العلاقات بين غرناطة وأرغون

عودة للموسوعة

العلاقات بين غرناطة وأرغون

العلاقات السياسية والاقتصادية بين غرناطة وأرغون 695 هـ/ 1296 م ـ 726 هـ/ 1326 م دراسة في وثائق قصر التاج ببرشلونة

الدكتورة أحلام حسن مصطفى النقيب والدكتور مزاحم علاوي الشاهري كلية التربية ـ جامعة الموصل ـ العراق

لقد شهد العقد الأخير من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي تطورات واضحة في سياسة بعض الممالك الإسبانية من جهة ومملكة غرناطة من جهة ثانية، أدت إلى قيام علاقات بينهما اتسمت بطابع الصداقة في أغلب أوقاتها بعد حتى كانت حالة الحرب هي السائدة بينهما؛ كما نجم عن ذلك قيام تبادل اقتصادي أديمت استمراريته بالاتفاقيات التي أبرمت بينهما في أوقات متقاربة أحياناً، ومتباعدة أحياناً أخرى.

وهدف بحثنا تتبع تلك العلاقات السياسية والاقتصادية بين مملكة غرناطة العربية الإسلامية وجارتها مملكة أرغون النصرانية بين سنتي 695 هـ/ 1296 م و726 هـ/ 1326 م من خلال رسائل صدرت عن بلاط غرناطة إلى بلاط أرغون في شأن العلاقات بين المملكتين، وهي اليوم وثائق من محفوظات التاج الأرغوني الإسباني ببرشلونة( ). ويسعى البحث إلى كشف الأسباب التي تقف وراء استمرار تلك العلاقات أوانقطاعها، من خلال تعرُّف الظروف التي تحكم المنطقة بشكل عام وأثر ذلك على المملكتين بالاعتماد على ما اتى في المصادر التاريخية المعاصرة للحدث أوالقريبة منه. هذا، وتجدر بنا الإشارة إلى حتى مجموعة الرسائل التي غطت مدة البحث سبع وعشرون رسالة جميعها موجهة إلى ملك أرغون جيمس الثاني (James II) (1291 ـ 1327 م) الذي شهدت السنة الأخيرة من حياته آخر رسالة من تلك الرسائل الموظفة في هذا البحث. وقد عاصره خمسة سلاطين في غرناطة آخرهم السلطان محمد الرابع (725 ـ 733 هـ/ 1325 ـ 1333 م). وسيقتصر البحث في إطار عنوانه على ما اتى في تلكم الرسائل من مضامين سياسية واقتصادية.

ومما يذكر في هذا الصدد اشتراك الرسائل الموجهة من سلاطين غرناطة ووزرائهم وقوادهم بالإشارة إلى ذكر ألقاب الملك الأرغوني بالنص على ذكر الأنطقيم التي تخضع لحكمه. فهو»سلطان بلنسية، وملك أرغون، وقر صفة وقمط برجـلونـة« ( ). وهوفي عام 714 هـ/ 1314 م »الملند عن البابا بالكنيسة العظمى«( ) (Delpapaen La Iglesia Mayor). وهوحاكم مناطق أخرى مثل ميورقة وسردانية، بالإضافة إلى ما ذكرناه آنفاً( )؛ بينما لا تذكر الرسائل الاعتيادية أية ألقاب للسلطان الغرناطي، ولكن يندرج ذلك في الرسائل التي تحمل نصوص المعاهدات المبرمة بين الطرفين. فهوفي سنة 695 هـ/ 1296 م »سلطان غرناطة ومالقة وما إليها« ( )، وهوفي سنة 721 هـ/ 1321 م »سلطان غرناطة ومالقة والمرية ورندة والجزيرة«( ).

وبقدر ما يتعلق الأمر بألقاب سلطان غرناطة، فإن ذلك يشير إلى طبيعة العلاقات التي قامت بين سلاطين غرناطة وبين بني مرين( )، حكام المغرب الذين حازوا مجموعة من المدن الأندلسية على عهد أميرهم السلطان يعقوب بن عبد الحق (656 ـ 685 هـ/ 1258 ـ 1286 م) من أبرزها الجزيرة الخضراء وطريف ومالقة وقمارش ورندة وغيرها( ). ثم اتى ولده السلطان يوسف بن يعقوب (685 ـ 706 هـ/ 1286 ـ 1306 م) ليتنازل عن الكثير منها مكتفياً بطريف والجزيرة الخضراء( ). أما فيما يتعلق بنفوذ الملك جيمس الثاني، فيتضح أنه كان في العقد الثاني من حكمه يقف على رأس الكنيسة الكاثوليكية بوصفه من أكابر حكام أوربا الكاثوليكية. وقد أظهر في مراسلاته مع المماليك في مصر اندفاعاً في دعم النصارى الساكنين فيها، فضلاً عن سعيه لفتح الكنائس فيها( ).

وزيادة على ذلك، فقد ابتدأت الرسائل بتأكيد العلاقات الوطيدة القائمة بين البلدين المقرونة بالمودة والصداقة، فضلاً عن استخدام ألقاب التفخيم للملك جيمس الثاني( ). وهوسياق تقتضيه بطبيعة الحال العلاقات الدبلوماسية بين البلدان التي تحرص على ديمومة مصالحها مع البلد الآخر. ومهما يكن من أمر، فقد شهد عهد السلطان محمد الفقيه (671 ـ 701 هـ/ 1272 ـ 1301 م) أول رسالة حملت في مضمونها نص المعاهدة التي أبرمت مع مملكة أرغون على عهد ملكها جيمس الثاني، وذلك في 11 رجب سنة 695 هـ 15/ أيار 1296 م( ). وبذلك عدت بداية فترة جديدة في العلاقات وإقرار الصلح الذي تقرر سريانه في المملكتين بحسب ما أظهرته الاتفاقية التي أفصحت عن وصول كتاب من ملك أرغون يعلن فيه الالتزام بما سيصدر من اتفاق سيرد نفسه في رسالة السلطان الغرناطي التي اتى فيها:

ـ حتىقد يكون الصلح جيداً وثابتاً طوال حياة الملكين. ـ الإيفاء بميثاقه، وعدم إفساده، وأن لا يحمل أي طرف أحداً يفسد في أرض الطرف الآخر وفي رعيته. ـ حتى لا يتعاون أي من الطرفين مع عدوالطرف الثاني لا في البر ولا في البحر؛ كما أكدت الاتفاقية في الجانب الاقتصادي على ما يأتي: ـ حتى يدخل الأهالي والتجار من كلا البلدين براً وبحراً من أجل البيع والشراء وحمل جميع شيء دون اعتراض عليهم لا في أجسامهم ولا في أموالهم ولا في تجارتهم ولا في جميع ما يخرجونه من ذلك البلد. ـ تخصيص( ) فندق لهم في جميع موضع ديوان وتقديم قنصل لهم يقضي حوائجهم كلها بحسب ما جرت به العادة. ـ الالتزام بتغريم جميع من يحدث من أهل البلدين كائناً من كان فساداً في أرض الطرف الثاني أوفي رعيته أوفي مالهم أوفي تجارتهم في البر أوفي البحر. وهنا تثار أسئلة ملحة هي: لما حرص الطرفين في ذلك الوقت بالذات على عقد صلح بينهما،يا ترى؟ وما أثر ذلك على علاقة الممالك المجاورة من جهة، وغرناطة وأرغون من جهة ثانية؟ وللإجابة عن ذلك قبل جميع شيء، نشير إلى حتى ما تحفظه المصادر التاريخية القريبة إلى عهد السلطان محمد الفقيه يقر بأنه كان »ممهد الدولة... أقام رسوم الملك فيها... مستظهراً على ذلك بسعة الصدر وأصالة السياسة ورصانة العقل... وطول الحنكة... وتملؤه التجربة«( ). وهذا يعني حتى المدة الطويلة التي أمضاها قبل عقد الاتفاقية والتي بلغت عشرين سنة كانت كافية لكي تعطيه الرؤية الأضم وتهديه إلى سياسة صائبة تعزز دولته ومصالحها، ولا سيما أنه أحس بفداحة الخسارة التي لحقت بغرناطة يوم ارتضى حتى ينحاز إلى ملك قشتالة ويتفق على وضع خطة للسيطرة على جزيرة طريف (Tarifa) معه إجراء لإبعاد المرينيين عن شؤون غرناطة. فتعهد ابن الأحمر آنئذ لسان شوالرابع ملك قشتالة بالإنفاق على جيشه مدة الحصار، لقاء حتى يسلمها إليه بعد سقوطها. وبعد أربعة أشهر من الحصار المفروض عليها والذي اشهجر فيه الملك جيمس الثاني بموجب الاتفاق القائم مع قشتالة آنذاك ضد المرينيين، سقطت في شوال سنة 691 هـ/ 1291 م واتىت المصيبة عندما رفض ملك قشتالة التنازل عنها بالرغم من استلامه ستة حصون من ابن الأحمر لقاء تعاونه( ). فمضىت طريف المعبر الستراتيجي الذي يتم منه جواز المغاربة، والقاعدة التي تشكل عيناً على من يفقدها من الاثنين المغاربة والغرناطيين( ).

وردّاً لعمل ما جرى، عبر السلطان محمد الفقيه إلى المغرب ليعتذر للمرينيين عما وقع وليعيد المياه إلى مجاريها. وتحقق له ما أراد( ). لكنه من جهة ثانية واصل جهاده في جبهة قشتالة، فحقق فوزاً عسكرياً مهماً حين تمكن من فتح مديـنــة قيجـاطـة( ) والحصون التي ترجع إليها، وذلك في محرم سنة 695 هـ/ 1295 م( ) وأن ينازل مدينة القبذاق من أعمال قرطبة ويدخلها في شوال سنة 699 هـ/ 1299 م( ).

أما فيما يتعلق بالأسباب التي دفعت مملكة أرغون إلى توثيق الصلات مع غرناطة، فهي إدراكها على عهد ملكها جيمس الثاني حتى صلاتها مع العالم الإسلامي بوجه عام يكفل لها رفاهاً اقتصادياً ويعينها على حاجاتها، وهومنهج اعتمده الملك منذ السنة الثانية من حكمه عندما سقط اتفاقية صلح مع سلطنة المماليك في مصر في 19 صفر سنة 692 هـ/ 28 كانون الثاني 1292 م على الرغم من عقوبة الحرمان (Excommunication) التي كانت تصدرها البابوية بحق جميع من يتاجر مع المسلمين( ) والتي تعرض لها هوأيضاً( )، ولكنه مع هذا قد واصل نشاطه في هذا الاتجاه( ).

يضاف إلى ذلك حتى مملكة أرغون كانت على خلاف سياسي قديم مع فرنسا والبابوية من جهة بسبب تشبثها بصقلية التي كانت تابعة لها على عهد ملكها بطرس الثالث (Pedro III) (1276 ـ 1285 م) وألفونسوالثالث (Alfonso III) (1285 ـ 1291 م) الذي اختارها منفصلة لأخيه، فتجدد النزاع من حديث مع البابوية وفرنسا( ). وفوق هذا كله، فقد كانت مملكة أرغون تجد في نفسها المنافس القوي لقشتالة. فسعت إلى تقوية نفسها بالتدخل في شؤون قشتالة خاصة بعد وفاة ملكها سانشوالرابع لتدعيم ألفونسودي لاسيردا، ولكي تزيد من أوضاع قشتالة سوءاً من جهة( )، ولتعزز تواصلها مع غرناطة من جهة ثانية. فبادرت إلى عقد اتفاقية جديدة سقطت في آخر ربيع الآخر سنة 701 هـ/ 31 كانون الأول 1301 م، أي قبل وفاة السلطان الغرناطي محمد الفقيه ببضعة أشهر( )، نصت في الجانب السياسي منها على التالي:

 أنقد يكون أصحاب غرناطة أصحاباً لأرغون، وأعداؤهم من أهل قشتالة أعداء لأرغون.  أن يدفع الضرر والفساد بين البلدين ولا سبيل لأحد في ذلك لا في البر ولا في البحر. وإذا ما سقط ذلك، فيحكم الطرف المعني بذلك.  إذا استرجعت غرناطة بلداً من بلاد العدوة ـ إشارة إلى سبتة ـ أوأناساً من أهلها، فيكون الحكم في ذلك حكم سائر بلاد الأندلس.  يتعهد سلطان غرناطة بمعاونة أرغون ضد ملك قشتالة، إذا ما شن الأخير غاراته على منطقة مرسية.  أن لا يعقد أي طرف صلحاً أوهدنة مع قشتالة إلا بموافقة حليفه.  يتعهد سلطان غرناطة بإعانة ملك أرغون بفرسان من عنده في أرض مرسية، شريطة حتى يضمن لهم المأكل والعلف من يوم خروجهم؛ ويتم تعويض الفرسان بالمال في حالة موت دوابهم.  أن لا يعترض سلطان غرناطة على جميع موضع تحصل عليه أرغون من قشتالة بشرط حتى لاقد يكون تابعاً لغرناطة. وتتكفل أرغون بمساعدة غرناطة في استرجاع أراضيها التي احتلتها قتشالة، إذا كانت تحت حكم ألفونسوحاكم قشتالة أوأخيه الافانت الدون فراندة.

وقد أفردت للعلاقات الاقتصادية في الاتفاقية المذكورة بنود اتى فيها:  أن يفتح جميع بلد لتجار البلد الآخر حق مزاولة جميع أنواع التجارات مؤمنين في أنفسهم وأموالهم.  أن يعامل تجار غرناطة بالحقوق الواجبة على العادة من غير إحداث زيادة.  يمنع تجار أرغون من التجارة مع إشبيلية (Seville) أوغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرة قشتالة. وإذا ما قام أحدهم بذلك وسقط في أسر غرناطة، فيكون حكمه حكم الأعداء( ).

ومما يلفت الانتباه وجود اتفاقية مماثلة تحمل نصوصاً شبيهة بنصوص الاتفاقية المذكورة قد وردت بلا تاريخ أوفدها السلطان محمد الفقيه إلى الملك جيمس الثاني، ولكنها قد تميزت بغلبة اللكنة الأعجمية على نصوصها. ولعلها نسخة خطها أحد المترجمين العاملين في أرغون آنذاك( ). ومما يلحظ في الرسائل الغرناطية أنها تنتقل إلى عهد السلطان إسماعيل الأول (713 ـ 725 هـ/ 1314 ـ 1325 م) خامس سلاطين غرناطة متجاوزة عهد السلطان محمد الثالث (701 ـ 708 هـ/ 1302 ـ 1308 م) ونصر بن محمد (708 ـ 717 هـ/ 1309 ـ 1314 م). ولعل الأسباب التي تكمن وراء ذلك هي ما أحاط غرناطة من ظروف داخلية بوجه خاص وعلاقاتها مع الممالك المجاورة بوجه عام. عملى صعيد الظروف الداخلية التي عاشتها غرناطة بعد وفاة محمد الفقيه تعكس حالة الاضطراب الداخلي التي عاشتها تاركة الاهتمام بالشؤون الخارجية إذا لم نقل إذا الممالك الإسبانية لم تعد تنظر إليها نظرة القوي الذي يحسب له حساب. المهم أنه ما حتى نصب السلطان محمد الثالث( )، حتى بدأت الأحوال تتدهور شيئاً فشيئاً بسبب الأوضاع الداخلية التي اتسم بها حكمه كالفتن التي انتهت الأمور في واحدة منها إلى خلعه ونقل على أثرها إلى مدينة المنكب (Almunecar)، فنصب أخوه بدلاً عنه( ). وتسقط الناس حتى أحوال البلاد ستتحسن والفتنة ستهدأ. غير حتى الواقع أثبت عكس ذلك. فما حتى تولى نصر السلطنة، حتى عصفت بالبلاد أوضاع جديدة هي أكثر سوءاً من التي قبلها جلبها إليهم بسبب فساد تدبيره، وسوء سيرته، ووصل به الحال إلى الخضوع لملك قشتالة فرناندوالرابع وتعهده له بدفع الجزية( )، الأمر الذي أثار غضب الناس عليه. فقامت الثورة ضده بقيادة ابن عمه صاحب مالقة الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل الذي تحرك نحوغرناطة وهزم قوات السلطان النصري الذي تنازل عن الحكم ونصب بدلاً عنه السلطان إسماعيل ابن خرج الموصوف بالأول في شوال سنة 713 هـ/ 1314 م( ).

أما على صعيد الأوضاع الخارجية، فقد وقع العدوان القشتالي الأرغوني الجديد على غرناطة بعد حتى تقرر في سنة 708 هـ/ 1309 م عقد تحالف بين فرناندوالرابع (Ferdenand IV) ملك قشتالة وجيمس الثاني ملك أرغون برعاية البابوية للقيام بحملة صليبية على غرناطة( )، وشرع الملكان في تطبيق اتفاقهما عملياً، وتقرر احتلال الجزيرة الخضراء (Algeciras) وجبل طارق (Gibraltar)، فضلاً عن الشروع كذلك في احتلال المرية (Almeria) من قبل أرغون التي تناسى ملكها العهود والمواثيق التي أبرمها مع سلاطين غرناطة قبل ذلك. وبدأت القوات في محاصرة المرية وجبل طارق، ولكن القوات الغرناطية استطاعت إلحاق الهزيمة بقوات الملك جيمس الثاني المحاصرة للمرية؛ بينما شددت القوات القشتالية الضغط على الجبل براً وبحراً، فسقط في أواخر سنة 709 هـ/ 1310 م( ).

وزيادة في تدهور أوضاع غرناطة الخارجية ما قامت به من تحريض لشيخ الغزاة القائد عثمان بن أبي العلاء( ) ودفعه للسيطرة على سبتة، بل ودعمه في معارك مباشرة خاضها ضد أبناء عمومته حكام المغرب في شمال العدوة المغربية، تلك السيرة التي ابتدأت منذ سنة 705 هـ/ 1305 م ولم تنته إلا عندما تمكن المرينيون من إلحاق الهزيمة بعثمان بن أبي العلاء، وتحرير سبتة فيعشرة صفر 709 هـ/ 1309 م( )، بعد محاولات قاموا بها لإقناع أرغون بتقديم العون لهم بطرد ابن الأحمر عنها. ففي سنة 708 هـ/ 1308 م، قدم إلى مملكة أرغون أبوالعباس صحبة برناردوسيكي مرسلين من قبل السلطان عامر المريني، وأخيراً مساندة الأسطول الأرغوني تحت إمرة الفيسكوندوي كاستلنوللمرينيين في تحريرها( ).

ومهما يكن من أمر، فإن عهد السلطان إسماعيل الأول شهد جهداً كثيفاَ ونشاطاً واضحاً في العلاقات السياسية والاقتصادية مع أرغون. فقد سجلت أول رسالة بعثها إلى ملكهم جيمس الثاني تاريخ الثالث والعشرين من صفر سنة 714 هـ/ 29 أيار 1314 م، وهي جواب على رسالة وصلت إليه وعكست الود الذي يكنه الطرفان لبعضهما، فضلاً عن المشاعر المطمئنة التي يقدمها سلطان غرناطة لملك أرغون بشأن رعاياه. إذ يقول: » … وذكرتم حتى جميع من عندكم بجميع بلادكم من ناسنا وأهل بلادنا محمول على الأمن والحفظ على النفس والمال وجميع الأحوال... فقابلناه بمثله… وكل من عندنا من تجاركم محمول على سبيل الحفظ والرعاية واللحظ والأمن في النفس والمال، وسلوا الوارد والصادر فسيخبركم بصدق هذا الموضوع «…( ).

ولقد سجلت الرسالة المؤرخة( ) في 17 ذي القعدة سنة 714 هـ/ 24 آذار 1315 م تطوراً مهماً في العلاقات بين البلدين. فقد اتىت في مضمونها استجابة السلطان إسماعيل الأول لرغبة الملك جيمس الثاني في تجديد الصلح معه: ».. إذا أردتم صحبتنا وتجديد العهود التي كانت بينكم وبين جدنا…، فنحن نريد من ذلك ما تريدون ونوافقكم على ماقد يكون فيه الخير والصلاح للفريقين فلا تمنعوا رسولكم من الوصول إلينا فلا موجب لمنعه… «. كما أشارت الرسالة إلى قرار غرناطة بإيقاف العمليات العسكرية من جهتها في جبهة أرغون:

… لما ظهر لنا من مقاصدكم الحسنة ولما تضمنته خطكم من الأغراض المشكورة حتى منعنا جيشنا الذي بحضرتنا حتى يقف على شيء من أرضكم أويتعرض لبلد من بلادكم فما وقف لكم فهمنا على موضع مع كثرة المرغبين لنا في ذلك والظالمين له.

وزيادة على ذلك، فقد أشارت إلى قضية اقتصادية بين البلدين أجبرت أرغون على إرسال سفيرها إلى غرناطة وهي معضلة الغنم التي استولى عليها "المغاورون"( ) في منطقة البيرة (Elvira). وتقدم الرسالة توضيحاً بشأن ذلك، مشيرة إلى طريقة أخذها وذاكرة حتى السلطان إسماعيل الأول لا قدرة له على منعهم، »إلا إذا ارتبطت العهود وكملت الصحبة بيننا وبينكم«. وأكدت الرسالة المؤرخة في 18 ذي القعدة سنة 714 هـ/خمسة آذار 1315 م الصادرة عن السلطان إسماعيل الأول على الغرض نفسه الوارد بشأن الغنم المسروق في لقنت (Alicante) ومخبرة إياه بأن سلطان غرناطة بعث جوابه مع سفيرهم الذي جاء إلى حاضرته( ). ولقد كشفت الرسالة المؤرخة في 12 شوال 716 هـ/ 28 كانون الأول 1316 م المرسلة من السلطان إسماعيل الأول عن طبيعة المباحثات الدائرة بين البلدين بشـأن الصـلح المقـرر إبرامـه مع أرغـون. فهـي تخاطـب الـدون بطـره لبس دياله (D. Pedro Lopez de Ayala) الذ لنطادة بلورقة (Lorca) ومرسيه (Murcie) من أعمال أرغون الوسيط بينهما على الرغم من أنها قد كشفت عن وجود مساع أخرى كانت حثيثة بشأن الصلح نفسه يقوم بها الا فانت الدون بطره؛ كما أكدت طبيعة العلاقات القائمة بين المملكتين وأفصحت عن أنه لا وجود لصلح بينهما منذ عهد السلطان محمد الفقيه ثاني سلاطين غرناطة فضلاً عن إبرازها لحقيقة اقتصادية تضر بغرناطة مفادها »أن جميع ضرر لحق المسلمين هذا العام إنما كان ينسب لأريول«( ) (Orihuela).

وهنا لابد من حتى نوضح أمراً مهماً يتعلق بالممالك الإسبانية التي عانت في تلك المدة من غموض في أوضاعها يرجع إلى المناورات والمطامع الشخصية والصراعات التي نجمت بينها. فحال ذلك دون قيام علاقات مع غرناطة، بينما سعت الأخيرة إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية وعدم استغلال فرصة الفتن الناشبة في تلك الممالك( ). وهذا الأسلوب في جوهره كان على النقيض مما تعمله تلك الممالك التي ما حتى تلحظ اضطراباً أوتناحراً داخل غرناطة حتى تشن حملاتها إمعاناً في إيذائها واستحواذاً على أراضي جديدة.

ومع حلول سنة 721 هـ/ 1321 م، عقد السلطان إسماعيل الأول معاهدة مع الملك جيمس الثاني مدة خمسة أعوام من تاريخ الرسالة المؤرخة بـ 17 ربيع الثاني سنة 721 هـ/ 16 أيار 1321 م التي حملها سفير أرغون شمون دي طوبية (Simon de Tobiya) بصحبة سفير غرناطة الحسن علي حسن الغراف مؤكدة في نصوصها ما يأتي:  أن يعقد بين الطرفين »صلح ثابت محفوظ العهد مؤكد العقد« مدة خمسة أعوام.  تؤمن به أراضي المملكتين أماناً تاماً براً وبحراً سراً وجهراً.  أن يعادي جميع طرف عدوالطرف الآخر ولا يقبله ولا يعينه كائناً منقد يكون.  أن تكون سواحل الطرفين ومراسيها وأجفانها ( ) بناسها آمنة لا ينالها ضرر؛ وإذا ما استولى طرف على جفن يعود للطرف الآخر في البحر أوطائفة من الناس فيطلق سراحهم في الحال.  أن لا يمنع ملك أرغون من يريد الخروج من أرضه من المدجنين إلى أرض المسلمين بأهلهم وأموالهم آمنين، »مرفوعاً عنهم الاعتراض من غير شيء يلزمهم إلا المغرم المعتاد«.

ونصت كذلك على التبادل التجاري بين البلدين بما يأتي:  أن يباح لتجار البلدين حرية بيع البضائع وشراء الطعام والبغال وسائر الدواب، ولا يستثنى من ذلك إلا الخيل والسلاح.  أن لا يزاد على تاجر في ثمن شيء يشتريه، وأن لا يزاد عليه في أي ضريبة جمركية وحسب ما جرت عليه العادة( ).

هذا، وتجدر بنا الإشارة إلى حتى الرسالة المذكورة آنفاً قد أشارت إلى ظاهرة المدجنين بصفتهم أقلية لها أهميتها في العلاقات الغرناطية الأرغونية حرصت مملكة أرغون على إبقائهم في مدنهم لأسباب اقتصادية( ). عملى الرغم مما فرضته البابوية على ملكها جيمس الأول وإجباره على إصدار منشور في 18 تموز 1276 م يحدد لولده بيدروالثالث صيغة التعامل مع العرب المسلمين في مملكتهم يقضي بطردهم، وخاصة من بلنسية التي ألزم المنشور الوصي بأن لا يبقى فيها من المسلمين أحداً لأي سبب كان حتى ولوأدوا ما عليهم من التزامات مالية. بيد حتى الواقع دفعه إلى هجر وصية والده، مكتفياً بتجريد المسلمين من السلاح وتوزيعهم على مناطق المملكة لأعمارها( ).

وزيادة على ذلك، فقد حصرت الرسائل عدداً من حوادث الأسر التي مثلتها ظاهرة القرصنة في السواحل التابعة للملكتين وما تسببه من مشكلات إنسانية، وأضرار اقتصادية تعيق حركة التجارة، كما كشفت أيضاً عن العهد المعمول به بشأن أحكام الأسير وما يقع عليه في أراضي الصلح والحرب.

وقد ذكرت الرسالة التي بعثها إسماعيل الأول في ثلاثة محرم سنة 723 هـ/ 12 كانون الثاني 1323 م بصدد موضوع أسر جفن خرج من مترايل (Motril) متجهاً إلى مرسى هذين. فأسر بجفن بلنسي يدعى صاحبه برنقير قلفاط، فسرح ثمانية أشخاص منهم وأبقى ثلاثة هم ابن البقيق الحجام من غرناطة وأحمد الأعرج الدلري من وادي آشي وأحمد البحري من المنكب وذكرت حادثة الاعتداء التي سقطت على الغليوط( ) (Galeota) الخارج من المرية متجهاً إلى لقنت بهدف التجارة. فهاجمته قرقورة( ) أسرت شخصاً منه، ثم هاجمه شيطي( ) بالقبطة فاستولى على بضاعته وأسر امرأتين وصبيتين وصبياً بيعوا بعدها في جزيرة اليابسة؛ بينما توجه الشيطي، فباع البضاعة المسروقة في لقنت والمدور والملاحة وقد وصلت كميات من البضاعة المسروقة إلى المرية( ).

ولقد تناولت الرسالة المؤرخة في 17 جمادى الثاني سنة 723 هـ/ 23 حزيران 1323 م من قبل السلطان إسماعيل الأول إلى الملك جيمس الثاني، الصلح الذي عقد مع أهالي لورقة ومرسية في ضوء المعاهدة التي أبرمت مع ملك أرغون. ومع ذلك، فقد أظهروا غدرهم وفسادهم بسبب عدوانهم على موفدي ملك غرناطة إلى أرغون وقتلهم ونهب أموالهم، وفيها يطالب السلطان إسماعيل باتخاذ الإجراءات بحقهم مشروحاً لجيمس الثاني »أن أهل قشتالة ما أووهم ولا ضموهم فانتم أولى حتى تغاروا على عهدكم وحرمة الإرسال الموجهين إليكم« ( ). بينما كشفت رسالته التي حملها رسوله أبوعلي الغراف إلى الملك جيمس الثاني في 29 رجب سنة 723 هـ/ 25 نيسان 1323 م طلبه بإطلاق سراح أبي بكر بن حسن الأزرق من أهل المرية بلقنت؛ كما يشكره على إطلاق اثنين من المسلمين المأسورين في الصلح من بلاده( ).

واكتنفت سنة 724 هـ/ 1324 م خمس رسائل صادرة من السلطان إسماعيل الأول إلى أرغون كانت مضامينها تتعلق بتجاوزات سقطت مخالفة للصلح المبرم بينهما وطالبة بمعالجة تلك التجاوزات. فقد ألمحت الرسالة الموجهة إلى نائب ملك أرغون في أريولة بيدروبيره ذي قرالط (Pedro de Garalt) في 14 ربيع الآخر سنة 724 هـ/ 11 آذار 1324 م إلى الغارة التي شنتها قوات المسلمين على أرض منول التابعة لقشتالة ومخبرة إياه بأن السلطان إسماعيل ما اتخذ إجراءه الوقائي إلا لدفع الضرر عن المسلمين بعد حتى فشلت جميع المراسلات الجارية بصدد ذلك منذ أكثر من عام. وكانت الأخيرة مبعوثة إلى ملك قشتالة كما يطمئنه فيها على دوام المودة بين المملكتين( ).

وكانت رسالة التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 724 هـ/ 17 كانون الأول 1324 م إلى الملك جيمس الثاني تحتوي على ذكر عدد من الأحداث، منها إطلاق سراح النصراني برتلمين والصبي الذي أخذ في الأبركة( ) التي أقلعت من إشبيلية وسراح برنقيل ارنوالمطلوب من ولده الافانت الرمون برنقيل وتبادل بعض المأسورين بين البلدين، وأخيراً نفي انتساب المدعوابن جندي من أهل غرناطة وكان قد قام ببيع أشخاص من أرغون في بجاية( ).

واتىت رسالته في 13 جمادى الثاني سنة 724 هـ/سبعة حزيران 1324 م الموجهة إلى نائب ملك أرغون بألش Jaime Andren متضمنة طلبه مساعدة رسله الذين عادوا من أرغون بعد حتى أنجزوا مهمتهم ومنها شراء البغال، فطال مقامهم في الشن وإخباره بأنه قد وجه أجفانه لتأمين عودتهم؛ وإن لم يتحقق ذلك، فسيضطر إلى توجيه جيشه إلى تلك الأرض لمساعدتهم محذراً إياه من ذلك( ). وفيما حملت رسالته الموجهة إلى الملك جيمـس الثـاني في 17 شعبان سنة 724 هـ/تسعة آب 1324 م شكره لإطلاق سراح المسلمين الستة المأسورين في زمن الصلح بصحبة رسول أرغون، أجابت الرسالة الموجهة إليه في جمادى الثاني سنة 724 هـ/ أيار 1324 م عن بعض الشكايات التي استفسر عنها رسول أرغون( ) الذي وصل إلى غرناطة غليم سحنويه (Guillem de Sayun Wiya)، ومنها طلب اثنين من رعايا أرغون أسراً في بلس. وقد أبلغ السلطان ملك أرغون بأنه أوفد أصحابه الثلاثة مع شمون طوبيه، فتعرضوا في طريف العودة إلى اعتداء من قبل الجواسين الذي ألقي القبض عليهم وقتلوا في غرناطة؛ كما طلب منه إطلاق سراح شخصين أخذا في قرطاجنة. وهنا يذكره السلطان بالقواعد المعمول بها بينهم فيما يتعلق بأرض »الصلح« و»النفاق« ويطلب منه تسريح المأسورين في زمن الصلح ويخبره بسيرة التاجر الجنوي منول دي نغروني الذي باع سلعاً تعود لأهل أرغون في مدينة المرية وسيرة الغليوط الذي أسر بأجفان أرغون وفيه رعايا من أرض "النفاق" الذين ثقفوا لهذا السبب. ومع ذلك، فهويفهمه بتسريحهم حال تسريح المسلمين المأخوذين في الصلح. ويضيف إلى ذلك أنه قد خط إلى سلطان تلمسان في شأن رعاياه المأخوذين في البحر مرات حتى تم إطلاق سراحهم وهم في طريقهم إليه. ويختم السلطان رسالته بجملة شكايات حملها نيابة عنه سفيره يحيى بن ذنون لغرض حلها عملاً بالمثل ويبدي في آخر الرسالة ارتياحه من السفير الأرغوني غليم على ما ظهر منه وامتعاضه الشديد من موفده المرافق لغليم بيروروبرت (Pero Ropert)، لارتكابه أموراً منكرة وغير سليمة( ).

ولم يشهد عام 725 هـ/ 1325 م غير رسالة واحدة بعثها السلطان إسماعيل الأول إلى الملك جيمس الثاني أكد فيها استجابته لكل حاجة يريدها، ويطلب باللقاء تقديم العون لمبعوثه يحيى بن ذنون الذي وصل إلى أرغون لشراء حاجات من بينها الدواب والبغلة العائدة لبيرومركو(Pedro Marco) وأشياء أخرى( ).

وبحلول السادس والعشرين من رجب سنة 725 هـ/ يونيو1325 م، أعرب عن مقتل السلطان إسماعيل الأول على يد ابن عمه محمد بن إسماعيل ليخلفه ولده السلطان محمد الرابع( ) (725 ـ 733 هـ/ 1325 ـ 1333 م) الذي ما حتى استلم منطقيد الحكم حتى راح يرتب أوضاع بلاده. فانصرف إلى أرغون راغباً في تجديد الصلح مع ملكها جيمس الثاني، وبعث له رسالة في 11 جمادى الآخرة سنة 726 هـ/ 17 أيار 1326 م ذكر فيها استلامه لكتابه من يد رسوله جوان أنريق (Juan Enric) ورفيقه جيمس من قلعة أيوب متضمناً رغبة الملك في تجديد الصلح الذي كان سارياً مع والده مدة خمسة أعوام. فأكد موافقته على ذلك( ). وقد اشتملت المعاهدة البنود الآتية:  تجديد الصلح الذي كان سارياً بين المملكتين مدة خمسة أعوام أولها نصف شهر أيار سنة 1326 م/ أواسط جمادى الآخر سنة 726 هـ.  أن يتردد سكان المملكتين وأجفانهم إلى بعضهما آمنين براً وبحراً في نفوسهم وأموالهم وجميع أحوالهم سراً وجهراً.  أن يباح لتجار المملكتين البيع والشراء في جميع البضائع بقيمها المعتادة هنالك، ولهم الحق في إخراج ما يشترونه من إحدى الجهتين إلى الأخرى وحسب ما جرت به العادة من الحقوق الجمركية المعروفة بين البلدين ما عدا البضائع التي جرت العادة على منعها.  أن لا تتعرض أجفان المملكتين لبعضهما لا في بحر ولا مرسى، ولا لمن كان فيها من عدوأوصديق.  إذا ما استولى أي طرف على جفن لا يرجع لأي من الطرفين وكان فيه أحد من أهل الجهتين فيسرح في الحين مع ماله.  أن لا يتعرض أي طرف لمرسى من مراسي الطرف الآخر مهما كان فيها من كان من عدوأوصديق، ولا يتعرض بضرر لما في مراسي الطرف الثاني وسواحله وبحاره من الأجفان كائنة لمن كانت من المسلمين أوالنصارى ومن أي جهة كانت مدة هذا الصلح.  أن لا يعين أحد على الآخر عدواً، في البر ولا في البحر بأي وجه من وجوه الإعانة.  إذا خرج أحد على طاعة بلده، فلا يضم إلى ذلك البلد ولا يقدم له العون في قوت أوأي شيء آخر.  أن لا يمنع المسلمون المدجنون بمملكة أرغون من الخروج إلى أرض غرناطة بأموالهم وعيالهم من غير حتى يتعسف عليهم في شيء، ولا حتى يطلب منهم مغرماً إلا على وفق ما جرت به العادة( ).

وزيادة على ذلك، فقد أكدت الرسالة التي بعثها السلطان محمد الرابع في 11 جمادى الآخرة سنة 726 هـ/سبعة أيار 1326 م في موضوع العلاقات الاقتصادية مع مملكة أرغون، موافقته على إجراء التبادل بين المسلمين الذين أسروا بـ »سلورة الدعدع«( ) والأرغونيين الأربعة المبيعين بجزيرة ميورقة المحتجزين في غرناطة؛ كما أبلغه عن قيام إنسان من سكان أريولة يدعى بيدرواغرو(Pedro Grau) بتعمير شيطي في المدور، وأخذ بطرفي القبطة اثني عشر شخصاً من أهل المرية ترجاه في إعادتهم إلى بلاده والإيعاز بكف الضرر عن أراضي مملكته( ). وبقي حتى نذكر حتى العلاقات السياسية بين البلدين لم تقتصر في ضوء المراسلات على ملوك البلاد فحسب، بل حوت الوثائق رسائل تخص بعض وزراء غرناطة وقادتها، اشتملت موضوعاتها على مجموعة من القضايا التي تؤكد استعداد المرسل للعمل من أجل تعميق الصداقة والمودة مع مملكة أرغون.

ولقد برزت شخصية القائد عثمان بن أبي العلاء شيخ الغزاة في الأندلس الذي تواصل في مراسلاته مع الملك جيمس الثاني. فقد بعث له في 18 جمادى الأولى سنة 417 هـ/ 13 أيار 1314 م رسالة أوضح فيها عن وصول كتاب بيربوييل (Pero Boil) على يدي أبي الربيع سليمان خديم دولتهم يذكر فيها ود الملك جيمس الثاني للقائد. وقد لقن عثمان سليمان حفظاً أموراً لا يقدر على كتابتها تخص مصلحة البلدين( ).

وفي 18 ربيع الثاني سنة 721 هـ/ 23 أيار 1321 م، بعث القائد برسالة إلى الملك جيمس الثاني أفهمه فيها عن وصول رسالته بصحبة سفيره شمون دي طوبية بخصوص الصلح المبرم بين المملكتين وقد جدد فيها وده وحفظ عهده لملكهم( ).كما صدرت رسالة أخرى منه في 11 شوال سنة 723 هـ/ 13 تشرين الأول 1323 م طلب فيها الشفاعة لاثنين من رعايا الملك جيمس الثاني والعفوعنهما بعد حتى دخلا عليه( ).

وفي 19 شعبان سنة 724 هـ/ 12 آب 1324 م، بعث له رسالة أبلغه فيها بوصول كتابه بصحبة مبعوثه أحمد بن الحجاج؛ كما طلب فيها مساعدته بالعثور على الخريطة الموضوعة في كنانة من الخشب كان مبعوثه الحاج عبد اللام قد نسيها في دار أقام بها في أرغون يعهدها سيدون من رجالات الملك الأرغوني ويوجد معها كتاب من صاحب مصر اتى به مبعوثه القائد من الإسكندرية يخص السلطان النصري إسماعيل الأول ( ) وجدد عثمان في السنة التي تليها رسالة أخرى أكد فيها أهمية البحث عن الكنانة المفقودة لما تحتويه من رسائل مهمة تخص بلاده ( ). وكانت الرسالة الأخيرة التي بعثها عثمان إلى الملك جيمس الثاني في آخر ذي الحجة سنة 724 هـ/ 17 كانون الأول 1324 م تؤكد المودة القائمة بينهما ويطمئنه على سلامة وصول سفيره وأنه سيرجع بأخبار تسره( ).

وأخيراً، فقد كان من حصة والي قصبة المرية ( ) يوسف بن محمد بن كماشــة ( ) رسالــة واحـدة من بـين تلك الرسائـل خصبها الـدون ارنوطراش (D. Arnau Torres) والي اريولة بعثها له في 18 جمادى الثاني سنة 716 هـ/ثمانية أيلول 1316 م تضمنت الإجابة عن تساؤلات الأخير بشأن الصلح المقرر عقده بين المملكتين وأنه خط إلى مولاه ولم يصل جوابه بعد كما يطلب منه إيقاف عمليات الإغارة مدة عشرين يوماً حتى يتوضح الأمر بشكل نهائي.

من جميع ما تقدم يتبين حتى العلاقات الغرناطية الأرغونية اتسمت بطابع السلم وحرص الطرفين على استمرارها بما يخدم مصالح المملكتين السياسية والاقتصادية على الرغم مما كان يشوبها من فتور ناجم أحياناً عن الاضطرابات الداخلية التي تحصل بأوقات متباينة فيها بسبب المشكلات الخارجية التي ينجر لها أحدهم فتنعكس سلباً على الآخر.

وزيادة على ذلك، فقد كشفت لنا تلك المراسلات عن جملة من الحقائق تأتي في مقدمتها ظاهرة المدجنين في مملكة أرغون الذين كانوا يشكلون أثراً اقتصادياً وسياسياً واضحاً، فضلاً عن إبرازها لظاهرة الاعتداءات البحرية المتكررة بين المملكتين وما تسببه من مشكلات إنسانية واقتصادية جسيمة، إضافة إلى المشكلات التي كانت تقع بين الحين والآخر على البر فتدفع بقوة لتبادل المراسلات وإيفاد المبعوثين بغية حلها. ومن جانب آخر، فقد عكست تلك الرسائل الحالة السياسية التي تعيشها غرناطة داخلياً في تلك المدة ودرجة قوة سلاطينها والشخصيات الأخرى المتنفذة في البلاد كشيخ الغزاة منها.

وأخيراً، فإن المراسلات الغرناطية إلى مملكة أرغون قد أضاءت وأغنت المصادر التاريخية التي تناولت تلك المدة، من حيث أنها قدمت معلومات جديدة عن العلاقات بين المملكتين وضمن تفصيلات عما جرى بينهما تختلف عما ألمحت إليه تلك المصادر بصورة عاجلة ومتيسرة.


المصادر والمراجع

المصادر

  • الحميري، محمد بن عبد المنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، لبنان، 1984.
  • ابن الخطيب، لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق وتقديم محمد بن عبد الله عنان، القاهرة، دار المعارف، 1976.
  • ـ ـ ، النظرة البدرية في الدولة النصرية، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1978.
  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، العبر وديوان المبتدإ والخبر، بيروت، مؤسسة الأفهمي، 1959.
  • ابن أبي غرس، الأنيس المطرب بروض القرطاس، الرباط، دار المنصور، 1973.
  • ـ ـ ، الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، الرباط، دار المنصور، 1972.
  • العمري، أحمد بن يحيى بن فضل الله، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق مصطفى أبوضيف، ط 1، الدار البيضاء، 1988.
  • المراكشي، عبد الواحد بن علي، المعجب في تاريخ المغرب، تحقيق محمد بن سعيد العريان، القاهرة، لجنة إحياء التراث، 1963.


المراجع والدوريات

  • باشا، ضيا، الأندلس الذاهبة، تعريب عبد الرحمن أرشيدات، عمان، وزراة الثقافة، 1989.
  • بالاو، ماريونواريباس، »بنومرين في الاتفاقات المبرمة بين أرغون وغرناطة«، مجلة تطوان، العدد الثامن، الرباط، 1963.
  • برنشفيك، روبار، تاريخ إفريقية في العهد الحفصي من القرن 13 إلى نهاية القرن 15 م، ترجمة حمادي الساحلي، ط 1، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1988.
  • جوليان، شارل أندري، تاريخ إفريقيا الشمالية، ترجمة محمد مزالي والبشير بن سلامة، تونس، الدار التونسية، 1985.
  • الحجي، حياة ناصر، العلاقات بين سلطنة المماليك والممالك الإسبانية، الكويت، 1989.
  • الحموي، محمد ياسين، الأسطول العربي، دمشق، 1945.
  • حومد، أسعد، محنة العرب في الأندلس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1988.
  • عاشور، سعيد عبد الفتاح، أوربا العصور الوسطى، القاهرة، 1966.
  • عنان، محمد عبد الله، نهاية الأندلس وتاريخ العرب المنتصرين، القاهرة، مخطة الخانجي، 1966.
  • فرحات، يوسف شكري، غرناطة في ظل بني الأحمر، بيروت، المؤسسة الجامعية، 1982.
  • كرنجال، مارمول، إفريقيا، ترجمة محمد حجي وآخرون، الرباط، مخطة المعارف، 1984.
  • ماهر، سعاد، البحرية في مصر الإسلامية، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1967.
  • المنوني، محمد، ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين، الرباط، كلية الآداب، 1979.
  • Amari, DL Michele, I Diplomi Arabi R. Archivio Florention, Firenze, 1863.
  • Santon, A. and De Linares, R. G., Los documentos archivo de la Corona de Aragon, Madrid, 1940.
تاريخ النشر: 2020-06-04 05:04:48
التصنيفات: تاريخ الأندلس

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القضاء الأمريكى يتهم 3 صينيين وروسيين بسرقة أسرار صناعية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

إيطاليا: إجلاء 900 شخص جراء أمطار غزيرة وفيضانات

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:22:05
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

في ذكرى ميلاده.. أخر 5 أعمال تلفزيونية في مسيرة عادل إمام

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:35
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

فرنسا: الحكم على ساركوزي بالحبس 3 سنوات في قضية فساد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:22:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

24 مايو.. جلسة استماع لمارين لوبن حول علاقاتها مع روسيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:37
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

مصممة أزياء تصنع فساتين زفاف مستوحاة من الملكة شارلوت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:48
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

اسعار الاسماك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:31
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

الأحد.. نادي أدب آفاق اشتراكية يناقش المجموعة القصصية "الذي نخشاه"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

إصابة 6 فلسطينيين خلال اقتحام مستوطنين مقام يوسف بنابلس

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:22:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 70%

ندوة في "الأعلى للثقافة" بعنوان "قضية الوعي وأبعادها المختلفة" (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:54
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

مؤلفات شرقية وعالمية على هارب منال محيي الدين بالأوبرا.. غدًا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

برلماني: تخصيص الأراضي وتأسيس الشركات أبرز مكاسب "الأعلى للاستثمار"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:43
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

«الصف الأخير» يفتتح موسم سينمائى جديد بدور العرض المصرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:34
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

5 إطلالات الأفضل لـ كيندال جينر في مهرجان كان السينمائي (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:49
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

وزراء وأعضاء كنيست يهود يطلبون اقتحام الأقصى غدًا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:22:04
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

استعد للمرح.. كيف تستعد لقضاء عطلة صيف بشكل جديد؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:49
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

وزيرة الثقافة تُعلن فتح المتاحف التابعة للوزارة بالمجان غدًا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:55
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

لافروف: تراجع التصنيع فى أوروبا بوتيرة هائلة بسبب العقوبات ضد روسيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-17 12:21:38
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

تحميل تطبيق المنصة العربية