صفة جزيرة العرب
الهمداني (الحسن بن أحمد) 280- بعد 336هـ/893-بعد 947م هوأبومحمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود بن سليمان الأرحبي البكيلي الهمداني، ويستدل من (الموضوعة العاشرة) من كتابه (سرائر الحكمة) أنه ولد بصنعاء يوم الأربعاء 19 صفر سنة 280هـ الموافقعشرة مايو893م. ولا نعهد شيئاً عن نشأته سوى أنه بدأ يُحادث النفس بالأسفار منذ بلغ السابعة من عمره وكان أبوه رحالة ولج الكوفة والبصرة وبغداد وعمان ومصر. ويبدوحتى الهمداني شارك أهله في عملهم وهونقل الحجيج والتجار إلى مكة من صعدة، ثم انتقل إلى صعدة واستقر بها، وهوآنذاك في الخامسة عشرة من عمره، وبعد زمن ارتحل إلى مكة طالباً للفهم، وهوفي الخامسة والعشرين من عمره وجاورها أكثر من ست سنوات. وكانت فترة إقامته في مكة من أخصب سني التحصيل لديه، حيث تفتحت له آفاق الفهم، واتسعت بسطته في الفهم، فتصدر للتدريس وفهم شيئاً من فهم الأخبار، وخط صدراً من الحديث والفقه ورواه. وكانت مكة في ذلك العهد من مراكز الفهم يفد إليها كثير من فهماء البلدان الإسلامية لأداء فريضة الحج أوللمجاورة، فتسنى للهمداني حتى يتلقى الفهم عن بعضهم، ويظهر أنه اقتنى خلال هذه الفترة بعض الخط كدواوين الشعر ومؤلفات ابن الكلبي في الأنساب وغيرها. وفي نحو(311 هـ/ 923 م) عاد إلى اليمن ونزل صعدة مرة أخرى، وهي إذ ذاك كورة بلاد خولان، وقاعدة أئمة الزيدية، ومحطة مهمة على طريق التجارة الممتد من أقصى جنوب اليمن عبر مكة إلى بلاد الشام، ونقطة تجمع الحج من مختلف الجهات اليمنية، وكان قد توافر لصعدة استقرار نسي خلال فترات الهادي وابنيه المرتضى والناصر. وقد أدى ذلك إلى استقطاب كثير من الفهماء والأدباء والشعراء وطلاب الفهم، وكذلك التجار من داخل اليمن وخارجه، فقامت فيها حركة أدبية وفكرية وانتعشت فيها التجارة فكان حتى أفاد الهمداني من فنون الفهم التي كانت تزخر بها، كما أسهم فيها بنصيب وافر، لاسيما علوم الأخبار والأنساب والشعر. واشتهر الهمداني بالفهم بين أهلها، فعرض جاهه، وحمل قدره، واكتسب رضا رجال القبائل من خولان وما جاورها من همدان وحمير. وكانت صعدة من المراكز التي ورثت الخلاف السياسي والفكري. واتخذ ذلك الصراع في صعدة صوراً متعددة منها: عودة ذلك الخلاف القديم والخطير بين قبائل عرب الشمال وقبائل عرب الجنوب. وكان خلافاً معلوماً يدور حول مسألة الخلافة وأحقيتها، وقد تنازع فيه الناس بالسنان، وتجادلوا بالحجة واللسان، فأدى ذلك إلى بروز موروث تاريخي ملحمي عن حياة العرب قبل الإسلام، خاصة عن حياة عرب اليمن، فكان حتى انعكس ذلك الصراع، وما نتج عنه على الحركة الأدبية والفكرية في صعدة. ولم يكن بوسع الهمداني حتى يتجنب مثل ذلك الصراع إذ كان صميم الأمر، فهوشخصية أدبية مرموقة، وعالم شغوف باستقصاء أخبار وطنه، له صلات عديدة برجال خولان في صعدة وهمدان في أرضها، وقد جمع كثيراً من أخبارها ووقائعها ومفاخرها فخاض ذلك الصراع المحتدم الذي كان قائماً في صعدة منذ حتى وطد الإمام الهادي مركزه فيها وانتقل الصراع من السياسة والفكر إلى الأدب فتبارى الشعراء في نظم الأشعار التي تذكي الحمية وتوقظ العصبية بنوع من المفاخرة الشعرية، كان الكميت بن زيد الأسدي قد بدأها قبل نحوقرنين في قصيدته الموسومة بالمُمضىة، حيث يحرص جميع جانب على تبيان مناقبه ومثالب معارضه. ويبدوحتى الأمر قد تفاقم بين الهمداني وغيره من الشعراء، فنظم قصيدته التي ينحوفيها منحى الكميت، وسماها (الدامغة) فاستغلها خصمه، فكان حتى فتحت عليه أبواب الطعن، وسبل الاتهام وأثار عليه السلطان والناس كما نطق الهمداني نفسه في الموضوعة العاشرة. وسجن الهمداني على إثر ذلك، وكانت نكبة عظيمة ومشهورة رغم أنها لم تَعْدُ عشرة أيام، سنة(315 هـ/927 م). وقد عمل على فك الهمداني من سجن الإمام الناصر بصعدة بعض كبار رجال القبائل من خولان إلا حتى الإمام الناصر توعد الهمداني إذا عاد إلى مثلها، فخرج على إثر ذلك من صعدة إلى صنعاء مسقط رأسه طامعاً في حتى ينعم بحمى أميرها بالجاه العريض، والقدر الرفيع. ومن الجائز حتى اتصاله الوثيق بأبي نصر محمد بن عبد الله اليهري قد تم بصنعاء في هذه الفترة، وهوعالم ونسابة كما وصفه الهمداني بقوله: "شيخ حمير وناسبها وعلامتها وحامل سفرها ووارث ما ادخرته ملوك حمير في خزائنها من مكنون فهمها وقارئ مسندها والمحيط بلغاتها". ويستدل من بعض الإشارات على حتى الهمداني لم يأبه إلى توعد الناصر فانطلق يخط الأشعار ويجمع مفاخر قحطان، وألف (شرح الدامغة) في صنعاء، وظن أنه في حمى آل يعفر الحميريين، وأنهم لا ريب مانعوه. ولما بلغ الناصر حتى الهمداني لم يكف وقيل: إنه تنقصه أيضاً في بعض أشعاره، خط إلى أسعد بن أبي يعفر يعهده بما بلغه من ثلب الهمداني له، وكان بين الناصر وأسعد مودة شديدة ووفاق عريض فورد كتاب أسعد إلى أبي الفتوح الخطاب ابن أخيه أمير صنعاء يأمره فيه حتى يأمر بحبس الهمداني وتقييده فقيد وضُمِّن الحبس. وقد اختلط الأمر على الرواة في أمر سجن الهمداني حيث مزجوا بين سجنه لمدة قصيرة في صعدة علي يد الناصر، وبين سجنه الطويل في صنعاء على يد آل يعفر، أي بين سجنه عام (315هـ/927م) وسجنه عام(319 هـ/931م). وقد بادر إلى نجدته بعض رجال القبائل، فطالبوا به متوعدين فأذن بإطلاق سراحه في نحو17 ذي القعدة من عام 321 هـ/8 نوفمبر 933 م)، فانتقل بعد ذلك إلى ريدة من بلاد قاع البون حيث قضى الهمداني بقية عمره. وقد يحدث أبرز سبب نادىه للاستقرار فيها هووجود سند عائلي وقبلي، فقد كان سكان ريدة من العلويين الذي نعتهم الهمداني برهطة. إلى جانب وقوعها على مقربة من كثير من مواقع الآثار اليمنية القديمة التي عُنِى الهمداني بزيارتها واستقراء مساندها. وهناك انصرف كلية إلى التأليف الغزير، فخط (الإكليل) بأجزائه العشرة ليكون موسوعة الحضارة اليمنية القديمة، وقد أشار غير مرة إلى فترة اشتغاله بتأليفه نحوعام (330هـ/941م). ويستفاد من كتاب (صفة جزيرة العرب) أنه خطه بعد كتاب (الإكليل)، أما مصنفاته الأخرى مثل (اليعسوب، والأيام، والقوى، والزيج) فتدل الإحالات إليها في خطه أنها ألفت قبل عام (330 هـ/ 941 م). ورغم حتى بعض خط الهمداني قد رويت عنه مختصرة أومنقحة، وبعضها ما زال مفقوداً إلا أنه من الثابت أنه كان غزير التأليف، وأن إقامته في ريدة كانت أغنى فترات الإنتاج عنده، بعد حتى شغل قبل ذلك في مكة وصنعاء بالجمع والتحصيل. توفي الهمداني في ريدة، وبها قبره وبقية أهله، وقبره اليوم مجهول، وتاريخ وفاته غير ثابت وفيه خلاف، ويرجح أنه عاش إلى ما بعد (336هـ/947م).
