العصبية القبلية هي نوع من أنواع التراث التاريخي وهي موجودة عند العرب ليومنا هذا ومن أبرز هذة الامثال الايجابية على العصبية القبلية هي:

1-القبيلة

2- شيخ القبيلة

3-الشعر

4- العائلة في الجتمع

5- الديانة والمعتقدات

6- الجاد والوفاء

7- الأشهر الحرم

مفهوم العصبيَّة القبليَّة

إذا ذكر هذا الهجريب (العصبيَّة القبليَّة) تخيَّل الناس اليوم له ظلالاً غير مرغوب فيها، لما صار يلازمه من إعانة الظالم على ظلمه لأنَّ رابطاً من النسب يربط المُعين له به؛ ولكن عند الرجوع إلى خط اللُّغة لفهم أصل العصبية يظهر أنها في الأصل بريئة من هذه الظلال، فهي مأخوذة من العصب وهوالشَّدُّ والجمع، ومنه العصابة وهي العمامة، لأنَّ الرجل يشد بها رأسه، وكذلك جميع ما يُعصَب به الكسر ونحوه، ومنه عصبة الرجل، وهم بنوه وأقرباؤه لأبيه، لأنه بهم يشدُّ أزره ويتقوَّى، والعصبية حتى يدعوالرجل عصبته إلى التجمُّع لنصرته، فالأصل حتى العصبيَّة تحمل معنى الاجتماع وشدِّ الأزر والتوحد والغيرة على ذي الرحم والجماعة، وهي أمور من الفطرة السليمة في حب القريب لقريبه، وهوأمر حسن في المجتمع القائم على العدل، غير أنه إذا فقد العدل، وصارت الغلبة فيه للقوي على الضعيف، كما هي الحال في المجتمع الجاهلي وما أشبهه، تحولت العصبية إلى حتى يميل الرجل إلى نصرة قبيلته أوجماعته على من سواهم، سواء أكانوا ظالمين أم مظلومين.

العصبية القبلية في الجاهلية وبعض مظاهرها

كان المجتمع العربي في الجاهلية مجتمعاً قبليّاً في البوادي والحواضر تحكمه القوانين والأعراف التي تضمن للقبيلة بقاءها، ولذلك شاعت بينهم العصبية بالمعنى الذي يحمله المثل الجاهلي «انصر أخاك ظالماً أومظلوماً»، وكانت هذه العصبيَّة على طبقات تناسب الجماعة التي ينتسب إليها أحدهم، فهوفي قبيلته يتعصب لأسرته على سائر الأسر، والبطن الذي هومنه على سائر البطون، ويتعصب للقبائل التي يجمعها مع قبيلته أب واحد قريب على القبائل التي يجمعها مع قبيلته أب بعيد، وإلى جانب رابطة الدَّم هذه كانت روابط أخرى كالولاء والجوار والتحالف والمصاهرة، وكلُّها داعيةٌ إلى ضروب من التَّعصب متفاوتة القوة، وتقتضي هذه العصبيَّة أموراً تدلُّ عليها أمثالهم وأشعارهم، ومنها حتىقد يكون همُّ القبيلة والدفاع عنها مقدَّماً على ما سواه من الهموم الخاصَّة، ولاسيَّما إذا كان الرَّجل سيِّداً في قبيلته، وفي ذلك يقول عامر بن الطُّفيل العامريُّ:

وإني وإن كنت ابن سيِّد عامرٍ * وفارسها المشهور في جميع موكبِ

فما سوَّدتني عامر عن وراثـةٍ * أبى الله حتى أســموبأم ولا أبِ

ولكنني أحمي حماهــا وأتقي * أذاها، وأرمي من رماها بمنكبِ

وتقتضي حتى تنصر القبيلةُ أيَّ فردٍ منها على من سواه، ظالماً كان أومظلوماً، من دون حتى يسـألوا عن الحق إلى أيِّ جانبٍ هو، ولذلك أثنى قريط بن أنيف العنبري على بني مازن لاجتماعهم عند الحفيظة، فنطق:

لا يسألون أخاهم حين يندبُهم * في النَّائبات على ما نطق برهانا

ويظهر تعصب الجاهليِّ لأقاربه الأدنين على أقاربه الأبعدين في مثل قول قيس بن زهير العبسي حين قتـل حَمَل بن بدر الفَزَاري الذُّبياني في حربٍ كانت بين الحيِّين، وكلاهما من غَطَفان:

شفيتُ النَّفس من حَمَلِ بنِ بدرٍ * وسيفي من حذيفةَ قد شفاني

فإن أك قد بَرَدْتُ بهم غليــلي * فلم أبتر بهـم إلا بنــاني

وكان على القبيلة حتى تحمل مجتمعـةً عواقب أي جناية يجنيها أحد أفرادها أوتُجنى عليها، ولذلك نطقوا في أمثالهم: «في الجريرة تشهجر العشيرة». ومن مظاهر العصبيَّة القبليَّة حتى الجاهليَّ كان عليه حتى يسير في ركاب الجماعة، ولوكان يراهم على غير هدى، حفاظاً على وحدة حدثتهم، ويصوِّر ذلك دريد بن الصِّمَّة في قوله:

وهل أنا إلا من غَزِيَّةَ إذا غوت * غويتُ، وإن ترشدْ غزيةُ أرْشُدِ

ولكنَّ أبرز تلك المظاهر هي الدَّعوة إلى الأخذ بالثأر، والتَّشدد في ذلك، والرَّغبة عن قبول الديات التي تحقن الدِّماء، وشدة النَّكير على من يرضى بها، وازدراء من يتهاون في طلب الثأر، لأنَّ الدَّم لا يغسله إلا الدَّمُ، ولذلك نطقت كبشة بنت معدي كرب:

فإن أنتم لم تثـأروا واتَّديتُمُ * فمشُّوا بآذان النَّعام المُصَلَّمِ

وكان الأخذ بالثأر منبعاً للفخر بالحفاظ على الدِّماء، كقول قيس بن الخطيم:

ثأرت عَديّاً والخطيم ، فلم أُضِعْ * ولايةَ أشياخٍ جُعِلْتُ إزاءها

على حتى ذلك كلَّه لا يعدم من يخرقه ويخرج عليـه، بل إذا من تكثر جناياته من أبناء القبيلة ويجرُّ عليها عداوة القبائل كانت تخلعه وتتبرأ منه في المواسم المشهودة.

الإسلام وموقفه من العصبية القبلية

إذا كان الأصل في العصبية ما تجاوز من تجميع القوم، وشدِّ بعضِهم بعضاً، فإن الإسلام لم يكن ليقف موقفاً معادياً لها لوبقيت على هذا الأصل، لأنه دين يدعوإلى تجمُّعِ الأمَّة كلِّها على أسـاس أُخُوَّة الدِّين، وإلى تجميع أفراد الأسر والقبائل، واتى في الحديث: «تعلَّموا من أنسـابكم ما تَصِلُون به أرحامَكم»، ولما كانت حال العصبية القبلية قد آلت في الجاهلية إلى حتى ينصر الرجل قومه ولوكانوا ظالمين وقف منها موقفاً معادياً، ونادى إلى هجرها، وذم الحميَّة القائمة على أساس قبلي، فنطق تعالى:)إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميَّةَ حميَّةَ الجاهليَّة( وذمَّ الرَّجل العصبيَّ فقد اتى في الحديث: «العصبيُّ من يعين قومه على الظُّلم». واتى فيه أيضاً: «ليس منَّـا من نادى إلى عصبيَّةٍ أوقاتل عصبيَّةً» ونادى النبيُّ إلى تسليم الاتجاه في العصبية حين تمثَّل بقول العرب: «انصر أخاك ظالماً أومظلوماً» فلما سـئل كيف من الممكن أن يعين المرء أخاه إذا كان ظالماً نطق: «أن يردَّه عن ظُلمه»، وعلى نهج النبيِّr سـار الخلفاء الراشدون فقدَّموا من قدَّمه الإسلام، وأخَّروا من أخَّره، وإن كان من أشراف قومه في الجاهلية، وأعطوا النَّاس أُعطياتهم بناء على سابقتهم في الإسلام، لا على أنسابهم، وكان من المظاهر الحسنة للعصبية القبلية ما كان من تنافسٍ بين الأوس والخزرج في نصرة الإسلام، فلا يصنع الأوس شيئاً إلا خلق الخزرج صنيعهم، ومنه ما كان من تنافسٍ القبائل في البلاء الحسن أيام الفتوح.

على حتى ذلك كلَّه لم يمنع بعض المظاهر السيئة للعصبية حتى تظهر من خلال عمل أوقول يؤكد تمكُّن العصبية من نفوسهم، ولا يعدم المتتبع لأخبـار العرب بعد الإسـلام الوقوف على شيء من ذلك، ففي بعض الحوادث نطق رأس المنافقين عبد الله بن أُبَيّ يحرض الأنصار على المهاجرين: «قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش إلا كما نطق الأول: سمِّن كلبك يأكلْك». ولما توفي النبيr ظهرت النزعة القبلية في عدد من المواقف بدءاً بسقيفة بني ساعدة، كاعتراض نفر من قريش والأنصار على خلافة أبي بكر، وحركة الردَّة التي ظهرت في أنحاء الجزيرة العربية، فوقف أبوبكر ومن حوله من كبار الصحابة موقفاً حازماً من تلك النزعات، حتى أخمدت نارها، ثم إنها عادت للظهور بعد مقتـل عثمانt، وبرزت العصبية للتجمعات القبلية الكبيرة حين انقسم المسلمون إلى جيشين كبيرين يقتتلان، أحدهما إلى جانب عليّ والآخر إلى جانب معاوية، وكان في الجيشـين قبـائل من نزار المُضريَّة وقحطان اليمانيَّة، فكانت تلك القبائل تُظهر من القتال والمواقف ما يدلُّ على تلك العصبية، ومن آثار ذلك في الشِّعر ما اتى على لسان أبي الطُّفيل الكناني، وكان قومه في صفِّ عليٍّ، إذ يذكر ما كان من قتالهم لقبائل من أهل اليمن كانوا إلى صف معاوية:

لقينا قبائل أنســابُهم * إلى حضرموت وأهل الجَنَدْ

فلما تنادوا بآبائهــم * دعونا مَعَــدّاً ونعم المَعَدّ

واشتدَّ أوار هذه النزعة في العصر الأموي، إذ كانت خطورتها في أنها صارت تضم الكتل القبلية الضخمة، فكانت فيه وقائع كثيرة بين قبائل قيس عيلان وقبائل اليمن في الشـام بعد سقطـة مرج راهط التي مال فيها القيسيون إلى عبد الله بن الزبير، ومال اليمنيون إلى بني أمية، وكذلك الوقائع التي كانت في الجزيرة الشَّامية بين قيس وتغلب، حتى إذا بعض القبائل هجر انتماءه الذي كان يُعهد به قبل الإسلام، إلى انتماء لم يُشتهر به، فقبائل قضاعة كانت تعد في قبائل مَعَدّ، ولكنها لما كانت في الشام ومالت إلى بني أمية وحالفت قبائل اليمن انتسبت إلى حمير، ونطق بعضهم:

يا أيها الداعي ادعنا وبشِّرِ * وكن قضـــاعيّاً ولا تنزَّرِ

نحن بنوالشَّيخ الهجان الأزهر * قضاعــةَ بنِ مالكِ بنِ حِمير

وهجرت هذه الوقائع أثرها الواضح في أشـعار العصر الأموي، كقول القطامي يخاطب كلبا، وهي أكبر قبائل قضاعة:

أكلبُ هلمَّ نحن بنوأبيكم * ودعوى الزُّور منسيرة وعارُ

لقد فهمت كهولهم القدامى * إذا قعدوا كأنّهم النِّســـار

بأن قضاعة الأولى معـد * لِقرم لا تغطُّ له البِكـــار

فإن تَعْزِل قضاعة عن مَعَدٍّ * تَصِرْ تبعاً وللتَّبع الصَّغـار

ثم إذا العصبية القبلية في بعض البلدان المفتوحة كالأندلس كانت سبباً في وقوع الفتن بين الكتل القبلية الكبيرة، ولاسيما في القرن الثاني الهجري، إذ تخلى المتعصبون عن وحدة المعتقد والمبادئ ورجحوا عليها وحدة النسب والمصالح، على حتى العصبية القبلية تختلف من بيئة إلى أخرى، حتى إنها تكاد تختفي بمحاسنها ومساوئها في المجتمعات التي تحضَّرت ومرَّ عليها زمن بعد الإسلام، ولكنها بقيت في كثير من القرى والبوادي على ما كانت عليه في العصور السَّالفة.