ميرامار رواية للمحرر العالمي نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل للأدب وتدور أحداث الرواية في ميرامار بنسيون في مدينة الأسكندرية أبرز المدن الساحلية بمصر تديره سيده يونانية الجنسيه ويعيش بالبنسيون عدد من الشخصيات المختلفه.

الشخصيات

• عامر وجدي : صحفي متقاعد
• سرحان البحيري : الشاب العابث الوصولي الذي يوعد زهرة بالزواج.
• زهرة : وهي الفتاة التي اتىت إلى الأسكندرية هاربه من بلدتها لرفضها الزواج من عجوز غني ضغطت عليها أسرتها للزواج منه .. ولكن ولأنها مثال للمرأه المصرية القوية صاحبة الإرادة رفضت ذلك وهربت إلى الأسكندريه وعاشت في بنسيون ميرامار.
• علية : مدرسة تعهدت عليها زهرة في البنسيون تقوم على محوأميتها وتعليمها القرأة.
• طلبة مرزوق
• حسني علام
• منصور باهي
• مريانا اليونانية : صاحبة البنسيون

أحداث السيرة

تقوم السيرة في ميرامار على أساس وقع رئيسي واحد هوالثورة الاشتراكية في مصر ، وكيف ينظر مجموعة من الشخصيات التي تمثل أنماطاً مختلفة من النسيج الاجتماعي المصري إلى هذا الحدث الخطير . تلتقي هذه الشخصيات على مستوى المكان في بنسيون " ميرامار" في الاسكندرية لصاحبته ماريانا اليونانية ، ولكنها تتنافر على مستوى الأفكار والموقف من الحدث الرئيس . وإذا كان ثمة ما يوحد هذا الجمع المتنافر، فهوأنهم قدموا جميعاً إلى البنسيون مدفوعين بدافع واحد هوالبحث عن الأمان والدفء والاستقرار ، هربا من ماض بغيض . فعامر وجدي العجوز يأتي إلى البنسيون ليقضي فيه بقية حياته في هدوء وليجتر ذكريات الأيام المجيدة التي كانت خاتمتها الخيبة والمرارة " لقد ركنت إليه لأنعم بشيء من الهدوء الضروري لشيخوختي ، وبشيء من عزاء الذكريات عن الخيبة المريرة التي منيت بها في ختام حياتي "( ) وزهرة تأتي هاربة من زواج قهري أرغمت عليه من طرف الجد القاسي المتزمت ، باحثة عن عمل شريف في البنسيون يؤمنها من الخوف والجوع ." ـ أراد جدها حتى يزوجها من عجوز مثله لتخدمه " ( ) ويقدم طلبة مرزوق لاجئا عند عشيقته القديمة " ماريانا " فارّاً من الشعور بالذل والهوان في القاهرة بعد حتى صادرت الثورة أمواله ووضعته تحت الحراسة . يقول طلبة راويا عن نفسه : " لم يعد لي مقام في الريف ، وجوالقاهرة يصر على إشعاري بهواني ، عند ذاك فكرت في عشيقتي القديمة ، وقلت : لقد فقدت زوجها في ثورة ، ومالها في الثورة الأخرى ، وإذن فسنعزف لحنا واحداً ") ( أما حسني علام الذي ينتمي إلى نفس طبقة مرزوق ، فهويلجأ إلى البنسيون هرباً من طبقته الأرستقراطية ، بل ومن جميع ما يذكره بها كفندق سيسيل الفخم الذي ضاق به فاستبدل به فندق ميرامار، حاملا معه ذلا من نوع آخر. هورفضه كزوج من قبل إحدى قريباته : " غير مثقف والمائة فدان في كف عفريت " يأتي منصور باهي إلى البنسيون متحاشيا ما يمكن حتى يتعرض له في القاهرة من اعتنطق بسبب انتمائه إلى الشيوعيين ، بعد حتى رضخ لضغوط أخيه بالتخلي عن طريقه ورفاقه ." ولا حدثة ، سأقتلعك من الوكر"( ), ويلجأ سرحان البحيري بدوره إلى البنسيون هرباً من علاقة حب واهية الأسباب إلى علاقة حب حقيقي كان من الممكن حتى تتوج بالزواج ، لولا روح سرحان التي طبعت على المصلحة والانتهازية " يا ربي ... أريد حتى أفيد وأن أستفيد فما عسى حتى أصنع ؟. وإذا كان البحث عن الأمن والاستقرار هربا من ماض بغيض هوالنقطة التي تتوحد عندها هذه الشخصيات المتنافرة ، فإن هناك محوراً واحداً هوقطب الرحى الذي تتجاذب نحوه ، وهوشخصية " زهرة " الفتاة الريفية التي تستثير اهتمام الجميع بشخصيتها القوية ، وجمالها الريفي ، وأنوثتها الناضجة ، بيد حتى سرحان البحيري وحده هوالذي سيفوز بحبها من دون حسني علام الذي حاول حتى يتخذ منها خليلة ، ومنصور باهي الذي عرض عليها الزواج في لحظة من لحظات اليأس لتكون الملاذ والخلاص ، ومحمود أبي العباس بائع الصحف الذي خطبها ليجعل منها ربة بيت تعيش تحت سلطته . لقد سمعته زهرة يقول : " إذا النساء تختلف في الألوان ولكنها تتفق على حقيقة واحدة ، فكل امرأة حيوان لطيف بلا عقل ودين ، والوسيلة الوحيدة التي تجعل منهن حيوانات أليفة هي الحذاء !. " على حتى سرحان البحيري يغدر بالفتاة كما غدر بالثورة التي استفاد من معطياتها ، لأنها لا تتسع لطموحاته العريضة وأطماعه اللامحدودة باعتباره برجوازياً صغيراً . لذلك يقيم علاقة مع "علية" مدرسة " زهرة " لفوائد يأمل حتى يحققها من هذا الزواج الصفقة . ولكن الزواج يفشل كما تفشل عملية تهريب شاحنة الغزل ، فيلجأ إلى الانتحار. أما زهرة فتعلن عن قرارها في الاستمرار على نفس الدرب نحوالكرامة والعمل الشريف ، متسلحة بالفهم والأمل والثقة بالنفس .

يدور بينها وبين عامر وجدي الحوار التالي : " ـ ماذا أعددت للمستقبل ؟ ـ كالماضي تماما حتى أحقق ما أريد ـ حسن حتى تواصلي تعليمك وأن تتدربي على مهنة ، ولكن كيف من الممكن أن توفرين لنفسك الأمن والرزق . نطقت بثقة : في جميع خطوة أجد من يعرض عليَّ عملا." إن ميرامار حكاية بسيطة للغاية كما يقول محمود أمين العالم، ولكن هذه الحكاية البسيطة تتعزز بقصص أخرى تلتحم فيما بينها ملتقية عند بعض الأحداث . هذه القصص ليست بعدد الرواة ـ الشخصيات الأربعة : عامر وجدي ـ حسني علام ـ منصور باهي ـ سرحان البحيري ، بل بعدد الشخصيات الرئيسية التي لا تتولى رواية الأحداث في فصول خاصة بها ، ولكنها تشارك فيها مثل" زهرة " و" مريانا " و" طلبة مرزوق ".

النقد

الخطاب الروائي في ميرامار

الرؤية المتعددة لحدث واحد Vision Stéréoscopique

هناك لحظة في رباعية الإسكندرية لداريل يتذكر فيها الراوي " جوستين " وهي جالسة أمام مرآة ذات وجوه متعددة ، تقول صائحة : ـ انظري ! خمسة وجوه مختلفة لنفس الشخص . لوكنت محررة لحاولت الحصول على تقديم متعدد للشخصيات ، على نحومن الرؤية المتعددة. لما لا يظهر الناس أكثر من صورة جانبية واحدة في نفس الآن ؟. من هذه الرؤية المتعددة تنشأ طريقة جديدة للفهم الروائية التي تكون حصيلة مجموعة من المعارف الجزئية. إذا الراوي في الرواية التي تعتمد هذه الرؤية ، لا يقدم إلا فهم جزئية عن الحدث الواحد ، ولا تكتمل الفهم إلا حين تقدم الأجزاء الأخرى من طرف الرواة الآخرين الذين لا يملكون بدورهم إلا جزءاً من هذه الفهم. إن الحدث الواحد يقدم لنا عبر مظاهر متعددة حسب تعبير تودوروف. وفي رواية ميرامار اقتضى اختلاف شخصياتها وتنافرها وتعدد وجهات نظرها حول الحدث الرئيس ، حتى يعمد نجيب محفوظ إلى هذه الرؤية المتعددة كتقنية تسمح بتقديم الحدث من زوايا نظر متعددة ، تاركا جانبا " الرؤية من الخلف " ذات الإدراك الأحادي. لقد تصدى النقاد المعاصرون الغربيون بكثير من النقد للراوي العليم الذي يتبنى وجهة النظر العارفة بكل شيء على اعتبار أنها تخل بالإيهام بالواقع . ورأواأن وجهة النظر المحدودة تمكن من الانفتاح على آفاق الحياة المتشعبة المتناقضة". بل تعالى نداء بعضهم مطالباً بالدعوة إلى " اختفاء المؤلف من الرواية ، إيماناً منه بأن السيرة يجب حتى تحكي ذاتها ، وذلك عن طريق مسرحة الحدث ، أوعرضه وليس عن طريق السرد أوالتلخيص ". ويرى برسي لوبوك " حتى الفن الروائي لا يبدأ إلا حينما تحكي السيرة ذاتها، لا حتى يحكيها المؤلف ". ولا ينبغي حتى يغيب عن أذهاننا في هذا السياق ، جهود جوستاف فلوبير في تثبيث نادىئم الموضوعية في الرواية. ومن أرائه في هذا المجال " حتى الفنان ينبغي حتىقد يكون في عمله الأدبي مثل إ له في خلقه ، غير مرئي ، وأكثر نفوذاً ، بحيث نحس وجوده في جميع مكان ، لكن دون حتى نراه". ويعني هذا حتى هذا الشكل الفني في " ميرامار " لم يكن مجرد لعبة شكلية أومجرد " تجربة أسلوبية يختبر بها المحرر أرضه الجديدة ". وإنما كان له أساس مضموني ، ذلك حتى الرواية بما تزخر به من شخصيات متناقضة وبما يمر فيها من صراعات ، كانت تفرض هذا الشكل القائم على الرؤية المتعددة. اتىت " ميرامار" عملاً روائياً تلعب فيه وجهة النظر دوراً أساسياً , لا من حيث الشكل الفني فحسب ، بل من حيث الرؤيا التي تقدمها , والتي لا يخرج الشكل الفني عن كونه أداة لتوصيلها"، وقد ربطت الناقدة اللبنانية يمنى العيد بين توظيف هذه الرؤية السردية وحاجة الإنسان إلى الحرية في حتى يقول ما يريد قوله بنفسه دون وصاية " لأن الحقيقة لم تعد قي صوت الراوي وحده , بل هي في هذه الأصوات وقد تعددت وغدا لها نطقها ورؤاها ".

وسنأخذ حادثة واحدة من حوادث الرواية لنرى كيف من الممكن أن رآها جميع راومن وجهة نظره أوزاوية رؤيته الخاصة ، وكيف حتى للحدث الواحد عدة أوجه حسب اختلاف هذه الزوايا . وهذه الحادثة هي حادثة مشاجرة سرحان البحيري / زهرة . وجهة نظر عامر وجدي : يقدم عامر وجدي هذا الحدث من زاوية رؤيته هكذا : " ولما رجعت إلى البنسيون ، وجدت المدام وطلبة مرزوق وزهرة مجتمعين في المدخل ، مغلفين بكآبة أبلغ في إفصاحها عن أي تفجع أوندب ! جلست صامتا وقد وضح لي ما وددت حتى أسأل الآخر عنه . نطقت المدام : ـ تكشف أخيرا ذاك السرحان عن حقيقته .. تمتمت : ـ قابلني في التريانون منذ ساعات فأبلغني بأنه سيغادر. ـ الحق أني طردته ثم وهي تشير نحوزهرة : ـ هاجمها بلا حياء ، ثم أعرب بأنه ذاهب ليتزوج المدرسة ! ثم واصلت حديثها : ـ أراد مسيومنصور باهي حتى يناقشه ، وإذا بمعركة تنشب فجأة ، عند ذاك صرخت في وجهه حتى يخرج إلى غير رجعة ". إن عامر وجدي لم ير الحادث رأي العين ، وإنما سمعه من الآخر خبرا . ولذلك نقل إلينا الحدث بصورة مجملة مقتضبة ، ليس أثناء وقوعه ، ولكن بعد وقوعه بقليل ، ذلك حتى جوالحادث لا زال مخيما بكآبة على أهل البنسيون .

وجهة نظر حسني علام : يرى حسني علام الحادث كما يلي : " يحسن بي حتى لا أغادر الحجرة . ولكن ثمة حادث سعيد يقع في الخارج . في حجرة البحيري . أجل . مناقرة .. بل مشاجرة .. بل معركة بين روميوالبحيري وجولييت البحيرية . ما معنى ذلك ،يا ترى؟ هل طالبته بإصلاح غلطته ،يا ترى؟ هل رام التملص والهرب كما عمل مع صفية ،يا ترى؟ إنه لأمر بالغ اللذة . ولكن يحسن بي ألا أغادر الحجرة . أين كانت تختبيء جميع تلك المسرات ،يا ترى؟ فريكيكوانتبه جيدا واستمتع باللحظة البديعة وصاح الصوت الرنان : ـ أنا حر .. أتزوج بمن أشاء .. سأتزوج من علية .. يا سيد يا بدوي ! عليّة الأستاذة ،يا ترى؟ هل لبى الدعوة لزيارة بيتها ،يا ترى؟ هل تحول من التلميذة إلى الأستاذة ،يا ترى؟ اشهد يا فريكيكو. أي يوم بهيج يا اسكندرية . لتحيا الثورة . ولتحيا قوانين يوليو. ها هوصوت المدام يرطن بالعربية ، وها هوصوت المذيع الهمام بلحمه ودمه ، وأخيراً تنازل بالاهتمام بشؤون الرعية ، وسيجد ولا شك حلا لهذه المشكلة الريفية ... إذا كان عامر وجدي ينقل إلينا الحادث على شكل خبرسمعه من الآخر، فإن حسني علام ينقله إلينا عن طريق مباشر عبر حاسة السمع . إلى غير ذلك نبدأ في الاقتراب من فهم أكثر للحادث . وإن كان من زاوية مختلفة . إنه ناقم على الجميع ، ناقم على سرحان لأنه في اعتباره مستفيد من الثورة من جهة ، ومنفرد بحب زهرة من جهة ثانية ، ناقم على منصور باهي لأنه في اعتباره متكبر منطوعلى نفسه ثم لأنه من أعدائه الطبقيين . ولذلك نجد رؤيته للحادث مغلفة بلهجة تقطر حقداً وسخرية. إننا نتلقى نفس جزئيات الحادث التي تلقيناها عن طريق رؤية عامر بنفس الترتيب : 1 ـ نشوب المشاجرة بين سرحان وزهرة . 2 ـ إعلان سرحان عن قراره التزوج من المدرسة . 3 ـ محاولة منصور تهدئة سرحان . بيد أننا نجد اختلافا في تقديم هذه الأخبار . فالخبر عن نشوب المشاجرة حسب رؤية عامر مجمل : " هاجمها بلا حياء" ، وأسلوب الإعلان عن القرار غير مباشر : " أعرب بأنه ذاهب ليتزوج المدرسة ". ونتيجة مناقشة منصور مذكورة ، ولكن بدون تفاصل : " أراد مسيوباهي حتى يناقشه وإذا بمعركة جديدة تنشب فجأة "

أما حسب زاوية رؤية حسني ، فنجد الخبر عن المشاجرة يمتاز ببعض التفاصيل التي تصله عن طريق السمع ، والتي يلونها بمشاعره نحوأبطال الحدث ، ونجد الأسلوب المستعمل في الإعلان عن القرار أسلوباً مباشراً : ـ " أنا حر .. أتزوج بمن أشاء .. سأتزوج من عليّة " كما نجد نتيجة محاولة منصور قد أغفلت : " ها هوصوت المذيع الهمام بلحمه ودمه ، أخيراً تنازل بالاهتمام بشؤون الرعية ، وسيجد ولا شك حلا لهذه المشكلة الريفية ."

وجهة نظر منصور باهي : نقرأ في الفصل الخاص بمنصور باهي : " ... وفتح باب بعنف فوضحت الأصوات تماما . زهرة وسرحان ! وثبت إلى الباب ففتحته . رأيتهما في الصالة وجها لوجه كديكين والمدام تحول بينهما . وكان سرحان يصرخ في غضب هادر: ـ أنا حر .. أتزوج بمن أشاء . سأتزوج من عليّة . وزهرة غاضبة كبركان ، عز عليها حتى يعبث بها ، حتى تنهار آمالها ثم ترتد وهي الخاسرة . إذن قد نال أربه ويريد حتى يولي وجهة أخرى . اقتربت منه ثم أخذته من يده عائداً إلى حجرتي . كان ممزق البيجاما في أكثر من موضع ، دامي الشفتين ، وراح يصيح . ـ شريرة متوحشة فطالبته بالهدوء ، ولكنه تمادى في الغضب ، وهويقول: ـ تصور ، ترغب حضرتها حتى تتزوج مني ! فصحت أنصحه بالهدوء فصاح : ـ مجنونة . فاجرة وضقت به فسألته : ـ لم أرادت حتى تتزوج منك ؟ ـ اِسألها .. اِسألها. ـ إني أسألك أنت .. نظر إلي لأول مرة في انتباه ، فقلت : ـ لا بد من سبب يبرر طلبها . ـ ماذا تعني ؟ فقلت بغضب : ـ أعني أنك وغد ـ أستاذ فبصقت في وجهه وأنا أصرخ : ـ على وجهك ووجه جميع وغد ، وكل خائن وسرعان ما اشتبكنا في عراك عنيف". ( ) إذا أول ما يلاحظ هنا هوحتى إدراك الراوي للحادث ليس عن طريق خبر ينقل إليه ، ولا عن طريق حاسة السمع كما في حالتي عامر وحسني الراويين السابقين . ولكنه عن طريق الرؤية البصرية . إلى غير ذلك تبدأ معهدتنا في التعمق والإقتراب من كنه الحادث الحقيقي حدثا تدرجنا من وسائل إدراك أدنى إلى وسائل إدراك أرقى عبر السلم الآتي : 1 ـ الحادث مسموع عن الآخر 2 ـ الحادث مسموع ولكن بشكل مباشر عبر حاسة السمع 3 ـ الحادث مرئي رأي العين . إن الراوي منصور باهي يروي الحادث السابق نفسه ، ولكنه يلونه بأفكاره واحتمالات تحمل وجهة نظره : " عز عليها زهرة حتى يعبث بها ، حتى تنهار آمالها ثم ترتد وهي الخاسرة . إذن قد نال أربه ويريد حتى يولي وجهة أخرى " وإذا كان حسني علام قد أغفل نقل نتيجة محاولة منصور تهدئة ومناقشة منصور سرحان التي ذكرت بشكل مجمل على لسان ماريانا في الفصل الخاص بعامر وجدي ، فإننا نتلقاها عبر رؤية منصور بشكل مشروح من خلال الحوار الساخن بينهما ، حيث نستشف حتى سبب المعركة بينهما لم يكن خيانة سرحان لزهرة فحسب ، ولكن الخيانة بصفتها المجردة المتجسمة فيه ، التي يعاني منصور من عقدتها التي يريد التخلص منها . إذا سرحان يجسد ما يعانيه منصور من أزمة بسبب تخليه عن رفاقة ومبادئة ، وإن حنقه عليه ما إلا حنقه على نفسه . "على وجهك ، ووجه جميع وغد وخائن " .

وجهة نظر سرحان البحيري : يقدم سرحان البحيري الحادث السابق من وجهة نظره كما يلي : ـ اعترفت الخنزيرة بلقاءتك ، ولم يدهش أحد من والديها ، ولكنهم دهشوا جميعا لتطفلي أنا ! خرست ، خرست تماما ، ونطقت هي بتقزز وغضب : ـ لم يخلق الله أمثالك من الجبناء ،يا ترى؟ ... ـ زهرة .. جميع ذلك يقوم على غير أساس . إذا هوإلا تخبط يائس .. راجعي نفسك يا زهرة .. يجب حتى نمضى معا .. لم تسمع حدثة مما قلت إذ واصلت كلامها قائلة : ـ ماذا أعمل ،يا ترى؟ لا حق لي عليك .. وغد حقير .. غر في ألف داهية ! وبصقت في وجهي . غضبت . رغم موقفي المخزي غضبت . ثم صحت بها : ـ زهرة ! فبصقت في وجهي مرة أخرى . أعماني الغضب فصرخت : ـ اِمضىي وإلا كسرت رأسك . انقضت عليّ ولطمتني على وجهي بقوة مذهلة. انتترت بعنف ولطمتني للمرة الثانية . فقدت وعيي ، فانهلت عليها ضربا وصفعا وهي تبادلني الضرب والصفع بقوة فاقت تصوري . وإذا بالمدام تهرول نحونا ، وهي ترطن بألف لسان . أبعدتها عني ، فصحت في جنون الغضب : ـ أنا حر.. سأتزوج بمن أشاء .. وسأتزوج عليّة. واتى منصور باهي فمضى بي إلى حجرته . لا أذكر أي حديث تبادلنا ولكني أذكر تهجمه عليّ بوقاحة غريبة ، وكيف اشتبكنا في صراع حديث ". وإذا كان الراوي سرحان البحيري هنا قد هجر جانبا ذكر مشاجرته مع منصور ، فلأنه كان فاقدا لوعيه الكامل نتيجة غضبه وغليانه بعد مشاجرته مع زهرة " أعماني الغضب" ـ " فقدت وعيي "، ولذلك اتىت رؤيته لحادث المشاجرة الجديدة غير واضحة وضبابية . أما حادث المشاجرة مع زهرة ، فيقدمه لنا عبر رؤية واضحة عن طريق الحوار في جزء منه ، وعن طريق السرد الخالص في جزء آخر. إننا هنا أمام الحادث منظوراً إليه من زاوية نظر أشد قربا ، من زاوية من عاش الموقف بشكل مباشر ، لا من زاوية من سمع عنه، أوتلقاه عن طريق حاسة السمع أوحاسة البصر أثناء وقوعه كما في حالة الرواة السابقين. إلى غير ذلك تتكشف حقيقة الحادث والباعث على وقوعه بعد حتى روي أربع مرات من خلال وجهات نظر مختلفة ، جميع رواية منها تعمق أكثر معهدتنا عن هذا الحادث ، وتزيدنا قربا منه .

الرؤية " مع " Vision Avec

إذا كان الراوي في "الرؤية من الخلف" يتمتع بفهم غير محدودة ، تتجاوز القدرة البشرية ، فيخترق الأسوار ، ويقتحم البيوت ، ويكشف أسرار النفوس كأنه إله ، فإن الراوي في "الرؤية مع" محدود الفهم ، لا تتعدى معهدته ما يرى أوما يسمع . إذا معهدته تساوي فهم الشخصية. وفي حالة " ميرامار" التي لا يتولى فيها عملية السرد إنسان واحد كما تجاوز الذكر ، نجد حتى الراوي فيها هونفسه الشخصية ، وعلى هذا تكون معهدته هي فهم الشخصية لأنه إنما يتحدث بلسانها . لقد ألغيت المسافة بين الراوي والشخصية حينما التقيا معا في الراوي ـ الشخصية ، ذلك الراوي الذي يروي بضمير المتحدث " أنا " " مسبار القلب البشري " كما يسميه بلزاك . إن الراوي ـ الشخصية عامر وجدي في "ميرامار" لا يعهد إلا معتمداً على مصادر معينة هي التي تساعده على الإخبار. فإذا كنا قد تعهدنا على بعض المعلومات عن زوج ماريانا الأول والثاني عن طريق محادثة دار بينه وبين ماريانا نفسها ، فإن معلومات أخرى عنهما سنعهدها من خلال وصفهما لنا عن طريق صورهما على الجدار: " أجلت البصر في الجدران المنقوش عليها تاريخها . هاك صورة الكابتن بقبعته العالية ، وشاربه الغزير في البذلة العسكرية ، زوجها الأول ، ولعله حبيبها الأول والأخير الذي اغتال في ثورة 1919. وعلى مرمى البصر في الصالة فيما وراء البارفان صورة الزوج الثاني ملك البطارخ ، وصاحب قصر الإبراهيمية ، أفلس ذات يوم فانتحر ". إن الفهم التي ينقلها لنا الراوي قد استقاها إما من ماريانا نفسها في زمن سابق حين يسوق المعلومات المتعلقة بالزوج الثاني ، أوعن طريق البصر من خلال الصورة الفوتوغرافية (صورة الكابتن بقبعته العالية ، وشاربه الغزير في البذلة العسكرية) ، أوعن طريق الاستنتاج " ولعله حبيبها الأول والأخير ". ولما كانت فهم الراوي محدودة ، فإنه كثيراً ما يلجأ إلى هجر الشخصية تقدم نفسها بنفسها عن طريق الحوار ، أويقدم جانبا من جوانبها عن طريق محادثة داخلي مسرود يأتي كتعليق على قول الشخصية : " راحت تدلك بشرة وجهها بليمونة وهي تقول : ـ كنت سيدة يا مسيوعامر، أحب الحياة الحلوة والنور والأبهة والملابس والصالونات، وكنت أهل على المدعوين كالشمس . ـ رأيت ذلك بعيني ـ لكنك لم تر إلا صاحبة البنسيون . ـ كانت تهل أيضا كالشمس . ـ وكان النزلاء من السادة ، ولكن لم يعزني ذلك عن تدهوري ـ ما زلت سيدة بمعنى الحدثة ـ لما لم تتزوج يا مسيوعامر؟ ـ سوء حظ . ليتنا أنجبنا ذرية .. ـ أوه .. كان كلا الزوجين عاقراً ! يغلب على الظن أنك أنت العاقر ". نتزود عن طريق الحوار بأخبار عن الشخصيتين معا ماريانا وعامر وجدي ، وعن طريق الحوار الداخلي نتعهد على الجانب الذي حاولت ماريانا إخفاءه في الحوار على شكل تعليق من الراوي ـ الشخصية. في الفصل الخاص بعامر وجدي لا نجده هووحده الراوي ، بل نجد شخصية أخرى هي ماريانا تتولى أحيانا دور الراوي ، ولكن عن طريق تفاعلها مع الراوي ـ الشخصية عبر الحوار ، بيد أنها لا تروي إلا عن ماضيها وأمجادها في العهد البائد كما في النص السابق ، أوعندما تحكي عن شخصيات أخرى مقدمة جوانب من حياتها الماضية أوالحاضرة ، مثل زهرة وطلبة ، ولكن دائما عن طريق الحوار : ـ " زهرة بنت رجل طيب ـ زهرة ستعمل عندي اجتاحني إحساس غريب بالفرح والضيق معا ثم سألت : ـ أاتىت تعمل خادمة ؟ ـ نعم ، لم لا ستكون على أي حال في مركز ممتاز ـ ولكن ما .. ـ كانت تستأجر نصف فدان وتغرسه بنفسها . ما رأيك في ذلك ؟ ـ جميل ولكن لم هجرت أرضها ؟ ـ لقد هربت ـ هربت ؟ ـ أراد جدها حتى يزوجها من عجوز مثله لتخدمه والباقي معروف " أما طلبة مرزوق ، فإذا كان الراوي يقدم جوانب من شخصيته عن طريق الوصف ، وعن طريق السرد بدعوى حتى له به سابق فهم " يميل إلى القصر والبدانة ، منتفخ الشدقين واللغد ، له عينان زرقاوان , ذوطابع أرستقراطي لا تخطئه العين ، وينم صمته المتكبر إذا صمت وحركات رأسه ويديه المتزنة المرسومة بدقة إذا ما تحرك " " عهدته من بعيد بحكم مهنتي على عهد النضال السياسي والحزبي " فإن ماريانا ستقدم لنا جوانب أخرى في الحوار الدائر بينها وبين عامر وطلبة : ـ" طلبة بك تلميذ قديم للجزويت ، سنستمع الأغاني الأفرنجية معا ، ونهجرك لتتعذب وحدك ... ـ كان يملك ألف فدان ، كان يلعب بالمال لعبا.." إن الراوي عامر وجدي حتى وهويخبرنا بأحداث كثيرة تتعلق باعتراف منصور بجريمة القتل ، وبتبريره هذه الجريمة ، ثم وهويكشف لنا عن الحقيقة التي أكدها الطبيب الشرعي ، وهي حتى وفاة سرحان كانت ناتجة عن بتر شرايين الرسغ وليس بالضرب بالحذاء حسب اعتراف منصور ، ثم وهويكشف بالتالي العلاقة بين القتيل وجريمة التهريب ، إذا الراوي وهويقدم لنا جميع هذه الأخبار يحتال على القاريء بهذه العبارة التي تفسر لنا هذه الفهم الغنية التي يمتلكها ، يقول : " ها هي الصحف تحمل إلينا أنباء الجريمة " أي حتى هذه الأخبار كلها إنما هي مستقاة من الصحف . غير حتى الراوي حين يقدم نفسهقد يكون أكثر فهم بنفسه إنه يعلن عن أفكاره ومشاعره ويكشف أسراره ، ويقدم وجهة نظره في الشخصيات وفي الحدث الرئيس ، ولكنه مع ذلك لا يستطيع حتى يزودنا بتفسير ما للأحداث قبل حتى تكون الشخصية قد وصلت إليه.

الرؤية من الخارج Vision du dehors

إذا كان الراوي ـ الشخصية في ميرامار يستخدم الرؤية مع " حينما يقدم لنا نفسه ووعيه وأحاسيسه ، فإنه يعتمد " الرؤية من الخارج " حين يحكي عن الشخصيات الأخرى سواء منها التي تقوم بمهمة الحكي أوالتي لا تقوم بها . إن الراوي في " الرؤية من الخارج " يعهد أقل من الشخصيات " إنه يستطيع حتى يصف لنا فقط ما يسمع وما يرى ولكنه لا يمكن حتى يدخل وعي وشعور أي شخصية " نقرأ في النص : " ماريانا أخذت حماما ساخنا عقب عودتها من عند الطبيب . ها هي تجلس ملفوفة في برنس أبيض ، وقد عقصت شعرها المصبوغ ". إن الراوي كما نرى يبقى على السطح ، ولا تتجاوز معهدته هذه الرؤية السطحية إلى رؤية عميقة تسبر غور الشخصيات ، وتتغلغل في أفكارها وأسرارها . إنه يبقى على مسافة من فهم ما يدور من أحداث لهذه الشخصية أوتلك بمجرد حتى تغيب عن أنظاره . فهولا يتابع شخصياته حيث تمضي لينقل لنا أخبارها ووقائعها . وعلى القاريء حتى ينتظر هذه الأخبار والوقائع تأتيه من طرف شخصية مشاركة في الحدث ، أوينتظر حتى يحل دور الشخصية ـ الراوية الأخرى حتى نتعهد على الأحداث والمواقف التي رأيناها مع الراوي ـ الشخصية السابق رؤية سطحية ، أولم نرها نهائيا لاختفاء أبطالها عن أنظاره . عندما تدخل ماريانا بصحبة زهرة القادمة من الريف إلى داخل البنسيون وتغيبان معا عن نظر عامر وجدي ، لا ندري شيئا عن زهرة ولا عن سبب قدومها إلى البنسيون ، فالذي سيتولى إخبارنا بكل ذلك هي ماريانا عبر الحوار الدائر بين الراوي وطلبة وماريانا المشار إليه سابقاً. إن الراوي يجهل أشياء كثيرة عما يرى ، ويبقى في منطقة الظل هاته يطرح التساؤلات ، ويظل القاريء معه في هذه المنطقة إلى حتى يخرجا معا حين يأتي الجواب عن بعض تلك التساؤلات على لسان إحدى الشخصيات نقرأ في الفصل الخاص بعامر وجدي : " وجدتني وحيداً بعد ذهابها أنظر إلى عيني زوجها الأول ، وينظر إلى ، ترى من قتلك ، وبأي سلاح قتلك ،يا ترى؟ وكم من جيلنا قتلت قبل حتى تقتل ،يا ترى؟ " ويأتي الجواب على لسان ماريانا فيما بعد : " أشارت إلى صورة الكابتن ، وعادت تقول : ـ قتله طالب من الطلبة الذين أخدمهم اليوم " ثم لنقرأ الشاهد التالي : ـ " وأنا خارج من الحمام رأيت في الطرقة شبحين ، زهرة وسرحان البحيري في مهامسة أومناجاة . لعله أراد حتى يداري موقفه ، فحمل صوته متحدثا في بعض الشؤون التي تعد الفتاة مسؤولة عنها . مضيت إلى حجرتي كأنما لا أرى ولا أسمع ". فما الذي كان يدور بين هذين الشبحين ،يا ترى؟ إذا الراوي يوجد في مجال الرؤية السطحية والفهم المحدودة. حتى الألفاظ المستعملة في هذا الخبر تؤكد هذه الفهم غير الواضحة : استعمال لفظ الشبحين ـ استعمال أوللتخيير " مهامسة أومناجاة " . ثم استعمال حرف لعل الذي لا يشير على يقين . وفي الفصل الخاص بسرحان البحيري سنتعهد على العلاقة بينه وبين زهرة بكل تفاصيلها . ونقرأ في النص في الفصل الخاص بعامر وجدي : " ارتديت الروب وغادرت الحجرة وأنا من الانزعاج في نهاية ، وجدت الجميع قد سبقوني إلى المدخل . البعض طالما استطلاع مثلي . أما سرحان البحيري فكان ثائراً متسخطا وهويسوي الكرافتة وياقة القميص ، كذلك زهرة كانت مصفرة الوجه من الغضب وقد تمزقت طاقة فستانها ، وراح صدرها يعلووينخفض على حين مضى حسني علام إلى الخارج بالروب آخذا معه امرأة غريبة وهي تصرخ وتسب وقد بصقت في وجه سرحان البحيري قبل حتى يغيبها الباب ." هذا الحادث الذي يمثل مشاجرة سرحان البحيري وصفية التي شاركت فيها زهرة ، يقدم لنا من خلال وجهة نظر عامر وجدي بشكل سطحي ، بحيث لا نرى من الحادث إلا مظهره الخارجي . ثم إننا لا نعهد شيئا عما جرى لصفية بمجرد حتى غيبها الباب بمعية حسني علام . ولكننا سنتعهد على الحادث في شكله العميق في الفصل الخاص بسرحان البحيري . بيد أننا سنبقى في منطقة الجهل بالنسبة لخروج صفية وحسني علام . وفي الفصل الخاص بهذا الأخير سنعهد ما توقفت عنده فهم الراويين السابقين : عامر وجدي وسرحان البحيري . أي الحوادث الخارجة عن مجال رؤيتها . نقرأ في فصل حسني علام : " أخذت المرأة الغريبة من معصمها ، ومضىت بها خارجاً ، وليس علي ـ عدا البيجاما إلا الروب . دفعتها برقة أمامي معلنا عن أسفي واضعا نفسي في خدمتها . كانت تغلي بالغضب غليانا ، وتسب ووتلعن "

الكائن والظاهر

إن الروايات المتنوعة التي قدمت لنا حول حادث المشاجرة بين سرحان وزهرة الذي ناقشناه آنفا ، بعضها كان يمثل الظاهر ، وبعضها الآخر كان يمثل الكائن . فهناك مستوى ظاهر ، وهناك مستوى آخر يبقى كامنا إلى حتى يبرز، وهوفي الحقيقة المستوى الحقيقي والواقعي . يقول تودوروف في هذا الاطار : " إذا السرد حول المظاهر يوقظ فضولنا فننتظر تفسيراً أكثر عمقا". وسنرى هنا أمثلة لهذين المستويين : الكائن والظاهر . تقول ماريانا مبينة العلاقة بين سرحان والمرأة الغريبة صفية التي تشاجرت معه داخل البنسيون : " الفتاة كانت خطيبته أوهذا ما فهمته " إن ماريانا هنا تقدم ذلك الظاهر الذي يوقظ فضول القاريء إلى فهم تفسير أعمق وأقرب إلى الحقيقة . أما الكائن فسيظهر في الفصل الخاص بسرحان البحيري ، حيث سنكتشف حتى صفية مجرد عشيقة لهذا الأخير . ويرى عامر وجدي : " وفي صباح اليوم الثالث لاعتكافي اقتحمت المدام غرفتي في غاية من الانزعاج ثم نطقت لاهثة : ـ أما سمعت بالخبر ؟ ثم وهي تغوص في المقعد الكبير : ـ اغتال سرحان البحيري ـ هه ! ـ عثر قتيلا في طريق البالما ". مرة أخرى تقدم ماريانا المستوى الظاهري للواقعة ، أما المستوى الحقيقي ، فسيهجر مكتوما حتى نهاية الرواية ، حيث يأتينا خلال سرد عامر وجدي عن طريق أخبار يقرأها في الصحف : " وإذا بتقرير الطبيب الشرعي يؤكد حتى الوفاة نتجت عن بتر شرايين رسغ اليد اليسرى بموسى حلاقة ، وليس بضرب الحذاء كما اعترف القاتل ، وبذلك رجح حتى تكون الوفاة نتيجة انتحار لا اغتال " إن الرواة كثيرا ما يحاولون خداع القاريء ، فيلجأون إلى استغلال المستوى الظاهري للحدث ليخفوا عنه المستوى الحقيقي الكائن ، وليبعدوا ذهنه عن مجرد التفكير فيه . فحادثة المشاجرة التي سقطت بين سرحان وحسني علام قبل مقتله بيوم واحد ، والتي تبادلا فيها الشتم والضرب إلى حتى خلص بينهما البواب ورفاقه ، انتهت بالتهديد التالي من طرف حسني علام : ـ " تعال لأريحك من حياتك ". مما يدفع القارئ إلى الاعتقاد بأن قاتل سرحان البحيري هوحسني علام ، في حين سيظهر منصور باهي الذي حاول قتله بالعمل من خلال الرواة , صورة للبراءة ، بل سيبدوأقرب إلى الأنوثة منه إلى الرجولة .

وظيفة العالم الخارجي

كثيرا ما يقدم الرواة ـ الشخصيات في " ميرامار " وصفا للخلفية الفضائية أوللإطار الطبيعي الذي تتحرك فيه . وهذا الوصف لم يقدم لحد ذاته أولغاية تأثيثية تزيينية ، بل قدم ليقوم بوظيفة أساسية تتمثل في عكس العالم الداخلي للشخصية ونقل حالتها النفسية. فالإطار الطبيعي كما يقول موريس أبوناضر هو" حالة نفسية " وهوسمة من سمات الشخص المميزة . إن الخلفية الفضائية أوالإطار الطبيعي المهيمن على الرواية هوالإسكندرية ببحرها وهوائها المتقلب في فصل الشتاء ، وسمائها الممتلئة بالسحب ، ومطرها الذي ينهل انهلالا. نقرأ وصف عامر للإسكندرية : " الإسكندرية قطر الندى ، نفثة السحابة البيضاء ، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء ، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع " فنجد أنه يعكس حالة الرضا والطمأنينة والارتياح التي ملأت نفس عامر وجدي حين عودته إلى موطن ذكرياته ومسقط رأسه . إن الشفافية التي وصفت بها الإسكندرية تعكس حالة الرضا النفسي التي تغمر نفس عامر وجدي بالمصير الذي آل إليه في آخر حياته ، كما تعكس تفاؤله بأن يجد في الإسكندرية خير ملاذ. وفي الفصل الخاص بحسني علام يقدم لنا حسني حالته النفسية من خلال وصفه للبحر : " وجه البحر أسود محتقن بزرقة ، يتميز غيظا يكظم غيظه . تتلاطم ألقاء في اختناق . يغلي بغضب أبدي لا متنفس له ... البحر يمتد تحتي مباشرة ، كأنما أراه من سفينة . وهويترامى حتى قلعة قيتباي محصوراً بين سياج الكورنيش وذراع حجري يضرب في الماء كالغول . بينهما يختنق البحر، يتلاطم موجه في تثاقل وهوكظيم . بوجه أسود ضارب للزرقة منذر بالغضب ، يضطرم بباطن محشوبأسرار الموت ونفاياته ". إن هذا المشهد يعكس عالم حسني علام الداخلي الذي تعتمل فيه مشاعر الحنق والغيظ والتمرد على طبقته التي رفضته ، واليأس والقنوط والضيق والإحساس الحاد بالمصير الإنساني المحتوم . إذا هذا المشهد هوإسقاط لحالته النفسية المتناقضة المشاعر أوهوالمعادل الموضوعي لها حسب إيليوت. وقد يعكس لنا الراوي من خلال الإطار الطبيعي فضلا عن الحالة النفسية الناقمة ، والمزاج السوداوي ، الرغبات الكامنة ، والصبوات المطمورة التي تتوق إليها الشخصية كما في حالة منصور باهي الذي يترجم المشهد التالي توقه إلى ثورة شاملة ، وتغيير جذري : " البحر يترامى تحت سطح أملس باسم الزرقة ، فأين العاصفة الهواتى ،يا ترى؟ والشمس تهوي إلى المغيب مرسلة شعاعاً ماسيا يلتحم بأهداب سحائب رقيقة ، فأين جبال الغيوم ،يا ترى؟ والهواء يلاعب سعف النخيل في غابة السلسلة بمداعبات شفافة رقيقة فأين الرياح الهوج المزلزلة ،يا ترى؟ ". ( )

خاتمة

تطمح رواية "ميرامار" إلى تحقيق الرواية التي نادى بها " هنري جيمس " والتي يختفي فيها المؤلف ، فتحكي السيرة نفسها بنفسها عن طريق تقديم الحدث على شكل ممسرح ، فالرواية في "ميرامار" تقدم لنا عبر وعي رواة ـ شخصيات عن طريق الحوار والمونولوج الداخلي وتيار الوعي ، فتتحرك الأحداث أمامنا حية نابضة. وتبقى الرواية على العموم تعبير عن مشاهد متلاحقة مترابطة فيما بينها، معضلة بناء سرديا محكما, وهذا البناء هوأقرب إلى المونتاج السينمائي بحيث اتىت الرواية في معظمها مكتوبة بطريقة السيناريويتم الانتنطق فيها من مشهد إلى آخر ومن زمن إلى آخر بواسطة علامات فاصلة ، لا بواسطة تقنية الحذف السردية التي لا تستعمل إلا نادراً. والحقيقة حتى التجربة الروائية لنجيب محفوظ أخذت منذ رواية (أولاد حارتنا) تتجه نحوالتجريب واستيحاء التراث السردي العربي و" تحدد ملامح الطريق إلى المعاني الأساسية للحياة الإنسانية : الكرامة والحرية والسلام والمحبة والعمل ".

عرض الرواية

وقد عرضت الرواية كعمل سينيمائي وقام ببطولته نخبه من النجوم المبعدين وقدمت أخيرا في دار الأوبرا المصرية في هيئة أوبرالية عام 2005 .

المصادر

وصلات خارجية

• http://www.fantasticfiction.co.uk/m/naguib-mahfouz/miramar.htm