التدوين الرقمي في السعودية

يشير عدد من المثقفين السعوديين إلى حتى حركة التدوين الرقمي السياسي في بلدهم، لم تكتسب مكانة بالنسبة للحالة الثقافية للمشهد التاريخي المعاصر للمملكة.

فالمخطة المحلية لا تمتلك إرثاً تاريخياً سياسياً موثقا باستثناء ما كان مصاحباً للرؤية الرسمية السائدة، إلا حتى ذلك الأمر وفقاً لأحاديثهم، بدا مختلفاً في الخارج، من خلال اهتمام المؤرخين الغربيين بتدوين تاريخ المملكة السياسي، نظراَ للحالة الخاصة التي تتمتع بها الرياض من حيث مسقطها الإستراتيجي الديني والسياسي.

غلاف المملكة من الداخل لروبرت ليسي.

وكان آخر تلك التدوين الرقميات الغربية، ما قام به المؤرخ ومحرر السيرة الصحفي البريطاني روبرت ليسي في كتابه المملكة من الداخل، والذي قام فيه بتوثيق ثلاثة عقود (1979- 2009) من المواقف التي كادت تعصف "بالحياة السياسية السعودية من الداخل".

ولقي هذا الكتاب احتجاجاً من الحكومة السعودية، ممثلة في وزارة إعلامها في طبعتيه الإنجليزية (2009) والعربية (2011)، وهوما دفع إلى عدم نسخه وتوزيعه في السعودية، بالرغم من إدلاء شخصيات رفيعة المستوى، بشهاداتها في بعض فصول الكتاب.

الإسهامات المحلية

أما محلياً فاتى التدوين الرقمي مؤخراً مع كتاب "السجين 32 .. أحلام محمد سعيد طيب وهزائمه"، وهوسلسلة حوارات معمقة، أجراها الصحافي أحمد عدنان مع الإصلاحي السعودي محمد سعيد طيب، الذي تعرض لأكثر من اعتنطق سياسي، كان آخرها بأمر مباشر من الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود، والذي وثق فيه المنعطفات التاريخية الهامة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، والتي تمتد لأكثر من أربعة عقود ماضية.

تقلبات حرية التدوين الرقمي

وأكد أحمد عدنان -وهوصحفي سياسي سعودي مقيم في بيروت- حتى حركة التدوين الرقمي السياسي السعودي لا زالت في بداياتها، مضيفاً أنه عند الحديث عن تدوين المنعطفات والمراحل السياسية في تاريخ الدولة، يجب حتى يوضع في الحسبان حدود فاصلة في حركة التدوين الرقمي ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما بعدها، باعتبار الحدث يمثل فاصلا تاريخيا مهما ومؤثرا في التدوين الرقمي السياسي.

يعطي عدنان أسباباً أخرى، يرى أنها تؤثر جذرياً في استمرار ضعف حركة التدوين الرقمي السياسي المحلي، والتي من بينها، ندرة الكتاب السياسيين المحليين الذين أضحوا عملة نادرة، بالإضافة إلى غياب الصحفيين السياسيين السعوديين، حيث من يدير دفة أقسام الشؤون السياسية في الإعلام المحلي صحفيون عرب، كذلك ضعف الجانب الأكاديمي لأقسام العلوم السياسية في جامعاتنا.

النضوج الثقافي

وأشار أحد أصحاب دور النشر المحلية إلى حتى هناك امتيازات رسمية وتسهيلات، تقدم من الجهات المختصة للمؤرخين والصحفيين الأجانب المتخصصين في التدوين الرقمي السياسي، بل إذا بعض المسؤولين مثلاً يفضلون إعطاء كواليس التاريخ السياسي للصحفيين الأجانب والعرب.

ونطقوا إذا تلك التسهيلات ليست على المستوى نفسه، إذا كان الأمر متعلقاً بحركة النشر الداخلي، ولم تتمكن الجزيرة نت من الحصول على تأكيدات لصحة ما أشارت له المعلومة السابقة من قبل مصدر رسمي سعودي.

عدد من المثقفين الذين تحدثوا للجزيرة نت وفضلوا عدم ذكر أسمائهم، أوضحوا حتى حالة الضعف الشديد التي وصفوا بها حالة التدوين الرقمي السياسي المحلي، لا ترتبط فقط بمجرد رواية التاريخ السياسي، بل ترتبط بحمل مستوى حالة النضوج في المشهد الثقافي المحلي العام أيضاً، وعدم هجر سردية التاريخ لحركة النشر الداخلي، الذي من الممكن يصنع معطيات غير واقعية يمكن حتى تمس بالأمن القومي السعودي.

وأشاروا في أحاديثهم الهاتفية مع الجزيرة نت إلى حتى حالات الانفتاح التي تشهدها المنطقة العربية بعمل الثورات الشعبية عموماً، يجب حتى يصاحبها انفتاح في حركة التدوين الرقمي السياسي الداخلي.

وأكدوا في مشروح آخر ضرورة عدم حصر حركة التدوين الرقمي السياسي في مواقف السلطة السياسية التاريخية، بل يجب حتى تضم صانعي بعض الأحداث من الحركات الإسلامية والليبرالية واليسارية، بل وحتى الممضىية كحركة المعارضة الشيعية، التي عادت للبلد إثر صفقة سياسية مع الدولة عام 1993، والتي يرون فيها أنها لم توثق تاريخها بعد، بشكل حيادي يبحث الإخفاقات والفوزات والكبوات.