تراجيديا

عودة للموسوعة
مشهد مأساوي .

المأساة هي شكل من العمل الفني الدرامي يهدف إلى تصوير مأساة قد تكون مبنية على سيرة تاريخية، أصل الحدثة هومن اليونانية الكلاسيكية (τραγῳδία) وتعني حرفياً "أغنية الماعز" ، نسبة إلى طقوس مسرحية ودينية كان يتم فيها غناء الكورس مع التضحية بالماعز في اليونان القديمة. التراجيدياعموماً تتعلق باستعراض أحداث من الحزن ونتيجة مؤسفة في النهاية، كما تنطبق هذه التسمية أيضاً في الثقافة الغربية على وجه التحديد على شكل من أشكال الدراما التي حددها أرسطواتسمت على جانب من الجدية والشهامة والتي تنطوي على إنسان عظيم يمر بظروف تعيسة. (تعريف أرسطوأيضاً يمكن حتى يضم تغير الأحوال من سيء إلى جيد، ولكنه أرسطويقول إذا التغير من الجيد إلى السيء هوالأفضل لأن هذا يؤدي إلى إثارة الشفقة والخوف داخل متفرج). ووفقاً لأرسطوأيضاً فإن "هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي حتىقد يكون بسيطا بل معقدا وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة." ويرى أرسطو، "أن التغير في الحال نحوالتعاسة والمأساة لا يعود إلى أي خلل أوعيب أخلاقي، ولكن إلى خطأ من نوع ما." كما أنه عكس الاعتقاد الخاطئ بأن هذه المأساة يمكن حتى تنتج من قبل سلطة عليا (على سبيل المثال القانون، الآلهة، المصير، أوالمجتمع) ، بينما إذا كان سقوط شخصية ما في هذه المحنة ناجم عن سبب خارجي، فإن أرسطويصف ذلك بأنه "بلية" وليس مأساة.

تعريفها

التراجيديا هي محاكاة لعمل جاد تام ذي حجم معين ، في لغة منمقة تختلف طبيعتها باختلاف أجزاء " المسرحية " ، وبواسطة أشخاص يؤدون العمل لا عن طريق السرد ، وبحيث تؤدي إلي تطهير " النفس " عن طريق الخوف والشفقة بإثارتها لمثل هذه الانفعالات

كما يعهدها أرسطوأوكما يعهد باسم " المفهم الأول " بكتابه " عن الشعر " . ويري أرسطوأن المحاكاة نزعة فطرية تولد مع الإنسان منذ نعومة أظفاره، وحتى الإنسان هوأكثر الكائنات الحية براعة في هذا المضمار، حيث إنه ينال تعليمه ومعارفه في طفولته عن طريق المحاكاة ، وحتى البشر جميعا يجدون متعة كبيرة في المحاكاة . كذلك نجد حتى الحدثة التي استخدمها الإغريق للدلالة علي الشاعر هي Poietes وهي حدثة لا تعني شخصا يخلق من عدم، بل تعني الشخص الذي يؤلف ويركب وينظم الأجزاء التي نقلها عن طريق المحاكاة . وهذا يتطابق مع نظرية أفلاطون بين الأصل والصورة له. وحتى جميع شيء بالحياة هوصورة لأصل في السماء. ومعني هذا حتى المحاكاة ليست نقلا حرفيا ولا خلقا من العدم، بل نقل يتضمن تغييرا وإضافة ذاتية ممن قام بها. ألي جانب انها معني لاصيق بالإنسان وأيضا تحمل معني الإضافة والابتكار .

في تعريف أرسطو: هي محاكاة أي وقع يثير انفعال الألم، (وغالباً ما ينتهي بالموت) حيثقد يكون بطل هذا الحدث شخصاً ذا مكانة عالية، وحيث تؤدي عاطفتا الخوف والشفقة إلى تطهير النفس من هذه الانفعالات. وقد تحتوي في العصر الحديث على بعض العناصر الهزلية أوالقصص الثانوية، بقصد إظهار التباين، أوالتفريج عن التوتر العاطفي. استمدت المأساة من الشعائر الدينية القديمة في بلاد اليونان ، أما المآسي التي خطها إسخيلوس، ويوربيديس، وسوفوكليس، فقد كانت تتسم بالطابع الأدبي أكثر من اتسامها بالطابع الديني. وكانت المأساةفي فرنسا إبان القرن 17، وبخاصة في المسرحيات التي خطها راسين، وكورني، كانت تلتزم بالوحدات الكلاسيكية الثلاث، وهي وحدة الزمن، ووحدة المكان، ووحدة الحدث. وهوما يتعارض مع المأساة في الأدب الإنجليزي، كما في مسرحيات وليم شكسبير. ولم يعد للمأساة بمفهومها التقليدي وجود في الوقت الحاضر. فالمأساة عند إبسن تعالج في الغالب مشكلات اجتماعية وسياسية. ومن أشهر كتاب المأساة في العصر الحديث:تشيكوف، وسترندنبرج، ويوجين أونيل، وماكسويل أندرسون.

مكونات التراجيديا

وفقا لما ورد عند أرسطوفإنه كان لابد من وجود ستة عناصر تكون منها التراجيديا الإغريقية كعرض مسرحي، هي: السيرة والشخصيات والفكرة والبيان والأغنية والمشهد المسرحي .

السيرة

وهي أبرز مكونات التراجيديا ، وهي تعبير عن هجريب لأفعال البشر وتصرفاتهم وما في حيتهم من خير وشر ، لأن التراجيديا لا تحاكي الأشخاص ولا تتعرض لسرد سيرة حياتهم، بل تحكي مواقفهم عن الحياة . ويري أرسطوحتى السعادة والشقاء يكمنان في العمل، وحتى غاية الحياة ليست كيفية الوجود ، بل كيفية العمل. يعتبر الكتاب الإغريق أبرز فترة درامية في حياة الإنسان هي الفترة الأخيرة من عمره، لأنها بمثابة بلورة لموقفه وتصرفاته ونظرته إلي ما يحيط به من بشر وموجودات، ولأنه لا يمكن الحكم بصدق علي موقف إنسان أوتقويمه ببدايته بل بنهايته، فقد تحدث أمور تؤدي إلي تغيير جذري في حياة أي إنسان بحيث تحول مصيره من النقيض إلي النقيض .

وتتعرض السيرة من جانب لشخصيات الأفراد من حيث هم أفراد في المجتمع ، ومن جانب أخر إلي أفعالهم سواء كانت هذه الأفعال تتسم بالسعادة لأم الشقاء، بحيث تكون المحاكاة فيها للعمل الذي تقوم به الشخصية لا للشخصية نفسها، فالدراما هي العمل وليست الشخصية ، ولووجدت الشخصية وغاب عملها لما كانت هناك دراما.

وثمة عنصران كان لابد من توافرهما في السيرة الدرامية الإغريقية حتى يتحقق المغزي الدرامي التراجيدي وهما: التحول والاكتشاف .

الشخصيات

الشخصيات بالتراجيديا هي التي تقوم بالعمل، فإن جميع شخصية في المسرحية ينبغي حتى تفسر مسار السلوك الإنساني، ولما يتجه بكليته إلى جانب دون الآخر، وينبغي للشخصيات بالتراجيديا حتى تعتمد على فهم النزعات الإنسانية التي تدفع الإنسان إلى اتخاذ موقف سلوكي ما بناء عليها وليس مجرد ترديد للحدثات. أما عن الصراع بين الشخصيات بالتراجيديا فيعتمد على مدي صلة الشخصيات ببعضها اليعض، وهذه الصلة أما حتى تكون صلة محبة أوعداء. فإذا كانت عداء فلا بد إلا تظهر الشخصية أي تعاطفا أورحمة تجاه من تعادي، سواء بالقول أوالعمل وتحت أي ظرف كان إلا حينما تحل بها فاجعة محزنة أوشقاء جسيم. وعلى العكس في صلة المحبة حيث لا تضمر الشخصية البغض أوالكره نحومن يحبها إلا إذا اندفعت إلى ذلك بسبب آثامها، فقد يقدم الأخ على اغتال أخيه، أم الأبن على اغتال أبيه، أوالأم على اغتال ولدها أوالعكس، بحيث تنتج عن ذلك مآس مفجعة. ولكن هذا العدوان لا يحدث بسبب شر كامن داخل الشخصية، أومتعمد من ناحيتها، بل بسبب أهواء أونوازع داخلية تجعل الإنسان ينقاد دون تبصر إلي الوقوع في الإثم .

ويري أرسطوحتى هناك أربعة عناصر ل ابد من توافرها عند بناء الشخصية

1- لا بد للشخصيات التراجيدية حتى تتصف بالسمووسلوك متفرد حتى تكون أكثر تأثيرا في النفس، وكي تحقق بسلوكها المتميز بالنسبة للسلوك العادي التضاد ومن ثم الصراع. ومن ناحية أخرى فإن التراجيديا الإغريقية كانت دوما ذات موضوع سام، وكان هدفها باستمرار المثل الأعلى الذي كان لا يوجد -برأي الإغريق- بين البشر العاديين، بل بين الأبطال العِظام وأنصاف الآلهة، أوعلى الأقل بين البشر ذوي الصيت الذائع والشهرة العظيمة. وكما يري الإغريق حتى الفاجعة تحل بإنسان عظيم مرموق تكون أكثر تأثيرا في نفس المشاهد مما لوحلت بشخص عادي مغمور .

2-التوافق بين الشخصية وصفاتها الفطرية، فلا يصح حتى تصور المرأة بصفات خاصة بالرجل وحده، مثل البسالة بالحرب أوالخشونة، أوالرجل بصفات المرأة وحدها .

3- التماثل بين ما تقوله الشخصيات وما تعمله، فلا ينبغي حتى يشذ العمل عن القول، لأن معنى هذا حتى الشخصية بلا دور إيجابي أوموقف، وبالتالي تصبح بعيدة الواقع وغير مقنعة .

4- التناسق في بناء الشخصية بمعنى حتى تلتزم الشخصية في قولها وعملها بموقف معين ما دامت الظروف ثانية، وألا يتحول سلوكها فجأة وبدون دافع من موقف إلى موقف مضاد. ولا بد للشخصية حتى تخضع في قولها وعملها إلى قانون الضرورة أوالاحتمال بمعنى حتى لا تقول شيء أوتأتي بعمل بعيد عن الاحتمال مُجافٍ للواقع ولمنطق الأمور .

الفكرة

الفكرة هي القدرة على ابتكار ما تقوله جميع شخصية من أجل إيضاح عملها، وتبرير سلوكها بما يناسب الموقف، وبمعني آخر وضع أفكار الشخصية على لسانها بحيث تتحول من فكرة ذهنية إلي سلوك عملي. ويرى أرسطوحتى الفكرة تنحصر في المقدرة على إيجاد اللغة الملائمة والمناسبة للموقف، وحتى هذه اللغة ذات التعبيرات المناسبة توجد في الخطب السياسية والخطب الريتوريقية " البلاغية " . وحتى أوائل الكتاب التراجيديات مثل إسخيلوس قد انطلقت شخصياته بلغة الخطب السياسية على حين لجأ المتأخرون منهم والمعاصرون لأرسطومثل يوربيديس إلي استخدام اللغة البلاغية .

الفكرة ببساطة هي القدرة على التعبير باللفظ وطبقا لأرسطوينبغي حتى تخضع لمعاير معينة.

1- الوضوح: بمعنى حتى تجعل المشاهد يحار عبثا في فهم مرامي الألفاظ، وإلا تغرقه في الرموز والتجريد، فينسى المغزى ولا يدرك الهدف ويصبح من العسير عليه حتى يتابع أحداث المسرحية مهما كانت ثقافته واسعة .

2- التفنيد: وهي القدرة على دحض الأفكار التي تطرحها شخصية ما من أجل تعضيد موقفها إزاء شخصية أخرى تتخذ منها موقفا مضادا، أوالقدرة علي إضعاف الخصم وتعزيز الآراء الخاصة بالشخصية المناهضة له .

3- القدرة على إثارة الأحاسيس المتباينة في النفس مثل الشقفة أ، الخوف أوالغضب وما شابه ذلك.

4- القدرة على الإسهاب والإيجاز حسب ما يقتضيه الموقف الدرامي، بمعنى حتىقد يكون اللفظ في مكانه تماما ودون زيادة أونقصان، لأن الحدثات التي يحتاجها الموقف الدرامي إذا زادت جعلت المشاهد يفقد الهجريز ويصاب بالملل، وإذا نقصت فشلت في إيضاح الموقف، وعجزت عن بلورة العمل الدرامي كله .

إلى جانب هذه العناصر الأربعة لا بد من توافر الترتيب والتنسيق حتى تؤدي بالنهاية لتحقيق الأثر المطلوب منها.

البيان

البيان مرتبط باللغة، لأنه تعبير عن تكوين اللفظي للأفكار وصياغتها بالحدثات سواء كان ذلك شعرا أونثرا، كما أنه يرتبط بطرق التعبير والأداء ولذلك فإن له نفس الخصائص سواء لدي كتاب الشعر أوالنثر .

وللبيان أنماط وهي الأمر والتمني والسرد " القص، أوالحكي " والتهديد والسؤال والجواب. أما العناصر المكونة له وهي الحرف والمبتر والأداة وأداة الربط والاسم والعمل وحالة الإعراب والعبارة " الجملة " ومعني ذلك حتى عناصر البيان تجمع إلي جانب الحروف الأبجدية أجزاء الكلام المعروفة باللغة .

الأغنية

كما يصفها أرسطوبأنها ذات قدرة تامة علي التأثير، وإيضا أنها أكثر عنصر يضفي علي الدراما جاذنبية " وفقا للمفهوم الإغريقي القديم " . والأغنية هي الأناشيد التي كانت الجوقة تقوم بإنشادها في" الأوركسترا " بين المشاهد التمثيلية، وهي أناشيد تكون مصحوبة عادة بموسيقي الناي والرقص والإيقاع السريع في بعض أجزائها. ويفسر وجود الغناءبالتراجيديا علي أنه يهدف إلي تخفيف التوتر الذي تحدثه المشاهد التراجيدية العنيفة في نفس المشاهد. وبالوقت نفسه يرمي إلي الترفيه عنه وإمتاعه، حتىقد يكون أكثر استعدادا لمتابعة الأحداث دون ملل أوتوتر. أن وجود الجوقة بأناشيدها بالتراجيديا الإغريقية كان يعد أمرا اساسيا حيث حتى نشأة المسرح من البداية كانت من خلال الأناشيد الديثرامبية ، فالجوقة هي لبنة هذا المسرح، ووجودها به يعد محافظة علي أرث قديم، لا بيمكن للكتاب العزف عن استخدامه. كذلك للجوقة والأناشيد دور وظيفي حيث -سواء بالتراجيديا أوالكوميديا-كان يستخدم دخول وخروج الجوقة بتحديد أجزاء المسرحية وفصولها .

المشهد المسرحي

كما يقول أرسطوبكتابه " عن الشعر " حتى المشهد المسرحي يجذب الجمهور ويمتعهم. ورغم هذا فهولا يرتبط من الاناحية الدرامية بالنص المكتوب، فالتراجيديا -كنص مسرحي مكتوب- قادرة علي إحداث الأثر والمغزي بدون العرض المسرحي، وبدون الممثلين. لذلك فإن فن المخرج " المشرف علي المناظر " يعد أشد ارتباطا بالمشهد المسرحي " العرض المسرحي " من ارتباط الشاعر الذي ألف التراجيديا .

أجزاء التراجيديا

أكتملت التراجيديا وأصبحت فنا أدبيا متكملا ومتميزا خاصة في عصر ثالث الشعراء الكبار " يوربيدس " كانت تتألف من الأجزاء الأربعة التالية:

المقدمة

وتعهد ب "البرولوج "عبارة عن الجزء الذي يقع دخول الجوقة إلي الأوركسترا لأول مرة وكان المحرر بهذا الجزء يمهد للموضوع الذي سيعرضه في مسرحيته، واحيانا كانت تصاغ بصيغة المونولوجفيلقيه أحد الشخصيات مثل ثلاثية الأوريستية لأيسخيلوس ، حيث يبدأها حاجب القصر، وأحيانا تكون تعبير عن محادثة " ديالوج " بين أثنين من الممثلين، وقد أهتم يوربيدس بالمقدمة وطورها .

أغنية الجوقة

تنقسم أغنية الجوقة إلي قسمين

1- أغنية المدخل وهي أول جزء تام تلقيه الجوقة عند دخولها إلي الأوركسترا لأول مرة في المسرحية ، وينظم هذا الجزء في أوزان راسيرة سريعة، تلائم حركة أفراد الجوقة وهم يقومون بالرقص والإنشاد معا.

2- الفاصل الإنشادي: وهي أغاني الجوقة الكاملة التي تقوم بإنشادها بين الفصول، ولقد سميت بهذا الاسم لأنها تعبير عن أغان غير مصحوبة بالرقص ، ولا يدخل في نظمها التفعيل " الأنابيستي " .

ويأتي هذا الجزء أحيانا -أغنية الجوقة- ببداية المسرحية بالنسبة للتراجيديات التي تبدأ بأغنية الجوقةمباشرة. أما بالنسبة للتراجيديات المحتوية علي مقدمة فإن دخول الجوقةقد يكون بعد المقدمة مباشرة. وكانت أغنية الجوقة تتخلل المسرحية من بدايتها إلي نهايتها " سواء كانت بالمسرحية مقدمة أولا " حيث تقوم الجوقة بإنشاد أغانيها التي تتفاوت في طولها، وفي ارتباطها بالأحداث التراجيدية وفقا لتطور الفن الدرامي، ووفقا لاتجاهات المؤلف نفسه، ذلك حتى بعض المؤلفين كان يزيد من العنصر الغنائي وبعضهم كان يحاول اختصاره إلي أدني حد ممكن، كما حتى البعض كان يربط أغاني الجوقة بالمواقف الدرامية، أما البعض الآخر فكان لا يهتم بإيجاد مثل هذا الترابط أويفشل في إيجاده .

المشهد التمثيلي

سوفكليس.
تمثال يمثل يوربيديس.

يعد الجزء الدرامي بالتراجيديا وقد يكون تعبير عن مقطوعات من الحوار التمثيلي الذي يدور بين شخصيات المسرحية، ليكشف للمشاهد عن أبعاد جميع شخصية، وعن الصراع الدائر بينها.

عهد أرسطو" المشهد التمثيلي " بأنه جزء من التراجيديا يقع بين أغنيتين كاملتين من أغاني الجوقة . وعلي هذا يمكن اعتبار " المشهد التمثيلي " بمثابة فصل من فصول المسرحية الحديثة، ولم تكن التراجيديا الإغريقية في أي عصر من عصورها تحتوي علي أكثر من خمسة من هذه " المشاهد التمثيلية ".

وفي عهد أسخيلوس -أول الكتاب الثلاث- كان المشهد التمثيلي بالتراجيديا تعبير عن محادثة بين شخصين فقط، بمعني أنه لم يكن يشهجر ممثل ثالث بالحوار الدائر بين الشخصيتين إلا بعد خروج أحدهما، ولكن بالنسبة لسوفوكليس ويوربيديس من بعده كان المشهد التمثيلي تعبير عن محادثة بين ثلاث شخصيات في المنظر الواحد. ولقد أضاق الممثل الثالث الذي أدخله سوفوكليس عمقا جديدا للصراع الدرامي الدائر، لأنه بوسعه الانضمام إلي طرف ضد الآخر بناء علي موقف وسلوك جميع منهما، بحيث يؤدي هذا بلورة الصراع وتوضيحه بأكثر مما لوكان التضاد بين طرفين فقط لا ثالث لهما

الخاتمة

بهذا الجزء يتم حل العقدة التي تكون قد بلغت ذروتها قبله بقليل، وبه أيضا تخرج الجوقة من المسرح بعد انتهاء العرض المسرحي، وقد يكون هذا بمثابة إسدال الستار في المسرح الحديث في نهاية العرض المسرحي.

وعلي مؤلف التراجيديا بهذا الوقت حتى يراعي تصاعد الأحداث حتى تصل إلي ذروتها، وحتى يوجد لها الحل المنطقي المناسب، كما كان عليه حتى يوائم بين مشاهد الحوار والأغاني بحيث لا يطغي عنصر علي آخر. لأنه إذا زاد العنصر الغنائي علي الحد فقدت الدراما حركتها وتأثيرها، وإذا انعدام العنصر الغنائي أوقل عن الحد أصبحت التراجيديا ثقيلة الوطأة علي نفس المشاهد، وفقدت بالتالي جاذبيتها لدي جمهور المسرح الإغريقي القديم

موضوعات التراجيديا

استمد كتاب التراجيديا موضوعاتهم من الأساطير القديمة والتي كانت تراثا معروفا لمواطنيهم، لأن المسرح الإغريقي ارتبط منذ ظهوره ونشأته بالدين والعقيدة ، لهذا لزاما حتى ترتبط موضوعات التراجيديا بالعقيدة الإغريقية متمثلة في التراث الأسطوري، حيث حتى الأساطير تعد عقيدة الإغريق . تكونت هذه الأساطير عبر العصور وساهم في صنعها الشعراء والأدباء ، ولم تعتمد علي لكتابة بل التناقل الشفهي وتصور الإغريق أنفسهم .

اتسمت موضوعات الأساطير بالمأساة والنهايات المأساوية التي لحقت بأبطالها، كذلك حتى الدراما ارتبطت بالتطهير، والتطهير مرتبط بالعقيدة من ناحية تطهير النفس من شرورها، وهذا يفسر اتجاه كتاب التراجيديا لي الأساطير كقابلة للعقدية الإغريقية كما يتصورها الإغريقي القديم. اعتقد الإغريق حتى وقائع الأساطير قد حدثت بالعمل بالماضي السحيق ، لهذا كانت حقل خصب للكتاب وذلك لتوافقها مع قانون " الضرورة أوالاحتمال " ، كذلك إلي جانب حتى شخصياتها تعد تاريخية أوشبه تاريخية.

ترتكز الأساطير علي رؤية فلسفية حكيمة لحياة الإنسان ، وعثر الكتاب بها حقلا خصبا فشخصياتها تصلح بأبعادها المتباينة لتصوير الصراع في التراجيديا ، حيث حتى الشخصيات العادية لا تعطي التراجيديا عمق أوصراع. فالدراما ليست فكرة داخل ذهن الإنسان لا ينتج عنها تصرف معين ،بل هي سلوك وتصرف وعمل إنساني يظهر وينموويتعدي حدود الذاتية فيؤثر في الآخرين ويتحمل صاحبه تبعة تصرفه لأنه واع ومدرك لما يعمل ، بل أنه يصر علي عمله إصرارا. ويتمادي في الدفاع عنه بكل قوته حتى لوأدي ذلك إلي صدام هالك مع الآخرين. أذا فالتراجيديا ذات مغزي أخلاقي وهدفها التطهير المرتبط بالعقيدة ، وكان هذا كله محقق بالأساطير .

لم تقتصر موضوعات التراجيديا علي عالم الأساطير ، فهناك كتاب استمدوا موضوعاتهم من الحياة المعاصر ، خاصة الجانب السياسي منها مثل " الحروب مع الفرس " ، خاصة مع خروج الإغريق منتصرين بعد حربا طويلة .

سمات موضوعات التراجيديا

1- خضعت موضوعات إلي قانون " الضرورة والاحتمال " لتحقيق المغزي التراجيدي وتصل بالمشاهد حد التطهير

2- استمدت موضوعاتها بشكل عام من الأساطير ومن الحياة المعاصر بشكل خاص.

3- مع ارتباط التراجيديا بالأطار الديني لكنها في الحقيقة تعالج السلوك الإنساني بوجه عام والمشاكل المترتبة عليه ، والدوافع المحركة له.

4- إيضا ترتبط الدراما -تراجيديا وكوميديا- بشكل عام بالجماهير ، لهذا فارتبط بمعالجة مشكلاتهم ويتحدث عن سلوكهم في مجتمعاتهم.

البناء الدرامي

البناء الدرامي يحتوي على بداية بها تمهيد للأحداث الخاضعة لقانون " الضرورة والاحتمال " ، ويليها " وسط " به عرض لهذه الأحداث وتفصيل دقائقها ، ثم نهاية بها ذروة هذه الأحداث وحلها. ولقد أطلق المحدثون علي هذه السلسلة الثلاثية العضوية ما يعهد باسم " الخط الدرامي " . وان تطور هذا الخط ينشأ عن عدة تغيرات في التوازن بين الإدارة الإنسانية ومصيرها المحتوم .

طبقا لأرسطوينبغي حتى يحتوي العمل الكامل علي بداية ووسط ونهاية. ولابد للبداية حتى ترتبط عضويا بما يليها " الوسط والنهاية " بمعني حتى تمهد لهما ، وتكون مقدمة لما يحدث فيهما ، وقد يكون ما بعدها نتيجة لها ، ولا يحدث بعدها ما يناقض ما اتى بها. ويري أرسطوحتى البناء الدرامي الأمثل هوالذي لا يمكن حتى تقع فيه البداية بعد الوسط أوقبل النهاية ، وحتىقد يكون الوسط مرتبط بما قبله من أحداث وما بعده وهوالنهاية. أما النهاية فهي الجزء الذي يرتبط عضويا بكل من الوسط والبداية ، وقد يكون نتيجة حتمية لكل منهما .

مكونات الخط الدرامي

1- مقدمة

2- عمل يؤدي إلي تصاعد

3- الذروة

4- عمل يؤدي إلي تخفيف التصاعد

5- الحل

سمات البناء الدرامي

ينبغي حتىقد يكون البناء الدرامي منطقيا ومترابطا ، بحيث لا يبدأ بداية متعسفة أوينتهي نهاية مبتسرة أوتسير فيه الأحداث مصادفة. كذلك يشترط حتى يتحقق التجانس بين الموضوع والحجم بهذا البناء ، وتحقيق عنصر التعادل بين الشكل والمضمون.

يري أرسطوحتى الجمال يعتمد علي عنصريين وهما: الحجم والترتيب. وكذلك حتى الجمال لا يتوافر في الحجم متناهي الصغر ولا في الحجم البالغ الضخامة ، حيث في الحالة الأولي يعجز البصر عن رؤية تفاصيل الحجم ، وبالحالة الثانية يفشل النظر في الإحاطة بالحجم. حيث حتى الجمال يكمن في الحجم ذي القدر المحدود الذي يسمح للرؤية بأن تستوعبه بجلاء. وقياسا علي ذلك يري حتى الموضوع الدرامي ينبغي حتىقد يكون ذا حجم معين بحيث يستطيع العقل والذاكرة حتى يستوعباه وسم <ref> غير سليم؛ أسماء غير سليمة، على سبيل المثال كثيرة جدا.

ولكن هذا كله لا يعد من الفن حتى يخط المؤلف حسب حجم محدد مسبقا ولكن الأمر كله حتى يراعي بقدر الأمكان الحجم الكافي بالنسبة للبداية والوسط والنهاية حسب ما يتوافق وتوضيح الأحداث. والحجم الأمثل هوالحجم الذي يسمح بتتابع الأحداث وتطورها وفقا لقانون " الاحتمال والضرورة " بحيث يمكن عن طريقه إظهار التحول " في شخصية البطل " من الشقاء إلي الهناء أومن السعادة إلي الشقاء.

وملخصا لما تجاوز يمكن القول بأن مفهوم البناء الدرامي في التراجيديا هوتكوين الموضوع وترتيبه وتطويعه بحيث يغدوملائما للمفهوم المسرحي ، ويكمن سر الدراما في هذا البناء وبه وحده يتفاعل المشاهد مع التمثيل ويعايش الأحداث .

الوحدات الثلاث وسم <ref> غير سليم؛ أسماء غير سليمة، على سبيل المثال كثيرة جدا

هناك وحدات ثلات مكونة للعمل الدرامي وهي

1- وحدة الموضوع " أووحدة العمل "

2- وحدة الزمان

3- وحدة المكان " المكان الثابت "

تعد هذه الوحدات هي قاعدة أوقانون الدراما ، والتي ذكرها أرسطوبكتابه " عن الشعر " ، وهوراس بكتابه " فن الشعر " . ويجدر بنا التنويه بأن أرسطولم يتحدث باستفاضه سوي عن " وحدة الموضوع " فقط ، بل ولم يرد علي لسانه ما يعهد باسم " وحدة الزمان أوالمكان " وهي استنتاجات منه حتى للزمان قاعدة وحتى للمكان وحده.

وعلي الأرجح حتى هذا التحديد القاطع من جانب نقاد عصر النهضة بثبات عنصري الزمان والمكان لم يكن قانونا وقاعدة كما ظنوا ، بل كان بمثابة عهد أملته ظروف التراجيديا الإغريقية القديمة ،وكان أرسطودون ريب محقا في اقتصاره علي وحدة الموضوع حتى هي أساس الدراما وأنه لا توجد دراما بدون موضوع آيا ما كا مفهومها ، ومهما اختلف هذا المفهوم بين القدماء والمحدثين ، أما ما أسماه نقاد عصر النهضة بالخروع علي " وحدتي " الزمان والمكان فلا يعدوسوي مبالغة في النمطية والتقليد تصور لهم حتى في هذا الخروج إلغاء للدراما ، في حين حتى إلغاءهاقد يكون فقط في الخروج علي وحدة الموضوع ، لأنها جوهر الدراما.

فالدراما فن متطور لا يسمح للقيود بأن تكبله أوتعوقه ، كما أنه في نفس الوقت جوهر لا يمكن إلغاؤه كلية بدعوى التطور. ذلك حتى الدراما البسيطة ذات الوحدات الثابتة قد استبدلت بها الدراما المركبة التي لا تتقيد في بنائها بأي وحدة ، خاصة بعد ظهور " وليم شكسبير " وخروجه عن هذه الوحدات التي اعتبرها بعض النقاد هي سبب خلود الدراما الإغريقية القديمة ، في حين رأي البعض الآخر حتى سبب نجاح وليم شكسبير هوخروجه عنها. هذا التضارب في الأراء يعود للصراع ما بين الممضى الكلاسيكي والممضى الرومانسي.

وحدة الموضوع

يقول أرسطوأرسطو

قد يظن البعض حتى حياة البطل الواحد لا تعطي سوى سيرة واحدة " أوموضوعا واحدا " جاهلين حتى حياة إنسان واحد قد تتضمن قدرا كبيرا من الأفعال والتصرفات لا يمكن حتى تصاغ كلها في موضوع ذي وحدة واحدة ، وناسيين حتى شخصا واحدا قد يقوم بأفعال كثيرة وليس من بينها عمل واحد يصلح حتىقد يكون عملا دراميا . وبناء علي ذلك يخطئ الكتاب الذين يختارون موضوعا لهم الحياة الكاملة لبطل قام بأفعال عديدة وشهيرة مثل أعمال هيراقل " الهرقليات " أوأعمال ثيسيوس " الثيسيات " ، معتقدين أنه ما دام البطل واحدا فإن قصته بالضرورة ستكون ذات وحدة واحدة

وينبغي لكي تتحقق الوحدة حتى تكون وحدة المحاكاة ناتجة عن وحدة الموضوع ، حيث حتى المحاكاة في الدراما تكون محاكاة للعمل فإن هذا العمل ينبغي حتىقد يكون واحدا كاملا في الوقت نفسه ، وحتى تكون أجزاءه مترابطة البناء بحيث إذا أي تغيير في ترتيبها أوبتر في تسلسلها أوتناقض في تتابعها يؤدي إلي انهيار البناء كله وانقلابه رأسا علي عقب ، وبمعني أنه لا يجوز إضافة هذه الأجزاء ولا يصح أي حذف بها.

ولكن الكتاب كانوا بصدد تناول الاساطير وهذه الاساطير لها وحدة موضوع ، فينوه أرسطوحتى هليس علس المحرر تناول الأسطورة بالكامل حيث حتى للمحرر المتسع في ذكر ما يراه مناسبا لقانون " الاحتمال والضرورة " .

ويقول أرسطو

أن الشاعر لا يختلف عن المؤرخ لمجرد حتى الأول ينظم موضوعه شعرا والثاني نثرا فالنظم وحده لا يصنع شاعرا ، ذلك أننا قد ننظم تاريخ هيرودوتوس شعرا دون حتى بتغير من صورة التاريخ إلي صورة الأدب ، بل سيظل تاريخا رغم الإطارالشعري . بل يكمن الفرق بينهما في حتى المؤرخ يتعرض لما وقع عملا علي حين يتعرض الشاعر لما هوممكن أومحتمل الحدوث . وتبعا لذلك فالشعر أكثر فلسفة وأكثر تأثيرا من التاريخ .

وحدة الزمان

اعتمدت العقلية الإغريقية -حتى قبل ظهور المسرح بوقت طويل- تفضل حتى تقتصر الأعمال الأدبية المعتمدة علي المحاكاة علي زمن معين ، وتري أنه ليس من الضروري التعرض للأحداث برمتها " فهوميروس مثلا - رغم أنه شاعر ملحمي- قد جعل الإلياذة تدور في فترة زمنية مقدارها خمسون يوما فقط ، مع حتى الحروب الطروادية التي يدور حولها موضوع الملحمة قد استمرت عشر سنوات كاملة .

وكما اتى علي لسان أرسطوفي كتابه " عن الشعر "

تختلف الملحمة عن التراجيديا في حتى الأولي ذات أوزان بسيطة ، وفي أنها تعتمد علي السرد . وهناك فرق آخر يتعلق بالطول " البعد الزمني " ، فالتراجيديا تحاول حتى تنحصر في نهار يوم واحد " دورة واحدة للشمس " أولا تتعدي ذلك إلا قليلا ، في حين حتى الملحمة ليس لها حد زمني معلوم

ومعني هذا حتى الزمان في التراجيديا الإغريقية -وفقا لهذا العهد الأدبي- كان محددا بنهار يوم واحد ، علي أساس حتى هذا اليوم سيشهد تطور العمل الدرامي من بدايته حتى نهايته ، حيث يتم حله بعد وصول الأحداث إلي ذروتها.

وكمثال نجد حتى سوفوكليسسوفوكليس في مسرحيته " أوديب ملكا " يحدد العمل الذي تدور حوله المسرحية باليوم الذي فهم به بحقيقة مولده ، وحل فيه الدمار بشخصه ، أما الأحداث الأخري التي دارت قبل هذا اليوم مثل حل اللغز والوباء الذي حل بطيبة ، واستشارة الوحي ، والجرم البشع ، فقد جعله المؤلف خارج إطار تناوله الدرامي ، بحيث جعل جميع شئ ينجلي في نهار ذلك اليوم ذاته. إذا اعتقاد الإغريق القدامي هوالذي أملي عليهم هذا التحديد الصارم بالنسبة للزمان ، فحياة الإنسان عندهم رغم طولها لا تحتوي إلا علي لحظات قليلة ، يمكن القول أنها حاسمة ، وتلك اللحظات هي التي تحدد مصيره ، وتحول حياته من نقيض إلي نقيض ، كلحظات الاكتشاف المروع أووقوع جرم خطيلا أوحلول كارثة أوالموت ، تلك اللحظات هي التي تختارها التراجيديا الإغريقية كإطار زمني لموضوعاتها. ومن هذا نستنتج حتى تحديد الزمان في التراجيدياالإغريقية كان مرجعه إلي عهد أدبي ، ونتاج عن اعتقاد فكري ملائم لطبيعة الموضوعات التي يعالجها الكتاب ، ولم يكن قط قانونا أوقاعدة أوشرطا.

وحدة المكان

أسخيلوس، تمثال نصفي برونزي

أما المكان فيتم تحديده بناء علي الموضوع نفسه ، ذلك أنه ما دام الموضوع محاكاة لعمل إنساني فمن الضروري حتى يدور هذا العمل في مكان معين. ولقد جري العهد بالتراجيديا الإغريقية علي حتىقد يكون هذا المكان واحدا أوثابتا ، فقد يدور الحدث الدرامي بقصر أوساعة أوأحدي الجزر ، حسب موضوع المسرحية . وما دام العمل واحدا أوذا وحدة ، وما دامت الفترة الزمنية التي يدور فيها هذا العمل محدودة -كما تجاوز القول- بحيث لا تسمح بالتنقل ما بين مكان وآخر علي الأقل بالنسبة للبطل فمن المنطقي والحال كذلك حتىقد يكون المكان الذي يشهد العمل ثابتا إيضا .

ولكن الجزم بثبات المكان دائما ، لأن هناك مسرحيتين لا تتمسكان بهذا العهد ، أولاهما " ربات الغضب " لإسخيلوس حيث تدور بعض الأحداث في معبد أبوللون بدلفي ، والبعض الآخر في معبد أثينا بمدينة أثينا. والمسرحية الثانية هي " أياس " لسوفوكليس حيث تدور الأحداث أولا أمام خيمة أياس بسهل طروادة ثم تنتقل بعد ذلك إلي مكان آخر علي ساحل البحر .

التحول والاكتشاف والفاجعة

يكمن سر نجاح التراجيديا

1- التحول

2- الاكتشاف

3- الفاجعة

التحول

وهوتغير الأحداث أوالمواقف من النقيض إلي النقيض وفقا لقانون " الاحتمال والضرورة " ، قد يؤدي إلي تحول في المسرحية الواحدة إلي حتى ينتقل إنسان من السعادة إلي الشقاء أوالنقيض ، مثلا في مسرحية " ادويب ملكا " البطل أوديب بعد سعادته وازدياد نجمه يصاب بالشقاء حينما يقابل بمشاكل مدينته التي حل بها الوباء ، وحينما يعهد حتى مولده يحيط به الشك ، وحتى من المحتمل حتىقد يكون هونفسه مرتكب الإثم الفظيع ، ولكنه يسعد مرة أخري حينما يعهد بنبأ موت والده " الذي رباه في كورنثة " مما يشير علي براءته من دمه ، ثم يشقي مرة أخري حينما تنبلج الحقيقة سافرة في النهاية ، ويتضح دون شك أنه نفسه مرتكب الإثم.

يري أرسطوأنه ما دامت التراجيديا ذات الموضوع المركب أفضل كثيرا من الدراما ذات الموضوع البسيط ، حيث حتى الأولي قادرة علي إ‘ثارة عاطفتي " الخوف والشفقة " في نفس المشاهد .

شروط إظهارالتحول

أولا : ينبغي ألا نظهر الأخيار من الناس أمام المشاهدين وهم يتحولون من السعادة إلي الشقاء ، لأن مثل هذا التحول لا يؤدي إلي إثارة الشفقة في نفسه ، بل يؤدي بدلا من ذلك إلي إثارة الامتعاض والاشمئزاز بسبب تناقض المصير مع العمل " العمل خير والمصير مفجع " .

ثانيا : ينبغي إلا نظهر أشرار الناس أمام المشاهد وهم يتحولون من الشقاء إلي الهناء ، لأن مثل هذا التحول بعيد جميع البعد عن مغزي التراجيديا ، ولا يحقق أيا من شروطها ، بالإضافة إلي أنه لا يؤدي إلي تعاطف المشاهد إنسانيا مع الشخصية ولا يثير في نفسه سوي السخط.

ثالثا : ينبغي ألا نظهر أمام المشاهدين أشخاصا بلغت الذروة في شرها وجرمها وهم يتحولون من ذروة الهناء إلي حضيض الشقاء ، لأن الشقاء سيعتبر جزاء وفاقا علي ما ارتكبوه من شر مستطير ، وحتى لوأثار مثل هذا التحول الارتياح وأرضي مشاعر المشاهد الإنسانية بوجه عام ، فإنه لن يثير في نفسه شفقة ولا خوفا ، هما عاطفتان ضروريتان لمغزي التراجيديا الإغريقية. إذا الشقفة لا تنبعث إلا في حالة رؤية المشاهد لإنسان لا يستحق جميع ما حل به من شقاء ، والخوف لا يثار إلا في حالة وجود تماثل بين المشاهد والشخصية التي حل بها الشقاء ، شقفة عليها لأنها لا تستحق جميع هذا الشقاء ، وخوفا لتماثله معها في مثل هذا الموقف.

أفضل مظاهر التحول وأكثرهم إقناعا هوالتحول الذي يتم من الهناء إلي الشقاء لا بالنسبة لخيار الناس ولا لشرارهم ، بل في حالة الأشخاص الذين يلاتكبون إثما معينا لم يتردوا فيه لشر متعمد ، بل استسلموا له بسلل غطرتستهم وغرورهم ، علي حتىقد يكون هؤلاء الأشخاص من ذوي الشهرة الذائعة ومن المنعمين بالسعادة " في طلع حياتهم " .

يري أرسطوأنه ينبغي لكي يتحقق النجاح للموضوع حتىقد يكون حل العقدة فيه واحدا لا مزدوجا وبحيث لا يتم التحول فيه من الشقاء إلي الهناء بل علي النقيض من ذلك ، أي من السعادة إلي التعاسة ، لا بسبب شر مستطير بل بسبب إثم عظيم يتردي فيه البطل الذيقد يكون ممن يتصفون بالسموأكثر من كونه سيئا.

الاكتشاف

الاكتشاف هوالتحول من حالة عدم الفهم إلي حالة الفهم ، أوهوفهم يقينية لحقيقة كانت مجهولة قبلا ، ويترتب علي الاكتساف تحول عاطفة إنسان من المحبة إلي العداء أوالنقيض ، أوتحول حظه من الهناء إلي الشقاء " مثل ادويب من التعاسة بعد اكتشافه للإثم المروع " أومن الشقاء إلي الهناء مثل " تحول إلكترا من اليأس إلي قمة الفرح والأمل بعد اكتشافها حتى أخاها أوريستيس لم يقص نحبه وأنه أمامها بلحمه ودمه " وأفضل أنواع الاكتشاف هوالمرتبط بالتحول مثلما نشاهد في مسرحية " أوديب ملكا " حيث يقترن العنصران معا بمهارة فائقة ، لأن تحول حظ أوديب من الهناء إلي الشقاء قد تم بناء علي اكتشافه لحقيقة مولده التي كانت مجهولة لديه " .

أنواع الاكتشاف

ثمة أنواع أخري من الاكتشاف ، نظرا لأن الاكتشاف ممكن الحدوث عن طريق الأمور وكذلك عن طريق الأحداث ، كما يمكن حدوث الاكتشاف في حالة ما إذا قام إنسان بعمل معين أولم يقم به. غير حتى أفضل الأنواع جميعا هوالاكتشاف الذي ينبع من الأحداث ، ويرتبط بالموضوع ومواقفه ، بحيث يؤدي مع عنصر التحول إلي إثارة عاطفتي الخوف والشفقة في نفس المشاهد ، ويحقق المغزي التراجيدي الناتج عن المحاكاة ، وبحيث يتوقف هناء الشخصية أوتعاستها علي ما تقوم به من أفعال مرتبطة بعنصري التحول والاكتشاف. حيث حتى الاكتشاف يتعلق بطرفين من البشر فإنه لا يتم دفعة واحدة ، بل علي مرحلتين: في الأولي يعهد الطرف الأول شيئا عن الطرف الثاني ، وفي الثانية تتم اللقاءة بين الطرفين فيحدث الاكتشاف الكامل ، ومن ثم لاقد يكون هناك شك في شخصية أي من الطرفين.

وهناك طرق أخري بعيدة عن المهارة الفنية وقاصر من الوجهة الدرامية رغم شيوع استخدامها ، لأن الاكتشاف فيه يتم عن طريق

أولا : علامات مميزة قد تكون موروثة ظاهرية مثل القلادات أوالأوشام.

ثانيا : مثل الحدثات التي تأتي علي لسان الشخصية المكتشفة " من خلال الخطاب المرسل " ،

ثالثا : طريق التذكر حيث يتم التعهد عند رؤية الشخص لشئ ما " يعيد لذاكرته حادثا معينا " .

الفاجعة

العنصر الأخير هوالفاجعة أوالمعاناة التي يكابدها البطل بعد وقوعه في الإثم وبعهدها أرسطوعلي أنها " حادث مدمر أوأليم يحدث علي المسرح (خلف الكواليس) مثل الموت أوالألم الفظيع أوالجراح المهلكة أوما شابه ذلك.

الفاجعة هي أكثر الحدثات دلالة علي الحادث الأليم الذي يصيب البطل نتيجة صدامه مع القوي الأخري المسيطرة. ولم يكن من المحتم حتى تنتهي جميع التراجيديات الإغريقية بحادث مفجع للبطل ، ومع ذلك فإن مغزي التراجيديا الإغريقية وهدفها وهوالتطهير كانا يتطلبان وجود هذا العنصر المأساوي.

والمغزي من التراجيديا يقتضي حتى تبعد عن العرض المسرحي المشاهد العنيفة كالقتل وسفك الدماء وقد أكد جميع من أرسطووهوراتيوس. ووفقا لهذا العهد لا يجب علي المشاهد حتى يري مشاهد القتل لهذا تحدث خلف الكواليس. وعلي حتى يعهد المشاهدين هذه الأحداث عن طريق رسول أومن خلال الحوار ، وذلك لاعتقادهم حتى هذه المشاهد تصيب النظارة بالرعب والفزع مما يؤدي إلي ضياع المغزي التراجيدي الذي يهدف إلي إثارة الخوف فحسب لدي المشاهدين.

الجوقة

أن التراجيديا لم تكن في الأصل سوى جوقة ولا شئ غيرها ، وحتى الجوقة هي أصل الدراما الحقيقي وذلك كما اتى بكتاب تخصصه " مولد التراجيديا من روح الموسيقى " . وعملا أذ نظرنا سنجد حتى التراجيديا هي الأساس الذي نشأت عنه التراجيديا الإغريقية في أول عهدها ، فرغم اختلاف دور الجوقة وحجمها في المسرحيات الإغريقية إلا حتى كتاب التراجيديا جميعا دون استثناء قد حرصوا علي حتى تكون أغاني الجوقة جزءا لا يتجزأ من مسرحياتهم.

مما يشير علي حتى التراجيديا الإغريقية قد تطورت في الأصل عن الإنشاد ، وحتى جميع التقسيمات التي ذكرها أرسطوعلي أنها أجزاء للتراجيديا تشير إلي حتى الجوقة هي أساس التراجيديا ، وحتى المسرحية تقسم حسب دخول الجوقة وخروجها وأغانيها ، كذلك حتى العنصر الغنائي كان أحد مكونات التراجيديا الستة.

اختلف الكتاب في توظيف الجوقة ، حيث استخدمها سوفوكليس لتقوم بدور ممثل وبأن تشارك في المشاهد التمثيلية ، وتبادل الحوار مع شخصيات المسرحية ، كما جعل اغانيها مرتبطة بموضوع المسرحية وبنائها الدرامي بحيث تساعد المشاهد علي فهم أبعاد النص الدرامي. أما يوربيدس فلم يهتم بإيجاد هذا الارتباط مما ترتب عليه أغاني الجوقة في مسرحياته كادت تنفصل عن البناء الدرامي.

دور الجوقة

يتلخص دور الجوقة في التراجيديا الإغريقية في النقاط التالية:

أولا: توضيح الأحداث والتعليق عليها ، وكذلك التخفيفي من حدة التوتر الذي يحس به المشاهدون من جراء تتابع المواقف التراجيدية العنيفة. وينبغي حتى تكون الحدثات التي تعلق بها الجوقة علي الأحداث مرتبطة بالموقف الدرامي ، وحتى لوافترضنا حتى الجوقة كانت تعبر عن آراء المحرر أحيانا فإن ذلك كان يتم بطريقة طبيعية ، دون افتعال ، بحيث تكون أناشيد الجوقة مكملة للمشاهد التمثيلية ومرتبطة بما اتى فيها ارتباطا طبيعيا.

أن الجوقة بالتراجيديا تمنح المشاهدين لحظات من الإثارة الهادئة ، يمكن عن طريقها حتى توضح لهم ما يدور من أحداث ، وحتى تعلق علي المواقف الدرامية ، بحيث تربط جميع مشهد بالذي يليه. أما فيما يختص بالتخفيف من حدة التوتر فإن الجوقة كانت عقب جميع مشهد تراجيدي تستوعب خوف المتفرج الناشئ عن متابعته للأحداث العنيفة ، ثم تهيئه لخوف حديث ، حتى لاقد يكون سقط الفاجعة علي نفسه قاسيا ، وحتى لا يضيع المغزي التراجيدي في خضم انفعالاته المتلاحقة. كذلك كانت الجوقة وأناشيدها ورقصاتها عاملا ملطفا ومهدئا لبصر المشاهد وعقله فيما بين المشاهد التمثيلية.

ثانيا: القيام بأداء دور ممثل بمعني حتى تشهجر الجوقة في الحوار تماما مثل أي ممثل آخر ، وبمعني حتىقد يكون حديثها وإنشادها جزءا من موضوع المسرحية ، غير حتى هذا لم يكن يعني أنها أحدي الشخصيات الرئيسية في المسرحية ، لأن المفترض حتى الجوقة لا تشهجر في الصراع الدائر بين الشخصيات علي خشبة المسرح " حيث خلق العمل الدرامي " بل تلزم الحياد التام ، وتبقي في مكانها علي الأوركسترا " حيث مراقبة العمل " .

وبهذا تعتبر من الوجهة العملية خارج الأحداث مهما اشهجرت في الحوار. إذا الجوقة لا تملك إرادة التغيير ، وليس هذا قصورا منها بقدر ما نتيجة لطبيعة دورها ، فهي ليست صانعا للأحداث بل مجرد مشاهد لها. والجوقة لا تقرأ الغيب كي تحذر منه بل تعلق فقط علي ما يحدث أمامها ، وتبي فيه وجهة نظرها ، لأن الصراع في التراجيديا يخضع في مجموعة لحتمية القدر بحيث لا تملك الجوقة إزاءه تغييرا أوتبديلا.

كذلك في عدم مبارحة الجوقة لمكانها في الأوركسترا ما يؤكد حدود دورها في التراجيديا الإغريقية القديمة ، وهودور لا ينبغي حتى يتحول من التأثر بالأحداث إلي التأثير العملي فيها ، ومن التعليق بالرأي إلي اتخاذ القرار.

ثالثا: حتى تعبر عن الرأي العام بمعني حتى تمدح الأفعال الطيبة وتذم الأفعال الشريرة ، وتثني علي الأخيار وتستقبح عمل الأشرار ، تتعاطف مع البطل في محنته ولكنها لا تتواني في نقدها حينما يحيد عن الحق. فالجوقة تعني الرزانة في الرأي والوقار في التصرف بقدر وقار ملابسها وأقنعتها . وكانت خيرة في عالم الأبطال الذين يتردون بسبب هفواتهم وآثامهم في هاوية من العذاب .

العقدة

العقدة هي تطور مواقف العمل الدرامي في المسرحية علي يد المؤلف حتى تصل إلي ذروتها أوقمة تصاعدها ، بحيث يتم إيجاد حل منطقي ومناسب لها . ويعهد أرسطوالعقدة علي أنها تجمع للأحداث التي تقع منذ بداية المسرحية حتى ذروتها أونقطة التحول فيها ، أما الحل فيبدأ من نقطة التحول تلك حتى نهاية المسرحية

تتكون العقدة من أربع أقسام

1- المركبة: التي تحتوي علي عنصري التحول والاكتشاف ، البسيطة التي لا تحتوي علي العنصرين السابقين . ويفضل أرسطوالمركبة لأنها تحقق المغزي الدرامي بعكس البسيطة التي تكون قاصرة عن تحقيق هذا المغزي .

2- المعتمدة علي الفاجعة .

3- المعتمدة علي شخصية .

4- المعتمدة علي عنصر الفزع .

أن أبرز ما في المسرحية هوالعقدة وحلها ، ولا يكفي حتى تصاغ العقدة بمهارة ، ثم يأتي حلها ضعيفا أوغير مقنع ، بل ينبغي علي المؤلف حتى يجعل الحل علي مستوي العقدة بحيث تتم صياغة العقدة وحلها بنفس الدرجة من المهارة والإتقان . العقدة -إذا- هي أبرز ما في المسرحية ، لأن الدراما بحق هي فن العقدة ، ولأن الصراع الذي لا يؤدي إلي عقدة هوصراع غير درامي .

إن الذروة في الدراما هي حتى يصل الصدام بين الإرادة الإنسانية والحتمية التي تمثلها النواميس الكونية إلي الدرجة التي تتحطم فيها أحد القوتين: إرادة الإنسان أوالنواميس الثابتة . ولما كان من العسير بل من المحال وفقا للمفهوم الإغريقي حتى تتحطم نواميس الكون الثابتة -فإن الصدام يجعل من المحتم إعادة تشكيل السلوك البشري والعلاقات الإنسانية علي نحوحديث أفضل . فأفعال البشر من ذوي الإرادة القوية تدفع بهم مباشرة إلي حتمية الصدام رغم أنهم في قرارة أنفسهم يبذلون أقصي جهدهم لتجنبه ، والعمل الدرامي مرتبط بالإرادة الإنسانية ولا تقوم له قائمة في غفلة من هذه الإرادة الواعية ، بل إنه يبدأ لحظة نهوض هذه الإرادة لتحقيق هدف ما أودرء خطر ما .

ويتم حل العقدة بالتراجيديا بناء علي ما تقتضيه الأحداث نفسها وما تسفر عنه ، وهناك سبيل يستخدم وهوخارج عن فنية العمل لكنه استخدم كثيرا وهو" الحل الآلي " الإلة من الألة ، ويري أرسطوأنه لا ينبغي استخدام حيلة الآلة إلا في أحداث المسرحية التي لا تنتمي إلي العمل الدرامي ،وإلا في الأحداث التي سقطت قبل العمل الدرامي ، وفي الأحداث التي لا يستطيع المرء إدراك كنهها ، أوفي الأحداث التي سقطت بعد العمل الدرامي ، أوفي الأحداث التي يلزم إظهارها عن طريق التنبؤ أوالسرد ، ذلك لأننا نفترض في الألهة المقدرة علي رؤية جميع شيء " وننسب إليهم ما نعجز عن عمله " .

وهناك حل مزدوج مثل ثلاثية " الأوريستية " حيث ينال جميع من الأخيار الثوابوالأشرار العقاب .

التطهير ومغزي التراجيديا

التطهير

إن المحاكاة في التراجيديا ينبغي حتى تؤدي إلي التطهير عن طريق إثارة نفعالين في نفس المشاهد وهما " الشفقة والخوف " . إن مغزى التطهير هوحتى يقع المشاهد فريسة لعدد من الانفعالات المتباينة التي تدور في نفسه ، كي يتخلص من نزعاته الشريرة ، ورغباته الجامحة وفرديته العمياء وتهوره الأحمق وغطرسته الزائفة ، حينما يشاهد بعينيه مصارع الآخرين ودمارهم ، لأن الحكمة والفهم التي أثرت عنهم لم تستطع الصمود أمام نزعاتهم الشريرة فاستسلموا لها ولم يتحكموا فيها ، بل هجروها تتحكم فيهم وتجعلهم ينحرفون .

لذلك فإن أرسطويرى حتى غاية المحرر المسرحي ينبغي حتى تكون إقارة انفعالي الخوف والشفقة في مفس المشاهد ، عن طريق العرض المسرحي وعن طريق ترتيب الأحداث في الموضوع " أي البناء الدرامي " وحتى المحرر المسرحي الناجح هومن يؤلف موضوعه بحيث يثير هذين الانفعالين ، سواء لحظة قراءة العمل أومشاهدته كعرض مسرحي .

ولا ينبغي حتىقد يكون هدف المشاهد الأوحد حتى ينشد من وراء التراجيديا الإمتاع بكل حدوده ، بل يكفيه الإمتاع الملائم المطابق للموقف الدرامي " المنبعث من تتابع الأحداث وتكشفها عن عنصر الإدهاش " ، وحتى يتحقق لابد حتىقد يكون نابع من داخل الأحداث نفسها ، وكذلك من المواقف التي تثير الخوف والشفقة عند محاكاتها وبالتالي تؤدي غلي التطهير .

مغزي التراجيديا

تناولت التراجيديا بوجه عام قضايا السلوك الإنساني الناتج عن طبيعة " الإيديولوجية " التي ينتمي إليها " الفرد " ، ويتصرف بوحي منها ، سواء أكانت عقيدة متصلة بالدين أم فكرا خاصا يعتنقه الفرد بحيث يؤثر علي سلوكه ومواقفه التي تتصف غالبا بالثبات والقوة . لذلك فإن اهتمام التراجيديا كان منصبا في المقام الأول علي تصوير الإنسان " الفرد " أمام ما يعصف به من نوازع داخلية وأهواء ، وهل يستطيع الصمود أمامهم بعقله أم سينهار رغم حكمته ،يا ترى؟ وكذلك اختارت التراجيديا أبطالها من البشر المتفردين في صفاتهم وسلوكهم . فأرسطويقصد بالأشخاص الأسمي أولئك الأكثر اختلافا عن الجمهرة ، والأقدر علي الاستجابة للأحداث والتأثير فيها ، ذوي المواقف القادرين علي تحمل تبعات تصرفاتهم بشجاعة مهما كانت بشاعة مصيرهم . لكن هؤلاء الأشخاص رغم سلوكهم المتميز لهم هفواتهم وسقطاتهم التي تقودهم إلي ارتكاب الإثم ، ومثل هذه الهفوات هي التي تحدد مصيرهم ، لأنهم في سبيل فرض وجهة نظرهم مضطرون للصدام مع قوى أخري دون تبصر أوروية .

إن شخصيات التراجيديا -كما يقول أرسطو- خيرة وسامية أكثر من كونها شريرة . ووضعها في الإطار الدرامي معناه تسليم سلوكها وردها إلي التوازن ، لأن هدف التراجيديا هوإيجاد صيغة أفضل للعلاقات الإنسانية في المجتمع ، علي أساس التصالح بين الرغبات والدوافع التي تحرك البشر في سلوكها ، ويتم هذا عن طريق نبذ التطرف والتخلي عن الفردية التي تدفع حتما إلي الصدام وإلي ارتكاب الإثم ، وعن طريق إرساء الاعتدال والموضوعية محلها ، لأنهما أساس روح الجماعة وروح التعاون بين البشر .

التراجيديا-إذا- تتعمق داخل النفس البشرية " للفرد " لتصل إلي أغوارها وتعهد كنه ما يحركها ، وتعتقد حتى صلاح الجماعة يتوقف علي صلاح " الفرد " ، ولجلال موضوعها فإنها تعالج الجانب الجاد من الحياة ، وتري حتى علاج الخطأ ينبغي حتىقد يكون بالعقاب فلا يفل الحديد إلا الحديد .

لذلك فإن التراجيديا اتخذت التطهير هدفا لها ، والتطهير هدفه التغيير من خلال " الفرد " ، فكل مشاهد للتراجيديا يعتقد حتى التطهير إنما هوعلاج له بمفرده ، لأنه يري ذاته بكل أعماقه وهي تعرض أمامه ، لأنه يحس بأنه أمام معضلة " فردية " تماما ، ومع ذلك فهي في المقام الأول إنسانية في عموميتها .

أن الدموع التي يذرفها المشاهدون للتراجيديا ليست تسليما منهم بالعجز ، بل هي إشفاق علي مصير صنولهم في الإنسانية والظروف ، وهذا الإشفاق شعور إنساني رحيووليس سلبيا كما تصور البعض مثل تصور " بريخت " حتى التراجيديا تستنفذ قدرة المشاهد علي العمل حينما تورطه في أحداث العمل المسردي ، ونغمره في خضم التجربة الماثلة أمامه ، ليعايش أحداثا مقترحة وليست واقعية ، فيخرج من المسرح مستريحا لكنه سلبي فاقد للقدرة علي العمل ، حيث أنه افرغ شحنته العاطفية أثناء مشاهدته العرض المسرحي .

أماالتراجيديا فتهدف إلي الحد من رغباتنا المتطرفة ونوازع الشر الكامنة في نفوسنا ، وهذا لا يتأتي إلا بهزها هزا من الأعماق حتى ترق مشاعرنا ، وحتى نصبح أكثر رحمة وتعاطفا ، وأقل غلظة وقسوة ، وبهذه الكيفية تصبح دموعنا مطهرا لنوازع الشر الآثمة التي تراودنا بين الفية والأخري من أجل التسلط علي الآخرين وسحقهم .

أن التراجيديا تحاول جاهدة الحد من الأنا المتسلطة والمتضخمة التي تدفع الإنسان للغطرسة والتطرف . وترمي إلي تحمل الإنسان علي الاعتراف لعقم الشر ، وعدم جدوي التسلط ، ولا مشروعية الغرور والتطرف ، والفاجعة التي تحل بالبطل في التراجيديا ذات مغزي ، لأنها تسحق غروره وتمحق غطرسته ، وهي نذير بالتحول في شخصيته ويبشير بكشف الغمة عن بصره ، لأنه بعدها سيصبح أكثر وضوحا في رؤيته ، وأكثر تعقلا في أحكامه .

التراجيديا لا تنتظر وقوع الإثم كي تعالجه ، بل هي تتفق مع المثل القائل " الوقاية خير من العلاج " لأنها تبغي تطهير النفس مما قد ينتابها من نوازع الشر التي لا تكون في العادة قد ظهرت في السلوك ، ومعني ذلك حتى التطهير علاج وقائي للمثالب وليس عقارا لمقاومة السقم .

انظر أيضاً

  • ديثرامب
  • روميووجولييت
  • أنطونيووكيلوبترا

المصادر

  • نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، سلسلة أدبيات ، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان ، ط 1 ، 1994 ، القاهرة .
  • فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ،الناشر: مخطة الأنجلوالمصرية. إ
  1. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 22
  2. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:95
  3. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص22
  4. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:96 : 97
  5. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص26
  6. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص27
  7. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص28:29
  8. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:100
  9. نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص30
  10. نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص31
  11. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:101
  12. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص32
  13. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:فقرة 1449
  14. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص33
  15. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة
  16. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص34
  17. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص34 "لقد فطن أرسطوإلي حتى للمخرج فنه الخاص وعمله المرتبطبالعرض المسرحي ، إلي حتى دوره دوره مقصور علي المشهد المسرحي ، ولا مقدرة له علي خلق الدراما ذاتها أوكتابتها
  18. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:127
  19. نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص36
  20. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص37
  21. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص38:39
  22. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص39
  23. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:130
  24. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص42
  25. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:138
  26. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص43
  27. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، الفقرة 1450
  28. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص45
  29. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، يتحدث أرسطوبهذه الفقرة ، عن كتاب ألفوا أعمالا تدور حول مغامرات الأبطال القدماء ولكنها تعبير عن سجل تاريخي أكثر من كونها عملا فنيا أوأدبيا يتسم بالوحدة
  30. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص49
  31. ^ Cf. E> V> Rieu: Homer:The Iliad<Penguin Series (1953) <Intord>
  32. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:150
  33. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص52
  34. ^ لا يمكننا الجزم بثبات المكان دائما ، لأن هناك مسرحيتين لا تتمسكان بهذا العهد ، أولاهما " ربات الغضب لأيسخيلوس حيث تدور بعض الأحداث في معبد أبوللوبدلفي ، والبعض الآخر في معبد أثينا بمدينة أثينا ، والمسرحية الثانية هي " أياس " لسوفوكليس حيث تدور الأحداث أولا أمام خيمة أياس بسهل طروادة ثم تنتقل بد ذلك إلي مكان آخر علي ساحل البحر
  35. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص55
  36. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:145
  37. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص65:57:58:59
  38. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص59
  39. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص60:64
  40. ^ فن الشعر ، أرسطو : تعد حدثة فاجعة هي الأكثر دلالة علي الحادث الأليم الذي يصيب البطل نتيجة صدامه مع القوى الأخري المسيطرة . ولم يكن من المحتم حتى تنتهي جميع تراجيديا إغريقية بحادث مفجع للبطل ، ومع ذلك فإن مغزى التراجيديا الإغريقية وهدفها وهوالتطهير كانا يتطلبان وجود هذا العنصر المأساوي ولا يحبذان غيابه
  41. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص:99
  42. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص67:71
  43. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص72
  44. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص74
  45. ^ فن الشعر ، أرسطو، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، ص127
  46. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص67
  47. ^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص79:80
تاريخ النشر: 2020-06-02 00:57:09
التصنيفات: تراجيديا, أنواع أدبية, أنواع الدراما, أنواع الفن المسرحي, اختراعات الألفية 1 ق م, اختراعات يونانية, إنسانيات, تاريخ المسرح, دراما, مسرح إغريقي قديم, صفحات بأخطاء في المراجع, بوابة فنون/مقالات متعلقة, بوابة مسرح/مقالات متعلقة, بوابة أدب/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P268

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«خطة النواب» تشيد بجهود الجمارك في ملاحقة المتهربين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:04
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

إيقاف النشاط الكروي في تركيا إلى أجل غير مسمى

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

الفنان محمد رضوان ضيف «واحد من الناس» على الحياة الليلة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:21:48
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

الجدة والأحفاد.. الدكتورة كاميليا تصطحب أحفادها لمعرض الكتاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:19
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

وزير الخزانة الأسبق : "هبوط سلس" للاقتصاد الأميركي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:17
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

قلعة غازي عنتاب ومواقع اثرية سورية تضررت بسبب الزلزال

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

محمد عبد الرحمن ينتهي من تصوير «البطة الصفرا»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:21:47
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

«الرقابة المالية» تعلن إدخال تعديلات على قواعد قيد الأوراق المالية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:08
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

تخفيضات كبيرة في أجنحة معرض الكتاب خلال اليوم الأخير

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:20
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

الموسيقار هشام نزيه: «تكريمي في مهرجان الأقصر يعني لي الكثير»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:21:48
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

“الصحة”: إصابة 47 راكبا بحادث انقلاب أتوبيس بطريق عيون موسى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:34
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

بعد غلق مناظرات عدول التنفيذ والاشهاد: طلبة كلية الحقوق يحتجون

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:14
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

«الشيوخ» يطالبون بمناهج دراسية تواجه العنف ومعالجة ظاهرة الإدمان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:22:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

بعد «كهرمان مرعش».. 3 زلازل مدمرة ضربت تركيا فى 3 أعوام

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:21:44
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 52%

روسيا تؤكد أن منشآتها العسكرية في سوريا لم تتضرر بعد الزلزال القوي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 12:21:57
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية