الخطاب الأدبي

عودة للموسوعة

الخطاب الأدبي

مستخدم:سليمة محفوظي
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

الخطاب الأدبي ومقتضيات التلقي، يتميز الخطاب الشفوي بفرص ليست متاحة للخطاب المكتوب. فالشفوي فيه حضور متحدثين ويمكن حتى يستعان فيه بالحركات والاشارات ويمكن تبادل الأدوار بين المتحدث ومستمع فضلا عن أنه يمكن التحقق من آثار الخطاب وتسليمها فوراً إذا وجب التسليم. بينما تعترض القارئ جملة من الصعوبات نحاول حتى نتبينها لاحقا.

إن الموضوع نظرية القراءة وآليات التلقي يجعلنا ننصرف مباشرة إلى الخطاب الأدبي بسبب ما يميز الإنتاج الأدبي من خصوصية بلغت درجة من التعقيد تستدعي البحث والمساءلة وقد مضى "فيني جيرار" إلى حتى العلاقة بين المنشئ والمتلقي هي العلاقة مبنية على عدم اليقين، بحيث إذا المحرر وهوليس متأكد من نوايا القارئ، كما حتى القارئ وهويقرأ ليس متيقنا من مقاصد المحرر، فالعلاقة بين الطرفين تقوم على الشك والاحتمال أصلا وهذا يعود إلى طبيعة الخطاب الأدبي من جهة ثانية إلى عملية التلقي.

إن الخطاب الأدبي من طبيعته، بل من شروط أدبيته ان يجعل الأمور المألوفة تبدووكأنها غير مألوفة، وهذا العمل الذي يتجه نحوخرق المألوف هوما يخلق الغرابة وما يغلف العمل الأدبي بهالة من السر قد تستعصي على التفسير ولعل هذه الظاهرة هي التي جعلت قدماء اليونان ينسبون الشعر إلى آلهة الأولمب وقدماء العرب ينسبونه إلى شياطين وادي عبقر. إن هؤلاء وأولئك جميعا كان يؤرقهم سؤال لا يخص الشعر وحده وإنما ينسحب على جميع مظاهر الكون الغريبة والمدهشة، السؤال الذي فحواه "من أين اتى؟". ولعل الانسان غير مسيرته التاريخية اهتدى إلى جواب يطمئن إليه وذلك بالتفكير في خالق علوي، وربما يئس من تكرار سؤال يعجز حتى يجيب عنه، لكنه في كلتا الحالتين ألزم نفسه بطرح السؤال المصيري "لماذا اتى الذي اتى؟"

إن هذين السؤالين المتعلقين بالخلقية جمعاء يصدقان على الظاهرة الأدبية أيضا سوى حتى الأمر بالنسبة للإنسانقد يكون من المنشأ إلى القيامة، بينماقد يكون بالنسبة للأدب من مصدر غيبي أوذاتي ملغز أوواقعي إلى غاية اجتماعية أوإلى اللاغاية إطلاقا. وإذا ما سلمنا ((أن الأديب أوالمفكر هوأثره ثم أثره، استمرار لا تأكيدا وتكرارا وساعات الانتاج هي أكثر الساعات التيقد يكون فيها صاحب الأثر أدبه أوفكره)) فإن ذلك يعني حتى المبدع قد يصبح انسانا أخر خارج لحظة الكتابة. والراي الذي يشرط الإبداع بالعفوية وحدها يبلغ حدا من التطرف يسلب الأنسان المبدع إحدى صفاته الجوهرية وهي حضور العقل.

ولعل أدباء كثيرين قد أغراهم هذا النزوع فانسقوا وراءه ليرسموا حول أنفسهم هالة من الغموض، ولا يترددون في حتى يصرحوا حتى حالة الإبداع لا يستطيعون حتى يفسروها لأنها في تقديرهم ضرب من الإلهام أوالإشراق أوالحدس في حينقد يكون الغموض ظاهرة طبيعية مطلوبة إذا هوانطوى على خصوبة في فهم وثراء في الفكر والفن ولكنه لاقد يكون أبهاما إذا هوانطوى على ضحالة وعجز. لا شك حتى الغموض الأدبي يشكل أولى العقبات أمام المتلقي لأنه خطاب غير عادي يستوقف المتلقي بثخونته وما تحمله من صور ونقوش والوان المتعامل معه من عبوره اواختراقه يقول عبد السلام المسدي:

أن الخطاب الالسني العادي هوخطاب شفاف يرى من خلاله معناه، ولا نكاد نراه هوفي ذاته، فهومنفذ بلوري لا يقوم حاجزا أمام أشعة البصر، بينما يتميز عنه الخطاب الأدبي بكونه شفاف يستوقفك هونفسه قبل حتى تقدر من عبوره أواختراقه، فهوحاجز بلوري طلى صورا ونقوشا وألوانا فصد أشعة البصر حتى تتجاوزه

وهذا ما شأنه حتى يضع المتلقي أمام جملة من المقتضيات:

أولا:

أن يتوفر على دربة كافية في مجال اللغة، ليس بمعناها المعجمي ، لكن بظلالها الأدبية فالسياق-كما هومعروف-يعطي الحدثة أبعادا لا تطالها الدلالة المعجمية أحيانا وقد يستحيل حتى يوجد المعنى المعجمي نفسه أحيانا أخرى. ومن ذلك حتى المتلقي الذي لم يسمع بالنحت اللغوي أولا يعهد دلالة السعد والنحس قد يصعب عليه حتى يعهد أويتقبل لفظة "متشائل" في رواية إميل حبيبي أولفظة "الأصدقاء التي استخدمها الشاعر الفلسطيني "عز الدين المناصرة" أوعوانا مثل " الصعود نحوالأسفل" ل "الحبيب السائح "، على الرغم من حتى البلاغيين القدامى يستشهدون على الذم في معرض المدح بقول الشاعر:

((يا له من عمل صالح حمله الله إلى الأسفل))

ولا يبقى الأمر في حدود الألفاظ، بل يتعداها إلى التراكيب مما يقتضي ألفة ومرانا لا تأتيان إلا بعد معاشرة طويلة للإنتاج الأدبي شعرا ونثرا.


ثانيا:

إن أي نص لابد وأن يهجرز على نقطة انطلاق معينة، وهي تمثل الخيط الذي إذا لم يقبض المتلقي على رأسه تاه وخرج بلا نتيجة، ومن ثم تحتم حتى يمارس المتلقي عمليتي الاندماج ثم الانسحاب أوما يسميه محمد عابد الجابري الوصل والفصل عندما يتحدث عن قراءة التراث يقول: (( اندماج الذات في التراث شيء آخر حتى يحتوينا التراث شيء، وأن نحتوي التراث شيء آخر ... حتى القطيعة التي ندعوإليها ليست القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع من العلاقة مع التراث، القطيعة التي تحولنا من "كائنات تراثية" إلى كائنات لها تراث)) بمعنى انقد يكون المتلقي قادرا على الاندماج في النص ليعيش أجواءه وأعنقد يكون قادرا- بعد ذلك على الانسحاب منه بمسافة فاصلة تسمح له بان يحركه في رحابة ذهنية في حالة الأولى/للاتصالقد يكون تحت مظلة النص وفي الحالة الثانية /الانفصال يطوي تلك المظلة ليعينها عن بعد إن النص ظاهر وباطن، ونقطة الارتكاز قد تكون باطنية فلا ينخدع المتلقي بما هوظاهر، وقد يحدث ظاهرية فلا ينخدع بمطاردة سر كامن وهوغير موجود أصلا إذا بعض نصوص طرفة بن العبد توهم بانغماسه في اللهوالمجون ظاهريا لكن القراءة المتأنية تجعلك ترى الموت ماثلاً أمامك في جميع زاوية من زوايا النص إلى درجة حتى المحرك الحقيقي للشعور وللشعر عنده الاحساس بالموت في جميع لحظة، وما مظاهر اللهووالمجون إلا تجليات تعمق الاحساس بالموت وتؤكده، كما حتى الموت يصير مبرراً لتعاطي اللهووالمجون قبل فوات الأوان، وكأنه يسبق الخيام إذ نطق:

((وأغنم من الحاضر لذاته فوات الأوان))

ثالثاً:

إن المتلقي لا يقبل على النصوص وهوصفحة بيضاء، وإن مخزونه من الأحكام المسبقة قد يحدث منادىة للإقبال كما قد يحدث منادىة للنفور ويكفي حتى يجد في افتتاحية "عرس بغل" للطاهر وطار إهداءه الرواية لـ"حسن طبري" عضوالمخط السياسي لحزب تودة، ويكفي حتى يدرك حتى حزب تودةإنما هوالحزب الشيوعي الايراني ليتخذ موقف رفض أوقبول.

رابعاً:

ولم تبق الكتابة الأدبية في حدود الدائرة التقليدية المعهودة، فالشعر بطبيعته لغة اختزال وتكثيف بما يستتبع ذلك من تقديم وتأخير وذكر وحذف وإضمار... كما حتى الكتابة النثرية لم تعد خطية معروفة البداية والوسط والنهاية، بل أصبحت بترهينها الحكاية الأصلية تكسر التسلسل الزمني الخطي وتخلق من التداخل ما يقضي أكثر من قراءة للنص الواحد، وما يستلزم إعادة الترتيب وفق ما يعين على الفهم.

خامساً:

وإذا كان لا ينتج من فراغ، وإنما يسبح في بنية نصية منتجة قبلا، وفي محيط ثقافي واجتماعي وكما يقول "سعيد يقطين": ((النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أوجماعية) ضمن بنية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة))

إذا كان الأمر كذلك فإنه يقضي من المتلقي حتىقد يكون ذا زاد أدبي/ثقافي وأنقد يكون على دراية بخصوصيات الحركية الاجتماعية بوعي حاد، إذ لا يمكن فهم النص فضلاً عن التمتع به كما لا يتحقق أثر إيجابا إلا إذا جاء البعد المعهدي في القراءة فما كان لقصيدة "عبد الله البردوني" (أبوتمام وعروبة اليوم) لتحدث أثرها المعروف لولا في تقاطعها مع أبيات أخرى تمام، بحيث استطاع "البردوني" حتى ينسج من ذلك التقاطع نصاً تأسس على التجاور والتجاوز بقوله:

((ما أصدق السيف إذا لم ينضه الكذب وأكذب السيف إذا لم يصدق الغضب))

بينما كان الأصل عند أبي تمام قوله:

((السيف أصدق إنباء من الخط في حده الحد الجد واللعب))

وقوله أيضاً:

((صبرا على المطل ما لم يتله الكذب فللخطوب إذا سامحتها عقب ليس الحجاب بمقص عنك لي أملاً إذا السماء ترجى حين تحتجب))

على حتى الصعوبة التي تعترض القارئ عندنا مصدرها تدريس اللغة العربية وآدابها منهاجاً وطريقة، سواء بسبب حتى التلميذ في ما قبل الطور الجامعي يظل مشدوداً إلى الامتحان، أولأن كيفية التدريس هي من العقم بحيث لا تؤهل الدارس لمعالجة النص الأدبي على الوجه المطلوب فمن مظاهر العقم:

1- الجري وراء وهم الاصلاح بالقفز من وضعية إلى أخرى بلا تقييم (الانتنطق من الكيفية التقليدية إلى التدريس بواسطة الأهداف إلى التدريس بالكفاءات) من غير تحكم عملي في نموذج محدد.

2- إذا النصوص المقررة لا تخرج عن الدائرة الكلاسيكية فضلاً عما يشوبها من نقص الجانب الجمالي.

3- إذا المقدمات التاريخية سواء أتعلقت بالأديب أم بالظروف التي عاشها تحتم حتى يقرأ النص الأدبي من خارجه، فلا يعود حتى يصبح جسراً لتأكيد المقولات التاريخية المسبقة بصرف النظر عن حظها من الموضوعية.

4- الطريقة المعتمدة في تدريس النص الأدبي وخاصة في الطور الثانوي، محصورة في قوالب جاهزة عن الأفكار والعاطفة يحفظها التلميذ ليلصقها بكل النصوص مهما تمايزت.

5- إذا الاقتصار على شذرات من البلاغة القديمة وتدريسها في حصة مستقلة، بالإضافة إلى معالجة الأسلوب في خطوة تالية لأفكار من شأنه حتى يكرس وهماً بانفصال الشكل عن المضمون، وهي مغالطة مازالت تعاني منها الممارسة النقدية إلى اليوم وهماً بانفصال الشكل عن المضمون، وهي مغالطة مازالت تعاني منها الممارسة النقدية إلى اليوم

الهوامش

  • VIGNIER (Gérard) : lire - du texte au sens, éléments pour un apprentissage et un enseignement de la
  • lecture .collection dirigée par Robert GALISSON ‘p 102
  • يمنى العيد "في النقد الأدبي"، دار الفارابي، ص.922
  • المسدي (عبد السلام): الأسلوبية والأسلوب، نحوبديل ألسني في نقد الأدب-الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس ص 29
  • الجابري (محمد عابد): نحن والتراث – قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي، طبعة ثانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، دار بيروت ص 29.
  • يقطين (سعيد) انفتاح النص الروائي، النص السياق، المركز القافي العربي ط1/1989 ص 32
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:24:56
التصنيفات: الخطاب الأدبي, أدب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الجامعة تهنئ نهضة بركان ببلوغه نهائي كأس الكونفدرالية الأفريقية

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

حاليا بالمغرب.. 670 مصابا بكورونا منهم 127 حالة حرجة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:21
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 38%

بغل هائج ينهي حياة طفل ضواحي سطات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:22
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 35%

إعادة فتح المعابر الحدودية.. إسبانيا تطبق بروتوكولا صحيا  

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:28
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 50%

والي جهة العيون يعزي قنصل الإمارات في وفاة الشيخ خليفة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:31
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 44%

عبد العالي جينا يتوج بذهبية في كأس محمد السادس الدولية للكراطي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:32
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 37%

الحموشي يهنئ شرطيين بمدينة كلميم بعد تدخل بطولي ناجح

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 46%

سينمائي مغربي ضمن لجان تحكيم الأفلام في مهرجان أفلام السعودية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:23
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 44%

انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل الأورو

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-16 00:15:25
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 46%

تحميل تطبيق المنصة العربية