الأدب العربي في العصر الحديث

عودة للموسوعة

الأدب العربي في العصر الحديث

الأدب العربي

حسب الفترة

العصر الجاهلي
صدر الإسلام
العصر الأموي
العصر العباسي
عصر الدول المتتابعة
العصر الأندلسي
العصر الحديث

أنواع

شعر(هاتى، مديح، غزل، فخر)
غير روائي (التصنيف والكتابات، التاريخ والجغرافيا، اليوميات)
روائي: (ملحمي، مقامات، معلقات، نثر)
نقد

حسب الجنسية

عراقي - سوري
لبناني - أردني
فلسطيني - سعودي
بحريني - قطري
إماراتي - عماني
يمني - كويتي
مصري - ليبي
تونسي - جزائري
مغربي - موريتاني
صومالي - سودني
جيبوتي

مدارس أدبية

مدرسة أبولو
مدرسة البعث والإحياء
مدرسة الديوان
مدرسة المهجر

انظر أيضاً

أدباء عرب
شعراء عرب
روائيون عرب

الأدب العربي في العصر الحديث حتى مستهل القرن التاسع عشر كانت الحياة العربية بمجملها تخضع لركود تام في ظل سيطرة الدولة العثمانية على أقطار الوطن العربي، سواء أكانت تلك السيطرة قوية مباشرة كما في بلاد الشام والعراق ومصر، أم ضعيفة أوإسمية كما في أقطار المغرب العربي وبلدان شبه الجزيرة العربية.

وكان الأدب العربي، بصفته أحد أنماط تعبيرات تلك الحياة الراكدة عن ذاتها، خامد الجذوة ويكاد يقتصر على ترديد ما تخلف عما اصطلح على تسميته في تاريخ الأدب العربي باسم: أدب عصر الانحطاط، أوأدب الدول المتتابعة.

خلفية

قبيل ابتداء القرن التاسع عشر أخذ الاصطدام العنيف بالغرب يهز ذلك الركود المتوارث هزاً شديداً. فقد اتى ذلك الاصطدام غزوات عسكرية تواصلت حتى ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأسفرت عن استعمار مباشر لسائر أجزاء الوطن العربي باستثناء شمالي اليمن وأواسط شبه الجزيرة العربية. واستمر هذا الاحتلال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه التقريب، كما تواصل في بعض الأقطار - كالجزائر - حتى منتصف عقد الستينات من القرن العشرين. أما في فلسطين فقد أقيمت دولة استيطانية ليهود العالم (دولة إسرائيل) الأمر الذي هجر نتائج مأساوية كبيرة ومباشرة على عرب فلسطين، ونتائج شبه مباشرة على بقية العرب في مختلف أقطارهم كانت شدتها متفاوتة بهذا القدر أوذاك، بحسب قرب جميع قطر أوبعده عن حدود تلك الدولة الاستيطانية.

ومع انتهاء الاحتلالات، وحصول الاستقلالات، كان نمط حديث من الاستعمار الاقتصادي العالمي يتولد من طبيعة عمل الرأسمالية العالمية وتطوراتها، ويهجر آثاراً سلبية عميقة في نموسائر المستعمرات السابقة، وخاصة في نموأقطار الوطن العربي الغنية بمصادر الطاقة والفريدة في مسقطها الاستراتيجي في قلب العالم الذي أخذت تتكاثر فيه القوى الكبرى المتصارعة اقتصادياً وأيديولوجياً. وكل ذلك قد هجر - ولا يزال يهجر - آثاره في سيرورات الحياة في المجتمعات العربية، فتنعكس في الأدب شكلاً ومضموناً.

إن ابتداء اصطدام العرب بالغرب، وما أحدثه من ارتجاج قوي على سطح الحياة العربية الراكدة في أعماقها، لم يسفر عن شعور عربي عام بالعجز وعن استثارة لمقاومة النتائج العسكرية للغزوالمتوالي وحسب، بل هوأيضاً قد طرح على العرب معضلة خمود طاقات الإبداع وتجلياته لديهم، كما طرح عليهم إشكالية اللحاق بركب التقدم العالمي تأسيساً على موروثهم الحضاري من جهة، وفي ظل الاستعمار ذاته من جهة أخرى. فالغزولم يكن سقط آلة عسكرية وحسب بل كان يحمل معه أيضاً مفهومات النظام الحضاري الذي أنجز الآلة، والقيم البرغماتية لذلك النظام والمتضاربة جذرياً مع القيم العربية الإسلامية السائدة آنذاك، مثلما كان يحمل معه أدوات عمل، وأساليب تصرف، ونهج سلوك، ووسائل ترفيه فني، وكلها غير مألوفة.

واختصاراً كان وراء آلة الحرب الغازية ومعها جميع ما تمخض عنه التكوين البنيوي الحضاري الغربي من معطيات غير مألوفة ولا معروفة، وحتى غير مقبولة، لدى العرب في حينها.

وإذا كانت غزوة نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر تعد افتتاحاً ومدخلاً لعدم اصطدام العرب بالغرب اصطداماً قوياً فعالاً فإنه من المفيد ذكر أنه كانت هناك احتكاكات غير صدامية تمثلت في قدوم إرساليات دينية (كاثوليكية - بروتستنتية - أرثوذكسية) إلى لبنان بوجه خاص، قبل غزونابليون لمصر بأوقات متفاوتة، ولكنها لن تبرز على أنها قوى مؤثرة في تطورات الوضع العربي: الأدبي منه والفكري على وجه الخصوص، إلا في القرن التاسع عشر.

ولا بد هنا من عرض صورة إجمالية للوضع العربي في ظل الحكم الهجري للإحاطة بأجزاء صورته المتكاملة وتبين حقيقة الفواعل التي ستؤثر في التاريخ الأدبي المعاصر في القرنين التاسع عشر والعشرين كما ستؤثر في تطورات أشكاله الفنية ومضموناته.

لقد أشير قبلاً إلى التفاوت في علاقة الأقطار العربية بالسلطنة العثمانية تبعاً لقربها أوبعدها عن إسطنبول (عاصمة السلطنة) ففي حين كانت أقطار المغرب العربي وكثير من أقطار شبه الجزيرة العربية لا تخضع إلا لسلطة إسمية للعثمانيين، إذ كان لكل من هذه الأقطار حاكم شبه مستقل ينتقل الحكم في ذريته بالوراثة، فإن مصر والسودان (وادي النيل) عهدتا تقسيماً للسلطة بين الولاة الأتراك (الباشاوات) وبين المماليك (البكوات) وغالباً ما كانت كفة ميزان النفوذ تميل لصالح هؤلاء إزاء كفة أولئك.

أما في بلاد الشام والعراق حيث كانت قبضة السلطة محكمة ومرهقة، فقد اعتمد نظام التقسيم إلى ولايات، ونظراً إلى ما كانت تعانيه السلطة من انحطاط عام، وإداري خاصة، فقد عمدت دائماً إلى تعيين ولاة همهم جباية المال إضافة إلى كونهم متنافسين متنابذين، وهوالأمر الذي جر الكوارث على الرعية، إذ عمت الفوضى، وانتشر الفساد، واختل الأمن اختلالاً مفزعاً، وكثرت المجاعات والأوبئة، وأثيرت الفتن الطائفية والحروب الأهلية. فتدهورت الأوضاع الاجتماعية بعد حتى تحولت خطوط التجارة بين اوروپا والشرق عن المنطقة لتسلك طريق رأس الراتى الصالح.

وبسبب من هذه الأوضاع المختلة إجمالاً تمكنت الدول الأوربية العظمى آنذاك (إنگلترة - فرنسا - روسيا) من إيفاد إرسالياتها الدينية التي عمدت إلى إنشاء مدارسها الخاصة أول بأول.

وفي لبنان تمكن الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (أواخر القرن السادس عشر) من حتى يشيع، لوقت قصير، جواً من التحرر. وقد أسهم ذلك في تقبل نشاط الإرساليات الذي هيأ للتفاعل لاحقاً مع ما يفترض أن يفد من فكر غربي مع الغزوات الاستعمارية المقبلة.

وفي فلسطين أثر ظهور الوالي الشيخ ضاهر العمر في ازدهار الحياة الاقتصادية ازدهاراً نسبياً، وكان أحد الزعماء المحليين في اليمن (مستهل القرن السابع عشر) قد تمكن من طرد الوالي الهجري وإقامة حكم وطني دام وقتاً غير قصير. وإذا كان العثمانيون قد تمكنوا من استعادة شيء من نفوذهم على اليمن بعد ذلك فقد كان نفوذاً قلقاً ومكلفاً غير مستقر.

وفي أواسط القرن الثامن عشر ظهرت في قلب الجزيرة العربية (نجد خصوصاً) حركة إصلاح ديني قادها محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م)، ورمت إلى تظهير العقيدة مما لحق بها من بدع وعهدت باسم الحركة الوهابية. وبتحالف أتباعها من أمراء نجد من آل سعود تمكنت هذه الحركة من توسيع نفوذها بعيداً.

وكان الإنگليز والبرتغاليون - والهولنديون إلى حد ما - يتنازعون السيادة على الشواطئ الجنوبية والشرقية لشبه الجزيرة، فتمكن الإنگليز من الفوز أخيراً بهذه السيادة.

تلك هي السمات الإجمالية لصورة الوضع العربي في ظل السلطنة العثمانية حتى مستهل القرن التاسع عشر. ولا ينتظر، في مثل هذه الأوضاع، حتى تزدهر حركة فكرية أونشاط أدبي، وعليه فقد كان النتاج الثقافي مقتصراً على التحشية والتلخيص والتفسير والجمع، وطغت الشكلية واللفظية طغياناً صارماً على الأدب خاصة.

غير أنه، تحت سطح هذه الصورة التي تبدوفي غاية الخمود، كان هناك تململ واضح ورغبة في الإصلاح تذكيها مقارنة الواقع بالماضي، وتحرضها - إلى هذه الدرجة أوتلك - مجموعة التفاعلات المتبترة مع طوالع الفكر الغربي التي حملتها مؤسساته التجارية والدينية، وقواها كون الوطن العربي معبراً لخطوط المواصلات والتبادل التجاري بين الشرق والغرب، قبل اكتشاف طريق رأس الراتى الصالح.

وقد كان لمجموع ما ترافق مع غزوة نابليون لمصر - أوحملته عليها - آثار لا تنكر في إذكاء نزعة الاستقلال وروح النهضة. غير أنه لا يمكن للمرء حتى يقر بالمبالغات التي نسبت إلى تلك الحملة والتي يجعلها كثير من المؤرخين سبباً وحيداً أساسياً لجملة التحولات التي ستحدث في الواقع العربي لاحقاً، بل لابد من رؤية ما ترتب على تلك الحملة في حدوده الموضوعية، بصفتها رجة كبرى في سياق تاريخي محلي وعالمي معقد ومتشابك ومركب.

لقد حمل نابليون معه مطبعة عربية كان قد استولى عليها من الفاتيكان، ولكنه خصصها في المدة القصيرة التي استغرقتها الغزوة (سنتين وبضعة أشهر) لطبع ما كان يهمه من منشورات نادىئية. وقد أنشأ ما أسماه مجمعاً فهمياً، ومخطة للمطالعة، ومسرحاً للترفيه عن جنوده، كما شق بعض الطرق. وهوما يظهر مفصلاً في تاريخ الجبرتي، إلا حتى الحملة قابلت عداء داخلياً وخارجياً قوياً، وشبت في وجهها ثلاث ثورات، وذلك ما منع استقرارها فانتهى بها الأمر إلى الجلاء عن مصر بعد هزيمة جيش نابليون أمام أسوار عكا، وتحطم أسطوله في أبي قير.

إن عرب مصر قد اطلعوا - بوساطة تلك الحملة - على المسرح والمطبعة والصحافة، وتعهدوا شيئاً من أهميتها وضرورتها، فتحرض الاهتمام بها، وهوما ساعد لاحقاً على سرعة نشوئها في مصر، غير أنه ما كان لتلك «البذور النهضوية» حتى تنموإلا بوجود التربة الصالحة، فالحملة إذاً أسهمت في بزوغ النهضة، لكنها لم تكن إلا واحداً من أسبابها الرئيسة ليس أكثر.

وفي تلك الغزوة أوالحملة تم اكتشاف حجر رشيد، ثم استطاع مكتشفه العالم جان فرانسوا شامپليون Champollion حل رموز الخط الهيروغليفي فانكشفت حقائق تاريخية حضارية عريقة كانت مجهولة، الأمر الذي أوجد دافعاً إضافياً للعرب المصريين كي يتعجلوا ابتداء النهضة والخروج من حال الخمود السابق. كما حتى الفهماء المرافقين للحملة - وعددهم يزيد على أربعين - قاموا بتأليف كتاب من عشرة مجلدات، بالفرنسية، سموه، وصف مصر Description de l'Egypte صار فيما بعد عوناً للباحثين في تحري أوضاع ذلك القطر العربي من جوانبها المتنوعة زمن الحملة.

ولعل أبرز ما انجلت عنه الحملة هوأنها كانت سبباً في ظهور محمد علي، ذلك الضابط الألباني الطموح الذي قدم ليشارك في إخراج الفرنسيين من مصر، فلمع نجمه وانتهى به الأمر إلى حتى ولاه الباب العالي (السلطان العثماني) عليها. ومع أنه لم يكن متفهماً فقد ظهر أنه كان يدرك جيداً فضل الفهم في نهضات الأمم. فشجع الفهماء وأوفد البعوث إلى فرنسا فكان من رجالها أوائل بناة النهضة الفكرية والثقافية في مصر. واستعان كذلك بضباط من فرنسة وغيرها لتدريب الجيش الحديث الذي أنشأه ولتنظيم مؤسساته. وفي الوقت ذاته أنشأ المدارس التي تفهم العلوم الحديثة وتعنى بترجمة خطها، وأسس أول جريدة في الوطن العربي صدر بعضها باللغة العربية.

ولعل أبرز خلفائه هوالخديوي إسماعيل (1863-1879) الذي أنشأ مدارس للبنات، وأسس المخطة الخديوية (دار الخط المصرية اليوم)، وقامت في عهده بعض الكليات الأمريكية في القاهرة والصعيد مثلما انتهى حفر قناة السويس (1859-1869) وتم افتتاحها، فاستعاد الوطن العربي مركزه ممراً لطرق التجارة العالمية بين آسيا وأوربة، بما لذلك من منعكسات مهمة على سيرورات التفاعل الثقافي العربي مع ثقافات القارتين المذكورتين.

أما الحملتان المصريتان على بلاد الشام (1831-1833 و1839-1840) فقد أشاعتا فيها جواً شجع فهم الإرساليات فزاد بذلك من تفاعل أبنائها مع الفكر والثقافة الغربيين، إذ أسست تلك الإرساليات عدداً من المدارس واستجلبت مطابع لايزال بعضها يعمل حتى الآن.

وقد سبقت هاتين الحملتين حملة أخرى على شبه الجزيرة العربية (1812-1819) منيت بالإخفاق لكنها هجرت شعوراً - ولوغائماً - بأهمية وحدة العرب وكما نبهت الأذهان إلى ما كانت تظهر بوادره من نهضة ثقافية في مصر.

وقد ضم محمد السودان إلى مصر محققاً وحدة وادي النيل، وذلك بين عامي 1821-1823. لكن الإنگليز قاموا باحتلال السودان بعد ذلك فقابلتهم ثورات أهمها ثورة المهدي (1881-1885)، وانتهى أمر السودان إلى ما سمي السودان المصري الإنگليزي في 1898 وكانت السلطة العملية فيه للإنگليز، ثم أصبحت مصر نفسها تحت الحماية البريطانية، وعلى أي حال فإن محاولات محمد علي لضم الأقطار العربية في دولة واحدة قد أيقظت حساً قومياً عربياً شعبياً. وهوما سيظهر أثره بقوة.

ومع حتى ليبيا ضمت إلى السلطة العثمانية عام 1556، فقد ظلت تتمتع باستقلال ذاتي، وخاصة في عهد الأسرة القرمنلية (1724-1853)، أما أقطار المغرب العربي الأخرى فلم تتبع السلطنة إلا إسمياً، واستقلت تونس عنها عام 1790 استقلالاً تاماً، وظلت الجزائر على تبعيتها الإسمية لاصطنبول منذ حتى احتلتها عام 1518، أما سلطنة مراكش (المملكة المغربية اليوم) فلم تخضع للسيادة العثمانية مطلقاً. وفي عام 1830 احتلت فرنسة الجزائر، ثم تونس عام 1881، واحتلت إسبانيا أجزاء من مراكش (سبتة ومليلة ومنطقة الريف) ثم احتلت فرنسا مراكش بأكملها بين العامين 1901-1904 وتخلت عن بعض أجزائها لإسبانيا عام 1912.

وإذا كان الخمود الثقافي في أقطار الشمال الإفريقي موازياً لنظيره في بقية أراتى الوطن العربي فإن الاحتلال الفرنسي لأقطار المغرب قد خلق وضعاً ثقافياً متناقضاً ولاسيما في الجزائر التي ضمتها فرنسة إليها وأعربت أنها جزء منها وفرضت عليها لغتها حتى الاستقلال عام 1962، فذلك الاحتلال قد ولد اعتصاماًَ أشد بالثقافة الإسلامية التقليدية السائدة من جهة، ومن جهة أخرى فتح الأذهان هناك على ثقافة الغرب وفكره. لكن آثار ذلك يفترض أن تتأخر في الظهور، وهذا ماجعل بواكير النهضة وتطوراتها خلال القرن التاسع عشر وقسم غير قليل من القرن العشرين تكاد تنحصر في مصر وبلاد الشام ثم العراق إلى حد ما.

وما يمكن حتى يخلص إليه في هذا التقديم هوحتى تلك النهضة يجب حتى ينظر إليها في سياق فعالية النمط الحضاري الغربي وحركته الاستعمارية، وعد هذه النهضة محاولة للرد على تحديات حركة هذا النظام لوجود الأمة العربية من مسقط الصراع معه من أجل البقاء والتقدم. إذا ثمة منظومتين ثقافيتين تتفاعلان في إطار تناقضاتهما المفهومية والقيمية: الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة الغربية الرأسمالية الاستعمارية. وفي الظروف السائدة حتى اليوم فإن الثانية هي المهيمنة، أما الأولى فمتعثرة الخطا وتابعة من منظور علاقات أصحابها بالغرب.

وهناك أخيراً أمراً لابد من الإشارة إليه لأنه يتضمن في النهاية إشكالية ذات صلة بالمصطلح الذي تندرج تحته مادة هذا البحث. فمصطلح العصر الحديث هنا يوحي بإشارة ضمنية إلى فكرة الحداثة Modernisme من حيث كونها تملأ هذا العصر بمعطياتها على سائر الصعد. وتعد «الحداثة» في منظور الفكر الأوربي - وهومصدر هذا المصطلح - حالاً من القطيعة المعهدية الكاملة: فلسفياً وفهمياً واعتقادياً.. وحالاً من القطيعة الكاملة في التقنية والاقتصاد والبنى والعلاقات الاجتماعية.. بين ما أنجزته أوربة منذ ابتداء نهضتها حتى اليوم وما تجاوز ذلك في العصر الأوسط وفق تقسيمات التاريخ الغربي حسبما صنفها الفيلسوف الألماني هيگل Hegel.

ولما كان العصر العربي الحديث»- أي القرنان التاسع عشر والعشرون - لا يتضمن شيئاً من تلك القطيعة الأوربية المركبة، ولما كانت التبعية هي سمته الكلية، ولما كان الأدب العربي فيه متأثراً بالضرورة بهذا الوضع التاريخي الحضاري الإجمالي التابع: سواء من حيث تاريخية إنتاجه أومن حيث أنماطه الفنية، ولدلالاته الفكرية والنفسية، وأساليب إنشائه خطاب محملاً بروح هذا العصر. فإن معنى الحداثة هنا لا يشير إلى تعبيرات فنية مؤصلة على تغيرات نهضوية جذرية متواصلة في الواقع المعاش، بل هي تشير إلى تزامنات فنية عارضة - إذا صح التعبير - لواقع يضطرب ويتماوج فيه خليط من مورثات مراحل الحضارة العربية إبان ازدهارها، لكنه خليط مأخوذ بصورة انتقائية، وخليط آخر من تناثرات ما يصل من علوم الغرب وفلسفاته وفكره وأدبه.. فيصطدم الخليطان ويتقاطعان عند حدين من رغبات العرب المتناقضة: رغبات تمسكهم بموروثهم، ورغبات لحاقهم بالغرب المهيمن عموماً.

إن هذه الإشكالية قد هجرت ولا تزال تهجر آثارها بقوة في الأدب العربي المعاصر. وهي إشكالية يجب أخذها دائماً بالحسبان عندما يوصف هذا الأدب وزمنه «بالحداثة». إذ بها - بوصفها تعبيراً عن انعدام القطيعة وعن التبعية السابقتي الذكر - ترتبط مختلف المصطلحات ذات الصلة بما هومعالج في هذه المادة.

وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إذا ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بعمل مختلف البواعث التي تجاوز ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الخط الفهمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من خط التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المخطات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المتنوعة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلواليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أوغير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتفهمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.


بواعث النهضة الأدبية في العصر الحديث

البعثات الفهمية

رفاعة الطهطاوي (1801-1873م).

يأتي هذا الباعث في المقدمة. وقد بدأت فاعليته بعد انتشار الثقافتين الفرنسية والإنگليزية في المدارس والمعاهد التي أنشئت في الشام ومصر وتخرج فيها المفهمون الذين بعث بعضهم إلى فرنسا لإتمام تحصيلهم في مختلف العلوم. وكانت أولى البعثات عام 1826 في عهد محمد علي باشا، إذ اختير أربعة وأربعون طالباً من طلبة الأزهر، رأسهم رجل النهضة الكبير رفاعة الطهطاوي (1801-1873م). وقد عمل هؤلاء المبعوثون بعد عودتهم، وكل في نطاق اختصاصه، في ميداني الترجمة والتعليم. ثم توالت البعثات فيما بعد، فضمت عدداً من البلدان الأمريكية والأوربية.

الترجمة

كان لترجمة الخط الفرنسية والإنگليزية إلى العربية أثر كبير في النهضة الأدبية. وقد بدأت حركة الترجمة في بلاد الشام على يد بعض رجال البعثات الدينية، إذ ترجم هؤلاء بعض الخط التي احتاجوا إليها في التدريس. لكن حركة الترجمة لم تقووتتنوع إلا بعد عودة رجال البعثة المصرية الأولى الذين بدؤوا بترجمة بعض الخط الفهمية. ويعود الفضل الأكبر في تنشيط هذه الحركة إلى الطهطاوي الذي أنشأ «مدرسة الألسن» عام 1835. وقد عنيت هذه المدرسة بتعليم اللغات الأجنبية المتنوعة، وترجم خريجوها مئات الخط والقصص والمسرحيات. وشارك السوريون واللبنانيون بقوة في تلك الحركة، ولاسيما بعد حتى هاجر بعضهم إلى مصر، مثل: نجيب الحداد، وبشارة شديد، وطانيوس عبده، حتى بلغ عدد الخط المترجمة نحواً من ألفي رسالة وكتاب. ثم اتسع نطاق الترجمة بازدياد مطرد وما زال يتسع حتى اليوم إذ تضم المترجمات أبرز روائع الأدب العالمي في سائر اللغات الأجنبية الحية.

الطباعة

أنشئت أول مطبعة بحروف عربية في إيطاليا عام 1514م، وطبع فيها بعض الخط الدينية كسفر الزبور، ثم طبع القرآن في البندقية.

أما في البلاد العربية فأول مطبعة أنشئت فيها كانت في حلب سنة 1706م، ثم تلتها مطبعة الشوير بلبنان سنة 1734م ثم أنشئت مطبعة في بيروت سنة 1751م.

ولما قام نابليون بحملته على مصر سنة 1798م أحضر معه مطبعة مزودة بحروف عربية ولاتينية، وقد استخدمها لطبع المنشورات والصحف الخاصة بالحملة. وبعد انتهاء الغزوجعل محمد علي تلك المطبعة نواة للمطبعة الأهلية التي أسسها عام 1821م والتي عهدت فيما بعد باسم مطبعة بولاق، وطبعت فيها الخط الدراسية والخط المؤلفة والمترجمة. وبعد أربعين سنة بدئ بإنشاء مطابع أهلية كان أقدمها مطبعة «وادي النيل» ومطبعة «جمعية المعارف».

كذلك تأسست في بيروت «المطبعة الأمريكية» عام 1834، ثم تلتها «مطبعة الآباء اليسوعيين» عام 1848، ثم مطبعة «الجوائب» التي أنشأها أحمد فارس شدياق في الآستانة عام 1861. وقد نشرت خط كثيرة في هذه المطابع، وبينها عدد من المعاجم العربية القديمة وطائفة من خط الأدب ودواوين الشعر القديم إلى جانب أمهات خط التاريخ.

وقد تزايد عدد المطابع منذ مطلع القرن العشرين وتطور نوعها وأصبح أكثرها آلياً حتى لم يخل بلد عربي من مطبعة رافقت تكاثر عدد الصحف والمجلات.

حركة إحياء التراث

علي باشا مبارك.

كان من أثر الاتصال بالغرب، وابتداء الاستقاء من ثقافته، وما رافق ذلك من استشراق أواستغراب، حتى تنبهت العقول إلى ضرورة إحياء التراث العربي ونشره. وقد أنشا علي مبارك جمعية لنشر المخطوطات العربية القديمة برئاسة الطهطاوي. وفي عام 1898 تألفت جمعية أخرى للعناية بنشر خط التراث، وكان من أعضائها أحمد تيمور وحسن عاصم وعلي بهجت. وقد أفادت حركة إحياء التراث مما سبقها إليه المستشرقون في ما نشروه من خط التراث العربي، إذ عهد عن هؤلاء منهجهم الفهمي في تحقيق المخطوطات، ومراجعة أصولها، وموازنة بعضها ببعضها الآخر، كما إنهم أخرجوا ما نشروه في طبعات أنيقة مزودة بالتعليقات المفيدة والفهارس الدقيقة.

ولايزال نشاط حركة إحياء التراث في تصاعد مستمر بفضل ازدياد الوعي بضرورة فهم التراث فهم سليمة وشاملة، وتمثل خير ما فيه تمثلاً موضوعياً مفيداً.


الصحافة

الأخوان بشارة وسليم تقلا أسسا جريدة الأهرام المصرية عام 1876م.

كان لإنشاء المطابع، وانتشار الطباعة أثر واضح في ظهور الصحافة. ومن المتفق عليه حتى الصحافة العربية ظهرت في مصر قبل غيرها من البلاد العربية، وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد أنشأ نابليون عام 1800م جريدة «التنبيه» وأصدرت البعثة الفهمية الفرنسية سلسلة تاريخية قام بتحريرها إسماعيل الخشاب. فلما اتى محمد علي أصدر أول صحيفة عربية سنة 1822م هي «جرنال الخديوي» بالعربية والهجرية ثم أصدر جريدة الوقائع المصرية سنة 1828م، باللغتين العربية والهجرية ثم اقتصرت على اللغة العربية. وقد تداول رئاسة تحريرها بعض كبار الأدباء منهم الطهطاوي وحسن العطار والشدياق ومحمد عبده وعبد الكريم سلمان. وتلتها «المبشر» التي أصدرها الفرنسيون في الجزائر عام 1847م وكانت تصدر مرتين في الشهر، وكان حجمها كبيراً وعباراتها ضعيفة. ثم توقفت الصحافة في مصر وظهرت في سورية، أولاً على يد الإرساليين الأمريكيين إذ أصدروا نشرة دينية عام 1851م كانت تخرج مرة في السنة، ثم مرة جميع أربعة أشهر، ثم احتجبت عام 1855م، وفي هذه السنة أنشأ رزق الله حسون في إسطنبول «مرآة الأحوال» وهي أول جريدة عربية سياسية خاصة، لكنها لم تستمر بعد السنة إلا قليلاً، وأنشئت بعدها جريدة «السلطنة» في الآستانة لجورج شلهوب عام 1857م، ثم «حديقة الأخبار» في بيروت عام 1858م لخليل خوري، وظلت تصدر بعد وفاته حتى عام 1909م. وقد ازدهرت الصحافة العربية بظهور «الجوائب» للشدياق في اصطنبول عام 1860م واستمرت حتى عام 1884م. وفي عام 1861 صدرت في تونس صحيفة «الرائد التونسي» وهي جريدة رسمية،ثم أنشأ المفهم بطرس البستاني «نفير سورية»، وابنه سليم «الجنة» ثم «الجنينة» عام 1871م. وفي عام 1866م أنشأ عبد الله أبوالسعود في القاهرة الصحيفة السياسية «وادي النيل». وفي بغداد أنشئت «الزّوراء» عام 1868م، ثم ظهرت عام 1870م في بيروت صحيفة «البشير» على أيدي الآباء اليسوعيين.

وقد ساعدت هجرة بعض السوريين إلى مصر على ازدهار الصحافة فظهرت بعض الجرائد منها «الكوكب الشرقي» لسليم حموي عام 1873م، وجريدة الأهرام للأخوين سليم وبشارة تقلا عام 1876م في الاسكندرية، ثم نقلت إلى القاهرة ولاتزال تصدر حتى اليوم، ثم «الوطن» لميخائيل عبد المسيح عام 1877م، وفي السنة نفسها صدرت «لسان الحال» في سوريا لخليل السكاكيني، وفي عام 1880م صدرت «المصباح» لنقولا نقاش ثم عُطلت عام 1908م، و«المحروسة» لأديب إسحق وسليم النقاش، وفي عام 1885 صدرت جريدة «الموصل» في العراق، وفي هذه السنة نفسها أصدرت جمعية الفنون الإسلامية في بيروت «ثمرات الفنون» برئاسةالحاج سعد الدين حمادة، وإدارة صاحب امتيازها عبد القادر القباني، وظلت تصدر حتى 1908م، ثم «المقطم» عام 1888م لفارس نمر ويعقوب صروف وفي هذه السنة صدرت كذلك «المؤيد» لعلي يوسف وأحمد ماضي، ثم «اللواء» عام 1900 لمصطفى كامل، ثم توالت الجرائد بعد ذلك في شتى البلاد العربية.

أما في المهاجر الأمريكية فأول جريدتين عربيتين ظهرتا هناك هما «كوكب أمريكا» لنجيب عربيلي وأخيه عام 1888م في نيويورك، ثم «الفيحاء» لسليم ودعيبس بالش عام 1894م في سان باولو- البرازيل - وتوالت بعدهما جرائد كثيرة منها في أمريكة الشمالية «مرآة الغرب - المهاجر - الدليل السائح» ومنها في أمريكا الجنوبية «الميزان - الأصمعي - الزمان - الشرق - الإصلاح» وغيرها.

أما المجلات فأقدمها «اليعسوب» التي أصدرها محمد علي الحكيم وإبراهيم الدسوقي، في القاهرة عام 1865م، وهي أومجلة طبية، ثم «الجنان» لبطرس البستاني في بيروت 1870م، وهي فهمية أدبية سياسية كانت تصدر في الشهر مرتين وفي السنة نفسها صدرت «النحلة» للويس الصابونجي في بيروت، وهي أدبية فهمية انتقادية، ثم «روضة المدارس» في القاهرة أنشأها نخبة من الفهماء والأدباء منهم عبد الله فكري وإسماعيل الفلكي وبدر الحكيم بإيحاء من علي مبارك وبإشراف الطهطاوي، وهي مجلة فهمية تاريخية طبية، ثم أصدر يعقوب صروف وفارس نمر «المقتطف» في بيروت 1876م ثم نقلت إلى القاهرة عام 1886م. وهناك مجلات أخرى كثيرة أشهرها في مصر «الهلال» لجرجي زيدان وقد أنشئت عام 1892م، وطبع في مؤسستها خط كثيرة تاريخية وأدبية أشهرها روايات مؤسسها عن تاريخ الإسلام، وتلتها «التنكيت والتبكيت» و«الأستاذ» عام 1892م وكلتاهما لعبد الله النديم وتوالى بعد ذاك ظهور مجلات كثيرة كمجلة المجمع الفهمي العربي بدمشق عام 1921م، ثم «الأديب والمحرر والثقافة والآداب» وغيرها، وبعضها خاص بالمرأة مثل «العروس» لماري عجمي وقد ظهرت عام 1910م، و«المرأة» لنديمة المنقاري في سورية عام 1934م وغيرها كثير.

وفي المهجرين الشمالي والجنوبي صدرت مجلات كثيرة أشهرها في نيويورك «الفنون» لنسيب عريضة عام 1913م و«السمير» لإيليا أبوماضي عام 1929م. وفي سان باولو- البرازيل - صدرت عام 1930م «الأندلس الجديدة» لشكر الله الجر، ثم «العصبة» لجمعية العصبة الأندلسية عام 1935م.

ومن الملاحظ حتى الصحف العربية كانت في أوائلها ركيكة العبارة، يطغى على أسلوبها المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق، ثم لان أسلوبها، وابتعد كتّابها عن الزخرف والحشو، وتوخوا تأدية المعاني بدقة وبساطة ووضوح فأضحت لغتهم وسطاً بين الفصحى والعامية.

المدارس والجامعات

بطرس البستاني، مؤسس أولى المدارس الوطنية الخاصة في لبنان.

سبق تأسيس المدارس والجامعات في مصر وبلاد الشام نظيره في الأقطار العربية الأخرى، وكان التعليم في مصر قبل محمد علي باشا مقصوراً على الكتاتيب وعلى الجامع الأزهر الذي أصبح في عام 1936 جامعة تضم كليتي «الشريعة وأصول الدين» و«اللغة العربية». وبعد عام 1961 أضيفت إليه كليات العلوم الحديثة المتنوعة. ومن الأزهر اختيرت أولى البعثات إلى فرنسة أيام محمد علي، وفي عهده أنشئت المدرسة الحربية ومدرسة الطب. وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت مدارس الحقوق والمفهمين والعلوم والفنون والصناعات ودار العلوم العالية. إلى غير ذلك تدرج التعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ولاسيما بعد عودة رجال البعثة الأولى من فرنسا، ثم عني المسؤولون بالتعليم العالي فأنشئت «الجامعة المصرية» في القاهرة عام 1908، وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات الأخرى في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها.

أما في بلاد الشام فكانت مدارس البعثات الدينية أسبق من غيرها، ثم كثرت المدارس وتنوعت بين أهلية وأجنبية، فكان منها في لبنان مدرسة «عينطورة» التي أسسها الآباء العازاريون سنة 1834، ومدرسة «عبيّة» العالية التي أسست عام 1847، ولفها المستعرب الأمريكي كرنيليوس ڤان دايك Cornelius Van Dyk ومدرسة «غزير» التي أنشأها اليسوعيون في العام ذاته. وفي عام 1860 أنشئت «المدرسة الإنكليزية» وهي أول مدرسة للبنات، ثم الكلية الإنجيلية الأمريكية للبنات عام 1861. وتوالت بعد ذلك مدارس البنات للراهبات العازاريات وراهبات المحبة و«زهرة الإحسان» للروم الأرثوذوكس... وسواها.

أما أولى المدارس الوطنية الخاصة فقد أنشأها المفهم بطرس البستاني عام 1863 تحت اسم «المدرسة الوطنية» كما أنشأ المطران يوسف الدبس «مدرسة الحكمة» عام 1865.

وفي عام 1866 أنشأت الإرسالية الأمريكية في بيروت كلية تخرج فيها طائفة من الفهماء والمتفهمين ثم أصبحت هي ذاتها «الجامعة الأمريكية» الحالية. وكانت تدرس أولاً باللغة العربية ثم عدلت عنها إلى الإنكليزية.

وفي عام 1874 نقل اليسوعيون مدرستهم من غزير إلى بيروت وأصبحت «الكلية اليسوعية» وكانت هي أيضاً تدرس بالعربية ثم عدلت عنها إلى الفرنسية.

وفي سوريا كان التعليم أول الأمر دينياً يتم في الزوايا والمساجد، وكان الجامع الأموي أكبر المدارس الإسلامية وأقدمها. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت المدارس الابتدائية تنتشر في دمشق وحمص وحماه وحلب وسواها. ثم أنشئت في عام 1901 مدرسة للحقوق أضحت فيما بعد «كلية الحقوق»، وأنشئ «المعهد الطبي العربي» فكان منهما نواة الجامعة السورية بعد الحرب العالمية الأولى (جامعة دمشق اليوم).


الجمعيات الأدبية

أسست في العصر الحديث جمعيات كثيرة كان لها دور بارز في إذكاء روح النهضة. ومن هذه الجمعيات ما أدبي، وما هوفهمي، وما هوسياسي. والمعول عليه هنا الأدبية، وإن أسهمت الجمعيات الأخرى إسهاماً غير مباشر في النهضة الأدبية.

وسبقت بلاد الشام مصر وغيرها في هذا المضمار، إذ تأسست «الجمعية السورية» في بيروت عام 1847 على يد الإرساليين الأمريكيين، وكان هدفها نشر العلوم وترقية الآداب والفنون.وقد أربى أعضاؤها على الخمسين منهم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، وقد زودت هذه الجمعية بمخطة. ثم تأسست الجمعية الفهمية السورية في بيروت وبلغ عدد أعضائها مئة وخمسين من مختلف مدن الشام إضافة إلى بعض المصريين، وظلت هذه الجمعية تعمل حتى عام 1868. ثم أنشئت في بيروت جمعية زهرة الآداب عام 1873 وكان من أعضائها نفر من الأعلام بينهم: سليمان البستاني، وأديب إسحاق، ويعقوب صروف، وفارس نمر، وابراهيم اليازجي. وكان هدفها التمرس بالخطابة والبحث وكتابة الروايات والمسرحيات التي كان يمثلها الأعضاء أنفسهم. وقد توقفت في عهد السلطان عبد الحميد. ويضاف إلى هذه الجمعيات أندية وجميعات أخرى تأسست في أشهر حواضر بلاد الشام. أما في الآستانة - عاصمة السلطنة - فقد تأسس «المنتدى الأدبي» الذي اتخذ أعضاؤه من النشاط الأدبي قابلة للعمل السياسي القومي العربي.

وأشهر الجمعيات في مصر «جمعية المعارف» أنشأها محمد عارف عام 1868 لنشر الثقافة وإحياء التراث. وقد نشرت كثيراً من خط التاريخ والفقه والأدب وبلغ عدد أعضائها ستين وستمئة منهم: إبراهيم المويلحي وأحمد فارس الشدياق ومحمد شافعي ومصطفى رياض باشا وسواهم. وتلتها جمعيات ومنتديات كثيرة، منها «جمعية مصر الفتاة». وكان من أعضائها جمال الدين الأفغاني وأديب إسحاق وعبد الله النديم، وكان لتفهم المرأة أثر في ظهور بعض الجمعيات والنوادي النسائية التي عنيت بقضايا المرأة إضافة إلى اشتغالها بالنشاط الأدبي المرتبط بتلك القضايا.

وفي المهجرين الأمريكيين

جبران خليل جبران.

الشمالي والجنوبي أنشأ المهاجرون العرب أعداداً من الجمعيات والنوادي الأدبية، أشهرها في المهجر الشمالي «الرابطة القلمية» التي تأسست في نيويورك عام 1920، ورأسها جبران خليل جبران وكان ميخائيل نعيمة أميناً للسر فيها.

أما في المهجر الجنوبي فقد تأسست «العصبة الأندلسية» في البرازيل عام 1933 ورأسها ميشال المعلوف أولاً ثم رشيد سليم الخوري الشاعر القروي ثم شفيق معلوف. ثم تأسست «الرابطة الأدبية» في الأرجنتين عام 1949 برئاسة جورج صيدح، ولكنها لم تعمر إلا عامين إذ حلت بعودة رئيسها إلى وطنه سورية.

المجامع اللغوية

ساعدت هذه المجامع على خدمة اللغة والأدب والتراث العربي مساعدة طيبة. وأقدمها هوالمجمع الفهمي العربي تأسس في دمشق عام 1919، بجهود محمد كرد علي ورئاسته. وقد عني هذا المجمع بوضع المصطلحات الفهمية الحديثة، وتسليم الأخطاء اللغوية الشائعة، ونشر خط التراث، وضم أعضاء دائمين من سورية وأعضاء مراسلين من البلاد العربية الأخرى ومن المستعربين ومنذ عام 1958 غدا اسمه مجمع اللغة العربية.

وفي القاهرة تأسس «مجمع فؤاد الأول للغة العربية» عام 1932، وصار اسمه فيما بعد مجمع اللغة العربية وبعد ذلك تأسست مجامع أخرى مماثلة في عدد من الأقطار العربية كالعراق والأردن والسودان والمغرب وسواها.

المخطات

من المخطات المهمة ما عام وما هوخاص. وأشهر هذه المخطات وأقدمها «دار الخط الخديوية» التي أنشأها علي مبارك في القاهرة عام 1870، ثم «المخطة الظاهرية» التي تأسست في دمشق عام 1878 أيام حكم الوالي مدحت باشا وأشرف على جمع خطها ومخطوطاتها النفيسة الشيخ طاهر الجزائري، ثم «المخطة الأزهرية» التابعة للجامع الأزهر في القاهرة، وقد تأسست عام 1879 بعد حتى ازدادت ثروة الجامع الأزهر من الخط.

ومن أشهر المخطات الخاصة «الخزانة التيمورية» لأحمد تيمور، و«الخزانة الزكية» لأحمد زكي. وتمتاز هذه الأخيرة من سواها باحتوائها الخط الأجنبية التي ألفها المستشرقون بالفرنسية والإنليزية والألمانية وغيرها من اللغات. وأخيراً هناك «المخطة الآصفية» لمحمد آصف ابن أخت أحمد تيمور.

وفي بيروت تأسست «المخطة الشرقية» للآباء اليسوعيين، ومخطة «الجامعة الأمريكية». وفي العراق مخطات «الكاظمية» و«كربلاء» و«النجف» و«الحلة» و«الساوة» و«بغداد». وفي المدينة المنورة مخطة «عارف حكمت». وفي تونس «المخطة الصادقية» وفي الجزائر «مخطة الجزائر الأهلية» وفي الرباط «الخزانة العامة». وفي عام 1978 أنشئت مخطة الأسد الوطنية في دمشق لتصبح أحدث وأهم مخطة في الوطن العربي بما تحويه من نفائس الخط، وما تستخدمه من تقنيات حديثة في الأرشفة والحفظ والإعارة، كما تهتم بجمع جميع مايصدر من النتاج الأدبي والفكري العربي وما يتعلق بالثقافة العربية على وجه الإجمال.

المسرح والتمثيل

تعد المسارح والتمثيل من العوامل المهمة المساعدة في تنشيط الأدب ونهضته. وقد عهد العرب منذ قرون كثيرة فن خيال الظل. لكن الباحثين يجمعون على حتى المسرح العربي بمعناه الفني قد ولد في لبنان في منتصف القرن التاسع عشر حين نقل مارون النقاش مسرحية «البخيل» لموليير إلى العربية ومثلها في بيته عام 1848 بعد حتى كان قد اطلع على المسرح والتمثيل في أوربة. ثم أخذ بعدها بتأليف المسرحيات وتمثيلها، وقد جمعت مسرحياته في كتاب «أرزة لبنان»، وكانت لغته فيها أقرب إلى العامية.

وقد نظم خليل اليازجي مسرحية «المروءة والوفاء» ومثلت عام 1878.

أما في سوريا فقد تأثر أحمد أبوخليل القباني بمارون النقاش فألف ومثل أكثر من ستين مسرحية استوحاها من التاريخ العربي الإسلامي وقصص ألف ليلة وليلة، وأدخل فيها الشعر والموسيقى ولاسيما الموشح ورقص السماح. ومن تلك المسرحيات «هارون الرشيد» و«أنيس الجليس» و«ناكر الجميل» و«مجنون ليلى» و«الأمير علي». وانتقل إلى مصر ومعه جَوقة من الممثلين والمنشدين، فلقي ترحيباً هناك وعلت شهرته وكثر الآخذون عنه. واقتبس قصصاً عن الأدب الغربي.. وكان أسلوبه في أعماله مسجعاً وأقرب إلى الفصحى.

وألف سليمان النقاش - ابن أخي مارون - فرقة تمثيلية هوالآخر وانتقل بها إلى الاسكندرية عام 1876 وترجم أوبرا عايدة واقتبس من بعض مسرحيات كورني وراسين، واشهجر مع أديب إسحاق في تأليف المسرحيات التي شاركهما يوسف الخياط في تمثيل بعضها. ثم انتقل الخياط إلى القاهرة فمثل على مسرح دار الأوبرا مسرحية «الظلوم» التي حضرها الخديوي إسماعيل فأغضبته ظناً منه حتى صاحبها يعرض به، فأمر بإخراجه من مصر.

وكان المسرح قد بدأ في مصر عام 1869 على يدي يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة. وقد مثل اثنتين وثلاثين مسرحية من اقتباسه أوتأليفه عالج فيها بعض المشكلات الاجتماعية بأسلوب انتقادي تقرب لغته من العامية، منها تمثيلية «الوطن والحرية» التي أثارت غضب الخديوي إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه عام 1871، وألفت فرقة سليمان قرداحي ومعه سلامة حجازي عام 1882. وقد عمل حجازي مع أبي خليل القباني عند انتنطقه إلى القاهرة عام 1884 كما عمل مع اسكندر فرح. وعلى أيدي هؤلاء ازدهر التمثيل الذي يجمع بين الجد والهزل والشعر والغناء وظل مسرحهم يعمل حتى عام 1900.

ثم ألف جورج أبيض فرقته بعد حتى عاد متخصصاً بهذا الفن من باريس عام 1910 فمثل مسرحية فرح أنطون «مصر الجديدة ومصر القديمة» التي كانت نقلة واسعة للمسرح باتجاه «المسرح الاجتماعي». وقد اتسم مسرح جورج أبيض بالجدية المأسوية واستمر حتى الحرب العالمية الأولى. وتابع المسرح في مصر تقدمه على يد يوسف وهبي الذي افتتح عام 1923 «مسرح رمسيس» ومثلت فرقته ما يقارب مئتي مسرحية كان بعضها مترجماً وبعضها الآخر من تأليفه أوتأليف غيره.

ومن الملاحظ حتى التمثيليات العربية آنذاك - معربة أومؤلفة - كانت إما مأساة Tragédie وإما ملهاة Comédie، أما التمثيليات الهزلية الضاحكة Farce فقد عهدت تقدماً واضحاً مع نجيب الريحاني الذي تقمص شخصية «كشكش بك عمدة كفر البلاص» الذي يهرب من زوجه ويركض وراء النساء. وقد تعاون الريحاني مع بديع خيري في تأليف مسرحيات هزلية شعبية، أوترجمتها، كما تعاون معه في تمثيلها وإخراجها. وقد أربت تلك المسريحات على أربعين وكانت ذات طابع تهكمي ساخر.

وأنشأ علي الكسار المعروف باسم «بربري مصر» مسرحاً هزلياً إلى جانب مسرح الريحاني، وانضم إلى فرقته الممثل إسماعيل ياسين الذي استمر بعد حتى أخفق الكسار وأغلق مسرحه. واتى بعده ممثلون هزليون آخرون، لكن عددهم ظل - ولايزال - أقل بكثير من أعداد الممثلين الجادِّين.

أما المسرح الغنائي فقد بدأه الشيخ سلامة حجازي، واتى بعده سيد درويش فطور هذا المسرح ولحن له وشارك في تمثيليات عدة منها «فيروز شاه» و«العشرة الطيبة» و«شهرزاد» و«الباروكة». ثم توقف المسرح الغنائي مدة طويلة حتى ظهرت في بيروت «الفرقة الشعبية اللبنانية» التي أسسها وألف لها عاصي ومنصور الرحباني مشهجرين مع عدد من كبار الفنانين ومؤلفي الزجل وعلى رأسهم فيلمون وهبي. وقد قدمت الفرقة مغنيات مسرحيات غنائية كثيرة أشهرها ما أخذت أدوار البطولة فيه المطربة الكبيرة فيروز (نهاد حداد) مثل: مسرحية «الشخص» و«فخر الدين» و«المحطة» و«بياع الخواتم». وهذه المسرحيات الغنائية - مع أنها تستخدم العامية لغة لها - ترقى إلى مصاف أرقى ما أنتجه المسرح العربي من حيث المشكلات المطروحة فيها وأساليب المعالجة وجمال الأداء وتفوق الموسيقى. ويمكن عدّ مسرح الرحابنة امتداداً متطوراً لمسرح سيد درويش.

النثر

بعد الذي تقدم ذكره، يمكن القول: إذا القرن التاسع عشر لم يكن إلا فترة الإرهاص بالتطورات الحقيقية الكبيرة التي سيشهدها الأدب العربي في القرن العشرين، ولم يتجاوز ما تم إنجازه فيه حدود «تمهيد الأرض» لزروع التجديد التي ستؤتي أكلها ناضجة - أوشبه ناضجة - في القرن العشرين لسائر أنواع الأدب أوأجناسه حسبما هومعروف في الآداب العالمية.

ومن حيث الأسلوب كان النثر في القرن التاسع عشر مثقلاً بالمحسنات البديعية وبالسجع، بل إذا محاولات لإحياء فن المقامة قد جرت على يد الشيخ ناصيف اليازجي. ومن جهة المضمون كان النثر يعنى بالقضايا الاجتماعية والسياسية ولكن بطرائق الوعظ الأخلاقي وبالنقد التهكمي الساخر الذي يتناول المظاهر أكثر مما يتناول الجواهر، ويرى الباحث في أدب العرب في القرن العشرين حتى ذلك كله قد تم تجاوزه. فالاتصال بالغرب حرض على إدخال التطوير على الأنواع الأدبية القديمة، كما حرض على ظهور فنون نثرية جديدة بقوالب تعبيرية جديدة.

الموضوعة

من المعلوم حتى الموضوعة نشأت في أحضان الصحافة. ولعل أول من استخدم مصطلح «منطقة» هوأحمد فارس الشدياق حين خط في مجلة الجوائب «منطقة في أصل النيل». وكانت الصحف عند نشأتها تعنى بالموضوعة الافتتاحية وتنشرها في صدر صفحتها الأولى، وتعالج فيها موضوعاً رئيسياً، غالباً ماقد يكون سياسياً. ووسع ظهور المجلات من ميادين الموضوعة وأثر في تطورها وتنوع موضوعاتها التي تمس الحياة العامة، وصارت منطقات معظم الكتاب تجمع في خط لحفظها من الضياع وتيسير سبل الاطلاع عليها من قبل الأجيال اللاحقة.

وقد درج النقاد على تقسيم الموضوعة بحسب مضامينها إلى عدة أنواع: سياسية واجتماعية وأدبية، ثم توسعت هذه المضامين تبعاً لاتساع فروع الفهم فأضيفت إليها الموضوعات: الفكرية والفلسفية والإنسانية والنفسية والدينية والنقدية.

ومن جهة أخرى قسمت الموضوعات إلى نوعين: الموضوعة الذاتية، والموضوعة الموضوعية.

فالموضوعة الذاتية يعالج فيها المحرر موضوعاً محدداً يعكس انطباعه عنه، إذ تتحكم في الكتابة هنا عواطف المحرر وانفعالاته الذاتية ويغلب تصوير وجهة نظره الشخصية بأسلوب عفوي. ومن الطبيعي حتى تتفاوت الموضوعات هنا بتفاوت موضوعاتها، واختلاف شخصية جميع محرر، من حيث وضوح الأداء وعمقه وجماله.

أما الموضوعة الموضوعية فتختلف في حتى المحرر يعالج فيها موضوعاً يرجع فيه إلى المنطق والعقل ومنهجية الأداء، فيكون للمنطقة مقدمة ثم عرض فمناقشة فاستنتاجات ثم خاتمة. ويدور الموضوع حول قضية فهمية أوفلسفية أواجتماعية أوسياسية أونقدية.

ومن أبرز من خط الموضوعة الذاتية بعواطف رقيقة، وسعة خيال، وتصوير فني شفيف، وجمل موسيقية قصيرة، مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابيه النظرات والعبرات، وجبران خليل جبران في خطه [[دمعة وابتسامة (كتاب)|دمعة وابتسامة][ والعواصف والبدائع والطرائف ومي زيادة في «سوانح فتاة» و«ظلمات وأشعة». وقد بدأ هذا اللون من الموضوعة الذاتية يتناقص بعد الخمسينات من القرن العشرين، وإن كان هذا لا ينفي وجود كتّاب له في كثير من أقطار الوطن العربي.

وفي لون آخر من الموضوعة الذاتية اعتمد كثير من الكتاب أسلوباً فكاهياً يقوم على التصوير الساخر الذي يداخله القص وتميزه حيوية الأداء، وأبرز من خط الموضوعة من هذا اللون في القرن التاسع عشر هوأحمد فارس الشدياق في كتابيه «الساق على الساق في ما الفارياق» و«كشف المخبا عن فنون أوربة». أما في القرن العشرين فأبرز هؤلاء الكتاب هوإبراهيم عبد القادر المازني في خطه «قبض الريح» و«من النافذة» و«حصاد الهشيم»، ومع حتى هذا الكتاب الأخير هومجموع منطقات نقدية إلا حتى السخرية التهكمية في نبرته واضحة كما حتى ذاتية المحرر هي إحدى سماته البارزة. وهذا مؤشر على التداخل ما بين نمطي الموضوعة: الذاتي والموضوعي.

وثمة لون ثالث يتميز بعمق الأفكار والتأنق في الألفاظ والتصوير البياني، والخيال الشاعري وأبرز كتابه في القرن العشرين مصطفى صادق الرافعي في «وحي القلم» وفي «حديث القمر» إذ يجد القارئ هنا بعض الغموض والتعقيد في الصور وأسلوب الأداء.

ومع ازدهار الصحافة العربية وارتقاء التعليم وتطور الأدب في القرن العشرين تزايد كثيراً عدد الأدباء الذين يخطون الموضوعة الذاتية التي تلامس قضايا موضوعية ومشكلات اجتماعية أوسياسية أواقتصادية أومعاشية.. حتى لا يكاد المرء يجد أديباً عربياً في سائر البلاد العربية لم يمارس كتابة هذا اللون من الموضوعات في صحيفة أومجلة ما، وهوأمر يطول حصره واستقصاؤه.

ومن مشاهير كتاب الموضوعة الموضوعية - وهي لا تخلوبطبيعتها من ملامح ذاتية - أحمد أمين في كتابه «فيض الخاطر»، وطه حسين في كثير من خطه منها حديث الأربعاء وتجديد ذكرى أبي العلاء ومحمد كرد علي، ومحمد حسين هيكل، وميخائيل نعيمة في «البيادر» و«النور والديجور» و«الغربال»، وعباس محمود العقاد، والمازني في كتاب «الديوان»... وغيرهم كثير.

ومع التطورات المعقدة في الحياة والأدب العربيين بعد الخمسينات على وجه التخصيص كثر عدد كتاب الموضوعة الموضوعية إذ تقوم حياة الصحف والمجلات بأنواعها عموماً على هذا اللون من الموضوعة التي يشارك في كتابتها الصحفيون والأدباء على حد سواء. وقد نشطت المحاضرات وبرامج الإذاعات والتلفزة المعنية بالأدب، وهذه كلها في الأصل منطقات مطورة لتلائم هذه الصيغة أوتلك من وسائل إيصال الأدب إلى الجمهور. وربما أمكن أيضاً إدخال الندوات في هذا الباب.

ولايزال الكتاب المعاصرون يجمعون منطقاتهم في خط جرياً على ما كان قد سبقهم إليه جيل الرواد في القرنين التاسع عشر والعشرين ممن تجاوز ذكر أسماء مشاهيرهم. وإذا كان المقام هنا لا يتسع لذكر الأعداد الجمة من الأدباء الذين يخطون الموضوعة الموضوعية اليوم في مختلف البلاد العربية إذ توجد مئات من الأسماء، فإنه مما يجدر ذكره حتى الموضوعات قد يطول بعضها وتتسع أفكاره ولاسيما في المجلات المتخصصة فتصبح الموضوعة أقرب إلى البحث الأدبي القصير الذي يتضمن أجزاء كثيرة، جميع جزء منها يعالج جانباً من ذلك البحث أوفكرة من أفكاره.

الخطابة

اتسع مجال الخطابة في العصر الحديث وتنوعت موضوعاتها أوأساليبها إثر قيام الحركات الوطنية وتأسيس الجمعيات والنوادي الأدبية والمنابر الأخرى. وممن برزوا في هذا المجال في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عبد الله النديم وأديب إسحاق ومصطفى تام وأمين الريحاني ومي زيادة. ثم ازداد انتشارها في المناسبات القومية والحزبية والسياسية، والمؤتمرات المحلية والدولية. وقد أعان على انتشارها المذياع والتلفاز.

وفضلاً عن الخطب الدينية في الجمع والأعياد، هناك من أشكال الخطبة: المحاضرة التي تجاوز ذكر أنها تقارب الموضوعة، فهي في واقع الأمر تجمع بين شكلي هذين الفنين من فنون النثر. وهناك خطب المناسبات المتنوعة والأحاديث الإذاعية والمتلفزة، كما حتى للندوات مدخلاً في هذا الباب.

والخطابة بمدلولها الأصلي أصبحت في هذه الأيام مقصورة على السياسة إذ يوجه السياسيون خطبهم إلى الشعب في جميع قطر في مناسبات معينة ويتم نقلها للناس الذين لم يحضروا وقائع المناسبة عبر الأجهزة المسموعة والمرئية. ويكاد الجانب الأدبي يختفي من هذه الخطب إذ ينصب هم الخطيب الذي غالباً ماقد يكون رجل دولة على شرح الأوضاع السياسية المحلية والعربية والدولية للناس في المجتمع المحلي وفي مختلف الأقطار العربية الأخرى.

وقد برز في العصر الحديث طائفة من الخطباء المفوهين جلهم من الزعماء السياسيين والقادة منهم عبد الرحمن الشهبندر والرئيس جمال عبد الناصر والرئيس حافظ الأسد.

السيرة والرواية

عهدت السيرة على نحوما في الأدب العربي القديم على غرار ما عهدته مختلف الشعوب من حكاية وخرافة وأسطورة. وفي القرآن الكريم قصص كثيرة عن الأنبياء والمرسلين والأقوام البائدة. وأولى بوادر القص النثري الفني كانت في ما نقله إلى العربية وأضافه ابن المقفع (ت142هـ) في كتاب كليلة ودمنة ثم اتى الجاحظ (ت255هـ) فألف كتاب «البخلاء» في شكل نوادر فكهة عن البخل وأصحابه من أهل مروخصوصاً.

وابتكر بديع الزمان الهمذاني (ت398هـ) شكلاً من أشكال السيرة القصيرة سماه المقامات، وبطل مجموعة المقامات واحد، ثم تابعه الحريري (516هـ) وآخرون لم يحظوا بشهرة الهمذاني والحريري.

وتكاد السيرة الشعبية حتى تكون خليطاً من الروايات والملاحم التي تداخلها الخرافة كما يداخلها الشعر الذي يفتقر إلى الفنية الجيدة.

على حتى أبرز كتاب عربي قديم في هذا الباب هوألف ليلة وليلة وهومجموع من التراث ذي القص (الحكائي) للشعوب غير العربية ممن ولج منهم في الإسلام أواحتك المسلمون بهم كالهنود، وقد عرب هذا المجموع وأضيفت إليه حكايا جديدة حتى صار نسيجه العام عربياً إسلامياً خالصاً. وهجر هذا الكتاب أثراً قوياً في الآداب الأوربية حتى إذا رجلاً كفولتير يصرح بأنه لم يخط السيرة إلا بعد حتى قرأ «ألف ليلة وليلة» أربع عشرة مرة.

على حتى السيرة بمفهومها الفني الحديث إنما ظهرت في الأدب العربي في القرن التاسع عشر، وبعد الاطلاع على الآداب الغربية.

وقد ابتدأ الكتاب العرب بترجمة القصص القصيرة عن تلك الآداب ونشرها في المجلات كالجنان والضياء والمقتطف والهلال، وكان المترجمون يتصرفون بالسيرة لتتلاءم مع العقلية العربية. وهذا أيضاً ما عمله المنفلوطي في ترجمته لرواية «ماجدولين» للمحرر الفرنسي ألفونس كار A. Karr، وحافظ ابراهيم في البؤساء لڤكتور هوگوV. Hugo. وقد قام نفر من الكتاب في مصر وبلاد الشام بتأليف الرواية في القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن العشرين مثل ناصيف اليازجي وسليم البستاني وفرح أنطون وجرجي زيدان ومحمد المويلحي. وإذا أفردنا من هؤلاء جرجي زيدان الذي خط مجموعة كبيرة من الروايات عن تاريخ الإسلام فإن محاولات الآخرين كانت غير مكتملة فنياً وتميل إلى الوعظ والتعليم الأخلاقي كما تأثرت بأساليب الحكاية والمحسنات البديعية في المقامات. ويجمع مؤرخوالأدب العربي على حتى أولى الروايات المكتملة فنياً خطها محمد حسين هيكل تحت عنوان «زينب» وكان ذلك نحوعام 1920.

وإذا كان الغربيون يقسمون فن القص عندهم إلى الأقصوصة le conte والسيرة la nouvelle والرواية le roman فإن فن القص العربي الحديث يمكن تقسيمه إلى «سيرة قصيرة» و«رواية». تعتمد السيرة القصيرة على التقاط المحرر للحظة من الحياة يعنى فيها بتحليل الحدث أوالشخصية أوالبيئة أومجموع هذه العناصر معاً ليصل إلى هدف دلالي أعلى، ويكون أسلوبه في ذلك على نحومركز ودقيق. أما الرواية - وهي هنا تضم السيرة الطويلة إليها - فتهتم بإقامة بنيان فني واسع تشغل حيزاً واسعاً من الزمان والمكان وتدور حول شخصية واحدة أوشخصيات كثيرة وتتشابك فيها الأحداث والعلاقات بعضها ببعض من جهة، وبعضها أوكلها مع معطيات الزمان والمكان أي البيئة الفنية من جهة أخرى. والمحرر هنا يتعمق في تحليل ما يدور في نفوس أبطال روايته وفي ربط الأحداث بتواريخ أوتسقطات مستقبلية بوساطة تقنيات تختلف باختلاف جميع محرر عن الآخر وكل رواية عن الأخرى، ولهدف تقديم روايات متراكبة المستويات للبشر والحياة والعالم عبر سياق تخييلي ينطوي على جملة من الإيحاءات الدلالية.

ويمكن القول إنه منذ عشرينات القرن العشرين بدأ الازدهار في السيرة والرواية العربيتين.

ففي مصر اشتهر من كتاب السيرة القصيرة الأخوان محمود ومحمد تيمور، ويحيى حقي، ثم أمين يوسف غراب، ويوسف الشاروني، وكثير غيرهم، على حتى أكثر كتاب السيرة القصيرة شهرة في مصر - وربما في مختلف البلدان العربية - هويوسف إدريس.

ومن سورية برز عبد السلام العجيلي وزكريا تامر وخليل الهنداوي وجورج سالم وحيدر حيدر ووليد إخلاصي وغادة السمان وغيرهم كثير ممن خطوا في السبعينات وما بعدها من هذا القرن. وتشهد السيرة اليوم في سورية ومصر ازدهاراً ملحوظاً كما تشهد مثل ذلك الازدهار في كثير من الأقطار العربية.

ومن لبنان اشتهر كتاب السيرة القصيرة توفيق يوسف عواد الذي يعدّ رائداً لهذا الفن في جميع بلاد الشام كما خط السيرة سهيل إدريس وزوجه عائدة مطرجي إدريس وخطها كذلك كرم ملحم كرم ومارون عبود وسواهم.

وفي الأردن كان أول من خط السيرة القصيرة محمد صبحي أبوغنيمة في مجموعته «أغاني الليل» وهي مجموعة قصص اجتماعية ذات طابع وعظي أخلاقي تضم أيضاً خواطر متقدمة عن فن الأدب قياساً إلى ما كان قد تم إنجازه أدبياً في الإمارة الأردنية آنذاك. ويعد عيسى الناعوري أكثر كتاب السيرة شهرة في الأردن. على أنه قد سبقته أسماء معروفة في كتابة هذا الفن أبرزهم سيف الدين الإيراني وأمين فارس ملحس ومحمد أديب العاصري. كما حتى أسماء جديدة مهمة قد اتىت بعده ومن أبرز هؤلاء فخري قعوار ومحمود الريماوي وبدر عبد الحق.

وظهرت السيرة الحديثة في ليبيا على يد خالد زغبية في مجموعته «السور الكبير» عام 1964 وهناك أسماء أخرى مثل تام حسن المقهور ومصطفى المصراني وزعيمة البارودي.

وفي تونس أسماء غير قليلة في إطار حركة ثقافية ناشطة. ومن هذه الأسماء التي تخط السيرة القصيرة الميداني بن صلاح وحسن نصر ومحمد صالح الجابري وسمير العيادي وغيرهم.

أما الجزائر فقد ازدهر فيها ما سمي أدب المعركة قبل الاستقلال. وكانت مجموعة مالك حداد «البؤس في خطر» 1956 هي أولى المجموعات القصصية المعبرة عن ذلك الأدب. وهناك أسماء أخرى في تلك الفترة خطت السيرة القصيرة مثل مفدي زكريا وجان سيناك وحسين بوزاهر وجمال عمراني. وبعد الاستقلال شهد فن السيرة القصيرة ازدهاراً واسعاً وبرزت أسماء كثيرة مثل رضا حوحووعبد المجيد شافعي وأحمد عاشور وزهرة وينسي. وهؤلاء خطوا بالعربية خلافاً لسابقيهم ممن خطوا بالفرنسية قصص فترة «أدب المعركة» وثمة أسماء جديدة كثيرة تشير إلى الاهتمام الواسع للأجيال الجديدة من كتّاب الجزائر بفن السيرة القصيرة.

وفي المغرب، كما في الجزائر وتونس، خط الأدباء السيرة القصيرة بالفرنسية أولاً ثم بالعربية.

ويرى بعض الباحثين حتى هذا النوع من الأدب يتبع الأمة التي خط بلغتها بصرف النظر عن الجنس.

وشهدت السيرة في السودان ولادتها على يد عثمان النور، وقدم جمال عبد المالك مجموعته «الحصان الأسود» ويوسف العطا مجموعته «نغرس النخيل». وخط الروائي السوداني المعروف الطيب صالح عدداً من القصص القصيرة جداً ثم توقف عن ذلك.

وفي شبه الجزيرة العربية بدأ فن السيرة الناضج على يدي أحمد السباعي (1905-1983). وفي الربع الأخير من القرن العشرين شهدت كتابة السيرة ازدهاراً جيداً ففي اليمن مهد محمد عبد المولى (1940-1973) للسيرة الواقعية، ويصور زيد مطيع دماج (1943-...) الزمان والمكان اليمنيين قبل الثورة وبعدها. أما القاص الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل فيعتمد تكنيك السيرة الحداثية ليصور وحدة الإنسان وسط عالم معاد أولا مبال. مستخدماً تيار الوعي أساساً من لمحات وصفية سريعة أشبه بإشارات ضوئية. وبعد هؤلاء الرواد لفن السيرة في شبه الجزيرة يأتي رعيل حديث يبرز من بينهم سليمان الشطي وليلى العثمان من الكويت، ومحمد عبد الملك، وأمين صالح من البحرين، ومحمد علوان وحسين علي حسين وسباعي عثمان من السعودية، وسعيد العولقي وميفع عبد الرحمن من اليمن، ومحمد المر من إمارة دبي وقد أصدر سبع مجموعات قصصية حتى اليوم بلغت أعداد قصصها زهاء المئة.

وفي العراق أسماء مهمة في هذا الفن مثل محمود السيد أحمد وعبد المجيد لطفي وأنور شاؤول وعبد الرحمن الربيعي. إضافة إلى أسماء كثيرة من الأجيال الجديدة.

وقد تناولت السيرة في الوطن العربي مجموع المشكلات المحلية والشخصية والقومية بالمعالجة، وفق أساليب مختلفة، وبما ينسجم مع المعاناة التي يحسها المحرر تبعاً لظروف هذا القطر أوذاك، إذ تطرح المسائل والمشكلات الاجتماعية من منظوراتها المتنوعة، وتعالج مطالب الحرية والديمقراطية، وقضايا تأثير الفواعل العالمية في الوضع الوطني الخاص والقومي العام وانعكاسات ذلك كله على شخصية الإنسان العربي من جوانبها المتنوعة.

هذا في ما يخص السيرة القصيرة. أما الرواية التي اكتملت فنياً على يد محمد حسين هيكل من مصر حسبما ذكر قبلاً فإن أكثر كتابها شهرة هونجيب محفوظ. وقد خطها في مصر أيضاً جميع من توفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف وطه حسين نادىء الكروان والأيام، كما لمع من أسماء كتابها أيضاً جميع من يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله وعبد الرحمن الشرقاوي. ثم جمال الغيطاني ومحمد يوسف القعيد وأحمد محمد عطية وإدوار الخراط وغيرهم.

في لبنان خط جبران خليل جبران رواية «الأجنحة المتكسرة» كما خط ميخائيل نعيمة عدداً من الروايات التي يغلب عليها الطابع الفلسفي، وهذان خطا أعمالهما الروائية في المهجر الشمالي. ومن مشاهير كتاب الرواية في لبنان كرم ملحم كرم وتوفيق يوسف عواد الذي كان أبرع كتابها وخصوصاً في روايته طواحين بيروت وخطها أيضاً سهيل إدريس، ومارون عبود فارس آغا كما خط إلياس خوري الجبل الصغير وخط إلياس الديري عودة الذئب إلى العرتوق.

وفي سوريا كان شكيب الجابري رائد كتابة الرواية المكتملة فنياً حين أصدر روايته «قوس قزح» في أربعينيات القرن العشرين ومن أبرز الروائيين في سورية حنا مينة الذي خط عدداً كبيراً من الروايات من أهمها «الياطر» و«بقايا صور» و«المستنقع» و«الشراع والعاصفة»... وخطت وداد سكاكيني «المانوليا في دمشق»، كما خط فارس زرزور روايات كثيرة بعضها أقرب إلى التوثيقي مثل «حسن جبل» و«آن له حتى ينصاع». ومن كتاب الرواية الذين برزت أسماؤهم في سورية: صدقي إسماعيل في «العصاة» وغيرها، وأديب نحوي في «عرس فلسطيني» و«تاج اللؤلؤ» و«آخر من شبه لهم»... ووليد إخلاصي في عدد غير قليل من الروايات مثل «باب الجمر» و«دار المتعة» و«ملحمة القتل الصغرى».. وألفة أدلبي وحيدر حيدر في «الزمن الموحش» و«وليمة لأعشاب البحر» وخيري المضىي في «ملكوت البسطاء» و«ليال عربية» و«حسيبة» و«فياض»... وهاني الراهب في «ألف ليلة وليلتان» و«الوباء» و«بلد واحد هوالعالم».. وأحمد يوسف داود في «الخيول» و«الأوباش» و«فردوس الجنون» وناديا خوست في «حب في بلاد الشام»، ونبيل سليمان في «ثلج الصيف» و«جرماتي» و«مدارات الشرق»... وعبد الكريم ناصيف في «الحلقة المفرغة» و«تشريقة آل المر».. إضافة إلى أسماء كثيرة أخرى.

وفي العراق برزت أسماء مثل محمود السيد وأحمد عبد المجيد لطفي وعبد الرحمن الربيعي. واشتهر اسم فاضل العزاوي في «القلعة الخامسة» وسواها. ومن الأسماء الجديدة عادل عبد الجبار في «عرزال حمد السالم» وناجي التكريتي في «مزمار نوار» ...إضافة إلى أعداد من الكتاب الآخرين.

وأشهر كتاب الرواية في الأردن غالب هلسا الذي خط «الخماسين» و«الضحك» و«سلطانة» وغيرها. وهناك أسماء جديدة معروفة مثل مؤنس الرزاز وسالم النحاس وجمال ناجي وسواهم. وأهم كتاب الرواية في فلسطين غسان كنفاني ومن أعماله «رجال تحت الشمس» و«عائد إلى حيفا».. ثم جبرا إبراهيم جبرا الذي خط أعمالاً روائية عدة من أشهرها «صيادون في شارع ضيق» و«السفينة» و«البحث عن وليد مسعود»، ثم إميل حبيبي الذي خط «الوقائع الغريبة في اختفاء أبي النحس المتشائل» و«لكع ابن لكع» وهي أهجية تجمع بين ملامح الرواية وملامح المسرحية .

ومؤخراً نضج فن الرواية في ليبيا على يد أحمد إبراهيم الفقيه الذي خط ثلاثية نالت جائزة معرض الكتاب في بيروت عام 1992.

أما في أقطار المغرب العربي فإن كتابة الرواية قد أجبرت - شأنها شأن السيرة القصيرةـ على حتىقد يكون بعضها بالفرنسية وبعضها الآخر بالعربية بحكم ما فرضه المستعمر الفرنسي من ثنائية اللغة على تلك الأقطار. وهناك رواية ما قبل الاستقلال في هذه الأقطار وهي عموماً تفتقر إلى هذا القدر أوذاك من النضج الفني، ورواية ما بعد الاستقلال التي تزدهر وتبلغ حداً جيداً من ذلك النضج.

ففي المغرب خط عبد المجيد بن جلون الرواية منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك عمل عبد الكريم غلاب. وطبيعي حتى ابتداء الرواية آنذاك كان يعكس صور الصراع من أجل الحرية والاستقلال. وفي الستينات والسبعينات يكثر كتاب الرواية المكتملة فنياً، والتي تتناول هموم الناس وقضاياهم الاجتماعية والمعاشية ومشاكلهم الإنسانية المتنوعة. ومن ذلك أعمال مثل «أمطار الرحمة» لعبد الرحمن المريني، و«غداً تتبدل الأرض» لفاطمة الراوي، و«دفنا الماضي» لعبد الكريم غلاب، و«الطيبون» لربيع مبارك، و«الغربة» لعبد الله العروي و«حاجز ثلج» لسعيد علوش، و«أرصفة وجدران» لمحمد زفزاف، و«زمن بين الولادة والحلم» لأحمد المديني، إلى غير ذلك من أسماء وأعمال. وفي الجزائر يبرز عدد من الكتاب الذين خطوا الرواية بالعربية واهتموا بالقضايا المعاصرة والمشكلات والمصائب التي اعترضت المجتمع والإنسان العربي هناك بعد الاستقلال. ومن هؤلاء عبد الحميد بن هدوقة وواسيني الأعرج.. لكن أكثر هذه الأسماء شهرة وعطاء روائياً هوالطاهر وطار الذي يعد واحداً من كبار كتاب الرواية الواقعية العربية، ومن أشهر أعماله «الحب والموت في الزمن الحراشي» و«عرس بغل» و«الحوت والقصر» و«تجربة في العشق».

أما في تونس فقد تزعم البشير خريف تيار الواقعية في الرواية، وتابعه محمد العروسي كما في روايته «النضوج المر» في حين زاوج رشيد حمزاوي بين الجمالي والاجتماعي في «مات بودوا» ورسم محمد صالح الجابري لوحات تاريخية لصراع الطبقات الاجتماعية في رواية «يوم في زمرا» ورواية «البحر يلفظ فضلاته».

أما الرواية المكتوبة بالفرنسية في أقطار المغرب العربي، فقد توازت مع تلك المكتوبة بالعربية تحت تأثير الشروط الخاصة بأوضاع تلك الأقطار. ولم تبرز هذه الرواية في المملكة المغربية والجزائر بروزاً حقيقياً من الوجهة الفنية إلا في سنوات الخمسينات من القرن العشرين.

والجدير بالملاحظة حتى الرواية المكتوبة بالفرنسية في أقطار المغرب العربي ليست الفرنسية فيها سوى وعاء لمحتوى عربي السمات كلياً، مع ما معروف من حتى اللغة العربية هي «حامل ثقافي» أساسي. وربما مر وقت غير قصير قبل حتى يتحرر الأدب في تلك الأقطار من الثنائية اللغوية بسبب ما تجاوز حتى أشير إليه من شروط خاصة تتعلق بالاستعمار الطويل وآثاره في عرب تلك الأقطار.

أما في شبه الجزيرة العربية فإن الرواية لا تزال ضعيفة جداً هذا إذا استثني المحرر عبد الرحمن منيف السعودي الذي لم يعش في السعودية بل تنقل بين الشام ومصر، وأصبح واحداً من مشاهير كتاب الرواية العربية. ومن أعماله «الأشجار واغتيال مرزوق» و«شرق المتوسط» وخماسيته الكبيرة «مدن الملح» التي يؤرخ فيها - فنياً - لشبه الجزيرة في العصر الحديث.

وهناك محرر حديث من البحرين هوعبد الله خليفة وقد أصدر عدة أعمال منها «امرأة» في أوائل التسعينات ورواياته ناضجة فنياً وشيقة ومعبرة عن واقع بيئته ومشكلاتها.

إن ما تقدم ذكره حتى الآن من روايات عربية قد اهتم بالرواية التي تتناول القضايا الاجتماعية والنفسية، والمشكلات الاقتصادية أوالسياسية والمسائل العاطفية وغيرها مما يشغل عرب هذا القرن من مشاغل مختلفة. على حتى هناك نمطاً من الرواية لم يعرض له هو«الرواية التاريخية» ومن أعلامها جرجي زيدان الذي خط سلسلة كبيرة من الروايات عن تاريخ الإسلام ومن هذه الروايات: «فتاة غسان» و«أرمانوسة» و«عذراء قريش» و«شجرة الدر» وغيرها. ومنهم معروف الأرناؤوط الذي خط في الاتجاه السابق ذكره. ومن رواياته «سيد قريش» و«فاطمة البتول» و«طارق بن زياد».. وهناك علي الطنطاوي في «قصص من التاريخ» وعبد الحميد جودة السحار في بلال مؤذن الرسول وأميرة قرطبة وسعد بن أبي وقاص، كما خط محمد فريد أبوحديد روايات عن «عنترة» وغيرها.

ولقد ركز بعض كتاب الرواية على تنسيق الأحداث وعرض جزئياتها وتنميتها وتعقيدها وإدخال عنصر التشويق فيها، كما ركز بعضهم على تصوير الشخصية المحلية أوالإنسانية ورسم أبعادها الجسمية والاجتماعية والنفسية. وتطورت جميع من السيرة والرواية في الأدب العربي الحديث من الإبداعية إلى الواقعية فالنفسية، ومن السرد إلى البناء الفني المتكامل. وبرزت في القصص مشكلات اللغة في السرد والحوار، أتكون عامية أم فصحى؟.. على حتى معظم القصص والروايات الناجحة تطورت لغتها ولانت فأضحى حوارها فصيحاً مبسطاً، يهتم المحرر فيه بما يجب حتى يؤديه من رسم الشخصية، وكشف أبعاد الصراع،وتطوير الأحداث وتصوير البيئة في آن واحد.

المسرحية

ارتقى الأدب المسرحي العربي منذ أوائل القرن العشرين ارتقاءً نوعياً عما كان عليه في القرن التاسع عشر فقد مر بفترة الترجمة عن الأدب الغربي، ثم فترة كتابة الهواة الذين كانوا يمثلون ما يخطونه في الوقت ذاته. وقد تم الارتقاء المذكور على أيدي كتاب كثيرين من مصر وبلاد الشام بصورة أساسية.

ويعد توفيق الحكيم أكبر المسرحيين العرب شهرة وغزارة وتنوع إنتاج. فقد فاق غيره في تقنيات هذا الفن لاسيما الحوار. وتنوعت الاتجاهات لديه فخط المسرح الاجتماعي كما في مجموعتيه «مسرح المجتمع» و«المسرح المنوع» كما خط في المسرح الذهني مثل «أهل الكهف» و«شهرزاد» و«بغماليون» و«الملك أوديب» وخط مسرح اللامعقول في مسرحية «يا طالع الشجرة» واستلهم بعضاً من التراث العربي مثل «هارون الرشيد» و«سليمان الحكيم» وجرب مزاوجة العامية بالفصحى كما في مسرحية «الصفقة».

ومن كتاب المسرح الأوائل في مصر محمود تيمور الذي استوحى بعض مسرحياته من التاريخ العربي مثل «صقر قريش» و«اليوم خمر» واستوحى بعضها الآخر من المجتمع مثل «كذب في كذب» و«أبوشوشة». وامتاز علي أحمد باكثير بمسرحياته التاريخية كما في «أبودلامة» و«سلامة القس» وخط بعض المسرحيات عن مصر القديمة مثل «أوزوريس» كما خط المسرحيات الفكاهية مثل «قطط وفئران».

ومن أعلام المسرح المصري في النصف الثاني من القرن العشرين سعد الدين وهبة ومن مسرحياته «بير السلم» وألفريد فرج ومن مسرحياته «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» ومحمود دياب ويوسف إدريس وعلي سالم وآخرون.

وأشهر كتاب المسرح في سورية سعد الله ونوس ومن مسرحياته «حفلة سمر من أجلخمسة حزيران» و«الفيل يا ملك الزمان» «والملك هوالملك» و«سهرة مع أبي خليل القباني» وغيرها. ومن الكتاب المشهورين في المسرح السوري علي عقلة عرسان ومن أعماله «السجين رقم 95» و«رضا قيصر». ومنهم مصطفى الحلاج، ومن أعماله «القتل والندم» و«الغضب»، وممدوح عدوان ومن أعماله «ليل العبيد» و«كيف هجرت السيف»، وأحمد يوسف داود ومن أعماله «الخطا التي تنحدر» و«الغراب»، وفرحان بلبل ومن أعماله «الممثلون يتراشقون الحجارة» و«العشاق لا يفشلون»، ورياض عصمت ومن أعماله «لعبة الحب والثورة» و«الحداد يليق بأنتيغون». ومنهم الأب إلياس زحلاوي ومن أعماله «المدينة المصلوبة» و«الطريق إلى كوجو»، وعبد الفتاح قلعة جي وله «ثلاث صرخات» و«السيد» وغيرها.

وأشهر كتاب المسرح في العراق هويوسف العاني ومن أعماله «أنا أمك يا شاكر» و»المفتاح والخزانة» ومنهم نور الدين فارس وعادل كاظم وآخرون.

ومن لبنان اشتهر ميخائيل نعيمة في كتابة المسرح بمسرحيته الوحيدة «الآباء والبنون» وقد خطها في المهجر. ومن الأجيال الجديدة روجيه عساف وآخرون. وقد ازدهر المسرح الغنائي في لبنان على حساب الأدب المسرحي العادي وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. ومن كتاب المسرح في ليبية عبد الله القويري، ومن أعماله «الجانب الوضيء» و«الصوت والصدى»... ومنهم المهدي أبوقرين وله «ذريعة الشياطين» أما أكثرهم نشاطاً فهوعبد الكريم خليفة الدناع وله «دوائر الرفض والسقوط» و«سعدون» و«المحنة» وغيرها.

ومن كتاب المسرحية في تونس: خليفة السطنبولي وقد خط بعض أعماله بالفصحى وبعضها الآخر بالعامية، ومنها «المعز لدين الله الصنهاجي» و«سقوط غرناطة» و«أنا الجاني». ومنهم عز الدين المدني وله «ديوان الزنج» و«رحلة الحلاج» و«الغفران» وغيرها.

وفي الجزائر اشتهر محرر ياسين وقد ألف بالفرنسية وبالعربية ومن أعماله «محمد يأخذ حقيبتك» و«حرب الألفي سنة». وخط هنري كريا «الزلزال» كما خط محمد بوضيا «ولادات». ومن الأسماء التي برزت بعد الاستقلال: ولد عبد الرحمن بن كاكي وعبد القادر علولة وسليمان بن عيسى وآخرون.

وفي المغرب برز اسم أحمد الطيب العلج. ومن أعماله «الوزير والفنان» و«بين نارين» وغيرهما. وهناك أسماء أخرى معروفة مثل عبد القادر البدوي، مصطفى القومي، وعبد الهادي بوزوبع، والطيب الصديقي، وعبد الكريم برشيد وغيرهم.

وفي شبه الجزيرة العربية تأصلت الحركة المسرحية في الكويت بفضل إنشاء معهد الفنون المسرحية الذي كان أول عميد له أحد رواد المسرح العربي وهوزكي طليمات. وقد عثر المسرح في الكويت محرراً موهوباً هوصقر الرشود 1944-1978 الذي استطاع على الرغم من رحيله المبكر، حتى يهجر للمسرح العربي تراثاً من الأعمال الجيدة مثل مسرحية «الطين» وسواها. وقد ترجمت المسرحية المذكورة إلى الإنكليزية ضمن مجموعة مختارة من أدب شبه الجزيرة العربية، صدرت عن مؤسسة بروتا برعاية جامعة الملك سعود. ومن الشارقة في الإمارات العربية المتحدة برز اسم عبد الرحمن المناعي الذي خط مسرحية «هالشكل يا زعفران» و«مقامات ابن بحر» و«يا ليل يا ليل».

وفي كتابة المسرحية - كما في السيرة والرواية تبرز - معضلة ذات أهمية بالغة تتعلق بلغة الحوار: أتكون فصحى أم عامية،يا ترى؟ أم يجمع فيها بين الاثنتين؟!

لقد ربط بعض الكتاب والنقاد الحوار بالواقع ونطقوا بوجوب حتىقد يكون مشاكلاً له، مناسباً للشخصية التي تنطق به. لذلك حاول توفيق الحكيم - كما سبقت الإشارة - حتى يزاوج بين الفصحى والعامية في مسرحية الصفقة مجرباً حتى يصل إلى «لغة موحدة» تقرأ بالفصحى وبالعامية في آن واحد، لكن التجربة أخفقت إذ استحالت لغة تلك المسرحية عامية خالصة في أثناء التمثيل. وتردد محمود تيمور في مسرحياته بين استعمال الفصحى والعامية فخط بعضاً بهذه وبعضاً بتلك، ثم عاد فنقل مسرحيته «أبوعلي عامل أرتيست» من العامية إلى الفصحى وسماها «أبوعلي الفنان». وجرب ميخائيل نعيمة حتى ينطق شخصيات مسرحية «الآباء والبنون»: المتفهمين بالفصحى، والأميين بالعامية فسقط في ازدواجية أنكرها هوذاته إذ عاد فطبع مسرحيته كلها بالفصحى.

والواقع حتى المشكلة ما تزال قائمة. فالمسرح التجاري في سورية يستعمل العامية المبتذلة، ومسرح ما بعد الحرب في لبنان يستعمل العامية على الرغم من أهمية الموضوعات المطروحة في كثير من الأعمال الجديدة. والمسرح الفكاهي في مصر يستخدم العامية المصرية كما في المسرحيتين المعروفتين «مدرسة المشاغبين» و«شاهد ما شافش حاجة». ولعل الحل يكمن في استخدام فصحى مبسطة يفهمها أبناء العروبة في مختلف أقطارهم لأن في ذلك حفاظاً على الروابط القومية وعلى اللغة العربية ذاتها.

السيرة

ظهرت السيرة la biographie بمفهومها الفني في الأدب العربي الحديث، سواء منها: الموضوعي سير الآخرين biographie أم السيرة الذاتية autobiographie. وتم ذلك بعد الاتصال بالأدب الغربي وإن كانت في الأدب العربي القديم مذكرات وسيراً غلب عليها الجانب التقريري مثل» «التعريف بابن خلدون» و«كتاب الاعتبار» لأسامة بن منقذ، و«المنقذ من الضلال» للغزالي، و«سيرة صلاح الدين» لابن شداد وغيرها.والسير هي غير تراجم الشخصيات التي كثرت وتعددت بعد الحرب العالمية الأولى في الأدب العربي الحديث مثل تراجم شخصيات شرقية وغربية لمحمد حسين هيكل، و«في المرآة» لعبد العزيز البشري، وسلسلة العبقريات لعباس محمود العقاد، والجاحظ لشفيق جبري، وصقر الجزيرة لعبد الغفور العطار وسواها الكثير، فهذه وسط بين السيرة وما عهد قديماً في خط التراجم مثل معجم الأدباء لياقوت الحموي وغيره من الخط المشابهة. وهي في أسلوبها دراسة للشخصيات وعرض لوقائع حياتها، لا تصوير فني للنزعات والخلجات التي تعتمل في نفوسها، وتمثل لها وإعادة لعرضها مع تتبع نموها وتطورها وتكاملها.

وأول سيرة فنية موضوعية في الأدب العربي الحديث هي سيرة «جبران خليل جبران» وقد نشرت عام 1934 وقص فيها ميخائيل نعيمة سيرة حياة صديقه في مراحل ثلاث: «الشفق - الغسق - الفجر» واستوفى تلك الحياة محللاً ناقداً ومراعياً تقنيات السيرة الفنية. وقد مضى على هذه السيرة زمن طويل من دون حتى تخط سيرة أخرى مماثلة لها. ولعل أقرب ماقد يكون إليها: «حياة الرافعي» لسعيد العريان، ثم «منصور الأندلس» لعلي أدهم.

وقد جرب العقاد حتى يخط سيرة ابن الرومي مستخدماً معطيات فهم النفس والتحليل النفسي في ذلك.

أما ما يتصل بالسيرة الذاتية فمنها ما يقارب السيرة الفنية، وتجلى في تناول جوانب من حياة بعض الكتاب الذين تحدثوا عن تجاربهم في الحياة كما عمل أحمد فارس الشدياق في كتابه الساق على الساق وتوفيق الحكيم في عصفور من الشرق وزهرة العمر، وعباس العقاد في سارة، وإبراهيم عبد القادر المازني في «إبراهيم المحرر». وامتازت هذه كلها بأسلوب القص. لكن بعض السير الأخرى خطت بأسلوب تقريري فكانت أقرب إلى التراجم كما في «حياتي» لأحمد أمين و«أنا» للعقاد.

وخط أيضاً ما يشبه السيرة الذاتية بنطقب مذكرات أويوميات، كما في مذكرات جميع من محمد كرد علي، ومحمد حسين هيكل، وخليل السكاكيني، و«مذكرات سجين مكافح» لإبراهيم الكتاني المغربي.

ولعل الأيام لطه حسين التي صدرت في القاهرة منذ عام 1927 هي أول سيرة ذاتية فنية، مع أنها يمكن حتى تدرج في إطار الرواية. وقد قص المحرر فيها - مستخدماً ضمير الغائب - نشأته في صعيد مصر وتدرجه في تحصيل الفهم: من كتاب الريف إلى الأزهر فالجامعة في القاهرة. ثم تابع طه حسين قص المراحل التي تلت ذلك في باريس وبعد عودته منها في جملة منطقات نشرت من بعد في كتاب حمل اسم «مذكرات طه حسين».

ومن السير الذاتية التي قاربت حتى تكون فنية «سبعون» لميخائيل نعيمة، وتقع في ثلاثة أجزاء قص فيها سيرته الذاتية في ثلاث مراحلة ضمت: فترة الطفولة والصبا حتى نهاية دراسته في روسية - فترة الشباب والهجرة إلى أمريكة حتى عودته إلى لبنان - فترة الكهولة والشيخوخة بعد العودة حتى بلغ السبعين. ونعيمة، وإن أغفل كثير من وقائع حياته قبل السبعين، امتاز هنا بأسلوبه التصويري، وصدقه في التعبير. ومع هذا فقد اتىت سيرته فصولاً متتابعة تفتقر إلى الترابط في كثير من أجزائها، كما ينقصها بعض تقنيات السيرة الفنية المتوافرة في ما خطه عن جبران.

النقد الأدبي

حاول بعض رجال الأدب منذ أواخر القرن التاسع عشر تجديد النقد الأدبي وتطبيق القواعد التي كانت سائدة في العصر العباسي على الشعر خاصة. وأول هؤلاء هوحسين المرصفي الذي ألف كتاب «الوسيلة الأدبية» - طبع الجزء الأول منه عام 1289هـ والثاني عام 1292هـ - وشرح فيه بعض النصوص الشعرية القديمة لطلابه شرحاً لغوياً واتخذ من النحووالبلاغة وسيلة لإيضاح الصور والإرشاد إلى أسرار بلاغة النص موازناً بينه وبين بعض قصائد البارودي التي عارض فيها الشعراء القدامى، معتمداً في ذلك كله على ذوقه الفني المرهف. إلى غير ذلك مهد السبيل لمن اتى بعده لتجديد النقد.

وتلا كتاب المرصفي هذا كتابان نقديان الأول هو«فهم الأدب عند الإفرنج والعرب» طبع عام 1904 لمحمد روحي الخالدي، والثاني هو«منهل الورّاد في فهم الانتقاد» لقسطاكي الحمصي وطبع عام 1907. وكان لهذين الكتابين أثر مهم في التمهيد للحركة النقدية، وإن اقتصرا على إطلاع الأدباء العرب على بعض المذاهب والقضايا الأدبية الغربية.

ثم ظهرت خط نقدية كان أسبقها كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين اعتمد فيه نظرية ديكارت Descartes «الشك حتى يتضح اليقين» فلقي معارضة شديدة اضطرته إلى حذف بعض فقراته وتعديله، وقد نشر تحت عنوان «في الأدب الجاهلي» عام 1926. وقد شك طه حسين في ما روي عن الجاهليين وشعرهم. وبعد البحث والمناقشة توصل إلى نتيجة مفادها حتى معظم الشعر الجاهلي منتحل وموضوع بعد الإسلام.

وقد رد عليه كثير من النقاد وخاصة مصطفى صادق الرافعي في كتابه «تحت راية القرآن، أوالمعركة بين القديم والجديد، ونشره عام 1926. ومن خط طه حسين النقدية «حديث الأربعاء» و«من حديث الشعر والنثر» و«فصول الأدب والنقد» وغيرها.

وقد نشرت إلى جانب ذلك خط ومنطقات مترجمة عن النقد الغربي وقواعده وأصوله ومذاهبه، ومن أبرزها ما خطه نجيب الحداد وغيره في الموازنة بين الشعر الغربي والشعر العربي في اللفظ والقافية والمعنى، وكان هذا كله دافعاً لبعض الشعراء للخروج على تنطقيد الشعر القديم. وكذلك نشرت منطقات وخط كثيرة بعد حتى قرأ النقاد العرب ما قرؤوه بالفرنسية والإنكليزية وتأثروا به. وقد نشأ عن ذلك تيار النقد الاتباعي، أي الكلاسيكي الجديد، وخاصة في مفهومه للشعر الذي يجمع بين آراء الغربيين، ويتفق - في الوقت ذاته - مع رسالة الشعر وجوهره وحسبما هومعروف عند العرب.

وظهر كتاب «الديوان» لعباس العقاد والمازني،وكتاب «الغربال» لميخائيل نعيمة، وصدرا في سنة واحدة 1921 واتفقت وجهات النظر فيهما على ضرورة تجديد الأدب بالهدم ثم البناء، كما اتفقت على معظم القيم النقدية الجديدة، ولاسيما صدق التعبير عن حقيقة النفس، والدعوة إلى وحدة القصيدة، وإن اختلف نعيمة مع صاحبي «الديوان» في اللغة - وسيلة الأداء - لكن كلا الطرفين ينتميان في النهاية إلى المنهج التأثري الذاتي.

وفي الأربعينات نشطت الحركة النقدية فصدرت خط كثيرة كان أبرزها كتاب «في الميزان الجديد» لمحمد مندور، استهدف فيه تسليم مناهج النقد، واتبع ذلك بتفسير نصوص تطبيقية تناول فيها نقد بعض الخط وهي «بغماليون» و«زهرة العمر» لتوفيق الحكيم، و«نادىء الكروان» لطه حسين، و«نداء المجهول» لمحمود تيمور، و«سوء تفاهم» لبشر فارس وديوان «أرواح وأشباح» لعلي محمود طه. وكذلك قام محمد مندور بنقد أدب المهجر وسماه «الأدب المهموس» وعرض لبعض مناهج النقد العربي القديم، ولدراسة أوزان الشعر الأوربي والشعر العربي وقد سمي منهجه في هذا الكتاب «المنهج الأيديولوجي» وهويعنى فيه بقيمة الأدب الجمالية إلى جانب اهتمامه بالمضمون، ويوضح منهجه في تطبيقه على أبي العلاء المعري، الفهم والنقد، وهومنهج ذوقي تأثري يقوم على نوعين من الفهم: فهم أثناء النقد وهي الفهم الأدبية اللغوية، وفهم تسبق النقد وهي نوعان: فهم بأصول النشر - فيما يتعلق بالمخطوطات، وفهم بأوزان الشعر.

والواقع حتى الخط الثلاثة السابقة، أي «الديوان» و«الغربال» و«في الميزان الجديد» تعد أبرز معالم النقد العربي الحديث في النصف الأول من القرن العشرين، ويتفق أصحابها في المنهج التأثري المعتمد على الذوق الشخصي، وترجع في أصولها إلى منابع الثقافة الغربية الإبداعية الرومانسية التي نهل منها هؤلاء وإن كان العقاد والمازني ونعيمة قد تأثروا بالثقافة الإنكليزية في حين تأثر مندور بالثقافة الفرنسية.

إلى جانب الخط السابقة التي تناولت الشعر والنثر والمقاييس النقدية ظهر في مصر عام 1948 كتاب خاص بنقد الشعر هو«الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث» لمصطفى السحرتي عرض فيه لمذاهب النقد الفني والواقعي والفقهي، ولمقاييس النقد الفني للتجربة الشعرية، فتناول الصياغة، والأخيلة، والموسيقى، والأسلوب، والألفاظ، والوحدة الشعرية، والانفعالات، والفكر في الشعر... ثم تطرق إلى الشعر الرمزي، وتحدث عن بعض الخط النقدية مثل «الديوان» للعقاد والمازني، و«على السفود» للرافعي و«حديث الأربعاء» لطه حسين و«في الميزان الجديد» لمندور، كما تعرض لبعض الشعراء المعاصرين في ضوء المذاهب الأدبية والنقدية والاتباعية والإبداعية والواقعية مستهدفاً نهوض الأدب المعاصر وإنصاف الموهوبين لا انتقاصهم، وشمولية النظرة إلى العمل الأدبي والعناية بالتيارات الجديدة مثل الرمزية symbolisme والسريالية surréalisme والواقعية réalisme.

أما سائر الخط النقدية التي يصعب إحصاؤها فيمكن ردها إلى التأثر ببعض المناهج والاتجاهات السابقة وإن تنوعت ميادينها وآفاقها.

وقد دفعت حركة الشعر الجديد شعر التفعيلة إلى إنشاء نقد يسوغها ويتابع جديدها ويبين ما في صورها ولغتها من حداثة يعاد تأصيلها في ماضي الشعر العربي ومن أبرز الخط التي ظهرت في مصر حول هذه الحركة كتاب محمد النويهي «قضية الشعر الجديد». وقد لقيت هذه الحركة متابعات واسعة في مختلف أقطار الوطن العربي.

ومن جهة أخرى فإن ازدهار الرواية أنشأ هوالآخر حركة نقدية حولها أخذت تتسع منذ الستينات. وكان للترجمة وللاطلاع الواسعين على المناهج النقدية الجديدة في الغرب في النصف الثاني من القرن العشرين آثار كبيرة في استخدام تلك المناهج واقعية اشتراكية - بنيوية - تفكيكية.. إلى آخره في نقد النتاج العربي الجديد فكثرت الخط الموضوعة حول ذلك إذ طبقت المناهج المذكورة على هذا النتاج الجديد بنجاح أوإخفاق، كما وضعت الخط التي تعهد بهذه المناهج مستنسخة إياها من مصادرها الأوربية بتعديل أومن دون تعديل.

وباللقاء ظهرت حركة تحتفي بإحياء نظريات النقد العربي القديم ومناهجه وخصوصاً منهج الجرجاني، وخطت في ذلك خط تؤرخ لتلك المناهج وتقارن بينها وبين المناهج الغربية.

ومن أبرز أسماء النقاد الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين: لويس عوض وغالي شكري ومحمود أمين العالم ومحمد أحمد عطية من مصر،ومحمد برادة ومحمد بنيس من المغرب، وإحسان عباس من فلسطين، وناصر الدين الأسد من الأردن، ومحمد تام الخطيب ومحي الدين صبحي وجمال باروت وغيرهم من سورية، وحسين مروة وغيره من لبنان.

ولا يخلوقطر عربي من نقاد متابعين - في الصحف والمجلات أوالخط - لأغلب مايصدر من أعمال متنوعة على كثرتها، وتشكل نتاجات أساتذة الجامعات وأطروحات الماجستير والدكتوراه خطاً نقدية لا يمكن إغفالها كما لا يمكن حصرها وحصر أسماء أصحابها لكثرتهم وكثرة نتاجهم على أهميته.

على حتى الحركة النقدية العربية إجمالاً لا تزال بعيدة عن استنباط مناهج جديدة تلائم ما للغة العربية وأساليبها التعبيرية من خصوصية، وما للثقافة العربية الموروثة من سمات تتجلى - ضرورة - في النتاج الجديد معبرة عن استمرار روحية هذه الثقافة وعملها الحي في الأدب العربي المعاصر.

تطور النثر العربي الحديث وأساليبه: يتضح مما تقدم حتى أنواعاً نثرية جديدة ظهرت في الأدب العربي الحديث لم تكن معروفة على هذا النحومن قبل، وهي: الموضوعة - السيرة - الرواية - المسرحية - السيرة، وأن الكتاب تناولوا في هذه الفنون موضوعات جديدة اقتضاها العصر الحديث منها: الموضوعات الاجتماعية والسياسية والقومية خاصة. وأن أساليب الكتاب في جميع منها ظل متسماً بالطابع الأدبي الصرف على الرغم من التأثر بأسلوب الصحافة من حيث المرونة والبعد عن التكلف والمحسنات البديعية كما كان شائعاً قبل القرن التاسع عشر.

وفي إطار الحديث عن النثر تذكر الأبحاث الفكرية التي تتناول قضايا التراث وإعادة قراءته وقضايا العصر العالمية والقومية والمحلية، إضافة إلى قضايا العلوم المعاصرة.. وما إلى ذلك.

وقد كان للاستعمار ثم للتبعية الاقتصادية في الوطن العربي آثار مهمة في دفع الكتاب جميعاً للإسهام بأعمالهم الأدبية والفكرية - في الدعوة إلى التحرر والوحدة القومية ومحاربة الظلم ودفع الاستبداد في المراحل المتنوعة من القرنين التاسع عشر والعشرين.

لقد عالج الكتاب مشكلات مجتمعاتهم العربية وأمتهم على اختلافها وتنوعها ونبهوا إلى المفاسد العامة الناجمة عنها ودعوا إلى الإصلاح أوالثورة، جميع بحسب اتجاهه ورأيه. وفي مقدمة المشكلات التي تطرق إليها الكتاب هنا: الفقر والجهل وتحرر المرأة الذي لقي عناية خاصة هدفت إلى إطلاق طاقات «نصف المجتمع» وزجها في المعركة القومية التحررية الحضارية.

وطبيعي حتى تكون أساليبهم طيعة لينة يستطيع جميع المفهمين حتى يتلقوا ما فيها بيسر ووضوح. وكانت الصحافة هي الميدان الأكثر رحابة لعرض المشكلات وإبداء الرأي فيها، وكان لذلك أبرز الأثر في الليونة والتطويع المذكورين.

أما الأبحاث الفكرية على اختلافها فهي - ضرورة - موجهة لذوي الثقافة العالمية وللمهتمين أوالمتخصصين. ولذلك فهي تلتزم حدوداً من أساليب التعبير لا يمكنها النزول دونها.

وفي الموضوعات الأدبية الصرف اتسعت تجارب الكتاب الإنسانية فتنوعت المضامين تبعاً لها. فإلى جانب الأغراض القديمة كثرت العناية بالوصف، وبوصف الطبيعة خاصة، والإعراب عن المشاعر النفسية المتنوعة تجاهها من حزن وفرح وتشاؤم وتفاؤل مع مزج ذلك كله بوصف الطبيعة أحياناً كما يعمل الإبداعيون. وقد عني كثير من الأدباء بالتعبير عن موضوعات إنسانية وفلسفية عامة متأثرين بما اطلعوا عليه من ثقافات وآداب غربية، وبرز ذلك عند أدباء المهجر أكثر من سواهم.

ولئن كانت الموضوعات الاجتماعية والسياسية والقومية تقتضي العناية بالمعنى أكثر من الأسلوب فإن تلك الموضوعات الأدبية تمتاز بعنايتها بالأسلوب إلى جانب المعنى. فالألفاظ فيها أنيقة مختارة، والعبارات موشحة بالأخيلة والصور ومحلاة بالتوازن أحياناً أوببعض السجعات العرضية، مع شيء من الاقتباس والتضمين أحياناً أخرى.

وإلى جانب ذلك برز عنصر اللغة العصرية الغنية بمفرداتها، وبمرونة استجابتها للصياغة والقوالب الفنية الجديدة التي اقتضاها تطور العصر ومستحدثات الحضارة. ودارت حول اللغة مناقشات نقدية كثيرة اختلفت فيها وجهات النظر بين الجديد والقديم، وتبعاً لهذا الاختلاف تنوعت طرائق تعبير الكتاب تنوعاً واسعاً حتى كادقد يكون لكل محرر «لغته» ومفرداته، ومن ثم أسلوبه الخاص المتميز به من غيره. إلى غير ذلك ارتقى النثر الأدبي العربي الجديد وأضحى عالمياً وترجم كثير منه إلى لغات العالم الحية المتنوعة.

الشعر

فنونه وتطوره

ظل الشعر في أوائل القرن التاسع عشر مثلما كان عليه عند أكثر شعراء عصور الدول المتتابعة من صنعة وتكلف، وظلت أغراضه هي جملة الأغراض التقليدية من مديح وهاتى وغزل ورثاء ووصف إضافة إلى الإخوانيات. وظلت الشكلية اللفظية هي السائدة إضافة إلى ما عهد في «عصر الانحطاط» من كثرة الاقتباس والتضمين، أوالتخميس والتشطير لقصائد معروفة.

وتبدأ بوادر نهضة الشعر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ثم تتسع في أوائل القرن العشرين.

وعهدت هذه الفترة باسم «فترة الإحياء» حين أعيد للشعر العمودي إشراقه ورونقه، وللصياغة قوتها وإحكامها، وبعثت فيه الروح من حديث على أيدي بعض الشعراء كان في مقدمتهم محمود سامي البارودي الذي كان تجديده مرتبطاً بالأسس الشعرية القديمة.

وتلا البارودي نفر من الشعراء البناة، في مصر والشام والعراق خاصة، كان منهم: إسماعيل صبري وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم وخليل مطران، ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي، وتابع خطا هؤلاء نفر آخر من الشعراء البارزين أمثال: محمد البزم، وخليل مردم، وشفيق جبري، ومحمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)، وخير الدين الزركلي، وسواهم. وقد أعقبت فترة البناء هذه مرحلتان من التجديد تمتد الأولى مابين نهاية الحرب العالمية الأولى وأوائل الخمسينات، وتمتد الثانية منذ الخمسينات حتى اليوم. وسيرد التفصيل فيهما لاحقاً.

وظهرت في الشعر العربي في العصر الحديث بعض الفنون الشعرية التي لم تكن معروفة قديماً وهي:

الشعر المسرحي

نظم الشعراء الشعر المسرحي poésie dramatique بعد اطلاعهم على مسرحيات فرنسية وإنكليزية مثل مسرحيات شكسبير وموليير وكورني وراسين. ويكاد الباحثون يجمعون على حتى أقدم مسرحية شعرية عربية هي «المروءة والوفاء» لخليل اليازجي، ظهرت عام 1876. وأشهر شعراء المسرحية وأولهم أحمد شوقي. وقد نظم مسرحية «علي بك الكبير» عام 1893 حين كان في باريس لكنه لم يرض عنها فلم ينشرها. ثم نظم مسرحية «دل ويتمان» عام 1899، وبعدها «ورقة الآس» التي نشرها في جريدة الأهرام عام 1904. ثم انبتر بعدها عن نظم المسرحيات حتى عام 1927 - عام منحه لقب أمير الشعراء - فنظم فصلاً من «مصرع كليوباترا» وأتمها عام 1929 وتابع بعدها نشر عدة مسرحيات حتى وفاته سنة 1932 هي:

قمبيز ومجنون ليلى وعلي بك الكبير وعنترة والست هدى وكلها مآس مستوحاة من التاريخ عموماً ما عدا الأخيرة، فهي ملهاة اجتماعية.

ويلي شوقي عزيز أباظة الذي نظم على غراره مسرحيات كثيرة منها «العباسة أخت الرشيد و»عبد الرحمن الناصر» و«شهريار» و«شجرة الدر» و«غروب الأندلس». وجرب علي أحمد باكثير حتى ينظم بعض المسرحيات بالشعر المرسل - كما عمل شكسبير - مثل «أخناتون» و«نفرتيتي» ولكنها لم تلق نجاحاً فعدل عنها ونظم مسرحية «قصر الهودج» على طريقة شوقي وأباظة. وتابع هؤلاء عدنان مردم في سورية فنظم بين عامي 1967 و1986 بضع عشرة مسرحية كلها مأساوية، عدا «المغفل» و«القزم» فهما ملهاتان. وقد استوحى بعض مسرحياته أوبعض شخصياتها من التاريخ العربي القديم ومنها «الملكة زنوبيا» و«الحلاج» و«رابعة العدوية» و«مصرع غرناطة»، وبعضها الآخر من الأحداث القومية المعاصرة مثل «فلسطين الثائرة» و«دير ياسين». وربما كانت مسرحية «مأساة الحلاج» للشاعر صلاح عبد الصبور واحدة من أجمل المسرحيات المكتوبة شعراً وأرقاها وقد خطها صاحبها بالشعر الحر.

ومما لا ريب فيه حتى المسرحية الشعرية لم يعد لها مكان في العصر الحاضر لأن التمثيل عامة يحاول التعبير عن مشكلات الحياة العادية، أي محاكاة الواقع، والأمر الذي يقتضي حتى تكون لغته وطريقة كتابته وأدائه مشاكلتين لتلك المشكلات الواقعية.

الشعر القصصي

كثر إقبال الشعراء على نظم الشعر القصصي poésie narrative في العصر الحديث، وتنوعت موضوعاته، فكان منها التاريخي والديني والأدبي، من ذلك ما نظمه خالد الجرنوسي لبعض قصص القرآن في ديوانه «اليواقيت»، وعبد الرحمن شكري في سيرة «النعمان ويوم بؤسه»، وأحمد عبد المعطي حجازي في «مذبحة القلعة»، وعمر أبوريشة في «كأس» عن ديك الجن الحمصي. ونظم بعض الشعراء القصص الوعظية التعليمية على لسان الحيوان، أوالحيوان والإنسان، وتستهدف هذه مغزى سياسياً أوخلقياً أوإنسانياً كما عمل شوقي في الجزء الرابع من ديوانه «الشوقيات». ونظم بعضهم قصصاً تناولت بعض القضايا الاجتماعية مثل «الريال المزيف» لكل من طانيوس عبده وبشارة الخوري (الأخطل الصغير). واتجه بعضهم إلى نظم موضوعات وطنية في قصص شعرية مثل خليل مطران في «فتاة الجبل الأسود» و«مقتل بزرجمهر». ومن هؤلاء خير الدين الزركلي في «العذراء» عن سيرة دخول المستعمر الفرنسي إلى سورية واستشهاد يوسف العظمة. ومنهم صلاح عبد الصبور في «شنق زهران» عن حادثة دنشواي. إلى غير هذا من غزارة شعرية قصصية. وكانت لغة هؤلاء الشعراء مرنة طيعة في القصص إذ استطاعوا حتى يوفقوا بين فني السيرة والشعر. على حتى ما نظم من القصص بالشعر الحر أكثر طواعية لتصوير المواقف والأحداث ورسم الشخصيات، لمايتمتع به من حرية في توزيع التفعيلات مما يمكن من تحقيق الوحدة العضوية المناسبة للسيرة.

الشعر الملحمي

لم ينظم الشعراء العرب الشعر الملحمي poesie epique بالمعنى الدقيق المعروف عند الغربيين، ولاسيما عند اليونانيين مثل «الإلياذة» و«الأوديسة» لهوميروس أو«الإنيادة» لفرجيليوس بل نظموا ما أشبه بالملاحم. وهي مطولات توافرت فيها بعض شروط الملحمة كعنصر القص والتاريخ والأسطورة أحياناً من دون سائر الشروط الملحمية من تصوير الوقائع البطولية الخارقة في سيرة إنسان أوتاريخ أمة. ومن هذه المطولات التي سميت ملاحم: ملحمة «عيد الغدير» للشاعر اللبناني بولس سلامة، و«الملحمة الإسلامية» لأحمد محرم. وقد سميت مطولة الشاعر المهجري الجنوبي فوزي معلوف [ر] «على بساط الريح» ملحمة، وما هي سوى رحلة خيالية إلى العالم العلوي، وكذا مطولة «عبقر» لأخيه شفيق معلوف التي هي رحلة خيالية إلى وادي عبقر بصحبة شيطانه دليلاً يطوف به في ذلك الوادي الذي هورمز لمصدرية الإلهام الشعري في الذهن العربي القديم. وهذه المطولة يرمز فيها صاحبها إلى الحياة الدنيوية المملوءة بالشرور والآثام جاعلاً من الحب - في النهاية - علاجاً لها كلها.

لقد طور شعراء التفعيلة الشعر الحر مفهوماً جديداً لما سمي الشعر الملحمي. وهذا المفهوم يعني بدوره مطولات تصور أوضاعاً عامة يعيشها الشعب أوالأمة منظوراً إليها من الأفق الخاص للشاعر إذ تمتزج تجاربه الذاتية بالبيئة وأحداثها وبالأساطير وحكايات البطولات الفردية والعامة والأسطورية، مستخدمة كلها في إلماحات خاصة يستند فيها الشاعر على ذاكرته الثقافية والحكائية مع نقل ذك كله دليلاً من الخاص إلى العام فيتم الإفصاح عن حقائق مجتمعية وإنسانية وكونية في وقت واحد، وفي برهة من برهات علاقات الشاعر بأوضاع مجتمعه وعصره.

ولعل أول من خط مثل هذا النوع من الشعر الملحمي وأكثر شعرائه شهرة هوبدر شاكر السياب من العراق في قصائد عدة منها «أنشودة المطر» و«المومس العمياء». أما خليل حاوي من لبنان فقد أبدع عدداً من قصائده الشهيرة المنتمية إلى هذا النمط مثل «قيامة إليعازر» و«رحلة السندباد الثامنة». ويعد أدونيس من أكثر شعراء الشعر الملحمي شهرة وهوالذي قدم الرؤية النظرية لهذا النمط في كتابه «زمن الشعر»، ومن قصائده «تحولات الصقر» و«إسماعيل» و«أحوال ثمود» وسواها الكثير. ولا يقل محمود درويش شهرة عن أدونيس في كتابة هذا النمط من القصيدة إذ تمتزج الغنائية لديه بما تجاوز ذكره من سمات سابقة. ومعظم مجموعاته التالية لمجموعة «أحبك أولا أحبك» حافلة بهذا النوع من القصائد. ويعد الشاعر محمد عمران واحداً من أبرز من خطوا هذا الشعر الملحمي في سورية، ومن أبرز أعماله «مراثي بني هلال» وديوانه «كتاب الملاجة» وقصيدته «شاهين» التي تحكي سيرة أحد الفلاحين المتمردين على الإقطاع وعلى الاستعمار الفرنسي معاً.

الشعر الغنائي أوالوجداني

يدخل ضمن الشعر الغنائي poésie lyrique معظم ما أثر عن الشعراء العرب القدامى والمعاصرين، لأن بواعثه تتصل بوجدان الشاعر، وهوالمحرض الرئيس لعملية الإبداع الشعري. وإذا كانت حركة الإحياء وأعلامها في مختلف الأقطار العربية تنتمي إلى الاتباعية (الكلاسيكية)، فإن كثيرين من رواد الإحياء حاولوا التجديد بعد الاطلاع على الشعر الغربي فكانت هناك اتباعية جديدة تختلط بنفحات إبداعية (رومانسية)، حتى إذا هذه النفحات لتتغلب على الجوانب الاتباعية.

الشعر الإحيائي

وقد بدأ الشعراء تطوير الشعر الغنائي العربي وتجديده منذ محمود سامي البارودي - كما تقدم - لكن جهودهم في ذلك اتجهت إلى النواحي الفنية فكانوا يولون اهتماماً كبيراً للصياغة القديمة في معالجة الموضوعات الجديدة مثل القضايا القومية، والاجتماعية، والتأملية. ومن أبرز شعراء الإحياء وأكثرهم شهرة أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم الذي اشتهر بأشعاره الرثائية وبأنه «شاعرالشعب» لمنافسته أحمد شوقي على شهرته، ولارتباط شوقي بالقصر الملكي لقاء ارتباط حافظ بالشعب وقضاياه، وكلاهما من القطر المصري.

وفي ليبيا، اشتهر من شعراء الإحياء سليمان الباروني وإبراهيم الأسطة عمر. وفي تونس برز اسم محمود بيرم التونسي، كما برز في الجزائر اسم ابن باديس ومحمد العيد خليفة ومفدي زكريا وغيرهم. أما في المغرب فتبرز أسماء مصطفى المعداوي ومحمد الحبيب الفرقاني وغيرهما. وفي السودان برز اسم الشاعر التيجاني بشير. وقد تميزت قصائد هؤلاء الشعراء على اختلاف أقطارهم، بالتزامها الشكل القديم للقصيدة، وبكونها صرخات احتجاج على الاستعمار الإيطالي والفرنسي والإنكليزي، وصرخات احتجاج على واقع الحياة المعيشية للشعب وما يعانيه من ظلم وقسوة ومرارة في ظل سيطرة المستعمرين وأعوانهم في الداخل.

وفي العراق يبرز اسم الشاعر عبد الغفار الأخرس بصفته أبرز الشعراء الإحيائيين هناك. أما في السعودية فيبرز اسم محمد بن عبد الله العثيمين، وفي الكويت اسم الشاعر فهد العسكر، وفي شمال اليمن أسماء: محمد محمود الزبيري، وإبراهيم الحضراني، وأحمد الشامي، ويناظرهم في الجنوب اليمني محمد سعيد جرادة.

ومن أبرز شعراء البحرين الشاعر إبراهيم العريض الذي امتزج عنده الإحياء بتجديد يحتفي كثيراً بالنفحات الرومانسية.

الشعر التجديدي

ولعل أكثر المجددين شهرة في إطار القصيدة الكلاسيكية على امتداد الوطن العربي، خليل مطران، وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) من لبنان وعمر أبوريشة ومحمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) ونديم محمد من سورية، وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل، وأسماء أخرى سترد لاحقاً، من مصر، وأبوالقاسم الشابي من تونس، إضافة إلى كثير من الشعراء المهجريين, ويقع هذا التجديد في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى حتى ابتداء الخمسينات.

وكان التجديد عموماً يتم بمبادرة ذاتية، لكن بعض الشعراء أخذوا يتكاتفون ويؤلفون التجمعات الأدبية للإسهام في دفع حركة الشعر العربي وتطويره. ومن هذه التجمعات أربعة:

1- مدرسة الديوان التي قامت في مصر عام 1921 على أيدي عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعبد الرحمن شكري. وهؤلاء تأثروا بالشعر الإنكليزي وخاصة بمجموعة «الكنز المضىي» التي تضم بعض قصائد الشعر الغنائي منذ عصر شكسبير حتى نهاية القرن التاسع عشر. وقد انفصل شكري عن زميليه لخلاف نشب بينهم. وبقي الأولان اللذان أعربا في كتاب «الديوان» عن ضرورة تطوير الشعر العربي وتجديده. وامتاز ممضىهما - كما نطقا - بأنه إنساني مصري عربي، وإنه ثمرة لقاح القرائح الإنسانية عامة. وقد فصل العقاد أسس هذا التجديد فأراد للشاعر حتى يعبر بصدق عن مزاجه وشخصيته ونظرته إلى الحياة وتفسيره لها، وأن تكون القصيدة مترابطة عضوياً «كما يكمل التمثال بأعضائه، والصورة بأجزائها، واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث لواختلف الوضع أوتغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها». ونطق أيضاً: «القصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم جميع قسم منها مقام جهاز من أجهزته» وعلى الشاعر حتى «يكتنه حقائق الحياة ويلتزمها في غير شطط ولا إحالة وأن يغوص على جوهرها» وأن «تؤلف الصورة البيانية لنقل الأثر النفسي للمشبه به من وجدان الشاعر إلى وجدان القارئ، لا حتى تقف عند حدود الحواس الخارجية». وقد طبق العقاد هذه المبادئ علىشعر شوقي ونقده نقداً لاذعاً، واتهمه بالإحالة - وهي المبالغة لدرجة إفساد المعنى - ومخالفة الحقائق والولوع بالعرض دون الجوهر. واضطلع المازني بنقد حافظ إبراهيم ووسم شعره بأنه «سياسي أوصحفي» إذ هوشعر مناسبات يومية طارئة، وأنه بعيد عن الصدق.

وانطلاقاً من هذه الأسس حاول العقاد حتى يجدد في ديوانيه «هدية الكروان» المطبوع عام 1933 و«لا عابر سبيل» المطبوع عام 1937. لكن تجديده عموماً كان في محاولته مراعاة الوحدة العضوية في القصيدة إلى جانب وحدة الموضوع، وإلى حد ما: التجديد في شكل القصيدة لا في اكتناه حقائق الحياة والغوص على جوهرها - كما أراد هولشوقي - وإن كان مفهومه للوحدة العضوية يختلف عما سيكون لاحقاً عند أصحاب الشعر الحر.

والواقع حتى هذه الحركة التجديدية لم تبلغ مدى واسعاً يصح معه حتى تسمى مدرسة بالمعنى السليم المعروف للحدثة في المدارس الغربية، كما لم يكن لها أتباع يسيرون على هديها فهي لا تعدوحتى تكون تجمعاً أدبياً محدوداً انفرط عقده بعد مدة وجيزة.

2- أما التجمع الثاني فهو«الرابطة القلمية»، ففي الوقت الذي ظهر فيه «الديوان» كانت فئة من المهجريين الشماليين تنادي بتجديد الشعر. وكان هذا في كتاب «الغربال» الذي ضمنه ميخائيل نعيمة مبادئ جمعية «الرابطة القلمية» المتأسسة في نيويورك عام 1920، ومقاييسها الأدبية، وغايتها التي هي الصدق في التعبير و«بث روح نشيطة في جسم الأدب العربي، والخروج بآدابنا من دور الجمود والتقليد إلى دور الابتكار في جميل الأساليب والمعاني».

وقد تأثر أعضاء هذه الرابطة كذلك بالأدب الإنكليزي والأمريكي وخاصة بما اتى به الشاعر والت ويتمان W.Whitman وخطا هؤلاء خطوة واسعة في تجديد موضوعات الشعر وشكله في آن واحد، واستعاروا بعض الأطر من الشعر الغربي، واستخدموا الموشحات والمخمسات والشعر المرسل vers blancs والشعر المنثور. ويبدوالتجديد عند نعيمة في ديوانه «همس الجفون» وعند إيليا أبوماضي في «الأعمال الكاملة» وعند نسيب عريضة في ديوانه «الأرواح الحائرة» وعند رشيد أيوب في ديوانيه «أغاني الدرويش» و«هي الدنيا» وعند جبران في «المواكب» وغيرهم. ومع ذلك فقد ظل تجديدهم في الأوزان - إلا ما ندر - ضمن حدود العروض والبحور الخليلية المعروفة، وإن كان من الجائز حتى يعد نسيب عريضة واضع أول بذرة من بذور الشعر الحر في قصيدته «النهاية». أما تجديدهم في المضمون، فإنه قد كان لهم الفضل في نظم الشعر التأملي والشعر الإنساني، وأكثروا من نظم شعر الحنين إلى الوطن لشعورهم بالغربتين: الوطنية والنفسية. وفضلاً عن ذلك تساهلوا في اللغة الشعرية، واستخدموا بعض الألفاظ العامية أحياناً، وجددوا - وخاصة أبوماضي - في الحدثة الشعرية، وجعلوها تتسع لمضامين الحياة الاجتماعية والفكرية، وللمشاكل النفسية، من دون حتى تخرج من إطار البساطة والوضوح. ونادوا كذلك بوحدة القصيدة لكنهم عنوا بها تجنب الخلخلة في أبياتها، والتعدد في أغراضها. وخط بعضهم الشعر المنثور وهوالمتحرر من قيود الأبحر العروضية كما في بعض ما ورد عند جبران في كتابه «رمل وزبد»، وإن سبقه إلى ذلك أمين الريحاني الذي يعد من شعراء المهجر الشمالي - لكنه لم ينتم إلى الرابطة القلمية - وقد بدا تجديده في أطر استعارها من الشعر الغربي وبث شعره المنثور في كتابه «الريحانيات» ثم جمعه أخوه ألبرت مستقلاً في كتاب «هتاف الأودية».

3- وأما التجمع الثالث فهو«جمعية أبولو» التي أسست عام 1932 بجهود أمين سرها أحمد زكي أبي شادي، ورُئِّس عليها أستاذه خليل مطران، وكان من أبرز أعضائها أحمد محرم وحسن تام الصيرفي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي وأبوالقاسم الشابي وغيرهم.

وتتلخص أهدافها في السموبالشعر العربي، ومناصرة نهضاته الفنية، ولكن من دون الالتزام باتجاه معين، فلكل عضوالحرية في التعبير عن الموضوع الذي يريد بالأسلوب الذي يرتضيه. وقد تأثر أعضاؤها - كمن سبقهم - بالشعر الغربي: الفرنسي والإنكليزي، ولاسيما الإبداعي منه، لكنهم كانوا كذلك همزة وصل بين الشعر العربي والمذاهب الغربية من واقعية وإبداعية ورمزية، إذ يرجع الفضل إليهم في اطلاع العرب عليها في مجلتهم «أبولو». وقد تجلى تجديدهم في الشكل والمضمون كما عند أبي شادي في دواوينه «أنداء الفجر» و«أطياف الربيع» و«الشفق الباكي» التي اشتمل بعضها على الشعر المرسل. وعند إبراهيم ناجي في ديوانيه «ليالي القاهرة» و«وراء الغمام»، وعند علي محمود طه في دواوينه «الملاح التائه» و«زهر وخمر» و«ليالي الملاح التائه» و«أرواح شاردة»، وكما عند أبي القاسم الشابي في ديوانه «أغاني الحياة»، وحسن تام الصيرفي في ديوانه «صدى ونور ودموع».

وقد توخى معظم شعراء «أبولو» جعل الصلة محكمة بين أجزاء القصيدة لتحقيق وحدة الموضوع ووحدة الفكر ووحدة المشاعر في آن واحد، ولعل رئيسهم مطران هوأول من نبه على هذه الوحدة في مقدمة ديوانه الذي طبع عام 1890.

4- وأما التجمع الرابع فهو«العصبة الأندلسية». والواقع هوحتى هذا التجمع كان واحداً من عدة تجمعات أدبية في المهجر الجنوبي، وكان أشهرها وأهمها. ففي البرازيل أسس قيصر المعلوف «رواق المعري» وفي الأرجنتين تأسست «الرابطة الأدبية» عام 1949 وتولى أعمالها جورج صيدح. أما «العصبة الأندلسية» فقد أسسها أدباء عدة عام 1933 ورأسها ميشيل المعلوف.

وأهداف هذه الجمعيات كلها متفقة على ضرورة تجديد الشعر، ولكن أدومها وأنشطها «العصبة الأندلسية» وكان من أعضائها حبيب مسعود، ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) وأخوه قيصر، وشفيق المعلوف وإلياس فرحات ونصر وسمعان ورياض المعلوف. وكانت مجلتهم «العصبة» مسرحاً لنشاطهم الأدبي وأوجدوا الصلات القلمية بينهم وبين سائر أندية الأدب العربي، ولكنهم أجمعوا على ترسم أساليب الفصحى فلم يضحوا بها في سبيل التجديد - كما عمل أكثر أعضاء الرابطة القلمية - وقد وقفوا معظم شعرهم على القضايا القومية وخاصة قضية فلسطين كما في شعر القروي وفرحات وأبدعوا في الحنين إلى الوطن، إلى جانب الشعر الإنساني والتأملي، ونادى بعضهم دعوة شبه عقائدية إلى التمسك بحقوق الإنسان واحترامه بصرف النظر عن جنسه ولونه ووطنه، وكان تجديدهم في الأوزان والقوافي محدوداً. إذا هذه التجمعات تعكس صورة لمستويات من التأثر بالشعر الغربي عموماً، والإبداعي منه خصوصاً، وفي مجريات تطور الشعر العربي بعد فترة الإحياء الأولى أوالفترة الاتباعية، مثلما تبين بقاء هذا التأثر ضمن إطار الأشكال الفنية الشعرية المتوارثة إلا ما ندر. وبهذا المعنى تجاوز الحديث عن اتباعية جديدة، مطعمة بنفحات إبداعية بهذه الدرجة أوتلك اصطبغت بصبغتها حركة الشعر العربي منذ مستهل العشرينات حتى مستهل الخمسينات.

وإذا كان هذا التطور قد مهد للنقلة الواسعة التي حدثت في الشعر العربي في النصف الثاني من القرن العشرين أي لولادة الشعر الحر، فإن كثيرين من الشعراء العرب لا يزالون يخطون القصيدة الاتباعية الجديدة، وبعضهم يخط إلى جانبها قصيدة «الشعر الحر» أو«شعر التفعيلة». ومن أشهر هؤلاء الشعراء: عبد الله البردوني من اليمن، ونزار قباني وسليمان العيسى وحامد حسن من سورية، ونجيب جمال الدين وغسان مطر من لبنان، ويوسف الخطيب من فلسطين، ومصطفى جمال الدين من العراق، والشاعر المهجري اللبناني زكي قنصل، ومانع سعيد العتيبة من الإمارات العربية المتحدة وغيرهم كثيرون.

الشعر الحر أوشعر التفعيلة: من المؤكد حتى أبرز نقلة تطورية للقصيدة العربية في العصر الحديث قد حدثت مع ولادة قصيدة «الشعر الحر» أو«قصيدة التفعيلة» بحسب أكثر التسميات شيوعاً. وهاتان التسميتان يرتبط منطوقهما بالتجديد على مستوى الشكل، ولكن الواقع حتى التجديد قد ضم المجموع البنائي للقصيدة العربية، شكلاً ومضموناً، ولغة، وأسلوب تصوير وترميز، ومحتوىً دلالياً، ووحدة بنيان فني إجمالي.

وهذا النمط من القصيدة العربية يعتمد صيغاً من الإيقاع إذ يختلف عدد التفعيلات بين بيت وآخر بحسب احتياج الدفقات الشعورية واللاشعورية، والانفعالية والوجدانية، وبحسب مقتضيات التعبير عن حال عاطفية داخلية أوبعض منها، وبالتالي لم يعد الشاعر ملتزماً قافية واحدة أوروياً واحداً يتكرر أويتنوع بحسب نظام معين، بل عوض عن ذلك بالإيقاع الداخلي وبرنين القافية التي تراعى في بعض الأبيات. ومن جهة أخرى لم يعد الشاعر يقصر التصوير البياني على أشكاله القديمة التي تظهر فيها جميع صورة مستقلة بذاتها ومعبرة عن فكرة محددة، بل تدرج في اعتماد نمط من التصوير المتداخل المتشابك التدفق الذي يقود إلى صوغ «مشهد حركي» - كما في التصوير السينمائي، على سبيل التقريب - يعبر عن «حال شعرية» تُستشف منها دلالات متنوعة لا أفكار ثابتة، وتترابط المشاهد المتوالية في بنيان شعري متكامل يشكل المجموع الكلي للقصيدة التي تعكس «تجربة» ذاتية للشاعر في تمثله الفكري والانفعالي والوجداني لبرهة من سياق الحياة في مكان وزمان معينين، ولكن في إطار من التضافر الدلالي بين الخاص والعام وبين الجزئي والكلي، وبين الذاتي والموضوعي، وبين الآني والمطلق.

وقد عهد هذا النمط من القصيدة، أول الأمر، باسم «الشعر الحر» ثم عهد باسم «شعر التفعيلة»، كما دعي باسم «الشعر الحديث» ولكن هذه التسمية تبدوفضفاضة ومطاطة.

ولقد اختلف الباحثون في تاريخ باكورة هذا الشعر وفي رواده، فأرجعه بعضهم إلى الموشحات التي حاول ابن خلدون حتى يحصي أوزانها فلم يستطع لخروجها عن الحصر. وأرجعه بعضهم إلى العقد الثاني من القرن العشرين، وتحديداً إلى قصيدة «النهاية» لنسيب عريضة التي نظمت في الحرب العالمية الأولى متأثراً بما نجم عنها لشعبه من كوارث وضحايا. ولكن نازك الملائكة تذكر في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» أنها هي أول من نظم بهذا الشعر قصيدتها «الكوليرا» في 27/10/1947 ونشرتها لها مجلة «العروبة» اللبنانية في بيروت يوم 1/12/1947، وقد عبرت فيها عن حزنها لضحايا مصر حين اجتاحها وباء الكوليرا، كما تذكر حتى قصيدتها أسبق من قصيدة بدر شاكر السياب «هل كان حباً» الذي يعده كثير من الباحثين الرائد الأول. وقد أثبتت في كتابها المذكور أنها سبقته إلى نشر قصيدتها بنحوشهر وعشرين يوماً مع حتى قصيدة السياب أرخت في ديوانه في 29/11/1946.

والواقع أنه لا يمكن التثبت من الأسبق إلى نظم هذا الشعر على وجه الدقة والتحديد، فضلاً عن حتى هذا لا يقدم شيئاً ولا يؤخر. ولكن من المحقق حتى هؤلاء الشعراء جميعاً، ومن اتى بعدهم، تأثروا بالشعر الغربي الحديث على نحومباشر أوغير مباشر، وقد صرح بهذا جميع من نازك والسياب، وأعادا بعض قصائدهما إلى تأثرهما بقصائد معينة لشعراء إنكليز مثل شيلي Chelley (1792-1821) وكيتس Kaets (1795-1821) وإليوت Elliot (1888-1965) وسيتويل Sitwell (1887-1964)، وتأثر آخرون بشعراء أمريكيين وخاصة إزرا پاوند E.Pound، وآخرون بشعراء فرنسيين مثل جاك بريڤير J.Prevert.

ويجمع هؤلاء الشعراء الإنكليز والأمريكيون والفرنسيون على حتى مشكلات العصر الإنسانية الحديثة تتطلب أطراً جديدة، وأوزاناً جديدة للتعبير عنها، فضلاً عن السعي إلى وحدة القصيدة لا إلى وحدة البيت، وهذا ما نادى به رواد الشعر العربي الحر. والملاحظ حتى أكثر الشعراء العرب الذين نظموا هذا الشعر الجديد ونجحوا فيه هم ممن تمرسوا بنظم الشعر الخليلي، ومن أبرزهم نزار قباني، وعلي أحمد سعيد (أدونيس)، ومحمد عمران، وفايز خضور وأسماء أخرى كثيرة في سورية، وخليل حاوي وغسان مطر وإلياس لحود وغيرهم في لبنان، ومحمود درويش ومعين بسيسووسميح القاسم وغيرهم من فلسطين، وتيسير سبول من الأردن، وعبد الوهاب البياتي وآخرون إضافة إلى السياب ونازك الملائكة في العراق، صلاح عبد الصبور وأمل دنقل، أحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم في مصر، ومحمد الفيتوري في السودان، وقاسم حداد في البحرين، وأسماء كثيرة أخرى في مختلف أقطار الوطن العربي.

وإذا كان كثير من هؤلاء الشعراء قد تأثروا بالشعر الغربي، أوتأثروا بمن تأثر به بصورة مباشرة، فإنهم جميعاً قد ألحوا على تحقيق الوحدة العضوية في القصيدة بدلاً من وحدة البيت سابقاً. وقد تجددت لديهم لغة الشعر تجدداً عميقاً واعتمد كثير منهم على تضمين قصائدهم بعض الرموز الأسطورية والدينية والفولكلورية مثل: السندباد وشهريار وأيوب وأليعازر ويهوذا وعشتروت وأوديب وسيزيف وتموز وغيرها ليستعينوا بدلالاتها الموروثة على التعبير عن مشاعرهم بعمق ورحابة. وأسرف بعضهم قليلاً أوكثيراً في التأثر ببعض المذاهب الغربية كالرمزية والسريالية فسقط في الغموض حيناً وفي الإبهام أحياناً، ولكن ذلك لا يشكل ظاهرة طاغية الأثر على حركة التجديد هذه في مجملها.

قصيدة النثر

يعتمد هذا النمط من الكتابة على التعويض عن الإيقاع الموسيقي للشعر بموسيقى الكلام الداخلية وهذا ما يجعل من نصوص هذا النمط قريبة مما كان ينادي به أصحاب الدعوة إلى «الشعر الصافي». وقد تجاوز ذكر ما كان لكل من جبران خليل جبران وأمين الريحاني من تجاوز في كتابه الشعر المنثور.

على حتى «قصيدة النثر» - حسبما درجت التسمية - قد تزامنت تقريباً مع قصيدة الشعر الحر أوشعر التفعيلة. وقد خطت نصوصها، بداية، تحت تأثير ترجمات قصائد الشعراء الغربيين، وكانت بيروت منطلق هذا النمط من الكتابة منذ الخمسينات ومن أشهر كتابها: محمد الماغوط من سورية وشوقي أبوشقرا وأنسي الحاج من لبنان ولا يزال هذا النمط يزاول بوفرة من قبل الكثيرين من الأجيال التالية لجيل الستينات في مختلف أقطار الوطن العربي.

خلاصة في أطوار الشعر العربي الحديث

سبقت الإشارة العرضية إلى هذه الأطوار في الفقرات السابقة، ويمكن العودة إلى ذلك هنا بقسط أكبر من التوضيح والتفصيل إذ تلاحظ الأطوار التالية:

1- طور الإحياء: وذلك برجوع الشعراء إلى تقليد ما كان عليه الشعر العربي في عصوره المضىية المزدهرة، ولاسيما العصر العباسي، وتمثلهم لأساليبه وأخيلته، واقتفاؤهم آثاره في صياغة الصور البيانية والموسيقى الجزلة واللغة الفخمة.. وكان هذا يعني التخلي السريع عن المحسنات الشكلية في عصر الانحطاط. إلى غير ذلك كان شعراء الإحياء يعارضون القصائد المشهورة في الشعر القديم حيناً وينطلقون إلى التجديد في المعاني والمضامين أحياناً أخرى ولكن ضمن أطر الأوزان الشعرية القديمة. وقد تجاوز ذكر أبرز شعراء الإحياء الذين يوصفون عموماً بأنهم أصحاب «المدرسة التقليدية».

2- طور التأثر بشعر الحداثة الغربية: وضح مما تقدم حتى الشعراء بعد الحرب العالمية الأولى أخذوا يتأثرون بالشعر الغربي - الفرنسي والإنكليزي، الرومانسي خاصة - إما مباشرة، وإما عن طريق من تأثر به أوترجم عنه، وقد أسفر هذا التأثر، بصورة أساسية، عن اتجاه شعري حديث يمزج بين خصائص الكلاسيكية في الصياغة الشكلية وبين كثير من خصائص الإبداعية في المضمونات وأساليب التعبير ومفردات اللغة الشعرية والنبرة الانفعالية الوجدانية.. وبوجه عام يعهد هذا الاتجاه الجديد، تمييزاً له من سابقه، باسم «الاتباعية الجديدة» وأحياناً باسم «الفترة الإبداعية»، مع الكثير من التجاوز في هذه التسمية بالطبع. وفي هذه الفترة ظهرت بوادر تجديد تتضمن نظم الشعر المرسل والشعر المنثور كما عمل الريحاني وجبران وأحمد زكي أبوشادي.

3- طور تجاوز الشكل القديم وفترة الشعر الحر: فقد تحرر الشعراء من الأوزان الخليلية القديمة واعتمدوا التفعيلة الواحدة - وأحياناً الجملة الموسيقية الشعرية الواحدة التي تتضمن تفعيلتين - أساساً لمدى طول البيت الواحد، وتخلوا عن وحدة البيت لصالح وحدة «المبتر الشعري» إذ تؤلف الصور المتشابكة «مشهداً» حركياً يعكس حالاً انفعالية عاطفية أوجزءاً من حالة تتكامل في القصيدة كلها محققة وحدتها الموضوعية، فيترابط الشكل والمضمون ترابطاً صميمياً. وقد سلف تبيان معنى «الملحمية» في النماذج المميزة لقصيدة التفعيلة هذه.

4- قصيدة النثر: تمثل هذه «القصيدة» - إذا صحت تسميتها كذلك - طوراً من أطوار الشعر العربي الحديث، ولكنها تمثل اتجاهاً محدوداً على هامش الطور السابق. وهذه القصيدة تتحرر من الوزن والموسيقى كلياً وتبقي على الموسيقى الداخلية للعبارات، وتكتفي بإنشاء «الحال الشعرية» في أحسن الأحوال، مما قد يوجد في كثير من أشكال التعبير النثرية، الأمر الذي يجعل كثيرين من النقاد لا يصنفون النصوص المكتوبة بهذه الطريقة مع الشعر.

نتيجة لما تقدم يمكن القول إذا الشعر العربي الحديث تأثر ببعض المذاهب الشعرية الغربية في الأطوار الثلاثة الأخيرة السابق ذكرها، ولكن لا يصح القول - على البتر - بأنه ظهرت فيه مدارس أومذاهب أدبية كتلك التي عهدتها الآداب الغربية، وما تجاوز إيراده من «تسميات مدارس» إنما اتى من باب التجاوز لغرض التقريب والإيضاح. فحقيقة الأمر هي أنه توجد اتجاهات في الأدب العربي الحديث، وما ينقصها كي تسمى «مدارس» هوالأساس الفلسفي الذي تفتقده، والذي يعبر عن تغير في طبيعة النموالمجتمعي العام نمواً موازناً أومكافئاً لما عهده الغرب وكان منطلقاً ودافعاً لولادة مدارس الأدب عنده.

المصادر

  1. ^ عزيزة مريدن، شكري محمد عياد، وائل بركات. شكري الماضي. أحمد يوسف داود. "الأدب العربي في العصر الحديث". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
  2. ^ عزيزة مريدن، شكري محمد عياد، وائل بركات، شكري الماضي، أحمد يوسف داود. "الأدب العربي في العصر الحديث". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-02-26.
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:39:45
التصنيفات: أدب عربي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

خلال ساعتين.. وفاة شقيقين في حادثين بالقطيف

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:42
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 48%

بالصور| مكيف الهواء يتسبب في حريق بشقة في مراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 03:15:22
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 43%

مقتل امرأة طعنا في مهرجان سياسي سويدي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:24:26
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

الأحمدي يحقق الذهبية الأولى

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:24:21
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

النيابة العامة تأمر بحبس المتهمين بقتل «مينا أمير» بديرب نجم

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

صحيفة ألمانية: الأزمة الأوكرانية ستسفر عن تغيير النظام العالمي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 03:15:21
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 38%

نائب وزير الاتصالات: 138 خدم تقدمها منصة مصر الرقمية

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:22
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

50 مليون دولار لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:24:25
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

أمريكا.. عمليات زراعة الرحم تحقق للنساء حلم الأمومة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:24:26
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

رئاسة شؤون الحرمين تنظم معرضاً يختص بالكعبة المشرفة

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:40
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 38%

قطر المنتصف

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:54
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 37%

رغم الاستقالات.. بوريس جونسون عازم على البقاء في منصبه

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 03:15:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 40%

مطعم يتسبب في تسمم 25 شخصاً بقرية العليا

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:41
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 45%

صندوق النقد يعلن توقعاته لاقتصاد 2023.. ركود أم نمو؟

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:45
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

أحمد موسى: الأسعار في السعودية مرتفعة.. علبه العصير بـ 3.5 ريال

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

المقهوي يفتح النار على إدارة الأهلي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-07 00:25:55
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 37%

فرار 300 نزيل بعد هجوم مفترض لبوكو حرام على سجن في نيجيريا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-07 03:15:23
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 40%

تحميل تطبيق المنصة العربية