إمبراطورية الشمس رواية للمحرر ج. گ. بالارد عام 1984، حصلت على جائزة جيمس تيت بلاك التذكارية. ومثل قصته القصيرة السابقة "وقت الصفقة" (المنشورة في أنطولوجيا "أساطير المستقبل القريب")، فإنها في الأساس خيال مستمد بكثافة من خبرة بالارد في الحرب العالمية الثانية. اسم الرواية مستمد من الاسم الياباني، بحروف الكانجي لامبراطورية اليابان.

وقد خط بالارد رواية لاحقة لموضوع هذه الرواية، بعنوان حنان إمرأة.

المقدمة

الحقيقة ان هذه الرواية، في حد ذاتها، عمل كبير يحمل قدراً كبيراً من الإبداع... حتى وإن كان الموضوع الأساس فيها، يظهر للوهلة الأولى معهوداً: الحرب كما يراها صبي صغير عاشها وعايش أهوالها، ثم جلس بعد سنوات طويلة من ذلك الحدث «الذي لا ريب قلب حياته كلها»، ليتذكر ويخط. هذا الموضوع موجود بكثرة، وكثر بالطبع، هم الأدباء الذين حاولوه - كما انهم كثر السينمائيون الذين عالجوه أفلاماً - بحيث اننا نعهد انه من الممكن لا يوجد موضوع عن الحرب أكثر تشويقاً وقوة من ذاك الذي يسهب في وصف نظرة الطفل البريئة اليها. إذ هنا، وبعيداً من جميع منطق أيديولوجي، أوبعد منطقي، تصبح المجابهة الحقيقية، بين قسوة الحرب وشرورها - وكل حرب قاسية وشريرة طبعاً، بصرف النظر عمّن يشنها، عمن ينتصر فيها، أوعمنقد يكون ضحيتها - وبين براءة الطفولة، هي الموضوع. الموضوع المغري من طبيعة الحال بالنسبة الى مبدعين شاؤوا بذلك، التعبير عن موقف انساني، أخلاقي، خالد ضد الحرب، بصفتها في نهاية الأمر قتلاً ودماراً، للذّات وللآخر، لا أكثر.

السيرة

ج.ج. (جيمس گراهام) بالارد، كان مدركاً هذا الأمر، حين طفق يخط حكاية الحرب كما عاشها، معطياً بطله، الذي بالكاد كان في ذلك الحين تجاوز سن العاشرة، اسم جيم. وجيم هذا كما هوموصوف لنا في الرواية، عاش وحيداً الجزء الأكبر من الحرب العالمية الثانية، بين كارثة بيرل هاربور، وكارثة إلقاء الأميركيين قنبلتهم النووية الثانية على ناغازاكي - بعد هيروشيما - كان جيم خلال تلك الفترة منبتراً عن أهله، أسير الحرب التي فاجأتهم وفاجأته وهوبعيد منهم، وبالتالي أسير الجوع والسقم، اللذين كانا يفتتان الجثث المنتشرة من حوله في جميع مكان وُجد فيه.

إلى غير ذلك إذاً، يتعهد القارئ، إلى أهوال تلك الحرب، لا سيما في الشرق الأقصى من آسيا، من خلال نظرات ذلك الصبي - الطفل، فتتحول الحرب الى صور متلاحقة تشكل ما يشبه الفيلم المتسارع المتحدث عن تلك االحرب. وكل شيء يبدأ هنا عشية ضربة بيرل هاربور، حيثماقد يكون والدا جيم قد توجها ليشاركا في حفلة تنكرية وسط بؤس الصين، من نوع تلك الحفلات التي كان الأجانب في المناطق المغلقة لهم في شنغهاي وغيرها يعيشون فيها لاهين غير مدركين الأوضاع من حولهم. أما جيم، فإنه إذ تحلّ الضربة المفاجئة وهوبعيد من أهله في انتظار عودتهما، يجد نفسه متروكاً وسط مطار مجاور، لا تزال رابضة فيه بقايا ضربة عسكرية جوية يابانية كانت دمرته في عام 1937... بيد حتى هذا الديكور السوريالي، بدلاً من حتى يرعب الفتى، يفتنه، من دون حتى يشعر بأي رعب إزاء منظر الجنود اليابانيين الذين احتلوا المنطقة وتصرفاتهم. انه الآن أسيرهم، مثل غيره من الأسرى، لكنه يواصل حياته ولهوه وكأن شيئاً لم يكن: لنقل بالأحرى انه يظهر وقد تأقلم تماماً مع وضعه الجديد هذا، وراح يلقي على ما حوله نظرات بريئة، ذكية، وفضولية في الآن عينه. بيد حتى جميع ما يشاهده جيم، يعجز عن حتى يدفعه الى الشعور بأي كراهية إزاء هؤلاء الأعداء، بل انه يظهر طوال الوقت مفتوناً بطائراتهم: أما الجنود أنفسهم فإنهم بالنسبة اليه، ليسوا سوى أناس صفر شبان في معظم الأحيان، قد يحدث الواحد منهم قادراً على ان يتحول بين لحظة وأخرى الى شرير، غير حتى جيم لا يكاد يأبه لهذا التحول، طالما ان الاحتكاك بهم، بالنسبة اليه، ممكن ويؤدي دائماً الى الحصول على بعض الماء والغذاء الإضافيين.

وما هذا إلا لأن جيم يدرك، بالتجربة وعلى صغر سنه انه إذ أصبح الآن «أسيراً... يتعين عليه حتى يفهم ان دوره الأساس يبقى في حتى يحافظ على رغبة صادقة لديه في النجاة والبقاء على قيد الحياة» كما يدرك ان شرط هذا، انما هو«البقاء وقد وضع الحاضر نصب عينيه» كما هو«بكل موضوعية وقوة».

إذاً، فإن جيم كما تقدمه لنا الرواية، انما هوصبي يتسم بواقعية مدهشة، غير حتى هذه الواقعية، لن تمنعه من حتىقد يكون صاحب خيال لا ينضب. المهم ان جيم لاحقاً، حين ستنتهي الحرب، وحين سيجد نفسه وسط ملعب كبير وقد فك أسره أخيراً، سيشاهد في السماء من حوله لمعاناً كبيراً، سيدرك لاحقاً انه ناجم عن القنبلة النووية التي ألقيت فوق ناغازاكي: إذاً، هي حرب تنتهي، ولكن لكي يمثل التهديد باندلاع حروب جديدة ستكون، بالتأكيد، أكثر قسوة ووحشية. وإثر ذلك إذ يرصد جيم « هجوم عصابات تشان كاي تشيك المدعومة من الأميركيين، ضد الشيوعيين» يدرك، وقد وصل وعيه الى ذروته ان تلك ليست سوى بداية حرب جديدة، باردة من جهة، وأهلية في الصين من جهة ثانية.

في حديث صحافي له نطق بالارد بعد نشر روايته ان «جيم، الذي هوأنا - آخر بالنسبة إلي، ينظر الى الوجود، نظرة بطل وقع له حتى قرأ جميع روايات الخيال الفهمي التي نشرتها لاحقاً وكل خطي الأخرى». وبالارد المولود في عام 1930، كان هونفسه قد أسره اليابانيون خلال الحرب، في معسكر اعتنطق في لونغوا الصينية. وهوسافر بعد ذلك الى انكلترا، حيث بالتدريج أصبح واحداً من كبار كتاب الرواية فيها... وعهد حتى آخر ايامه بخصوبة كتاباته، إذ أصدر الكثير من الروايات والدراسات، لعل أشهرها، اضافة الى ما ذكرنا، «كابوس الأبعاد الأربعة» و«غابة البلور» و«العالم الملتهم»...

تحويلها لفيلم

من ناحية مبدئية عهد المحرر الإنكليزي الراحل حديثاً، ج. گ. بالارد منذ عقود أنه من أبرز كتاب أدب الخيال الفهمي، كما عهد أدبه، في معظم الحالات، بأنه أدب ينطلق من الواقع ويصب فيه على غرم خياليته التي لا يشق لها غبار. ومع هذا حينما دنا الفن السابع من أدب بالارد، بعد تردد، ولنقل بعد تجاهل طويل، لم يدن من أعماله المنتمية الى الخيال الفهمي، بل آثر عليها عملين لا علاقة لهما، مباشرة، بذلك التيار الأدبي الكبير والواسع الانتشار، إذ إنه من ناحية اقتبس فيلماً عن رواية لبالارد هي في الأحرى، جزء من وصفه لسنوات طفولته في الصين خلال الحرب العالمية الثانية، ومن ناحية ثانية اقتبس واحدة من أقسى وأغرب أعمال الأدب «البوليسي»، وذلك في فيلم حمل عنوان «اصطدام»، وإذا كان الفيلم الثاني قد حمل، حين حقق سينمائياً، توقيع المخرج الكندي داڤيد كروننبرگ، الذي اشتهر على أي حال بأفلامه القاسية، لا سيما منها المتعاملة مع شؤون الجسد وتآكله (من «ذبابة» حتى «العنكبوت» مروراً بـ «اكزستنز»)، ما يجعل التلاؤم بين خط المحرر وخط المخرج طبيعياً، فإن الفيلم الذي اقتبس عن رواية بالارد ذات النزعة الذاتية، كان «امبراطورية الشمس» من اخراج ستيفن سپيلبرگ، الذي لم يتنبه كثر، وسط زحام أفلامه الجماهيرية والتجارية الصاخبة، الى انه في «امبراطورية الشمس» قدم واحداً من أجمل انجازاته السينمائية، كما قدم في مجال السينما المقتبسة عن نص أدبي، واحداً من أكبر النجاحات وأكثرها صدقية. وطبعاً لن ندخل هنا في تفاصيل هذا النقل من الكتاب الى الشاشة، إذ إذا الفيلم ليس موضوعنا هنا، بل الرواية نفسها التي صدرت في عام 1984، ولم تنل حقها من الاهتمام، إذ سرعان ما ظهر الفيلم المقتبس عنها ليغطي عليها.

المصادر

• ابراهيم العريس (2010-11-02). "«إمبراطورية الشمس» لبالارد: الطفولة في لقاءة الحروب العابثة". جريدة الحياة اللبنانية.

وصلات خارجية

• - a British Library recording.
• http://www.rickmcgrath.com/jgb.html The Terminal Collection: J. G. Ballard First Editions.