تامبرلين العظيم

عودة للموسوعة

تامبرلين العظيم

An anonymous portrait, often believed to show Christopher Marlowe.

«تامبرلين العظيم» Tamburlaine (play) لمارلو: من تيمورلنك الى ماكيافيللي لم يعش كريستوفر مارلوسوى تسع وعشرين سنة. ولم يخط سوى ست مسرحيات. بيد ان سنوات حياته القصيرة ومسرحياته القليلة كانت كافية لتجعل منه المؤسس الحقيقي والكبير للمسرح الإليزابيثي في بريطانيا، ولتضعه تاريخياً على قدم المساواة مع معاصره ويليام شكسبير (ولدا في العام نفسه)، بل ثمة من كان يرى، من ضمن محاولات «حل لغز شكسبير» ان هذا الأخير لم يكن في حقيقة امره سوى ذاك وقد أراد ان ينشر مسرحياته غفلة. بيد ان هذا الأمر ينتمي الى حكايات لا تأكيد قاطعاً لها حتى اليوم - حتى وإن كان فيلم حديث للمخرج رولان ايمريك عنوانه «مجهول» يأتي ليقترح علينا ان المحرر الحقيقي للمسرحيات الشكسبيرية ليس شكسبير ولا مارلو، بيد ان هذه حكاية أخرى ليس هنا مكانها من طبيعة الحال -. ما يهمنا هنا هوعمل كريستوفر مارلونفسه... وتحديداً تلك المسرحيات التي كانت، على قلتها، فاتحة لنصوص ملأت فضاء تاريخ المسرح الإنكليزي وأعطته مواضيعه ونكهته، رابطة المسرح بالتاريخ والفلسفة، مسبغة عليه أبعاداً لم يكن ثمة، من قبل، احتمالات تفيد بإمكانية ان تكون له. وفي هذا الإطار تبدومسرحية «تامبرلين العظيم» (ويريد بذلك «تيمورلنك») في جزأيها، واحدة من افضل ما خط مارلو، بل من افضل ما ابتكر المسرح الإنگليزي إذا وضعنا اعمال شكسبير الكبرى جانباً، طوال القرن السادس عشر.

تاريخ

وعلى رغم ان جزأي «تامبرلين» قد خطا ومارلولما يتجاوز بعد الثالثة والعشرين من عمره، فإن المسرحية عابقة بالمعاني والدلالات، محبوكة بقوة، متعمّقة في دراسة الشخصيات. والحال ان الباحثين الجادين رأوا دائماً ان مارلولم يقتصر هنا على تقديم عمل فني تاريخي، بل تجاوز ذلك ليقدّم اول عمل مسرحي حقيقي ينحوالى ترجمة «امير» ماكيافيللي في شكل فاعل. ذلك ان «تامبرلين» هذا كان الأول في سلسلة من شخصيات رسمها قلم مارلونفسه، كما رسمت مراراً من بعده، لتأتي تجسيداً لإرادة القوة، وقوة الفهم عند الحاكم اللتين كان عبّر عنهما المفكر الإيطالي في «أميره» الذي يمكن القول هنا انه كان مفتتح الحداثة في مجال الحكم والغاية من الحكم والكيفية الواقعية التي يتعين بها ممارسة هذا الحكم، بعيداً من المفاهيم الأخلاقية... فمن هو«تامبرلين» في هذا العمل،يا ترى؟ وما الذي أغرى كريستوفر مارلوبأن يكرس مسرحيتين متتاليتين خطهما لكي يتحدث عنه؟

ملخص

تامبرلين (اوتيمورلنك) هوهنا مجرد راع تمكن من الاستيلاء على السلطة بقوة إرادته، وخيل إليه في نهاية المطاف ان الكون كله قد صار طوع بنانه وراح يتصرف على هذا الأساس، من دون ان يظهر الملك/الغازي فيه مختلفاً كثيراً عن الراعي الذي كانه في خاليات ايامه: انه الشخص نفسه سواء كان متسلطاً اوبائساً. وهوسيكتشف هذا في نهاية الأمر، حين يجد نفسه اخيراً، وبعد ان هزم الملوك والدول وحاز ما يريد، وحيداً في لقاءة العدوالفاتك الذي لا يمكنه ان يهرب منه: الموت. وهنا امام مثل هذه النهاية، تخالنا امام رهان فاوستي آخر خسره صاحبه بعدما كان خيل إليه انه ابعد شبحه عنه. وفي هذا الإطار لن يدهشنا انقد يكون مارلوقد عمد، بعدما أنجز كتابة جزأي «تامبرلين» (1587)، الى كتابة واحدة من مسرحياته الأكثر قوة، بل واحدة من المسرحيات الأكثر قوة في تاريخ المسرح العالمي كله «دكتور فاوستوس» (1588) التي سيعيد كتابتها من بعده ناثرون وشعراء عظام من امثال گوته وتوماس مان. ونحن لوقرأنا «فاوستوس» و«تامبرلين» في وقت واحد قراءة متوازية، لن يفوتنا ان نلاحظ اننا هنا امام العمل نفسه، تقريباً، في دلالاته: تمسك الإنسان بقدراته الإرادية على اعتبار انها تضمن له السيطرة والفهم، واكتشافه ذات يوم انه انما خسر الرهان. أوكما نطق ت.اس. إليوت، في معرض حديثه ذات يوم عن مسرح مارلو(ضمن دراسة له عن المسرح الإليزابيثي)، وإذ يذكرنا بأن بعض مسرحيات شكسبير، مثل «الملك لير» لم يخرج عن الحتمية القدرية التي كان سينكا قد اسس خطها الدرامي، يضيف: «وتتضح لنا هذه الحتمية الدرامية في مسرحية «تامبرلين العظيم» لمارلو، اذ نجد تامبرلين يكرس جميع مجهوداته في سبيل الجري وراء الكسب المادي والحصول على القوة مهما كلفه ذلك من عناء وقسوة. وهوفي سبيل بحثه عن العظمة والجاه، ضرب بالمثل والمبادئ عرض الحائط، فتحدّى الآلهة والناس، لكنه عجز عجزاً تاماً امام سلطان الموت الذي نهره وقهره وردّه على اعقابه خائباً محسوراً».

الجزء الأول

في الجزء الأول من «تامبرلين العظيم» يطالعنا هذا البطل التاريخي، منذ البداية، شخصاً ضارياً عنيفاً يمارس العنف والتسلط، لكنه في الوقت نفسه يتطلع للوصول الى الفهم اللامتناهية. وفي الوقت نفسه نجده تواقاً الى الاتحاد بالجمال المطلق، هذا الجمال الذي سرعان ما يجده متمثلاً في الحسناء المصرية زينوكرات ابنة سلطان مصر، التي كانت اسيرة لديه. فالواقع ان تامبرلين، بعدما قهر ملكي الفرس وهجريا، وعاملهما بعد هزيمتهما بقسوة لا مثيل لها (حمل امبراطور هجريا مثلاً، داخل قفص)، سار على مصر محيقاً الهزيمة بجيوش سلطانها، لكنه تعمد ألا يسيء الى هذا الأخير كرمى لعيني ابنته المحبوبة. وبعد تحقيقه نصره الكبير ذاك، اعلن تامبرلين نفسه ملكاً لا يقهر، وعيّن زينوكرات ملكة على فارس وعلى بقية البلدان التي باتت الآن خاضعة لسلطانه. وها هوفي خضم ذلك ينهي هذا الجزء من المسرحية بخطاب صاخب ومظفر حول نصره وزقابل وتوقه الى الفهم.

الجزء الثاني

في الجزء الثاني من حكاية تامبرلين المسرحية هذه، نبدأ بأورخان ملك الأناضول وقد قر قراره على التصدي لجشع تامبرلين وفوزاته، فلاقد يكون منه إلا ان يعقد تحالفاً مع سيغسموند، ملك المجر. غير ان هذا الأخير سرعان ما يفك التحالف ويغدر بأورخان فينقض عليه هذا بقوة وعـنف ويـهزمـه. ثم يتـجه اورخان وحلفاؤه الى مدينة حلب، حيث ينتظرهم هناك تامبرلين وجنوده، وتكون مسقطة عظيمة يسحق خلالها تامبرلين القوى المتحالفة ضده. ويتوج نصره بالمزيد من العنف والقسوة يـمارسـهما ضد اعـدائـه واصـلاً الى حـد ربط اثنـين من قـادتهم بعربته متبختراً بها مـتباهيـاً بوصـوله الـى قـوة ما بعدها من قوة. ثم يتوجه بقواته الى بابل حيث يحتلها ويـدمـرهـا ويحرقها قاتلاً سكانها من دون تفريق وسط احتفال صاخب متحمل. وهناقد يكون تامبرلين قد وصل الى اعتى درجات الزهووالقسوة، ما يدفعه حتى، في لحظة هوى، الى اغتال ابنه الأكبر... لكنه في الوقت نفسه يظهر قادراً على حديث الحكمة والفلسفة، وحتى من بعد موت زينوكرات، حيث يقف مخاطباً السماء متهجماً عاتباً مهدداً، متحدثاً عن خلوده... ولكن في اللحظة ذاتها التي تحل فيها نهايته.

المؤلف

إذاً، هذه المسرحية المدهشة والطويلة، خطّها خلال اقل من عام قلم محرر شاب، كان من الواضح ان معارفه التاريخية والفلسفية والسياسية كانت اكبر من عمره بكثير. وهي كانت الثانية في سلسلة مسرحياته، بل الأولى التي خطها وحده، إذا اخذنا في الاعتبار ان المسرحية الأولى التي تحمل اسمه وهي «ديدون ملكة قرطاجة» خطها شراكة مع توماس ناش، وهوخط بعد ذلك «دكتور فاوستوس» و«اليهودي الثري من مالطا» (1588- 1589) و«إدوارد الثاني» (1591) وأخيراً «مجزرة باريس» (1593) التي كانت آخر ما خط، هوالذي رحل عن عالمنا في عام كتابة هذه المسرحية الأخيرة. لقد عاش مارلو، الذي كان ولد العام 1564 في كانتربري ودرس في كامبردج، حياة صاخبة، عهد فيها المطاردات والسجن، بسبب افكاره الحرة وجراء اتهامه بالإلحاد. اما نجاحه كمحرر فأتى متأخراً، ولا سيما بعد حكاية مقتله في حانة خلال صراع مع اصدقاء، وهوبعد شاب لا يتجاوز التاسعة والعشرين.


ملاحظات

  1. ^ ابراهيم العريس (الإثنين ٣٠ يوليو٢٠١٢). "«تامبرلين العظيم» لمارلو: من تيمورلنك الى ماكيافيللي". دار الحياة. Retrieved 10/8/2012. Check date values in: |accessdate=, |date= (help)

انظر أيضاً

  • Tamerlano
  • Bajazet (opera)

المصادر

  • Bevington, David. From Mankind to Marlowe: Growth of Structure in Elizabethan Drama. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1965.
  • Chambers, E. K. The Elizabethan Stage. أربعة Volumes, Oxford, Clarendon Press, 1923.
  • Geckle, George L. Tamburlaine and Edward II: Text and Performance. New Jersey: Humanities Press International, 1988.
  • Kuriyama, Constance Brown. Christopher Marlowe: A Renaissance Life. Ithaca, New York: Cornell University Press, 2002.
  • Waith, Eugene. The Herculean Hero in Marlowe, Chapman, Shakespeare, and Dryden. New York: Columbia University Press, 1967.
  • Wilson, F.P. Marlowe and the Early Shakespeare. Oxford: Clarendon Press, 1953.

,وصلات خارجية

  • Project Gutenberg etext of part I
  • Project Gutenberg etext of part II
  • *تامبرلين العظيم at the Internet Broadway Database
  • Masoncode.com - Esoteric symbolism in Tamburlaine
  • Times Online article about the censorship of the play
  • "Tamburlaine the Great" retrieved August 3, 2006.
  • .
  • 1918.
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:16:35
التصنيفات: CS1 errors: dates, 1587 plays, Plays by Christopher Marlowe, English Renaissance plays

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كيف يؤثر معجون الأسنان بالنعناع على جودة النوم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:24:41
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

جيش الاحتلال: إطلاق صاروخ أرض جو من جنوب لبنان تجاه هدف إسرائيلي

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:07
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 47%

التعليم لطلاب الثانوية العامة: تسجيل الاستمارة شرط لدخول الامتحان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:18
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 38%

قمة مانشستر سيتى تتصدر جدول مباريات ليفربول النارى.. إنفو جراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:04
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 46%

الأرصاد: منخفض متعمق على غرب البحر المتوسط ليس له تأثير على البلاد

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:12
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 50%

أهداف الأحد.. صاروخ مودريتش وقاضية فان دايك وتألق مرموش وتريزيجيه

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:09
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 35%

انطلاق التصويت المبكر بالانتخابات الرئاسية الروسية في ياقوتيا.. صور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-26 09:22:14
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 46%

تحميل تطبيق المنصة العربية