أناركية ما بعد اليسارية

عودة للموسوعة

تُعتبر اللاسلطوية ما بعد اليسارية (بالإنجليزية: Post-left anarchy) تيارٌ حديثٌ في الفكر اللاسلطوي الذي يُروّج لنقد علاقة أنصار اللاسلطوية بتيار اليسارية التقليدية. إذ يسعى بعض اليساريين إلى التخلص من قيود الإيديولوجية بشكل عام في حين يعملون أيضًا على انتقاد المنظمات ومنظومة الأخلاق. متأثرةً بأفكارِ كلٍّ من الفيلسوف ماكس شتيرنر والحركة الأممية الموقفية، تتميز اللاسلطوية بهجريزها على التمرد الاجتماعي والتنقيص من التنظيم الاجتماعي اليساري.

يزعم أنصار ما بعد اليسارية بأنّ تيار اليسارية، وحتى اليسارية الثورية، ينطوي على مفارقةٍ تاريخية وبأنه غير قادر على خلق أي تغيير. فهُم يزعمون أيضًا بأن اللاسلطوية ما بعد اليسارية تضع انتقادات لاذعة حول الاستراتيجيات والتكتيكات الراديكالية باعتبارها عتيقة مثل: المظاهرات والصراعات الطبقية والهجريز على التنطقيد والعجز عن التخلص من القيود التاريخية. على سبيل المثال، ينتقد كتاب «اللاسلطوية في عصر الديناصورات – بالانجليزية: Anarchy in the Age of Dinosaurs» الأفكار اليسارية التقليدية واللاسلطوية الكلاسيكية في حين أنه يدعوإلى خلق حركة لاسلطوية جديدة. ومن الموضوعات الأخرى الناقدة لحركة اليسارية منطقة تحت عنوان «سياستكم مملة للغاية!» من جماعة الكريمثينك، والتي ورد فيها ما يلي:

لماذا لم ترجع البروليتاريا المضطهدة إلى رشدها لتنضمّ إليكم في معركتكم من أجل تحرير العالم،يا ترى؟  [...]وذلك بسبب أنهم يدركون حتى أساليبكم العتيقة من الاحتجاج ـ ومسيراتكم ولافتاتكم وتجمعاتكم ـ قد أصبحت الآن عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي لأنها أصبحت تشكل جزءًا يمكن التنبؤ به من الوضع الراهن. وهم يدركون أيضًا حتى مصطلحات ما بعد الماركسية الخاصة بكم قد أصبحت غير صالحة لأنها في الحقيقة لغة تدعوإلى نزاع أكاديمي وليست سلاحًا قادرًا على تقويض أنظمة الحكم... ____ ناديا سي, «سياستكم مملة للغاية!»

الأفكار

نقد الأيديولوجية

تتمسك اللاسلطوية ما بعد اليسارية بانتقادها للأيديولوجيّة التي «يعود تاريخها إلى أفكار ماكس شتيرنر». وبالنسبة لجيسون ماكوين فإن «كل الأيديولوجية في جوهرها تتضمن استبدال المفاهيم أوالصور الغريبة (أوغير المكتملة) بالذاتية الإنسانية. إذ تُعتبر الأيديولوجيات أنظمة الوعي الكاذب حيث لا ينظر الناس إلى أنفسهم بشكل مباشر على أنهم موضوعات مستقلة في علاقتهم مع العالم من حولهم. وبدلًا من ذلك، فهم يعتبرون أنفسهم، بطريقة ما، خاضعين لنوع أوآخر من الكيانات المجردة أوالكيانات التي لا تُعتبر أشخاص أوجهات فاعلة حقيقية في عالمهم» وأيضًا «سواء كانت هذه الكيانات المجردة تتمثل بالله أوالدولة أونظام الحزب الواحد أوالمنظمة أوالتكنولوجيا أوالأسرة أوالإنسان أوالسلام أوفهم البيئة أوالطبيعة أوالعمل أوالحب أوحتى الحرية؛ وفي حال صُوّرت أوقُدّمت كما لوكانت موضوعات فعالة لفردٍ ما بحدّ ذاته، فهوعندئذقد يكون محور الأيديولوجية».

رفض منظومة الأخلاق

تُعدّ منظومة الأخلاق هدف للاسلطوية ما بعد اليسارية، تمامًا كما ورد في أفكار شتيرنر وفريدريك تخصصه. بالنسبة لماكوين، «إن الأخلاق تعبير عن نظام من القيم المجسّدة — وقيم مجردة أُخذت من سياق ما ووُضعت داخل صخرة وتحولت إلى معتقدات غير مشكوك فيها ليتم تطبيقها بغض النظر عن الرغبات أوالأفكار أوالأهداف الحقيقية للفرد، وبغض النظر أيضًا عن الوضع الذي يكتشف فيه الفرد ذاته. إذ إذا الممضى الأخلاقي يُعتبر ممارسة لا تقتصر على الحد من القيم الحية التي تتجسد في الأخلاق فحسب، بل إنها تتمثل في اعتبار المرء لنفسه أفضل من غيره لأن المرء قد أخضع نفسه للأخلاق (استقامة النفس)، وفي التبشير بالأخلاق من أجل اعتمادها كأداة للتغيير الاجتماعي». إذا التعايش مع الأخلاق يعني التضحية ببعض الرغبات والإغراءات (بغض النظر عن الموقف الحقيقي الذي قد تكتشف فيه ذاتك) لصالح أخلاقيات الفضيلة.

لذلك، «ينطوي رفض الأخلاق على بناء نظرية نقدية لذات الفرد ومجتمعه (نظرية دائمًا ما تكون انتقادية للذات ومؤقتة وغير استبدادية أبدًا) حيث يوجد هدف واضح لإنهاء العزلة الاجتماعية لا يخلط أبدا بينه وبين الأهداف الجزئية المادية. وهوينطوي على التأكيد على ما يتعين على الناس حتى يكسبوه من نقد راديكالي بدلًا ممَّ يجب على الناس حتى يضحّوا به أويتغاضوا عنه لكي يعيشوا حياة حميدة ذات أخلاق سليمة سياسيًا».

نقد سياسات الهوية

تميل اللاسلطوية ما بعد اليسارية إلى انتقاد ما تراه على أنه الضحية الجزئية لوجهات نظر سياسات الهوية. إلى غير ذلك خط فيرال فاون في «أيديولوجية التضحية» حتى هناك «نسخة نسوية من أيديولوجية التضحية - وهي أيديولوجية تحرّض الخوف والضعف الفردي (وبالتالي تعتمد على جماعات الدعم القائمة على الإيديولوجية والحماية الأبوية من السلطات)». ومع ذلك، في النهاية «مثل جميع الأيديولوجيات، فإن أنواع أيديولوجية التضحية تُعدّ أشكال من الوعي الوهمي. وأن قبول الدور الاجتماعي للضحية، في أي شكل من أشكاله المتعددة، يُعتبر اختيار رفض خلق حياة الفرد لنفسه أواستكشاف علاقاته الحقيقية مع الهياكل الاجتماعية حوله. إذا جميع حركات التحرير الجزئية ـ الحركة النسوية والمثلية الجنسية والمناهضة العنصرية والحركة العمالية وما إلى ذلك ـ تحدد الأفراد من حيث أدوارهم الاجتماعية. ولهذا السبب، فإن هذه الحركات لا تضم فقط انعكاسًا في وجهات النظر قد يؤدي إلى تحلل الأدوار الاجتماعية ويسمح للأفراد بإنشاء تطبيق عملي قائم على أهوائهم ورغباتهم؛ بل إنها تعمل بشكل عملي ضد هذا التحول في المنظور، وذلك عن طريق «تحرير» الدور الاجتماعي الذي يخضع له الفرد».

نظرية الذات

يرفض أنصار اللاسلطوية ما بعد اليسارية جميع الإيديولوجيات لصالح البناء الفردي والمجتمعي للنظرية الذاتية. إذ تُعتبر النظرية الذاتية الفردية هي النظرية التيقد يكون فيها الفرد المتكامل في السياق (في جميع علاقاته وتاريخه ورغباته ومشاريعه) هوالمركز الذاتي للفهم والعمل بشكل دائم. وتستند أيضًا النظرية الذاتية المجتمعية بشكل مماثل إلى المجموعة كموضوع واحد، مع وجود وعي أساسي حول جميع فرد (ونظرياته الذاتية الخاصة) الذي يشكل المجموعة أوالمنظمة. وبالنسبة لماكوين، فإن «المنظمات غير الأيديولوجية والمنظمات اللاسلطوية أو(الجماعات غير الرسمية) دائمًا ما تستند على مفهوم استقلال الأفراد الذين يبنونها، على عكس المنظمات اليسارية التي تتطلب تسليم الاستقلال الشخصي كشرط مسبق للعضوية».

الحياة اليومية وصنع المواقف ومفهوم الحالية

بالنسبة لولفي لانستريكهر، «لا يمكن إعادة تخصيص الحياة على المستوى الاجتماعي، فضلًا عن عدم إمكانية إعادة التخصيص الكامل على المستوى الفردي، إلا عندما نتوقف عن تحديد هوياتنا بحسب هوياتنا الاجتماعية» وأيضًا «يجب الاعتراف بضرورة وضع حدّ لهذا المسار والعمل على تطوير طرق جديدة للعيش إذا كان لنا حتى نحقق الاستقلال والحرية بشكل كامل». لم يعد هدف العلاقات مع الآخرين هو«البحث عن أتباع يقبلون موقف الفرد»، بل الهدفقد يكون في البحث عن «رفاق وشركاء يساعدون في عملية فهم الفرد لذاته».

يؤيّد حكيم باي فكرة عدم «انتظار الثورة» إذ يؤكد على ضرورة البدء الفوري في عملية «البحث عن (مساحات)» (مساحات جغرافية واجتماعية وثقافية وحتى في الخيال) مع إمكانية تطورها كمناطق مستقلة— فنحن نبحث عن أوقات تكون فيها هذه المساحات مفتوحة نسبيًا، إما بسبب إهمال من جانب الدولة أولأنها أُفلِتَت بطريقة ما من قبل راسمي الخرائط، أولأي سبب كان». وفي نهاية المطاف، «تقوم مجموعة من البشر، وجهًا لوجه، بتضافر جهودهم لتحقيق رغباتهم المتبادلة، سواء من أجل الطعام الجيد أوالهناء أوالرقص أوالتواصل مع بعضهم أوفنون الحياة؛ من الممكن حتى من أجل المتعة الجنسية أولخلق عمل فني مشهجر أوللحصول على النعم والرزق – باختصار، إذا «اتحاد الأنانية» (كما نطق شتيرنر) في أبسط صوره -- وبحسب شروط كروبوتكين، يُعتبر حملة بيولوجية أساسية لمفهوم «التقايض».

علاقة اللاسلطوية ما بعد اليسارية مع مدارس فكرية غير تابعة لللاسلطوية

نطق مكوين: «إن الذين يسعون إلى تعزيز هذه الهجريبة قد تأثروا في المقام الأول بحركة اللاسلطوية الكلاسيكية حتى فترة الثورة الإسبانية من ناحية، وبالكثير من أكثر الانتقادات وأساليب التدخل تبشيرًا منذ الستينيات من ناحية أخرى. ومن أبرز الانتقادات تلك التي تنطوي عليها الحياة اليومية ومظاهر الأيديولوجية والأخلاق والتكنولوجيا الصناعية والعمل والحضارة. هجرز أساليب التدخل على النشر المادي للعمل المباشر في جميع جوانب الحياة». وبالتالي فإن فكرة الأممية الموقفية هامة للغاية بالنسبة للفكر اللاسلطوي ما بعد اليساري. من بين المفكرين الآخرين من غير المناصرين للاسلطوية ما بعد اليسارية لكن لهم صلة وثيقة بها كان: شارل فورييه ومدرسة فرانكفورت وفريدريك تخصصه وميشال فوكووأيضًا فهماء أنثروبولوجيا مثل مارشال سالينز.

المراجع

  1. ^ Macphee, Josh (2007). "Introduction". Realizing the Impossible. Stirling: AK Press. ISBN .
  2. "Post-Left Anarchy: Leaving the Left Behind Prologue to Post-Left Anarchy" by Jason McQuinn نسخة محفوظة ثلاثة يوليو2019 على مسقط واي باك مشين.
  3. ^ "Against Organizationalism: Anarchism as both Theory and Critique of Organization" by Jason McQuinn نسخة محفوظة 28 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  4. ^ "The ideology of victimization" by Feral Faun. نسخة محفوظة 14 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  5. ^ "The Temporary Autonomous Zone" by حكيم باي. نسخة محفوظة 25 ديسمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  6. ^ Insurgentdesire.org.uk "From Politics to Life: Ridding anarchy of the leftist millstone" By Wolfi Landstreicher. نسخة محفوظة 18 يونيو2010 على مسقط واي باك مشين.
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:23:46
التصنيفات: النظرية اللاسلطوية, لاسلطوية حسب الشكل, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات يتيمة منذ مارس 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة لاسلطوية/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة السياسة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رصاص الأمن يوقف شخص “مخمور” بأكادير

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:42
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

السيسي يصدر عفوا عن الناشط السياسي زياد العليمي المسجون منذ 2019

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 18:28:45
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

كمين أمني يطيح بـ “بزناس” في قبضة أمن مراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:35
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 50%

للمرة الرابعة.. البرلمان اللبناني يخفق في انتخاب رئيس للجمهورية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 18:28:51
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

سقوط 9 أشخاص في ملف شبكة للهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:45
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 39%

بالصور.. العمدة المنصوري تستقبل المتضررين من مشروع “الغالي”

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:37
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 48%

نفاذ الأنسولين من المراكز الصحية..وزارة الصحة توضح

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:36
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 46%

جلالة الملك يراسل رئيس جمهورية زامبيا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:39
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 37%

الرابور “طوطو” يمثل أمام الشرطة القضائية بالبيضاء

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:31
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 40%

إحداث دوائر وقيادات جديدة على طاولة مجلس الحكومة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:32
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 40%

للمرة الرابعة.. البرلمان اللبناني يخفق في انتخاب رئيس للجمهورية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 18:28:48
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

لصان يباغثان مواطنا بالشارع العام بمراكش والأمن يتدخل

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 21:15:34
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 39%

السيسي يصدر عفوا عن الناشط السياسي زياد العليمي المسجون منذ 2019

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-24 18:28:44
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية