حازم القرطاجني
حازم بن محمد بن حازم أوأبوالحسن حازم بن محمد بن حازم القرطاجني (608 هـ/1211م - 684 هـ/1386) كان شاعرًا وأديبًا أخذ عن الشلوبين وعنه أخذ جماعة منهم العبدري. قدم إلى نطقب:مدينة تونس ومدح السلطان الحفصي أبي عبد الله محمد المستنصر، وأشهر قصائده له القصيدة الطائية. له تآليف منها: منهاج البلغاء وسراج الأدباء في البلاغة.
المولد والنشأة
في قرطاجنة المدينة الأندلسية ولد "حازم القرطاجني" سنة (608هـ = 1211م) وإليها نسب، ونشأ في أسرة ذات فهم ودين، فأبوه كان فقيهًا عالمًا، تولى قضاء قرطاجنة أكثر من أربعين عاما، وقد عني بولده فوجهه إلى طلب الفهم مبكرًا، فبعد حتى حفظ القرآن الكريم، وتفهم مبادئ القراءة والكتابة، تردد على حلقات الفهماء في بلده، ومرسية وغرناطة، وإشبيلية، وغيرها من المدن التي نجت من غزوالنصارى، وتتلمذ على عدد كبير من الفهماء، ولزم "أبا علي الشلوبين" شيخ فهماء العربية في عصره، وكانت فيه نزعة إلى الفلسفة، فأوصاه بقراءة خط ابن رشد بعد حتى توسم فيه النبوغ والذكاء.
الهجرة إلى المغرب
وبعد حتى سقطت قرطاجنة ومرسية في أيدي القشتاليين للمرة الأولى في سنة (640هـ= 1243م) غادر عدد كبير من الفهماء والأدباء الأندلس، ووجهوا شطرهم إما إلى بلاد المشرق الإسلامي أوإلى بلاد المغرب، وكان حازم القرطاجني ممن استقر به المقام في "مراكش"، والتحق بحاشية الخليفة الموحدي أبي محمد عبد الواحد الملقب بالرشيد، وكان بلاطه عامرًا بالأدباء والشعراء، ثم ما لبث حتى هجر مراكش إلى تونس، واتصل بسلطانها "أبي زكريا الحفصي"، فعهد له فضله وفهمه، فقربه منه، وعينه محررًا في ديوانه.
وكان أبوزكريا الحفصي محبًا للفهم مقدرًا الفهماء، يدعوهم إلى دولته للإقامة بها ويحيطهم برعايته؛ فقدم إليه كثير من الفهماء والشعراء الأندلسيين من أمثال ابن الأبار، وابن سيد الناس، وابن عصفور النحوي المعروف، وابن الرومية عالم النبات، وابن سعيد الأندلسي وغيرهم.
وبلغ من حب أبي زكريا الحفصي للأدباء والشعراء حتى جعل لهم بيتًا يقيمون به، ويجدون فيه جميع وسائل الراحة، ولما توفِّي أبوزكريا الحفصي خلفه ابنه "أبوعبد الله محمد المستنصر"، وكان على شاكلة أبيه في احترام الفهماء والأدباء وتقديرهم، ولهذا عثر حازم القرطاجني في ظل حكمه جميع عناية وتقدير، وكان المستنصر يثق به وبذوقه الأدبي، فكان يدفع إليه ببعض المؤلفات ليرى فيها رأيه ويقرر مستواها الفهمي.
حازم القرطاجني شاعراً
كان حازم القرطاجني شاعرًا مجيدًا، ووصف بأنه خاتمة شعراء الأندلس الفحول، مع تقدمه في فهم لسان العرب، وتعددت أغراض شعره فضمت المديح والغزل والوصف، والزهد والحنين إلى الأوطان وبكاء الديار والدعوة إلى تخليصها، واحتل المديح مكانًا كبيرًا في ديوانه، وقد خص أبا زكريا الحفصي وابنه المستنصر بمدائح كثيرة.
وأهم قصائده مقصورته التي مدح بها المستنصر، والمقصورة هي قصيدة طويلة تأتي على روي الألف المقصورة، وقد بلغت مقصورة حازم القرطاجني ألف بيت وستة، وقدّم لها بمقدمة نثرية أثنى فيها على الخليفة المستنصر، ثم حدد ما اشتملت عليه مقصورته من أغراض وفنون، مثل: المديح والغزل والحكمة والمثل، والوصف، وقد استهلها بالغزل منشدًا:
لله ما قد هجت يا يوم النَّوى
على فؤادي من تباريح الجوى
ويطيل في الغزل فيستغرق منه خمسين بيتًا، ناسجًا أكثر المعاني التي ألمّ بها شعراء الغزل، ثم ينتقل إلى مديح المستنصر في مائة وعشرين بيتًا، ويظل متنقلاً من غرض إلى آخر، حتى يصل إلى الحنين إلى الأوطان، فيذكر مأساة الأندلس التي انفرط عقدها، وسقطت مدنها في أيدي النصارى مدينة بعد أخرى، ويستصرخ الناس لنجدة الأندلس واستعادتها فيقول:
ولوسما خليفة الله لها
لافتلّها بالسيف منهم وافتدى
ففي ضمان سعده من فتحها
دين على طرف العوالي يقتضى
فقد أشادت ألسن الحال به
حي على استفتاحها حي على
وتعد مقصورة حازم إلى جانب قيمتها الفنية، وثيقة مهمة تتضمن كثيرًا من الحقائق التاريخية عن الدولة الحفصية، وتضم على تفصيلات تاريخية وجغرافية تتصل بالواقع الذي عاصره الشاعر في المغرب والأندلس، وقد كافأه الخليفة الحفصي المستنصر بألف دينار من المضى.
وقد حظيت المقصورة بتقدير الأدباء والنقاد، ونالت شهرة واسعة في حياة صاحبها وبعد وفاته، وقام بشرحها عدد من الفهماء، ومن أشهر تلك الشروح: "حمل الحجب المستورة عن محاسن المقصورة"، وقد طبع هذا الشرح في سنة (1344 = 1925م) بالقاهرة.
يقول في مدح المستنصر بالله:
|
|
||
| أجريت من عين ومن عين بها | نهرين قد عما البرايا والبرى | |
| وكفرت طاعته لمؤمن | طاعته لكافر فيما مضى | |
| وانساب في قصر أبي فهر الذي | بكل قصر في الجمال قد زرى | |
| قصر تراءى بين بحر سلسل | وسجسج من الظلامقد ضفا | |
| بحيرة أعلى الإله قدرها | قد عذب الماء بها وقد رها | |
منهاج البلغاء وسراج الأدباء
وهوكتاب في النقد والبلاغة تناول فيه حازم القول وأجزاءه، والأداء وطرقه، وأثر الكلام في السامعين، وقد وصل إلينا من الكتاب ثلاثة أقسام، تتناول صناعة الشعر، وطريقة نظمه، وتعمق في درس المعاني والمباني والأسلوب، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة موزع على أربعة أبواب يسمى جميع منهما باسم "منهج"، وكل باب أومنهج يتألف من فصول يطلق حازم عليها اسم "مَعْلم" أو"مَعْرف"، وكل فصل تتناثر فيه حدثتا إضاءة وتنوير، ويقصد بالإضاءة بسطًا لفكرة فرعية، والتنوير بسطًا لفكرة جزئية.
وقد مزج حازم في كتابه بين قواعد النقد الأدبي والبلاغة عند العرب، وقواعدهما عند اليونان، فقد عقد فصلاً طويلاً عن نظرية أرسطوفي الشعر والبلاغة، معتمدًا على تلخيص ابن سينا لكتاب أرسطوفي الشعر، الذي ضمنه الفن التاسع من كتابه "الشفاء"، وهذه هي المرة الأولى التي يعرض فيها أحد فهماء البلاغة من غير الفلاسفة لنظريات أرسطوفي البلاغة والشعر، والإفادة منها في فهم وبصيرة.
وقد نشر الكتاب محمد الحبيب بن الخوجة وحققه تحقيقًا فهميًا، وقدم له بمدخل فهمي تناول فيه حياة حازم، وتناول كتابه بالتحليل، وأبان عن قيمته بين خط البلاغة العربية.
ولحازم القرطاجني خط أخرى فُقد معظمها، مثل: "التجنيس" و"القوافي"، ومنظومة نحوية تعليمية.
ونشر عثمان الكعاك ديوانه في بيروت سنة (1384هـ= 1964م)، ثم استدرك محمد الحبيب بن الخوجة على الديوان، فنشر عدة قصائد أخرى لم ترد في ديوان حازم بعنوان قصائد ومبترات سنة (1392هـ = 1972م).
وفاته
ظل حازم القرطاجني في تونس ولم يغادرها، محاطًا بكل عناية وتقدير من حكام الدولة الحفصية، موزعًا وقته بين العمل في الديوان وعقد حلقات الفهم لتلاميذه، حتى تُوفِّي في ليلة السبت (24 من رمضان 684هـ = 23 من نوفمبر 1285م).
الهوامش
- ^ أحمد تمام (2007-06-17). "حازم القرطاجني.. تاريخ في قصيدة". إسلام اونلاين.
المصادر
- ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة– مخطة الخانجي– القاهرة– 1963م.
- المقري (أحمد بن محمد): نفح الطيب– تحقيق إحسان عباس– دار صادر– بيروت– (1388هـ = 1968م).
- كيلاني حسن سند: حازم القرطاجني حياته وشعره– الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة – 1986.
- شوقي ضيف: تاريخ الأدب العربي– عصر الدولة والإمارات (الأندلس)– دار المعارف– القاهرة – 1994م.
