الطائفية في لبنان

عودة للموسوعة

الطائفية في لبنان

في لبنان تنوع حضاري وثقافي وديني. وكان لبنان يتفاعل مع الأديان السماوية عند بذوخها مثل جميع بلاد الشام. وحاليا، يوجد في لبنان ثلاث ديانات معترف بها هي اليهودية والمسيحية والإسلام. وتعترف الحكومة اللبنانية بـ18 طائفة دينية معترف بها رسميا ويمثلها أعضاء في مجلس النواب اللبناني.

الطوائف اللبنانية

الإسلام

السُّنة

وهم أكبر المذاهب الإسلامية عدداً. ويهجرزون في شمالي لبنان ووسطه، خاصة في مدينتَي طرابلس وبيروت. وقد ارتفع شأنهم، خلال توقف الحروب الصليبية، بل عمد الحكام إلى نقْل أُسَر سُنية إلى السواحل اللبنانية، لتتولى حمايتها من أي عدوان، ولتكون قوة رادعة لأي تحرك مسيحي من الداخل. ولا يزال معظَم السُّنة منتشرين على طول الساحل، وفي مدنه. ويتميز السُّنة بمستوى ثقافي عالٍ. ويشاركون، بفاعلية، في الحياة السياسية. ويشغلون كثرة من المناصب، القضائية والإدارية والسياسية. ومنهم يختار مفتي الجمهورية اللبنانية. وهم يمثلون حوالي 25 % من عدد السكان في لبنان.

الشيعة

يقطنون في جبل عامل، في جنوبي لبنان، وفي سهل البقاع، ولا سيما حول بعلبك. وهم أقرب إلى التشكيل العشائري العربي التقليدي، وإنْ استطاعت أسرة "حمادة"، حتى تمد سيطرتها من البقاع، إلى منطقة الموارنة الجبلية.

الدروز

وُلدت عقيدتهم في مصر، ثم صدرت إلى الشام. وكانت، في نظر فهماء المسلمين، خروجاً على تعاليم الإسلام. فعانوا كثيراً من اضطهاد الحكام لهم. ومثلما احتمى الموارنة بجبل لبنان الشمالي، هجرز الدروز في المناطق الجبلية الوعرة، في جبل العرب، "جبل الدروز"، في سورية، والشوف ومنطقة الغرب في لبنان.

المسيحية

الموارنة

يمثلون أحد الجيوب، التي تكونت في أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، "موارنة جبل لبنان"، الذي هاجروا إليه، فراراً من اضطهاد مخالفيهم في العقيدة من المسيحيين. وهناك في الجبل، بين زغرتا وبشري وإهدن وكسروان، نمت الطائفة المارونية، ثقافياً وممضىياً، على يد الكنيسة المارونية. ولكن خلال الحروب الصليبية، عاون الموارنة الصليبيين، فأخذهم المسلمون، بقسوة، خلال القضاء على الوجود الصليبي وعقبه، في الشام، في القرن الثالث عشر. غير حتى آمالهم، ظلت معلقة بالغرب، في انتظار كَرَّة صليبية جديدة. ولكن حكام المسلمين، وأدوا تلك الآمال، إذ أحلوا، إبّان الحروب الصليبية وفي أعقابها، أُسَراً إسلامية سُنِّية، السواحل اللبنانية، لتتولى حمايتها من أي عدوان جديد، ولتكون قوة رادعة لأي تحرك معادٍ من الداخل. ولا يزال معظَم السُّنيين منتشرين على طول الساحل، وفي مدنه.


العلاقة الخاصة بين إسرائيل والموارنة

في 29 يوليو1937، نطق بن جوريون، تعليقاً على لجنة بيل: "إن إحدى الميزات الأساسية في الخطة الصهيونية، هي أنها تجعل لنا حدوداً مشهجرة مع لبنان. فهوالحليف الطبيعي لفلسطين اليهودية. وهومحاط، مثلنا، ببحر إسلامي. وهو، مثلنا، جزيرة حضارية في صحراء بدائية. ولذلك، فلبنان في حاجة إلى دعمنا وصداقتنا، قدر ما نحن في حاجة إلى دعمه وصداقته. وسوف تجد الدولة اليهودية فيه حليفاً وفياً، منذ اليوم الأول لوجودها. ولنقد يكون مستبعداً أننا سنجد، عبْر لبنان، الفرصة لتوسيع عملنا مع جيراننا".

ناهيك مطامع إسرائيل المعروفة في جنوبي لبنان حتى نهر الليطاني، التي تحدث عنها حاييم وايزمانChaim Weizmann، في مؤتمر باريس. فضلاً عما كشفته الرسائل المتبادلة بين بن جوريون وموشي شاريتMoshe Sharettوإلياهوساسون، مشروحة حتى بن جوريون اقترح، عام 1954، العمل على إنشاء دولة مارونية مستقلة في لبنان، وأن ذلك يخدم مصالح إسرائيل. ولكن موشي شاريت، عارض الفكرة. أمّا ساسون، فأبدى شكوكه في إمكانية تحقيق ذلك.

إذا كان هذا هوالموقف في الماضي، فإن الموقف، قبْل الحرب الأهلية مباشرة، عبرت عنه جريدة "هاآرتس" الإسرائيلية، في يناير عام 1975، حين رأت أنه يجب على إسرائيل، حتى تدرس الوسائل الفاعلة، لدفع نظام الحكم في لبنان إلى العمل على تقليص عمليات "المخربين" من أراضيه. وأوضح تعليق لحاييم هرتسوجChaim Herzog، من إذاعة إسرائيل، بعد خمسة أيام، حتى هناك شعوراً بأن النشاط العسكري الإسرائيلي في جنوبي لبنان، ليس فاعلاً. ولذلك، كان لا بدّ من البحث عن وسيلة أخرى. ويذكر إسحاق رابين، بعد اندلاع الحرب الأهلية، وكان رئيساً للوزارة الإسرائيلية، "أن الحرب اللبنانية، قد هجرت المستعمرات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية تحس بالأمان".

ودحضت حقائق عدة نفي إسرائيل لأي دعم أوتنسيق، بينها وبين "الجبهة اللبنانية". لعل أولاها الاجتماعات بين قيادة الجبهة وإسرائيل، إثر زيارة شربل القسيس، رئيس الرهبانيات، إلى إسرائيل، فيخمسة أبريل 1975، والتي انتهت مساء 13 أبريل، أي بعد ساعات من مذبحة عين الرمانة. ثم متابعة الاجتماعات، من طريق البحر، في إسرائيل، أوفي ميناء جونيه، البلدة التي عدتها "الجبهة اللبنانية" عاصمة لها. وقد أعرب عبد الحليم خدام، وزير خارجية سورية، حتى كميل شمعون، اتصل بإسرائيل أربع مرات، حتىعشرة يناير 1976، وأن شيمون بيريزShimon Peres، وزير دفاع إسرائيل السابق، زار جونيه ثلاثة مرات، آخرها كان فيعشرة أغسطس 1977، واجتمع خلالها بكميل شمعون.

وكانت أولاها في مايو1976، حين تحركت ثلاث سفن صاروخية، من ميناء حيفا إلى جونيه، وكانت إحداها تحمل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، وشيمون بيريز، وزير الدفاع. وانضم إليها سفينتان، تحمل الأولى كميل شمعون، وكان وزيراً للداخلية. والأخرى تحمل بيار الجميل، ويقودها رجال الضفادع البشرية الإسرائيليين. كما حتى الزعيمين رفضا التقاء رابين معاً. وقد طلب كلٌّ منهما التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية. وقدرت المساعدات الإسرائيلية لـ "الجبهة اللبنانية" بما قِيمته 35 مليون دولار، مساعدة مباشرة، ترتفع إلى 100 مليون، بالمساعدات غير المباشرة. ومنها نفقات فرض الحصار على الساحل اللبناني. وضمت قائمة الأسلحة، التي قدمتها إسرائيل إلى الجبهة، 110 دبابات، معخمسة آلاف بندقية آلية، علاوة على 12 ألف بندقية، إضافة إلى الملابس والمأكولات. ودربت إسرائيل في معسكراتها 1500 من متطوعي الجبهة. فضلاً عن حتى ضباط إسرائيل، كانوا على اتصال هاتفي مباشر مع قوات الجبهة. وقد بلغ تدفق الأسلحة إلى "الجبهة اللبنانية" حدّاً، أقفل معه ميناء جونيه، في أول يوليه، لأسبوعين، أفرغت، خلالهما، سفينتا شحن إسرائيليتان حمولتهما من الأسلحة؛ إذ لم يقتصر دور السفن الإسرائيلية على شحن الأسلحة الإسرائيلية، بل تعداه إلى شحن أسلحة حلف شمال الأطلسي، المرسلة إلى الموارنة، وشاركتها في الشحن منظمة إيوكاEOKAالقبرصية. وأكد دين براون، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، حتى إسرائيل قدمت المساعدات العسكرية إلى "الجبهة اللبنانية"، التي وجّه قادتُها خطاب شكر إلى وزير الدفاع شيمون بيريز، لدعمه قرى الجنوب اللبناني المسيحية. بل تشكلت في إسرائيل "لجنة مساعدة جنوبي لبنان"، التي تقنعت بتقديم الأغذية والأدوية. وأسقط قناعها نقلها، مثلاً، 40 طناً من الأسمنت، لبناء تحصينات عسكرية لقوات "الجبهة اللبنانية". طالما سعت إسرائيل إلى "تعويد" اللبنانيين، في الجنوب، شيعة وموارنة، التعامل معها، في مجالات مختلفة، حتى ترتبط مصالحهم بإسرائيل. فلم يتردد جيشها في تقديم مساعدات طبية إلى عدد من اللبنانيين، في مستشفاه على الحدود، وفي توفير الملجأ المؤقت أوالدائم لهم، إلى جانب المساعدات الغذائية، وترويج منتجاتهم الزراعية. فضلاً عن التنسيق بين الجنرال أرييل شارون، قائد الاحتياطي الإسرائيلي، في القطاع الجنوبي، وسعد حداد، قائد قوات "الجبهة اللبنانية" في الجنوب.

الروم الأرثوذكس

هم أكثر المسيحيين تعلقاً بالعرب والعروبة. وقفوا إلى جانب المسلمين ضد الصليبيين. كما حتى رجال الدين العرب الأرثوذكس الفقراء، قضوا، إلى حدّ ما، على الإكليروس اليوناني في الكنيسة الأرثوذكسية، في القرن التاسع عشر، لتصبح ذات طابع عربي. ويكثُر الأرثوذكس في منطقة "الكورة". ويبدوحتى انخفاض مستوى المعيشة بينهم، جعلهم هدفاً للبعثات التبشيرية، التي استطاعت حتى تحوّل الكثير منهم إلى موارنة وبروتستانت وكاثوليك.

الأرمن

فرت أعداد كبيرة منهم إلى لبنان، واستقروا في بيروت، حيث حافظوا على كيانهم الطائفي، إلى جانب الكثير من الطوائف الصغيرة الأخرى، مثل السريان والكلدان واليهود، حتى بلغ عدد الطوائف المعترف بها، قانوناً، في لبنان، في الوقت الحاضر، 17 طائفة. وأثناء الحكم المصري، شن عليه الموارنة والدروز حرباً، كانت بدورها، حرباً طائفية؛ إذ جمع الدروز والموارنة عداؤهما للمصريين، والعمل على إخراجهم من جبل لبنان. وإثر تدخّل الدول الكبرى ضد المصريين، غادر هؤلاء لبنان، فانفرط عقد الموارنة والدروز، ووجد جميع منهما نفسه في مواجَهة الآخر. وما لبثا حتى دخلا في صراع دموي رهيب، استمر من عام 1845 إلى ما عهد بـ "مذابح الستين" (1860). وأوفدت الدولة العثمانية حملة لتُنزل الضربات الشديدة بالدروز؛ إذ كانت أقدر على ضرب الدروز منها على ضرب الموارنة، الذين يحظون بعطف أوروبا، الطامعة في الشرق. وعمدت فرنسا إلى إرسال حملة إلى لبنان، دعماً للموارنة، وتأديباً للدروز، الذين توالت نكباتهم، حتى باتوا يبكون الحكم المصري. ومنذ ذلك الحين، والأُسَر المارونية، تعيش على ذكريات تلك المذابح، والأُسَر الإسلامية والدرزية، تبكي شهداءها، ومجدها الذي فقدتْه، وكلٌّ ينظر إلى الآخر بحذر شديد، خاصة الموارنة، الذين جعلهم شعورهم بأنهم أقلية، وسط أغلبية إسلامية ساحقة، في المشرق، يغالون في الحذر، حتى ترسخ فيهم الخوف، الذي أصبح، من وجهة نظر الزعامات الإسلامية، الدافع الأقوى للعصبية المارونية. وعقب مذابح 1860، وضعت تسوية على أساس طائفي، في مصلحة المسيحيين، وذلك في ما عُرف باسم نظام المتصرفية (1861 ـ 1915). إذ تقرر حتى يحصل الجبل على نوع من الحكم الذاتي، تحت رئاسة مسيحية، ويديره مجلس إدارة، وزِّعت مقاعده على الأساس الطائفي. كما تقرر حتىقد يكون مأمور جميع مقاطعة من الطائفة ذات الأغلبية العددية فيها. وأصبح لكل طائفة قضاتها. وحالت هذه القاعدة الطائفية، في رأي المسلمين اللبنانيين، على الرغم من تعديلاتها غير الجوهرية، دون حتى يصبح لبنان مجتمعاً متحداً، اجتماعياً.

وفي عهد المتصرفية، انطلق الموارنة في تطور سريع، ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.

وازدادت روابطهم بفرنسا قوة. وأصبحوا مَعيناً لا ينضب، من محترفي الصحافة والطباعة والتأليف والمسرح، فضلاً عن الصرافة وأعمال التجارة؛ في الوقت الذي كان فيه تطور الطوائف الأخرى بطيئاً جداً. وأغرى الموارنة تطورهم بالتطلع إلى استقلال تام عن الدولة (العثمانية الإسلامية)، التي كانت أوروبا تسعى، حينذاك، إلى اقتسامها.

وفي الوقت نفسه، كان العرب، كذلك، قد سئموا تخلّفهم تحت الحكم العثماني. فظهرت بين مسيحيي لبنان، حركة عربية مبكرة ضد الدولة العثمانية، ولكن زعامتها، سرعان ما انتقلت إلى المسلمين، لكونهم الأكثرية في المشرق العربي. ومن ديناميكية الطائفة المارونية، انبثق الخطر، إذ اتخذت من الحركة العربية وسيلة إلى التخلص من الحكم العثماني، وليس وسيلة إلى تكوين وحدة عربية؛ في الوقت الذي كانت فيه الحركة العربية، تتحول من تحرُّك إعلامي ضد الأتراك، إلى تحرك ثوري. ومع حتى نزعات عربية ـ إسلامية، نادت بالتعاون مع إنجلترا على الدولة العثمانية، قبَيل الحرب العالمية الأولى، وأن زعامات مارونية، نادت بالتعاون عليها مع فرنسا، إلاّ حتى الفارق بين الاتجاهين، حتى الزعماء المسلمين، كانوا يريدون استخدام قوى أوروبا في تحقيق وحدة عربية، أوعلى الأقل في الحصول على الاستقلال. بينما سعى الموارنة إلى استقدام فرنسا، لحمايتهم من حركة الوحدة العربية والعروبة. وكان طبيعياً حتى يرتفع شأن الموارنة، في ظل الانتداب الفرنسي، وأن تكون المناصب العليا مركزة في يدهم، وأن ينعَموا بالفوائد المالية، وأن تحظى مناطقهم بالمشروعات الواعدة، وأن يتاح لهم التعليم العالي الغربي، فيُقبِلون عليه دون أي تعقيدات. إلى غير ذلك، أسبغت الطائفية على الموارنة ثروة وسلطة، وأصبح المسلمون والدروز دونهم، اقتصاداً وثقافة. وبينما رفضت الزعامات والشعوب العربية، المسلمة، والكثير من الطوائف المسيحية الانتداب، الفرنسي أوالإنجليزي، وقاومته ما أمكنها المقاومة، رحّبت الطائفة المارونية بالانتداب الفرنسي، وتبادلت مع الغزاة الجدد حفلات الاستقبال. وكانت وجهة النظر المارونية قد أخذت تتبلور، في حتى للبنان قومية خاصة، متفردة، وأن الموارنة حُماتها. ونظراً إلى الوجود الفرنسي في البلاد (1920 ـ 1943)، كانت مقاومة المسلمين للتفوّق الماروني ضعيفة، خاصة حتى البلاد العربية، المحيطة بلبنان، كانت، هي الأخرى، تكافح من أجل استقلالها. وبعد الحرب العالمية الأولى، وخلال معركة الاستقلال، قابلت المشكلة الرئيسية زعماء لبنان، من مسلمين ومسيحيين، ألا وهي انتماء لبنان، ومدى إمكانية تحقيق اتحاد فيدرالي بين طوائفه، إلى جانب موقفه من الحركة العربية، الساعية إلى تكوين جامعة دول عربية، تضم دولاً، أغلبيتها الساحقة من المسلمين السُّنة. ولكن القادة اللبنانيين، وفي طليعتهم، بشارة الخوري، رئيس الجمهورية الماروني، ورياض الصلح، رئيس الوزراء، المسلم السُّني، توصلوا، فيسبعة أكتوبر 1943، إلى ما سمّي "الميثاق الوطني". تخلى الموارنة، بمقتضاه، عن الحماية الفرنسية، لقاء اطّراح المسلمين فكرة الاندماج في أي دولة عربية. هكذا، نهض الحكم اللبناني بجناحين، رسّخا طائفيته: الدستور والميثاق. فأصبح لكل طائفة، في عهد الاستقلال، كيان معنوي قانوني، يكاد يتمتع بحكم ذاتي، في مجالات الأحوال الشخصية وإدارة الأوقاف. وله مدارسه وجمعياته ومؤسساته، ورجاله الدينيون، برتبهم ومراتبهم. مما أنعش الطائفية، فتجاوزت كونها أساس مجتمعات متميزة، لتصبح أساساً حزبياً دينياً، يسعى إلى الحفاظ على الامتيازات، مثلما هي الحال، بالنسبة إلى الموارنة، أوإلى الحصول على المساواة، مثلما هي الحال، بالنسبة إلى السُّنة والشيعة والدروز. وما لبثت الطوائف، حتى اختلفت في مفهوم التوازن الطائفي. فلم يرَ فيه الموارنة، إلاّ الحفاظ على عوامل التفوّق الماروني. بينما رأى المسلمون حتى العصر ليس عصر المذاهب الدينية، وإنما عصر المذاهب الاجتماعية، وعصر الوحدات الكبرى، السياسية والاقتصادية والقومية. ومن تضارب الرؤيتَين، انبثق التصادم الخطير بين القومية العربية، التي يتعلق بها مسلمولبنان، والقومية اللبنانية، التي يتمسك بها الموارنة، ويحاولون إثبات وجودها، تاريخياً وواقعياً. وهوما اجتهد فيه المفكر الماروني، كمال يوسف الحاج، وتهلّل له بيار الجميل، زعيم "الكتائب".

أمّا كميل شمعون، الزعيم الماروني، ورئيس الجمهورية اللبنانية (1952 ـ 1958)، فقد قبِل مبدأ أيزنهاور، على الرغم من استنطقة معظَم الوزراء المسلمين من الحكومة. وأدى اتجاهه إلى تجديد مدة رئاسته، إلى تضامن المسلمين مع كمال جنبلاط في ثورة ضده، بينما ناصره معظَم الموارنة، ولا سيما "الكتائب". وإذا بالثورة ترتدي زياً طائفياً. ولئن حالت الثورة دون تجديد ولاية شمعون، فإنها لم تحل دون استمرار الطائفية، إذ انتهت إلى "لا غالب، ولا مغلوب".


التاريخ

بدأ بروز الطائفية في تاريخ لبنان الحديث بالترابط مع تصاعد الصراع الخارجي بين السلطنة العثمانية المسيطرة على لبنان والمنطقة، وبين تغلغل الدول الاوروبية التي بلغ التطور الرأسمالي فيها فترة الامبريالية التي حملت معها الصراع للسيطرة على بلدان وشعوب وأسواق أخرى واعادة اقتسام العالم، وفي هذا الاطار طرحت المسألة الشرقية: أقتسام هجرة الرجل المريض المتمثل بالسلطنة العثمانية.

نظام القائمقاميتين

1840-1860 كانت أولى نتائج هذا الصراع استخدام التعدد الطائفي واثارة الحساسيات لطمس الصراع الطبقي الذي تجلى بالعاميات الشعبية الفلاحية ولإقامة نظام القائمقاميتين. واحدة يسيطر عليها الدروز على جنوب خط الشام، والأخرى للمسيحيين.

انتهت هذه الفترة بلقاءة الثورة الفلاحية (طانيوس شاهين) بأحداث فتنة طائفية عام 1859-1860، وقد برزت أغراض التدخلات الخارجية وتصاعدها واستخدامها الطوائف والمذاهب داخلياً في بروتوكول 1861-1864.

نظام المتصرفية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى

1861-1919، اعطى الدول الأوروبية بحجة حماية الطوائف، دوراً مباشراً في الداخل اللبناني. فرنسا ترعى الطائفة المارونية، روسيا الأورثوذكس، النمسا الكاثوليك، وانكلترا الدروز... الخ. وتبقى الطائفة السنية والشيعية تحت رعاية وسلطة هجريا. وقد أنشات على هذا الاساس متصرفية جبل لبنان، مع لحظ مراعاة الطوائف في نظامها ومجلسه.

فترة الانتداب الفرنسي

1920-1943. تقسيم وتقاسم المنطقة وفقاً لاتفاق سايكس بيكو، ومع بدء الانتداب الفرنسي واعلان لبنان الكبير بحدوده الراهنة عام 1920، برزت مراعاة الطوائف في هجريبة المجالس لكن دون اعتماد توزيع المواقع الرئيسية على طوائف محدّدة.

دستور 1926 لم يتضمن نصاً يحدد التوزيع الطائفي رغم تضمنه مسألة مراعاة الطوائف في المجالس. "كان شارل دباس الأرثوذكسي رئيساً للجمهورية، ثم ايوب ثابت الانجيلي". (ليسوا موارنة).

بالإضافة الى تثبيت الطائفية في المجالس التمثيلية، قام الانتداب بتثبيت عناصر التبعية في البنية الاقتصادية ـ الاجتماعية.


فترة الاستقلال

كان التوافق الذي جرى عام 1943 بين ممثلي طوائف (الميثاق الوطني والصيغة)، والذي اوجد عهداً (إتفاق غير مكتوب)، بتوزيع المناصب الرئيسية للسلطة على اساس طائفي، مرتبطاً بحالة ظرفية ومؤقتة بهدف نيل الاستقلال، وتمهيداً لبناء الدولة المستقلة، (حدثة رياض الصلح) لكن البقاء على البنية نفسها للسلطة، وترسيخها في النظام القائم، ابقى الدولة والاستقلال في دائرة الحالة الظرفية رغم الاقرار بسلبياتها الكبيرة على الدولة والوطن والمجتمع. (المادة 95 من الدستور نصّت على اعتبار ان الطائفية مؤقتة)

(الحالة الظرفية تتمثل في موقف فريق من المسيحيين يتمسك ببقاء فرنسا، وبمناداة فريق من المسلمين بالانضمام الى سوريا، فكان الاتفاق على الميثاق والصيغة تحت عنوان طمأنة المسيحيين سبيلاً مسهلاً للاستقلال). كانت الكوتا الطائفية حتى عام 1989 (الطائف) على اساس اعطاء المسيحيين نسبةسبعة علىستة للمسلمين في مؤسسات الدولة.

احداث 1958 والحرب الأهلية 1975: لقد ادت الانقسامات التي جرى فيها إستخدام الطائفية في ظل تصاعد ازمات النظام داخلياً واحتدام الصراع العربي الاسرائيلي والمخطط الهجومي الاميركي على المواقع والقوى التحررية العربية، الى احداث 1958 مبدأ ايزنهاور. ثم الى اشعال الحرب الاهلية التي تفجّرت عام 1975، والتي تداخلت فيها العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية، وادت الى اطالتها وزيادة طابعها التدميري. وقد كشفت هذه الحرب مدى الضرر والخطر الذي ينجم عن الطائفية على الشعب والوطن.


اتفاق الطائف 1989

اقر المناصفة بين ممثلي المسيحيين والمسلمين في المجلس النيابي والحكومة، وموظفي الفئة الأولى. رغم ما اتى في اتفاق الطائف الذي اصبح في صلب الدستور اللبناني، من ضرورة تشكيل هيئة وطنية لبحث كيفية تجاوز الطائفية، وضرورة انتخاب اعضاء المجلس النيابي الثاني خارج القيد الطائفي، مع استحداث مجلس شيوخ للطوائف. فإنه كرّس بالنص التقاسم الطائفي والممضىي للمواقع الرئيسية للدولة. ونشأ عن ذلك وعن الممارسات السلطوية التي يطغى عليها طابع المحاصصة الطائفية والفئوية، ترسيخ وتفشي الطائفية في الدولة والمجتمع. ولم يجرِ تشكيل الهيئة الوطنية لبحث كيفية تجاوز الطائفية، ولا انتخاب اعضاء المجلس النيابي الثاني بعد الأول القائم على المناصفة، خارج القيد الطائفي.


احتجاجات 2011

احتجاجات بيروت 28 فبراير 2011.
محتجون لبنانيون يطالبون باسقاط النظام الطائفي 28 فبراير 2011.

في 27 فبراير 2011 احتشد مئات اللبنانيين في بيروت في تظاهرة للمطالبة باسقاط النظام الطائفي. وانطلقت التظاهرة التي دعت إليها جمعيات المجتمع المدني عبر كنيسة مار مخائيل في الشياح، الضاحية الجنوبية الشرقية لبيروت، إلى قصر العدل في بيروت الجنوبية، عبر شارع يفصل منطقة إسلامية عن أخرى مسيحية كانت انطلقت منها الحرب الأهلية في عام 1975 والتي استمرت ‬15 عاما. وأطلق المتظاهرون هتافات تطالب بإسقاط النظام الطائفي الذي يحكم لبنان كما طالبوا بتحسين الأوضاع المعيشية للبنانيين. ونادى المتظاهرون إلى قيام دولة مدنية، إضافة إلى الحق في العيش الكريم لكل المواطنين. وطالبوا بحمل الحد الأدنى للأجور، وتخفيض أسعار المواد الأساسية، وتخفيض أسعار المحروقات، وتعزيز التعليم الرسم، وتحقيق مبدأ تكافؤ فرص العمل العامة، والخاصة وإلغاء الوساطة والرشاوى، والحق بالمسكن اللائق وتعزيز الضمان الاجتماعي وإقرار ضمان الشيخوخة. وأصر المشاركون على تأكيد حتى لا انتماء سياسياً للمشاركين في التحرك الذي يدعمه عدد من الجمعيات المدنية والمجتمع الأهلي اللبناني.


انظر أيضا

  • سياسة لبنان

المصادر

  1. ^ طوائف لبنان ال18
  2. ^ الطوائف اللبنانية، يابيروت
  3. ^ تاريخ الطائفية في لبنان، الحزب الشيوعي اللبناني - دائرة التثقيف
  4. ^ دار الحياة، لبنان: الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي
  5. ^ البيان، تظاهرة في بيروت تطالب بإسقاط النظام الطائفي
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:42:08
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, الدين في لبنان

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الكاظمي: القوى الأمنية العراقية لن تنجر للصراعات السياسية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:18
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

من اللاعب الأغلى بين التعاقدات الجديدة؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:29
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 86%

مساعد بايدن الشخصي يستقيل من منصبه

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:15
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 87%

بـ3 مليارات دولار.. مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:59
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 92%

أبرز إنجازات مدربي أندية دوري روشن السعودي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:39
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

البيت الأبيض يخفض بشكل حاد توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي في 2022

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:35
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 100%

بسبب زيادة الهجرة.. اليونان تعزز إجراءات المراقبة مع تركيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:38
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 97%

روسيا: تعامل الغرب مع قصف أوكرانيا لمحطة زابوريجيا عبثي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:37
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 92%

السعودية.. تغيير مسمى دوري محمد بن سلمان للمحترفين إلى "روشن"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:22
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

الخارجية الصينية تقتبس مقولة لينين لوصف الديمقراطية الغربية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:14
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

هل تحضر جماهير الأهلي لقاء الفريق الأول في دوري الدرجة الأولى؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:20
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 88%

معهد البترول: هبوط مخزونات النفط الأميركي وزيادة في مخزون الوقود 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:35
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

بنفيكا يتأهل إلى دور مجموعات دوري أبطال أوروبا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:41
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

رؤساء رابطة الدوري السعودي للمحترفين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:18:22
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 91%

وست هام يتعاقد مع الإيطالي إيمرسون من تشيلسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:22
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 98%

وزير خارجية إيران في مالي.. هل تستغل طهران عزلة "الانقلابيين؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-24 00:17:36
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية