الهروب إلى ڤارِن
الهروب الملكي إلى ڤارِن (ليلة 20/21 يونيو1791) كانت فصلاً هاماً في الثورة الفرنسية، حاول أثناءه الملك لويس السادس عشر من فرنسا، وزوجته ماري أنطوانيت، وأقاربه اللصيقين دون نجاح حتى يهربوا من باريس لكي يبدأوا ثورة مضادة. فقد رغبوا حتى يختبئوا في النمسا لانحدار ماري من عائلتها المالكة، وأمِلوا حتى يجدوا السلامة في الاتفاقية الفرنسية النمساوية. إلا حتى فرارهم لم يوصلهم إلا لبلدة ڤارِن الصغيرة، حيث عُرفوا وتم اعتنطقهم.
وقد كان الحادث نقطة تحول اشتعلت بعده كراهية الشعب تجاه الملكية الفرنسية كمؤسسة، وكذلك تجاه الملك والملكة كأفراد. محاولة الملك الفرار أشعلت تهم الخيانة ضده التي أدت في آخر الأمر إلى اعدامه في 1793.
قاوم الملك إلحاح النبلاء والملكة بضرورة الهرب من باريس وربما من فرنسا كلها ليعود مزودا بجيش قوي فرنسي أوأجنبي يمكنه من إعادة ترسيخ وضعه على العرش، ومع حتى الملك كان غير راض عن تجريد النبلاء والإكليروس والملكية من صلاحياتهم القديمة ومع أنه كان مقتنعا حتى شعْبا كالشعب الفرنسي يتسم بالعنف والطيش والفردية سينصاع لغياب الحكم ولن يسمح بفرض القيود وصدور المراسيم التي تتأصل بمرور الوقت، فإنه - أي الملك - راح يعلق الآمال على السلطات والصلاحيات غير المؤثرة التي لا تزال في حوزته، وسقط في 21 يناير سنة 1791 الدستور المدني للإكليروس (رجال الدين) لكنه شعر أنه يخون العقيدة التي كانت ملاذه الأثير ضد ما حاق به في الحياة من خيبة أمل. لقد صدم بعمق بسبب قرار الجمعية الصادر في 30 مايوسنة 1971 بنقل رفات ڤولتير إلى مقبرة الخالدين (الپانثيون Pantheon ) لقد بدا له أمراً لا يحتمل حتى تحمل رفات كبير كفرة القرن في موكب نصر لتودع بشرف وتكريم في مقبرة كانت حتى الأمس فقط كنيسة للتكريس (موقوفة لغرض ديني نبيل) ووافق الملك أخيراً وبعد طول تردد على رأي الملكة وطلب منها حتى تستعد للهرب خارج الحدود فجهز صديقها المخلص كونت أكسل فون فرسن Axel Von Fersen الأموال اللازمة للهرب ودبر تفاصيل الخطة، وكان الملك بالتأكيد رجلا مهذباً وربما لم يكن ديوثاً (قواداً) لذا فقد شكره بحرارة(95).
والعالم كله يعهد السيرة التالية: كيف من الممكن أن تنكر الملك والملكة في زي رجل وزوجته. وغادر كورف Korff مع أطفالهم وخدمهم ومرافقيهم قصر التويلري خلسة في منتصف ليلة 20-21 يونيه سنة 1791 وظل راكبا طوال اليوم التالي بفرح مشوب بالخوف وبتر 051 ميلا إلى ڤارين Varennes بالقرب من حدود ما يعهد اليوم باسم بلجيكا (كانت وقتها الأراضي المنخفضة النمساوية أي التابعة للنمسا) ومعروف كيف من الممكن أن أوقفهم فلاحون مسلحون بالمذاري والهراوات، وكيف قادهم جان-باتيست درويه Jean- Baptiste Drouet مدير محطة البريد في سانت منهولد Ste Menehould، وأوفد أي مدير المحطة للجمعية طالبا التعليمات وسرعان ما وافاه بارناڤ Barnave وپتيون Petion بالإجابة: "أحضر أسراك ولا تمسهم بسوء إلى باريس."
والآن لقد مضت ثلاثة أيام لا عمل فيها قضاها ستون ألفا من الحرس الوطني في مرافقة الأسرى الملكيين. وفي الطريق جلس بارناڤ Barnave في العربة الملكية قبالة الملكة، وكان قد تجاوز تدريبه وفقا لنظام الفروسية الذي تم إحياؤه في عهد الحكم البائد. وقد تأثر بفتنة الجمال الملكي وراح يتأسى متحسراً، وراح يعجب متسائلاً في سريرته عماقد يكون مصيرها ومصير أطفالها. وعندما وصل الركب إلى باريس كان قد أصبح عبداً لها (أسيراً لها ).
العواقب
وبسبب جهوده بالإضافة إلى محاذير أخرى رفضت الجمعية طلب الذين لا يرتدون كلوتات (الشريحة الدنيا من طبقة العوام/السانز كولوت) عزل الملك فورا. فلا أحد يستطيع حتى يخبر بنوع الفوضوية التي ستنشأ عن ذلك. أتكون الجمعية البورجوازية والممتلكات كلها تحت رحمة الجماهير الباريسية الذين ليس لهم حق دستوري في الانتخاب،يا ترى؟ لذا فقد سرى القول بأن الملك كان قد خطف أوأبعد قسراً عن مقر إقامته، لذا فلا بد من السماح له بالاحتفاظ برأسه (عدم إعدامه) على الأقل لفترة، واعترض الزعماء الراديكاليون ودعت النوادي والصحف الشعب للتجمع في ساحة دي مارس في 17 يوليوسنة 1791 فاجتمع خمسون ألفا وسقط ستة آلاف طلباً بتنازل الملك عن العرش(06) وأصدرت الجمعية أوامرها للافاييت Lafayette والحرس الوطني لتفريق المشاغبين الذي رفضوا التفرق بل وحصب بعضهم أفراد الحرس وقتل الجنود الغاضبون خمسين رجلاً وامرأة، كان اغتال بعضهم حرقا، وبذا انتهت الأخوة العامة التي تعاهدوا عليها هناك منذ عام مضى. وطارد البوليس مارا Marat الذي كان يعيش في قبورطب وراح يدعولثورة جديدة، أما لافاييت فقد انتهت شعبيته وعاد إلى الجبهة وراح ينتظر بصبر فارغ الفرصة المناسبة ليهرب من الفوضى التي بلغت ذروتها في فرنسا.
وحدثا اقترب الشهر من نهايته كثفت الجمعية جهودها لإنهاء أعمالها، وربما كان أعضاء الجمعية قد اعتراهم التعب وشعروا أنهم أنجزوا ما يكفي إنجازه على مدى حياة الواحد منهم.
وحقيقة كانوا قد أنجزوا الكثير من وجهة نظرهم، فقد أشرفوا على القضاء على النظام الإقطاعي، وأبطلوا الامتيازات الوراثية وحرروا الناس من الاستبداد الملكي والأرستقراطية المتعجرفة التي لا عمل لأفرادها، ووضعوا أسس المساواة أمام القانون
وأنهوا مبدأ السجن بلا محاكمة وأعادوا تنظيم البلاد إداريا سواء على المستوى المحلي أم على مستوى الدوائر (المديريات أوالمحافظات) وهذبوا الكنيسة التي كانت ذات يوم مستقلة لها القدرة على توجيه النقد القاسي، بمصادرة ثرواتها، وإعلان مبدأ حرية العبادة وحرية الفكر، وثأروا لجان كالا Jean Calas وڤولتير وشهدوا بسرور هجرة النبلاء الرجعيين، وجعلوا من الشرائح العليا للطبقة الوسطى حكاما للبلاد. وأنهم ضمنوا هذه التغييرات كلها في دستور استطاعوا الحصول على موافقة الملك عليه، وكذلك موافقة الغالبية العظمى من السكان باعتباره - أي هذا الدستور - أملاً في وحدة وسلام وطنيين. وأكملت الجمعية الوطنية والتأسيسية (المنوط بها صوغ الدستور) أعمالها بالترتيب لانتخابات جمعية تشريعية لتضع قوانين محددة على هدى الدستور، ولتقابل بالدراسة المتأنية قضايا المستقبل. وحث روبسپيير أعضاء الجمعية الوطنية على ألا يرشح أحد منهم نفسه لانتخابات الجمعية التشريعية، آملاً في حتى يؤدي الاقتراع الجديد إلى دفع مزيد من الممثلين الشعبيين إلى السلطة. وفي 30 سبتمبر سنة 1791 أعربت الجمعية الوطنية أشهر الجمعيات السياسية جميعاً حل نفسها(16).
الهامش
-
ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter
|coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help)
المصادر الرئيسية
- The Flight to Varennes • Memoir by the Duchesse d'Angoulême