: «افهم حتى السلف من أصحاب الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في فهم الكلام ومخالفة السنة التي عهدوها من الأئمة الراشدين ونصرهم جماعة من أمراء بني أمية على قولهم بالقدر وجماعة من خلفاء بني العباس على قولهم بنفي الصفات وخلق القرآن تحيروا في تقرير ممضى أهل السنة والجماعة في متشابهات آيات الكتاب الحكيم وأخبار النبي الأمين ». نطق: «فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل: مالك بن أنس ومقاتل بن سليمان وسلكوا طريق السلامة فنطقوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد حتى نفهم بترا حتى الله عز وجل لا يشبه شيئا من المخلوقات وأن جميع ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدره، وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية حتى نطقوا من حرك يده عند قراءته قوله تعالى: ﴿خلقت بيدي﴾ أوأشار بإصبعيه عند روايته: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» وجب بتر يده وقلع أصبعيه». وسبب توقفهم في تفسير الآيات واجتناب الخوض في المتشابهات، للمنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ نطقوا: فنحن نحترز عن الزيغ، ونطقوا: حتى التأويل أمر مظنون بالاتفاق والقول في صفات الباري بالظن غير جائز فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فسقطنا في الزيغ بل نقول كما نطق الراسخون في الفهم ﴿كل من عند ربنا﴾ آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه ووكلنا فهمه إلى الله تعالى ولسنا مكلفين بفهم ذلك إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه. فهذا هوطريق السلامة وليس هومن التشبيه في شيء. غير حتى جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه.

وكان للإمام أحمد بن حنبل دور بارز في مناصرة السنة والدفاع عنها، والصبر في المحنة وقابل الاضطهاد من المعتزلة، وتبعه في ذلك أئمة الحنابلة الذين تابعوا طريقته في الدفاع عن السنة وساروا على طريقته، وعمل أبوالحسن الأشعري في الرد على أهل الأهواء وصاغ منهجا يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بالأدلة السمعية والعقلية، ويعتمد على منهج الأئمة السابقين، على قاعدة حتى النقل هوالأساس وأن العقل خادم للنقل ووسيلة لإثباته والبرهان على صحته. وجمع ما تفرق من كلام فهماء أهل السنة والجماعة، وأيد النقل بالعقل، وأبطل مغالطات وأباطيل المعتزلة وغيرها، وقارن ذلك ظهور أبومنصور الماتريدي فيما وراء النهر، وقام بعمل مماثل لعمل لعمل أبي الحسن الأشعري. نطق الشهرستاني: وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: مالك بن أنس رضي الله عنهما إذ نطق: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله وسفيان الثوري وداود بن علي الأصفهاني ومن تابعهم حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا فهم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة فأيد منطقتهم بمناهج كلامية وصار ذلك ممضىا لأهل السنة والجماعة وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية.

ذكر ابن خلدون في تاريخه: أنه لما كثر تدوين العلوم وألف المتحدثون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة، واستحدثوا فتنة القول بأن القرآن مخلوق، وهوبدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف، فاستحل لخلافهم إيسار كثير منهم ودماؤهم. ثم نطق: «وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشيخ أبوالحسن الأشعري إمام المتحدثين فتوسط بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه، فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله، وتحدث معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب». ونطق: «وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة فهم الكلام». ونطق ابن خلدون: «وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلاميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبوبكر الباقلاني فتصدر للإمامة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار». ونطق: «وبالجملة فموضوع فهم الكلام عند أهله إنما هوالعقائد الإيمانية بعد فرضها سليمة من الشرع من حيث يمكن حتى يستدل عليها بالأدلة العقلية فتحمل البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد».

التعريف بأهل السنة والجماعة

أهل السنة والجماعة لقب جرى تداوله منذ فترات سابقة في تاريخ الإسلام بسبب الفرق التي ظهر معظمها في عصور السلف، ثم صارت هذه التسمية تمييزا لهم عن الفرق المخالفة لهم، وأصل التسمية عند أئمة أهل السنة والجماعة يرجع إلى معنى الاتباع، فالسنة المتبعة هي الطريقة المسلوكة في الدين، والجماعة أهل الاتباع هم الخلفاء الراشدون والأئمة المجتهدون من الصحابة والتابعين والفقهاء من أهل الرأي وأهل الحديث ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل، وقد انتقل فقه الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم من الأئمة، وكان لهم اجتهادات في الفروع والتي نتج عنها ظهور المذاهب الفقهية، واشتهر منها طريقتان للمنهج الفقهي ذكرهما ابن خلدون في تاريخة (الذي دونه في القرن الثامن الهجري) هما: منهج فقهاء أهل الرأي في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر الممضى فيه وفي أصحابه أبوحنيفة، ومنهج فقهاء أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. وذكر ابن خلدون وغيره حتى الإمام الشافعي هوأول من وضع فهم أصول الفقه الذي صاغه في كتابه: «الرسالة»، فجمع بذلك بين طريقتي الرأي والحديث، وتلخص ممضى أهل السنة في هذه الفترة في مذاهب الأئمة الثلاثة وهم: أبوحنيفة ومالك والشافعي، واستقر فقه أهل السنة على هاتين الطريقتين فيهم وفي أصحابهم من بعدهم، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الأخرى المتفقون معهم في أصول الدين، وتبعهم الأئمة الفقهاء من أصحاب هاتين الطريقتن في القرن الثالث الهجري، ثم استقر الفقه في أئمة المذاهب الأربعة، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الفقهية الأخرى الذين اتفقوا معهم في الأصول.

بعد انتشار المعتزلة خصوصا في الفترات الأخيرة من عصر السلف وظهور المشبهة والمجسمة وغيرها من الفِرق التي ظهر معظمها في عصر السلف وحدوث الكلام في الصفات وغيرها بدأت بسبب ذلك فترة أخرى في استظهار أصول اعتقاد أهل السنة وتأييد منطقتهم بالأدلة ودفع الشبه عنها، وحصل من خلال هذا تمايز هذه الفِرق وكشف أوصافها ومقولاتها ومسمياتها وخط عنها فهماء الأصول في «خط الفرق» (معظمها في القرن الرابع الهجري)، ومنهم: أبوالمظفر الإسفراييني في كتاب: «التبصير في الدين» ذكر تلك الفِرق ثم نطق: «فهؤلاء الذين ذكرناهم اثنتان وسبعون فرقة»، والفِرقة الثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي. ومنهم: عبد القاهر البغدادي من فقهاء الممضى الشافعي في كتابه: «الفَرق بين الفِرق»، وضح فيه أسماء هذه الفِرق وصفاتها ومقولاتها التي افترقت بسببها عن بعضها ومخالفاتها لأهل السنة، وأن أهل السنة والجماعة هي الفرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من أهل الرأي وأهل الحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وإن اختلفوا في فروع الأحكام فذلك لا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق المخالفة لهم.

التعريف الذي يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من المخالفين لهم إنما يقوم على أساس الاتفاق على قول واحد في الأصول التي اجتمعت عليها جماعة أهل السنة، في المنهج المتبع والطريقة المسلوكة، وإلى هذا أشار عبد القاهر البغدادي في موضع آخر من هذا الكتاب حيث نطق: «قد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين جميع ركن منها يجب على جميع عاقل بالغ فهم حقيقته ولكل ركن منها شعب وفي شعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها..»، وقد بين هذه الأصول ثم نطق: «فهذه أصول اتفق أهل السنة على قواعدها وضللوا من خالفهم فيها وفى جميع ركن منها مسائل أصول ومسائل فروع وهم يجمعون على أصولها وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا». فأهل السنة هم أصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث الذين سلكوا مسلك أئمة هاتين الطريقتين، وكلهم متفقون على قول واحد في الأصول، وأصول اعتقاد أهل السنة مأخوذة أصلا من الصحابة باعتبار أنهم هم الذين تلقوا عقيدة الإسلام من مصدرها الأول وتلقاها عنهم من بعدهم، وأصول اعتقاد أهل السنة في أواخر عصر السلف ومن بعدهم منقولة عن أئمتهم السابقين من أهل الرأي وأهل الحديث الذين تلقوها عمن سبقهم بالنقل عن أئمة الصحابة والتابعين حسب ما مقرر في خط فهمائهم، وإنما يظهر الفرق في سبب تأسيس قواعد فهم التوحيد ومنهج أئمته في الاستدلال. وطريقة أهل الحديث تعتمد في الاستدلال على الأدلة السمعية أي: النقلية من الكتاب والسنة والإجماع فيماقد يكون منها دليلا تقوم به حجة لإثبات الحكم، وطريقة أهل النظر والصناعة النظرية، وتعتمد في الاستدلال على الأدلية السمعية والنظرية باعتبار حتى الأدلة السمعية هي الأصل، والأدلة العقلية خادمة لها.

كان ظهور تلك الفِرق المخالفة لأهل السنة في الأصول وتمايزها وافتراق بعضها عن بعض أدى بواقع الحال إلى وصف أهل السنة في هذه الحالة بأنها فِرقة من ضمن هذه الفِرق، ووصف أهل السنة والجماعة بذلك إنما هوبالنسبة لتعريفهم في لقاء الفِرق المخالفة لهم في الأصول. بعد ذهاب عصر السلف انتقل ممضى أهل السنة والجماعة إلى من بعدهم، واشتهر ممضى أهل السنة والجماعة على طريقة أبي الحسن الأشعري في العراق وخراسان والشام والمغرب والأندلس وغيرها، واشتهر ممضى أهل السنة والجماعة على طريقة أبي منصور الماتريدي في ما وراء النهر وغيرها، واختص جماعة من أهل الحديث بنقل معتقد أهل السنة والجماعة على طريقة الأثرية من أهل الحديث، ثم أصبح لقب أهل السنة والجماعة يطلق على الأشعرية والماتريدية والأثرية من أهل الحديث، باعتبار حتى أهل السنة والجماعة من أصحاب الصناعة النظرية هم الأشعرية والماتريدية، حيث قرروا عقيدة أهل السنة والجماعة بطريقة الصناعة النظرية، وأما الأثرية فلمقد يكونوا أصحاب صناعة نظرية، بل اقتصروا في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة على الطريقة السمعية (الكتاب والسنة والإجماع)، وربما أخذ بعضهم بطريقة المتحدثين من أهل النظر، فأهل السنة والجماعة على اختلاف طرقهم في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة هم مكون واحد متفقون على قول واحد في أصول الدين، وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا.

هناك تسميات متعددة ذكرها الفهماء للتعريف بأهل السنة والجماعة، ومهما اختلفت صياغتها في استعمالات الفهماء من أهل السنة والجماعة فمردها واحد، والاختلاف في صياغتها خلاف شكلي لا أكثر، وبعد ظهور أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي اشتهر لقب أهل السنة والجماعة على الأشعرية والماتريدية أكثر، نطق ابن عابدين في تقرير اعتقاد أهل السنة والجماعة: مما يجب اعتقاده على جميع مكلف بلا تقليد لأحد وهوما عليه أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله. وذكر غيره مثل هذا، ووجه ذلك: حتى الأشعرية والماتريدية عملوا على إثبات عقيدة أئمة أهل السنة بالمناهج الكلامية، وإنما كان اشتهار هذه التسمية باعتبار حتى أصحاب الصناعة النظرية من أهل السنة والجماعة دونوا وحققوا أكثر من غيرهم، إذ حتى الأثرية لمقد يكونوا أهل صناعة نظرية، وكان أول من وضع قواعد فهم التوحيد على ممضى أهل السنة والجماعة أبوالحسن الأشعري ومن تبعه من بعده، وأبومنصور الماتريدي ومن تبعه من بعده. فلوقلنا مثلا: أجمع جمهور أهل السنة والجماعة على تقديم الشرع على العقل، ولقاء هذا حتى المعتزلة بالغوا في تقديس العقل فقدموه على نصوص الشرع بدليل حتى بعض المعتزلة كبعض الخوارج أنكروا حد الرجم بحجة أنه مستقبح عقلا، وأنكروا نصوص السنة الثابتة في الرجم، وقام أبوالحسن الأشعري باستخدام البراهين العقلية والحجج الكلامية لإثبات قول أهل السنة والجماعة في مسألة تقديم أدلة الشرع على العقل، والماتريدية عملوا كذلك، وعلى جميع الأحوال فإن الأشعرية والماتريدية والأثرية كلهم متفقون على القول بتقديم الشرع على العقل.

كما أنهم ذكروا الفرق الإسلامية وجعلوا منها أهل السنة والجماعة فرقة واحدة، وإنماقد يكون الخلاف بين أهل السنة والجماعة في الفروع، ومهما كان اختلافهم في فروع الأحكام فلا يحكم بعضهم على بعض بالكفر ولا يصفه بالابتداع، وما قد يقع من خلاف في مسائل العقيدة فهوخلاف شكلي قد يلتبس على العوام، بسبب الحكم على الأمور من غير استبيان، أوالمبالغة في الحكم من غير فهم، ومن انتسب إلى أهل السنة والجماعة وخالف إجماعهم فقوله منسوب إليه ومحسوب عليه وحده ومردود عليه، فأهل السنة والجماعة في أصول الاعتقاد ممضى واحد.

نطق تاج الدين السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: "افهم حتى أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أوفي لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف الأول: أهل الحديث ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم: الأشعرية، والحنفية. وشيخ الأشعرية: أبوالحسن الأشعري، وشيخ الحنفية: أبومنصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادي العقلية في جميع مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية".

وقد قام الإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق بإحصاء الفرق والطوائف المخالفة لممضى أهل السنة والجماعة التي ظهرت في تاريخ المسلمين، والتي عاصرها وهي تشتمل على اثنتين وسبعين فرقة منها: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والنجارية، والبكرية، والضرارية، والجهمية، والكرامية، ثم نطق: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشتري لهوالحديث، وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتحدثوأهل الحديث منهم، كلهم متفقون على منطقة واحدة في توحيد الصانع وصفاته، وعدله وحكمته، وفي أسمائه وصفاته، وفي أبواب النبوة والإمامة، وفي أحكام العقبى، وفي سائر أصول الدين. وإنما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الأحكام، وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية، ويجمعها الإقرار بتوحيد الصانع وقدم صفاته الأزلية، وإجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل، مع الإقرار بخط الله ورسله وبتأييد شريعة الإسلام، وإباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرمه القرآن، مع قيود ما صح من سنة رسول الله، واعتقاد الحشر والنشر، وسؤال الملكين في القبر، والإقرار بالحوض والميزان. فمن نطق بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر أهل الأهواء فهومن جملة الفرقة الناجية -إن ختم الله له بها- ودخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري وأهل الظاهر..."

وذكر السفاريني «أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية: وإمامهم أبوالحسن الأشعري. والماتريدية: وإمامهم أبومنصور الماتريدي، وأما فرق الضلال فكثيرة جدا». ونطق في كتاب العين والأثر: أهل السنة والجماعة ثلاث طوائف هم الأشاعرة والحنابلة والماتريدية.

طريقة الأثرية في مسائل الاعتقاد

الطريقة الأثرية هي التي تستند على الأثر، والأثر في اللغة بقية الشيء، والمأثور ما ينقله خلف عن سلف،والأثرية من أهل الحديث عند فهماء الكلام يطلق على الفهماء الذين اعتمدوا في مسائل العقيدة على الأثر الذي يقوم على النقل والأخذ بالأدلة السمعية أي: الكتاب والسنة والإجماع، والأثر بمعنى المأثور قد يحدث أعم من الحديث، إلا حتى المقصود لا يختلف، وأهل السنة والجماعة سواء كانوا من أهل الأثر أوالنظر كلهم من أهل الحديث، لكن الفرق في التسمية يظهر في طريقة الاستدلال، وهذا الفرق مهم في التسمية، وذلك حتى الأدلة السمعية أساسية في الأحكام الشرعية سواء كانت فهمية أوعملية، غير حتى الأحكام العمليةقد يكون فيها القياس عند فقد النص، بخلاف الأحكام الفهمية (العقيدة) فهي تُؤخذ بالأدلة السمعية عن طريق النقل والنص، ولا مجال فيها للقياس، وقد كان أئمة أهل السنة والجماعة في عصر الصحابة والتابعين يهتمون بنقل فهم الشريعة وروايته واستنباط الأحكام الفرعية، وأما الأمور الاعتقادية فكانوا يتلقونها بالمشافهة ولم تكن هي موضع بحثهم واجتهادهم؛ لأنها أمور ثابتة ومقررة متفق عليها، وإنما كانوا يوضحون منها ما بحاجة إلى إيضاح وبيان وعند الحاجة لدفع الشبهة، فالأثرية من أهل الحديث اعتمدوا بصفة أساسية على الأدلة السمعية، وأما أهل النظر والصناعة النظرية فجمعوا بين الأدلة السمعية والعقلية معا، ويقصد بهم المتحدثون من فقهاء أهل الرأي أومن فقهاء أهل الحديث.

بعد انتشار المعتزلة خلال القرن الثالث الهجري وبحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره حتى المعتزلة توغلوا في الصفات فأنكروا صفات ثابتة واستخدموا أساليب كلامية لتأييد ما استحدثوه، وكان من السلف جماعة تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فسقطوا في التجسيم الصريح المناقض للتنزيه، وأما السلف الذين أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أهل الحديث وسلكوا مسلك السلامة فنطقوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها ولا نتعرض لتأويلها، نطق الشهرستاني: «وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: مالك بن أنس رضي الله عنهما إذ نطق: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله وسفيان الثوري وداود بن علي الأصفهاني ومن تابعهم حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا فهم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية». والسلف من أهل الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في فهم الكلام ومخالفة السنة التي عهدوها من الأئمة الراشدين؛ تحيروا في تقرير ممضى أهل السنة والجماعة في النصوص المتشابهات، نطق الشهرستاني: «فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل: مالك بن أنس ومقاتل بن سليمان، وسلكوا طريق السلامة فنطقوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد حتى نفهم بترا حتى الله عز وجل لا يشبه شيئا من المخلوقات، وأن جميع ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدره، وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية حتى نطقوا: من حرك يده عند قراءته قوله تعالى: ﴿خلقت بيدي﴾ أوأشار بإصبعيه عند روايته: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» وجب بتر يده وقلع أصبعيه»

طريقة أهل النظر

الطريقة النظرية بمعنى: الاستدلال العقلي والصناعة الفكرية القائمة على أسس منهجية، والمقصود بذلك على وجه الخصوص هوطريقة المتحدثين من أهل السنة لإثبات العقائد الدينية بالأدلة العقلية والنقلية، بناء على حتى العقل يؤكد النقل ولا تعارض بينهما، وفي مواضع كثيرة من القرآن يُذكر التأمل والتفكر والتدبر والتعقل وإعمال العقل والاستدلال بالعقل، وأن التفكر في المخلوقات يشير على الخالق، ومن ذلك خطاب عَبَدة الأوثان ومنكري البعث وغيرهم بعبارات ترشدهم للتفكر في بطلان ما اعتقدوه، والحال أنهم لما كانوا لا يؤمنون بنصوص الشرع ذكر لهم أدلة عقلية في سياق النص الشرعي، وقد ذكر ابن خلدون في العبر: حتى أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وهي معلومة ومقررة عند الأئمة من السلف وحققها الأئمة من بعدهم إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فنادى ذلك إلى الخصام والنظر والاستدلال بالعقل وزيادة إلى النقل فحدث بذلك فهم الكلام..

بعد سنة مائتين للهجرة ظهر جماعة من السلف بالغوا في إثبات الصفات فسقطوا في التجسم، وخالفوا أئمة السلف المتقدمين عليهم الذين ءامنوا بما ثبت من النصوص الموهمة للتشبيه ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل، ولا تعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز حتى تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له، وقد وصفهم ابن خلدون بأنهم مبتدعة شذوا بما استحدثوه واتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه عملا بظواهر وردت بذلك فسقطوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد الشرع. ثم لما كثرت العلوم وألف المتحدثون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب فقضوا بنفي صفات المعاني.. نطق: «وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشيخ أبوالحسن الاشعري إمام المتحدثين فتوسط بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه، فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله وتحدث معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب..»، وذكر أنه كثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلاميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبوبكر الباقلاني وغيره. وتضمن كلام ابن خلدون بيان السبب المباشر لنشأة فهم الكلام على ممضى أهل السنة حيث صاغه أبوالحسن الأشعري وتبعه أصحابه من بعده، وهوفهم يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بأدلة العقل والنقل، وكان أبوالحسن الأشعري من فقهاء أهل الحديث، وبنى طريقته على منهج العقل والنقل على أنه لا تعارض بين العقل والنقل.

من جهة أخرى فقد كان هناك عمل مماثل لعمل أبي الحسن الأشعري، قام به أبومنصور الماتريدي (المتوفى سنة: 333 هـ) كان من فهماء الممضى الحنفي في بلاد ما وراء النهر، وكان ذلك بسبب انتشار مقولات المعتزلة والمشبهة وغيرهما في أواخر عصر السلف، وقد صنف أبومنصور مؤلفات في الموضوعات وفي الأصول وفي الرد على المعتزلة والقرامطة والروافض، توفي بسمرقند سنة: ثلاث وثلاثين وثلاثمائة هجرية. والذي قام به أبوالحسن الأشعري (المتوفى سنة 324 هـ)، وأبومنصور الماتريدي (المتوفى سنة 333 هـ) هوأخذ أقول الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين وإيضاحها وتأييدها بزيادة وشرح وتبيين، وتأسيس المنهج النظري وقواعد الاستدلال العقلي لإثبات العقائد الدينية بالطرق السمعية والنظرية معا، أي: بالأدلة النقلية والعقلية، ودفع الشبهات عنها، حيث قاما بصياغة هذا المنهج على طريقة أهل السنة والجماعة هما وأصحابهما من بعدهما، وصار هذا المنهج فهما مستقلا يسمى فهم الكلام، وكان الغرض منه إيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم من الأئمة وتأييدها بالأدلة، بسبب انتشار بدعة المعتزلة والمجسمة وغيرها من الفرق المخالفة لأهل السنة، وصارت سمة أهل النظر والصناعة النظرية عند أهل السنة والجماعة تُطلق على الأشاعرة نسبة إلى إمامهم أبي الحسن الأشعري، والماتريدية نسبة إلى إمامهم أبي منصور الماتريدي.نطق عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي (المتوفى: 775 هـ) في كتابه: الجواهر المضية في طبقات الحنفية: «الإمام أبومَنْصُور الماتريدي رئيس أهل السّنة وَأَتْبَاعه من الحنيفة أكثر، والإمام أبوالحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَتْبَاعه من الشَّافِعِيَّة أكثر».

لا خلاف حتى أئمة السلف استخدموا البرهنة العقلية، ومن أمثلة ذلك ما ذكره أبوعبد الرحمن الأذرمي في مجلس الواثق، حتى ظهر في عصر السلف جماعة أيدوا عقائد أهل السنة والجماعة بحجج كلامية وبراهين أصولية ودونوا في ذلك، نطق الشهرستاني في الملل والنحل: «حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا فهم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية..». واستخدام الطرق الكلامية عند أهل السنة والجماعة لا يعد مذموما لذاته إذ أنه طريقة استدلالية، وإنما قد يحدث مذموما لاعتبارات أخرى، وذلك حتى ما يُؤْثَر عن السلف من ذم الكلام فيما سكت عنه الصحابة، وفيما يستخدم منه للجدل والمراء، فأهل السنة والجماعة إنما استخدموه عند انتشار أهل الأهواء من أجل إِبطال شُبههم وبيان الحق لا ليعد مهنة للجدل والتشويش على العامة، وقد ذكر المؤرخ ابن خلدون حتى نشأة فهم الكلام كانت بسبب حدوث بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرها، وذكر أنه غير ضروري لهذا العهد، أي: الفترة التي عاشها في القرن الثامن الهجري، وذكر حتى الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا، والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما خطوا ودونوا، والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا، وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه البارئ عن كثير إيهاماته وإطلاقه. وقد انقرضت تلك الفرق فلا حاجة للكلام فيما هوغائب عن أذهان الناس، لكن إمكان ظهور أهل الأهواء يستلزم حتىقد يكون من بين فهماء الدين في جميع عصر متمرس في فهم الكلام إذا كانت له فهم واسعة بعلوم الشريعة، فالمتحدث الذي لا فهم له في الدين واقع في الخطأ لا محالة، ولوقرأنا تاريخ أهل السنة والجماعة لوجدنا المتحدثين منهم فهماء في الدين من أهل الحديث والفقه وفهم الشريعة، كما أنه لا يلزم جميع فرد تفهم فهم الكلام بل هومخصوص ببعض أفراد من أهل الفهم في الدين في جميع زمان للرد على أهل الأهواء، نطق ابن خلدون: «لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة الفهم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها». وأيضا نجد بعضهم اشتهر بالكلام وبعضهم لم يشتهر به، وسبب ذلك يرجع إلى قاعدة عندهم فسرها أبوحامد الغزالي بالقول: حتى مثل فهم الكلام مثل الدواء الخطر الذي يحتاج لطبيب ماهر، لا يُستخدم إلا عند الحاجة، أي: حتى السليم لا حاجة له إلى الدواء، بل من الممكن يضره تناول الدواء، وشبَّهه في موضع آخر بالسلاح فلا يُستخدم إلا عند الحاجة.

تصدر الأشاعرة والماتريدية للرد على الفرق الضالة والطوائف المنحرفة، ويعدون هم وأهل الطريقة الأثرية مكون واحد هم سواد فهماء أهل السنة والجماعة الأعظم في فهم التفسير وفهم الحديث وفي شتى تخصصات الفهم الشرعي.

نطق بدر الدين الزركشي في كتابه «البحر المحيط»: «وافهم حتى الشيخ أبا الحسن الأشعري كان يتبع الشافعي في الفروع والأصول وربما يخالفه في الأصول، كقوله بتصويب المجتهدين في الفروع، وليس ذلك ممضى الشافعي، وكقوله: "لا صيغة للعموم". نطق الشيخ أبومحمد الجويني: «ونقل مخالفته أصول الشافعي ونصوصه وربما ينسب المبتدعون إليه ما بريء منه كما نسبوا إليه أنه يقول: ليس في المصحف قرآن، ولا في القبور نبي، وكذلك الاستثناء في الإيمان ونفي قدرة الخالق في الأزل، وتكفير العوام، وإيجاب فهم الدليل عليهم. وقد تصفحت ما تصحفت من خطه، وتأملت نصوصه في هذه المسائل فوجدتها كلها خلاف ما نسب إليه». ونطق ابن فورك في كتاب شرح كتاب الموضوعات للأشعري في مسألة تصويب المجتهدين: افهم حتى شيخنا أبا الحسن الأشعري يمضى في الفقه ومسائل الفروع وأصول الفقه أيضا ممضى الشافعي ونص قوله في كتاب التفسير في باب إيجاب قراءة الفاتحة على المأموم: خلاف قول أبي حنيفة، والجهر بالبسملة: خلاف قول مالك، وفي إثبات آية البسملة في جميع سورة آية منها قرآنا منزلا فيها، ولذلك نطق في كتابه في أصول الفقه بموافقة أصوله».

فهم السلوك

فهم السلوك أوفهم التصوف، من العلوم الشرعية، منهج أوطريق يسلكه العبد للوصول إلى الفهم بالله والفهم به، والتحقق بمقام الإحسان، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة، والزهد في الدنيا وأصله حتى هذه الطريقة لم تزل طريقة الحق والهداية عند كبار الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. كيفية التصوف منهج السلوك، والمريد هوالسالك في الطريقة، ويحتاج في فهمه بالطريقة إلى المربي وهوالذي يقود السالك ويرشده إلى السلوك القويم حتى يتمكن من سلوك الطريق، ويترقى في مراقي العبودية بازدياد الإيمان بعمل الطاعات وهجر المنهيات، والترقي في مراتب الإحسان بالتقرب إلى الله بالنوافل بعد عمل الفروض والواجبات، والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة ومحاسبة النفس ومعالجة القصور ومجاهدة النفس، حتى ينشأ في جميع مجاهدة وعبادة حال يترقى فيها من حال إلى حال، وأصلها كلها الطاعة والإخلاص ويتقدمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال، والصفات نتائج وثمرات، ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعهدان، ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى حتى ينتهي إلى التوحيد والفهم التي هي الغاية المطلوبة للسعادة. ولهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، وقد صار فهم الشريعة على صنفين صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وصنف مخصوص بأهل التصوف في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك.

نطق ابن خلدون: «وبعد تدوين العلوم خط رجال من أهل هذه الطريقة في طريقهم، فمنهم من خط في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والهجر كما عمله القشيري في كتاب الرسالة، والسهروردي في كتاب عوارف المعارف وأمثالهم، وجمع الغزالي رحمه الله بين الأمرين في كتاب إحياء علوم الدين فدون فيه أحكام الورع والاقتداء ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار فهم التصوف في الملة فهما مدونا بعد حتى كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال كما سقط في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك».

وقد عد بعض فهماء السنة بعض أساليب التصوف من الأمور المخالفة للسنة، مثل الامتناع عن الطعام نطق القرطبي: «فَأَمَّا طَرِيقَةُ الصُّوفِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ مِنْهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَشَهْرًا، مُفَكِّرًا لَا يَفْتُرُ، فَطَرِيقَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الصَّوَابِ، غَيْرُ لَائِقَةٍ بِالْبَشَرِ، وَلَا مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى السُّنَنِ»، وأما الرقص والتصفيق فهومنسوب إلى من يعمله لا إلى هذا الفهم، نطق العز بن عبد السلام: «وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يعملها إلى راعن أومتصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه، ومضى قلبه، وقد نطق عليه السلام: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يعمل شيئاً من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون حتى طربهم عند السماع إنما هومتعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما نطقوا، وكذبوا فيما ادعوا... ومن هاب الإله وأدرك شيئاً من تعظيمه لم يَتصور من رقص ولا تصفيق، ولا يَصدر التصفيقُ والرقصُ إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل». وأهل التصوف بعد عصر السلف الصالح في أصول الاعتقاد يأخذون بممضى أهل السنة والجماعة على طريقة الأشعرية والماتريدية، ويأخذون بأحد المذاهب الفقهية السنيّة الأربعة، ويأخذون بالكشف والإلهام، وقد تنوعت الطرق التي يسلكها المربون في تربيتهم لمريديهم فنشأ عنها ما عهد بـ "الطرق الصوفية"، أشهرها عند أهل السنة:

  • الطريقة الدسوقية.
  • الطريقة البرهانية.
  • الطريقة الشاذلية.
  • الطريقة القادرية.
  • الكيفية التيجانية.
  • الطريقة الرفاعية.

انظر أيضاً

  • قائمة بأهم خط أهل السنة والجماعة.

الملاحظات

  1. ^ أهل الرأي وأهل الحديث يقصد بهما: الفقهاء من أصحاب الطريقتن.
  2. ^ نطق الشوكاني: وهذا الحديث وإن تحدث فيه بعض أهل الفهم بما هومعروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهومعمول به وقد أوضحت هذا في درس مستقل.
  3. ^ أخرجه أبونعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).
  4. ^ أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي نقلا عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).
  5. ^ سورة الأنفال آية: 46.
  6. ^ سليم مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم: (1836)
  7. ^ نطق ابن خلدون: فأما اشتراط الفهم فظاهر، لأنه إنماقد يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها، وما لم يفهمها لا يصح تقديمه لها. ولا يكفي من الفهم إلا حتىقد يكون مجتهداً، لأن التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال. وأما العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها، فكان أولى باشتراطها فيه. ولا خلاف في انتفاء العدالة فيه بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها، وفي انتفائها بالبدع الاعتقادية خلاف.
  8. ^ ذكر القرطبي حتى شروط الإمامة أحد عشر أولها: حتىقد يكون من صميم قريش، وقد اختلف في هذا. الثاني: حتىقد يكون ممن يصلح حتىقد يكون قاضيا من قضاة المسلمين مجتهدا لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث، وهذا متفق عليه. الثالث: حتىقد يكون ذا خبرة ورأي حصيف بأمر الحرب وتدبير الجيوش وسد الثغور وحماية البيضة وردع الأمة والانتقام من الظالم والأخذ للمظلوم. الرابع: حتىقد يكون ممن لا تلحقه رقة في إقامة الحدود ولا فزع من ضرب الرقاب ولا بتر الأبشار والدليل على هذا كله إجماع الصحابة رضي الله عنهم، لأنه لا خلاف بينهم أنه لا بد من حتىقد يكون ذلك كله مجتمعا فيه، ولأنه هوالذي يولي القضاة والحكام، وله حتى يباشر الفصل والحكم، ويتفحص أمور خلفائه وقضاته، ولن يصلح لذلك كله إلا من كان عالما بذلك كله قيما به. الخامس: الحرية، والسادس حتى يون مسلما، السابع: حتىقد يكون ذكرا، نطق: "وأجمعوا على حتى المرأة لا يجوز حتى تكون إماما وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه". الثامن: حتىقد يكون سليم الأعضاء، التاسع والعاشر: حتىقد يكون بالغا عاقلا، ولا خلاف في ذلك. الحادي عشر: حتىقد يكون عدلا؛ لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز حتى تعقد الإمامة لفاسق، ويجب حتىقد يكون من أفضلهم في الفهم؛ لقوله عليه السلام: "أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون". وفي التنزيل في وصف طالوت: إذا الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في الفهم والجسم فبدأ بالفهم ثم ذكر ما يشير على القوة وسلامة الأعضاء، وقوله: اصطفاه معناه اختاره، وهذا يشير على شرط النسب. وليس من شرطه حتىقد يكون معصوما من الزلل والخطأ، ولا عالما بالغيب، ولا أفرس الأمة ولا أشجعهم، ولا حتىقد يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قريش، فإن الإجماع قد انعقد على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وليسوا من بني هاشم.
  9. ^ نطق ابن عابدين: ثم إذا سقطت البيعة من أهل الحل والعقد مع من صفته ما ذكر صار إماما يفترض إطاعته كما في خزانة الأكمل. وفي شرح الجواهر: تجب إطاعته فيما أباحه الشرع، وهوما يعود نفعه على العامة، وقد نصوا في الجهاد على امتثال أمره في غير معصية. وفي التتارخانية: إذا أمر الأمير العسكر بشيء فعصاه واحد لا يؤدبه في أول وهلة بل ينصحه، فإن عاد بلا عذر أدبه ا هـ ملخصا. وأخذ البيري من هذا أنه لوأمر بصوم أيام الطاعون ونحوه يجب امتثاله. أقول: وظاهر تعبير خزانة الفتاوى لزوم إطاعة من استوفى شروط الإمامة، وهذا يؤيد كلام العارف قدس سره لكن في حاشية الحموي ما يشير على حتى هذه الشروط لحمل الإثم لا لصحة التولية فراجعه.
  10. ^ نطق أبوإسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: «افهم حتى أكثر أصحاب رسول الله الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء..»
  11. ^ ونطق الشيرازي في طبقات الفقهاء: «ولأن من نظر فيما نقلوه عن رسول الله من أقواله، وتأمل ما وصفوه من أفعاله في العبادات وغيرها؛ اضطر إلى الفهم بفقههم وفضلهم، غير حتى الذي اشتهر منهم بالفتاوى والأحكام وتحدث في الحلال والحرام جماعة مخصوصة».
  12. ^ عقيدة التوحيد تقوم على أساس توحيد الله ونفي الشريك عنه والفهم حتى مسبب الأسباب وموجدها المتصف بالكمال المطلق هوالله الواحد الذي لا شريك له، والذي دلنا على ذلك هوالشرع وليس العقل، أي: حتى الله أوفد الرسل وأوحى إليهم بأنه هوالله الخالق وحده لا شريك له، فإذا تحقق الفهم بوجود الله وحصل الإيمان به فذلك هوالتوحيد، وكل ما يقع في النفس من تصورات أوتخيلات فهوالذي يجب الانصراف عنه؛ لأنه من دواعي الضلال، وعندما نطق مشركوا مكة: يا محمد صف لنا ربك، قايسوا بما اعتادوا عليه من عبادة الأصنام المجسمة حسب أفهامهم فأنزل الله: ﴿إن في خلق السموات والأرض..﴾ الآية فبين الله حتى حصول الإيمان بالله إنماقد يكون في النظر والتدبر في المخلوقات، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وهجر الإدراك إدراك.
  13. ^ نص الحديث: عن معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة نطق: سمعت عليًا يخطب فنطق: (اللهم إني قد سئمتهم وسئموني فارحمني منهم وارحمهم مني، «مايمنع أشقاكم حتى يخضبها بدم» وأشار إلى لحيته).
  14. ^ نطق الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوالْأَلْبَابِ﴾. (آل عمران: 7).
  15. ^ ذكر ابن خلدون: حتى القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها فوجب الإيمان بها وسقط في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها، ثم وردت في القرآن آي أخرى قليلة توهم التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل، وهذا معنى قول الكثير منهم إقرأوها كما اتىت أي آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز حتى تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له، وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظواهر وردت بذلك فسقطوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق... العبر ج1 ص463
  16. ^ ترجم له المؤرخ ابن قطلوبغا في كتابه طبقات الحنفية: محمد بن محمد بن محمود أبومنصور الماتريدي إمام الهدى له، ألف خطا منها: كتاب التوحيد، وكتاب الموضوعات وكتاب تأويلات القرآن وكتاب بيان وكتاب وهم المعتزلة وكتاب رد الأصول الخمسة، وله خط في أصول الفقه وفي الرد على المعتزلة والقرامطة والروافض.
  17. ^ نطق ابن خلدون: «وعلى الجملة فينبغي حتى يفهم حتى هذا الفهم الذي هوفهم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب الفهم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما خطوا ودونوا، والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه البارئ عن كثير إيهاماته وإطلاقه ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مر بهم بعض المتحدثين يفيضون فيه فنطق: ما هؤلاء،يا ترى؟ فقيل: قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص، فنطق: "نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب"، لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة الفهم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها والله ولي المؤمنين».

وصلات خارجية

  • الاعتصام للشاطبي
  • فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
  • لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، لابن قدامة المقدسي نسخة محفوظة 19 فبراير 2010 على مسقط واي باك مشين.

المراجع

  1. "Mapping the Global Muslim Population". مؤرشف من الأصل في أربعة مايو2019. اطلع عليه بتاريخعشرة ديسمبر 2014.
  2. ^ Sunnis and Shia in the Middle East نسخة محفوظة 25 يوليو2017 على مسقط واي باك مشين.
  3. ^ "سليم مسلم/المقدمة - ويكي مصدر". ar.wikisource.org. مؤرشف من الأصل في 22 مايو2015. اطلع عليه بتاريخ 27 مايو2018.
  4. "مقدمة ابن خلدون - الجزء الخامس - ويكي مصدر". ar.wikisource.org. مؤرشف من الأصل في ثلاثة أكتوبر 2018. اطلع عليه بتاريخ 27 مايو2018.
  5. ^ الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص93.
  6. ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون الفصل العاشر في «فهم الكلام هوفهم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة، وسر هذه العقائد الإيمانية هوالتوحيد». ج1. صفحة 458 وما بعدها.
  7. عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبومنصور. "الفرق بين الفرق الفصل الثالث من فصول هذا الباب في بيان الأصول التى اجتمعت عليها أهل السنة- ويكي مصدر". ar.wikisource.org. مؤرشف من الأصل في 17 فبراير 2013. اطلع عليه بتاريخ 2018-09-09م.
  8. عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبومنصور (1977م). الفرق بين الفرق الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب في كيفية افتراق الأمة ثلاثا وسبعين، الفصل الأول: في بيان المعنى الجامع للفرق المتنوعة في اسم ملة الإسلام على الجملة. بيروت: دار الآفاق الجديدة. صفحات 19 و20.
  9. ^ . مؤرشف من الأصل فيعشرة أغسطس 2018.
  10. ^ تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف من الممكن أن كان عاقبة المكذبين﴾، ج7، ص231 و232، دار المعارف.
  11. الشاطبي (1412 هـ/ 1992م). الموافقات، الدليل الثاني: (السنة)، ج4. صفحات 289 وما بعدها.
  12. ^ محمد بن علي بن محمد الشوكاني. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من فهم الأصول، المقصد الثاني في السنة، البحث الأول: معنى السنة لغة وشرعا، ج1. صفحة 128 وما بعدها.
  13. أبوالفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور (2003م). لسان العرب، ج7 حرف السين (سنن). دار صادر. صفحة 280 و281.
  14. ^ أصول السرخسي، ص113 و114.
  15. أحمد بن حجر العسقلاني. فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 6847. صفحة 263 وما بعدها.
  16. أبومحمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين العنتابي الحنفي بدر الدين العينى. . بيروت لبنان: دار الخط الفهمية. صفحات 39 و40. مؤرشف من الأصل في 18 ديسمبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 15/ شعبان/ 1439 هـ.
  17. ^ محمد شمس الحق العظيم آبادي (1415 هـ/ 1995م). عون المعبود، كتاب السنة، باب لزوم السنة حديث رقم: (4612). دار الفكر. صفحة 286.
  18. أبوالحسن الحنفي الشهير بالسندي. حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، باب من وقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا وهويرى أنه كذب. رقم الحديث: (42). دار الجيل. صفحات 19 وما بعدها.
  19. ^ محمد بن جرير الطبري. تفسير ابن جرير الطبري، سورة الأنعام آية: (153)، القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.﴾. دار المعارف. صفحات 128 وما بعدها.
  20. ^ التوضيح لشرح الجامع السليم، لابن الملقن، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول الله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ج33، ص126 و127.
  21. ^ سنن الترمذي كتاب الفهم باب ما اتى في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، ج5 حديث رقم: (2676)
  22. إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (1422 هـ/ 2002م). تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: هوالذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات الجزء الثاني [تفسير ابن كثير]. دار طيبة. صفحات 7 وما بعدها.
  23. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا..﴾ وما أمر النبي بلزوم الجماعة وهم أهل الفهم، حديث رقم: (6917)، ص328 و329
  24. ابن رجب الحنبلي (1422 هـ/ 2001م). جامع العلوم والحكم ج2 الحديث رقم: (28). مؤسسة الرسالة. صفحة 109 إلى 112.
  25. يحيي بن شرف أبوزكريا النووي (1416 هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم: (1834). دار الخير. صفحة 536.
  26. ^ القرطبي. . مؤرشف من الأصل في 18 يونيو2018. اطلع عليه بتاريخ سبتمبر 2017.
  27. ^ محمد بن جرير الطبري. . مؤرشف من الأصل في 27 يونيو2018. اطلع عليه بتاريخ أكتوبر 2017.
  28. ^ شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبوزكريا النووي، مقدمة الكتاب، باب بيان حتى الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هوفيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة، ج1 ص84، دار الخير، سنة: 1416 هـ/ 1996م.، سنن الدارمي ج1 ص112.
  29. ^ شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني; أبوزكريا يحيى بن شرف النووي (1323 هجرية). (الطبعة السابعة). ببولاق مصر المحمية: المطبعة الأميرية الكبرى. صفحة ص112. مؤرشف من الأصل في 18 ديسمبر 2019.
  30. ^ شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي، بدء التفتيش عن الإسناد، ج1 ص122.
  31. ^ شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبوزكريا النووي، مقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، الحديث رقم: (7)، ج1، ص76، دار الخير، سنة النشر: 1416 هـ/ 1996م.
  32. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ص296 وما بعدها، حديث رقم: (6531)]، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب اغتال الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى: ﴿وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون﴾، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله ونطق إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
  33. ^ تفسير ابن جرير الطبري، ج4 ص65
  34. سيف الدين الآمدي. كتاب الإحكام في أصول الأحكام القاعدة الثانية في بيان الدليل الشرعي وأقسامه وما يتعلق به من أحكامه القسم الأول فيما يجب العمل به مما يسمى دليلا شرعيا، الأصل الثاني في السنة، الجزء الأول. صفحة 169.
  35. تقي الدين أبوالبقاء الفتوحي. شرح الكوكب المنير، باب في السنة (الطبعة د.ط د.ت). مطبعة السنة المحمدية. صفحة 210 إلى 212.
  36. ^ أصول السرخسي ص113 و114.
  37. ^ شرح مختصر ابن الحاجب، عضد الدين الأيجي، ج2 ص290
  38. ^ تفسير ابن جرير الطبري، تفسير سورة يوسف، آية: 108، القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعوإلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾. (108)، ج16 ص291 و292.
  39. ^ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما كان النبي يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري. حديث رقم: (6879). دارالريان للتراث.
  40. جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، الحديث الثامن والعشرون أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، الجزء الثاني، ص120، مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1422 هـ/ 2001م
  41. ^ محمد بن جرير الطبري. تفسير الطبري تفسير سورة الأحزاب، آية: (21) القول في تأويل قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» الجزء العشرون (الطبعة دار المعارف). صفحة 235 و236.
  42. ^ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. سنن الترمذي كتاب الفهم باب ما اتى في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2676). دار الخط الفهمية. صفحة 43، 44.
  43. المستدرك على السليمين كتاب الفهم ج1 ص288 حديث رقم: (334)
  44. ^ ورواه أبوداود والترمذي، ونطق حديث حسن سليم، وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وزاد في حديثه: «فقد هجرتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
  45. ^ أبوالفتح الشهرستاني. . صفحة 34. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019. اطلع عليه بتاريخخمسة يونيو2017م.
  46. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري حديث رقم: (6673)
  47. ^ سليم البخاري، كتاب الفتن، حديث رقم: (6644)
  48. ^ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي كتاب الفهم باب ما اتى في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم: (2676). دار الخط الفهمية. صفحة 366 وما بعدها.
  49. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6849). دار الريان للتراث. صفحة 266 وما بعدها.
  50. يحيى بن شرف أبوزكريا النووي (1416هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم، كتاب الفهم باب من سن سنة حسنة أوسيئة ومن نادى إلى هدى أوضلالة حديث رقم: (1017). دار الخير. صفحة 172.
  51. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري لابن حجر العسقلاني، كتاب الفتن، حديث رقم: (6644)
  52. ^ علي بن سلطان محمد القاري (1422 هـ/ 2002م). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كتاب الفهم حديث رقم: (248). دار الفكر. صفحة 322 وما بعدها.
  53. ^ أبوالحسن الحنفي الشهير بالسندي. حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: (44). دار الجيل. صفحات 19 وما بعدها.
  54. ^ أبوالحسن الحنفي الشهير بالسندي. حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: (44). دار الجيل. صفحات 20 وما بعدها.
  55. ^ لسان العرب لابن منظور، ج3 ص196
  56. ^ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (1422 هـ/ 2002م). تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته» الجزء الثاني [تفسير ابن كثير]. دار طيبة. صفحات 86 وما بعدها.
  57. ^ بدر الدين العيني. . بيروت- لبنان: دار إحياء التراث العربي. صفحة 25. مؤرشف من الأصل في 29 أبريل 2019.
  58. ^ الحسين بن مسعود البغوي. تفسير البغوي، سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، الجزء الثاني. صفحة 78 وما بعدها.
  59. ^ لجنة الإفتاء الأردنية (30/ 04/ 2013م). . مؤرشف من الأصل في 26 أكتوبر 2016. اطلع عليه بتاريخ 3/ ربيع الثاني/ 1438 هـ.
  60. أبوسليمان الخطابي. العزلة للخطابي. صفحة 7.
  61. أبوإسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي (1412 هـ/ 1992م). كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي، ج2، الباب التاسع في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين المسألة السادسة عشرة. دار ابن عفان. صفحات 768 وما بعدها.
  62. ^ الشاطبي. الاعتصام فصل حديث تفرق الأمة، المسألة السابعة عشرة حتى الجميع اتفقوا على اعتبار أهل الفهم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا، ج1. صفحة 482.
  63. ^ عمدة القاري شرح سليم البخاري، لبدر الدين العيني، (35/ 147).
  64. ^ تاريخ ابن خلدون، ج1 ص448.
  65. ^ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الفتن، باب كيف من الممكن أن الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6673). دارالريان للتراث. صفحات 39 وما بعدها.
  66. ^ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الفتن، باب كيف من الممكن أن الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6673). دارالريان للتراث. صفحة 39.
  67. ^ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الفتن، باب كيف من الممكن أن الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6645). دارالريان للتراث. صفحة 9.
  68. ^ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. سنن الترمذي كتاب الفهم باب ما اتى في الحث على تبليغ السماع، الجزء الخامس حديث رقم: (2658). دار الخط الفهمية. صفحة 34.
  69. ^ علي بن سلطان محمد القاري (1422 هـ/ 2002م). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كتاب الفهم حديث رقم: (208). دار الفكر. صفحة 306 و307.
  70. ^ شرح النووي على سليم مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم: (1835)، ص536، و537.
  71. ^ شرح النووي على سليم مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم: (1840)، ص539 و540.
  72. ^ يحيي بن شرف أبوزكريا النووي (1416 هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم: (1840). دار الخير. صفحة 539 و540.
  73. ^ شرح النووي على مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حتى الدين النصيحة، حديث رقم: (55)، ص229
  74. ^ محمد بن شهاب الدين الرملي (1404 هـ/ 1984م). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة، الجزء السابع (الطبعة الأخيرة). دار الفكر. صفحات 409 وما بعدها.
  75. ^ الأحكام السلطانية للماوردي ص3
  76. ^ نقلا عن شرح المقاصد للتفتازاني
  77. ^ وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته ج8. صفحة 6361.
  78. ^ إمام الحرمين أبوالمعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (1401هـ). الغياثي (غياث الأمم في التياث الظلم)، الركن الأول كتاب الإمامة، الباب الأول في معنى الإمامة ووجوب نصب الأئمة وقادة الأمة. مخطة إمام الحرمين. صفحة 22.
  79. ^ يحيي بن شرف أبوزكريا النووي (1416 هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم كتاب الإمارة باب الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، حديث رقم: (1841). دار الخير. صفحة 542.
  80. ^ ابن خلدون. مقدمة ابن خلدون ج1. صفحة 98.
  81. ^ رواه مسلم من حديث لابن عمر مرفوعا.
  82. ^ متفق عليه
  83. ^ محمد رشيد رضا. . الزهراء للإعلام العربي القاهرة. صفحة 18. مؤرشف من الأصل في 18 مايو2019.
  84. ^ أبوالحسن الأشعري، رسالة إلى أهل الثغر
  85. محمد بن شهاب الدين الرملي (1404 هـ/ 1984م). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة، الجزء السابع (الطبعة الأخيرة). دار الفكر. صفحات 409 وما بعدها.
  86. ^ ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون ج1. صفحة 98.
  87. ^ محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. . دار الفكر. صفحة 257 و258. مؤرشف من الأصل فيخمسة أبريل 2016.
  88. ^ ابن عابدين. حاشية رد المحتار على الدر المختار ج6 كتاب الأشربة. صفحة 460.
  89. أبوإسحاق الشيرازي. طبقات الفقهاء ج1.
  90. ^ فهم أنواع فهم الحديث لابن الصلاح، ص504 دار الخط الفهمية، بيروت لبنان.
  91. ^ الثقات ج5 ص206
  92. ^ إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لابن مغلطاي، ج6 ص226 من اسمه شراحيل وشرحبيل.
  93. ^ إكمال تهذيب الكمال
  94. ^ مرقاة المفاتيح ص104
  95. ^ تاريخ دمشق لابن عساكر، ج22 ص377 إلى 391 دار الفكر
  96. ^ طبقات ابن سعد 7: 509 - 510
  97. ^ طبقات ابن سعد ج7 ص511
  98. ^ شرح سنن الترمذي المناقب. نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2017 على مسقط واي باك مشين.
  99. ^ تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ج2 ص163
  100. ^ تهذيب الكمال للمزي ج3 ص382
  101. ^ أبوإسحاق الشيرازي. طبقات الفقهاء للشيرازي ج1. صفحات 90 وما بعدها.
  102. ^ الرابطة المحمدية العليا بالمغرب مجلة الأحياء. الصحابة الكرام في التراث المغربي الأندلسي نسخة محفوظة 20 نوفمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  103. ^ تاريخ ابن خلدون ج1 ص449 و450
  104. ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون ج1. صفحة 446 وما بعدها.
  105. ^ ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون ج1. صفحة 456 و457.
  106. ^ سليم البخاري كتاب الإيمان
  107. ^ مختصر من رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري
  108. ^ سليم البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، الجزء الثالث، ص1321، حديث رقم: (3414). انظر: فتح الباري شرح سليم البخاري، ص715.
  109. ^ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. . صفحة 296 وما بعدها. مؤرشف من الأصل في 30 يونيو2018.
  110. ^ أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد (1414 هـ/ 1993م). . دار إحياء التراث العربي. صفحة 421 و422. مؤرشف من الأصل في 30 يونيو2018.
  111. ^ تفسير القرطبي، سورة النساء، ج5 ص211 وما بعدها.
  112. ^ فخر الدين الرازي. تفسير الرازي سورة البقرة قول الله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا. الفهمية. صفحة 88.
  113. ^ سورة القلم آية: 28
  114. ^ تفسير القرطبي ويكي مصدر نسخة محفوظة ثلاثة أكتوبر 2018 على مسقط واي باك مشين.
  115. ^ أبوإسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي (1412 هـ/ 1992م). الاعتصام للإمام الشاطبي، الباب الثاني في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها، فصل الأدلة من النقل على ذم البدع، ما اتى في القرآن في ذم البدع وأهلها، ج1. دار ابن عفان. صفحات 71 وما بعدها.
  116. ^ الاعتصام للشاطبي، الفرق بين البدعة والمعصية، ص175
  117. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1407 هـ/ 1986م). فتح الباري شرح سليم البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الإقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6858) [فتح الباري شرح سليم البخاري]. دار الريان للتراث. صفحة 256 وما بعدها.
  118. ^ الحديث وأخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه فنزلت: ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إذا تبد لكم تسؤكم﴾ وله شاهد عن ابن عباس عند الطبري في التفسير وفيه: لوقلت نعم، لوجبت ولووجبت لما استطعتم فاهجروني ما هجرتكم الحديث وفيه فأنزل الله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إذا تبد لكم..﴾الآية.
  119. ^ أخرجه البخاري في باب الاعتصام حديث رقم:( 6858) ومسلم حديث رقم: (1337)، انظر أيضا: جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ج1 ص238، الحديث التاسع.
  120. ^ محمد بن جرير الطبري. تفسير سورة آل عمران. صفحات 147 وما بعدها.
  121. ^ ورواه ابن مردويه من طريق أخرى عن القاسم عن عائشة به.
  122. ^ الحسين بن مسعود البغوي. تفسير البغوي، سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: «هوالذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب» الجزء الثاني. دار طيبة. صفحة 8 و9.
  123. ^ محمد بن جرير الطبري. تفسير سورة آل عمران القول في تأويل قوله تعالى: «فأما الذين في قلوبهم زيغ...». صفحات 195 و196.
  124. ^ سورة آل عمران آية: (106)
  125. ^ محمد بن جرير الطبري. تفسير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: «ابتغاء الفتنة»، الجزء السادس، حديث رقم: (6622). دار المعارف. صفحات 196 وما بعدها.
  126. ^ Hughes, Aaron (2013). . صفحة 115. ISBN . مؤرشف من الأصل في 12 أكتوبر 2017. It is a mistake to assume, as is frequently done, that Sunni Islam emerged as normative from the chaotic period following Muhammad's death and that the other two movements simply developed out of it. This assumption is based in... the taking of later and often highly ideological sources as accurate historical portrayals – and in part on the fact that the overwhelming majority of Muslims throughout the world follows now what emerged as Sunni Islam in the early period.
  127. ^ Hughes, Aaron (2013). . صفحة 116. ISBN . مؤرشف من الأصل في 12 أكتوبر 2017. Each of these sectarian movements... used the other to define itself more clearly and in the process to articulate its doctrinal contents and rituals.
  128. ^ يحيي بن شرف أبوزكريا النووي (1416 هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم، كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم حديث رقم: (1063) (الطبعة دار الخير). صفحة 130 و131.
  129. ^ أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
  130. ^ يحيي بن شرف أبوزكريا النووي (1416 هـ/ 1996م). شرح النووي على سليم مسلم، كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم حديث رقم: (1064) (الطبعة دار الخير). صفحة 131 وما بعدها.
  131. ^ شرح سليم البخاري لابن بطال كتاب السقمى، باب تمني المريض الموت نسخة محفوظة 17 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  132. ^ المضىي. . صفحة 523 و524. مؤرشف من الأصل فيتسعة أغسطس 2018.
  133. ^ الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، المقدمة الرابعة: في بيان أول شبهة سقطت في الملة الإسلامية وكيفية انشعابها ومن مصدرها ومن مظهرها، ج1 ص20 وما بعدها، دار الفهم - بيروت، 1404 هـ
  134. ^ ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون ج1. صفحة 463 و464.
  135. إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (1422 هـ). تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: هوالذي أنزل عليك الكتاب منه ءآيات محكمات الجزء الثاني. دار طيبة. صفحات 10 وما بعدها.
  136. تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، دار المعارف، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وما يفهم تأويله إلا الله والراسخون في الفهم يقولون ءامنا به جميع من عند ربنا﴾. الجزء السادس، ص201، 206
  137. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري لابن حجر العسقلاني، كتاب التوحيد، ص427
  138. ^ محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (1404هـ). الملل والنحل، ج1. بيروت: دار الفهم. صفحة 100 وما بعدها.
  139. ^ محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (1404هـ). الملل والنحل، ج1. بيروت: دار الفهم. صفحة 102 وما بعدها.
  140. ^ المضىي. . صفحة 247 وما بعدها. مؤرشف من الأصل فيتسعة أغسطس 2018.
  141. ^ الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص93
  142. ^ التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، فصل في بيان الفِرق على الجملة، طاهر بن محمد الإسفراييني، ج1، ص25، الناشر: عالم الخط - بيروت، الطبعة الأولى، 1983
  143. ^ محمد أمين بن عمر المعروف بـ«ابن عابدين» (1412 هـ/ 1992م). حاشية ابن عابدين المسمى بـ«رد المحتار على الدر المختار» المقدمة، ج1 (الطبعة د.ط). دار الخط الفهمية. صفحة 48 وما بعدها.
  144. ^ نقلا عن: إتحاف السادة المتقين للزبيدي 2/ 6-7.
  145. ^ عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبومنصور (1977م). (الطبعة الثانية). بيروت: دار الآفاق الجديدة. مؤرشف من الأصل في ثلاثة أكتوبر 2018.
  146. ^ لوامع الأنوار البهية للسفاريني ج1 ص73
  147. ^ العين والأثر في عقائد أهل الأثر، ج1 ص53 المؤلف: عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهيم، الناشر: دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1987. تحقيق: عصام رواس قلعجي.
  148. ^ لسان العرب لابن منظور (أثر) ج1 ص52 وما بعدها
  149. ^ الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص: (93)
  150. ^ محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، الصفحة: 102 وما بعدها
  151. ^ تاج التراجم في طبقات الحنفية، قاسم بن قطلوبجا الحنفي، ج1 ص20
  152. ^ الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي أبومحمد محيي الدين الحنفي (المتوفى: 775 هـ)، الناشر: مير محمد خط خانه - كراتشي، ج2 ص562
  153. ^ الملل والنحل للشهرستاني، مقدمة الكتاب
  154. ^ إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزَّالي كتاب قواعد العقائد الفصل الثاني ويكي مصدر نسخة محفوظة 16 ديسمبر 2019 على مسقط واي باك مشين.
  155. ^ الطوائف التي تمثل ممضى أهل الحق في باب التقديس والتوحيد. نسخة محفوظة 26 أكتوبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  156. ^ البحر المحيط للزركشي، المقدمة فصل أول من صنف في الأصول ج1 ص18 و19 و20، دار الخطي ط1، سنة 1414/ 1994م.
  157. ابن خلدون. تاريخ ابن خلدون ج1. صفحة 467 وما بعدها.
  158. ^ القرطبي. . صفحة 295. مؤرشف من الأصل في 11 مايو2018. اطلع عليه بتاريختسعة مايو2018م.
  159. ^ العز بن عبد السلام. . صفحة 220-221. مؤرشف من الأصل في 11 مايو2018. اطلع عليه بتاريخ 09 مايو2018.


تاريخ النشر: 2020-06-01 19:43:36
التصنيفات: أهل السنة والجماعة, مصطلحات إسلامية, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صفحات تحتوي مراجع ويب بتاريخ وصول وبدون رابط تشعبي, صفحات محمية على المؤكدين فقط, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, مقالات مختارة, صفحات لا تقبل التصنيف المعادل, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P227, بوابة الأديان/مقالات متعلقة, بوابة الشرق الأوسط/مقالات متعلقة, بوابة الفقه الإسلامي/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة محمد/مقالات متعلقة, بوابة علوم إسلامية/مقالات متعلقة, بوابة القرآن/مقالات متعلقة, بوابة الحديث النبوي/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ الإسلامي/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الحكم بطل فضيحة مباراة أرسنال وبرينتفورد يعتزل التحكيم نهائيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:39
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

الحكم بطل فضيحة مباراة أرسنال وبرينتفورد يعتزل التحكيم نهائيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:35
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

فوضى بالبرلمان الفرنسي بسبب "إصلاح نظام التقاعد"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:28:13
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

تعديل برنامج بعض مباريات البطولة الوطنية من الأحد إلى الثلاثاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:26
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

ستة قتلى في حادث إطلاق نار جديد في الولايات المتحدة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

تعديل برنامج بعض مباريات البطولة الوطنية من الأحد إلى الثلاثاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:33
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

سول: كوريا الشمالية أطلقت صاروخًا باليستيًا تجاه البحر الشرقي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

العثور على جثة اللاعب الغاني أتسو تحت الأنقاض في تركيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:27:46
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

فوضى بالبرلمان الفرنسي بسبب "إصلاح نظام التقاعد"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:28:14
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 56%

العثور على جثة اللاعب الغاني أتسو تحت الأنقاض في تركيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:27:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

الجزائر.. حادث سير يودي بحياة 5 ويصيب 9 آخرين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:04
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

مدرب الشباب: مواجهة ناساف صعبة والأندية السعودية تتفوق آسيويًا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:02
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

بعد هجوم روسي.. دوي انفجارات يهز غرب أوكرانيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:25:58
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

ألمانيا: خطر وقوع حادث نووي في أوكرانيا لا يزال قائما

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:25:54
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

ستة قتلى في حادث إطلاق نار جديد في الولايات المتحدة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-18 12:26:42
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية