أيديولوجية التكفير
التكفير برتبط بعقيدة الولاء والبراء ، فهوالاتهام أوالقذف بصفة الكفر أي الخروج من الملة ، سواء لأشخاص أوفرق أومؤسسات أونظم حاكمة أوخلافه ، وتنبني عقلية المُكفِر الأيديولوجية على عنصرين أساسيين يعطيان بنيته التكفيرية حيزها وماهيتها الثابتة وهما:
- . عنصر سياسي: يرتبط بجمل المصالح الاجتماعية التي تبررها فكرة التكفير وتمنحها الشرعية والسلطة.
- . عنصر معهدي: يتعلق بالبديهيات غير المفحوصة التي تشتغل في وعي المكفر والتي غالباً ما يلجأ حيالها لسلاح التكفير وهوالسلاح الأكثر عدمية أخلاقية.
وبقراءة متمعنة لتاريخ عقلية التكفير يمكننا البتر بأن إخراج المكفَر ( من سقط عليه عمل التكفير ) من دائرة الأمة (الروحية ) – جماعة المؤمنين، ليس إلا ترتيباً دينياً رأسياً يقصد به في الأساس – بجانب الاستحواذ القيمي – إخراجه من نظام الحقوق والامتيازات المادية والمعنوية. لذا فالتكفير كعمل أيديولوجي لا دين له إلا المصلحة البحتة، وحمل رأس المال الاجتماعي – الجامع الذي يؤدي لتفكيك البنية المجتمعية لصالح الجماعة أوالطائفة. أي حتى التكفير وإن لبس لبوساً دينياً فلا يجب حتى يصرفنا عن الخلفية غير الدينية التي تؤسس لها عقلية "الغاية تبرر الوسيلة"، وانعكاسها بمنظار السسيولوجيا الثقافية التي تستلزمها مراقبة مجتمعاتنا العربية وتفضح ظواهرها المادية، وصراعات قواها الداخلية الدينية، وذلك سببه يعود لمقاربة أيدولوجية غير أمينة لـ " مركزية الدين في الهوية والثقافة".
إن الإيمان بحيازة الحقيقة المطلقة هوالمنبع النابض لأيدولوجيا التكفير، والذي يعطيها حيزها الوجودي اللازم لحمى زيادة رأس المال الاجتماعي – الجامع على حساب العابر، فقد تميزت الحضارة الإسلامية بإعطاء الحيز الأفقي اللازم لرأس المال الاجتماعي بنوعيه وحضور الدين الإسلامي فيهما بما يتناسب مع تفاصيل الزمان والمكان الحضارية، جاعلة من عقلية " أنا أكِّفر إذاً أنا موجود" تمظهراً للسقوط الحضاري والسلطوي، وليس تماسكاً فكرياً وعقلياً، ومن شواهد التاريخ:
- . مقولة المعتزلة معبرين عن أنفسهم أنهم "أهل عدل"، مقدمين العدل بتعريفهم "توفير حق الغير، واستيفاء الحق منه" *12.
- . " الرشدية اللاتينية " نسبة لابن رشد والتي أسست بحسب وصف مارتن لوثر لفصل سلطة الكنيسة عن علاقة الإنسان وخالقه، معلناً مولد البروتستانتية.
فمن مقولات ابن رشد: "... ومن العدل حتى يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه، أعني حتى يجهد نفسه في طلب الحجج لخصومه كما يجهد نفسه في طلب الحجج لممضىه وأن يقبل لهم من الحجج النوع الذي يقبله لنفسه" *13.
إن القارئ لأغلب ما يأتي به أصحاب " العنف المقدس – المؤدلج "، لا يخفى عليه جنوحهم للدفاع عن ممارستين شاذتين:
- . ممارسة السياسة في الدين: بإخضاع الإسلام إلى متطلبات السياسة والمصلحة والصراع.
- . ممارسة الدين في السياسة: من خلال بناء مسقط قوي فيها باسم "المقدس".
ومن هاتين النقطتين تتولد الحاجة للعنف – التكفير بحثاً عن شرعية بتلك الممارسات، وسلطة ممارسة المظهر القيمي الذي لا يستوي بنيانه من دون حضور "المدنس" الذي يقابل "المقدس".