التاريخ الاجتماعي لإنگلترة

عودة للموسوعة

التاريخ الاجتماعي لإنگلترة

تاريخ الجزر البريطانية
     

حسب التأريخ

  • قبل التاريخ
    • بريطانيا العصر البرونزي
    • العصر الحديدي البريطاني
    • اسكتلندة قبل التاريخ
    • ويلز قبل التاريخ
    • بريطانيا الرومانية
    • بريطانيا تحت الرومانية
    • إنگلترة الأنگلو-ساكسونية
    • England in the High Middle Ages
    • England in the Late Middle Ages
  • اسكتلندة العصور الوسطى
    • Scotland in the Early Middle Ages
    • Scotland in the High Middle Ages
    • Scotland in the Late Middle Ages
  • ويلز العصور الوسطى
    • ويلز الرومانية
    • الغزوالنورماني لويلز
    • Wales in the Late Middle Ages
  • أيرلندة العصور الوسطى
    • أيرلندة المبكرة
    • Early-Medieval Ireland
    • الگيلية
    • النورمانية
  • أيرلندة المعاصرة
    • أيرلندة 1691–1801
    • Early-modern: Britain, Ireland

حسب البلد

  • تاريخ إنگلترة
  • تاريخ أيرلندة
    • تاريخ أيرلندة (1801–1922)
    • تاريخ أيرلندا الشمالية
    • تاريخ جمهورية أيرلندا
      • الدولة الأيرلندية الحرة
  • تاريخ اسكتلندة
  • تاريخ ويلز
    • تاريخ گرنسي
    • تاريخ جزيرة مان
    • تاريخ جرسي
    • History of the Orkney Islands

حسب الموضوع

  • استيطان بريطانيا العظمى وأيرلندا
  • تاريخ المجتمع الإنگليزي
  • التاريخ البحري للملكة المتحدة
فترات وعصور في التاريخ الإنگليزي
الفترة الأنگلو-ساكسونية (927–1066)
الفترة النورمانية (1066–1154)
فترة پلانتاجنت (1154–1485)
فترة تيودور (1485–1603)
الفترة الإلزابثية (1558–1603)
فترة ستوارت (1603–1714)
Jacobean era (1603–1625)
Caroline era (1625–1649)
شغور العرش (1649–1660)
Restoration era (1660–1688)
Georgian era (1714–1830)
Victorian era (1837–1901)
Edwardian era (1901–1910)
الحرب العالمية الأولى (1914–1918)
بين الحربين (1918–1939)
الحرب العالمية الثانية (1939–1945)
بريطانيا الحديثة (1945–الحاضر)

يشهد التاريخ الاجتماعي لإنگلترة social history of England، الكثير من التغيرات الاجتماعية التي مرت بها البلاد. أثرت تلك التغيرات الاجتماعية الرئيسية على إنگلترة سواء داخلياً أوعلى علاقتها مع البلدان الأخرى.

يضم مصطلح التاريخ الاجتماعي التاريخ الديموغرافي، تاريخ العمل والطبقة العاملة، تاريخ المرأة، تاريخ الأسرة، تاريخ التعليم في إنگلترة، التاريخ الحضري وتاريخ الريف والزراعة. ولا يضم هذا المصطلح الدراسات السياسية، الدبلوماسية، الفكرية والدستورية.

ما قبل التاريخ

الرومان

المجتمع في أوائل العصور الوسطى

المجتمع في أواخر العصور الوسطى

أعاد الموت الأسود إعادة تشكيل المجتمع

المجتمع التيودوري

القرن السابع عشر

المجتمع الجورجي

التوزيع الحضري-الريفي 1600–1801
السنة الحضرية حضرية بلا مزارع المغرسة
1600 8% 22% 70%
1700 17 28 55
1801 28 36 36
المصدر: E.A. Wrigley, People, Cities and Wealth (1987) p 170


الفترة الڤيكتورية

غيرت السكك الحديدة الاتصالات المجتمعية

القرن العشرين

An ATS memorial at the National Memorial Arboretum.

منذ 1945-الآن

الطبقات الاجتماعية

الحضارة شعب له نظام اجتماعي قامت عليه حكومة وقانون ودين وأخلاق وعادات وتنطقيد ونظام تعليمي، مع إتاحة قدر كاف من الحرية للإبداع والتجربة وقدر كاف من الحرية لتكوين الصداقات وعلاقات الحب وأعمال الخير وتطويرها، وقدر كاف من الحرية يُتيح إبداع فن وأدب وفهم وفلسفة. والآن كيف من الممكن أن كان حال هذه النظم والحريات في إنجلترا في الفترة من 1798 إلى 1815 وكيف كان شكلهما (تكوينهما) وماذا نتج عنهما،يا ترى؟

في البداية نجد حتى الفروق التي فرضتها الطبيعة بين الناس - فيما هوموروث، وفي الفرص والمهارات - جعلتهم يندرجون في طبقات تُسهم جميع طبقة منها بنصيب في الحياة المشهجرة. ولم يكن في إنجلترا نظام الطبقات المغلقة (أوالمتحجرة) لأن الفرد ذا الثروة الكبيرة أوالتفوق قد يترقى (يصعد) من طبقة إلى أخرى بل يصل حتى إلى مرتبة النبالة، وغالبا ما كانت العلاقة بين النبيل والفلاح تتسم بروح الصداقة وقلما تكون ذات طابع برهمي of Brahmin (أوعلاقة لا تسمح بأن يمس (يلمس) الفلاحُ النبيلَ). وكانت القِنانة (عبودية الأرض) قد اختفت رغم أنه لم تكن هناك إلا أقلية تمتلك الأرض التي تغرسها. وكان النبلاء يدفعون الضرائب مثل غيرهم وفي بعض الأحيان (على عكس نظرائهم الفرنسيين) كانوا يعملون في مجال التجارة أوالصناعة. ولم يكن يرث لقب النبالة إلا الابن الأكبر أما بقية الأبناء فكانوا من الناحية القانونية (وليس الاجتماعية) من العوام.

وظلت كثير من مظاهر عدم المساواة (الفوارق) غير الطبيعية باقية. وكان هجرُّزُ الثروةِ شديداً بشكل غير عادي. وكانت المساواةُ أمام القانون غير ذات معنى بسبب ازدياد تكاليف التقاضي. ولم يكن ممكنا محاكمة اللوردات المتهمين إلا في مجلس اللوردات (الشيوخ)، وظلت مزايا النبالة هذه مستمرة حتى سنة 1481. وكان من الممكن إجبار من لا شجرة نسب لهم على الخدمة في البحرية. وقلما كان العوام يصلون إلى رتبٍ عليا في البحرية أوالجيش أوالخدمة المدنية أوالجامعات أوالقضاء. وقلما كانت طبقة النبلاء الحاكم تسمح للجماهير التي لا تنتمي لطبقة معينة بأي دور في تقرير سياسات الحكومة أواختيار القائمين عليها. وربما كان الوعي الطبقي أكثر حدّة ووضوحاً لدى البورجوازية التي ظلت متعالية بكبرياء بعيدة عن الفلاحين والبروليتاريا، وكان أفرادها يحلمون بمراتب النبالة. وفي داخل الطبقة البورجوازية نفسها كانت هناك قطاعات متنافسة؛ فكان الرأسمالي العامل في المجال الصناعي يتعالى على جاره صاحب المحل التجاري، والتاجر الكبير الذي تحلَّى بالأموال نتيجة مغامراته التجارية يقف متباهياً إزاء رجل الصناعة. وكان ذووالمكانة أوالثروة العظيمة يطلون ما جمعوه من المستعمرات بطلاء الوطنية وكوّنوا طبقة خاصة بهم.

وكما في فرنسا، كذلك في إنجلترا لم يكن أي فرد راضياً بما فيه الكفاية بقسمته التي قسمها الله له، أتاحتها له قدراته، أوفرضتها الظروف. لقد كان جميع إنسان منشغلاً بالصعود أوالتردي. لقد كان قلق العصر الحديث قد بدأ. وكانت المعركة الأساسية هي معركة الرأسمالي كي يحل محل الأرستقراطي في توجيه أمور الدولة. وكان هذا قد استغرق جيلا كاملا في فرنسا، أما في إنجلترا فاستغرق قروناً.

وعلى هذا، فحتى سنة 1832 كان لطبقة النبلاء الغلبة، وكانوا يبتسمون ساخرين من متحديهم. وبالمعنى الضيق فقد كانت طبقة النبلاء هذه في سنة 1810 تتكوّن من 287 نبيلاً أونبيلة زمنياً (أي ليس من الإكليروس أورجال الدين) و26 أسقفاً إنجيلياً هم النبلاء أواللوردات الروحيون (أي من رجال الدين) وهم الذين يشكلون مجلس الشيوخ (مجلس اللوردات). وكان النبلاء الزمنيون (من غير رجال الدين) مرتبين طبقياً فيما بينهم ترتيباً تنازلياً: أمراء من دماء ملكية، دوقات، ماركيزات، إيرلات ، فيكونتات وبارونات. وكان يمكن حتى يُطلق على الواحد من جميع هؤلاء - ما عدا الأمراء ذوي الدماء الملكية - لقب لورد، وكان اللقب يُورَّث جيلاً بعد جيل للابن الأكبر. وكان الواحد منهم يمتلك أراضي شاسعة يغرسها فلاحون مقيمون وعمال مستأجرون، وكان لها بطبيعة الحال ريع بلغ في حالة دوق نيوكاسل 120.000 جنيه إسترليني(2) في السنة أونحو000،21 جنيه عادة كما في حالة الفيكونت بالمرستون. وكانت مزارع دوق بدفورد، ودوق نورفولك ودوق ديفونشير يمكن حتى تغطي كونتيّة (مقاطعة(3)). وإلى الأدنى من هؤلاء اللوردات الزمنيين (من غير رجال الدين) واللوردات الروحانيين (من رجال الدين) نجد 540 بويرين! (تصغير بارون، وتخط أحيان بارونت) وزوجاتهم (الواحدة منهن بويرينه، وتخط أحياناً بارونيته) ويشفع الاسم المسيحي للواحد منهم باللفظ (سير) إذا كان بويرينا، وباللفظ (ليدي) إذا كانت بويرينه ويُتوارث هذا اللقب (سير أوليدي) من هذه الأسرات. ويلي ذلك 350 فارساً (لقب وليس له علاقة بالضرورة بركوب الخيل) وزوجاتهم، ويُسبق الاسم المسيحي للواحد منهم باللفظ (سير) أو(ليدي) أيضاً، لكن اللقب هنا لا يتوارث، ويلي حاملي لقب فارس نحوستة آلاف من حاملي لقب حامل الدرع أوشريف المحتد وهم من ملاك الأراضي الذين وُلدوا في أسرات قديمة حازت قبولاً اجتماعياً ومن حق الواحد منهم حتى يحمل شعار النبالة. جميع هذه المجموعات الآنف ذكرها من حملة الألقاب تقع دون اللوردات وهم يكوِّنون النبالة الدنيا أوالنبالة الأقل درجة لكنهم بشكل عام من بين الأرستقراطية التي تحكم إنجلترا.

لم يكن أحد يشعر بأن حكم الأقلية ينطوي على شيء من الخطأ. فقد كان هناك رضاً متزناً قانعاً رواقياً (متسم بقبول الواقع) يبرر فقر الفلاحين وتدني أوضاع عمال المصانع واستغلال أيرلندا. لقد كانت هناك قناعة حتى الفقر هوعقاب ضروري وطبيعي لعدم الكفاءة أوالكسل ويجب ألا يُسمحً للمنظِّرين الخوَّارين بتحويل بريطانيا إلى ديموقراطية تقوم على تقديم الإعانــات الماليـة (للكسالى وغير الأكفــاء) ورغم الحالمين باختفاء أشكال الحكومة مثل وليـم جودون أوبيرسـي شيلي، فإن شـكلاً من أشـكال الحكومـة يُعـد أمراً ضرورياً فمن غير الحكومة يصبح الشعب غوغاء يهددون جميع فرد وكل حرية، ولم يكن نابليون ظالما في حكمه لصالـح الأرسـتقراطية الإنجليزية، بل إنه نطق في سانت هيلانه: ستكون مأساة (أوكارثة) أوروبية إذا اختفت الأرستقراطية الإنجليزية وتُركت الأمور لغوغاء لندن(4) فكل الحكومات تقوم إما على حكم الأقلية أوحكم الطغاة (الحكم الفردي المستبد) والأقلية الحاكمة إما حتى تكون بأرستقراطية المولد أوبلوتقراطية الثروة (حكومة الأثرياء أوحكم الطبقة الثرية) وبطبيعة الحال فإن الديموقراطية كانت في هذا الاتجاه الأخير (البلوتوقراطي) لأن الثروة وحدها هي التي يمكنها تمويل المعارك أودفع تكاليف حث الناس على التصويت لصالح المرشحين الأغنياء والذين يتم انتخابهم بطريقة ديموقراطية وهم قلماقد يكونون - بحكم المولد أوالخبرات - قادرين على التعامل بنجاح مع قضايا الحكم، أما تعاملهم مع الشؤون الخارجية فنجاحهم فيها أقل بكثير. فأرستقراطية المولد هي مدرسة لأجل الدولة. حقيقة إذا بعض من تخرجوا في هذه المدرسة (أرستقراطية المولد) قد يصبحون عاطلين لا يصلحون لعمل، لكن هؤلاء قلّة، فأرستقراطيوالمولد بحكم طول ارتباطهم بقضايا الحكم والأشخاص الحاكمين يكتسبون القدرة على التعامل مع الأمور الحرجة دون تعريض الأمة للخطر بحماقاتهم (تصرفاتهم غير المنضبطة). وأكثر من هذا فإن الأرستقراطية الموظفة توظيفا سليماً تستطيع حتى تُلزم الناس بعادة الطاعة واحترام السلطة اللذين هما منحة للنظام العام والأمن.

وبدت هذه الحجج التي صيغت ببراعة وتغلغلت في الشعور بشكل غامض مقنعة لغالب الشعب البريطاني. لكنها لم تكن مقنعة للبورجوازية الصاعدة التي كان أفرادها ممتعضين من الثروة التي حققها ملاّك الأراضي فسيطروا على الوزارات والبرلمانات، كما كان العمال المتمردون ينكرون على الأرستقراطية - بغضب - دورها، كما تعرضت الأرستقراطية للمساءلة من المثفين الذين هالتهم الوسائل التي توظفها الأرستقراطية التي تحكم إنجلترا لخدمة مصالحها.


الحكومة

الهيئة التشريعية

دستور إنگلترا هوالكيان الكامل للتشريعات غير المُلغاة التي أصدرها البرلمان، والقرارات غير المُبْطَلة (بضم الميم) للمحاكم. فمثل هذه السوابق القانونية تُسند جميع السلطات الحكومية إلى التاج (سواء أكان صاحبه ملكاً أوملكة) والبرلمان اللذين يعملان بتوافق. وعادة ما كان الملك منذ سنة 1688 يقبلُ ما يشرّعه البرلمان ويوافق عليه. وليست هناك وثيقة مكتوبة تحد من سلطة البرلمان في إجازة أيِّ قانون يُرضي مجلسيه (مجلس العموم ومجلس اللوردات) (النص: غرفتا مشورته) وتتكون الغرفة العليا (مجلس اللوردات) من اللوردات الزمنيين (من غير رجال الدين) واللوردات الروحانيين (من رجال الدين) الذين يجلسون بترتيب على وفق الميلاد والتقليد، ومن سلطتهم رفض أي إجراء يصوت عليه مجلس العموم وهم كمحكمة عليا تُستأنف (بضم التاء) القرارات القضائية لديها، وكمحكمة عليا عند تولي مجلس العموم محاكمة أحد أعضائه بسبب جناية أوجُنحة أوعند محاكمة أحد أعضاء الحكومة كما أنه مختص بالنظر في الأمر عند اتهام أحد أعضائه من غير الإكليروس في جريمة كبرى. لقد كان هوحصن الأرستقراطية تقوم من خلاله بنضال يعوق تقدم البورجوازية المتقدمة.

وكان عدد أعضاء مجلس العموم 558 عضواً: اثنان من جامعة أكسفورد واثنان من جامعة كامبردج، وواحد من كلية التثليث في دبلن، و54 من إسكتلندا، والباقون يتم انتخابهم في أربعين كونتية (مقاطعة) وعشرين مدينة تمثل جميع منها دائرة انتخابية من قِبَل ناخبين لهم امتيازات محدودة مختلفة اختلافاً كبيراً مما يجعل من غير الممكن النص عليها بالتفصيل في هذا السياق(5). ويُستثنى من المنتخبين (بكسر الخاء) النساء والذين يتلقون إعانات، والأروام الكاثوليك والكوكر (أصحاب ممضى ديني) واليهود واللاأدريين، وبشكل عام جميع من لا يؤدي قسم الولاء والطاعة لكنيسة إنجلترا وعقائدها. وفي المجموع كان في إنجلترا ذات التسعة ملايين نفس 245.000 ناخباً. وطالما كان التصويت علنياً فإن قلة من المصوتين (الناخبين) هم الذين كانوا يجسرون على انتخاب مرشح غير مالك الأرض. وكان كثيرون من أهل المدن ممن لهم حق الانتخاب لا يُزعجون أنفسهم بالإدلاء بأصواتهم، وكانت بعض الانتخابات تجرى بترتيبات بين الزعماء دون أي تصويت. وكان عدد الممثلين البرلمانيين المسموح بهم لكل مدينة borough قد تحدد بحكم التنطقيد المتوارثة دون حتى يوضع في الاعتبار زيادة عدد السكان أونقصهم في هذه المدينة التي تمثل دائرة انتخابية، إذ كان لبعض المدن التي لا يتجاوز عدد المصوتين فيها أصابع اليد ممثل أوأكثر، بينما لم يكن مسموحاً للندن سوى بأربعة ممثلين رغم حتى عدد المصوتين فيها ستة آلاف. وكانت المراكز الصناعية قليلة التمثيل في البرلمان إذا لم تكن غير ذات ممثلين برلمانيين أبداً. فمنشستر وبيرمنجهام وشيفلد لم يكن لها ممثلون في البرلمان، بينما كانت كونتية (مقاطعة كورنوال القديمة) تتمتع باثنين وأربعين نائباً. وعلى أية حال يجب حتى نضيف حتى كثيراً من المدن والقرى كانت محتفظة بقدر كبير من الحكم الذاتي فيما يتعلق بأمورها الداخلية، وعلى هذا فمدينة لندن كانت تتخذ حكومتها عن طريق أصحاب الأملاك فيها (فهم وحدهم لهم حق التصويت). وكان نحونصف مقاعد مجلس العموم يتم شغلها عن طريق انتخابات نصف جماهيرية، أما النصف الثاني فيتم شغله من خلال تعيينات الملاك المحليين أوالمقيمين في مناطق نائية، ولا معقِّب على تعيينهم. وكان الراغبون في مثل هذه التعيينات يدفعون للمجالس المحلية في كثير من الحالات، وكانت هذه المجالس تعيِّن من يدفع أكثر من غيره أوبعبارة أخرى كانت مجالس المدن تبيع وتشتري مقاعدها في مجلس العموم بشكل علني واضح كما يجري التعامل في أية بضاعة(6).

وكان الأعضاء المختارون يقسمون بشكل مرن بين الحزبين: التوري (المحافظون) والهويج (الأحرار)، وكان هذان الحزبان قد نسيا إلى حد كبير القضايا التي اختلفا عليها في الماضي والتي كانت سبباً في انقسامهما إلى حزبين. وكان زعيماهما من بين الأسرات الأرستقراطية القديمة لكن الهويج (الأحرار) كانوا أكثر ميلاً من التوري (المحافظين) للاستماع إلى لوردات التجارة والصناعة الأثرياء، بينما كان التوري (المحافظون) يدافعون عن الحقوق المقصورة على السلطة الملكية، وكان الهويج (الأحرار) يتحدونها. لقد كان عصب الصراع هوالسلطة لا المبدأ؛ أي حزب عليه تشكيل الوزارة الحاكمة واقتسام المناصب الرابحة والإشراف على التطور. ورغم الأساس الأرستقراطي للحكومة البرلطانية فإنها كانت - بشكل ملحوظ - أكثر ديموقراطية في سَنِّ القوانين من حكومات معظم دول القارة الأوروبية، ففي هذه الدول (بما في ذلك فرنسا بعد سنة 4081) كان الإمبراطور أوالملك هوالذي يقبض على زمام السلطة، أما في بريطانيا فقد كان الحاكم الحقيقي منذ سنة 8861 هوالبرلمان وليس الملك، وفي هذا البرلمان ذي المجلسين (مجلس اللوردات ومجلس العموم) كانت السطة في الأساس في يد مجلس العموم من خلال سلطته على الميزانية Power of the purse: إذ لم يكن ممكنا إنفاق أي مبلغ من الميزانية العامة دون موافقته، ومن الناحية النظرية كان يمكن للملك حتى يعترض على أي إجراء يُقرِّه البرلمان، لكن جورج الثالث - من الناحية العملية - لم يمد هذا الحق المقصور عليه إلى هذه النقطة الحساسة. وعلى أية حال، كان في مقدور الملك حتى يحل البرلمان، ويلجأ إلى أهل البلاد go to the Country لإجراء انتخابات جديدة.

وفي هذه الحالقد يكون لدى المرشحين الذين يؤيدهم ويمولهم فرصة طيبة للفوز بالمقاعد لأن الملك الطبيعي المؤتلف مع شعبه قد أصبح مرة أخرى تجسيداً للأمة ومحور الولاء لها والفخر بها.

النظام القضائي

كان النظام القضائي في إنگلترا - مثله مثل النظام التشريعي - كافياً بالغرض، وكان قد تم مصادفة (أي بدون قصد)، وكان مشوشاًغير محدد المعالم. لقد كان لابد بادئ ذي بدء من السيطرة على مجموعة القوانين التي كانت تكاد تصدر يومياً خلال مئات السنين فظلت طويلاً غير منظمة ولا متسقة وكانت تنص على عقوبات قاسية جداً حتى إذا القضاة كانوا غالبا ما يعدلونها أويتجاهلونها. لقد كان القانون مثقلا ببقايا أصوله الإقطاعية وتنقيحاته المسيحية: فاللوردات المتهمون كان لا يزال من الضروري حتى يُحاكمهم لوردات، وحتى سنة 7281 كان القسس الأنجليكان مُستثنون من المثول أمام المحاكم المدنية. وظلّت مئات القوانين (التي تنص على منع المقامرة ووسائل الترفيه الليلية والاجتماعات غير المصرَّح بها) مُثبتة ومنصوصاً عليها، رغم عدم تطبيقها إلا فيما ندر. وجرت بعض التحسينات في هذه الفترة: فعدد الجرائم (نحومائتين) التي كان (في سنة 0081) عقابها الموت، جرى تخفيف عقوبتها مراراً. وأصبح من الممكن تفادي السجن لعدم وفاء الدين بالحصر الدقيق للموجودات والديون والعوائق التي تعوق المدين عن سداد ديْنه. لكن قانون الإفلاس ظل ثقيل الوطأة حتى إذا رجال الأعمال تحاشوه باعتباره طريقاً إلى إفلاس مضاعف. وقانون الإحضار لأغراض التحقيق الصادر في سنة 9761 والذي كان يهدف إلى منع سجن المتهم قبل المحاكمة، غالباً ما عُلِّق (لم يُنفّذ) حتى فقد قوته في أثناء أزمات مرّت بها البلاد مثل فترة الحروب الثورية الفرنسية. واستمرت التناقضات والمعوقات والتشوّش سمة من سمات القانون البريطاني حتى عكف بنثام عليها وأخضعها لمثابرته ودقته ومتابعته للتفاصيل بُغية إصلاحها.

ومما زاد من صعوبة القبض على المجرمين قلة عدد رجال الشرطة في المدن وانعدامهم - تقريباً - في القرى. وكان المواطنون مضطرون إلى تكوين مجموعات تطوعية لحماية حياتهم وممتلكاتهم، وحتى عندما كان يتم القبض على المجرم، فإن يستطيع حتى يؤخِّر سجنه أويُفلت منه باستئجار المحامين ليجدوا له أسباباً لاستئناف الدعوى أوليفتعلوها له أوليبحثوا له عن ثغرات في القانون فقد كان مجالا لفخر المحامين أنه لا يوجد قانون إلا واستطاعوا اختراقه وتوسيع رتقه ليسيروا خلاله بعربة بل وستة خيول(7). وكان أفضل نظرة في القانون الإنجليزي هوحق المتهم في المحاكمة أمام هيئة محلفين. ومن الواضح حتى هذه المؤسسة من مؤسسات الفرانك الكارولنجيين Carolingian Franks قد دخلت إنجلترا بشكلها الأوّلي مع الفتح النورماني. ولم يكن عدد هيئة المحلفين قد حُدِّد بعد باثني عشر عضوا حتى سنة 7631، وفي نحوذلك الوقت فقط كانت الموافقة الاجتماعية للمحلفين على قرار واحد أمراً مطلوباً. وكان يتم اختيار المحلفين (عادة كانوا من الطبقة الوسطى) من بين قائمة تضم من ثمانية وأربعين إلى واحد وسبعين رجلاً بعد جدال بين الحزبين المتصارعين. وكان قُضاة الصلح يعينون بشكل دوري بواسطة هيئة محلفين كبرى في جميع كونتية (إقليم)، وكان من المتسقط حتى تأخذ المحاكم بتوصياتهم. وفي أثناء نظر القضايا كان المحلفون يسمعون الأدلة والمرافعات المتنوعة ويقوم القاضي بتلخيص جميع ذلك، وبعد ذلك ينسحبون إلى غرفة مجاورة ويُمنع عنهم الطعام والشراب والتدفئة والشموع (إلاّ بإذن القاضي) لتجنب أي تأخير غير مُبرَّر أوإسراف، إلى حتى يصدروا حكمهم بالإجماع(8).


السلطة التطبيقية

من الناحية النظرية فإن الملك هوالمخوَّل بالسلطة التطبيقية، ومن الناحية العملية فإنها مسؤولية مجلس وزرائه الذين لابد حتىقد يكونوا أعضاء في البرلمان ومسؤولين أمامه عن أعمالهم ومعتمدين عليه في إقرار ميزانيات وزاراتهم. ومن الناحية النظرية فإن الملك هوالذي يُعيّن هؤلاء الوزراء، ومن الناحية العملية كان من المتسقط حتى يختار الملك رئيس الوزراء زعيم الحزب الفائز في آخر انتخابات، ويقوم رئيس الوزراء هذا مع البارزين من حزبه بتعيين الوزراء. وكان وليم بت Pitt في ولايته Administration الأولى (3871 - 1081) قد قام بدور مزدوج كمستشار لوزارة المالية ومسؤول أول first Lord للخزانة وكانت هاتان المهمتان اللتان يقوم بهما مرهونتين بموافقة البرلمان فكل ما يتعلق بجمع الأموال المكونة للدخل الوطني وإنفاقها مرهونة بموافقة البرلمان. وفي مجلس الوزراء - والحكومة بشكل عام - كانت السلطة المالية هي الأداة الرئيسية للنظام والحكم.

ولم يقر الملك جورج الثالث بتبعيِّته للبرلمان فمنذ توليه العرش في سنة 1760 وهوفي الثانية والعشرين من عمره عمل على تقوية الهيمنة الملكية، لكن الانهيار المكلِّف لقيادته في حرب الاستقلال الأمريكية وتعرضه بشكل متكرر لنوبات خلل عقلي (1765، 1788، 1804، 1810- 1820) أوهن جسده وروحه وإرادته وبعد سنة 1788 جاز لوليم بت بالحكم بشروط ثلاثة: عدم تجريم الرّق وعدم السماح للكاثوليك البريطانيين بالتصويت (حق الانتخاب) وعدم إبرام سلام مع فرنسا حتى يعود لويس الثامن عشر إلى عرشه الذي هوحق له. وكان جورج الثالث رجلاً طيباً ولكنه كان قصير النظر ضيق الأفق من الناحية الدينية. وقد وصفه نابليون في أثناء أسره وفي معرض تذكره للأحداث الماضية بأنه - أي جورج الثالث أكثر الناس أمانة في بلاده(9) وكان يمتاز عن أسلافه الهانوفريين بالتزامه بكل الوصايا العشر ما عدا الوصية الخامسة وقصّر كثيراً في الوصية اللاوية أحب جارك كحبّك لنفسك لكنه أحب الشعب الإنجليزي. ورغم أخطائه فقد أحبه شعبه بدوره (بادله حباً بحب) بسبب ما حل به من نكبات - لأنه أحب دينه الذي ورثه عن أسلافه وأحب زوجته وبناته ولأنه منح الأمة مثلاً مُلهِماً لحياة البساطة والإخلاص. لقد تقطَّعت قلوب شعبه من أجله حباً له وحدباً عليه عندما لوَّث معظم أبنائه ألقابهم الأميرية بعدم انضباطهم عسكرياً وانعدام وعيهم وممارستهم المقامرة وغلوّهم الطائش الذي أدى إلى انهيارهم جسدياً وتدهور شخصياتهم، رغم حتى أباهم كان رجلاً طيباً. لقد وصفهم ولنجتون: إنهم أكبر لعنة يمكن تصورها تحيط برقبة حكومة(01). لقد كان أكبرهم - جورج أمير ويلز مزعجاً بشكل لا يمكن تصوّره. لقد كان جذاباً وسيماً وكان على وعي بذلك. وكان قد تلقى قدراً طيباً من التعليم ويستطيع التحدث بالفرنسية والألمانية والإيطالية بطلاقة وكان يُحسن الغناء ويعزف على الفيولونسيلوViolencello (آلة موسيقية إيطالية) ويخط الشعر كما كان مُلماً بالأدب الإنجليزي المعاصر، وكان يُعد من بين أصدقائه الحميمين ريتشارد شريدان وتوماس مور كما كان راعياً ذكياً للفنون وأقام في دار كارلتون Carlton House مؤسسة أميرية جعل فيها أثاثاً أنيقاً من أموال الأمة واشتغل بالسياسة ونافس شارلز جيمس فوكس في اهتمامه الشديد بالسياسة، وأصاب والده بالذعر عندما أصبح معبوداً لحزب الهويج (الأحرار) وكان أيضاً يحب الشباب المتأنقين الذين أنفقوا ثرواتهم على الملابس الأنيقة والنساء والخيول والكلاب(11). حذا حذوهؤلاء البريتون في إقامة مباريات تكسبية ولم يكن له نظير في إنفاقه وديونه. وخصَّص البرلمان مرات عديدة مئة ألف جنيه لسداد ديونه(21).

وفي السابعة عشرة من عمره اعترف أنه مغرم بالنساء والنبيذ أكثر من أي شيء آخر وكان من بين خليلاته الأوليات - ماري روبنسون التي فتنته بقيامها بدور بيرديتا Perdita في حكاية شتاء A Winterصs Tale، وظل ينفق عليها ببذخ طوال ثلاث سنوات. ثم كوَّن علاقة أكثر جدية مع ماريا آن فيتسهيربرت Maria Anne Fitzherbert التي ترمَّلت مرّتين (مات عنها زوجها فتزوجت غيره ومات بدوره) وكانت كاثوليكية وأكبر منه بست سنوات، وكانت رقيقة لطيفة متحررة وقد رفضت حتى تكون خليلته لكنها لم تمانع في الزواج منه. وكان قانون وراثة العرش الذي كان قد منح عرش إنجلترا لأسرة هانوفر قد استثنى من حق المُلك جميع من يتزوج كاثوليكية أوتتزوج كاثوليكياً، كما منع قانون 2771 أي فرد في الأسرة المالكة دون الخامسة والعشرين من الزواج دون موافقة الحاكم. ومع هذا فقد تزوج الأمير من السيدة ماريا فيتزهيربرت (5871) بعد حتى دفع لراعي أبرشية شاب خمسمائة جنيه ليقوم بإجراءات (طقوس) الزواج غير الشرعي، مما أدى إلى احتفاظه بحق وراثة العرش إذ ادعى هذا الحق في سنة 8871 عندما انتابت والده نوبة خَبَل فراح يترقب موت والده بصبر نافد، وقلما كان الابن وأبوه على وفاق.

وعلى جميع حال فقد كان هناك اتفاق أنه إذا دفع الملك (عملياً البرلمان) ديون الأمير (000،011 جنيه إسترليني) قام الوريث الظاهر بهجر زوجته الأدنى منه منزلة وتزوج قريبة والده الأميرة كارولين البرونسوكيه of Brunswick. لقد بدت في عينيه دميمة غير مشجعّة، وبدا في عينيها سميناً مقرفا، لكنهما تزوجا فيثمانية أبريل 5971، وقد أكدت كارولين فيما بعد أنه قضى ليلة العُرس (الدُّخْلة) وقد أضاع الشراب همّته(31). وعلى أية حال فقد أنجبت له بنتاً فيسبعة يناير 1786 (الأميرة شارلوت Charlotte) وسرعان ما فارقها وعاد لفترة إلى زوجته السابقة السيدة فيتزهيربرت التي كانت فيما يظهر المرأة الوحيدة التي أحبها بعمق. (عندما توفي وجدوا صورتها معلقة على صدره)(41).

وفي نوفمبر سنة 1810 أصبح جورج الثالث مجنوناً تماماً بعد إنكساره أمام المعارضة البرلمانية، وخجلاً من تصرفات ابنه وحزناً على وفاة ابنته أميليا Amelia. وطوال تسع سنين بعد ذلك أصبح ملك إنجلترا مقيداً كمجنون يرتدي سترة المجانين وأشفق عليه شعبه وأحبه، بينما تولى الوصي على العرش (الابن الآنف ذكره) مكانه مدّعياً السلطة الملكية والأبهة، وكان وقتها قد أصبح سميناً محطماً رقيقاً ديّوثاً Cuckolded مكروهاً محتقراً.

الدين

كانت الحكومة وأهل الفكر في إنگلترا قد وصلوا إلى اتفاق شرف (اتفاق يسري بمراعاة الشرف لا بقوة القانون) بخصوص الدين. فالهجوم الذي شنه الربوبيون على العقيدة التقليدية orthodox لابد حتى تخف وطأته مادام المتشككون في الدين (المسيحي) ليس لديهم ما يحل محل الدين لتحقيق السلام بين الناس وضبط سلوك الأفراد. لقد كان وليم جودون، وروبرت أوين Owen، وجيرمي بنثام وجيمس مل أمثلة حية لعدم الإيمان (بالمسيحية) لكنهم لم يقوموا بنادىية ضد الدين. وكان توم بين Paine استثناء منهم. وكانت الأرستقراطية الإنجليزية - التي وجدت في فولتير الشاب ما يجذبها - تراعي الآن حرمة السبت بوضوح. لقد لاحظ مؤرخ حوليّ في سنة 8971 دهشة الطبقات الدنيا في جميع أنحاء إنجلترا لرؤيتها الطرق إلى الكنائس غاصّة بالعربات التي تجرها الخيول في أيام الآحاد(51). وفي سنة 8381 لاحظ جون ستيوارت مِلْ: يوجد في العقل الإنجليزي سواء من ناحية التفكير والتأمل أوالممارسة بُعد صحّي على درجة عالية من البُعد عن التطرّف... لا تزعج الهدوء أوبتعبير آخر لا تغير ما مستقر Quieta non movere وكانت هذه هي العقيدة الأثيرة في تلك الأيام... وعلى هذا، ففي حالة عدم إثارة ضوضاء كثيرة حول الدين أوعدم تناوله بجدية شديدة فلم يكن لدى الناس حتى الفلاسفة مانع من تأييد الكنيسة باعتبارها حصناً ضد التعصّب ومسكناً للروح الدينية لمنعها من إفساد هارمونية المجتمع (اتساقه) أوتعكير صَفْوالدولة. ووجد الإكيروس أنهم حققوا صفقة طيبة بهذا الاتفاق والتزموا بشروطه بإخلاص(61). لقد كانت الكنيسة من الناحية الرسمية هي الكنيسة المتحدة لإنجلترا وأيرلندا. ورغم أنها قبلت تسعاً وثلاثين مادة من العقيدة الكلفنيّة إلاّ أنها احتفظت بكثير من ملامح الطقوس الكاثوليكية. لقد كانت تضم رؤساء أساقفة وأساقفة لكنهم عادة ما كانوا يتزوجون، وكان تعيينهم يتم عن طريق التاج. وبشكل عام كان كبار ملاك الأراضي المحليون هم الذين يختارون الكهنة والقسس البروتستنط، وكان هؤلاء الكهنة والقسس يساعدونهم في حفظ النظام الاجتماعي. واعترف الإكليروس الإنجليكان بالملك باعتباره رأس كنيستهم وباعتباره حاكماً، واعتمدوا على الدولة في جمع العشور للكنيسة من أسر إنجلترا. وقد وصف بورك Burke بريطانيا بأنها كومنولث مسيحي كانت فيه الكنيسة والدولة كياناً واحداً بل إنهما الشيء نفسه. إذا كلاً منهما جزء مختلف عن الآخر لكنّه مكمّل له ووصف جون ولسون كروكر كنيسة وستمنستر Westminster Abbey بأنها جزء من الكومنولث البريطاني(81). لقد كانت العلاقة بينهما تشبه العلاقة التي بين الكنيسة الكاثوليكية وحكومة فرنسا في أثناء حكم لويس الرابع عشر مع فارق وهوحتى إنجلترا لم تشهد - غالباً - اضطهادات أومضايقات بسبب تهمة الهرطقة (الإلحاد).

وسُمِح للفِرَق (أصحاب المذاهب) المنشقة - الميتوديين (المنهجيين) والمشيخيِّين Persbyterians والمعمدانيين Baptists والإندبندنت (المستقلّين) والابرشيين congregation alists والكوكر Quakers والموحّدين (المناهضين للتثليث) Unitarians - بالدعوة لعقائدهم بشرط واحد: حتى يُعلنوا أنهم مسيحيون(91) وكان هناك بعض من هؤلاء المنشقّين في مجلس اللوردات. وتحلّق عدد كبير من المستمعين حول المبشِّرين (النادىة) الميتوديِّين لما عُرفوا به من بلاغة رائعة. ولجأ عمال المدن المعارضون بعد حتى يئسوا من تحقيق آمالهم في الدنيا إلى عقيدتهم البسيطة (عقيدة الطفولة) وبهذه العقيدة البسيطة قاوموا جميع الجهود لتحريضهم على الثورة عندما تسلّلت الأفكار الثورية عَبْر القنال الإنجليزي من فرنسا. وفي سنة 2971 طلب القادة الدينيون لجماعة الوِزليان الميتوديّين من جميع عضومن أعضائهم حتى يقسم يمين الولاء والطاعة للملك(02).

وفي نطاق الكنيسة الرسمية نفسها وجدنا تأثير الميتودية الحركة الإنجيلية Evangelical؛ كثير من رجال الدين صغار السن وكذلك كثير من جمهور المؤمنين (بالممضى) قرروا إحياء العقيدة الإنجليكانية بتناول الإنجيل بحماسة وعاطفة (وضعه في القلب)، وتكريس أنفسهم لحياة البساطة والتقوى والإحسان وإصلاح الكنيسة. وكان أحدهم هووليم ولبرفورس هوالذي قاد معركة الإنجليز ضد الرق، وهناك أيضاً حنا مور Hannah More التي نشرت حماساً مسيحياً جديداً بمحاضراتها وخطها ومدارس الأحد التي أسستها. وظلت جماعتان دينيتان خارج دائرة التسامح الكامل: الكاثوليك واليهود. لم يكن البروتستنط الإنجليز قد نسوا جاي فوكس Guy Fowkes ومحاولته نسف البرلمان (5061) ولا مغازلات ملوك ستيوارت Stuwart - شارلز الأول وشارلز الثاني وجيمس الثاني - للقوى الكاثوليكية والأفكار الكاثوليكية والخليلات الكاثوليكيات، ومال الإنجليز إلى النظر للكاثوليكي كشخص يُوالي حاكما أجنبياً (كان الباباوات يمثلون سلطة زمنية كحكام للولايات الباباوية)، وكان الإنجليز يندهشون كيف من الممكن أن سيتصرف الكاثوليكي في حالة حدوث صراع بين الحَبْر الروحاني (البابا) والملك البريطاني.

وكان في إنجلترا في سنة 0081 نحوستين ألف كاثوليكي. كان معظمهم من أصول أيرلندية لكن بعضهم كان ينحدر من سلالة كاثوليكية متوطنة قبل حركة الإصلاح الكاثوليكية في بريطانيا Pre. Reformation British Catholics. وفي الفترة الزمنية التي نتناولها كانت القوانين المناهضة لهم قد خفَّت وطأتها، فثمة مراسيم مختلفة صدرت فيما بين 4771 و3971 أعادت لهم حق تملّك الأراضي وحق العمل في مجال الخدمة المدنية وحق الدعوة لعقيدتهم من خلال مدارسهم الخاصة بهم، وحقهم - على نحوخاص في ترديد قسم الولاء للملك والحكومة دون التبرؤ من البابا أوجحده. إلاّ أنه لم يكن لهم - على أية حال - حق التصويت، ولم يكن لهم حق ترشيح أنفسهم لعضوية البرلمان.

وفي نحونهاية القرن الثامن عشر بدت حركة إعطاء الكاثوليك جميع حقوق المواطنة على وشك النجاح، وأيدها بروتستنط بارزون - وزلي، وكاننج، وولبر فورس، ولورد جراي Grey. وقد أدّت الثورة الفرنسيّة إلى موقف مضاد لفولتير في إنجلترا بل وموقف مضاد لحركة التنوير، كما أدّت إلى شيء من التعاطف مع الدين (المسيحي) الذي تعارضه الحكومة الثورية (الفرنسية)، وبعد سنة 2981 تلَّقى المهاجرون الفرنسيون (الذين هجروا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية) استقبالاً حاراً ومساعدات مالية من الدولة البريطانية وكان بينهم رجال دين كاثوليك. وسمحت الدولة البريطانية لهؤلاء المهاجرين بإقامة أديرة، وحلقات بحثية. إذا إنجلترا تبدوالآن في موقف سخيف (منافٍ للعقل) فقد كان الاتجاه حتى الكنيسة الكاثوليكية يمكن حتى تكون حليفاً ذا قيمة في حربها ضد فرنسا. وفي سنة 0081 قدَّم بِتْ Pitt مشروع قانون لمنح كاثوليك إنجلترا حقوقهم كاملة. وعارض التوري (المحافظون) والكنائس والإنجليكانية العليا هذا القانون وأيدهم جورج الثالث بعزم، فسحب بِتْ مشروع قانونه واستنطق، وكان على تحقيق الكاثوليك للمساواة الكاملة في إنجلترا حتى ينتظر حتى سنة 9281.

أما مساواة اليهود في إنجلترا فتأخرت حتى سنة 8581. كان عددهم في سنة 0081 نحو000،62؛ معظمهم في لندن وكان بعضهم في المدن الكبرى ولم يكن منهم - تقريباً - أحد في الريف. وقد أوقفت الحربُ الطويلة مزيداً من عمليات التهجير وسمحت لليهود بمواءمة أنفسهم مع أساليب الحياة البريطانية وإزالة بعض الحواجز العرقية. وظل القانون الإنجليزي يحول بينهم وبين حق الانتخاب وتولي المناصب الكبرى فذلك كان يحتاج قَسَماً بالإخلاص للعقيدة المسيحية وإقامة الشعائر على وفق لطقوس الكنيسة الرسمية في إنجلترا. وفيما عدا ذلك فقد كان اليهود أحراراً ولهم حق العبادة في منازلهم ومعابدهم دون خفاء، وقبِل عدد من اليهود البارزين التحوّل إلى المسيحية - صامويل (صموئيل) جِدون Gideon رجل المال، وديفد ريكاردوRicardo الاقتصادي وإيزاك (إسحق) المؤلف. وهذا الأخير نشر فيما بين 1971 و4381 نوادر الأدب دون حتى يسجل اسمه عليه (هجرهُ مجهول المؤلف)، وقد كان يخطه بشكل عَرَضي أومصادفة (أي حدثا أتيحت له الظروف)، ولازال هذا الكتاب ممتعاً لأصحاب العقول المتعلِّمة التي تأنس للمتعة والراحة. إن خبرات اليهود الطويلة في أعمال البنوك وارتباطاتهم العائلية والأسرية عبر الحدود مكنتهم من مساعدة الحكومة البريطانية في حرب السنوات السبع وفي نزاعها الطويل مع فرنسا. وساعد الأخوان ابراهام (إبراهيم) جولدسمد، وبنيامين جولدسمد، بِتْ، في كسر طوق السماسرة المبتزين الذين كانوا قد احتكروا التعاملات مع الخزانة. وفي سنة 0181 أسس ناثان روتشيلد Rothschid (7771 - 6381) في لندن فرعاً للشركة التي كان أبوه - مِيَر أمشيل روتشيلد - قد أسسها في فرانكفورت-أم-مين Frankfurt-am-Main وبدا ناثان أكثر الماليين عبقرية - تلك العبقرية التي مازت الأسرة خلال عدة قرون في عدة دول. وأصبح هوالوسيط الأثير للحكومة البريطانية في علاقاتها المالية مع القوى الأجنبية، وكان هو- أووكلاؤه - الذي نقل من إنجلترا إلى النمسا وبروسيا المساعدات التي مكنتهما من حرب نابليون، وقام بدور رائد في التوسع التجاري والتطور الصناعي في إنجلترا بعد سنة 5181(12).

التعليم

بدت إنجلترا وكأنها اعتزمت حتى تعرض قضية عدم إرسال أطفالها إلى المدارس، فكيف تستمر الحكومة دون الالتزام بهذا الواجب،يا ترى؟ ولم يكن الأرستقراطيون مهتمين بالتعليم إلاّ بالنسبة إلى أبنائهم. لقد بدا من الأفضل بالنسبة إلى الوقت الراهن (في ذلك الوقت) ألا يستطيع الفلاحون والبروليتاريا - بل وربما البورجوازيون - حتى يقرأوا خاصة وأن جُودون، وأوين Dwen Owen وكوبت Cobbett وبين Paine وكولردج وشيلي كانوا يطبعون في هذا الوقت هذا الهراء عن الأرستقراطية الاستكشافية (التمهيدية) والكميونات الزراعية ورِقّ المصانع وضرورة الإلحاد. لقد خط جودون نحوسنة 3971: المصممون على الدفاع عن النظام القديم ليس لديهم بصيرة نافذة. إنهم يعارضون بخسّة توصيل الفهم للناس باعتباره بدعة تدعوإلى الحذر. ففي ملاحظتهم المشهورة إذا الخادم الذي يعهد القراءة والكتابة لا يصبح بعد تعلّمهما هوالأداة التي يطلبونها نجد الجنين أوالبذرة التي يسهل علينا من خلالها شرح جميع فلسفة المجتمع الأوروبي(22). بالإضافة إلى حتى الطبقات الدنيا فيما ترى الطبقات الأعلى غير قادرة على الحكم بحذر وحكمة على الأفكار التي تُطرح عليهم في المحاضرات أوالصحف أوالخط، وقد تكون أفكاراً مثيرة تخرّج من المدارس على مستوى الأمة أفواجاً من غير الأسوياء السذّج الحالمين الذين قد يحاولون تحطيم السلطات (القوى) والامتيازات الطبقية هي الوحيدة التي يمكنها حفظ النظام الاجتماعي والحضارة. وكان أصحاب الصناعات قد اعتراهم الفزع من منافسيهم فكانوا يتطلعون إلى العمالة الرخيصة ولم يروا جدوى من تعليم الأطفال العاملين حقوق الإنسان وفخامة اليوطوبيا وبهائها (اليوطوبيا هي المدينة المثالية). لقد نطق واحد من المحافظين غير المعروفين، اقتبس منه جودون قوله: إذا هذه المبادئ يفترض أن تثور بلا شك في عقول السّوقة محدثة هياجاً.. أومحاولة وضعها موضع التطبيق (أي هذه المبادئ) مما سيؤدي إلى جميع أنواع الكوارث... فالفهم والذوق وتطوير الفكر واكتشافات الحكماء وجمال الشعر والفن جميع ذلك سيتم سحقه تحت أقدام البرابرة(32).

وفي سنة 6081 قدَّر باتريك كولكهون Colquhoun القاضي البوليسي في لندن - حتى عدد الأطفال الذين لم يتلقوا أي قدر من التعليم في إنجلترا وويلز بلغ مليونين، وفي سنة 0181 ذكر إسكندر مري Murray عالم فقه اللغة حتى ثلاثة أرباع العمال الزراعين أميون، وفي سنة 9181 ذكرت الإحصاءات الرسمية حتى 388،476 طفلاً ملحقون بالمدارس في إنجلترا وويلز - 51% من السكان(42). وعندما اقترح بِت Pitt في سنة 6971 على الحكومة إنشاء مدارس للتعليم الصناعي، لم يُقدَّم مشروعه للتصويت، وعندما قدَّم صمويل (صموئيل) هويتبريد whitbread في سنة 6081 مشروع قانون بإقامة مدرسة ابتدائية في جميع دائرة (كما كان موجوداً بالعمل في إسكتلندا) أقرّه مجلس العموم، لكن مجلس اللوردات رفضه على أساس حتى هذا المشروع لا يجعل التعليم قائماً على أُسس دينية. وكانت الجماعات الدينية تفرض رسوما على نفسها لإتاحة بعض التعليم لأطفالها، وواظــب المجتمـع علـى إقامــة مدارس خيريـة لتقـديم المعـارف المتعلقة بالدين المسيحي، لكـن عـدد التلاميـذ فـي هـذه المدارس لم يكن يتجاوز 000،051(52). وكانت مدارس حنا مور Hannah More تكاد تكون مقتصرة على التعليم الديني. وبناء على قانون الفقراء Poor Law تم إنشاء المدارس الصناعية لتستوعب 006،12 طفل لتأهيلهم للعمل، وكانت هناك إدارة منوط بها تطبيق هذا القانون يتبعها 419،491 طفلاً. وفي المدارس الدينية لم يكن الأطفال يتفهمون إلاّ شيئاً واحداً بإتقان ألا وهوالكتاب المسيحي المقدس. لقد أصبح عقيدتهم وأدبهم وحكومتهم ومُعيناً له وزنه وقيمته يُعينهم في حياة لا تخلومن سوء حظ وظلم وارتباك.

وفي سنة 7971 أسس الدكتور أندروبل Beel نظام العرِّيفين أوالمعيدين للقاءة نقص المدرسين، وذلك بالاستعانة بالطلاب الأكابر سناً كمدرسين مساعدين في المدارس الابتدائية المرتبطة بنظم العبادة الإنجليكانية. وبعد ذلك بعام قدَّم جوزيف لانكاستر Lancaster مشروعاً شبيهاً على أسس قبلها جميع المسيحيين ورفض رجال الكنيسة العمل من خلال هذه الخطة غير الطائفية (المفهوم غير الملتزم بعقائد فرقة مسيحية بعينها) فقد كان لانكاستر متهما بأنه ربوي Deist (مؤمن بالله مع عدم اعترافه بأديان منزّلة) مُرتد (عن دينة) وأداة للشيطان(62) وفي سنة 0181 أسس جيمس مل،وولورد بروهام Brougham وفرانسيس بلاس Place، وصمويل (صموئيل) روجرز المؤسسة الملكية اللانكسترية لنشر المدارس غير الطائفية. وأسس الأساقفة الإنجليكان جمعية تعليم الفقراء على أسس المبادئ الدينية للكنيسة الرسمية وذلك خوفاً من انتشار التعليم غير الطائفي المشار إليه آنفاً. ولم يُؤسس في إنجلترا نظام وطني للمدارس الابتدائية على أسس غير طائفية إلاّ في سنة 0781.

وكان التعليم العالي متاحاً أيضاً لمن يقدر على تكاليفه، وذلك من خلال الأساتذة الذين يعلّمون في المنازل، ومن خلال المدارس العامة والمحاضرين وجامعتين. فالمدارس العامة - في إتون Eton وهاروHarrow ورجبي Rugby ووينشستر Winchester ووستمنستر، وشارترهوس، كانت مفتوحة لقاء مصروفات لأولاد النبلاء والطبقات العليا وكان يُسمح بها في بعض المناسبات للبورجوازية الثرية. وكانت برامج الدراسة في هذه المدارس كلاسية في الأساس - لغة وأدب الإغريق القدماء والرومان، وفي بعض الأحيان كان يتم إضافة بعض العلوم Sciencos لكن أهالي الطلبة كانوا يريدون تدريب أولادهم على فن الحكم والصُّحبة الرفيعة، وكانوا مقتنعين حتى الشاب إذا تعلّم أدب الإغريق والرومان وتاريخهما وفن الخطابة كان ذلك أجدى لتحقيق الغرض من تفهم الفيزياء والكيمياء والشعر الإنجليزي. وعلى أية حال فإن هذه المدارس كانت تقدم ملتون الذي كان يخط اللاتينية بكفاءة تقارب كفاءته في كتابة الإنجليزية - كمؤلف لا يقل كفاءة عن الرومان.

وكان النظام في المدارس الثانوية (الداخلية) الأهلية Public Schools قائماً على الجلد والانتقاد القاسي flogging. والتكدير أوإلزام التلاميذ الصغار على خدمة الطلاب الآخرين ممّن هم أكبر سناً. وكان نظّار المدارس يجلدون الذين يرتكبون مخالفات كبيرة، أما إجبار التلاميذ الصغار على خدمة من هم أكبر فتعني حتى يقوم التلاميذ في الصفوف الدنيا بأداء خدمات صغيرة لطلاب الصفوف الأعلى: ينقلون رسائلهم، وينظفون أحذيتهم ويعدّون لهم الشاي، ويحملون كُراتهم ومضارب الكريكت الخاصة بهم، ويتحمّلون تنمّرهم صابرين، وكانت النظرية الكامنة وراء هذا الأسلوب هي حتى على المرء حتى يتعلّم كيف من الممكن أن يُطيع حتىقد يكون صالحاً لإصدار الأوامر. وكانت النظرية السائدة في الجيش والبحرية أيضاً قائمة على الجَلْد والانتقاد الشديد وقيام من هم أدنى رُتبة بخدمة من هُم أعلى رتبة وتطبيق الأوامر دون اعتراض الطاعة الصامتة (وعلى هذا فإن الفوز الذي تحقَّق في الطرف الأغر وفي واترلولم يكن نتيجة الجهود في ميدان القتال فحسب وإنما أيضاً نتيجة ما كان يجري في قاعات وفصول المدارس الثانوية الأهلية)، وإذا ما وصل طالب الصفوف الدنيا الذي كان يخدم طالب الصفوف العليا أصبح مستعداً للدفاع عن هذا النظام. وكان هناك بعض الديموقراطية في حضّانات الأرستقراطية هذه (أوبتعبير آخر في معامل تفريخ متعلّمي الطبقة الأرستقراطية: لقد كان جميع الخَدَم fags (الطلاب الذين يخدمون من هم في الصفوف الأعلى) متساوين بصرف النظر عن الثروة والنّسب، وكان جميع المتخرّجين (إذا تحاشوا التجارة) يعتبرون أنفسهم سواء، ويعتبرون غيرهم أدنى منهم درجة مهما كانت مواهبهم.

ومن مثل هذه المدارس التي يتخرّج فيها الطالب وهوعادة في الثامنة عشرة من عمره، يلتحق بأكسفورد أوكمبردج. وكانت هاتان الجامعتان قد انحدرتا عن وضعهما الممتاز في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة، ولم يكن جبون Gibbon هووحده الذي تأسف على الأيام التي قضاها في أكسفورد باعتبارها أياماً ضاعت في دراسات غير مجدية (رغم أنه استفاد كثيراً من من دراسته للغتين؛ اللاتينية واليونانية) وتنافس بين الطلاب في المقامرة وشرب الخمر ومعاشرة البغايا. وكانت موافقة الكنيسة الرسمية شرطا للتقدم لإحدى هاتين الجامعتين. وكان المفهمون أوالعمداء يقومون بالتدريس، وكان جميع واحد يأخذ على عاتقه طالباً أوأكثر وينقل إليهم معارفه وخبراته الفهمية بأسلوب المحاضرة أوالتوجيه والإرشاد، وهنا أيضا كانت الدراسات الكلاسية تسود المنهج الدراسي، لكن كان هناك أيضاً مكان للرياضيات والقانون والفلسفة والتاريخ الحديث، وكانت هناك أيضاً محاضرات في الفلك والفيزياء والنبات والكيمياء لكنها كانت قليلة.

وكانت جامعة أكسفورد من التوري (الاتجاه السائد فيها محافظ) أما كامبردج فكانت هويج (الأفكار السائدة فيها كأفكار حزب الأحرار أوالهويج). وفي كامبردج لم يكن يحصل على الدرجة الفهمية إلا التابعون لكنيسة إنجلترا، رغم حتى القيود المفروضة كشرط للالتحاق بهذه الجامعة وعددها تسعة وثلاثون قد أُزيلت. وكانت كامبردج هي التي سنّت الحرب على الرق منذ سنة 5871. ووجد الفهم Science في كامبردج معلّمين أكثر وطلبة أكثر مما عثر في أكسفورد، وكانت كلتا الجامعتين متخلِّفة عن جامعات ألمانيا وفرنسا. وكانت أكسفورد تدرِّس لطلبتها الفلسفة من خط أرسطو، وأضافت كامبردج كتابات لوك Locke وهارتلي Hartley وهيوم Hume، وكانت كامبردج تخرِّج باحثين ذوي شهرة عالمية، أما أكسفورد فكانت أكثر اهتماماً بتخريج أفراد على قدر من الفصاحة، وملمّين بالاستراتيجية في البرلمان كي يصبحوا - بعد تجارب وخبرات، ومن خلال ارتباطات سليمة - أصحاب أدوار في حكومة بريطانيا.

المبادئ الأخلاقية

الرجل والمرأة

أي نوع من الأخلاق يمكن حتى ينبثق عن هذه الحكومة الطبقية، وهذا الاقتصاد المتغير، وهذه الوحدة بين الدولة والكنيسة، وهذا التعليم المحدود انتشاره، والمحدود في محتواه، وهذا التراث الوطني الذي كان في وقت من الأوقات قويا مؤثراً بسبب العُزلة التي تحدّتها الآن الاتصالات بالعالم الخارجي والثورة والحرب،يا ترى؟

ليس الرجال والنساء من الناحية الطبيعية naturally ملتزمين بالمبادئ الأخلاقية لأن مواهبهم الاجتماعية التي تُؤثر التعاون والعمل المشهجر ليست في قوّة بواعثهم الفردية ورغبتهم في تحقيق مصالحهم الذاتية، ومن هنا كان لابد من تقوية الباعث الاجتماعي وإضعاف الباعث الفردي بسن القوانين المعبّرة عن قوة الجماعة ورغبتها، وبالمواثيق الأخلاقية التي يتم بثّ محتواها من خلال الأسرة والكنيسة والمدرسة والرأي العام والعادات وتحديد المحرمات (الطابوأوالتابوtaboos). من الطبيعي إذن حتى تكثر الجرائم في إنجلترا في الفترة من 9871 إلى 5181 وأن تكثر حالات عدم الأمانة، وأنقد يكون هناك ما لاحصر له من العلاقات الجنسية قبل الزواج، وإذا كان لنا حتى نصدّق هوجارث Hogarth وبوزول Boswell فقد كانت بيوت النادىرة والمومسات تملأ لندن والمدن الصناعية. وكان أفراد الأرستقراطية يجدون البغايا أقل تكلفة من الخليلات مدبّرات شؤون المنزل، فاللورد إجريمونت Egremont الذي كان يفيض بكرمه على تيرنر Turner وغيره من الفنانين، ينطق إنه استمتع بسلسلة من الخليلات أنجب منهن أطفالاً كثيرين.. وعلى أية حال فد زادت الشائعات أخباراً عن علاقة أصدقائه الدافئة به(72) ويمكننا حتى نحكم على أخلاق الطبقات العليا من خلال محاكاتهم لأمير ويلز واستئناسهم بأخلاقه، وكان هذا الأمير قد نشأ وسط أكثر الأرستقراطيين فجوراً وانحلالا. لقد كانوا ثُلَّة لم تشهد إنجلترا مثيلاً في فجورها وانحلالها منذ العصور الوسطى(82).

وربما كان الفلاحون يحترمون القيم الأخلاقية القديمة، لأن تنظيم الأسرة بما يخدم أغراض الزراعة يستلزم سلطة أبوية قوية، وقلما يسمح للشباب بالإفلات من سلطة من هم أكبر سنا. وعلى أية حال، فقد كانت البروليتاريا النامية قد تحررت من مثل هذه الهيمنة مقلّدة مستغليها في حدود ما تسمح به دخولهم (أي دخول البروليتاريا)، وقد كانت الأجور المتدنية في المصانع الصغيرة غير المنضبطة تمثل دافعاً قوياً للفسق(92) بالنسبة إلى النسوة العاملات في المصانع ليبعن أجسادهن بثمن بخس ليُضفنه (أي هذا الثمن) إلى أجورهن المتدنية.

وحتى سنة 9291 كان العمر القانوني الذي يُسمح فيه بالزواج هو41 سنة للذكور و21 للإناث. وكان الزواج العادي ارتزاقا أومصدر تعيّش وكسب. فالرجل (الزوج) كان مرغوباً بقدر ما لديه من مال عملي أومتسقط، وكذلك كانت المرأة (الزوجة) مرغوب فيها بقدر مالها الموجود عملاً أوالمتسقط الحصول عليه، وكانت الأمهات يخططن ليل نهار (كما في روايات جين أوستن Austen) لتزويج بناتهن بُغية الحصول على المال. ومع حتى الأعمال الأدبية تُعلي من شأن الزواج عن حب، إلا حتى مثل هذا الزواج كان استثناء لا قاعدة. وكان الزواج على وفق للقانون العام مُعترفاً به رغم عدم عقده بواسطة رجال الدين وكان عدد أفراد الأسرة كبيراً لأن الأطفال كانوا يُعينون الأسرة من الناحية الاقتصادية، وكان عددهم (الأطفال) في المصانع أقل بقليل من عددهم في المزارع. وكان منع الحمل يتم بطرق بدائية. وكان عدد السكان يزداد لكنها كانت زيادة بطيئة بسبب وفيات الأطفال والشيوخ، وبسبب نقص الغذاء ونقص الرعاية الطبية وعدم مراعاة قواعد الصحة العامة. وانتشر الزنا، وكان يمكن حتى يطلب الزوج الطلاق، وكذلك المرأة (بعد سنة 1081)، لكن هذا لم يكن ليتم دون إذن من البرلمان، وكان هذا يكلِّف كثيراً جداً، لدرجة أنه لم يحصل على الطلاق إلا 713 إنسان قبل حتى يصطبغ القانون بطابع ليبرالي في سنة 9581. وحتى سنة 9581 كانت الممتلكات المنقولة للزوجة تصبح مُلكاً للزوج عند الزواج، بالإضافة إلى أنه كان يحصل تلقائياً على جميع مالٍ يأتيها بعد الزواج، لكنها كانت تحتفظ بملكية الأرض الخاصة بها أما الريع فلزوجها وإن ماتت قبله ورث جميع ممتلكاتها(03).

وسمعنا عن نسوة ثريّات لكنهن كن قليلات العدد. وجرى العُرف حتى يقوم الأب الذي ليس له ولد (ذكر) بوقف ثروته على أحد أقربائه الذكور، تاركاً بناته دون مال يرثنه وإنما يعشن على إعانات الأصدقاء ومن يتلطّف عليهن. إنه عالم الرجال.

ماري ولستونكرافت

لقد تعوّد معظم النساء البريطانيات على هذا الجوْر بحكم ما اعتدْنَ عليه، لكن الرياح الآن تهب من فرنسا الثورية، فدفعت بعض اللائي يعانين إلى الاحتجاج، وقد أحسَّت ماري ولستونكرافت Wollstonecraft بهذه الرياح فحملت عقيرتها مطالبة بتحرير المرأة، وكانت مطالبتها من أقوى المطالبات التي شهدتها حركة تحرير المرأة.

وكان أبوها من أهل لندن وقرر حتى يجرب العمل في مجال الزراعة ففشل وفقد ثروته وزوجته فعكف على الشراب وتخلى عن بناته الثلاث فهجرهن يدبّرن أمور معيشتهن بأنفسهن، فافتتحن مدرسة فامتدحهن صامويل (صموئيل) جونسن لكنهم أفلسن وأصبحت ماري مربّية أطفال لكنها طُرِدت من عملها بعد عام لأن الأطفال أحبوا مربّيتهم أكثر من حبّم لأمّهم(13) وفي هذه الأثناء خطت عدة خط من بينها دفاع عن حقوق المرأة الذي خطته في سنة 2971 وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها.

وقد أهدت كتابها إلى م. تاليران - بيريجورد M. Talleyrand Perigord أسقف أوتون Auten الراحل مع إشارة إلى أنه ما دامت الهيئة التأسيسية قد أعربت حقوق الإنسان فهي ملزمة أخلاقيا بإعلان حقوق المرأة. وربما رغبة منها في تسهيل طريقها وتحقيق أهدافها تحدثت بنبرة أخلاقية عالية معترفة بولائها لبلادها وتمسكها بالفضلية، وإيمانها بالله. ولم تتحدث إلاّ قليلاً عن حق النساء في التصويت لأن نظام التمثيل النيابي كله الآن في هذه البلاد ليس إلا أداة في يد الحكم الاستبدادي (حكم الفرد) فلا مجال لشكوى النساء لأنّهن معدودات كطبقة ذات عدد للعمل الشاق وكأنهن آلات، يدفعن لدعم الملكية عندما يصبحن قادرات بشق النفس على إسكات أصوات أطفالهن بحشوها خبزاً ومع هذا فإنني حقا أعتقد أنه من الضروري حتى يمثل النساء في البرلمان بدلا من حتى يُسْلبن حقهن في أي مشاركة مباشرة في تفكير الحكومة وتخطيطها(23). وأشارت كمثال على انحياز القانون للرجل إلى قانون حق الابن البكر في ميراث أبيه، وحق الأب في وقف ممتلكاته على نسله أوأقاربه من الذكور، وذكرت حتى الأعراف والعادات أشد قسوة على المرأة من القوانين فهي تُدين - وتُعاقب - المرأة للحظة واحدة فقدت فيها طهارتها، رغم حتى الرجال يظلّون محترمين بينما هم منغمسون في الرذيلة(33).

وربما صُدِم بعض القراء بإعلان ماري حق المرأة بالإحساس بالإشباع عند اللقاء الجنسي(43)، لكنها حذرت الجنسين قائلة إذا الحب (المقصود هنا المتعة الجنسية) شهوة حيوانية لها نهاية(53) فالحب (المقصود هنا المتعة الجنسية) كعلاقة مادية لابد حتى تحل محله الصداقة بالتدريج(63)، وهذا يحتاج احتراما متبادلا، والاحترام يحتاج حتى يجد جميع طرف (الزوج أوالزوجة) في الطرف الآخر شخصية متطورة (يعتبر الطرف الآخر كياناً له ذاته)(73) وهنا فإن أفضل طريق لتحرر المرأة هواعترافها بأخطائها والتحقّق من حتى حريتها تعتمد على تثقيف عقلها وسلوكها.

وراحت المؤلفة في كتابها تعدّد أخطاء النساء في زمانها: نزوعها إلى الضعف والجبن مما يغذي دعوى الرجل في التفوق والسيطرة ويُسعده، وإدمان لعب الورق والثرثرة والقيل والنطق والتنجيم والتأثر العاطفي والتفاهة والاهتمام الزائد بالملبس والغرور. الطبيعة والموسيقا والشعر والكياسة، جميع ذلك يميل إلى جعل النساء مخلوقات للإحساس.. وهذا الإحساس أوالشعور إذا ما زاد عن حده أضعف - بشكل طبيعي - قوى النفس الأخرى ومنع الفكر من الوصول إلى المرتبة التي يجب حتى يشغلها... لأن التدرّب على الفهم والاستيعاب - كما تشير لنا الحياة - هوالطريق الوحيد الذي قدّمته لنا الطبيعة لتهدئة عواطفنا وانفعالاتنا ورغباتنا الجنسية(83).

وقد شعرت ماري حتى جميع هذه الأخطاء تقريباً راجعة إلى عدم المساواة مع الرجل في التعليم، وإلى نجاح الرجل في اقناعها بأن أفضل إمبراطورية لها وأحلاها هي حتى تُمتع(93) (كما نطقت لهن إحدى المؤلفات).

لقد امتعضت ماري من الأناقة المتكلّفة ومن التصنّع وراحت تنظر بحسد إلى النسوة الفرنسيات اللائي أصررن على تحصيل الفهم واللائي تعلَّمن كيف من الممكن أن يخطن خطابات تعد من أجمل ما أنتجه العقل الفرنسي. في فرنسا تنتشر الفهم أكثر من أي جزء آخر من العالم الأوروبي، وأنا أعزوذلك في جانب منه إلى العلاقات بين الجنسين على المستوى الاجتماعي، تلك العلاقات التي كانت مستمرة منذ فترة طويلة(04). لقد لاحظت ماري ولستونكرافت قبل بلزاك بجيل أنَّ:

الفرنسي الذي يحكّم عقله في أمور الجمال أكثر من غيره، يفضل المرأة في الثلاثين من عمرها.. والفرنسيون يسمحون للنساء حتى يكنّ في أكمل أوضاعهن عندما تتنازل الحيويّة لتعطي مكانها للعقل ولجدية الشخصية الدالة على النضوج... وفي فترة الشباب - حتى العشرين - يقذف الجسم خارج نفسه، وحتى الثلاثين تحقق الصلابة درجة من الكثافة، وتصبح عضلات الوجه المرنة يوما بعد يوم أكثر حدّة فتعطي شخصية للملامح - هذا يعني أنها تعبر عما يعتمل في النفس، فلا تخبرنا فقط عن القوى الكامنة فيها وإنما كيف من الممكن أن يتم توظيفها(14).

لقد اعتقدت ماري حتى أخطاء النساء راجعة كلها - تقريبا - إلى إنكار حق المرأة في تعليم مساوٍ لتعليم الرجل، وإلى نجاح الرجل في اقناع المرأة بأنها لُعبة جنسية قبل الزواج وحِلية للزينة وخادمة مطيعة وآلة للإنجاب بعد الزواج. ولكي نُعطي الجنسين فرصاً متساوية لتنمية عقولهم وأجسادهم لا بُد حتى يتفهم الأولاد والبنات معاً (حتى فترة الإعداد للوظيفة أوالمهنة) وأن يتلقوا المناهج الدراسية نفسها، بل وأن يشهجروا في الألعاب الرياضية نفسها، في حالة إمكانية ذلك. ولابد حتى تجعل جميع امرأة من نفسها إنسانة قوية البدن وذات كفاءة عقلية لتتمكن من كسب عيشها بنفسها عند الضرورة(24). وعلى أية حال فعاجلاً أوآجلاً ستلعب الوظائف البيولوجية والفروق الفسيولوجية بين الجنسين دورها(34). إذا قيام المرأة بدورها كأم مفيد لصحتها، وقد يؤدي ما ذكرنا آنفاً إلى حتى تصبح الأسر أقل عدداً وأقوى صحّة(44). إذا تحرير المرأة بشكل مثالي يعني اتحاداً - على قدم المساواة - بين أم متفهمة وزوج متفهم(54).

وبعد حتى رأت المؤلفة الشابة اللامعة كتابها في المطبعة عبرت القنال الإنجليزي إلى فرنسا، وقد كانت مفتونة بالسنوات الخلاقة التي عاشتها الثورة الفرنسية، لكنها الآن - أي الثورة - قد تردّت في المذابح والإرهاب. وأحبّت في باريس أمريكياً هوالقبطان جيلبرت إملي Imlay ووافقت على الحياة معه دون ارتباط رسمي. وبعد حتى أصبحت حُبلى غاب عنها إملي لعدّة شهور منشغلاً بأعماله أوأية أمور أخرى، فخطت له خطابات تتوسّل فيها له حتى يعود(64) وكانت خطاباتها بليغة لكنها كانت بغير جدوى تماماً كخطابات جولي دي ليبيناس Lespinasse قبلها بجيل. وفي سنة 4971 حملت طفلها الذي بغير أب، وعرض إملي حتى يُرسل لها مبلغاً سنوياً لكنها رفضت وعادت إلى إنجلترا (5971) وحاولت إغراق نفسها في نهر التيمز لكن بعض المراكبية أنقذوها.

وبعد ذلك بعام قابلت وليم جودون Godwin الذي تزوجها على وفق القانون العام (دون حضور رجل دين)، ولم يكن أي منهما يؤمن بحق الدولة في تنظيم الزواج. وعلى أية حال فقد عقدا قرانهما على وفق الطقوس الدينية في 92 مارس 7971 تحسبا لطفلهما المرتقب. وتألقت - لفترة - بين الجماعة الثورية التي تحلّقت حول الناشر جوزيف جونسون وهم: جودون، وتوماس هولكروفت، وتوم بين، ووليم وردزورث، ووليم بليك Blake (الذي رسم رسوماً لبعض كتاباتها) وفي 03 أغسطس 7971 وضعت طفلة بعد معاناة شديدة، وبعد ذلك بسنوات عشر ماتت.


الأخلاق الاجتماعية

وعلى العموم فإن جميع طبقات إنجلترا في هذه الفترة قد أسهمت في التفسخ الخلقي الذي عمّ البلاد، رغم ما أوردناه آنفاً عن حياة أشخاص عاشوا حياة مستقيمة ومحتشمة أهملها التاريخ. لقد كانت المقامرة شائعة تماماً، بل إذا الحكومة نفسها (حتى سنة 6281) أسهمت فيها بإصدار اللوترية الوطنية (اليانصيب الوطني) وكان الإغراق في استهلك الخمور أمراً متوطّناً كوسيلة للهروب من الضباب البارد والأمطار والفقر المُدقع والنزاعات الأسرية والتوترات السياسية واليأس الفلسفي (المقصود تبرير الواقع على نحويائس) وقد اتفق بِت Pitt وفوكس - رغم ما بينهما من فروق - على تشجيع هذا السُّكر (المهدئ أوالمخدر) كعامل مسكّن. وسُمِح للحانات حتى تظل مفتوحة في مساء السبت وحتى الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد(74). لأن يوم السبت هويوم استلام الأجور وبذلك يُتاح للحانات حتى تكون أول من يحصل على نصيبها من هذه الأجور الأسبوعية، وكان أفراد الطبقة الوسطى يشربون باعتدال، أما أفراد الطبقات العليا فيسرفون في الشراب لكن كان عليهم حتى يتفهموا حمل مُسْكرهم بثبات كحوض يرشَح بما فيه.

وكان الانغماس في الشراب يُتيح الفساد والرشوة في جميع مستوى من مستويات الحكم. وفي حالات كثيرة - كما لاحظنا آنفاً - كانت الأصوات الانتخابية وعضوية المجالس المحلية والتعيينات والوظائف - وفي بعض الأحيان رُتب النبالة - تُشترى وتُباع علناً كما تباع الأسهم والسندات في سوق الأوراق المالية. ولم يكن جورج الثالث - وكانت فضائله متأصّلة - لا يرى بأساً في تخصيص أموال للحصول على أصوات الناخبين لأعضاء البرلمان أوتوزيع الوظائف طلباً للدعم السياسي. وفي سنة 9081 كان ستة وسبعون عضواً في البرلمان يشغلون وظائف عاطلة مجموعة قليلة من المقربين الأثيرين بحكم القرابة أوالمصلحة التي تربطهم بالأثرياء وذوي النفود - تتلقى رواتب ضخمة دون عمل يؤدّونه بينما الذين يعملون بالعمل يتلقون في حالات كثيرة رواتب أقل مما يستحقون(84) وكان القضاةُ يبيعون المراكز التابعة (الملحقة) لزمام مناطقهم القضائية وينتزعون من شاغليها حصّة من الرسوم التي يدفعها الناس لتمضية مصالحهم لدى الجهات الرسمية.

والحكومة قد تكون قاسية، كما قد تكون فاسدة قابلة للرشوة. لقد ذكرنا قسوة تشريعاتها العقابية. لقد كان إلقاء القبض على عابري السبيل لتجنيدهم إجبارياً في البحرية مقدمة لدفع رواتب متدنية وتقديم طعام سيء لهم، وضبطهم بقسوة وصرامة لا ترحم(94) وفي عدة مناسبات تمرّدت طواقم السفن، وأدّى أحد هذه الإضرابات إلى تعويق ميناء لندن طوال شهر. ومع هذا كان البحارة الإنجليز هم أفضل رجال بحر وأفضل مقاتلين في الأساطيل عهدهم التاريخ.

وكان هناك سعي وجهود كثيرة للإصلاح الأخلاقي، ففي سنة 7871 أصدر جورج الثالث إدانة لكسر أحكام السبت، والتجديف على الله، والسُّكر، والأدب الفاحش، ووسائل الترفيه اللاأخلاقية، ولم يسجّل التاريخ أثراً لهذه الإدانة. وقد دلّنا جيرمي بنثام Bentham التعاليم الإصلاحية البرلمانية Parliamentary Reform Catechism (9081) على اثنتي عشرة وسيلة لكشف الفساد السياسي وعدم الكفاءة السياسية. وكان لعظات الميتوديين، (طائفة دينية بروتستنطية) والإنجيليين (طائفة دينية بروتستنطية) بعض الأثر، وتضاعف تأثيرها عندما أثارت الثورة الفرنسية المخاوف، فقد أكد هؤلاء النادىة حتى أمة منضبطة أخلاقيا يمكنها حتى تقابل بنجاح غزواً فرنسياً أوثورة داخلية. وحاربت جمعية القضاء على الرذائل ضد المبارزة والمواخير وبيوت النادىرة والكتابات الداعرة (الأدب الإباحي). وهاجم إصلاحيون آخرون تشغيل الأطفال، واستخدامهم في تنظيف المداخن وقسوة أحوال السجون، ووحشية القوانين العقابية. وقد كان لموجة الاتجاه الإنساني (الحركة الإنسانية) التي انبثقت في جانب منها من ناحية، ومن حركة التنوير من ناحية أخرى أثر في نشر الأعمال التطوعية والخيرية والميل للإحسان وعمل الخير.

وكان وليام ولبرفورس أكثر المصلحين الإنجليز دأباً. لقد ولد في هَلْ Hull (9571) في أسرة ثرية تعمل في التجارة وتمتلك الضياع، وكان زميلاً لوليم بِت Pitt في كامبردج، ولم يجد صعوبة تُذكر ليحرز النجاح في انتخابات أوصلته للبرلمان (4771) بعد عام من تبوُّؤ وليم بِتْ منصب رئيس الوزراء. وعندما شعر بتأثير الحركة الإنجيلية Evangelical ساعد في تأسيس جمعية إصلاح عادات الشعب وأسلوب حياته (7871). والأهم من جميع هذا أنه عارض حتى تتسامح أمة تعتنق الديانة المسيحية رسمياً مع التجارة في الرقيق الإفريقي (تجارة العبيد).

وكانت إنجلترا الآن (في ذلك الوقت) رائدة في هذا المجال. وفي سنة 0971 نقلت السفن البريطانية 000.83 عبد إلى أمريكا ونقلت السفن الفرنسية 000.02 والبرتغالية 000،01 والهولندية 000،04 والدنماركية 0002. لقد أسهمت جميع أمة أوروبية في هذه التجارة على وفق قدراتها، تلك التجارة التي من الممكن كانت أفظع الأفعال إجرامية في التاريخ. ومن ليفربول Liverpool وبريستول Bristol حملت السفن الخمور والأسلحة النارية والمنسوجات القطنية والأمور التافهة إلى ساحل العبيد في إفريقية. وهناك - أي في إفريقية - غالباً ما كان الزعماء من أهل إفريقية يساعدون الزعماء المسيحيين في تسلّم عبيد أوزنوج Negros لقاء ما جلبوه من بضاعة، ويتم نقل هؤلاء العبيد (الزنوج) بعد ذلك إلى جزر الهند الغربية والمستعمرات الجنوبية في أمريكا الشمالية. وكان هؤلاء الأسرى (العبيد من الزنوج) يوضعون في جوف السفينة وفي أحيان كثيرة كانوا يُقيّدون بالسلاسل لمنعهم من التمرد أوالانتحار. وكانوا يُزوّدون بالماء والطعام بالقدر الذي يكفي - بالكاد - لإبقائهم على قيد الحياة، وكانت التهوية بائسة كما كانت وسائل التخلص من الإفرازات والفضلات في حدها الأدنى، وإذا ما هبت عاصفة شديدة وكان لابد من تخفيف حمولة السفينة تم - أحياناً - إلقاء العبيد السقمى في عُرض البحر لتخفيف الحمولة، وفي بعض الأحيان كان يتم إلقاء غير السقمى أيضاً. فمن بين عشرين مليون زنجي كانوا يُنقلون إلى جزر الهند الغربية البريطانية لم يصل منهم على قيد الحياة سوى 02%(05) وفي رحلة العودة كانت السفن تحمل دِبْس السكّر (المولاس) الذي كان يستقطر في بريطانيا لصنع الرُّم (نوع من الخمور) الذي كان يستخدم بدوره كثمن لشراء العبيد في الرحلة التالية (إلى إفريقية).

وكان الكوكر (صحاب ممضى ديني منشق) هم أصحاب الريادة في القارتين في مهاجمة هذه التجارة باعتبارها المستوى الأولى لإلغاء الرق. وانضم ما لاحصر لهم من الكتاب الإنجليز لمحاربة هذه التجارة: جون لوك، إسكندر بوب، جيمس طومسون، ريتشارد سافاج Savage، وليم كوبر، ولا ننس حتى السيدة أفرا بيهن Behn قد قدمت لنا في روايتها أورونوكوOroonoko (8761) وصفاً للأحوال في جرز الهند الغربية يثير التقزز. وفي سنة 2771 استصدر جرانفل شارب (من الكوكر - جماعة دينية) من إيرل مانسفيلد رئيس مجلس الملكة مرسوماً بمنع استيراد العبيد في بريطانيا، وكل عبد يصبح حراً بمجرد حتى تطأ قدمه أرض بريطانيا. وفي سنة 6781 نشر توماس كلاركسون (وهوأيضاً من جماعة الكوكر) مبحثاً بعنوان (منطق عن الرق والتجارة في البشر) قدم فيه خلاصة مؤثرة لنتائج الرق والتجارة في العبيد، تكاد تكون حصاد عُمر بأكمله. وفي سنة 7871 كوّن جميع من كلاركسون شارب، ويلبر فورس، جوزياه ودجوود، زاكاري Zachary ماكولاي (والد المؤرّخ) جمعية منع تجارة الرق. وفي سنة 9871 قدَّم ويلبر فورس إلى مجلس العموم مشروع قانون لإنهاء هذا الشر. ولم يحصل المشروع على الأصوات المطلوبة بسب أموال التجار، وفي سنة 2971 دافع بِت في واحد من أعظم خطبه عن إجراء مماثل (منع تجارة الرقيق) لكنه أيضاً لم يُوفق في تحقيق غرضه. وحاول ويلبر فورس مرات أخرى في سنة 8971 و2081 و4081 و5081 لكنه مُني بالفشل في محاولاته تلك. وبقي على شارلز جيمس فوكس في فترة وزارته القصيرة (6081 slash 7081) حتى يضغط على هذا الأمر حتى حقّق النصر، إذ استسلم البرلمان ومنع التجار البريطانيين من أي مشاركة في تجارة الرقيق. وكان ويلبرفورس والقدّيسون الذي ساندوه يفهمون حتى هذا النصر الذي حققوه ليس سوى البداية، فواصلوا نضالهم لتحرير (عِتق) جميع الرقيق على الأرض البريطانية. ومات ويلبرفورس في سنة 3381 وبعد موته بشهر جرى منع الرق في جميع البلاد الخاضعة للحكم البريطاني، وكان هذا في 82 أغسطس سنة 3381.


العادات وأسلوب الحياة

من بين أكثر الأحداث إثارة في سنة 1797 ظهور القبعة الحريرية العالية Silktophat لأول مرة، ويظهر حتى خردواتياً لندنياً وضعها فوق رأسه زاعماً حتى الحق الفطري (الموروث) للرجل الإنجليزي حتىقد يكون متفرداً، وتجمهر الناس حوله وقيل إذا بعض السنوة بُهتْنَ لهذا المنظر المُرعب alarming sight ، لكن لم يكن هناك ما منافٍ للعقل يمنع مصمّمي الأزياء النسائية والخردواتية haberdashers من تعميم هذه التقليعة (المودة)، فسرعان ما وضع الذكور من أبناء الطبقات العليا هذه القبعات الحريرية فوق رؤوسهم.

واختفت السيوف الموضوعة على سنام تصفيفة الشعر وعلى الشعر المستعار. وحلق الناس لحاهم، وهجر معظم الذكور شعرهم ينموحتى الكتفين، لكن بعض الشباب عبروا عن تحديهم وفرديتهم بقص شعورهم(15) وكسبت السراويل (البنطلونات) المعركة على سيقان الرجال، فبحلول سنة 5871 كان السروال (البنطلون) يصل إلى منتصف بطّة الساق (الرَبَلة)، وبحلول عام 3971 وصل إلى الكعب (رسغ القدم)، وحل رباط الحذاء محل الحِلية المعدنية، وبذا بدأت (أربطة الأحذية) دورها في مضايقة لابسي الأحذية وإزعاجهم. وكانت المعاطف طويلة خالية من التطريز والزخارف، لكن الصدرة الصدار كانت موضع اهتمام إذ كان الواحد منهم يُنفق عليها كثيراً من دخله ويتفنّن في تطريزها. لقد أدّى التنافس بين النبلاء وأعضاء مجلس العموم إلى ظهور المتأنقين bucks (المعنى الحرفي ذكر الوَعل أوالظبي، والمعنى لا يتضح تماما هنا إلا باللهجات العربية العامية إنه كاشخ أوكشخة كما يُنطق عادة في دول الخليج، أوإنه كالهامور وما إلى ذلك، وفي مصر عادة يقولون نافش ريشه أومحلفط... إلخ) وظهور المنمقين أوالذين يلبسون ملابس تروق للنساء beau. لقد كان جورج بريان متأنقا (beau) برومل Brumel (1778- 1849 ) معروفا بشدة التأنق وتزيين نفسه فقد كان يقضي نصف النهار في ارتداء ملابسه وخلعها. وفي أتون Aton حيث كان الطلبة يسمونه بَكْ duck وأصبح صديقاً حميماً لأمير ويلز الذي شعر حتى التأنق في الملبس هونصف فنّ الحُكم. ولأن برومل كان قد ورث ثلاثين ألف جنيه فقد استأجر حائكاً لكل جزء من بدنه وجعل من نفسه حكماً للأناقة بين رجال لندن، وكان حسن الفكاهة رقيقاً، وكان يهتم بنفسه ورباط عنقه اهتماماً شديداً، لكنه كان يحب المغامرة من الممكن أكثر من التأنق فركبته الديون وفرّ عبر القنال الإنجليزي تخلّصا من دائنيه وعاش عشرين سنة في فقر مُدقع وملابس رثة ومات في الثانية والستين من عمره في مصحة فرنسية للمجانين.

وتخلّت النساء عن الطوق الموسِّع (بتشديد السين وكسرها slash وهوطوق من مادة لَدِنة لتوسيع أطراف التنورة أوالجيبة وتستخدم النسوة في بعض البلاد العربية الحدثة الأجنبية الدالة عليه: الهوب hoop ويجمعنه على هوبات) لكنهن ظللن المشدات (الكورسيهات، والمفرد كورسيه) لصدورهن، ليبدوثديا المرأة ممتلئين متوازنين وكان خط الوسط في الفساتين مرفوعاً إلى أعلى (أي أعلى من مستوى الخصر) وثمة ديكولتيه (تقويرة واسعة قد تضم الصدر والظهر والكتفين) تكشف ما فوق خط الوسط، وخلال فترة الوصاية على العرش (1181 - 0281) تغيرت أساليب اللباس (المودة) تغيراً شديداً، فاختفت المشدّات (الكورسيهات) ولم يَعُدن يستخدمن التنورات (الجيبات)، واستُخدمت العباءات الشفافة بما يكفي للإيحاء بخطوط الفخذين والساقين أوبتعير آخر أصبحت العباءات النسائية شفافة وصَّافة، وكان من رأي بايرون حتى هذا الأسلوب في اللباس يقلل من فتنة النساء وراح يشكو- على غير عادته - مدافعاً عن الأخلاق:

  • لقد ضلّت نساؤنا السبيل كأمنّا حواء
  • فهن عرايا
  • لكنهن غير خَجِلات من عُرْيِهن(25)

ومع هذا فقد كان هناك اعتدال في اللباس أكثر منه في تناول الطعام. لقد كانت الوجبات هائلة، لأن المناخ كان يحثّ على تناول اللحوم ذات الدهن طلباً للدفء وليس نَهَما تماماً وإن كان النَّهم أيضاً سبباً وارداً. وكان الفقراء يتناولون في الأساس خبزاً وجبناً ويشربون شاياَ أومزرا (نوع من الجعة)، أما الطبقات ذوات المال فكانت الوجبة الرئيسية عندها تمتد أحياناً من الساعة التاسعة الى منتصف الليل، وكان يكن حتى تمر بمراحل مختلفة: حساء، سمك، دجاج أوغيره من الطيور، لحوم، لحم غزال أوغيره من لحوم الطرائد، حلوى أوفاكهة، ونبيذ معدّل حسب الرغبة. وبعد تناول الحلوى أوالفاكهة تفارق النسوة المائدة حتى يتناقش الرجال بحرية في أمور السياسة والخيل والنساء. وكانت مدام دي ستيل de Stael تعترض على هذا الفصل بين الرجال والنساء بعد تناول الحلوى أوالفاكهة لأن هذا يزيل الباعث إلى الاحتشام وإلى العادات والتصرفات المهذبة، كما أنه يُقلل من سعادة الجماعة. ولم تكن آداب المائدة (الإتيكيت) في إنجلترا بالأناقة نفسها التي هي عليها في فرنسا.

وكانت العادات بشكل عام حميمة وخالية من التصنع (مباشرة) وكان الحديث يُتَبَّل بحدثات لا تتناول الذات الإلهية بوقار (حدثات ذات طابع تجديفي). لقد اشتكى رئيس أساقفة كانتربري قائلا إذا الحدثات المنطوية على التجديف تزداد يوماً بعد يوم بسرعة(35) وكان التلاكم Fisticuffs منتشرا بين الطبقات الدنيا، وكانت الملاكمة boxing رياضة أثيرة، وكانت الملاكمة بقصد الحصول على جائزة (الملاكمة التكسبية) تجذب المنظمين الطامعين من جميع الطبقات. ولقد وصلنا وصف مكثف معاصر لهذه المباريات من روبرت سوثي Southey (7081):

عندما يتم الإعداد لمباراة بين اثنين جميع منهما يبغي الحصول على الجائزة سرعان ما تصل الأخبار للناس عن طريق الصحف، فتظهر فقرات فيها في مناسبات مختلفة متناولة المتنافسين وكيف يتدربون، وما هي التمارين التي يقومون بها، وكيف حتى أحدهم يتناول اللحم النيئ استعداداً للمباراة. وفي هذه الأثناء يختار الهواة والمقامرون أحد الطرفين لينحازوا إليه أويقامروا على فوزه أوإخفاقه، وتظهر المراهنات في الصحف أيضاً، وفي حالات غير قليلة ينخرط الجميع في المراهنات حتى إذا عدداً قليلاً من المحتالين الأوغاد قد يخدعون أعدادً كبيرة من الأغبياء(45).

ويتجمع جمهور غفير يصل أحياناً إلى عشرين ألفاً وكأن هذا التجمع ولهذا الغرض بديلٌ عن الثورة والتمرد (أوبتعبير أدق تسامٍ بهذه الرغبة) وقد أوصى اللورد ألثورب Althorp بممارسة الألعاب الرياضية للتسامي بالغرائز العدوانية السائدة بين الناس، لكن منظمي هذه المباريات يعتبرونها تطهيراً لجيوب المرتادين (أي وسيلة لتجريد الناس من أموالهم).

أما الأفقرون حالاً فيبحثون عن التنفيس عن مكنونات صدورهم بتقييد ثور أودُب، ثم يظلون يزعجونه بالعصي ويغرون به الكلاب، وأحياناً يظل هذا طوال ثلاثة أيام حتى تأتي لحظة الرحمة فيقتلون ضحيتهم أويرسلونها إلى دار الذبح (أوالقتل slash المسلخ أوالسلخانة)(55)، واستمرت مباريات صراع الديوك حتى مُنعت في سنة 2281. أما الكريكت Cricket الذي عهدته إنجلترا منذ سنة 0551 فقد جرى تقنين قواعده في القرن الثامن عشر، وكانت مبارياته في إنجلترا هي الأكثر إثارة إذ كان يحضرها عدد غفير، وتكون المراهنات على أشدها، ويكون مشجعوكلٍ في حالة سعار. وكان سباق الخيول يمثل ميداناً آخر للمقامرة لكنه أيضاً كان يُحيي العشق القديم للخيول والاهتمام اللذيد بتدريبها ومتابعة سلالاتها. أما الصيد فكان رياضة تمثل ذروة المتعة إذ يركب الصيادون في عربات أنيقة، وتطير العظاءات Swifts محلقة فوق الحقول ويعبر الصيادون المحاصيل والقنوات المائية والأسوجة (جمع سياج) فوق ظهور الخيول التي تبدوعليها - بعد الكلاب - السعادة بهذه المهمة.

وكان لكل طبقة مناسباتها التي يتجمع فيها أفرادها بدءاً من المقاهي - حيث يجتمع البسطاء لشرب البيرة (الجعة) وتدخين البايب (الغليون) وقراءة الصحف والحديث في السياسة والفلسفة - حتى الأجنحة الملكية الفخمة Roual Pavition (البافليون الملكي) في بريتون Brighton حيث يشهجر الأثرياء في مهرجانات غالباً ما كانت باعثة على المسرّة في الشتاء والصيف على سواء(65) وعندما يتجمع الناس في منازلهم يلعبون الورق أوغيره من الألعاب المناسبة أويستمعون للموسيقا أويرقصون، وقد وصلت رسيرة الفالس Walz قادمة من ألمانيا واسمها مشتق من العمل الألماني Walzen بمعنى يدور، وقد فهم المتمسكون بالأخلاق على انتشارها بوصفها بأنها ألفة أومودّة آثمة (المعنى يكادقد يكون: لقاء جنسياً آثماً Sinful intimacy)، وقد شكى كولردج عن قناعة في سنة 8971 لقد أزعجوني بدعوتي للرقص في جميع حفلة رقص ليلية، وقد رفضت بتواضع. إنهم يرقصون رسيرة شائنة تسمى الفالس Waltzen. من الممكن بلغ عددهم عشرين راقصاً وعشرين راسيرة - لقد كان جميع راقص يحتضن مراقصته وهي أيضاً تحتضنه، فتتلامس الأذرع والخصور والركب يلف بها وتلف به، إلى غير ذلك دواليك.. على موسيقا داعرة(75).

وكان أفراد الطبقات العليا يستطيعون إقامة حفلات راسيرة أوحفلات من أي نوع كانت في واحدة من النوادي الأنيقة: ألماك Almack، والهويت White والبروك Brook وهناك أيضاً يمكنهم المقامرة على مبالغ ضخمة ومناقشة آخر إنجازات السيدة سيدون Siddons وحفلات سمر الأمير وروايات جين أوستن ونقوش بليك Blake وأعمال تيرنر Turner وصور كونستابل. وكانت ذروة اللقاءات الاجتماعية عند الهويج (الأحرار) تتمثل في دار هولاند Holland House حيث كانت الليدي هولاند تعقد اجتماعات مسائية كان يمكن للمرء حتى يلتقي فيها بذوي المكانة مثل اللورد بروهام Brougham أوفيليب دوق أورليان، أوتاليران، أوميترنيخ، أوجرتان Grattan أومدام دي ستيل أوبايرون أوتوماس مور، أوأكثر من الهويج (الأحرار) نبالة - شارلز جيمس فوكس(85). ولم يكن في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر صالوناً يضارع صالون هولاند.


المسرح الإنگليزي

أَضِف إلى جميع هذه الحياة المتعددة الأوجه، عشق الإنجليز للمسرح ولا يزالون مولعين به حتى اليوم. وكان الوضع كما هوعليه الآن حيث كان الناس ينظرون للمسرحية من خلال ممثليها ولا يعبأون كثيرا بمؤلفي هذه المسرحيات. ويبدوحتى المؤلفين المسرحيين خشوا حتى يخطوا التراجيديات مخافة حتى يبدوا قليلي الشأن في نظر الناس الذين سيعقدون بينهم وبين شيكسبير مقارنة لن تكون في صالحهم، وبعد ذروة شريدان Sheridan وجولد سمث Goldsmith كانت الكوميديات (الملهاة) تمثل أعمالاً لا بقاء لها مثل (الطريق إلى رون Ruin) (1792) التي ألفها توماس هولكروفت Holcroft و(تعاهد العشاق) (1798) التي ألفتها إليزابث إنشبالد Inchbald، فمثل تلك الأعمال تشبثت بالاتجاه الضعيف ولعبت على أوتار سهولة الانقياد إلى الإثم مداعبة بذلك الطبقة الوسطى، وأين هذا من فكاهة شكسبير المنطوية على معان فلسفية، والأثر الرجولي الذي تحدثه مسريحات بن جونسون في المشاهدين،يا ترى؟ ولم يبق في عالم المسرح من ظل متبوئاً مكانه سوى الممثلين.

لقد بدا الممثلون - من النظرة الأولى - وكأنهم جميعاً من أسرة (واحدة) من روجر كمبل Roger Kemble الذي توفي في سنة 1802 إلى هنري كمبل الذي توفي سنة 7091، وروجر كمبل أنجب سارة كمبل (التي أصبحت مدام سيدونز Siddons) وجون فيليب كمبل الذي انضم لفرقة دروري لين Drury Lane وفي سنة 1783 وأصبح مديراً للفرقة في سنة 1788، وستيفن كميل الذي لف مسرح أدنبرة من سنة 1792 إلى سنة 1800.

وُلدت سارة في سنة 1755 في فندق شولدر أف متون في بريكون Brecon، وفي ويلز في أثناء جولة فرقة أبيها. وأُسند إليها دور بمجرد حتى أصبحت قادرة على التمثيل، وأصبحت ممثلة موسمية وهي في العاشرة من عمرها. وقد دبرت أمرها لتحصل على قسط غير قليل من التعليم في أثناء حياتها غير المستقرة هذه، فأصبحت امرأة ذات نضج أنثوي، وذات عقل واع مثقف، واحتفظت بجاذبيتها دوما، وتزوجت وهي في الثامنة عشر من عمرها وليام سيدونز Siddons أصغر أعضاء فرقتها. وبعد ذلك بعامين أوفد جارك Garrick - بعد حتى سمع بنجاحاتها - وكيلا عنه لمراقبة أدائها التمثيلي، فخط تقريرا لصالحها فعرض عليها جارك الارتباط بفرقة دروري لين Drury Lane فظهرت هناك في دور بورتيا Portia في 29 ديسمبر 1775. ولم تؤد الدور جيدا لسببين أحدهما عصبيتها وربما كان ثانيهما أنها كانت قد وضعت مولوداً منذ فترة وجيزة. لقد كانت نحيلة طويلة رزينة ذات ملامح كلاسية وكان صوتها ملائماً للمسارح الصغيرة، إذ كانت تفشل في مواءمة صوتها مع المسارح الواسعة. وبعد موسم غير ناجح عادت إلى جولاتها في المنطقة (المقاطعة) وظلت طوال سبع سنوات تعمل صابرة على الرقي بفنها. وفي سنة 2871 حثها شريدان - الذي خلف جارّك كمدير للفرقة - على العودة إلى لندن. وفي 01 أكتوبر 2871 أخذت دور البطولة في مسرحية (الزواج القدري) لتوماس سوثرن Southerne فأدت دورها بإتقان تام حتى إنها أصبحت منذ هذه الأمسية تسير بخطى حثيثة لتصبح أفضل ممثلة مأساة (تراجيدية) في التاريخ البريطاني. وظلت طوال واحد وعشرين عاما تحكم دروري لين، وأصبحت لعشر سنوات بعدها ملكة كوفنت جاردن Covent Garden بلا منازع. وأدت دور الليدي مكبث بإتقان صبّت فيه جميع خبراتها المسرحية. وعندما اعتزلت خشبة المسرح في 92 يونيو2181 وهي في السابعة والخمسين من عمرهابعد حتى أدّت هذا الدور (الليدي مكبث) تأثر جمهور المسرح تأثراً شديداً بأدائها لمشهد (السير نائما) حتى أنه فضّل حتى يظل يصفق لها على متابعة العرض المسرحي(95). وظلت طوال تسعة عشر عاماً بعد ذلك تعيش في عزلة هادئة، وبترت ألسن مروجي الشائعات في المدينة، بوفائها لزوجها. وفاز جينسبوروGainsborough برسم صورة لها لازالت حتى اليوم في المتحف الوطني للصور الشخصية.

وكان أخوها جون فيليب كمبل الذي وُلد مثلها في إحدى فنادق (خانات) الأنطقيم، قد نذر والداه ليكون قساً كاثوليكياً وربما كان هذا (النذر) تمشياً مع الفكر الشعبي الذي مؤداه حتى وجود أحد أفراد الأسرة في المؤسسة الدينية قد يضمن الفردوس لسائر أفراد الأسرة، فأوفده والداه إلى دواي Douai ليدرس في كليتها الكاثوليكية فتلقى هناك قدراً طيباً من التعليم الكلاسي كما اكتسب الرزانة والوقار اللذين مازا بعد ذلك جميع أدواره تقريباً، وظل مفتوناً في طوايا نفسه بمهنة والده (التمثيل) فغادر وهوفي الثامنة عشرة من عمره دواي Douai وعاد إلى إنجلترا. وبعد عودته بعام انضم لفرقة مسرحية، وبحلول عام 1781 كان يؤدي دور هاملت في دبلن، وانضمت إليه أخته سارة لفترة ثم ألحقته معها في فرقة دروري لين(06) Drury Lane فكان ظهوره للمرة الأولى على هذا المسرح كظهوره في هاملت (1783) مصحوباً بنجاح متواضع. لقد وجده جمهور لندن رزينا رزانة شديدة لا تتفق مع الدور وأدانه النقاد لأنه عدّل في نص شكسبير واختصره. وعلى أية حال فإنه عندما انضم إلى مدام سيدونز Siddons في مكبث (1785) كان أداؤهما رائعاً حتى إنه أصبح حدثا مهما في تاريخ المسرح الإنجليزي.

وفي سنة 1788 عيَّن شريدان - الذين كان في ذلك الوقت هوالمالك الرئيسي لمسرح دروري لين - كمبل مديرا للفرقة، فواصل القيام بأدوار البطولة لكن الممثل الحساس لم يكن مرتاحا بسبب تحكمات شريديان وبسبب قلة العائد المالي. وفي سنة 1803 قبل إدارة مسرح كوفنت جاردن واقتنى سدس الأسهم في هذا المسرح بمبلغ 32،000 جنيه إسترليني، وفي سنة 1808 احترق المبنى، وبعد فترة بطالة سببت له خسائر جسيمة أخذ كمبل على عاتقه إدارة المسرح بعد حتى يعيد بناءه. ولكنه عندما حاول حتى يوازن التكاليف الهائلة غير المتسقطة للمبنى الجديد بحمل أسعار دخول المسرح أوقف الجمهور عرضه التالي بصياحهم محتجين عُد إلى الأسعار القديمة ولم يسمح له الجمهور بالاستمرار في عروضه حتى يعد بذلك(16). وأنقذ دوق نورثمبر لاند Northumberland الفرقة بمنحة مقدارها 10،000 جنيه إسترليني وواصل كمبل كفاحه لكن ظهر ممثلون شبان مثلوا تحدياً له. وكان آخر نجاحاته في (كوريولاموس Coriolamus) عندما هز الجمهور المسرح تصفيقاً لفرط إعجابه، وكان هوالجمهور نفسه الذي تجاوز حتى صاح في وجهه محتجاً في سنة 9081. واعتزل كمبل المسرح البريطاني مسلّماً تاجه لإدموند كين Kean واختفى الأسلوب الكلاسي في التمثيل من إنجلترا باعتزاله، تماما كما اختفى في فرنسا بانتهاء دور صديقه تالما Talma، وانتصرت الحركة الرومانسية في المسرح كما انتصرت في الرسم والموسيقا والشعر والنثر.

تضم حياة كين Kean بين جنباتها جميع التقلبات التي حاقت بمهنته شديدة الحساسية - بما فيها من ملهاة ومأساة. وُلد في حي الفقراء بلندن في سنة 1787 نتيجة لقاء في نزهة ليلية بين آرون Aaron (أوإدموند Edmund) كين Kean وهوعامل (فرّاش) في مسرح وآن كاري Ann Carey التي كانت تكسب مالاً قليلاً من المسرح والشارع، وقد طرده أبواه في طفولته الباكرة فرباه عمه موسى كين المغني المشهور، وتولته على نحوخاص خليلة موسى واسمها شارلوت تدسويل Tidswell وهي ممثلة قليلة الشأن في مسرح الدروري لين. لقد دربته على الفن المسرحي والخدع المسرحية، وحثه موسى على دراسة الأدوار الشكسبيرية، فتفهم الفتى يجلب إليه النظارة بدءاً من الأكروبات (الألعاب البهلوانية) وإصدار الأصوات من بطنه (دون تحريك شفتيه) والملاكمة إلى هاملت وماكبث. لكنه كان متمردا في أعماقه، ففر مراراً، وأخيراً وضعت شارلوت الطوق المقيّد للكلب حول عنقه ونقشت عليه مسرح دروري لين (المقصد ضبطته وربطته بهذا المسرح) لكنه نزع الطوق وهوفي الخامسة عشرة من عمره، وشرد وراح يعمل ممثلاً بشكل مستقل يؤدي أي دور، لقاء 51 شلناً في الأسبوع.

وظل طوال عشر سنين يعيش حياة قلقة غير مستقرة ممثلاً جوالاً، يكادقد يكون معدما محترقاً في جميع الأوقات، لكنه كان واثقاً تماما من أنه يستطيع ان يبز الجميع على خشبة المسرح. وسرعان ما عكف على الكحول لينسى تعبه وعذابه وليغذي أحلامه وتمنياته بأنقد يكون نبيل الأصل، وليتصور فوزاته المرتقبة. وفي سنة 8081 تزوج ماري شامبرز زميلته في إحدى الفرق التي كان يعمل بها، فأنجبت له ولدين والتصقت به لم تفارقه في أثناء جميع استبعاده لنفسه أمام الويسكي (الخمور) والنساء. وأخيرا بعد سنوات عديدة قضاها وهويمثل الأدوار الشكسبيرية، ويحاكي الشمبانزي الذكي تلقى دعوة من مسرح دروري لين ليقوم بدور تجريبي (ممثل تحت الاختبار). وقد اختار دور شيلوك Shylock الصعب ليؤديه في أول صعود له على خشبة الدروري لين في 62 يناير 4181. لقد صَبّ في هذا الدور بعض الإهانات التي تلقاها في هذه الحياة. فعندما نطق شيلوك - باحتقار وسخرية - لتاجر البندقية المسيحي الذي طلب منه قرضاً:

- ألدى الكلب مال،يا ترى؟ محال
- ألخسيس يستطيع حتى يقرضك ثلاثة آلاف دوكة،يا ترى؟

لقد بدا حتى كين قد تقمّص تماماً شخصية شيلوك ونسى أنه إنسان آخر. لقد وضعت العواطف والمشاعر والانفعالات التي صبّها في دوره هذا نهاية للحقبة الكلاسية لفن التمثيل الإنجليزي (مع حتى الدور الذي أدّاه كادت حدثاته لا تتجاوز السطرين، إلى غير ذلك بدأت على مسارح لندن حقبة جديدة في التمثيل قوامها المشاعر والخيال والرومانسية. وبالتدريج راح جمهور المسرح يتفاعل مع هذا الممثل غير المعروف. لقد بدا المتحمسون له في البداية فرادى متشككين، لكن الجمهور سرعان ما تفاعل معه لفرط تفاعله واستغراقه في دوره. وسارع وليم هازلت Hazlitt أبرع النقاد في عصره بكتابة عرض تحمس فيه كثيرا لهذا الممثل، واندفع كين عائدا إلى أسرته فعانق زوجته قائلا لها: الآن يا ماري سهجربين مركبتك الأنيقة وعانق ابنه قائلا: يا ابني يفترض أن تدرس في إيتون Eton(26).

وامتلأ المسرح عند عرض مسرحية تاجر البندقية التي كان يؤدي كين فيها دوره للمرة الثانية (في العرض الثاني) وبعد العرض الثالث قدم صامويل (صموئيل) هويتبيرد Whitebeard له عقداً للعمل في هذا المسرح لمدة ثلاث سنوات لقاء ثمانية جنيهات أسبوعياً فسقطه كين، لكن هويتبيرد غيرّه بعد التوقيع فجعل الجنيهات الثمانية، عشرين جنيها مع حتى كين كان قد وافق على الثمانية. وأتى وقت دُعي فيه كين لأداء دور لليلة واحدة بخمسين جنيها. لقد أدى تقريباً جميع الأدوار المشهورة في مسرحيات شكسبير - هاملت، ريتشارد الثالث، ريتشارد الثاني، هنري الخامس، ماكبث، أوثيلوOthello، ياجوIago، روميو. وقد نجح في جميع هذه الأدوار باستثناء الأخير (روميو).

وعندما حان الوقت ليرى الممثلين الشبان ينتظرون بتوق ليحلوا محله، بدّد عوائده المالية في الشراب، وراح يرضي نفسه بما يتلقاه من حب شديد من مرتادي الحانات التي يرتادها(36) وانضم إلى حركة سرية لإدانة جميع اللوردات وذوي المكانة ونجح في إقامة علاقة آثمة مع زوجة أحد أعضاء المجلس التشريعي بالمدينة(1825)(46) وعمل على استعادة مكانته في المسرح، لكن ذاكرته لم تعد قوية كما كانت فَصَعُب عليه حفظ أدواره فقد كان ينسى السطور الموكل به أداؤها. لقد وقع هذا أكثر من مرة. ومع حتى الجمهور كان معجباً به إعجاباً شديداً، إلاّ أنه عندما قصَّر لم يرحمه وصبّ عليه الإهانات صباً، وسأله لم يُغرق في الشراب دون اهتمام أوحذر،يا ترى؟ فغادر إنجلترا، وقام برحلة في أمريكا أدى فيها أدواراً تمثيلية فحقق فوزاً في فنه وكوّن ثروة بدلاً من التي بددها، وبدّد الثروة الجديدة التي حققها، وعاد إلى لندن ووافق على القيام بتمثيل دور أوثيلوOthello أمام ابنه الذي كان عليه القيام بدور ياجوIago على مسرح كوفنت جاردن Covent Garden (3381) وصفق الجمهور لياجو، واستقبلوا أوثيلوصامتين. وكان هذا شديد السقط على كين الذي لم يلق التصفيق الكافي، فانهارت قواه وأصبح على شفا الانهيار وبعد حتى نطق بعبارة وداعا، لقد انتهت مهمة أوثيلوسقط بين ذراعي ابنه وهمس له: إنني أحتصر يا شارلز تحدّث لهم نيابة عني(56) فحملوه إلى بيته لترعاه زوجته التي كان قد هجرها ذات مرة، وبعد شهرين توفي في 51 مايو3381 ولم يتجاوز السادسة والأربعين. لقد اختطف الموت أعظم الممثلين في التاريخ الإنجليزي - باستثناء جارِك - وهوفي منتصف العمر.


خلاصة

الحق حتى الحياة في إنجلترا كانت ناشطة مثمرة، والحق أيضاً حتى الصورة لم تكن خالية من عيوب كثيرة، وهذا أمر طبيعي في الحياة. لقد اختفى صغار ملاك الأراضي من الطبقة الوسطى، وتعرضت البروليتاريا للاستعباد وخرّب القمار بيوتاً ودمّر ثروات، وكانت الحكومة قائمة على الامتيازات الطبقية، وكان هذا أمراً معلناً واضحاً، وكانت قلة قليلة من الرجال هي التي تشرّع لرجال آخرين ولكل النساء، ومع هذا ففي وسط الأخطاء والجرائم، كان الفهم يتطوّر، وكانت الفلسفة تترعرع، وكان كونستابل يستوحي مناظر الريف الإنجليزي، وكان تيرنر Turner يقيّد الشمس ويثبّت العاصفة (المقصود يرسمهما) وكان وردزورث وكولردج وبايرون وشيلي يقدمون لإنجلترا مهرجاناً من الشعر لا نظير له في أي مكان منذ إليزابث الأولى. وكان التمرد والاضطراب كقشرة خارجية إذ كان النظام والاستقرار هما العصب الأصيل الذي أعطى كثيرا من الحريات لم تكن متاحة في أي دولة أوروبية أخرى خلا فرنسا التي كان الإفراط في الحرية فيها مؤديا إلى الانتحار. لقد كانت حرية الحركة والانتنطق والسفن مكفولة بغير قيود إلا في أوقات الحروب، وكانت حرية العبادة مكفولة فيما عدا التجديف على الله، وكانت حرية الصحافة مكفولة أيضاً فيما عدا الخيانة العظمى، وكانت حرية الرأي مكفولة فيما عدا الدفاع عن الثورة والتمرد فهذا على وفق لكل الشواهد والسوابق سيؤدي إلى عقد أوأكثر من الخطر حيث يختفي الأمن ومن الفوضى حيث يختفي القانون.

ولم يكن الرأى العام راقياً جدا فقد كان يتمسك بالمحاذير taboos البالية وغالبا ما كان يدافع عن القديم لكن كانت لديه الشجاعة لإطلاق أصوات الازدراء نقداً لأمير منحط، واستحساناً لموقف زوجته التي طردها بقسوة(66)، وعبّر الرأي العام عن نفسه أيضاً في مئات التجمعات والجمعيات التي وقفت نفسها لأغراض التعليم والفهم والفلسفة والإصلاح. وكان الرأي العام يظهر واضحاً في القضايا الحرجة إذ يعبّر الناس عن آرائهم في اجتماعات عامة، ويمارسون حق تقديم العرائض (الاحتجاجات) الذي كفله القانون الإنجليزي، فالإنجليز الصبورون لا يعمدون إلى المقاومة إلاّ كحل أخير إزاء هذه الدولة الأوليجاركية. لقد وقع أكثر من مرة حتى قام تمرّد ناجح (حقق غرضه) في شوارع القرى والمدن. لقد كانت الحكومة أرستقراطية ومع ارستقراطيتها فقد كان أقل ما تتصف به هوأنها مهذبة فهذبت العادات وتصدَّت للمستحدثات الضارة، وحافظت على الذوق السليم في الآداب والفنون وحمته من البربرية، كما تصدت للخرافات، وأيدت الكثير من القضايا الطيبة (الصالحة) ولم تهجر شعراءها الكبار نهباً لمجاعة. حقيقة لقد مر بها في بعض الأحيان ملك مجنون، لكن الحكومة كانت تُغل يده، ليظل ملكا محبوبا يمثل رمزاً للوحدة الوطنية ومحورا لكبرياء الأمة وحماسها ولم يجد الإنجليز معنى في اغتال مليون إنسان لعزل ملك له جميع هذه الفائدة كرأس للتشريفات. فبعد انحراف لمرة أومرتين يعود الإنجليزي إلى طبيعته غير مُصر على حتى ماسح الأحذية والبويرن البارون الصغير (البارونت) لهما الحقوق نفسها في اقتراح بنود قانون الأراضي. وقد ذكرت مدام دي ستيل حتى الإبداع في إنجلترا مُتاح للأفراد، ومن هناك كان يمكن تنظيم الجموع(76). إذا النظام الهيراركي في إنجلترا - حيث لكل طبقة مكانتها فوق الأخرى - هوالذي جاز بانتشار الحرية.

دعونا الآن نرى كيف من الممكن أن تفاعل الفن والفهم والفلسفة، ونظام الحكم حتى تكتمل صورة الحياة في إنجلترا في سنة 1800. إننا سنعرض لذلك في الفصول التالية بقدر جهدنا.

هوامش

  1. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

المصادر

  • Briggs, Asa (1983). A Social History of England. London: Weidenfeld and Nicolson. ISBN .
  • Trevelyan, G. M. (1942). English Social History: A Survey of Six Centuries from Chaucer to Queen Victoria.
  • Strong, Roy (1996). The Story of Britain. London: Hutchinson. ISBN .
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:57:10
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, التاريخ الاجتماعي لإنگلترة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لجنة العفو الرئاسى: الإفراج عن 30 من المحبوسين احتياطيا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:23:02
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 43%

أقامت علاقة مع ابن شقيقة زوجها.. ثم شارك الإبن في قتل أبيه مع أمه!

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:49
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

يطلب تطليق زوجته: "مدمنة مشروبات غازية.. وأصبحت عاجزة"

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:36
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

ضبط 30 شخصا من جنسيات إفريقيا تعمدوا إجتياز الحدود خلسة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:52
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

مركز المناخ: اضطرابات شديدة فى الأحوال الجوية من الجمعة حتى الإثنين

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:23:04
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 49%

سجن 441 متمردا مدى الحياة فيما يتعلق بمقتل الرئيس التشادي السابق

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

وزارة الأوقاف: خطة دعوية غير مسبوقة فى رمضان.. اعرف التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:59
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 43%

إطار جديد للشراكة بين البنك الدولي و مصر دعما للتنمية الخضراء

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

لأول مرة في التاريخ.. الدولار يتخطى 40 جنيهًا في العقود الآجلة

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:45
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

بعد أنباء انفصالها.. ظهور صادم لـ شيرين (صور)

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:51
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

البرلمان السويدي يصوت اليوم على عضوية البلاد في الناتو

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:59
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

5 دول عربية تستطلع رؤية هلال رمضان اليوم الأربعاء

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

محمد رمضان يكشف المنافس الوحيد له في رمضان

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:41
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

البرلمان السويدي يصوت اليوم على عضوية البلاد في الناتو

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

الجامعة تقرر مجانية دخول الأطفال والنساء

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:22:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة غدا أول أيام رمضان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:23:06
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 47%

السيليلة القطري يعثر على بديل سامي الطرابلسي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 12:23:01
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية