الآن (قرآن)
الآن : وردت لفظة الآن ثماني مرات، بصيغة الاسم المعهد، «والألف واللاَّم [فيها] للعهد والإشارة إلى الوقت ». وثلاث مرَّات بصيغة الجمع آناء، وقد أفادت معاني زمنية عديدة، يحدِّدها السياق، ومن هذه المعاني نذكر:
- الآن بمعنى "الساعةَ"، ومثال ذلك قول الله تعالى عن بني إسرائيل، وقد جاوز بهم البحر: {فَأَتْـبـَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ, بَغْياً وَعَدْواً، حَـتَّىآ إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: ءَامَنتُ أَنـَّهُ, لآَ إِلَهَ إِلاَّ الذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوإِسْرَآئِيلَ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ سورة يونس 90.
- نطق تعالى مجيبا فرعون بأبلغ لفظ وأوجزه، مراعاة للظرف المفيد للاستعجال: {ءَالاَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (الآية: 91). أي: «أتؤمن الساعةَ في وقت الاضطرار، حين أدرككَ الغرقُ، وأيستَ من نفسكَ؟!» فردُّ الله سبحانه عليه اتى بأسلوب: «الإنكار التوبيخي».
- وفي نفس المعنى - أي الساعة - نقرأ قوله تعالى مادحاً أمـَّة من أهل الكتاب بأنـَّهم {يَـتْـلُونَ ءَايَاتِ اللهِ ءَانَـآءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ سورة النساء 113، أي ساعاته .
2. الآن: بمعنى الآنية المفيدة لتنافي الاستمرار، وذلك في قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التـَّوبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيـِّئـَاتِ، حَـتَّىآ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ: إنـِّي تُبْتُ الاَنَ، وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ، اُوْلَئِكَ أَعْتَدْنـَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِيماً سورة النساء 18، وقد دلَّ على تنافي الاستمرار العمل «المضارعُ: يتوبون هناك». 3. الآن: للدلالة على الحدّ بين الزمانين الماضي والمستقبل؛ في مثل قول بني إسرائيل لنبيئهم موسى - في قصَّة البقرة -: {الاَنَ جِئْتَ بِالْحـَـقِّ سورة البقرة 71، الآن: لا قبله في الماضي، ولا بعده في المستقبل.
- ولكن السؤال المترتِّب عن هذا المعنى هو: هل الحدُّ بين الزمانين زمان؟
هذا خلاف كلامي وفلسفي، لا مجال لفصل القول فيه في بحثنا هذا، إذ القرآن الكريم لم يتعرَّض لهذا الموضوع تعرُّض الدراسات الفلسفية له.
4. الآن: ظرف بمعنى الزمن الحاضر إلى قيام الساعة. وذلك في قوله عزَّ وجلَّ: {فَالاَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ سورة البقرة 187، أي «باشروهنَّ في الزمان كلِّه، متى شئتم، بعدما أبحت لكم». والظاهر أنَّ هذا المعنى يستعمل في الأحكام خاصَّة، ويفيد الإباحة بعد الحظر، والتحليل بعد التحريم، والتخفيف بعد التثقيل؛ ففي موضوع القتال- مثلا - نطق سبحانه: {الاَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفاً سورة الأنفال 66). ولا يفهم من الآيتن أنَّ الله أباح للمسلمين المباشرة في تلك الساعة فقط، ولا أنـَّه لم يخفَّف عنهم في القتال إلاَّ في ذلك الحين.
الآن الكونية
ومن المعلوم في تاريخ العلوم أنَّ العالم الفيزيائي "نيوتن" تحدَّث عن الآن الكونية The universal now وافترض أنـَّها يمكن حتى تنطق - في وقت واحد - في الكون كــلِّه. غير أنَّ "إينشتاين" حطم - فيما حطم من المفاهيم الفهمية - هذا المفهوم بنظريته النسبية، وبين أنـه لا يمكن حتى نفرض حدثة مثل الآن على الكون كلِّه، لاختلاف أنظمة الاتصال، وقصورها عن المزامنة المطلقة، إذ عن طريق الضوء - وهوأسرع وسيلة للاتصال - لا يمكن إلاَّ حتى نرى ماضي الأكوان الأخرى.
الآن المتجددة
أمـا من القرآن الكريم . فقد استنتجنا ما يمكن حتى نطلق عليه اسم الآن المتجدِّدة، فلوأنَّ رئيس قبيلة نطق في العصر الجاهليِّ - مثلا -: الآن أبيح لكم عمل كذا وكذا. فإنـَّه بموت الجميع تنعدم تلك الآنية، ولا يبقى لها أثر مطلقا؛ غير أنَّ قوله عزَّ وعلا للمسلمين: {فَالاَنَ بَاشِرُوهُنَّ ، يمكن حتى يكرَّر في كلِّ زمان ومكان، وهي تتجدَّد بتجدُّد العصور والآماد، ففاعليتها تظل إلى قيام الساعة، ذلك لأنـَّها تستمدُّ الخلود من قائلها: الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، والأوَّل والآخر؛ وتستقي الاستمرارية الدائمة من مصدرها: كلام الله الذي «لا يخلق على كثرة الردِّ». أي لا يتقادم ولا يصيبه الفناء والبِلى.