أنثروبولوجيا أمريكية

عودة للموسوعة

تضع الأنثروبولوجيا الأمريكية الثقافة مفهومًا مركزيًا وموحدًا لديها. يشير هذا المصطلح في الغالب إلى القدرة البشرية العالمية لتصنيف التجارب البشرية وتشفيرها رمزيًا، ولتبادل التجارب المشفرة رمزيًا بصورة اجتماعية. تنظَّم الأنثروبولوجيا الأمريكية في أربعة مجالات يلعب جميع منها دورًا مهمًا في الأبحاث المتعلقة بالثقافة:

  1. الأنثروبولوجيا الحيوية
  2. الأنثروبولوجيا اللغوية
  3. الأنثروبولوجيا الثقافية
  4. فهم الآثار

أثّر البحث في هذه المجالات في فهماء الأنثروبولوجيا العاملين في بلدان أخرى بدرجات مختلفة.

الأنثروبولوجيا الحيوية

يتمحور النقاش في ما بتعلق بالثقافة بين فهماء الأنثروبولوجيا الحيوية حول موضوعين. الأول: هل الثقافة متفردة بالبشر أم تشهجر فيها بقية الأنواع (ولاسيما الرئيسيات الأخرى)،يا ترى؟ هذا السؤال مهم جدًا، إذ تنص نظرية التطور على حتى البشر ينحدرون من الرئيسيات غير البشرية (المنقرضين حاليًا). والثاني: كيف من الممكن أن تطورت الثقافة بين البشر؟

لاحظ جيرالد فايس أنه رغم كون تعريف تايلور التقليدي للثقافة مقتصرًا على البشر، فقد اعتبره الكثير من فهماء الأنثروبولوجيا أمرًا مسلمًا به ومن ثم أسقطوا هذا المعيار الهام من التعاريف اللاحقة، واكتفوا بمساواة الثقافة مع أي سلوك مكتسب. يُعد هذا الانزلاق مشكلة، إذ إنه خلال السنوات التكوينية لفهم دراسة الرئيسيات الحديث، جرى تدريب بعض فهمائه في الأنثروبولوجيا (وفهموا حتى الثقافة تشير إلى السلوك المكتسب لدى البشر)، ولم يُدرب بعضهم الآخر. لذلك جادل بعض من الفهماء البارزين خارج مجال الأنثروبولوجيا مثل روبرت يركس وجين جودل بأن الشمبانزي يمتلك ثقافة ما دام قد تفهم السلوكيات. في يومنا هذا، ينقسم فهماء الرئيسيات الأنثروبولوجيون إلى فريقين، فيجادل بعضهم بأن الرئيسيات غير البشرية تمتلك ثقافة، في حين يعارض بعضهم الآخر هذه الفكرة.

يُعد هذا النقاش الفهمي معقدًا لأسباب أخلاقية. إذ إذا موضوع فهم الرئيسيات هوالرئيسيات غير البشرية، ومهما كانت الثقافة التي تملكها هذه الرئيسيات، فهي مهددة بالنشاط البشري. بعد مراجعة البحث الذي أُجري حول ثقافة الرئيسيات، توصل ويليام كليمنت مكغروإلى الآتي: «يتطلب النظام مواضيع، ومعظم أنواع الرئيسيات غير البشرية مهددة بأقاربها البشريين. في نهاية المطاف، مهما كانت كفاءتهم، يجب حتى يُكرَّس فهم الرئيسيات الثقافي للبقاء الثقافي (أي بقاء ثقافات الرئيسيات)».

يقترح مكغروتعريفًا مفيدًا فهميًا للثقافة من وجهة نظره لدراسة ثقافة الرئيسيات. ويشير إلى حتى الفهماء لا يستطيعون الوصول إلى الأفكار الذاتية للرئيسيات غير البشرية ومعارفها. ومن ثم إذا عهدنا الثقافة من ناحية الفهم، فإن محاولات الفهماء لدراسة ثقافة الرئيسيات محدودة بشدة. بدلًا من تعريف الثقافة على أنها نوع من الفهم، يقترح مكغروالنظر إلى الثقافة على أنها عملية. ويعدّد ست خطوات في هذه العملية:

  1. اختراع نمط حديث من السلوك، أوتعديل نمط موجود سابقًا.
  2. ينقل المخترع هذا النمط إلى فرد آخر.
  3. شكل النمط متوافق لدى القائمين به وبينهم، وربما حتى من ناحية السمات الأسلوبية القابلة للتمييز.
  4. يحتفظ الفرد الذي يكتسب النمط بالقدرة على أدائه لمدة طويلة بعد اكتسابه.
  5. ينتشر النمط عبر الوحدات الاجتماعية في مجموعة سكانية. قد تكون هذه الوحدات الاجتماعية عائلات، أوعشائر، أوتجمعات، أوفِرق.
  6. يستمر هذا النمط عبر الأجيال.

يعترف مكغروبأن هذه المعايير الستة قد تكون صارمة، بالنظر إلى الصعوبات في ملاحظة سلوك الرئيسيات في البرية. ولكنه يصر على الحاجة إلى الشمول قدر الإمكان، والحاجة إلى تعريف للثقافة «يلقي بشباكه على أوسع مدى»:

تُعد الثقافة سلوكًا خاصًا بالمجموعة يُكتسب، جزئيًا على الأقل، من التأثيرات الاجتماعية. هاهنا، تُعد المجموعةُ الوحدةَ النموذجية للأنواع، سواء كانت تجمعات، أوسلالات، أومجموعات فرعية، أوما إلى ذلك. يأتي الدليل الظاهر على الثقافة من داخل الأنواع من تنوع السلوك عبر المجموعات، كما هوالحال حينقد يكون نمط ما ثابتًا في مجتمع من الشمبانزي وغائبًا في مجتمع آخر، أوحين تؤدي المجتمعات المتنوعة نسخًا مختلفة من النمط نفسه.قد يكون اقتراح الثقافة العملية أقوى حين لا يمكن تفسير الاختلاف بين المجموعات بالعوامل البيئية فقط.

كما أشار فريدريك غويغيلين، إذا حصرنا «الثقافة» في «السلوك المكتسب»، فكل الحيوانات تمتلك ثقافة. يتفق جميع الخبراء بالتأكيد على حتى جميع أنواع الرئيسيات تثبت وجود مهارات معهدية مشهجرة: فهم عمر الأمور، وفهم الأماكن، والقدرة على تصنيف الأمور، وحل المشكلات بطريقة مبتكرة. علاوة على ذلك، تظهر جميع أنواع الرئيسيات دليلًا على وجود مهارات اجتماعية مشهجرة: إنها تميز الأفراد المنتمين إلى مجموعتها الاجتماعية، وتكوّن علاقات مباشرة بالاعتماد على درجة القرابة والرتبة، وتميز علاقات الطرف الثالث الاجتماعية، وتتنبأ بالسلوك المستقبلي، وتتعاون في حل المشكلات.

مع ذلك، ينطبق مصطلح «الثقافة» على الحيوانات غير البشرية فقط إذا عرّفنا الثقافة بأنها أي سلوك مكتسب أوجميع السلوكيات المكتسبة. في الأنثروبولوجيا المادية السائدة، يميل الفهماء إلى الاعتقاد بوجود حاجة إلى تعريف أضيق للثقافة. يهتم هؤلاء الباحثون بكيفية تطور البشر ليصبحوا مختلفين عن الأنواع الأخرى. سيسمح التعريف الأدق للثقافة، الذي يستبعد السلوك الاجتماعي غير البشري، لفهماء الأنثروبولوجيا المادية بدراسة كيفية تطوير البشر استيعابَهم الفريد «للثقافة».

يُعد الشمبانزي (بنوعيه، الشائع والبونوبو) أقرب الأقارب الحية للإنسان العاقل، وينحدر كلاهما من سلف مشهجر عاش منذ سبعة ملايين عام تقريبًا. كان التطور البشري سريعًا إذ ظهر الإنسان الحديث منذ 340,000 عام تقريبًا. خلال هذه المدة، طور البشر ثلاث سمات مميزة:

اختراع الرموز التقليدية واستخدامها، ومنها الرموز اللغوية ومشتقاتها، مثل اللغة المكتوبة والرموز الرياضية والعلامات.

اختراع الأدوات المعقدة والتقنيات المفيدة الأخرى واستخدامها.

إنشاء التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية المعقدة والمشاركة فيها.

وفقًا لعالم النفس التنموي مايكل توماسيلو، «إن منشأ هذه الممارسات السلوكية المعقدة والفريدة للنوع، والمهارات المعهدية التي تكمن وراءها» يشكل سؤالًا جوهريًا في الأنثروبولوجيا. بالنظر إلى حتى الإنسان المعاصر والشمبانزي يختلفان اختلافًا كبيرًا عن الخيول والحُمُر الوحشية، أوالجرذان والفئران، وأن تطور هذا الاختلاف الكبير وقع في مدة زمنية قصيرة كهذه، «يجب حتى نبحث عن بعض الاختلافات الصغيرة التي أدت إلى اختلاف كبير، أي بعض التكيف أومجموعة صغيرة من التكيفات، التي غيرت عملية التطور المعهدي لدى الرئيسيات بطرق جوهرية». وفقًا لتوماسيلو، فإن الإجابة على هذا السؤال يجب حتى تشكل أساس التعريف الفهمي لـ«الثقافة البشرية».

في مراجعة حديثة للبحث الرئيسي حول استخدام البشر والرئيسيات الأدوات والتواصل واستراتيجيات التفهم، يجادل توماسيلوبأن التطورات الأساسية للبشر دون بقية الرئيسيات (اللغة، والتقنيات المعقدة، والتنظيمات الاجتماعية المعقدة) اتىت كلها نتيجة لتجمع الموارد المعهدية البشرية. يُسمى هذا الأمر «تأثير السقّاطة»: «تنتشر الابتكارات وتتشاركها مجموعة ما، ويتقنها الصغار، ما يمكنهم من البقاء في شكلهم الجديد المحسّن ضمن المجموعة حتى يأتي شيء أفضل». النقطة الأساسية هي حتى الأطفال يولدون جيدين في نوع معين من التفهم الاجتماعي، ويخلق هذا الأمر بيئة مناسبة للابتكارات الاجتماعية، ما يزيد احتمالات الحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال الجديدة أكثر من الابتكارات الفردية. بالنسبة إلى توماسيلو، يعتمد التفهم الاجتماعي البشري، أي نوع التفهم الذي يميز البشر عن الرئيسيات الأخرى والذي لعب دورًا حاسمًا في التطور البشري، على عنصرين اثنين: الأول هوما يطلق عليه «التفهم بالمحاكاة» (عكس «التفهم بالتقليد» الذي يميز بقية الرئيسيات)، والثاني هوحقيقة حتى جميع البشر يعبّرون عن تجاربهم بشكل رمزي (بدلًا من الشكل الأيقوني، الذي يميز بقية الرئيسيات). معًا، يمكّن هذان العنصران البشر من الابتكار والحفاظ على الابتكارات المفيدة. هذا المزيج هوما يشكل تأثير السقّاطة.

المراجع

  1. ^ Robert Yerkes 1943 Chimpanzees: A Laboratory Colony. New Haven: Yale University Press. 51–52, 189, 193
  2. ^ Jane Goodall 1963 "My Life Among Wild Chimpanzees" National Geographic 124: 308
  3. ^ R. J. Andrew 1963 "Comment on The Essential Morphological Basis for Human Culture" Alan Bryan Current Anthropology 4: 301–303, p. 301
  4. ^ Alan Bryan 1963 "The Essential Morphological basis for Human Culture" Current Anthropology 4: 297
  5. ^ Keleman 1963 "Comment on The Essential Morphological Basis for Human Culture" Alan Bryan Current Anthropology 4: 301–303 p.304
  6. ^ W. C. McGrew 1998 "Culture in nonhuman primates?" Annual Review of Anthropology 27: 301–328
  7. W. C. McGrew 1998 "Culture in Nonhuman Primates?" Annual Review of Anthropology 27: 323
  8. ^ Michael Tomasello 1999، صفحة 511.
  9. ^ Michael Tomasello 1999، صفحة 510.
  10. ^ Michael Tomasello 1999، صفحة 520.
  11. ^ Michael Tomasello 1999، صفحة 512.
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:57:58
التصنيفات: ثقافة أمريكية, علم الإنسان, علم الإنسان الثقافي, مقالات يتيمة منذ مارس 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة الولايات المتحدة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

جماعة البيضاء تواجه آثار الجفاف بجرد الآبار والعيون المطمورة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:15:37
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 40%

وشم “مرعب” يجتاح مواقع التواصل الإجتماعي وهذه قصته

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:15:36
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 35%

وحدة فندقية جديدة من الطراز الفاخر ترى النور قريبا بالمغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:15:34
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 38%

تفاصيل صفقة الأنظمة اللاسلكية التكتيكية الأمريكية للمغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:15:30
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 46%

السجل الوطني للصناعة التقليدية..تحديد أزيد من 622 ألف صانع تقليدي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:15:30
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 48%

رسميا/ المغرب التطواني يتعاقد مع توفيق إجروتن

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:16:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

ناسا تؤجل إطلاق أكبر صواريخها الفضائية إلى القمر

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:16:33
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

الوداد يفوز على سطاد المغربي وديا بـ(8-2)

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:16:16
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المهاجم السابق هنري يبدأ "فصلاً جديداً" كمساهم في نادي كومو الطموح

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:16:40
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 95%

الدفاع الجديدي يتعاقد مع الليبي طاهر بن عامر بطلب من الشابي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-29 21:16:17
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية