صلاح الدين الأيوبي

عودة للموسوعة

الملك الناصر أبوالمظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي (532 - 589 هـ / 1138 - 1193 م)، المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية، بعد حتى قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة. قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان الصليبيون قد استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد حتى هزم جيش بيت المقدس هزيمة منكرة في معركة حطين.

كان صلاح الدين يقول بممضى أهل السنة والجماعة، وروي حتى عبد القادر الجيلاني نادى له عندما رآه بالبركة فيه، خلال "زيارة خفية" لنجم الدين أيوب وأسرته ببغداد سنة 533 هـ/1138م، وهذا يفسر أتباعه الطريقة القادرية فيما بعد وبعض الفهماء كالمقريزي، وبعض المؤرخين المتأخرين نطقوا: إنه كان أشعريًا، وإنه كان يصحب فهماء الصوفية الأشاعرة لأخذ الرأي والمشورة، وأظهر العقيدة الأشعرية. يشتهر صلاح الدين بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه، لذا فهومن أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي، حيث خط المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف، أبرزها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما ملك إنگلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"، وبدلاً من حتى يتحول لشخص مكروه في أوروبا الغربية، استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة، وورد ذكره في عدد من القصص والأشعار الإنگليزية والفرنسية العائدة لتلك الحقبة.

نسبه ونشأته

رسمٌ تخيُليٌّ لِمولد صلاح الدين.
رسم لساحة مدينة دوين (بالأرمنية: Դվին)، البلد الأم لبني أيوب، في أرمينيا خلال القرون الوسطى.

ولد صلاح الدين في تكريت في العراق عام 532 هـ/1138م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان واليًا عليها، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا، وقد اختلف المؤرخون في نسب العائلة الأيوبية حيث أورد ابن الأثير في تاريخه حتى أيوب بن شاذي بن مروان يرجع إلى الأكراد الروادية وهم فخذ من الهذبانية، ويذكر أحمد بن خلكان ما نصه: «نطق لي رجل فقيه عارف بما يقول، وهومن أهل دوين، إذا على باب دوين قرية يُنطق لها "أجدانقان" وجميع أهلها أكراد روادية، وكان شاذي قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت، ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد»،، وهوما يؤكده سعيد عبد الفتاح عاشور وجمال الدين الشيال وعبد المنعم ماجد، بينما يرفض بعض ملوك الأيوبيين هذا النسب ونطقوا: «إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم".» الأيوبيون نفسهم اختلفوا في نسبهم فالملك المعز إسماعيل الأيوبي صاحب اليمن أرجع نسب بني أيوب إلى بني أمية وحين بلغ ذلك الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب نطق: "كذب إسماعيل ما نحن من بني أمية أصلاً"، أما الأيوبيون ملوك دمشق فقد أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق وأسمعه ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود.

وقد شرح الحسن بن داوود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية" ما قيل عن نسب أجداده وبتر أنهم ليسوا أكرادًا، بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم. ونطق: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".

كما حتى الحسن بن داوود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب التي وضعها الحسن بن غريب، والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي محمد بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمروبن مُرَّة بن عوف بن أسامة بن بيهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نَشبَة بن غيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش.

وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح واليًا عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق، وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث أمضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي أمير دمشق. إذا المصادر حول حياة صلاح الدين خلال هذه الفترة قليلة ومبعثرة، لكن من المعروف أنه عشق دمشق عشقًا شديدًا، وتلقى علومه فيها، وبرع في دراساته، حتى نطق عنه بعض معاصريه أنه كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات المجسطية وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية، وتنص بعض المصادر حتى صلاح الدين كان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته. وبالإضافة إلى ذلك، كان صلاح الدين ملمًا بفهم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر، فحفظ ديوان الحماسة لأبي تمام عن ظهر قلب، أيضًا أحب الخيول العربية المطهمة، وعهد أنقى سلالاتها دمًا.

بدايته

كانت الدولة العباسية قد تجزأت إلى عدّة دويلات بحلول الوقت الذي ظهر فيه صلاح الدين، في أواسط القرن الثاني عشر، فكان الفاطميون يحكمون مصر ويدعون لخلفائهم على منابر المساجد ولا يعترفون بخلافة بغداد، وكان الصليبيون يحتلون الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من آسيا الصغرى إلى شبه جزيرة سيناء، والأتابكة يسيطرون على شمال العراق وسوريا الداخلية.

خط سير جيش الشام من دمشق إلى مصر ومعاركه مع الفاطميين والصليبيين.

لمع نجم صلاح الدين في سماء المعارك والقيادة العسكرية عندما أقبل الوزير الفاطمي شاور بن مجير السعدي إلى الشام فارًا من مصر، وهربًا من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار المنذري اللخمي الملقب فارس المسلمين لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة وقتل ولده الأكبر طيء بن شاور، مستغيثًا بالملك نور الدين زنكي في دمشق وذلك في شهر رمضان سنة 558 هـ ودخل دمشق في 23 من ذي القعدة من السنة نفسها، فوجه نور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين، ابن الستة والعشرين ربيعًا، في جملتهم في خدمة عمه وخدمة جيش الشام وهوكاره للسفر معهم، وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان؛ قضاء حق شاور لكونه قصده، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك. وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعهدته وأمانته فانتدبه لذلك، وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش في جمادى الأولى سنة 559 هـ ودخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها، ومن المعروف حتى صلاح الدين لم يلعب دورًا كبيرًا خلال هذه الحملة الأولى، بل اقتصر دوره على مهمات ثانوية.

رسمٌ تخيُليّ لِصلاح الدين في شبابه.

ولمّا وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الوزير ضرغام وحصل لشاور مقصوده وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره، غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالفرنجة عليه فحاصروه في بلبيس ثلاثة أشهر، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعهد أحوالها، ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر على الانسحاب من البلاد. وبلغ إلى فهم نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين ممحررة الوزير شاور للفرنجة وما تقرر بينهم فخافا على مصر حتى يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنًا لوصول الفرنجة إليها، فاتفقوا مع الفاطميين عليه، فاشتبكوا في أوّل معركة كبيرة في صحراء الجيزة، وفي تلك المعركة لعب صلاح الدين دورًا كبيرًا، حيث كان جيش الفاطميين والفرنجة يفوق جيش الشام عددًا، فرأى شيركوه حتى يجعل صلاح الدين على القلب لاعتقاده بأن الفرنجة سيحملون على القلب ظنًا منهم حتى شيركوه سيكون في القلب، وتولّى شيركوه قيادة الميمنة مع شجعان من جيشه، وسُلّمت قيادة الميسرة إلى جمع من القادة الكرد. عند بداية المعركة، حمل الصليبيون على القلب، الذين تقهقروا بانتظام أمام هذا الهجوم، ليطوّقهم بعد ذلك شيركوه وجنوده في صورة من صور تكتيك الكماشة. يرى بعض المؤرخين الغربيين حتى وعورة الأرض وكثافة الرمال وثقل الجياد الأوروبية والجنود الفرنجة المدرعين، أسهمت في جعل الآية تنقلب عليهم، فهزمهم جيش الشام، واستطاع صلاح الدين أسر أحد قادة الجيش الصليبي عندما هاجم جناحه، وهوصاحب قيسارية.

معركة الإسكندرية.

بعد هذا الفوز، توجه أسد الدين إلى مدينة الإسكندرية المعروفة بكرهها لشاور، وفتحت له أبوابها. سرعان ما أعاد عموري الأول ملك بيت المقدس، وشاور ترتيب الجيش، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بهما فكان لا يزال جيشهما أكثر عددًا من جيش أسد الدين، وضربوا حصارًا قاسيًا على الإسكندرية. بدأت ملامح المجاعة تلوح في الأفق فقرر أسد الدين التسلل مع حامية إلى خارج الإسكندرية واستخلف صلاح الدين عليها، متوجهًا إلى مصر العليا أملاً بأن تلحق به جيوش عموري إلا حتى شاور أشار بأهمية الإسكندرية، ليستمر الحصار عليها. ترى المصادر الصليبية حتى أسد الدين تسلل من الإسكندرية لما ساءت الأمور فيها، وأنه أوفد في التفاوض على حتى يخرج كلا الجيشين من مصر، وعلى ألا يعاقب أهالي الإسكندرية للدعم الذي قدموه. كان من أبرز مسببات موافقة عموري على هذه الصفقة إغارة نور الدين زنكي على إمارة طرابلس، مما أدى إلى خوف عموري الأول على أراضيه في الشام. في حين ترى المصادر العربية حتى أسد الدين افترق عن صلاح الدين مباشرة بعد الدخول إلى الإسكندرية، وراح يغير على صعيد مصر. حين اشتد الحصار على الإسكندرية تحرك نحوها، فلقفه الصليبيون في الصلح ووافق على ذلك على حتى يخرج جيشا الفرنجة والشام من مصر. ليخرج جيش الشام من مصر في 29 شوال سنة 562 هـ، الموافق فيه 18 أغسطس سنة 1167م.

عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة، وكان سبب ذلك حتى الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر نظرًا لتخلف شاور عن دفع الإتاوة إلى الحامية الصليبية الموجودة في مصر، إضافة إلى وجود شائعات تفيد بأن الكامل بن شاور تقدم للزواج من أخت صلاح الدين. فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين في الشام لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر، أما نور الدين فبالمال والجيش ولم يمكنه المسير بنفسه للتصدي لأي محاولة من قبل الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله، وسار الجيش. وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر، سيّر إلى أسد الدين في دمشق يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعًا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564 هـ، ولما فهم الملك عموري الأول بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر قرر مباغتته عند السويس، لكن أسد الدين استوعب ذلك فاتجه نحوالجنوب متجاوزًا الصليبيين. فما كان من عموري إلا الجلاء عن أرض مصر في 2 يناير سنة 1169م، ليدخل أسد الدين القاهرة فيسبعة ربيع الآخر سنة 564 هـ، الموافق فيهثمانية يناير سنة 1169م، وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في لقاء ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا، وفهم أسد الدين حتى شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى، وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، وفي 17 ربيع الآخر، الموافق فيه 18 يناير، ألقي القبض على شاور وأصدر الخليفة الفاطمي، العاضد لدين الله، أمرًا بقتله وعيّن أسد الدين كوزير.

تأسيس الدولة في مصر

تولّي الوزارة وإسقاط الدولة الفاطمية

كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي بحلول ذلك الوقت سوى النادىء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هوصاحب الأمر والنهي، لذا أصبح أسد الدين شيركوه هوالرجل الأول في البلاد، ودام على هذا الحال وصلاح الدين يُباشر الأمور مقررًا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته طيلة شهرين من الزمن، عندما توفي أسد الدين، أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين. يذكر المؤرخون، وفي مقدمتهم عماد الدين الأصفهاني، أنه بعد وفاة شيركوه وانقضاء مدة الحداد، طالب الزنكيون، أمراء دمشق، طالبوا الخليفة الفاطمي بل ضغطوا عليه حتى يجعل صلاح الدين وزيرًا له، وقد قبل الخليفة ذلك على الرغم من المنافسة الحادة التي كانت الدويلات الإسلامية تشهدها في تلك الفترة من الزمن، للسيطرة على الأراضي العربية، لشدة ضعف الدولة الفاطمية وقوّة الزنكيين وشعبيتهم، وشعبية صلاح الدين نفسه بين الناس وأمراء الشام، بعد ما أظهره من حسن القيادة والتدبير في المعارك. على الرغم من هذا التأييد، لم يمرّ تولّي صلاح الدين وزارة مصر بسلام، فقد تعرّض بعد بضعة أشهر من توليه لمحاولة اغتيال من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين، وتبيّن حتى المحرّض الرئيسي على هذا كان مؤتمن الخليفة الفاطمي وكان خصيًا بقصر العاضد لدين الله، وكان هذا الخصي يتطلع إلى الحكم فيه والتقدم على من يحويه فقُبض عليه وأُعدم، فحاك أرباب المصالح مؤامرة أخرى، حيث ملأوا صدور 50,000 جندي من فوج الزنوج بالحقد والكره، وثاروا حميّةً على الوزير الجديد في القاهرة، لكنه استطاع حتى يقمعهم ويكسر شوكتهم، وكانت تلك آخر انتفاضة ضد صلاح الدين تقع في المدينة.

بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين، بعث الملك عموري رسله لإرسال حملة صليبية جديدة شارحًا خطورة الأمر والتغير في ميزان القوى في المنطقة، فاستجاب البابا إسكندر الثالث وبعث رسائل إلى ملوك أوروبا، لكنها لم تجد أذنًا صاغية. في حين نجح الرسول المرسل إلى القسطنطينية بسبب إدراك الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس اختلال توازن القوى في المنطقة. فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة عموري الأول، الذي عثر الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.

حصار دمياط من قبل الأسطول الصليبي والبيزنطي.

استعد صلاح الدين بشكل جيد، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله واستبداله بحرس موالين له. وكان ذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها في 13 شوال سنة 564 هـ، الموافق فيهعشرة يوليوسنة 1169م، بسبب عدم حماسة الأمراء والبارونات الصليبيين للمعركة بعد المعارك الأخيرة التي هُزموا فيها، استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة دمياط في 1 صفر سنة 565 هـ، الموافق فيه 25 أكتوبر سنة 1169م، فأوفد صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأوفد إلى نور الدين زنكي يشكوما هم فيه من المخافة ويقول: «إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية»، ونطق نور الدين في ذلك: «إني لأستحي من الله حتى أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنج». فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر. وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهر، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة غيرت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيؤوا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا، بعد حتى أحرقوا جميع أدوات الحصار. وعندما أبحر الأسطول البيزنطي، هبت عاصفة عنيفة، لم يتمكن البحارة - الذين كادوا حتى يهلكوا جوعًا - من السيطرة على سفنهم فغرق معظمهم.

لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم في مدينة دير البلح سنة 1170م، فخرج الملك عموري الأول وحاميته من فرسان الهيكل من مدينة غزة لقتال صلاح الدين، لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة. تفيد بعض الوثائق أنه خلال هذه الفترة، قام صلاح الدين بفتح قلعة إيلات التي بناها الصليبيون على جزيرة صغيرة في خليج العقبة فيعشرة ربيع الآخر 566 هـ، على الرغم من أنها لم تمثل تهديدًا للبحرية الإسلامية، إلا حتى فرسانها كانوا يتعرضون في بعض الأحيان للسفن والقوارب التجارية الصغيرة.

بعد هذا الفوز، ثبّت الزنكيون أقدامهم في مصر، وأصبح من الواضح حتى الدولة الفاطمية تلفظ أنفاسها الأخيرة، فأوفد نور الدين إلى صلاح الدين طالبًا إياه بإيقاف النادىء إلى الخليفة الفاطمي والنادىء إلى الخليفة العباسي في مساجد مصر. لم يرغب صلاح الدين الامتثال لهذا الأمر خوفًا من النفوذ الشيعي في مصر، وأخذ يراوغ في تأخير الأمر، إلا حتى نور الدين هدد صلاح الدين بالحضور شخصيًا إلى القاهرة. فاتخذ صلاح الدين الإجراءات الشرطية اللازمة، لكن لم يتجرأ أحد على القيام بذلك، إلى حتى اتى شيخ سني من الموصل زائرا وقام في المسجد الأزهر وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله في أول جمعة من سنة 567 هـ، الموافق في شهر سبتمبر من سنة 1171م، لتحذوالقاهرة كلها حذوه، في الوقت الذي كان فيه العاضد لدين الله على فراش الموت مريضًا، ولم يلبث العاضد طويلاً حتى فارق الحياة، فأصبح صلاح الدين الحاكم العملي في مصر، ليس لأحدٍ فيها حدثة سواه، ونقل أسرته ووالده نجم الدين إليها ليكونوا له أعوانًا مخلصين، وبهذا زالت الدولة الفاطمية تمامًا بعد حتى استمرت 262 سنة.

سلطان مصر

الجامع الأزهر، أسسه الفاطميون كمدرسة لنشر الدعوة الإسماعيلية وحوله صلاح الدين الأيوبي إلى مدرسة للسنّة بعد توليه مصر عام 1171م، وقضاءه على الدولة الفاطمية والنفوذ الشيعي في البلاد.

أخذ صلاح الدين يقوّي مركزه في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، ويسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وعزل قضاة الشيعة واستبدلهم بقضاة شافعيين، وألغى مجالس الدعوة وأزال أصول الممضى الشيعي الإسماعيلي. ثم أبطل الأذان بحي على خير العمل محمد وعلي خير البشر، وأمر في يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة سنة 565 هـ، الموافقة سنة 1169م، بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون جميعًا: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، كما أسس مدرستين كبيرتين في الفسطاط هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبّت ممضى أهل السنة في البلاد، وكانت هاتان المدرستان تُلقنان علوم الشريعة وفق الممضىين المالكي والشافعي.

رسم "صلاح الدين ملك مصر"، من مخطوطة كتابية تعود للقرن الخامس عشر.

وتخوّف نور الدين زنكي من تزايد قوة تابعه صلاح الدين، وكانت العلاقة بينهما على فتور أصلاً منذ حتى تولّى صلاح الدين الحكم في مصر. بدأ هذا التوتر في العلاقة يظهر عندما تأخر صلاح الدين في الخطبة للخليفة العباسي في بغداد، حتى هدده نور الدين بالمسير إليه، وظهر أيضًا عندما أوفد صلاح الدين يطلب من نور الدين حتى يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك ونطق: "أخاف حتى يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد". وازداد الخلاف بينهما في سنة 567 هـ، الموافقة سنة 1172م، حتى أصبح وحشةً، وذلك عندما اتفقا على حصار قلعتيّ الكرك ومدينة الشوبك في صحراء الأردن، ورجع صلاح الدين إلى مصر، قبل حتى يلتقي بنور الدين، خوفًا من حتى يعزله الأخير عن مصر، وأن تؤدي السيطرة على القلعتين إلى فتح الطريق أمام نور الدين إلى القاهرة، فانسحب صلاح الدين متذرعًا بالأوضاع الخطيرة في مصر، فعظم الأمر على نور الدين، حتى قرر المسير إلى مصر. لما فهم صلاح الدين بذلك جمع مقربيه وشاورهم بالأمر فمنهم من نصح بمقاتلة نور الدين إلا حتى والده وخاله منعوه من ذلك وطالبه والده بإرسال رسائل الاعتذار والتبرير لنور الدين، لكن نور الدين لم يقتنع بأي من تلك التبريرات، وعزم على تسيير حملة إلى مصر لخلع صلاح الدين في أقرب فرصة متاحة.

وفي صيف سنة 1172م، وردت أنباء تفيد بأن جيشًا من النوبيين ترافقه عناصر أرمنيّة قد بلغ حدود مصر ويُحضّر لحصار أسوان، فطلب أميرها المعونة العسكرية من صلاح الدين، فأوفد إليه تعزيزات بقيادة شقيقه الأكبر، توران شاه، أرغمت النوبيين على الانسحاب. عاد الجيش النوبي إلى مصر في سنة 1173م، لكنه رُدّ على أعقابه في هذه المرة أيضًا، بل تعقبه الجيش الأيوبي حتى بلاد النوبة، وفتح بلدة قصر إبريم. وفي ذلك الوقت، كان نور الدين زنكي لم يتخذ أي خطوة عسكرية تجاه صلاح الدين بعد، لكنه طالبه بإعادة مبلغ 200,000 دينار كان نور الدين قد خصصه لتمويل حملة أسد الدين شيركوه التي نجحت في فتح البلاد والقضاء على النفوذ الصليبي والفاطمي فيها، فدفع صلاح الدين 60,000 دينار، وأرفقها بحمل من أفضل البضائع وبعض الجواهر، إضافة لحصان عربي أصيل، وفيل، واعتبر ذلك وفاءً للدين. استغل صلاح الدين فرصة مروره في الأراضي الشامية الصليبية لتوصيل الأموال والهدايا إلى دمشق، وأغار على بعض معاقل البدوفي الصحراء ليحرم الصليبيين من فرصة الاستعانة بمقتفي الأثر أوأدلاء محليين يرشدونهم طالما قرروا مهاجمة مصر أوالأراضي الإسلامية المجاورة لهم، وجرى بينه وبين الإفرنج عدّة سقطات. وفي أثناء وجود صلاح الدين في الشام، أصيب والده نجم الدين أيوب بحادث أثناء امتطائه جواده، وتوفي في 27 ذي الحجة 568 هـ، بعد أيام قليلة قبل وصول صلاح الدين إلى مصر. وفي سنة 1174م، الموافقة سنة 569 هـ، بلغ صلاح الدين حتى رجلاً باليمن استولى عليها، وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي، ولمّا تبيّن له قوّة جيشه وكثرة جنوده، سيّر صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه إلى اليمن، فقتل ابن مهدي، وأخذ البلاد منه، عندئذ أعربت الحجاز انضمامها إلى مصر أيضًا.

أخذ نور الدين زنكي يجمع جيشًا ضخمًا في ربيع سنة 1174م، في محاولة لخلع صلاح الدين في مصر على ما يبدو، فأوفد رسلاً إلى الموصل وديار بكر والجزيرة الفراتية يحثون الرجال ويدعونهم للجهاد، غير حتى تلك الحملة لم يُخط لها حتى تتم، إذ سقط نور الدين في أوائل شوال من سنة 569 هـ، الموافقة في شهر مايومن سنة 1174م بالذبحة الصدرية وبقي على فراش السقم أحد عشر يوما ليتوفى في 11 شوال سنة 569 هـ، الموافق فيه 15 مايوسنة 1174م، وهوفي التاسعة والخمسين من عمره، وبوفاة نور الدين، استحال صلاح الدين سيد مصر الأوحد بشكل عمليّ، حيث استقل عن جميع تبعية سياسية، ويُنطق أنه أقسم آنذاك حتى يُصبح سيفًا مسلولاً على أعدائه وأعداء الإسلام، وأصبح هورأس أقوى سلالة حاكمة إسلامية في ذلك العهد، هي السلالة الأيوبية، لذا جرت عادة المؤرخين على تسمية المناطق التي خضعت لسلطانه وسلطان تابعيه بالدولة الأيوبية.

ضم الشام

فتح دمشق

قلعة دمشق، دخلها صلاح الدين بعد أربعة أيام من وصوله المدينة، بعد حتى استنجد به أهلها وأميرها لإنقاذهم من أمير حلب.
تمثال صلاح الدين الأيوبي، أُقيم في دمشق أمام قلعة دمشق التاريخية عام 1993، بمناسبة الذكرى الـ800 لوفاة صلاح الدين.

كان نور الدين زنكي قد استخلف ولده الملك الصالح إسماعيل ذي الأحد عشر ربيعًا، أميرًا على دمشق، وبعد حتى توفي نور الدين كان أمام صلاح الدين خياران أحلاهما مرّ: إما حتى يُهاجم الممالك الصليبية من مصر ويهجرها مفتوحة وعرضة لهجمات بحرية أوروبية وبيزنطية، أوحتى ينتظر حتى يستنجد به الملك الصالح خصوصًا وأنه ما زال صبيًا لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك، كذلك كان أمام صلاح الدين خيار حاسم، وهوحتى يدخل دمشق ويسيطر عليها ويتولى شؤون البلاد بنفسه، ويُحضرها لقتال الصليبيين، غير أنه تردد في إتيان الخيار الأخير، بما أنه قد يُنظر إليه حينها أنه قد شق عصا الطاعة ونكر المعروف والاحترام المتبادل والثقة التي منحه إياها نور الدين زنكي عندما ولاّه قيادة الجيوش بعد وفاة أسد الدين شيركوه، وساعده على تمكين منصبه في مصر، وعندها قد لا ينظر إليه الجنود والناس أنه جدير بقيادة جيش المسلمين. لذا فضّل صلاح الدين انتظار دعوة من الملك الصالح، أوحتى ينذره بنفسه من احتمال تصاعد الخطر الصليبي على دمشق.

واختلفت الأحوال بالشام، فنُقل الصالح إسماعيل إلى حلب وعُين سعد الدولة كمشتكين، أمير المدينة وكبير قدامى الجنود الزنكيين، وصيًا عليه حتى يبلغ أشدّه، وسرعان ما طمع كمشتكين بتوسيع رقعة نفوذه حتى تضم باقي مدن الشام الداخلية والجزيرة الفراتية، وقرر فتح دمشق، فراسل أمير المدينة، شمس الدين بن المقدم سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود أمير الموصل وابن عم الملك الصالح إسماعيل، طالبًا منه التدخل للمساعدة، لكنه رفض، فمحرر شمس الدين بن المقدم صلاح الدين، فتجهز من مصر في جيش كثيف وهجر بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرًا أنه يتولى مصالح الملك الصالح. تكوّن جيش صلاح الدين من 700 خيّال، عبر بهم الكرك وصولاً إلى بصرى، وفي أثناء الطريق انضمت إلى الجيش جموع من الكرد والعرب من أمراء وأحرار وبدو"سيماهم في وجوههم" كما ورد على لسان صلاح الدين. ولج الجيش دمشق في شهر ربيع الأول من عام 570 هـ، الموافق فيه شهر نوفمبر من سنة 1174م، وأول ما ولج صلاح الدين كان دار أبيه وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي، واجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم مالاً جليلاً وأظهر السرور بالدمشقيين، وصعد القلعة وتسلمها من نائب القلعة الطواشي جمال الدين ريحان بعد أربعة أيام من وصوله.

فتوحات الشام الداخلية

رسم إفرنجي من سنة 1337م يُظهر الجيش الأيوبي.

استناب صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين على دمشق قبل انطلاقه لضم باقي مدن الشام الداخلية التي استحالت مستقلة عن أي تبعيّة بحكم الأمر الواقع بعد وفاة نور الدين زنكي، فغنم حماة بسهولة، وعدل عن حصار مدينة حمص لمناعة أسوارها، ثم حوّل أنظاره نحوحلب وهاجمها بعد حتى رفض أميرها "كمشتكين" الخضوع، وخرج الصالح إسماعيل إلى الناس وجعل يُخاطبهم ويحثهم ألاّ يسلموا المدينة إلى جيش غاز، وقد نطق أحد المؤرخين الأيوبيين حتى حدثات الصالح إسماعيل أمام الناس كانت "كأثر سحر ساحر" على السكان.

راسل كمشتكين شيخ الحشاشين المدعورشيد الدين سنان، الذي كان على خلاف مع صلاح الدين ويمقته مقتًا شديدًا بعد حتى أسقط الدولة الفاطمية، واتفق معه على حتى يقتل صلاح الدين في قلب معسكره، فأوفد كتيبة مكونة من ثلاثة عشر حشاشًا استطاعت التغلغل في المعسكر والتوجه نحوخيمة صلاح الدين، إلا حتى أمرهم انفضح قبل حتى يشرعوا بالهجوم، فقُتل أحدهم على يد أحد القادة، وصُرع الباقون أثناء محاولتهم الهرب.

وفي أثناء ذلك، تحرّك ريموند الثالث صاحب طرابلس لمهاجمة حمص، وحشد جيشه بالقرب من النهر الكبير الجنوبي، على الحدود اللبنانية السورية الشمالية حاليًا، لكنه سرعان ما تراجع عن تحقيق هدفه، لمّا بلغه حتى صلاح الدين قد أوفد فرقة عسكرية كبيرة مجهزة بالعتاد اللازم لتنضم إلى حامية المدينة. وفي غضون هذا الوقت كان أعداء صلاح الدين في الشام والجزيرة الفراتية يطلقون حملات مضادة له ويهجونه كلّما سنحت الفرصة، فنطقوا أنه نسي أصله، فهوليس سوى خادم للملك العادل نور الدين زنكي، بل خادم ناكر للمعروف لا يؤتمن على شيء، خان سيده ومولاه ونفى ولده من بلاد أبيه إلى بلاد أخرى، وجعل يُحاصرها بعد ذلك. فردّ صلاح الدين على تلك الحملات الشرسة قائلاً أنه لم يُحاصر حلب ولم يحضر إلى الشام منذ البداية إلا لحماية دار الإسلام والمسلمين من الجيوش الصليبية، وليستعيد ما سُلب من الأراضي المقدسة، وإن هذه مهمة لا يمكن حتى يتولاها صبي لم يبلغ أشدّه بعد، ويسهل التلاعب به من قبل أصحاب النفوس الخبيثة. وليُطمئن الناس أكثر، سار صلاح الدين على رأس جيشه إلى حماة ليُقاتل فرقة صليبية أُرسلت لفتح المدينة، إلا حتى الصليبيين انسحبوا قبل اللقاء بعد حتى بلغهم حجم الجيش الأيوبي، فدخل صلاح الدين المدينة بسهولة، وتسلّم قلعتها في شهر مارس من سنة 1175م، بعد مقاومة عنيفة من حاميتها.

بعد هذه الأحداث، فهم سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل حتى صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه، وخاف إذا غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه، فأنفذ عسكرًا وافرًا وجيشًا عظيمًا وقدّم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد، فلما بلغ صلاح الدين ذلك فك الحصار عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدًا إلى حماة استعدادًا للقائهم. وعندما وصل عز الدين مسعود إلى حلب، انضم إلى جيشه عسكر ابن عمه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين، وخرجوا في جمع عظيم، فلما عهد صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد حتى يصالحوه فما صالحوه، ورأوا حتى ضرب المصاف معه من الممكن نالوا به غرضهم، والتقى الجمعان عند قرون حماة قرب نهر العاصي، وسقطت بينهما معركة عظيمة هزم فيها الزنكيون على يد صلاح الدين، وأُسرت جماعة منهم، وذلك في التاسع عشر من شهر رمضان من سنة 570 هـ، الموافقة في 23 أبريل من سنة 1175 م، ثم سار صلاح الدين عقيب فوزه ونزل على حلب مرة أخرى، فصالحه الزنكيون على أخذ معرة النعمان وكفر طاب وبارين.

نقش لصلاح الدين على درهم يعود لقرابة سنة 1190م.

أعرب صلاح الدين نفسه ملكًا على البلاد التي افتتحها بعد فوزه على الزنكيين، وخطب له أئمة المساجد يوم الجمعة باسم "الملك الناصر"، وضُربت الدنانير المضىية في القاهرة باسمه، وعضّد مُلكه بالزواج من أرملة نور الدين زنكي المدعوة عصمة الدين خاتون. وسرعان ما أصبحت سيادة صلاح الدين على البلاد سيادة مشروعة عندما أسند الخليفة العباسي في بغداد إليه السلطة على مصر والمغرب الأدنى والنوبة والحجاز وتهامة وفلسطين وسوريا الوسطى، وخلع عليه لقب "سلطان مصر والشام".

استمرت الحرب بين الأيوبيين والزنكيين على الرغم من فوز صلاح الدين في حماة، وحدثت المسقطة الأخيرة بينهما في صيف سنة 1176م. كان صلاح الدين قد أحضر جيوشه من مصر استعدادًا للقاء الحاسم، وقام سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بتجنيد الرجال في المناطق التي ما زال يسيطر عليها، في ديار بكر وقرى وبلدات الجزيرة الفراتية. عبر الأيوبيون نهر العاصي متجهين شمالاً حتى وصلوا تل السلطان على بعد 24 كيلومترًا (15 ميلاً) من حلب، حيث قابلوا الجيش الزنكي، فاشتبك الجيشان في معركة ضارية، واستطاع الزنكيون دحر ميسرة الجيش الأيوبي، فاندفع صلاح الدين بنفسه تجاه حرّاس سيف الدين غازي وأعمل فيهم السيف، فتشجع الأيوبيون واندفعوا يمزقون صفوف الجيش الزنكي، فذُعر الزنكيون وأخذوا يتقهقرون تاركين في ساحة المعركة الكثير من القتلى، كاد سيف الدين حتىقد يكون من ضمنهم. قُتل في المعركة الكثير من ضبّاط الجيش الزنكي وأُسر بعضهم الآخر، وغنم الأيوبيون معسكر الزنكيين بما فيه من خيام وأمتعة وخيول وأسلحة، وعامل صلاح الدين الأسرى معاملة كريمة، فمنحهم هدايا وأطلق سراحهم، ثم وزّع غنائم المعركة كلها على جنوده، ولم يحتفظ بشيء لنفسه.

سار صلاح الدين بعد فوزه ليعاود حصار مدينة حلب، وفي أثناء سيره فتح الجيش الأيوبي حصن بزاعة وحصن منبج، ومن ثم توجّه غربًا لإخضاع حصن أعزاز، وعندما ضرب الجيش الحصار على الحصن، اقتحم بعض الحشاشين المندسين المعسكر واستطاع أحدهم الوصول إلى خيمة صلاح الدين وضربه بسكين على رأسه، فحمته الخوذة غير حتى السكين مرت على خده وجرحته جرحًا هينًا، واستطاع إمساك الحشاش، فصارعه الأخير أرضًا وحاول نحره، لكن صلاح الدين تمكن منه، وأعانه عليه وعلى رفاقه الجنود الأيوبيون وأقاربه وقتلوهم جميعًا. كان لمحاولة الاغتيال هذه أثر كبير على صلاح الدين، فقد عزم على القضاء على كمشتكين أمير حلب، الذي تجاوز وتواطأ مع الحشاشين لقتل صلاح الدين، وأصبح شديد الحذر لا يُقابل إلا من يعهده. يقول أبوشامة المقدسي في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين:

لمّا فتح السلطان حصن بزاعة ومنبج أيقن من هم تحت سلطتهم بخروج ما في أيديهم من المعاقل، والقلاع ونصبوا الحبائل للسلطان. فمحرروا سنانًا صاحب الحشيشية مرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد، وحملوه على البتاع فأوفد، لعنه الله، جماعة من أصحابه فاتىوا بزي الأجناد، ودخلوا بين المقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان لعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يومًا جالس في خيمة، والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشية وضربه بسكينة على رأسه، وكان محترزًا خائفًا من الحشيشية، لا يترع الزردية عن بدنه ولا صفائح الحديد عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائح الحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلى خد السلطان فجرحه وجرى الدم على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.

ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرض وركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر في ذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرًا، فاخترط سيف وضرب الحشيشي فقتله. واتى آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بن منكلان الكردي وضربه بالسيف، وسبق الحشيشي إلى ابن منكلان فجرحه في جبهته، وقتله ابن منكلان، ومات ابن منكلان من ضربة الحشيشي بعد أيام. واتى آخر من الباطنية فحصل في سهم الأمير علي بن أبي الفوارس فهجم على الباطني، ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحت إبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لا يتمكن من ضربه، فصاح علي: "اقتلوه واقتلوني معه"، فاتى ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه، وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتًا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر من الحشيشية منهزمًا، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكب الباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وبتروه بالسيوف.

وأما السلطان فإنه ركب من وقته إلى سرادقه ودمه على خده سائل، وأخذ من ذلك الوقت في الاحتراس والاحتراز، وضرب حول سرادقه مثال الخركاه، ونصب له في وسط سرادقه برجًا من الخشب كان يجلس فيه وينام، ولا يدخل عليه إلا من يعهده، وبطلت الحرب في ذلك اليوم، وخاف الناس على السلطان. واضطرب العسكر وخاف الناس بعضهم من بعض، فألجأت إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس، فركب حتى سكن العسكر

بعد حتى تمّ النصر وافتتح حصن أعزاز في ذي الحجة من سنة 571 هـ، حوّل صلاح الدين أنظاره ناحية حلب وضرب الحصار عليها كي يقتصّ من الأمير كمشتكين، فقاومته الحامية مقاومة شديدة مرة أخرى، ففشل في اقتحام المدينة، غير أنه تمكن من فرض هدنة على كمشتكين والملك الصالح إسماعيل وأبرم حلفًا معهما، واتى في نص الهدنة حتى يحتفظ الزنكيون بمدينة حلب لقاء اعترافهم بسلطان صلاح الدين على تام الأراضي التي أخضعها، وسرعان ما اعترف أمراء ماردين وجوارها بسيادة صلاح الدين وبملكه على الشام. وعندما انتهت الهدنة أوفد الملك الصالح شقيقته الصغرى الخاتون بنت نور الدين إلى صلاح الدين مطالبة إياه بإعادة حصن أعزاز إلى الزنكيين، فاستجاب لطلبها ورافقها بنفسه حتى بوابة حلب محملة بهدايا كثيرة.

الحملة على الحشاشين

رسمٌ تخيُليّ لِشيخ الجبل راشد الدين سنان، زعيم الحشيشية.
قلعة مصياف، إحدى معاقل الحشاشين، حاصرها صلاح الدين شهر أغسطس عام 1176م، ولم يتمكن من اقتحامها.

بعد حتى تحالف صلاح الدين مع الزنكيين وأبرم معاهدة سلام مع مملكة بيت المقدس، لم يبق له من خطر يهدد دولته إلا طائفة الحشاشين بقيادة شيخ الجبل رشيد الدين سنان بن سليمان بن محمود، كانت هذه الطائفة تتبع طريقة الاغتيال المنظم للتخلص من أعدائها ومنافسيها. وكان الحشاشون يمتنعون في سلسلة من القلاع والحصون في عدد من المواقع المشرفة الشاهقة في جبال النصيرية، ولمّا عزم صلاح الدين على إبادة طائفتهم وكسر شوكتهم، أوفد بعض الفرق العسكرية إلى جبالهم، وأعاد ما تظل من جنود إلى مصر، وتولّى صلاح الدين قيادة الجيش بنفسه، وضرب الحصار على جميع قلاع الحشاشين خلال شهر أغسطس من عام 1176م، لكنه لم يتمكن من فتح أي منها، ففك الحصار وانسحب بجيشه مدمرًا جميع المعاقل غير الحصينة التابعة لتلك الطائفة أثناء سيره. بينما ذكر ابن كثير وابن الأثير حتى صلاح الدين حاصر حصنهم مصياف وقتل منهم وسبى ثم شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود بن يكش، فقبل شفاعته فصالح الحشاشين، ثم كرّ راجعًا إلى دمشق. غير حتى بعض المخطوطات العائدة لرشيد الدين سنان نصّت على حتى صلاح الدين انسحب خوفًا على حياته، وإنه كان ينثر الرماد وغبار الطبشور حول خيمته ليلاً عندما حاصر قلعة مصياف، ليعهد ما إذا كان الحشاشون يأتون ليلاً بالقرب منه، وجعل جميع حارس من حرّاسه يحمل سراجًا مضيئًا.

أما بالنسبة لرواية صلاح الدين نفسه، فقد نطق فيها حتى حرّاسه لاحظوا لمعان معدن على إحدى تلال مصياف ذات ليلة، ومن ثم اختفى بين خيم الجنود، وأفاد صلاح الدين أنه استيقظ من نومه ليرى شخصًا يخرج من الخيمة، وكانت المصابيح فيها قد بُعثرت وبقرب سريره عثر على كعك مرقق، وهي العلامة المميزة للحشاشين، وفي أعلى الخيمة عثر رسالة معلقة بخنجر مسموم كُتب فيها تهديد له إذا لم يغادر الجبال فسوف يُقتل. عندئذ صاح صلاح الدين حتى سنانًا كان في خيمته وغادرها، وقد جعلته هذه التجربة يُدرك عجزه قتال الحشاشين وإفنائهم بسرعة، فطلب من جنوده حتى يراسلوهم كي يُبرم حلفًا معهم، فيكون بهذا قد حقق فوزًا آخر، ألا وهوحرمان الصليبيين من حليف مهم.

العودة إلى مصر والغزوات في فلسطين

إعادة تصميم لباب البرقيّة، إحدى بوّابات سور القاهرة القديم الذي أعاد صلاح الدين بناءه.
قلعة الجبل بالقاهرة الشهيرة باسم قلعة صلاح الدين.
تمثال لصلاح الدين الأيوبي- بقلعة صلاح الدين، في القاهرة.

انسحب صلاح الدين من جبال النصيرية بعد حتى لم يتمكن من فتح قلاعها عائدًا إلى دمشق، ثم سرّح جنوده الشوام وجعلهم يعودون إلى منازلهم للراحة والاستعداد للحروب القادمة، ثم رحل عن المدينة برفقة حرّاسه فقط قاصدًا مصر، فوصل القاهرة بعد حوالي شهر. كان على صلاح الدين تنظيم كثير من الأمور في الديار المصرية بعد حتى غاب عنها حوالي سنتين قضاها في معارك متواصلة في الشام، وفي مقدمة هذه الأمور تحصين القاهرة وإعادة بناء أقسامها المهدمة، فأقدم على إصلاح أسوارها وإمداد المزيد منها، كذلك شرع في بناء قلعة القاهرة سنة 573 هـ، التي عُرفت فيما بعد بقلعة صلاح الدين والتي أشرف على بنائها بهاء الدين قراقوش، وبئر يوسف البالغ من العمق 85 مترًا (280 قدمًا). ومن أعمال صلاح الدين الأخرى بناء جسر ضخم في الجيزة ليُشكل إحدى خطوط الدفاع الأوليّة ضد غزومغربي محتمل.

بقي صلاح الدين في القاهرة يُشرف على الأعمال العمرانية فيها، فبنى إلى جانب المباني العسكرية بضعة مدارس لنشر الفهم، وتابع إدارة البلاد الداخلية بنفسه، واهتم بالمؤسسات الاجتماعية التي تساعد الناس وتخفف عنهم عناء الحياة، وتعهد بالإنفاق على الفقراء والغرباء الذين يلجؤون للمساجد للعيش فيها، وجعل من مسجد أحمد بن طولون في القاهرة مأوى للغرباء الذين يأتون إلى مصر من بلاد المغرب. يقول ابن المقفع:

إن الملك صلاح الدين عامل رعيته في بلاد مصر بخير يعجز الواصف عن وصفه وأرسى العدل وأحسن إلى المصريين وأزال مظالم كثيرة على الناس وأمر بإبطال الملاهي في بلاد مصر وأبطل جميع منكر شرير وأقام حدود شريعة الإسلام. وكان يجلس للحكم بين الناس فينصف المظلوم من الظالم ويكون في مجلسه مجموعه من الفقهاء ومشاهير الدولة للنظر في القضايا بين الناس والعمل بما توجبه أحكام الشريعة والحق والعدل.

وفي شهر جمادى الآخر سنة 573 هـ، الموافق فيه نوفمبر من سنة 1177م، أغار الصليبيون على ضواحي دمشق، فاعتبر صلاح الدين حتى الهدنة مع مملكة بيت المقدس قد نُقضت وانتهى أمرها، فجمع الرجال وسار إلى فلسطين ليُغير على بعض المواقع الصليبية، فما كان من الصليبيين إلا حتى أوفدوا جزءً كبيرًا من جيشهم إلى مدينة حارم شمال حلب ليحولوا انتباه الأيوبيين إلى تلك الأنحاء، لكن صلاح الدين استمر بغزواته على بعض المواقع الثانوية في فلسطين بعد حتى فرغت من الرجال الذين أوفدوا مع الجيش الصليبي شمالاً ثم توجّه إلى عسقلان، التي نطق أنها "عروس الشام"، بعد حتى رأى حتى الوضع مؤات لهكذا تحرّك. يقول المؤرخ الصليبي وليم الصوري حتى الجيش الأيوبي تكوّن من 26,000 جندي، 8,000 منهم كانوا يشكلون النخبة، و18,000 كانوا أرقاء زنوج من السودان. واصل صلاح الدين يغزوالمواقع الصليبية الثانوية الواحد تلوالآخر، فهاجم الرملة واللد، وبلغ بوّابات القدس.

الحرب والهدنة مع بلدوين الرابع

معركة تل الجزر، بريشة شارلز فيليپ لاريڤيير.

تحرّك ملك بيت المقدس الشاب بلدوين الرابع بن عموري "الأبرص"، أثناء وجود صلاح الدين على مشارف القدس، وسار بجمع من فرسان الهيكل من مدينة غزة ودخل عسقلان. ووصلت هذه الأنباء إلى صلاح الدين فعاد بقسم من جيشه إلى ضواحي المدينة، لكنه تردد في مهاجمة الصليبيين على الرغم من التفوق العددي للأيوبيين، وذلك لوجود عدد من القادة المهرة المخضرمين في صفوفهم، وكان لهذا التردد في الهجوم أثره الكبير، إذ قام الصليبيون تحت قيادة الملك بلدوين وأرناط آل شاتيون صاحب الكرك بهجوم مفاجئ بتاريخ 25 نوفمبر من سنة 1177م، وأخذوا الأيوبيين على حين غرّة وهزموهم في تل الجزر بالقرب من الرملة، وقد حاول صلاح الدين تنظيم صفوف الجيش وحشد الجنود مجددًا، لكنهم تشتتوا، وصُرع في المعركة جميع حرّاسه، فرأى الانسحاب إلى مصر وإنقاذ ما تظل من العساكر

استعد صلاح الدين لمنازلة الصليبيين مجددًا بعد عودته إلى مصر، فجمع الجنود والعتاد اللازم، ولم تثبط عزيمته رغم الهزيمة التي لحقت به في فلسطين، بل زادته إصرارًا على القتال. وفي ربيع سنة 1178م، هبط الجيش الأيوبي بقرب حمص، وحصلت بضعة مناوشات بينه وبين الجيش الصليبي، وفي شهر ربيع الأول سنة 574 هـ، الموافق فيه شهر أغسطس سنة 1178م، هاجمت فرق صليبية أخرى مدينة حماة والقرى المجاورة وقتلت بعض السكان، لكنها هُزمت على يد حامية المدينة وأُسر كثير من أفرادها، واقتيدوا إلى صلاح الدين الذي أمر بإعدامهم كونهم "عاثوا فسادًا في أرض المؤمنين". أمضى صلاح الدين بقية العام في الشام دون أي يخوض معارك أخرى، لكن الحال لم يدم طويلاً على هذا النحو، فقد وصلت صلاح الدين أنباء مقلقة من جواسيسه تقول بأن الصليبيين يخططون لشن حملة عسكرية على سوريا الوسطى، فأمر ابن أخيه عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن نجم الدين أيوب، بأن يقف على الجبهة الدمشقية ومعه ألف من الجنود استعدادًا لضبط أي هجوم، وألا يلتحم مع الصليبيين في قتال، وإن حصل وتقدموا إلى المدينة، عمليه الانسحاب وإضاءة المنارات المنصوبة على التلال المحيطة حتى يفهم صلاح الدين بمجيئهم فيُلاقيهم بنفسه. وفي شهر ذي القعدة سنة 574 هـ، الموافق فيه شهر أبريل من عام 1179م، تقدم الصليبيون بقيادة الملك بلدوين نحودمشق متسقطين مقاومة ضعيفة، وشرعوا في مهاجمة القرى والرعاة في مرتفعات الجولان، فتصدت لهم فرقة عسكرية أيوبية بقيادة فروخ شاه، ثم انسحبت عبرهم، فتعقبوها حتى جنوب شرق القنيطرة حيث كان الجيش الأيوبي منتظرًا، فسقطت معركة كان النصر فيها لصالح الأيوبيين. قام صلاح الدين بتعزيز قواته بعد هذا النصر، فطلب من أخاه الأصغر الملك العادل سيف الدين أبوبكر، حتى يُرسل إليه 1,500 فارس من مصر لينضموا إلى الجيش في الشام.

بقايا حصن مخاضة الأحزان الذي بناه بلدوين الرابع واستولى عليه صلاح الدين.
مسقط معركة حصن يعقوب بين الأيوبيين والصليبيين.

بحلول صيف عام 1179م، كان بلدوين الرابع قد أقام حصنًا حدوديًا سماه المؤرخون المسلمون "حصن مخاضة الأحزان" على الطريق المؤدية إلى دمشق ليؤمنها، وعزم على بناء جسر فوق نهر الأردن هو"معبر يعقوب" (يُعهد اليوم باسم جسر بنات يعقوب) ليصل الأراضي الصليبية بسهل بانياس الذي يفصل بين الإمارات الصليبية والأراضي الإسلامية. اعترض صلاح الدين على هذا المشروع واعتبره عملاً عدوانيًا تجاه المسلمين، وعرض على بلدوين 100,000 بترة مضىية لقاء تخليه عن هذا المشروع، لكن الأخير رفض التسوية، فعزم صلاح الدين على مهاجمة الحصن الحدودي وتدميره، ثم سار بجيشه وجعل مركزه بانياس. هرع الصليبيون للقاء المسلمين بعد تلك المستوى، لكن جيشهم تشتت، حيث تلكأ المشاة في الخلف، واستمر صلاح الدين يستدرجهم بعيدًا حتى ما إذا تبين له حتى الفرصة سانحة وإن الجيش الصليبي منهك، انقض عليهم واشتبك الجيشان في معركة طاحنة انتصر فيها المسلمون، وأُسر كثير من كبار الفرسان الصليبيين، ثم تحرّك صلاح الدين صوب الحصن وضرب الحصار عليه، ثم دخله فاتحًا في 26 ربيع الأول سنة 575 هـ، الموافق فيه 30 أغسطس من سنة 1179م.

وفي ربيع سنة 1180م، وبينما كان صلاح الدين في صفد يُحضّر لغزوبيت المقدس، راسله الملك بلدوين يعرض فوافق، والواقع حتى القحط في ذلك العام كان دافعًا أساسيًا لكلا الرجلين ليتوقفا عن القتال، حيث ذبلت المحاصيل ولم ينضج منها إلا القليل، فقلّت مؤن الجيشين الصليبي والأيوبي، وأصبح يتعذر على أي منهما ضرب حصار على قلعة أومدينة تابعة للآخر، دون المجازفة بحدوث مجاعة في صفوف الجند. رفض ريموند الثالث صاحب طرابلس الالتزام بالهدنة في بادئ الأمر وأصرّ على القتال، لكنه سرعان ما رضخ للمعاهدة بعد حتى أغار الجيش الأيوبي على إمارته في شهر مايو، وظهر الأسطول الإسلامي بالقرب من مرفأ طرطوس مهددًا بالهجوم.

القضايا المحلية

كان صلاح الدين قد حاول التقرّب من أمير حصن كيفا المدعونور الدين محمد الأرتقيّوني، عندما عرض التوسط بينه وبين عز الدين قلج أوفدان بن مسعود، سلطان سلاجقة الروم، لإنهاء خلاف قائم، حيث كان الأخير قد طالب نور الدين بإعادة بعض الأراضي التي حصل عليها كهدية زفاف بعد زقابل من ابنته، ثم تبيّن أنه يُسيء معاملتها وأن هدفه من ذلك الزواج لم يكن سوى السيطرة على مزيد من المناطق فحسب، وقد قبل نور الدين وساطة السلطان الأيوبي بينما رفضها قلج أوفدان. وفي شهر يونيومن سنة 1180م، استقبل صلاح الدين الأمير نور الدين محمد وأخاه أبوبكر في محاولة لكسب الود وتوطيد العلاقات مع الأرتقيون تمهيدًا لأي مجابهة يُحتمل وقوعها بين الأيوبيين وأمراء الموصل والأناضول والملوك الصليبيين، وأرفق كلا الأميرين بهدايا قيل بأن قيمتها تخطت 100,000 دينار. بعد هذا اللقاء، راسل السلطان قلج أوفدان صلاح الدين معلنًا قبوله الوساطة ودخوله في الحلف الأيوبي الأرتقيّوني، فابتهج صلاح الدين لهذا الخبر لما تضمنه من بشائر إعادة توحيد الأراضي الإسلامية، لكن فرحه سرعان ما تحوّل إلى غضب عارم، عندما وصلته رسالة من أوفدان يقول فيها حتى نور الدين عاد ليُسيء معاملة زوجته ابنة سلطان آل سلجوق، فهدد صلاح الدين بالمسير إلى ملطية عاصمة نور الدين ليؤدبه بنفسه ولينهي الخلاف القائم بين حاكمين مسلمين في وقت كان المسلمون فيه بأشد الحاجة لأن يتوحدوا، وفي واقع الأمر فإن صلاح الدين لم يرغب بالمسير إلى نور الدين محمد، ذلك أنه تحالف معه ولم يعد يستطيع حتى ينقض هذا الحلف، وفي الوقت نفسه كان للسلطان قلج أوفدان تام الحق في الخوف على ابنته والدفاع عنها ومنع استغلالها لغايات سياسية، فاتى خطاب صلاح الدين حادًا في سبيل إخافة نور الدين وحثه على الخضوع. ولمّا تبيّن لنور الدين محمد أنه لا يقدر على الجيش الأيوبي، خضع لأوامر صلاح الدين وعز الدين قلج أوفدان، ووافق على حتى يُرسل امرأته إلى أبيها طيلة سنة من الزمن، خصوصًا بعد حتى اتى في رسالة بعثها إليه صلاح الدين، أنه إذا خرق هذا الاتفاق فسوف ينقض صلاح الدين الاتفاقية بينهما.

رسم لتمثيل يعود لصلاح الدين من القرن الخامس عشر.

عاد صلاح الدين إلى القاهرة بداية عام 1181م وهجر فروخ شاه ليتولّى شؤون الشام أثناء غيابه؛ يقول أبوشامة المقدسي حتى صلاح الدين كان ينوي تمضية شهر رمضان في مصر ذلك العام، ومن ثم يمضى للحج في مكة، لكن لأسباب غير واضحة عدل عن حج البيت الحرام، وشوهد في شهر يونيووهويتفقد ضفاف النيل. وفي تلك الفترة حدثت بينه وبين البدوبعض الإشكالات، إذ اتهم بعضهم بالإتجار مع الصليبيين، فصادر محاصيلهم وأرغمهم على مغادرة شرق مصر والسكن في غربها، واستولى على ثلثيّ الأراضي التابعة للإقطاعيين منهم وأعطاها لإقطاعيي الفيوم ليعوضهم عن أراضيهم الخاصة التي هدف حتى يجعلها ملكًا عامًا للدولة، كما حوّل بعض السفن الحربية على قراصنة الأنهار من البدوالذين كانوا يغيرون على المزارع والقرى المجاورة للنيل وفروعه.

في صيف سنة 1181م، قاد أخوصلاح الدين سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب، في فرقة عسكرية لاعتنطق نائب توران شاه في بلدة زبيد باليمن، حطان بن تام بن منقذ الكناني الكلبي، لاختلاس العوائد المالية للبلدة التي يتولّى أمورها، غير حتى صلاح الدين نطق أنه ليس هناك من مرشد يفيد بصحة ما قيل، وأمر بإطلاق سراحه لقاء 80,000 دينار له شخصيًا ومبالغ أخرى لإخوته. كان اعتنطق حطان الكناني الكلبي المثير للجدل نتاج استياء بعض المقربين من صلاح الدين من إدارة بلاد اليمن بعد حتى غادرها توران شاه؛ عملى الرغم من حتى نائبوه استمروا يرسلون خراج البلاد، إلا حتى السلطة الأيوبية على اليمن أخذت تضعف بعض الشيء، حيث برز صراع على السيادة بين عز الدين عثمان صاحب عدن وصاحب زبيد، مما جعل صلاح الدين يقول أنها تُكلّف الدولة الأيوبية مصاريف كبيرة ولا تعود عليها بالفوائد المرجوّة والمتسقطة.

توسّع الدولة

فتح أطراف بلاد ما بين النهرين

توفي سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود في ثلاثة صفر سنة 576 هـ، الموافق فيه 28 يونيومن سنة 1180م، وخلفه شقيقه عز الدين في إمارة الموصل. في 25 رجب سنة 577 هـ، الموافق فيه أربعة ديسمبر سنة 1181م، توفي الملك الصالح بن نور الدين زنكي في حلب. قبل وفاته، لما يئس من نفسه استدعى الأمراء فحلفهم لابن عمه عز الدين مسعود بن قطب الدين صاحب الموصل، لقوة سلطانه وتمكنه، ليمنعها من صلاح الدين. رُحّب بعز الدين في حلب، ولكن تملّكه لحلب والموصل كان أمرًا يفوق قدراته، لذا تنازل عن حلب لأخيه عماد الدين زنكي، في لقاء سنجار والخابور والرقة ونصيبين وسروج وغير ذلك من البلاد. لم يحاول صلاح الدين استغلال تلك الظروف احترامًا للمعاهدة التي عقدها في السابق مع الزنكيين.

وفيخمسة محرم سنة 578 هـ، الموافق فيه 11 مايوسنة 1182م، غادر صلاح الدين الأيوبي القاهرة مع نصف الجيش الأيوبي المصري والكثير من المتطوعين إلى الشام. وعندما فهم حتى القوات الصليبية احتشدت على الحدود لاعتراضه، غير طريقه عبر سيناء إلى أيلة، وهناك لم يلق صلاح الدين أي مقاومة من قوات بلدوين. وعندما وصل إلى دمشق في يونيو، أغار عز الدين فروخ شاه على بلاد طبرية، واحتل دبورية وحابس جلدق، وهوأحد الحصون ذات الأهمية الكبيرة للصليبيين. في يوليو، أوفد صلاح الدين فروخ شاه لمهاجمة كوكب الهوا. وفي أغسطس، شنّ الأيوبيون هجومًا بريًا وبحريًا للاستيلاء على بيروت؛ وقاد صلاح الدين جيشه في سهل البقاع، ولما بدا لصلاح الدين حتى الهجوم قد يفشل، فضّل إيقاف هجومه والهجريز على مهمته نحوفي بلاد ما بين النهرين.

نادى مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين وهوأحد أمراء حران، صلاح الدين لاحتلال بلاد الجزيرة، الواقعة شمال بلاد ما بين النهرين. ومع انتهاء الهدنة بينه وبين الزنكيين رسميًا في جمادى الأول سنة 578 هـ، الموافق فيه شهر سبتمبر من عام 1182م، وقبل سيره إلى بلاد الجزيرة، كان التوتر قد ازداد بين الحكام الزنكيين في المنطقة، نظرًا لعدم رغبتهم في دفع الجزية لصاحب الموصل. وقبل عبوره الفرات، حاصر صلاح الدين حلب لمدة ثلاثة أيام، بمجرد حتى انتهت الهدنة. وما حتى وصل إلى قلعة البيرة قرب نهر الفرات، حتى انضم إليه كوكبري ونور الدين صاحب حصن كيفا، واستولت القوات المشهجرة على مدن الجزيرة الواحدة تلوالأخرى، فسقطت الرها تلتها سورج ثم الرقة وقرقيسية ونصيبين. كانت الرقة نقطة اجتياز هامة والتي كانت في يد قطب الدين ينال بن حسان المنبجي، الذي تجاوز وخسر منبج أمام قوات صلاح الدين الأيوبي عام 1176م. لما رأى قطب الدين كبر حجم جيش صلاح الدين، لم يُقدم على إبداء أي مقاومة واستسلم على حتى يحتفظ بممتلكاته. أثار صلاح الدين الأيوبي إعجاب أهالي المدينة بعدما أمر بإلغاء عدد من الضرائب، حيث نطق "إن شر الحكام هم من يسمنون وشعوبهم جياع". من الرقة، غزا ماكسين ودورين وعرابان والخابور، والتي خضعت جميعها له.

ثم توجّه صلاح الدين لغزونصيبين التي سلّمت دون مقاومة. كانت نصيبين بلدة متوسطة الحجم، ليست ذات أهمية كبيرة، لكنها كانت تقع في مسقط استراتيجي بين ماردين والموصل ويسهل الوصول إليها من ديار بكر. في خضم هذه الفوزات، وردت صلاح الدين أخبار تقول حتى الصليبيين أغاروا على قرى دمشق. فأجاب «دعهم.. ففي الوقت الذي يهدمون فيه القرى، نستولي نحن على المدن؛ وعندما نعود، سيتعين علينا جمع المزيد من القوة لمحاربتهم». وفي الوقت نفسه، في حلب، داهم أميرها الزنكي مدن صلاح الدين في الشمال والشرق، مثل باليس ومنبج وسورج وبوزيع والقرضين، كما دمر قلعته في بلدة أعزاز لكي لا يستخدمها الأيوبيون إذا استطاعوا الاستيلاء عليها.

ضم حلب

بعد الموصل اهتم صلاح الدين بضم حلب، فأوفد شقيقه تاج الملوك بوري لاحتلال تل خالد، الواقعة على بعد 130 كيلومتر شمال شرق الموصل، وجهّز لحصارها، إلا حتى حاكم تل خالد استسلم مع وصول صلاح الدين نفسه في 17 مايوقبل ضرب الحصار. بعد تل خالد، قام جيش صلاح الدين الأيوبي بالتوجه شمالاً إلى عينتاب لاحتلالها، ومن ثم العودة سريعًا لمسافة 60 كم في اتجاه حلب. وفي 21 مايو، عسكر صلاح الدين خارج حلب، وتمركز بنفسه شرق قلعة حلب، كما طوّقت قواته ضاحية بناقسة في الشمال الشرقي وباب جنان في الغرب، وتمركز باقي رجاله بالقرب من المدينة، على أمل فتحها في أقل وقت ممكن.

قلعة حلب، دخلها صلاح الدين في 12 يونيومن عام 1183م.

لم يقاوم عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود لفترة طويلة، حيث لم يكن يحظ بشعبية بين رعاياه، ولرغبته في العودة إلى سنجار المدينة التي كان يحكمها سابقًا. عقدت مفاوضات بغرض تبادل الأراضي، على حتى يسلّم زنكي حلب إلى صلاح الدين الأيوبي في لقاء استعادة سيطرته على سنجار ونصيبين والرقة وسروج، وأن تحارب قوات زنكي إلى جانب جيش صلاح الدين. وبحلول 18 صفر 579 هـ / 12 يونيو1183 م، أصبحت حلب في أيدي الأيوبيين. لم يفهم أهل حلب بتلك المفاوضات، لذا فوجئوا حين رأوا راية صلاح الدين الأيوبي مرفوعة فوق قلعة حلب. عندئذ، عرض أميران أحدهما عز الدين جردق الصديق القديم لصلاح الدين خدماتهما على صلاح الدين، الذي رحب بذلك. استبدل صلاح الدين القضاء الحنفي بالقضاء الشافعي، مع وعد بعدم التدخل في القيادة الدينية للمدينة. وعلى الرغم من حاجة صلاح الدين للمال، إلا أنه جاز لزنكي بالمغادرة بكل ما استطاع حمله من خزائن قلعة المدينة، وبيع المتبقي لصلاح الدين نفسه.

على الرغم من تردده فيما مضى في إتمام عملية المبادلة، إلا أنه كان واثقًا من نجاحه لتيقّنه من حتى حلب هي "الباب الذي سيفتح له الأراضي" وأن "هذه المدينة هي عين الشام وقلعتها وبؤبؤها". بالنسبة لصلاح الدين الأيوبي، كان الاستيلاء على المدينة يمثّل له نهاية أكثر من ثماني سنوات من الانتظار، فقد نطق لفروخ شاه "نحن لا نملك إلا الانتظار، وحلب ستكون لنا." فمن وجهة نظره، أنه باستيلائه على حلب سيستطيع الآن تهديد الساحل الصليبي كله.

بعد حتى قضى ليلة واحدة في قلعة حلب، سار صلاح الدين إلى حارم بالقرب من أنطاكية الإمارة الصليبية. كانت حارم تحت حكم "سرخك" أحد المماليك صغار الشأن، الذي قدم صلاح الدين الأيوبي له عرضًا بمدينة بصرى وأراضٍ في دمشق في لقاء حارم، ولكن عندما طلب سرخك الحصول على المزيد، أرغمته حامية البلدة على الخروج، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل تقي الدين نائب صلاح الدين الأيوبي بعد مزاعم بأنه كان يخطط للتنازل عن حارم إلى بوهمند الثالث أمير أنطاكية. بعد استسلام حارم، شرع صلاح الدين الأيوبي في ترتيب دفاعات المدينة استعدادًا للصليبيين، وأوفد إلى الخليفة وأتباعه في اليمن وبعلبك بأنه سيهاجم الأرمينيين. وقبل حتى يهم بالتحرك، كان لا بد من تسوية بعض التفاصيل الإدارية، فقد وافق صلاح الدين الأيوبي على هدنة مع بوهمند في لقاء رد أسرى مسلمين كان يحتجزهم، ثم ولّى فهم الدين سليمان بن جندر، وهوالأمير الذي انضم إلى صلاح الدين في حلب، إدارة أعزاز، كما ولّى سيف الدين اليزقوج، مملوك عمه أسد الدين شيركوه السابق الذي أنقذه من محاولة اغتيال في أعزاز، إدارة حلب.

حربه من أجل الموصل

مع اقتراب صلاح الدين من الموصل، كان عليه تبرير مسألة الاستيلاء على تلك المدينة الكبيرة. استغاث زنكيوالموصل بالخليفة العباسي الناصر لدين الله في بغداد الذي كان وزيره يفضلهم، فأوفد الناصر بدر البدر، وهوشخصية دينية رفيعة المستوى، للتوسط بين الجانبين. وصل صلاح الدين إلى المدينة فيعشرة نوفمبر سنة 1182م، ولم يقبل عز الدين شروطه لأنه اعتبرها خدعة كبيرة، وعلى الفور ضرب صلاح الدين حصارًا على المدينة المحصنة جيدًا.

"صلاح الدين المُظفّر"، رسم من القرن التاسع عشر.

بعد عدة مناوشات طفيفة والمأزق الذي سقط فيه أمام الخليفة، قرر صلاح الدين الأيوبي حتى يجد طريقة للانسحاب من الحصار دون حتى يلحق ذلك ضررًا بسمعته، لذا قرر حتى يهاجم سنجار التي يحكمها شرف الدين أمير أميران هندوا شقيق عز الدين، مع هجر قوة لمواصلة الحصار، فسقطت سنجار بعد حصار دام 15 يومًا في ثلاثة رمضان سنة 578 هـ، الموافق فيه 30 ديسمبر سنة 1182م. لم يلتزم قادة وجنود صلاح الدين بانضباطهم ونهبوا المدينة، وتمكن صلاح الدين بنفسه من حماية حاكم المدينة وضباطه بإرسالهم إلى الموصل. وبعد حتى هجر حامية في سنجار، انتظر حتى يجمع جنده من حلب وماردين وأرمينيا للقاءة عز الدين. توجّه صلاح الدين بجيشه للقاء قواته في حران في شهر ذي القعدة من سنة 578 هـ، الموافق فيه شهر فبراير من عام 1183م، وعندما فهم عز الدين بقدوم جيش صلاح الدين، أوفد رسله في طلب السلام، وفرّق قواته.

وفيستة ذي القعدة سنة 578 هـ، الموافق فيه 2 مارس سنة 1183م، خط العادل أبوبكر بن أيوب من مصر إلى صلاح الدين الأيوبي بأن الصليبيين قد طعنوا قلب الإسلام، فقد أوفد صاحب الكرك أرناط آل شاتيون، سفنًا من خليج العقبة لمداهمة البلدات والقرى قبالة ساحل البحر الأحمر، وعلى الرغم من حتى تلك المحاولة لم تكن هادفة لفرض النفوذ الصليبي على البحر أوللتحكم في طرق التجارة، وكانت مجرد قرصنة، خط عماد الدين بأن الغارة كانت مقلقة للمسلمين لأنهم لمقد يكونوا معتادين على الهجمات عبر البحر، وأضاف ابن الأثير بأن السكان لم يعهدوا فرنجيًا قط لا تاجرًا ولا محاربًا.

ونطق ابن جبير بأن ستة عشر سفن للمسلمين أحرقها الصليبيون الذين استولوا على سفينة حجاج وقافلة في عيذاب. كما ذكر أيضًا أنهم كانوا ينوون مهاجمة المدينة المنورة ونهب قبر النبي محمد. وأضاف المقريزي إلى حتى شائعات انتشرت تزعم بأنهم كانوا سينقلون جثمان النبي محمد إلى الأراضي الصليبية، لجعل المسلمين يحجون إليها. ولحسن حظ صلاح الدين الأيوبي، كان العادل قد نقل السفن الحربية من الفسطاط والإسكندرية إلى البحر الأحمر تحت قيادة حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول المصري، فبدأ بمهاجمة القوات التي هاجمت أيلة وهزمها، ثم سار لقتال من هاجموا عيذاب، فأدركهم في ساحل الحوراء(أملج) ودمر معظم سفنهم، فنزلوا إلى البر محاولين الفرار فهزمهم شر هزيمة. أمر صلاح الدين بقتل الأسرى الصليبيين البالغ عددهم 170 مقاتل في عدد من مدن المسلمين.

الدولة الأيوبية والدول المجاورة عند نهاية حملة صلاح الدين على إمارات الشام وبلاد ما بين النهرين.

من وجهة نظر صلاح الدين، كانت الحرب ضد الموصل تسير على ما يرام، لكنه لم ينجح بعد في تحقيق أهدافه وبدأ جيشه يتناقص؛ فقد عاد تقي الدين برجاله إلى حماة، وغادر ناصر الدين محمد بن شيركوه بقواته. شجع ذلك عز الدين وحلفائه على الهجوم. فجمع قواته في حرضم الواقعة على بعد 140 كيلومتر من حران. وفي بداية أبريل، ودون حتى ينتظر ناصر الدين، بدأ صلاح الدين وتقي الدين تقدمهم ضد قوات عز الدين، متوجهين شرقًا إلى رأس العين دون حتى يلقوا مقاومة. وبحلول نهاية أبريل، وبعد ثلاثة أيام من القتال، استولى الأيوبيون على آمد. سلم المدينة نور الدين محمد بن قره أوفدان بخزائنها التي بها 80,000 شمعة، وبرج تام مملوء بالسهام و1,040,000 كتاب. وفي لقاء إعادته حاكمًا للمدينة، أقسم نور الدين الولاء لصلاح الدين الأيوبي، واعدًا إياه بمساعدته في جميع حملاته في الحرب ضد الصليبيين وإصلاح الأضرار التي لحقت بالمدينة. وبسقوط آمد، قرر حاكم ماردين التحالف مع صلاح الدين الأيوبي، وهوما أضعف تحالف عز الدين.

حاول صلاح الدين الحصول على دعم الخليفة الناصر ضد عز الدين من خلال إرسال رسالة للخليفة يطالبه فيها بمرسوم يعطيه الحق في تملّك الموصل والأراضي التابعة لها. حاول صلاح الدين الأيوبي إقناع الخليفة معللاً طلبه بأنه في الوقت الذي فتح مصر واليمن وأعادها تحت راية العباسيين، كان الزنكيون في الموصل يؤيدون صراحة السلاجقة (منافسي الخلافة)، ولم يخضعوا للخليفة إلا وقت حاجتهم إليه. واتهم أيضًا قوات عز الدين بعرقلة الجهاد ضد الصليبيين، مشيرًا إلى أنهم "لا ينوون القتال فقط، بل ويمنعون الذين يستطيعون ذلك". كما نطق صلاح الدين الأيوبي بأنه إنما اتى إلى الشام لقتال الصليبيين وإنهاء بدعة الحشاشين ووضع حد لتخاذل المسلمين. كما وعد أنه إذا أعطيت له الموصل، فسيستولي على القدس والقسطنطينية والكرج وأراضي الموحدين في المغرب، حتى تصبح حدثة الله هي العليا وتطهّر الخلافة العباسية العالم وتتحوّل الكنائس إلى مساجد. وأكد صلاح الدين حتى جميع هذا من الممكن حتى يحدث بمشيئة الله، وبدلاً من طلب الدعم المالي أوالعسكري من الخليفة، نطق أنه سيغزوأراضي تكريت وداقوق وخوزستان وجزيرة كيش وعمان، وسيعطيها للخليفة.

الحروب ضد الصليبيين

صلاح الدين في العقد الخامس من عُمره، عندما شرع بالجهاد ضد الصليبيين.

بعد حتى نجح صلاح الدين في حتى يجمع مصر وسوريا والحجاز وتهامة والعراق في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط بمملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب، واطمأن إلى وحدتها وتماسكها، انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي، وهومحاربة الصليبيين وطردهم من البلاد، واتىَته الفرصة حين تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم، فأوفد إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح عمله وغدره ويتوعده إذا لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أوفد صلاح الدين، الذي كان آنئذ في دمشق، إلى جميع الأطراف باستنادىء العساكر لحرب أرناط، وتوجه بنفسه إلى بصرى، ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان.

فيتسعة جمادى الآخرة سنة 579 هـ، الموافق فيه 29 سبتمبر سنة 1183م، عبر صلاح الدين نهر الأردن لمهاجمة بيسان التي وجدها خاوية. وفي اليوم التالي، أضرمت قواته النار في البلدة، وساروا غربًا، ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك والشوبك على طول طريق نابلس وأسروا عددًا منهم. وفي تلك الأثناء، كانت قوة الصليبيين الرئيسية بقيادة غي آل لوزنيان، قرين ملكة القدس سيبيلا أخت بلدوين، قد تحركت من صفورية إلى العفولة. أوفد صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين، وسار بنفسه إلى عين جالوت. وعندما تقدمت القوات الصليبية، والتي كانت أكبر قوة جمعتها المملكة من مواردها الخاصة، ولكنها كانت لا تزال أقل من قوات المسلمين، تراجع الأيوبيون بشكل غير متسقط إلى عين جالوت. رغم وجود بضع الغارات الأيوبية، بما في ذلك الهجمات على غرسين والطيبة وجبل طابور، لم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في معركة العفولة، التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء.

ومع ذلك، أثارت المزيد من الهجمات الصليبية غضب صلاح الدين الأيوبي. فقد استمر أرناط آل شاتيون يهاجم القوافل التجارية العائدة للمسلمين وطرق الحج بأسطول في البحر الأحمر، وهوالممر المائي الذي كان من اللازم لصلاح الدين بقائه مفتوحًا. وردًا على ذلك، بنى صلاح الدين أسطولاً من 30 سفينة لمهاجمة بيروت في عام 1182م. هدد رينالد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة مكة والمدينة المنورة، وهوما رد عليه صلاح الدين بمحاصرة الكرك قلعة أرناط الحصينة مرتين، عامي 1183 و1184، فردّ رينالد بنهب قافلة حجيج عام 1185، ووفقًا لمؤرخ القرن الثالث عشر الإفرنجي وليم الصوري، فقد قبض أرناط على أخت صلاح الدين في تلك الغارة على القافلة، وهوما لم تثبته المصادر المعاصرة، سواءً الإسلامية أوالأوروبية، وذكرت بدلاً من ذلك حتى أرناط هاجم القافلة، وأن جند صلاح الدين حموا شقيقته وابنها حتى وصلوا دون أي ضرر.

بعد حتى استعصى حصن الكرك المنيع على صلاح الدين لف وجهه وجهة أخرى وعاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي الموصل التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182م، إلا حتى تحالف عز الدين مع حاكم أذربيجان ومملكة جبال، والذي أوفد جنوده عبر جبال زاغروس عام 1185م، جعل صلاح الدين يتردد في هجومه. وحينما فهم المدافعون عن الموصل، بأن تعزيزات في طريقها إليهم، ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم، وقد تزامن ذلك مع سقم صلاح الدين، لذا ففي شهر مارس من سنة 1186م، تم التوقيع على معاهدة سلام.

معركة حطين

غي آل لوزينيان، ملك بيت المقدس (1186–1192)، شهد عهده القصير معركة حطين واسترجاع المسلمين للقدس.

كان السقم قد اشتد على ملك بيت المقدس بلدوين الرابع، في سنة 1185م وما لبث حتى توفي في ذلك العام بعد حتى سمّى ابن شقيقته بلدوين الخامس خلفًا له، لكن الأخير ما لبث حتى توفي خلال سنة، فتولّت العرش والدته سيبيلا، التي ما لبثت حتى توّجت زوجها الثاني غي آل لوزينيان ملكًا، وكان الأخير قد خُطط له حتىقد يكون وصي العرش بعد بلدوين الرابع، لكن تحالفه مع أرناط وخرقهما للهدنة مع صلاح الدين ومهاجمتهما لقوافل المسلمين التجارية وقوافل الحجاج، الأمر الذي جعل صلاح الدين يُحاصر الكرك، جعلت بلدوين الرابع يعدل عن تسميته خلفًا له بعد مماته. وعندما تولّى غي عرش بيت المقدس ظهرت الانشقاقات بين الصليبيين وتوسعت، فلم يكن عدد من الأمراء راضيًا عن توليه، ومن هؤلاء ريموند الثالث "القمص" صاحب طرابلس، الذي دفعه غيظه إلى مراسلة صلاح الدين ومصادقته واتفق معه ألا يحاربه ولا يحمل عليه سيف، فنطق له: «أنني أملك طبريا أنزل عليها وأستولي عليها وأنا أهجرها لك فتقوى بها على الفرنجة وتضعف قلوبهم». فمضى صلاح الدين ونزل قريبًا من طبريا فسلمها له صاحب طرابلس، وسمع ملك الفرنجة المتوج حديثًا ما حدث، فحشد العامة في البلاد مع عساكر الساحل وسار للقاء صلاح الدين، وانضم إليه صاحب طرابلس ليتستر على عمله.

معركة حطين بين الصليبيين والمسلمين.
صلاح الدين يُعدم أرناط صاحب الكرك بيده.

في يوم السبت 25 ربيع الآخر سنة 583 هـ، الموافق فيهخمسة يوليوسنة 1187م، هبط الصليبيون قرون حطين، وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه، وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول، ولمّا حصل ووصلوا إلى المسقط كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر بدلاً من الماء فسكر منهم الكثير، وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل من الفريقين عدد من الجنود، وكان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار، فانقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة ساعات طويلة، وما حتى انقشع غبارها حتى تبيّن مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين، فقد خسروا زهرة شباب جنودهم، وقُتل الكثير من الفرسان والضبّاط المخضرمين، وسقط الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من كبار الصليبيين بالأسر. أما ريموند الثالث صاحب طرابلس، فقد تظاهر بالهجوم على المسلمين، فمر بين صفوفهم ومضى ولم يرجع كأنه أنهزم، واتجه إلى مدينة صور ومكث بها.

بعد هذا النصر جلس صلاح الدين في خيمته، وأمر بإحضار الملك غي وأخوه وأرناط، فلمّا مثلوا أمامه قدّم للملك شربة من جلاّب وثلج، فشربها وكان على أشد حال من العطش، ثم ناولها لأرناط، فنطق صلاح الدين للترجمان: «إنما ناولتك، ولم آذن لك حتى تسقيه، هذا لا عهد له عندي»، وذلك كون العادة السائدة كانت أنه لواستهلك الأسير أوأكل من مال من أسرة أمن، وكان صلاح الدين قد نذر أنه لوظفر بأرناط قتله بعد حتى اغتال من المسلمين خلقًا كثيرًا. بعد ذلك أمر صلاح الدين بإحضار بعض الطعام للملك غي، وما حتى انتهى حتى أمر بإحضار أرناط، وأوقفه بين يديه ثم نطق له: «نعم أنا أنوب عن رسول الله في الفوز لأمته»، ونادىه إلى اعتناق الإسلام، فرفض ونطق ما يتضمن الاستخفاف بالنبي محمد، فسلّ صلاح الدين سيفه ودق عنق أرناط، وأمسكه الجنود وأخرجوا جثته ورموها على باب الخيمة، ورآه الملك غي يتخبط في دمائه ويلفظ أنفاسه الأخيرة فخاف وشحب لونه معتقدًا أنه لاحق به، فاستحضره صلاح الدين وطيّب قلبه ونطق له:

أنا أحدثك حديث الأمراء، لا تخاف يا ملك فلن تموت اليوم، بل تحيا ولوبقي في قومك بقية كنت أملكك عليهم وأساعدك بمالي ورجالي طول أيام حياتك. إذا سبب ما عملته به حتى الكرك كانت طريق التجار والمسافرين فكان يعتدى على القوافل بظلم وعنف، وكان ملوك المسلمين نور الدين وغيره يطلبون الصلح معه ليخففوا ضرره على المسلمين، فكان يوافقهم مرة ولا يعتدي على التجار وألف مرة يعتدي. فلما تملّكت وحكمت البلاد أوفدت له وهاديته بمال كثير وخلع.. فحلف لرسولي أنه لن يؤذي المسلمين وسيهجر التجار بلا ضرر ويمهد لهم الطريق ولن يعتدي أي واحد من أصحابه عليهم، وبعد الصلح بثلاثة أيام عبرت قافلة قاصدة دمشق فساقها بجمالها ورجالها وأموالها ومضى بها إلى الكرك فأسر رجالها وأخذ الأموال فلما عهدت بأمر نقوضه العهد كتمت الغيظ ونذرت لله أنني متى ظفرت به أذبحه وابتر رقبته، فلا تلومني يا ملك.
صلاح الدين وغي آل لوزينيان بعد معركة حطين.

ثم استدعى خادمه وسأله حتى يحضر شراب فاتى به فأخذه بيده وشرب منه وناوله للملك فشربه ومنح له ولأصحابه خيمة وجعل عليها حراسًا لحراسته واحتفظ به، وأوفده إلى دمشق أسيرًا، يرافقه القاضي ابن أبي عصرون، حتى تنتهي الحرب وتُفتتح القدس، وأوفد معه أيضًا صليب الصلبوت، وهوالصليب الأعظم عند الصليبيين والذي قيل بأن فيه بترة من الخشبة التي صُلب عليها المسيح، وكان يُغلّف بالمضى واللآلئ والجواهر النفيسة، وكان يتقدم الجيش الصليبي على الدوام، وحملوه معهم يوم حطين، وأودع في قلعة دمشق عند وصوله.

تحرير الساحل الشامي

حصار الأيوبيين لمدينة يافا.

رأى صلاح الدين ألا يتوجه مباشرة لفتح القدس بعد فوز حطين، وإنما رأى أنه من الأسلم حتى يسير لفتح مدن الساحل ومن ثم الهجوم على القدس، فرحل طالبًا عكا وكان نزوله عليها يوم الأربعاء، وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة 583 هـ، فأخذها وأنقذ من كان بها من أسرى المسلمين، وكانوا أكثر من أربعة آلاف شخص، واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع كونها كانت المرفأ التجاري الرئيسي للصليبيين ونافذتهم على وطنهم الأم في أوروبا. ثم تفرقت الجنود الأيوبية في الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة، ففتحوا نابلس وحيفا والناصرة وقيسارية وصفورية بعد حتى خلا معظمها من الرجال إما لمصرعهم على أرض المعركة أولوقوعهم في الأسر أولهربهم عبر الجيش الأيوبي بعد حتى قل عددهم. ولمّا استقرت قواعد عكا، قسّم صلاح الدين أموالها بين أهلها، وأبقى بعض القادة الصليبيين في الأسر وأطلق سراح بعض الجنود، ثم سار يطلب قلعة تبنين، فوصلها يوم الأحد في 11 جمادى الأولى من نفس السنة، فنصب عليها المناجيق وضيّق عليها الحصار، وقاومت حاميتها مقاومة عنيفة قبل حتى تستسلم ويدخلها الجيش الأيوبي، ثم ارتحل بعد ذلك قاصدًا صيدا وتسلمها في اليوم التالي لوصوله.

وفي أثناء توجه صلاح الدين لفتح بيروت في سنة 1187م، لقيه الأمير جمال الدين حجي التنوخي في بلدة خلدة وسار معه لحصار المدينة، فضرب الاثنان عليها الحصار ودخلوها بعدسبعة أيام، وكافأ صلاح الدين الأمير التنوخي على ولائه له وثبته على إقطاعات آبائه وأجداده وزاد عليها حتى ضمت منطقة الغرب كلها، الممتدة من جنوبي بيروت حتى أعالي جبل لبنان، وكذلك عمل مع الأمراء الشهابيين في سهل البقاع، فقد كان هؤلاء يقاتلون الصليبيين طيلة فترة من الزمن انتهت باستيلائهم على حاصبيا وما حولها، فسُرّ صلاح الدين بذلك وولّى الأمير منقذ الشهابي على البلاد التي فتحها. وفي أثناء حصار صلاح الدين لبيروت، كانت فرقة عسكرية أيوبية قد استرجعت جبيل من أيدي الصليبيين، ولمّا فرغ من هذا الجانب رأى حتى قصده عسقلان أولى لأن حصارها وفتحها أيسر من حصار صور، فأتى عسقلان وتسلّم في طريقه إليها مواقع كثيرة كالرملة والداروم، وأقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالاً شديدًا حتى استسلمت حاميتها، وأقام عليها إلى حتى تسلّم أصحابه غزة وبيت جبرين والنطرون بغير قتال، إلى غير ذلك كان صلاح الدين قد استرجع أغلب ساحل الشام، ولم يصمد في وجهه غير مدينتيّ طرابلس وصور وقسمًا من إمارة أنطاكية.

فتح القدس

صلاح الدين وقد ضرب الحصار على القدس.

ظل صلاح الدين في عسقلان حتى نظم إدارتها وسلمها إلى أحد مماليكه ومسماه فهم الدين قيصر، وأعطاه ولاية عسقلان والقطاع الذي حولها ورحل منها وتوجه إلى القدس لفتحها، ووصلها يوم الخميس في 11 رجب سنة 583 هـ، الموافق فيه 20 سبتمبر سنة 1187م، من جهة عين سلوان حتىقد يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية، وصلى المسلمين على الجبل الذي حولها يوم الجمعة، وزحفوا للقتال بعد الصلاة، ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي، حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي الذين لا خبرة لديهم في القتال وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الفرنجة الكبار يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها منذ حتى غادرها الملك غي، وكان باليان هذا هوصاحب مدينة الرملة، وقاد القتال في ذلك اليوم وانضم إليه الكهنة والشمامسة، وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين، وكان خوفه الأكبر حتى يقتل المسلمين جميع مسيحيي القدس عند دخولهم كما عمل الصليبيون عندما فتحوا المدينة قبل ما يزيد عن قرن من الزمن، فحث السكان حتى يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أوفد له صلاح الدين حتى يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يعمل، وأصر على القتال واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا.

ولما رأى صلاح الدين حتى الحرب ستكون شديدة ولم يقدر على احتلال مدينة القدس، أحضر يوسف البطيط، وهورجل مسيحي أرثوذكسي مقدسي، انتقل إلى مدينة دمشق وسكن فيها وكان له فهم بأمراء مسلمين وفرنجة، وكان ممن يعهدهم صلاح الدين، وكان يعهد كذلك أبوه وعمه أسد الدين شيركوه وهم بدمشق في خدمة نور الدين زنكي قبل حتى يحكموا مصر، ولما ملك صلاح الدين مصر وحكمها، اتى إليهم ليعمل معهم فاستخدمه الملك العادل أبوبكر أخوصلاح الدين وأعطاه عطايا، وسكنًا في قصر الخليفة في قاعة باب المضى في القصر الشرقي بالقاهرة، واستخدمه صلاح الدين لمراسلة الفرنجة، وكان يعهد أحوال البلاد وأهلها كما كان يعهد كبار فرسان تلك البلاد، فطلب منه حتى يتفق مع المسيحيين الأرثوذكس من عرب وروم يوعدهم بالخير والعفوعنهم إذا لم يساعدوا الفرنجة في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من الجهة التي يسكنون بها في القدس فيُهلكوا الفرنجة، الذين رفض صلاح الدين حتى يعفي عنهم بحال فتح المدينة، حتى هدد باليان بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي قبة الصخرة والمسجد القبلي، اللذان يُشكلان المسجد الأقصى، إذا لم يعف صلاح الدين عنهم.

باليان بن بارزان صاحب الرملة ونابلس وحامي القدس، يُسلّم المدينة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
السكّان الفرنجة بين يديّ صلاح الدين بعد استرجاعه للقدس.

استشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط، على حتى يتم دفع فدية على جميع من فيها مقدارها عشرة دنانير من جميع رجل وخمسة دنانير من جميع امرأة ودينارين عن جميع صبي وكل صبية لم يبلغ سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا، صار حرًا. ثم جاز صلاح الدين بعد حتى انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية، ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًا. ولج صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583 هـ، الموافق فيه 2 أكتوبر سنة 1187م، وسمح لليهود بالعودة للمدينة، وهوما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس. وأغلق صلاح الدين كنيسة القيامة بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة، وأمر بترميم المحراب العمري القديم وحمل منبر مليح من حلب كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب بالمسجد الأقصى، وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها الصليب الذي حمله الإفرنج على قبة المسجد، وغُسلت الصخرة المقدسة بعدة أحمال ماء ورد وبُخّرت وفُرشت ورُتّب في المسجد من يقوم بوظائفه وجُعلت به مدرسة للفقهاء الشافعية، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.

وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية، وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء الرشيد أبومحمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي، الشاعر المشهور، فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح، ومما اتى في القصيدة:

هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا
هذا الفتوحُ الذي اتى الزمانُ به إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به وصفٌ وإن نظم المّدَاح أونثروا
لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ


حصار صور وعكا

حصار صور من قبل الجيش الأيوبي سنة 1187.

كان معظم أمراء الفرنجة وفرسانها يمضىون إلى المدن الحصينة التي ما زالت في أيديهم مثل أنطاكية وصور، وكانت الأخيرة يحكمها ملك من ملوك أوروبا هوكونراد مركيز مونفيراتو، ويقول البعض أنه رومي ابن اخت إمبراطور القسطنطينية. وكانت صور أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من القدس، لذا كان من المتسقط حتى يقوم صلاح الدين بفتحها أولاً، لكنه فضّل استرجاع المدينة المقدسة أولاً ليحمل من معنويات المسلمين قبل التوجه لحصار المدينة المحصنة. وقبل حصار صور توجّه صلاح الدين بجيشه إلى قلعة صفد وحاصرها سبعة شهور، ولمّا نفذ الطعام وجاعت الحامية اضطروا حتى يسلموا القلعة له وطلب الأمان، وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم مضىوا إلى صور وكانت جميع قلعة أوحصن أومدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين، كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها، فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة، أضف إلى ذلك حتى المركيز ظلّ يقوّي ويحمي ويدبر احتياجات المدينة طيلة أيام الحصار، حتى دبّ اليأس إلى فؤاد السلطان، ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة. وفي سنة 1188م أطلق صلاح الدين سراح الملك غي آل لوزينيان وأعاده إلى زوجته سيبيلا، فمضىا ليعيشا في طرابلس، ثم توجها إلى أنطاكية، قبل حتى يُقررا الذهاب إلى صور، لكن كونراد رفض السماح لهما بالدخول إلى المدينة كونه لم يعترف بشرعيّة ملكيّة غي.

حصار عكا.

وبعد حتى انصرف صلاح الدين عن صفد واصل فتح المدن والقلاع ففتح جبلة واللاذقية وحصون صهيون وبكاس والشغر وسرمينية وبرزية ودرب ساك والكرك وكوكب، كما سعى بوهمند الثالث صاحب أنطاكية لمهادنة صلاح الدين لمدة ثمانية أشهر، فقبل صلاح الدين ذلك على حتى يطلق بوهمند من عنده من أسرى المسلمين. لما ضجت صور بمن لجأ إليها من الفرنجة، قام بعض رهبانهم وقسيسيهم بشحن الفرنجة للثأر لفقدان بيت المقدس، فرأوا حتى يهاجموا عكا، فجمعوا قواتهم وضربوا عليها حصارًا بريًا بحريًا في 15 رجب 585 هـ الموافق 28 أغسطس 1189م. استنجدت حامية المدينة بصلاح الدين فأوفد إلى عماله وحلفاؤه يطالبهم بالإسراع إلى نجدة المدينة، فوافاه عسكر الموصل وآمد وسنجار وغيرها من بلاد الجزيرة وحران والرُّها، كما وافاه أخاه الملك العادل أبوبكر بن أيوب في جند مصر والأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ، فدارت بين الفريقين معارك عظيمة لم يخط فيها الغلبة لأي من الفريقين.

الحملة الصليبية الثالثة

السلطنة الأيوبية بعد استرجاع بيت المقدس وساحل الشام، وعند وصول الحملة الصليبية الثالثة.

كانت معركة حطين وفتح القدس سببين رئيسيين لخروج الحملة الصليبية الثالثة، حيث حثّ البابا غريغوري الثامن ملوك أوروبا على شن حملة صليبية جديدة لاستعادة بيت المقدس، فكان أول من لبى النداء الإمبراطور الألماني فريدريش بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس الذي سار بجيشه برًا عبر المجر ورومانيا حتى بلغ القسطنطينية، والتي كان إمبراطورها إسحق الثاني قد تحالف سرًا مع صلاح الدين، ألاّ يسمح أحدهما لأي قوّات بتهديد أراضي الآخر، إلا أنه لم يقوى على منع قوات فريدريش لكثرة عددهم، لكنه لم يسمح بتزويدهم بالمؤن. راسل فريدريش أبناء سلطان سلاجقة الروم قلج أوفدان الثاني وقد كانوا قد حجروا على أبيهم، للمرور من خلال أراضيهم، فسمحوا له، وأوفد قلج أوفدان الثاني يعتذر لصلاح الدين على عدم قدرته على منع الألمان من المرور من أراضيه، فبلغت الرسل صلاح الدين وهويحاصر عكا.

رغم ذلك، فقد فشلت حملة فريدريش في الوصول إلى الشرق، لطول المسافة وحلول الشتاء على الجيش المرتحل ومقاومة بعض أمراء المناطق التي مرت بها الحملة للجيش الغازي وقلة المؤن، خاصة بعد امتناع إسحق الثاني إمبراطور الروم عن إمدادهم بالمؤن، إضافة إلى غرق فريدريش بربروسا نفسه في أحد الأنهار بالقرب من أنطاكية، والخلافات التي تبعت وفاته على من يخلفه، وقد أثارت أنباء فشل حملة بربروسا الغبطة في المعسكر المسلم المدافع عن عكا.

"إعدام السراسنة"، رسم يُظهر الملك ريتشارد الأول "قلب الأسد" وهويُعدم السجناء المسلمين بعد استرجاعه مدينة عكا.

لم تتوقف الحملة عند ذلك، بل تصدى لتلك الحملة أيضًا ملكان من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت هما ريِتشارد الأول "قلب الأسد" ملك إنگلترا وفيليپ أغسطس ملك فرنسا، اللذان مُوِّلاها بفرض ضريبة خاصة عُرفت بعشور صلاح الدين (بالإنگليزية: Saladin tithe؛ وبالفرنسية: Dîme saladine) في إنگلترا وأجزاء من فرنسا، وانضما إلى حصار عكا، التي سقطت في عام 587 هـ، الموافق لعام 1191م، أمام القوات التي يقودها ريتشارد، وأُعدم فيها ثلاثة آلاف سجين مسلم منهم نساء وأطفال. ردّ صلاح الدين بقتل جميع الفرنجة الذين أسرهم بين 28 أغسطس وعشرة سبتمبر، وقد خط بهاء الدين بن شداد "وبينما كنا هناك أحضروا اثنين من الفرنجة الذين أُسروا إلى السلطان صلاح الدين، وعلى الفور أمر ببتر رؤوسهم." وفي 15 شعبان سنة 587 هـ، الموافق فيهسبعة سبتمبر سنة 1191م، اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الأسد في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين، إلا حتى الصليبيين لم يتمكنوا من التوغل في الداخل وبقوا على الساحل، وبقيت الحرب سجال بين الفريقين، وفشلت جميع محاولات الفرنجة لغزوالقدس.

لجأ الفريقان بعد ذلك إلى الصلح، وعقدت هدنة في 20 شعبان سنة 588 هـ، الموافق فيه 1 سبتمبر سنة 1192م، لمدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر تبدأ من ذاك التاريخ، بعد حتى أجهدت الحرب الفريقين، التي بموجبها تنحصر مملكة بيت المقدس الصليبية في شريط ساحلي ما بين يافا وصور، وتظل القدس في أيدي المسلمين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها. ومع ذلك، كانت علاقة صلاح الدين مع ريتشارد يسودها الاحترام المتبادل والشهامة بعيدًا عن التنافس العسكري، فعندما أصيب ريتشارد بالحمى، عرض صلاح الدين الأيوبي عليه خدمات طبيبه الشخصي، وأوفد إليه فاكهة مثلجة. وفي أرسوف، عندما فقد ريتشارد جواده، أوفد إليه صلاح الدين الأيوبي اثنين محله. كما عرض ريتشارد على صلاح الدين فلسطين موحدة للمسيحيين الأوروبيين والمسلمين عن طريق تزويج أخت ريتشارد الأول بأخي صلاح الدين وأن تكون القدس هدية زفافهما، على حتىقد يكون ما فتحه المسلمون تحت حكم العادل وما بيد الفرنجة تحت حكم أخت ريتشارد، إلا حتى الأمر لم يتم. إلا حتى الرجلين لم يلتقيا أبدًا وجهًا لوجه وكان التواصل بينهما بالكتابة أوبالرسل.

ولما تم الصلح سار صلاح الدين إلى بيت المقدس وحصّن أسوارها، وأدخل كنيسة صهيون داخل أسوارها، وبنى فيها مدرسة ورباطًا للخيل وبيمارستان، وغير ذلك من المصالح، وقضى بالمدينة شهر رمضان من سنة 588 هـ، ثم هجرها فيخمسة شوال متوجهًا إلى دمشق حيث قضى آخر أيامه.

وفاته

صلاح الدين على فراش الموت.
قبر صلاح الدين في دمشق.

كانت اللقاءة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، سقم صلاح الدين بالحمى الصفراوية يوم السبت في 20 فبراير سنة 1193م، الموافق فيه 16 صفر سنة 589 هـ، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً، وأخذ السقم يشتد ويزيد، حتى نطق طبيبه الخاص، حتى أجل السلطان أصبح قاب قوسين أوأدنى، واستمر السقم يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف، وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب، ولمّا كان اليوم العاشر حُقن دفعتين، وحصل له من الحقن بعض الراحة، لكنه عاد واشتد عليه السقم حتى يأس الأطباء من حاله. توفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في أربعة مارس سنة 1193م، الموافق فيه 27 صفر سنة 589 هـ، فأفجع موته المسلمين عمومًا والدمشقيين خصوصًا، وبكاه الكثيرون عند تشييعه وقيل إذا العاقل حتى كان ليُخيل له حتى الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا من شدة البكاء، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه، ودُفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق، إلى جوار الملك نور الدين زنكي، وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودينارًا واحدًا مضىًا، ولم يخلف ملكًا ولا دارًا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات.

في ساعة موته، خط القاضي الفاضل، قاضي دمشق، إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب رسالة نطق فيها: «﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾۞﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ خطت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديدًا، وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد ودعت أباك ومخدومي وداعًا لا تلاقي بعده وقبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضيًا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء، ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا يوسف لمحزونون. وأما الوصايا، فما بحاجة إليها، والأراء، فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر، فإنه إذا سقط اتفاق، فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته، وهوالهول العظيم والسلام».

مقام صلاح الدين.

وكان ڤيلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهور جنائزية على قبره عليها نقش معناه "ملك بلا خوف ولا ملامة، علّم خصومه الفروسية الحقيقية"، كما أهدى نعشًا رخاميًا للضريح إلا حتى جثمان صلاح الدين لم يُنقل إليه، وبقي في النعش الخشبي، وذلك لأن الإسلام يُحّرم نبش القبور وإخراج الأموات لأغراض غير شرعيّة ويُصنّف ذلك انتهاكًا لحرمة القبر، لهذا بقي النعش الهدية في الضريح خاويًا إلى اليوم.

الدولة الأيوبيّة بعد صلاح الدين

قسّم صلاح الدين دولته قبل وفاته بين أولاده وأفراد من عائلته، فجعل إمارة دمشق لابنه الأفضل نور الدين علي، وهوأكبر أولاده، وأوصى له بالسلطنة، وجعل الديار المصرية لولده العزيز عثمان، وإمارة حلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، وهجر الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدانًا كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة وغيرها لحفيد عمه شيركوه، أسد الدين شيركوه بن ناصر، واليمن بمعاقله ومخاليفه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي صلاح الدين. ولم يلبث الخلاف حتى دبّ بين أولاد صلاح الدين، مما جعل عمهم العادل يعزلهم ويقوم بتوحيد البيت الأيوبي تحت رايته. وكما عمل صلاح الدين من قبل، عمل أخوه الملك العادل، فقسّم أراضي دولته بين أبنائه وهوعلى قيد الحياة، ولكن هؤلاء الإخوة لمقد يكونوا على وفاق بعد وفاة أبيهم، فكانوا يُحاربون بعضهم بعضًا، بالرغم من حتى الصليبيين كانوا يفيدون من هذا الخلاف، وبعدهم اتى أولادهم، فلمقد يكونوا خيرًا من آبائهم في صلاتهم فيما بينهم وبين أبناء عمهم، ولكن واحدًا منهم استطاع حتى يلمع في ظلام هذا الخلاف، ذلك هو"الصالح أيوب"، حفيد الملك العادل، الذي أعاد توحيد دولة صلاح الدين تحت سلطانه. ولمّا توفي الصالح أيوب تولّى ابنه توران شاه السلطنة، لكن مماليكه ائتمروا به وقتلوه، ثمّ نصبوا زوجة أبيه "شجرة الدر" سلطانة عليهم، وبهذا زالت الدولة الأيوبيّة في مصر وقامت مكانها دولة المماليك.

أسرته

وفقًا لعماد الدين الأصفهاني، فقد أنجب صلاح الدين الأيوبي خمسة أبناء قبل مغادرته مصر في عام 1174م. ابنه الأكبر الأفضل وُلد في عام 1170م وأنجبت له زوجته شمسة التي اصطحبها معه إلى الشام ولده عثمان، وُلد في عام 1172م في مصر، ثم أنجبت طفلاً آخر في عام 1177م. بينما ذكر أبوالعباس القلقشندي، حتى ولده الثاني عشر وُلد في مايوسنة 1178م، بينما ذكر الأصفهاني، حتى هذا الطفل كان ابن صلاح الدين السابع. كما وُلد له مسعود في عام 1175م ويعقوب في عام 1176م، وهذا الأخير من زوجته شمسة. تزوج صلاح الدين من أرملة نور الدين زنكي عصمة الدين خاتون في سبتمبر سنة 1176م، وأنجبت له إحدى زوجاته غازي وداود في عامي 1173م و1178م على التوالي، وأنجبت له أخرى إسحق في عام 1174م وولدًا آخر في شهر يوليومن سنة 1182م.

صلاح الدين في التراث

في الوعي العربي

عُقاب صلاح الدين الذي اكتشف في قلعة القاهرة، والذي اقتُبس ليُصبح شعارًا لعدة دول عربية وإسلامية.

بالرغم من حتى الدولة التي أسسها صلاح الدين لم تدم طويلاً من بعده إلا حتى صلاح الدين يُعَدُّ في الوعي العربي الإسلامي محرر القدس، ومع تصاعد مشاعر القومية العربية في القرن العشرين، ولا سيما في وجود الصراع العربي الإسرائيلي، اكتسبت بطولة صلاح الدين وقيادته أهمية جديدة، فقد كان في تحريره للقدس من الصليبيين مصدر إلهام لمعارضة العرب في العصر الحديث للصهيونية. كما استُلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلِّفَت عشرات الخط عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية. لا يزال صلاح الدين يضرب به المثل كقائد مسلم مثالي قابل أعداءه بحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة.

علاوة على ذلك، كان يُنظر إلى وحدة العالم العربي تحت راية صلاح الدين رمزًا مثاليًا للوحدة الجديدة التي سعى إليها القوميون العرب، بقيادة جمال عبد الناصر. لهذا السبب، أصبح عقاب صلاح الدين رمزًا لدولة ما بعد الملكية في مصر، واعتمد لاحقًا كشعار لعدد من الدول العربية الأخرى مثل العراق وفلسطين واليمن وسوريا. بل إذا هناك محافظة في العراق سُمّيت على اسمه، إضافة إلى جامعة صلاح الدين في أربيل أكبر مدن كردستان العراق.

يوجد عدد قليل من المباني منذ عهد صلاح الدين ما زالت باقية في المدن الحديثة. فقد كان صلاح الدين الأيوبي أول من حصّن قلعة القاهرة (1175-1183) مدخلا ذلك الطراز المعماري العسكري إلى مصر الذي لم تعهد قبله سوى القصبات الشمال أفريقية، ونموذج آخر عليه وإن كان أصغر قلعة الجندي في سيناء، والتي تشرف على طريق القوافل الذي يربط مصر بالشرق الأدنى. في تلك القلعة، عثر فريق آثار فرنسي عام 1909م، على عدد من الغرف المقببة الكبيرة المنحوتة في الصخر، بها بقايا متاجر وصهاريج مياه.

كذلك يُطلق بعض المسلمين على أولادهم الذكور اسم "صلاح الدين" تيمنًا بهذا القائد، على الرغم من حتى هذا الاسم كان لقبًا للسلطان الأيوبي خُلع عليه بعد إسقاطه الدولة الفاطمية وقتاله الصليبيين.

في الوعي الأوروبي

بالرغم من كون صلاح الدين خصمًا للأوروبيين، فإنه ظل في الوعي الأوروبي نموذجًا للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوروبي، حتى أنه توجد ملحمة شعبية شعرية من القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية. عملى الرغم من المذبحة التي قام بها الصليبيون عندما احتلوا القدس في عام 1099م، فقد عفا صلاح الدين وسمح للمسيحيين الغربيين بالمغادرة مع بقايا الجيش المسيحي المنهزم، طالما أنهم كانوا قادرين على دفع الفدية التي فرضها عليهم. كما عومل الأرثوذكس (ومنهم مسيحيون عرب) معاملة أفضل لأنهم عادة ما كانوا يعارضون الغزوالأوروبي الصليبي.

بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القادة المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصًا ريتشارد قلب الأسد، الذي يُروى أنه نطق عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي؛ كما يُروى حتى صلاح الدين ردَّ بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من ريتشارد. وبعد معاهدة الرملة، تبادل صلاح الدين وريتشارد الهدايا كرمز للاحترام المتبادل، ولكنهما لم يلتقيا قط وجهًا لوجه.

رسم أوروبي من القرن الثالث عشر يُظهر ريتشارد الأول "قلب الأسد" وصلاح الدين في مبارزة.

نطق عنه المؤرخون الأوروبيون أنه "من الحق حتى كرمه وورعه وبعده عن التعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخينا القدماء؛ هي ما أكسبه احترامًا في سوريا الإفرنجية لا يقل عن الذي له في أرض الإسلام."

وعلى النقيض، ووفقًا لبعض المصادر، فخلال الحرب العالمية الأولى، أعرب القائد البريطاني إدموند ألنبي بفخر حتى "اليوم انتهت الحروب الصليبية" رافعًا سيفه نحوتمثال لصلاح الدين الأيوبي بعد الاستيلاء على دمشق، وهي العبارة التي لازمت ألنبي طوال حياته، وهوما احتج عليه بشدة ضد من يصفون غزوه لفلسطين عام 1917م بالحملة الصليبية. وفي عام 1933م، ذكر ألنبي حتى أهمية القدس تكمن في أهميتها الاستراتيجية، ولم يكن هناك دوافع دينية لتلك الحملة. كما احتفلت الصحافة البريطانية أيضًا باحتلال الشام برسم هزلي لريتشارد قلب الأسد وهوينظر إلى القدس وخط تحتها تعبير "أخيرًا، تحقق حلمي". وبعد حتى ولج الفريق أول الفرنسي هنري غوروالمدينة في شهر يوليومن عام 1920م، ركل قبر صلاح الدين الأيوبي وهويصيح "استيقظ يا صلاح الدين، قد عدنا تواجدي هنا يكرس فوز الصليب على الهلال".

مما يُروى عنه

ذكر بهاء الدين الأصفهاني، أنه في شهر أبريل من سنة 1191م، كانت امرأة من الفرنجة قد سرق منها طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث شهور، وبيع في السوق، فنصحها الفرنجة بالتظلم لصلاح الدين الأيوبي نفسه، فأمر صلاح الدين باستعادة الطفل من ماله الخاص لأمه، وأعادها إلى مخيمها.

صلاح الدين في الإعلام والأدب

الإعلام

غسان مسعود بدور صلاح الدين في فيلم مملكة السماء.

ظهرت شخصية صلاح الدين في عدد من الأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونية، وفي أغلب الأحيان أدّى الأدوار ممثلون عرب من سوريا أومصر، أما أبرز الأعمال الفنية المرئية التي تناولت شخصية صلاح الدين: الناصر صلاح الدين، وهوفيلم يعود لسنة 1963م من إخراج يوسف شاهين، وبطولة الممثل المصري أحمد مظهر، الذي أدّى دور صلاح الدين، ومسلسل صلاح الدين الأيوبي من بطولة الممثل السوري جمال سليمان. أما أبرز الأعمال الفنية السينمائية التي تناولت شخصية صلاح الدين، فكان فيلم مملكة السماء (بالإنگليزية: Kingdom of Heaven) للمخرج البريطاني السير ريدلي سكوت، وفيه أدّى الممثل السوري غسان مسعود دور صلاح الدين، وقد استُقبل هذا الفيلم بالترحيب في العالمين العربي والإسلامي، ونطق رواد دور السينما إنه يقدم شيءًا مختلفًا عن الصورة النمطية للعرب والمسلمين في أفلام هوليوود بوصفهم إرهابيين، كذلك أُثني على أداء غسان مسعود لدور القائد التاريخي، وعلى نص وإخراج ريدلي سكوت، الذي صوّر صلاح الدين بأمانة شديدة وأظهر جوانب الفروسية في شخصه، والاحترام المتبادل بينه وبين بلدوين الرابع ملك بيت المقدس، وقد نطق بعض النقّاد حتى غسان مسعود كان سيهجر انطباعًا أفضل إذا ما أعطاه سكوت مساحة أكبر "فقد رأينا لمحات من بطولته، وذلك لا يلبي جميع الطموحات، ولكن لا نستطيع حتى نطلب من ريدلي سكوت حتى يقدم جميع شيء، حسبه إنه قدم صورة بها قدر من التوازن".

الأدب

أثارت رواية طارق علي "كتاب صلاح الدين الأيوبي"، الاهتمام بصلاح الدين والعالم الذي عاش فيه. كما حتى الشاعر دانتي أليغييري مؤلف الكوميديا الإلهية قد وضعه في المطهر مع عدد من الشخصيات التي عدها كافرة - وفق معتقده المسيحي الكاثوليكي - لكنها في نظره شخصيات صالحة وسامية أخلاقيًا (وضع دانتي الرسول محمد في المطهر كذلك). كما حتى صلاح الدين يُصوَّر بشكل مقبول في رواية والتر سكوت "التعويذة" (بالإنگليزية: The Talisman) المكتوبة سنة 1825م.

انظر أيضا

  • العقيدة الصلاحية
  • شارع صلاح الدين (القدس)

المراجع

  1. ^ المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، بيروت. الدولة الفاطمية، صفحة: 36
  2. ^ وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان/ابن خلكان/الجزء السابع صفحة 152/دار صادر بيروت 1994
  3. ^ SALADIN Rassembleur De l' Islam GENEVIEVE CHAUVEL Edité par PYGMALION, PARIS, 1991
  4. ^ SIBERRY E. (1995), “Images of the Crusades in the Nineteenth and Twentieth Centuries”, in RILEY-SMITH J. (ed.), The Oxford Illustrated History of the Crusades, Oxford University Press, Oxford, p. 366
  5. ^ (68) LYONS M. C. and JACKSON D. E. P. (1995), Saladin: The Politics of the Holy War, Cambridge University Press, Cambridge
  6. ^ الجزري، شمس الدين ،تاريخ الجزري، مصورة د.محمد عبد الحي محمد شعبان، جامعة إكسترا، تحت رقم 4128.
  7. ^ Moors' Islamic Cultural Home souvenir III, 1970–1976 Islamic Cultural Home, 1978, p. 7.
  8. ^ نظر سياسة صلاح الدين الأيوبي في بلاد الشام والجزيرة –رسالة دكتوراة- جامعة بغداد. د.عبد القادر نوري- بغداد 1976 –مطبعة الإرشاد –صفحة 438 وتواليها.
  9. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، حوادث عام 564 هجري
  10. يا بيروت: رجال خالدون، صلاح الدين الأيوبي[وصلة مكسورة]نسخة محفوظةسبعة أبريل 2020 على مسقط واي باك مشين.
  11. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، صلاح الدين الأيوبي، مخطة النهضة المصرية، القاهرة، 1977، ص 66. وجمال الدين الشيال، تحقيق كتاب مفرج الكروب لابن واصل، ج1، ص 6، حاشية 5.
  12. مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، جمال الدين محمد بن سالم بن واصل المتوفى سنة 697 هـ، ذكر نسب بني أيوب
  13. ^ طبعة دار الكتاب الجديد، بيروت، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد.
  14. ^ خاشع المعاضيدي (دكتور) ود. سوادي عبد محمد ودريد عبد القادر نوري: الوطن العربي والغزوالصليبي: ص 157 مطابع جامعة الموصل 1981 م. ISBN 977-368-088-6
  15. Lyons & Jackson 1982، صفحة 3
  16. ^ "Who2 Biography: Saladin, Sultan / Military Leader". Answers.com. مؤرشف من الأصل في 27 أغسطس 2017. اطلع عليه بتاريخ 20 أغسطس 2008.
  17. ^ المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، بيروت. الأيوبيون، صفحة: 91
  18. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 6–7
  19. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء التاسع. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 468.
  20. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 8
  21. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء التاسع، أحداث 559 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 469.
  22. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 559 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 371.
  23. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 562 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 4-5.
  24. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 14
  25. ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 432. صفحة 570.
  26. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 16
  27. ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 433. صفحة 570.
  28. ^ Peter W. Edbury and John Gordon (1991). william of tyre،XIX،page903.
  29. ^ ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 435. صفحة 570.
  30. ^ "تاريخ ابن خلدون الجزء الثالث Sheet". مؤرشف من الأصل في 02 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 08 أغسطس 2010.
  31. ^ ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 433. صفحة 570.
  32. ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 436. صفحة 570.
  33. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 564 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 11-19.
  34. ^ سيرة الإسلام: صلاح الدين الأيوبي.. الناصر لدين الله؛ صلاح الدين الأيوبي. الأصل والنشأة. تاريخ التحرير: الإثنين، 13 كانون الأول/ديسمبر 2010 نسخة محفوظةسبعة أبريل 2020 على مسقط واي باك مشين.
  35. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 25
  36. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 28
  37. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 28–29
  38. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 34, 36
  39. ^ Peter W. Edbury and John Gordon (1991). william of tyre،XIX،page960.
  40. ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 442. صفحة 570.
  41. ^ ابن الأثير (2003). الكامل في التاريخ ج 11 صفحة 568. صفحة 504.
  42. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 565 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 23.
  43. ^ شهاب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي (1991). عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية. صفحة 302.
  44. ^ الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير ج16 (1968). البداية والنهاية. صفحة 440.
  45. ^ ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 443. صفحة 570.
  46. Lyons & Jackson 1982، صفحة 43
  47. ^ Pringle, 1993, p.208.
  48. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 566 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 32-33.
  49. ^ ستيفين رونسيمان (1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 445. صفحة 570.
  50. المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، بيروت. الأيوبيون، صفحة: 92-94
  51. الدولة الزنكية للصلابي، نقلا من: القاضي الفاضل ص137
  52. ^ الدولة الزنكية للصلابي، نقلا من: صلاح الدين الأيوبي لقلعجي ص 161
  53. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 41
  54. ^ الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والصليبي. د علي الصلابي. صفحة594
  55. ^ شهاب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي (1991). عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية. صفحة 343.
  56. ^ ابن الأثير (2003). الكامل في التاريخ الجزء الحادي عشر صفحة 279. صفحة 504.
  57. ^ شهاب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي (1991). عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية. صفحة 424.
  58. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 568 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 46-51.
  59. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 60–62
  60. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 64
  61. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 569 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 397-399.
  62. ^ تيسير بن موسى. نظرة عربية على غزوات الإفرنج من بداية الحروب الصليبية حتى وفاة نور الدين ص 151. صفحة 173.
  63. Lyons & Jackson 1982، صفحات 73–74
  64. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 74–75
  65. Lane-Poole 1906، صفحة 136
  66. ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 570 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 411-415.
  67. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 81
  68. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 13
  69. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 137
  70. Lyons & Jackson 1982، صفحة 87
  71. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 138
  72. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 139
  73. Lyons & Jackson 1982، صفحات 88–89
  74. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 140
  75. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 141
  76. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 141–142
  77. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 143
  78. ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 571 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 415-418.
  79. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 144
  80. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 571 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 76-82.
  81. Lane-Poole 1906، صفحات 144–146
  82. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 148
  83. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 572 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 419.
  84. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 572 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 83-86.
  85. Lane-Poole 1906، صفحات 149–150
  86. Lane-Poole 1906، صفحة 151
  87. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 573 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 421-423.
  88. Lane-Poole 1906، صفحة 153
  89. ^ إسلام ويب، صلاح الدين الأيوبي... قاهر الصليبيين:"صلاح الدين".. من نادىة الحضارة والإصلاح[وصلة مكسورة]نسخة محفوظة 17 فبراير 2014 على مسقط واي باك مشين.
  90. ^ ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونين، تاريخ البطاركة مخطوط سيره الآباء البطاركة – أعدّه الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها، طباعة النعام للطباعة والتوريدات، رقم الإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الثاني ص 56
  91. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 154
  92. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 573 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 87-92.
  93. Lane-Poole 1906، صفحة 155
  94. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 574 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 93-96.
  95. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 136
  96. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 574 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 423-426.
  97. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 157–159
  98. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 575 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 97-101.
  99. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 160–161
  100. Lyons & Jackson 1982، صفحة 148
  101. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 156
  102. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 577 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 433-435.
  103. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 577 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 107-111.
  104. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 158–159
  105. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 576 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 102-106.
  106. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 149
  107. ^ "ذكر وفاة الملك الصالح إسماعيل بن الملك نور الدين صاحب حلب وما جرى بعده من الأمور - البداية والنهاية". مؤرشف من الأصل في 03 نوفمبر 2011. اطلع عليه بتاريخ 17 مارس 2011.
  108. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 164–165
  109. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 167
  110. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 578 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 112-121.
  111. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 168–169
  112. Lane-Poole 1906، صفحات 169–170
  113. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 164
  114. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 176
  115. Lyons & Jackson 1982، صفحة 177
  116. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 195
  117. ^ Lane-Poole 1906، صفحات 172–173
  118. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 579 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 122-128.
  119. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 198–199
  120. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 199
  121. Lyons & Jackson 1982، صفحة 201
  122. Lyons & Jackson 1982، صفحات 202–203
  123. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 178
  124. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 179
  125. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 180–181
  126. ^ Lane-Poole 1906، صفحة 171
  127. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 184
  128. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 186
  129. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 187
  130. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 188
  131. ^ "أحداث 579 هـ - البداية والنهاية". إسلام ويب. مؤرشف من الأصل في 03 نوفمبر 2011. اطلع عليه بتاريخ 17 مارس 2011.
  132. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 191
  133. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحات 192–194
  134. الموسوعة العربية: الأيوبيون (570 ـ 658 هـ/1175 ـ 1259 م)، صلاح الدين والصليبيون نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  135. ^ Old French Continuation of William of Tyre
  136. ^ Bosworth, 1989, p. 781
  137. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 582 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 142-145.
  138. ^ M. W. Baldwin, Raymond III of Tripolis and the Fall of Jerusalem (1140–1187). Princeton University Press, 1936.
  139. Saladin Or What Befell Sultan Yusuf by Beha Ed-din, Baha' Al-Din Yusuf Ib Ibn Shaddad, Kessinger Publishing, 2004, p.42, p.114
  140. ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 583 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 445-454.
  141. ^ Saladin Or What Befell Sultan Yusuf by Beha Ed-din, Baha' Al-Din Yusuf Ib Ibn Shaddad, Kessinger Publishing, 2004, p.115.
  142. ^ ابن كثير، البداية والنهاية، الجزء 12 السنة 583 هـ، ص: 12/394
  143. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 583 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 146-169.
  144. المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، بيروت. الأيوبيون، صفحة: 80
  145. ^ Foundation for Medieval Genealogy on Balian de Ibelin, Lord of Nablus نسخة محفوظة 05 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  146. ^ "ذكر فتح بيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة". إسلام ويب - المخطة الإسلامية. مؤرشف من الأصل في 03 نوفمبر 2011. اطلع عليه بتاريخ 20 مارس 2011.
  147. ^ Runciman (1990), p 465.
  148. ^ . Brill. 1993. ISBN . مؤرشف من "Kingdom+of+Heaven"+destroy+temple+mount&sig=lu0RI7bOVMyPYmxqHXVUiaWTkkw الأصل في 15 أبريل 2016.
  149. ^ The era of the Second and Third Crusades » The Crusader states to 1187, Encyclopædia Britannica نسخة محفوظة 07 يونيو2015 على مسقط واي باك مشين.
  150. ^ Scharfstein and Gelabert, 1997, p. 145.
  151. ^ Rossoff, 2001, p. 6.
  152. ^ ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 584 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 170-183.
  153. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 585 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 184-194.
  154. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 586 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 195-205.
  155. ^ Richard The Lionheart Massacres The Saracens, 1191, Beha-ed-Din, his account appears in Archer, T.A., The Crusade of Richard I (1889); Gillingham, John, The Life and Times of Richard I (1973). نسخة محفوظة 28 يونيو2017 على مسقط واي باك مشين.
  156. ^ ابن كثير (2008). البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 587 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 466-472.
  157. ^ Bahā' al-Dīn (2002) pp 169–170
  158. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 587 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 206-217.
  159. ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 588 هـ. القاهرة: دار التوفيقية للطباعة. صفحات ص 218-228.
  160. إسلام ويب: الناصر صلاح الدين الأيوبي نسخة محفوظة 03 نوفمبر 2011 على مسقط واي باك مشين.
  161. ^ Bahā' al-Dīn (2002) pp 25 & 244.
  162. Grousset (1970)
  163. ^ المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، بيروت. ضعف الدولة الأيوبية، صفحة: 95
  164. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 135
  165. ^ FOTW Flags Of The World website, Misr - The Arab Republic of Egypt, Jumhuriyah Misr al-'Arabiyah نسخة محفوظة 27 سبتمبر 2013 على مسقط واي باك مشين.
  166. ^ Schreurs, J. (2001). "Saladin". مؤرشف من الأصل في 29 أكتوبر 2008. اطلع عليه بتاريخ 17 مارس 2007.
  167. ^ Lyons & Jackson 1982، صفحة 357
  168. ^ Jonathan Phillips, Holy Warriors: a modern History of the Crusades (London,2009),pp.327–331.
  169. ^ "Bundan iyisi Şam'da kayısı / Gezi – Tatil / Milliyet Blog". Blog.milliyet.com.tr. مؤرشف من الأصل في 18 سبتمبر 2017. اطلع عليه بتاريخ November 3, 2010.
  170. ^ "World Policy Journal – Winter 2006 | World Policy Institute". Worldpolicy.org. مؤرشف من الأصل في 12 أبريل 2017. اطلع عليه بتاريخ November 3, 2010.
  171. ^ Bahā' al-Dīn (2002), pp. 147–148.; Lyons & Jackson 1982، صفحات 325–326
  172. ^ موجز، المختصر المفيد: "مملكة الجنة" فيلم عن الحروب الصليبية يلقى ترحيبًا في العالم العربي؛ تاريخ التحرير: الثلاثاء،عشرة مايو2005 - 16:34 نسخة محفوظة 26 يناير 2012 على مسقط واي باك مشين.
  173. ^ (London: Verso, 1998)

المصادر

مصادر أولية

  • بهاء الدين بن شداد (2002). النوادر السلطانية والمحاسن اليوسيفية. Ashgate. ISBN .
  • العماد الأصفهاني (1888). C. Landberg (المحرر). الفتح القسي في الفتح القدسي. Brill.
  • ابن الأثير (2008). الكامل في التاريخ. دار التوفيقية للطباعة.
  • ابن كثير (2008). البداية والنهاية. دار التوفيقية للطباعة.

مصادر ثانوية

  • Bosworth, Clifford (1989). Van Donzel, E.; Heinrichs, W. P.; Pellat, Ch. (المحررون). . VI. E. J. Brill. ISBN . مؤرشف من "Salah+al-Din"+pahlavan+OR+pahlawan&source=web&ots=vLzdvFPf4b&sig=_3D6G6BCDM3V6Sg4siHpW_8SuG0&hl=en#v=onepage&q="Salah%20al-Din"%20pahlavan%20OR%20pahlawan&f=false الأصل في 11 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 18 مايو2008.
  • Gabrieli, Francesco (1984). Arab historians of the crusades. London: Routledge & Kegan. صفحة 362. ISBN .
  • Gillingham, John (1999). Richard I. New Haven: Yale University Press. صفحة 378. ISBN .
  • Grousset, René (1970). The epic of the Crusades. tr. Lindsay, Noël. New York: Orion Press.
  • Lane-Poole, Stanley (1906). . London: G. P. Putnam's Son. مؤرشف من الأصل في 29 سبتمبر 2019.
  • Lyons, M. C.; Jackson, D.E.P. (1982). . Cambridge University Press. ISBN . مؤرشف من الأصل في 29 سبتمبر 2019.
  • Minorsky, Vladimir (1953). Studies in Caucasian history. London: Cambridge University Press.
  • Rossoff, Dovid (2001). Linas, Eli (المحرر). Where heaven touches earth : Jewish life in Jerusalem from medieval times to the present. Jerusalem: Guardian. ISBN .
  • Runciman, Steven (1990). A History of the Crusades: The Kingdom of Jerusalem and the Frankish East 1100–1187. 2 (الطبعة 2nd ed.). London: Penguin. ISBN . صيانة CS1: نص إضافي (link)

وصلات خارجية

  • أشرف صالح، المصاهرة السياسية بين التاجين الأيوبي والإنگليزي.
  • أشرف صالح، الشخصية الرومانتيكية في عصر الحروب الصليبية: صلاح الدين الأيوبي.
  • الدبلوماسية الأيوبية الصليبة (1191-1192).
  • جولة افتراضية ثلاثية الأبعاد في قبر صلاح الدين الأيوبي.
  • نشيد "صلاح الدين يا أملاً" على يوتيوب.
ألقاب ملكية
سبقه
أبومحمد عبد الله العاضد لدين الله
الخليفة الفاطمي
سلطان مصر

1171–1193

تبعه
العزيز عثمان
سبقه
الصالح إسماعيل بن نور الدين زنكي
أمير دمشق

1174–1186

تبعه
الأفضل بن صلاح الدين


تاريخ النشر: 2020-06-02 01:12:17
التصنيفات: صلاح الدين الأيوبي, أشاعرة, أشخاص من تكريت, أفراد عسكريون أكراد, أكراد مسلمون سنة, أيوبيو دمشق, تاريخ الموصل, تاريخ فلسطين, حكام اليمن, سلاطين أيوبيون, سلاطين أيوبيين في مصر, قادة عسكريون مسلمون, قادة مسلمون في العصور الوسطى, مجددون, مسلمون أكراد, مسلمون عاصروا الحملة الصليبية الثالثة, مسلمون عاصروا الحملة الصليبية الثانية, مسلمون في القرن 12, مواليد 1138, مواليد 532 هـ, مواليد عقد 1130, مواليد في تكريت, وزراء فاطميون, وفيات 1193, وفيات 589 هـ, وفيات بأمراض معدية في سوريا, وفيات في دمشق, جميع المقالات ذات الوصلات الخارجية المكسورة, مقالات ذات وصلات خارجية مكسورة منذ مايو 2019, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات ذات وصلات خارجية مكسورة منذ يوليو 2017, الصفحات التي تستخدم وصلات ISBN السحرية, Pages using deprecated image syntax, صفحات تتجاهل قيم ويكي بيانات, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P509, صفحات تستخدم خاصية P26, صفحات تستخدم خاصية P40, صفحات تستخدم خاصية P22, صفحات تستخدم خاصية P25, صفحات تستخدم خاصية P3373, صفحات تستخدم خاصية P1412, صفحات تستخدم خاصية P607, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, جميع المقالات التي بها عبارات بحاجة لمصادر, مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر منذ أغسطس 2018, مقالات أعلام ذات عبارات بحاجة لمصادر, صيانة CS1: نص إضافي, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P1309, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, الصفحات التي لا تقبل ربط البوابات المعادل, بوابة العراق/مقالات متعلقة, بوابة الموصل/مقالات متعلقة, بوابة الشرق الأوسط/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ الإسلامي/مقالات متعلقة, بوابة مصر/مقالات متعلقة, بوابة الحرب/مقالات متعلقة, بوابة سوريا/مقالات متعلقة, بوابة كردستان/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة علوم عسكرية/مقالات متعلقة, بوابة تاريخ الشرق الأوسط/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات بها شريط بوابات بأكثر من 10 بوابات, مقالات مختارة, صفحات مختارة بدون رقم النسخة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد نجاح “الخاتم”.. هاجر عدنان تصدر “مول الجابادور” - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

«موسم جدة».. تجارب عالمية وثقافات متنوعة لجذب الزوار

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

بلاغ صحفي حول الملتقى الوطني الثالث للثقافة و الفكر - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

أفضل المخترعات.. «ريناد الحسين» تساعد الصم على قيادة السيارات

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:38
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

«الأراضي البيضاء» يعلن تطبيق تسجيل الأراضي في الدمام قريباً

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:43
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

202 إصابة جديدة بـ"كورونا" في المغرب خلال 24 ساعة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:25:07
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

تعليم المملكة يحقق 13 جائزة عالمية في معرض «آيتكس 2022»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:39
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

إصابات جدري القرود تسجل 200 حالة في 20 دولة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:45
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

سكيكدة: سجن أشقاء اختطفوا شابا بالسبت

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:08
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

سكيكدة: موظف ببنك الحروش يختلس 120مليونا

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-27 18:24:12
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية