المزاح لغة هوالدُّعابة، وهونقيضُ الجِدِّ من مزَح يمزَح مَزحًا ومِزاحًا ومُزاحًا ومُزاحة وقد مازحه ممازحة ومِزاحًاوالاسم المزاح والمزاحة

واصطلاحًا المبَاسطة إلى الغير على جهة التَّلطُّف والاستعطاف، دون أذيَّة .

التفريق بين المزاح وغيره من السمات

الفرق بين المزاح والاستهزاء

أنَّ المزاح لا يقتضي تحقير من يمازِحه ولا اعتقاد ذلك فالتَّابع يُمَازِح المتبوع من الرُّؤساء والملوك ولا يقتضي ذلك تحقيرهم ولا اعتقاد تحقيرهم ولكن يقتضي الاستئناس بهم والاستهزاء يقتضي تحقير المسْتَهْزَأ به واعتقاد تحقيره .

المزاح ينطق أنه الإيهام للشَّيء في الظَّاهر وهوعلى خلافه في الباطن من غير اغترارٍ للإيقاع في مكروه. والاستهزاء الإيهام لما يجب في الظَّاهر والأمر على خلافه في الباطن على جهة الاغترار .

الفرق بين المزاح والمدَاعَبة

المدَاعَبة: ما لا يُغْضِب جِدُّه، والمزَاح: ما يُغْضِب جِدُّه .

الفرق بين المزَاح والمجُون

أنَّ المجُون هوصلابة الوجه وقلَّة الحياء، من قولك: مَجَن الشَّيء يَمْجُن مُجُونًا إذا صَلُبَ وغَلُظَ، ومنه سُمِّيت الخشبة التي يَدقُّ عليها القَصَّار الثَّوب (مِيجَنة) والمجُون حدثة مُولَّدة لم تعهدها العرب وإنَّما تعهد أصلها .

الفرق بين المزَاح والهَزْل

أنَّ الهَزْل يقتضي تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه والمزَاح لا يقتضي ذلك فالملِك يُمَازِح خدمه وإن لم يتواضع لهم تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه والنَّبي يُمَازِح ولا يجوز حتى يُنطق يهْزِل. وينطق لمن يسخر: يهْزِل، ولا ينطق: يمزح .

المزاح في السنة والسيرة النبوية

يقول نطق أنس بن مالك :

كان النبيُّ أحسنَ الناسِ خُلُقًا وكان لي أخٌ يُنطقُ له أبوعُمَيرٍ -نطق: أحسِبُه- فَطيم وكان إذا اتى نطق (يا أبا عُمَيرٍ، ما فعَل النُّغَيرُ،يا ترى؟ نُغَرٌ كان يَلعَبُ به .

نطق ابن حجر وهويعدِّد فوائد الحديث (وفيه جواز الممَازَحة وتكرير المزْح، وأنَّها إباحة سنَّة لا رخصة، وأنَّ مُمَازَحة الصَّبي الذي -لم يميِّز- جائزة وتكرير زيارة الممْزُوح معه، وفيه هجر التَّكبُّر والتَّرفُّع، والفرق بين كون الكبير في الطَّريق فيتَوَاقَر أوفي البيت فيَمْزَح) .

يقول عن ابن عمر نطق: نطق رسول الله :

إنِّي لأمزح، ولا أقول إلَّا حقًّا.

نطق المناوي في شرح الحديث: ("إنِّي لأمزح". أي: بالقول، وكذا بالعمل، وتخصيصه بالأوَّل ليس عليه مُعَوَّل. "ولا أقول إلَّا حقًّا". لعصمتي عن الزَّلل في القول والعمل، وذلك كقوله لامرأة... ((لا يدخل الجنَّة عجوز))، وقوله لأخرى: ((لأحملنَّك على ولد النَّاقة)). وقيل لابن عيينة: المزَاح سُبَّة. فنطق: بل سُنَّة، ولكن مَن يُحْسِنه. وإنَّما كان يمزح لأنَّ النَّاس مأمورون بالتَّأسِّي به، والاقتداء بهديه، فلوهجر اللَّطافة والبشاشة، ولزم العُبُوس والقُطُوب، لأخذ النَّاس مِن أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشَّفَقة والعناء، فمَزح ليمزحوا).

نطق الطحاوي: (ففي هذا الحديث، ذكر ما عمله الرَّجل المذكور فيه، مِن أَخْذ كِنَانة صاحبه -ليرْتَاع بفقدها- على أنَّ ذلك عنده مباحٌ له، فنطق له رسول الله  عند ذلك: ((لا يحلُّ لمسلم حتى يروِّع مسلمًا))، فكان قوله ذلك له -بعد عمله ما عمله- ممَّا هومن جنس ما كان عمله نُعَيْمان بسويبط، وما كان عمله عبد الله بن حذافة -في حديث علقمة المدلجي- بأصحابه ليضحكوا من ذلك، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ليلى لفاعل ما ذُكر عمله إيَّاه فيه: ((لا يحلُّ لمسلم حتى يروِّع مسلمًا)). فكان ذلك تحريمًا منه لمثل ذلك، ونسخًا لما كان قد تقدَّمه، ممَّا ذكرناه في هذا الباب، ممَّا تعلَّق به من تعلَّق ممَّن يمضى إلى إباحة مثله، إذا كان مباحًا حينئذ، واللهَ نسأله التوفيق).

يقول عن أنس ::

أنَّ رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، يهدي النَّبي الهديَّة من البادية، فيجهِّزه النَّبي إذا أراد حتى يخرج، فنطق رسول الله: إنَّ زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله يحبُّه، وكان رجلًا دميمًا، فأتاه رسول الله وهويبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرَّجل، فنطق: أوفدني، مَنْ هذا،يا ترى؟ فالتفت، فعهد النَّبي ، فجعل لا يَأْلُوما ألصق ظهره بصدر النَّبي حين عهده، وجعل رسول الله يقول: من يشتري العبد،يا ترى؟ فنطق: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا، فنطق رسول الله : لكن -عند الله- لست بكاسد. أونطق: لكن -عند الله- أنت غال.

أقوال الفهماء والسلف في المزاح بنوعيه

- كان العبَّاس يقول: (مَزَح رسول الله ، فصار المزْح سنَّة).

- قيل لسفيان بن عيينة: المزَاح هُجنة. فنطق: (بل سنَّة، ولكن الشَّأن فيمن يُحسِنه، ويضعه مواضعه)..

- نطق علي : (ستٌّ مِن المروءة، ثلاثٌ في الحضر، وثلاثٌ في السَّفر، وأمَّا اللَّاتي في الحضر: فتلاوة كتاب الله، وعِمَارة مساجد الله، واتِّخاذ الإخوان في الله، وأمَّا اللَّاتي في السَّفر: فبذل الزَّاد، وحُسْن الخُلُق، والمزَاح في غير معاصي).

- نطق عمر بن الخطاب : (مَن أكثرَ مِن شيءٍ عُرف به، ومَن مازح، استُخِفَّ به، ومن كَثُر ضَحِكه، مضىت هيبته).

- نطق سعيد بن العاص لابنه: (يا بُنَيَّ، لا تُمَازِح الشَّريف، فيحقد عليك، ولا تُمَازِح الدَّنيَّ، فيجترئ عليك).

- نطق عمر بن عبد العزيز: (امتنعوا من المزَاح، تسلم لكم الأعراض).

- عن عيسى بن عبد العزيز، أنَّ عمر بن عبد العزيز خط إلى عدي بن أرطأة: (اِنْهَ مَن قِبَلَك عن المزَاح، فإنَّه يُذْهِب المروءة، ويُوغِر الصَّدر).

- أوصى يَعْلَى بن مُنْيَة بثلاثٍ، فنطق: (..إيَّاكم والمزَاح؛ فإنَّه يُمضى بالبهاء، ويُعْقِب المذمَّة، ويزري بالمروءة..).

حكم المزاح في الإسلام

المزَاح مباحٌ، وقد يُسْتَحبُّ إذا كان فيه تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته بالضَّوابط الشَّرعية، وقد يحدث منهيًّا عنه إذا أفرط فيه صاحبه أوداوم عليه أوكان فيه تحقيرٌ أواستهزاء أوكذب أوترويع لمسلم أونحوه ممَّا فيه ضرَر.

ونطق القاري: (صرَّح الفهماء بأنَّ المزَاح -بشرطه- من جملة المستحبَّات) . نطق النَّوويُّ: (افهم أنَّ المزَاح المنهيَّ عنه، هوالذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يُورث الضَّحك، وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله، والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقار، فأمَّا ما سَلِم مِن هذه الأمور، فهوالمباح الذي كان رسول الله يعمله على النُّدرة؛ لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطب ومؤانسته، وهوسنَّةٌ مستحبَّة) .

ونطق المرتضى الزبيدي: (نطق الأئمَّة: الإكثار منه، والخروج عن الحدِّ، مخلٌّ بالمروءة والوَقَار، والتَّنزُّه عنه بالمرَّة والتَّقبُّض، مخلٌّ بالسُّنَّة والسِّيرة النَّبويَّة المأمور باتِّباعها والاقتداء، وخير الأمور أوسطها).

أنواع المزاح

قد يحدث المزاح محمودًا وقد يحدث مذمومًا.

المزاح المذموم

هوماشتمل على محظور من المحظورات كترويع المسلمين أوالكذب أوغلب على صاحبه وأفرط فيه. يقول النَّوويُّ: (المزاح المنهيَّ عنه هوالذي فيه إفراط ويُداوَم عليه فإنَّه يورث الضَّحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء ويُورث الأحقاد ويُسقِط المهابة) .

• أضرار المزاح المذموم:

1- الإفراط والمبالغة في المزَاح مَضْيَعة للوقت، والمداومة عليه تدلُّ عدم تقدير للوقت المهْدَر الذي كان ينبغي حتى يستغلَّ فيما هوأولى.

2- الإكثار من المزَاح، يجلب كثرة الضَّحك، وقسوة القلب:

وقد مرَّ النَّبي على قوم يتضاحكون ويتمازحون، فنطق لهم: ((أكثروا من ذكر هاذم اللَّذَّات))، فنبَّههم إلى ما يُلين قلوبهم، بدل ما هم فيه من كثرة الضَّحك الذي يقسِّي القلب.

3- المزَاح المذموم يؤول في كثيرٍ من الأحيان إلى الإيذاء، وتوريث الأحقاد، فينبغي تجنُّبه.

4- قد يؤدي المزاح إلى الكذب، فيكذب كي يُضحك الناس، فيدخل في وعيد رسول الله له بالويل:

نطق رسول الله : ((وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ)).

5- المُكثِر من المزاح، تذهِب مهابته من قلوب النَّاس، ويذهِب عنه الوَقار.

المزاح المحمود

هوما سَلِم من المحظورات الشرعية، ولم يغلب على صاحبه، وكانت فيه مصلحة، وتحققت فيه الضوابط الشرعية. ونطق النَّوويُّ:(فأمَّا ما سَلِم من هذه الأمور فهوالمباح الذي كان رسول الله يعمله على النُّدرة لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته، وهوسنة مستحبَّة) .

• الضوابط الشرعية للمزاح :

1- ألاقد يكون فيه استهزاء بشيء من أمور الدِّين:

فالاستهزاء بالدِّين، يُعتبر ناقضًا مِن نواقض الإسلام، ومُخْرِجًا لصاحبه من الملَّة، نطق سبحانه وتعالى: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ))[التَّوبة: 65-66].

2- حتى لا يتضمَّن المزَاح سخريةً أواستهزاءً بالآخرين:

ولا يخفى أنَّ السُّخرية بالآخرين، تُعتبر كبيرةً من الكبائر، نطق سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) [الحجرات: 11].

3- حتىقد يكون المزَاح بصدق لا كذب فيه:

فلا يُدخِل المازح فيه الكذبَ من أجل إضحاك من حوله، فقد جعل النَّبي هذا ضابطًا لمزْحِه الذي يجب علينا حتى نتأسَّى به فيه، وذلك عندما نطق له الصَّحابة -رضوان الله عليهم-: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! نطق: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا)). ونطق : ((ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له)).

4- حتى لا يترتَّب على مزاحه ضرر على الآخرين:

وذلك مثل ترويع الشَّخص بقصد المزَاح معه، فقد نهى النَّبي عن ذلك، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى نطق: ((حدثنا أصحاب رسول الله : أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فنطق: ما يضحككم،يا ترى؟ فنطقوا: لا إلا أنَّا أخذنا نبل هذا ففزع، فنطق رسول الله : لا يحل لمسلم حتى يروع مسلمًا)) .

5- حتى لا يجعل المزَاح عادته وشاغله:

وإنَّماقد يكون كالملح في الطَّعام، فإنَّ الإكثار من المزَاح مُذْهِب للمروءة، ويُفقد الشَّخص الهيبة، وقد يؤدِّي إلى حتى يجعل الشَّخص عرضةً لسخرية الآخرين منه. كما ينبغي عليه ألا يبالغ في المزَاح، ولا يطيل فيه.

6- حتى يراعي الشَّخصَ الذي يمزح معه:

فما كلُّ أحدٍ يُمْزَح معه، ولا بدَّ من إنزال النَّاس منازلهم في المزَاح، فقد قيل: (لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك). فلاقد يكون مع مَن لا يليق بهم المزْح؛ ممَّن يحرجهم لمكانتهم، ولاقد يكون مع السُّفهاء؛ حتى لا يجترئوا على المازح.

7- حتى يخلوالمزاح من المعاصي التي كثيرًا ما تصاحبه: وذلك كالغيبة والهَمْز واللَّمز.

8- اختيار الوقت المناسب للمزاح:

وهذا من الضَّوابط المهمَّة للمَزْح، فليس كلُّ وقتٍ يَصلُح للمِزَاح، ولا كلُّ زمانٍ تليق فيه الدُّعابة.

• فوائد المزاح المحمود:

1- المزَاح المعتدل يحبِّب الشَّخص إلى النَّاس، ويُكسبه وُدَّهم، ويجعله مرغوبًا محبوبًا.

نطق تعالى : ((..وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ..)) [آل عمران:159]

2- التَّخفيف عن النَّفس، وإبعاد الملَالة والسَّأَم عنها، ولتنشط للعبادة والذكر.

مما ينسب لعلي قوله: ((روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت)).

وعن قسامة بن زهير نطق: (روحوا القلوب تعي الذكر).

3- مؤانسة الأصحاب، وإدخال السُّرور عليهم.

المراجع