أغسطس قيصر

عودة للموسوعة

أغسطس قيصر

أغسطس قيصر
Augustus Caesar
إمبراطور روماني للإمبراطورية الرومانية
العهد يناير 16 27 ق.م. - أغسطس 19 14 م
سبقه گايوس يوليوس قيصر
تبعه Tiberius, stepson by third wife and adoptive son
Burial
ضريح أغسطس
Spouse 1) Clodia Pulchra ? - 40 BC
2) Scribonia 40 BC - 38 BC
3) Livia Drusilla 38 BC - AD 14
Issue Julia the Elder
Full name
گايوس يوليوس قيصر اوكتاڤيانوس Gaius Julius Caesar Octavianus
البيت اليوليوسية-الكلاودية
الأب گايوس أوكتافيوس;
تبناه يوليوس قيصر
الأم Atia Balba Caesonia

أغسطس قيصر (63ق.م – 14م) بالإنجليزية Augustus Caesar أول إمبراطور روماني ومسماه گايوس أوكتاڤيوس وهوابن أخ يوليوس قيصر أحد قادة روما.

الثأر ليوليوس قيصر

عندما اغتال يوليوس قيصر في 44 ق.م، وكان أغسطس في اليونان فعاد إلى روما لينفذ وصية خاله العظيم يوليوس قيصر ، وتحالف مع مارك أنطوني ليهزم قتلة يوليوس قيصر في معركة فيليپي عام 42 ق.م، وتعرضت [روما] بعد ذلك لنزاعات طويلة بين أنصار مارك أنطوني وأنصار أغسطس ، وفي ذلك الوقت سقط مارك أنطوني في هوى كليوباترا فشغلة تماما عن السلطة، وتفرغ أغسطس لبحث عن أنصار يؤيدون موقفه من روما ومن يوليوس قيصر ، وسقط الخلاف بين مارك أنطواني وبين أغسطس في مسقطة أكتيوم البحرية سنة 31 ق.م وانهزمت قوات مارك أنطوانى في 30 ق.م وتحقق النصر لأغسطس ، مما أدى إلى انتحار مارك أنطوني وكليوباترا، واستطاع أغسطس حتى يعيد إلى روما مجدها وعظمتها، التي بلغتها في عهد يوليوس قيصر من 15 عاما.

مصرع قيصر، بريشة جان-ليون جيروم (1867). في 15 مارس 44 ق.م.، Octavius' adoptive father Julius Caesar was assassinated by a conspiracy led by Marcus Junius Brutus and Gaius Cassius Longinus

أغسطس قيصر وأنطونيوس

صبرت أكتافيا زوجة ماركوس أنطونيوس على هجرها صبر الكرام ، وعاشت ساكنة هادئة في بيت أنطونيوس في روما ، تربي أطفاله الذين رزقهم من فلفيا وابنتيها منه. وكان منظرها المحزن أمام أكتافيان في جميع يوم، وصمتها الفصيح، يثيران كوامن غضبه، ويؤكدان له أنه هوإيطاليا جميعاً مقضي عليهما إذا نجح أنطونيوس في خططه، فاخذ يعمل على حتى تدرك إيطاليا حقيقة الموقف، تدرك حتى انطونيوس قد تزوج ملكة مصر، وأنه وهبها هي وأطفالها غير الشرعين أكثر ولايات الإمبراطورية خراجاً، وأنه سيضع روما وإيطاليا بأجمعها في المقام الثاني بعد مصر. ولما بعث أنطونيوس برسالة إلى مجلس الشيوخ- وكان قد تجاهله سنين طوالاً- يقترح فيها حتى يعتزل هووأغسطس قيصر الحياة العامة، وأن تعود جميع النظم الجمهورية إلى سابق عهدها، تخلص أكتافيان من هذا الموقف الحرج بأن قرأ على المجلس ما ادعى أنه وصية لأنطونيوس انتزعها هوقسراً من العذارى الفستية، وفيها يوصي ماركوس أنطونيوس بأنقد يكون ولداه من كليوباترا وريثيه دون غيرهما، ويأمر بان يدفن إلى جانب الملكة في الإسكندرية. وكانت الفقرة الأخيرة من هذه الوصية حاسمة في نظر المجلس بقدر ما كان يجب حتى تكون مثيرة للارتياب في صحتها. ذلك أنها لم تثر في نظر المجلس الشك في حتى وصية تودع في روما تشترط هذه الشروط، بل أقنعته وأقنعت إيطاليا حتى كليوباترا تستخدم أنطونيوس في خططها التي تبغي بها الاستيلاء على الإمبراطورية. ولجأ أكتافيان إلى الأساليب الخداعة التي هي من أخص خصائصه، فأعرب الحرب على كليوباترا لا على أنطونيوس ، ليجعلها بذلك كفاحاً مقدساً في سبيل استقلال إيطاليا.

وأبحر أسطول ماركوس أنطونيوس وكليوباترا في شهر سبتمبر من عام 32 إلى البحر الأيوني. وكان مؤلفاً من خمسمائة سفينة حربية، ولم يكن أسطول بهذه القدرة قد ظهر على متن البحر من قبل. وكان يؤيده جيش مؤلف من ثلاثمائة ألف من المشاة، واثني عشر ألفاً من الفرسان، وأمدهما بمعظمه أمراء الشرق وملوكه يرجون من وراء ذلك حتى تكون هذه الحرب وسيلة للتحرر من نير روما. وعبر أغسطس قيصر البحر الأدرياوي بأربعمائة سفينة وثمانين ألف جندي من المشاة واثني عشر ألفاً من الفرسان. وظلت القوات المتعادية عاماً أونحوعام تستعد للمعركة الفاصلة وتضع خططها؛ فلما كان اليوم الثاني من شهر سبتمبر عام 31 التحم الجيشان والأسطولان عند أكتيوم في الخليج الأمبراسي في معركة من المعارك الحاسمة في التاريخ. وبرهن أجربا على أنه أبرع من أعدائه في وضع الخطط، وكانت سفينه الخفيفة أسهل وأخف حركة من سفائن أنطونيوس الضخمة ذات الأبراج العالية. وقد أحرقت النار هذه السفن إذ ألقى عليها بحارة أكتافيان مشاعل متقدة. ويصف ديوكاسيوس Dio Cassius ما وقع وقتئذ بقوله: "وأهلك الدخان بعض البحارة قبل حتى تصلهم النيران، ومنهم من نضج لحمهم في دروعهم التي احمرت من شدة اللهب، ومنهم من شوتهم النار شياً في سفنهم كما تشوي اللحوم في الأفران. وألقى الكثيرون منهم أنفسهم في البحر، ومن هؤلاء من إلتهمتهم الحيتان، ومنهم من قتلوا رمياً بالسهام، ومنهم من قضوا نحبهم غرقاً. ولم يمت من هذا الجيش كله ميتة يستطيعون تحملها إلا من اغتال بعضهم بعضاً.

20th century drawing of Augustus. From the Augustus of Prima Porta

ورأى أنطونيوس حتى الدائرة قد دارت عليه، وأشار إلى كليوبطرة حتى تنفذ خطة الانسحاب التي اتفقا عليها من قبل. فوجهت ما بقي من أسطولها نحوالجنوب، وانتظرت قدوم أنطونيوس. ولما عجز من إنقاذ السفينة المعقود لواؤها له، غادرها وركب قارباً أقله إلى كليوبطرة، وجلس هووحده في مقدم السفينة إلى الإسكندرية ورأسه بين يديه، فقد استوعب أنه خسر جميع شيء حتى الشرف.

أنطونيوس وكليوباترا

وسار أغسطس قيصر إلى أثينا ومنها إلى إيطاليا ليخمد فتنة ثارت بين جنوده الذين أخذوا يطالبون بأن يباح لهم نهب مصر ، ثم عاد إلى آسيا ليعاقب بعض من انضموا من أهلها إلى ماركوس أنطونيوس ، وليجمع أموالاً جديدة يسعف بها المدن التي طال عليها عهد الشقاء والحرمان. ثم اتجه بعدئذ نحوالإسكندرية. وكان ماركوس أنطونيوس قد هجر كليوباترا وأقام في جزيرة قرب فاروس ، وأوفد منها رسلاً يطلب الصلح، ولكن أغسطس قيصر لم يعبأ بهم، وأوفدت كليوباترا إلى أكتافيان على غير فهم من أنطونيوس صولجاناً وتاجاً وعرشاً من المضى دليلاً على خضوعها له.

Roman aureus bearing the portraits of Mark Antony (left) and Octavian (right), issued in 41 BC to celebrate the establishment of the Second Triumvirate by Octavian, Antony and Marcus Lepidus in 43 BC. Both sides bear the inscription "III VIR R P C", meaning "One of Three Men for the Regulation of the Republic".

وكان جوابه لها- على حد قول ديو- أنه يهجرها ويهجر مصر دون حتى يمسها بأذى إذا قتلت ماركوس أنطونيوس. وخط الحاكم المهزوم إلى أكتافيان مرة أخرى يذكره بصداقتهما الماضية وبكل المرح الطائش الذي اشهجرا فيه أيام الصبا ، ونطق إنه يرضى بأن يقتل نفسه إذا عفا هوعن كليوباترا ، ولم يرد عليه أغسطس قيصر في هذه المرة أيضاً. وجمعت كليوباترا جميع ما استطاعت جمعه من أموال مصر في أحد أبراج القصر ثم أبلغت أغسطس قيصر أنها ستتلف هذه الأموال كلها وتقتل نفسها إذا لم يعقد معها صلحاً شريفاً. وسار ماركوس أنطونيوس على رأس القوة الصغيرة التي كانت باقية لديه ليحارب عدوه في المعركة الأخيرة ، واستطاع بشجاعة اليائس حتى يكسب نصراً مؤقتاً، ولكنه أبصر في اليوم الثاني جنود كليوباترا المرتزقة تستلم للعدو، وتراءى إليه حتى كليوباترا قد ماتت، فطعن نفسه طعنة قضت على حياته.

تمثال أغسطس قيصر 30 ق.م.
Augustus as a magistrate; the statue's marble head was made c. 30–20 BC, the body sculpted in the 2nd century AD

ولما فهم حتى الخبر مكذوب طلب إلى أتباعه حتى ينقلوه إلى البرج الذي آوت الملكة ووصيفاتها إلى حُجَره العليا وأغلقت عليهن الأبواب، فأدخل إليها من النافذة ومات بين ذراعيها. وسمح لها أغسطس قيصر حتى تخرج من البرج وتدفن حبيبها، ثم أجاز لها المثول بين يديه. ولم يتأثر بما كان باقياً من المفاتن في امرأة محطمة مهزومة في التاسعة والثلاثين من عمرها، وعرض عليها شروطاً للصلح بدت معها الحياة عديمة القيمة لمن كانت من قبل ملكة. ولم يخالجها شك في أنه يعتزم أخذها أسيرة إلى روما لتزين موكب نصره، فما كان منها إلا حتى لبست ثيابها الملكية، ووضعت ثعبان على صدرها، وماتت. وحذت حذوها وصيفتاها شارميون Charmion وإيريس Iris فانتحرتا.

A denarius of Sextus Pompeius, minted for his victory over Octavian's fleet. On the obverse the Pharus of Messina, on the reverse monster Scylla, who defeated Octavian
Bust of Augustus, wearing the Civic Crown. Glyptothek, Munich.

وسمح أغسطس قيصر حتى تدفن إلى جوار ماركوس أنطونيوس ، وقتل هووقيصريون وأكبر أبناء ماركوس أنطونيوس من فلفيا أما ابنا أنطونيوس والملكة فقد أبقى على حياتهما وأوفدهما إلى إيطاليا حيث ربتهما أكتافيا وعنيت بهما كما لوكان ابنيها. ووجد الظافر الخزانة المصرية سليمة وفيها من المال الموفور ما كان يحلم به. ونجت مصر من المذلة التي كادت تلحق بها لوأنها سميت ولاية رومانية. ذلك حتى جميع ما عمله أغسطس قيصر حتى جلس على عرش البطالمة وورث أملاكهم، وهجر في مصر حاكماً يدير شؤون البلاد باسمه. إلى غير ذلك غلب وريث قيصر وريثة الإسكندر ، وضم مُلك الإسكندر إلى مُلكه، وانتصر الغرب على الشرق مرة أخرى، كما انتصر من قبل في مراثون ومجنيزيا، وإنتهى صراع الجبابرة، وكان الفوز فيه لرجل عليل. وقُضِيَ على الثورة في أكتيوم ، كما قضي على الجمهورية في فرسالس وأتمت رومه الدورة المشتومة التي يعهدها أفلاطون ونعهدها نحن: ملكية، فأرستقراطية، فاستغلال ألجركي، فديمقراطية، ففوضى ثورية، فدكتاتورية. وانتهى مرة أخرى، في جزر التاريخ ومده، عهد من عهود الحرية، وبدأ عهد من عهود النظام.

Portrait of Augustus wearing a gorgoneion on a three layered sardonyx cameo, AD 14–20
The Via Labicana Augustus - Augustus as Pontifex Maximus.

الطريق إلى الملكية

انتقل أكتافيان من الإسكندرية إلى آسيا وواصل فيها توزيع الممالك والولايات. ولم يصل إلى إيطاليا إلا في صيف عام 29 ق.م. ولم تكد تظل طبقة من طبقات الأهلين فيها إلا حييته وأحتفلت بمقدمه ، وعدته منقذ البلاد، وأشهجرت في موكب النصر الذي دام ثلاثة أيام متوالية. وأغلق هيكل يانوس إشارة إلى حتى إله الحرب قد نال كفايته إلى حين، فقد أنهكت الحرب الأهلية التي دامت عشرين عاماً شبه الجزيرة التي كانت تشتهي الحرب وتتعطش للدماء. وفي هذه الفترة أهملت المزارع ونُهبت المدن أوضُرب عليها الحصار، وسُرق الكثير من ثروتها أودُمر تدميراً، وتحطم دولاب الإدارة ووسائل الدفاع عن النفس والمال؛ وجعل اللصوص الشوارع كلها غير مأمونة خلال الليل، وكان قطاع الطريق يجوبون المسالك يخطفون المسافرين ويبيعونهم بيع الرقيق. وكان من أثر هذا حتى كسدت التجارة، ووقفت حركة الاستثمار، وارتفعت فوائد الديون ارتفاعاً، ونقصت قيمة الأملاك. ولم يكن للفاقة والفوضى أثر في تحسين الأخلاق التي انحلت بسبب الثروة والترف؛ ذلك أنه قلما توجد ظروف أشد إفساداً للأخلاق من الفقر الذي يعقب الغنى، ولذلك امتلأت روما بالرجال الذين فقدوا مركزهم الاقتصادي وخسروا اتزانهم الأخلاقي: من جنود ذاقوا طعم المغامرات وتفهموا فنون التقتيل؛ ومواطنين أبصروا بأعينهم مدخراتهم تلتهما الضرائب الفادحة وتضخم العملة وهما من مستلزمات الحروب، وكانوا ينتظرون حتى يحدث حادث ما ينتشلهم من الوهلة التي تردوا فيها ويعيد إليهم الثراء والنعيم؛ ومن نساء مضىت الحرية بعقولهنَ فكثر بينهن الطلاق والإجهاض والزنا؛ وانتشر العقم لضعف الرجولة وأخذت السفسطة الضحلة تفخر بنزعتها المتشائمة الساحرة. على حتى هذا الوصف لا يحمل إلى القارئ صورة كاملة لرومة في ذلك الوقت، بل يجب حتى يضاف إليهِ وباء فتاك ينخر عظامها وتسري جراثيمه في دمائها فقد عادت القرصنة إلى البحار، وكانت تزداد بهجة وسروراً حدثا تدهورت الولايات وأشرفت على الدمار. وسغبت المدن والولايات ولما توالى عليها من ابتزاز والنهب في أيام صلا، ولوكلس ، وبومبي ، وجابنياس ، وقيصر ، ووبروتس ، وكاسيوس ، وأنطونيوس ، وأكتافيان. وحل الخراب ببلاد اليونان التي كانت ميداناً للقتال، ونُهبت أموال مصر وأرزاق أهلها، وأطعم الشرق الآدنى مائة جيش ورشا ألف قائد؛ وكان أهلهُ يبغضون روما أشد البغض لأنها هي السيد الذي قضى على حريتهم دون حتى يعوضهم عنها أمناً أوسلاماً، وكانوا يتطلعون إلى زعيم يقوم بينهم، فيكشف عما تعانيهِ إيطاليا من ضعف وخوف، ويجمع شتاتهم ويقودهم في حرب يتحررون بها من سيطرة روما. وكان في وسع مجلس الشيوخ القوي في يوم من الأيام حتى يقابل هذه الأخطار، فيعبئ الفيالق الضخمة، ويجد لها القادة المهرة، ويمدهم بحنكتهِ وكفايته السياسية البعيدة النظر. أما الأن فلم يبقَ من مجلس الشيوخ إلا أسمهُ، فقد أنقرضت الأسر التي كان يستمد منها القوة، وقضى عليها النزاع الطويل أوالعقيم، ولم تنتقل تنطقيد الحكم التي كانت تمتاز بها هذه الأسر إلى رجال الأعمال وإلى الجنود وأهل الولايات الذين خلفوها في المجلس الجديد. ومن أجل هذا فقد أسلم هذا المجلس معظم ما كان له من سلطان إلى رجلٍ في وسعه حتى يرسم الخطط، ويتحمل التبعات، ويقود، وأسلمها إليهِ وهوشاكر ومغتبط. وتردد أكتافيان طويلاً قبل إلغاء هذه الهيئة القديمة، ويصوره ديوكاسيوس Dio Cassius، وهويبحث المسألة بحثاً مفصلاً مع ماسيناس وأجربا، فيقول أنهم كانوا يرون حتى الحكومات كلها حكومات ألجركية،ولذلك فأن المشكلة المعروضة أمامهم لم تكن معضلة الاختيار بين الملكية، والأرستقراطية، والديمقراطية؛ بل كان عليهم حتى يقرروا: هل تضطرهم ظروف الزمان والمكان حتى يفضلوا الألجركية في صورة الملكية المعتمدة على الجيش، أوفي صورة الأرستقراطية المتأصلة في الوراثة، أوفي صورة الديمقراطية التي تعتمد على ثروة رجال الأعمال،يا ترى؟ وقد وفق أكتافيان بينها كلها في "زعامة امتزجت فيها نظريات شيشرون وسابقات بمبي وسياسات قيصر". وقبل الشعب هذا الحل قبول الفلاسفة؛ ذلك أنه لم يعد حريصاً على الحرية مولعاً بها، بل كان قد مل الفوضى وتاقت نفسه إلى الأمن والنظام، وكان يرضى حتى يحكمه أي إنسان يضمن له الخبز والألعاب.

وأدرك إدراكاً يكتنفه الغموض حتى جمعياته السمجة التي يتغلغل فيها الفساد ويمزقها العنف، لا تصلح لحكم الإمبراطوية، ولا تستطيع إعادة الحياة إلى إيطاليا المريضة، بل أنها لا تستطيع حتى تحكم مدينة رومة نفسها. هذا إلى حتى الصعاب التي تكتنف الحرية تتضاعف حدثا اتسعت رقعة الأراضي التي تعتنقها. فلما لم تعد رومة دولة لا تضم أكثر من مدينة واحدة دفعها النظان الإمبراطوري دفعاً إلى حتى تحذوحذومصر وفارس ومقدونية. ولم يكن في وسعها حتى تقاوم هذا الدفع الشديد، وكان لا بد حتى تقوم على أنقاض الحرية، التي استحالت فردية وفوضى حكومة جديدة تضع للدولة المترامية الأطراف نظاماً جديداً. وكان عالم البحر الأبيض المتوسط كله عالماً مختل النظام، مترامياً تحت قدمي أكتافيان، ينتظر منه حتى يبسط عليه الحكم الصالح. ونجح أكتافيان فيما أخفق فيهِ قيصر لأنه كان أكثر من قيصر صبراً، وأوسع منه حيلةً، ولأنه كان يفهم فن الألفاظ والأشكال، ويرضى حتى يسير سيراً وئيداً حذراً في المواقف التي اضطر فيها عمه العظيم لضيق وقته حتى يخرج على التنطقيد المرعية، ويحدث في نصف عام من حياته من التغيرات ما يحتاج جيلاً كاملاً. وفوق هذا فقد كان المال موفوراً لدا أكتافيان. ويقول سوتنيوس إنه لما اتى بكنوز مصر إلى رومة "كثرت فيها النقود كثرة أنخفض معها ثمن الفائدة" من اثني عشر إلى أربعة في المائة، و"أرتفعت قيمة الأملاك الثابتة ارتفاعاً عظيماً". وما كاد يتضح للناس حتى حقوق الملكية قد عادت إليها قدسيتها وأن أكتافيان قد فرغ من أحكامه على أعدائه ومن مصادرة الأملاك، حتى خرجت الأموال من مخابئها وعاد الأستثمار سيرته الأولى، وراجت التجارة، وأخذت الثروة تتجمع من جديد، وتسرب بعضها إلى جيوب العمال والأرقاء. ولشدما أغتبطت جميع الطبقات في إيطاليا بعد حتى عهدت حتى تلك البلاد ستبقى هي المستمتعة بخيرات الإمبراطورية، وأن رومة ستظل عاصمتها، وأن خطر نهضة الشرق وبعثه قد زال إلى حين، وأن ما كان يحلم بهِ قيصر من قيام اتحاد من أمم حرة متساوية في الحقوق لم يسفر إلا عن العودة في هدوء إلى امتيازات الشعب المفضل صاحب السيادة.

وكان أول ما عمله أكتافيان بالأموال الجمة التي أنتهبها حتى وفى بما عليه لجنوده من ديون. وقد أستبقى في الخدمة منهم مائتي ألف رجل أقسم جميع واحد منهم يمين الولاء له شخصياً، وسرح الثلثمائة ألف الباقين بعد حتى أبتر كلاً منهم مساحة من الأراضي الزراعية ونفحه بهبة مالية سخية. ووزع الهدايا الثمينة على قواده وأنصاره وأصدقائه، وكثيراًؤما كان يسد العجز الذي يحدث في الخزانة العامة من ماله الخاص. وكان إذا رأى ولاية من الولايات حل بها الضنك بسبب الأحوال السياسية أوالطواريء الطبيعية أعفاها من الخراج العام، وبعث إليها بالمال الكثير لإنقاذها مما تعانيه. وألغى جميع المتأخر من الضرائب على أصحاب الأملاك، وأحرق علناً السجلات التي تثبت ما عليهم للدولة من الديون، وأدى من أموال الدولة ثمن ما يوزع من الغلال على المحتاجين، وأقام الألعاب للشعب على نظام واسع، وقدم المال لجميع المواطنين. ثم شرع في إقامة المنشآت العامة ليقضي بذلك على التعطل ويجمل رومة، وأنفق على هذه الأعمال من أمواله الخاصة، فلا غرامة بعد هذا إذا نظرت إليه الأمة نظرتها إلى إلهٍ معبود. وبينما كانت هذه الأموال تتسرب من يديهِ كان هذا الإمبراطور المتواضع يعيش عيشة بسيطة خالية من مظاهر العظمة، يتجنب ترف النبلاء، ومتع المنصب وأبهتهِ، يرتدي الأثواب التي تنسجها له النساء في بيتهِ، وينام على الدوام في حجرة صغيرة في الدار التي كانت من قبل قصر هورتنسيوس. ولما أحترق هذا القصر بعد حتى أقام فيهِ ثمانية وعشرين عاماً، أقام له قصراً جديداً على نظام القصر القديم، وكان ينام في نفس الحجرة الضيقة التي كان ينام فيها من قبل. وكانت متعته الوحيدة حتى يفر من الشؤون العامة بركوب زورق تدفعه الرياح دفعاً بطيئا على طول ساحل كمبانيا. واستطاع على مر الوقت حتى يقنع مجلس الشيوخ والجمعيات الوطنية، أوحتى يتفضل بالسماح لها، بأن تخلع عليه‎ِ السلطات التي جعلته في مجموعها ملكاً في جميع شيء إلا في الأسم وحده. وقد احتفظ على الدوام بلقب إمبراطور Imperator بوصفه القئد الأعلى لجميع القوات المسلحة في الدولة. وإذ كان الجيش قد بقي معظمه خارج خارج حدود العاصمة على الدوام، وخارج حدود ايطاليا في معظم الأحوال، فقد كان في وسع المواطنين حتى ينسوا، وهم يمارسون جميع المراسم الشكلية للجمهورية الميتة، أنهم يعيشون في كنف حكومة ملكية عسكرية تختفي منها مظاهر القوة طالما كانت الألفاظ كافية للحكم.

أغسطس قنصل

اختير أغسطس قيصر قنصلاً في عامي 43 و33 وفي جميع عام من الأعوام المحصورة بين 31 و23. وخلعت عليه أعوام 36، 30، 23 سلطات التربيون فكسب بذلك طول حيلته الحصانة التي يتمتع بها التربيون، وأصبح له حق وضع القوانين وعرضها على مجلس الشيوخ أوالجمعية، وحق الاعتراض على جميع موظف في الحكومة ووقفها. ولم يعترض أحد على هذه الدكتاتورية المحبوبة، ذلك حتى رجال الأعمال الذين امتلأت خياشيمهم برائحة غنائم أكتافيان المصرية، والجنود المدينين لكرمه بأرضهم أومراكزهم، وكان من عادت عليهم بالنفع قوانين قيصر، ومناصبه ووصيته-كل هؤلاء كانوا يقولون ما يقوله هومر من حتى حكومة الفرد خير أنواع الحكومات كلها، أوأنها في القليل خيرها إذا كان هذا الفرد كأكتافيان حر التصرف في أموالهِ، وإذا كان في مثل جدهِ وكفايتهِ، وإذا كان مثله بيّن الإخلاص لخير البلاد. ولما كان رقيباً مع أجربا في عام 28 أجرى إحصاءً عاماً للسكان، وأعاد النظر في عضوية مجلس الشيوخ، فأنقص عدد الأعضاء إلى ستمائة عضو، ولقب هونفسه مدى الحياة بلقب "زعيم الشيوخ" Princeps Senatus. وكان معنى هذا اللقب في بادئ الأمر "الأول في ثبت أعضاء مجلس الشيوخ"، ثم ما لبث حتى أصبح معناه "الزعيم" بمعنى الحاكم كما أصبح معنى لفظ Imerator بعد حتى خلع هذا اللقب على أكتافيان هوإمبراطور Emperor بالمعنى الذي يفهم من هذا اللفظ في هذه الأيام. ويسمي التاريخ بحق حكومته وحكومة خلفائهِ مدى قرنين من الزمان بحكومة "الزعامة" ولا يسميها الحكومة الملكية بالضبط، وذلك لأن الأباطرة "Emperors" كانوا يعترفون-نظرياً على الأقل-بأنهم لمقد يكونوا إلا زعماء (Princepes) مجلس الشيوخ.


عودة الجمهورية

وأراد أكتافيان حتى يجعل مظهر سلطتهِ الدستورية أروع من ذي قبل، فنزل في عام 27 عن جميع مناصبه، وأعرب عودة الجمهورية، وصرح برغبتهِ (وهوفي الحامسة والثلاثين من عمره) باعتزال الحياة العامة. وأكبر الظن حتى هذه المسرحية قد أعدت من قبل؛ فقد كان أكتافيان من أولئك الرجال الحذرين الذين يعتقدون حتى الأمانة خير أساليب السياسة، بشرط حتى تمارس بحكمة وحسن تدبير. ومهما تكن حقيقة هذا الأمر فقد قابل مجلس الشيوخ نزول أكتافيان عن حقوقه بنزوله هوأيضاً عما له من حقوق، وتوسل إليه حتى يظل هادياً للدولة ومصرّفاً لأمورها، ومنحه لقب أغسطس وهواللقب الذي أخطأ المؤرخون فحسبوه اسمه. ولم يكن هذا اللقب يستعمل من قبل إلا في وصف الأمور والأماكن المقدسة وبعض الأرباب المبدعة أوالمكثرة (ومعنى أوجير Augere باللاتينية "يزيد")؛ فلما حتى أطلق على أكتافيان خلع عليهِ هالة من القداسة وحباه بحماية الدين والآلهة. ويلوح حتى سكان رومة قد بدا لهم زمناً ما حتى "عودة" الجمهورية كانت عودة حقيقية، وأنهم استعادوها عملاً في نظير صفة خلعوها على أكتافيان. ولم لا،يا ترى؟ ألا يزال مجلس الشيوخ والجمعيات هي التي تسن القوانين، وتختار كبار الحكام،يا ترى؟ إذا أحداً لا ينكر ذلك وكل ما يعمله أغسطس وعماله هوحتى "يقترحوا" القوانين و"يرشحوا" أرباب المناصب الهامة. وكان أكتافيان بوصف كونه إمبراطوراً وقنصلاً يسيطر على الجيش والخزانة، وينفذ القوانين، وكان بفضل امتيازاته التربيونية يشرف على جميع ما عدا ذلك من أعمال الحكومة. ولم تكن حقوقه أوسع كثيرا من حقوق بركليز Pericles أوبمبي أوأي رئيس نشط من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن الفرق كله حتى سلطاته هوكانت دائمة. وقد استنطق في عام 23 من القنصلية، ولكن مجلس الشيوخ منحه وقتئذ "سلطات القنصل" وإن لم يبق له اسمه، فجعله بذلك المسيطر على الموظفين جميعهم في الولايات كلها. ولم يعترض أحد على ذلك في هذه المرة أيضاً؛ بل وقع عكس هذا. وذلك أنه لما لاح خطر نقص الحبوب حاصر الشعب مجلس الشيوخ، وأخذ يطالب بجعل أغسطس دكتاتوراً. وكان سبب ذلك أنهم قد ساءت أحوالهم في عهد ألجركية مجلس اليوخ إلى حد جعلهم يميلون إلى الدكتاتورية التي ستخطب ودهم في زعمهم لتقضي بذلك على سلطان الأغنياء. وأبى أغسطس حتى يقبل هذا العرص ولكنه وضع الأنونا Annona أوموارد الطعام تحت سلطانه، وقضى على خطر القحط في أقرب وقت؛ وحمد له الشعب عمله هذا حمداً جعل رومة ترتاح أشد الارتياح حين أقدم على تعديل نظم الدولة على النحوالذي رسمه لها في ذهنه.

النظام الجديد

والآن فلندرس حكومة الزعامة ببعض من التفصيل لأنها كانت في كثير من نواحيها من أعظم الأعمال السياسية في التاريخ ومن أكثرها دقة. لقد جمع الزعيم في يده جميع السلطات التشريعية والتطبيقية والقضائية؛ فكان من حقهِ حتى بقترح القوانين على الجمعيات أوعلى مجلس الشيوخ ويعرض المراسيم؛ وكان في وسعه حتى ينفذها وأن يفرضها بالقوة إذا شاء، وأن ينشرها ويعاقب الخارجين عليها. ويقول سوتونيوس إذا أغسطس كان يجلس في مجلس القاضي بانتظام وإن مجلسه كان يدوم في بعض الأحيان حتى يجن الليل "وكان يأمر بوضع محفنة فوق المنصة يلجأ إليها إذا أصابته وعكة...وكان رجلاً حي الضمير ليناً في أحكامهِ إلى حد كبير" وإذ كان قد ألقيت عليهِ تبعة مناصب كثيرة فقد شكل له مجلساً غير رسمي من المستشارين أمثال مانياس، ومن المنفذين لقراراته أمثال أجربا، ومن القواد أمثال تيبيريوس، كما أنشأ له هيئة من أرقائه ومعاتيقه. وكان كيس ماسناس من أثرياء رجال الأعمال، وكان قد قضى نصف حياته يساعد أغسطس في الحرب والسلم وفي أعماله السياسية الداخلية والخارجية، وساعده أخيراً على الرغم منه في مغامراته النسائية. واشتهر قصره العائم على تل الأكولين بحدائقه الغناء وببركة استحمامه ذات الماء الساخن. وكان أعداؤه يصفونه بأنه شخص. مخنث أبيقوري لأنه كان يتباهى بلبس الحرير والتحلي بالجواهر، وأنه يعهد جميع ما يعهده المبطان الروماني. وكان يستمتع بالأدب والفن ويناصرهما بكرم وسخاء، وقد أعاد إلى فرجيل ضيعته ووهب هوراس ضيعة أخرى. وكان هوالموحي بكتاب الجورجيين Geprgics والأناشيد. وأبى حتى يشغل أي منصب من المناصب العامة. مع أنه كان في وسعه حتى يحصل منها على أي منصب يريده إلا القليل. وقد ظل سنين طوالاً يجهد نفسه في درس مبادئ السياسة الخارجية ووقائعها، وبلغ من شجاعته حتى كان يعنف أغسطس إذا ظنه قد سقط في خطأ موبق. ولما توفي (في عامثمانية ق.م.) حزن عليه الزعيم وعدّ موتهُ خسارة لا تعوض. ولعل أغسطس (أصله من الطبقة الوسطى ولم يكن يحتقر التجارة كما يحتقرها الأشراف) كان يعمل بمشورته حين رشح كثيرين من رجال الأعمال للمناصب الإدارية الكبرى وإلى حكم الولايات نفسها. ولما تذمر مجلس الشيوخ من هذه البدعة، استرضاه بأشياء كثيرة: فمنح بعض لجانه سلطات استثنائية، وجمع حوله مجلساً من الزعماء المستشارين مؤلفاً من حوالي عشرين رجلاً كلهم تقريباً من الشيوخ، وأصبح لقرارات هذا المجلس على مدى الأيام ما لقرارات مجلس الشيوخ نفسه من قوة، وكانت سلطاته واختصاصاته تزداد حدثا ضعفت سلطات مجلس الشيوخ، ونقصت اختصاصاته. ولكن مجلس الشيوخ لم يكن إلا أداته العليا على الرغم مما كان يغدق عليه من ضروب العطف والمجاملة. وقد استخدم حقه بوصفهِ رقيباً فأعاد النظر في عضويته أربع مرات، وكثيراً ما استخدم حقه في حقه في طرد بعض أعضائه منه لعجزهم عن القيام بالأعمال الرسمية أولسوء سلوكهم الشخصي، وقد رشح هونفسه معظم أعضائه الجدد؛ وكان من دخلوه من الكوسترين والبريتورين والقناصل بعد انقضاء المدة المحددة لتوليهم مناصبهم، كانوا كلهم ممن اختارهم هوأوممن وافق على اختيارهم. وقد حشد في هذا المجلس أغنى رجال الأعمال في إيطاليا وانضمت الطبقتان إلى حد ما في ذلك الائتلاف الذي هيئته لهما سيطرتهما المتحدة التي اقترحها شيشرون في الأيام الخالية. وبذلك وقفت قوة المال في وجه كبرياء المولد وامتيازاته، كما وقفت الأرستقراطية الوراثية في وجه مساوئ الثروة وأعمالها التي لا تتحمل لها تبعة. واقتصرت اجتماعات مجلس الشيوخ بناء على اقتراح أغسطس على اليومين الأول والخامس عشر من جميع شهر، ولم يكن اجتماعه يدوم في العادة أكثر من يوم واحد. وإذ كان الذين يرأسون اجتماعه هم "زعماء الشيوخ" فإنه لم يكن يُستطاع عرض أي اقتراح عليهِ بغير موافقتهِ، والحق حتى جميع اقتراح يُعرض عليهِ كان يعده من قبل هوأوأعوانه. وأصبحت اختصاصات المجلس القضائية والتطبيقية وقتئذ أبرز من اختصاصاته التشريعية، فكان بمثابة محكمة عليا، وكان يحكم إيطاليا بوساطة لجان، ويوجه أعمال الأشغال العامة المتنوعة. وكان يحكم الولايات التي لا بحاجة إلى إشراف عسكري كبير، ولكن الزعيم هوالذي كان يشرف على العلاقات الخارجية. ولما جرّد المجلس بهذه الطريقة من سلطاتهِ القديمة أهمل هونفسه اختصاصاته الضيقة نفسها وصار يتخلى بستمرار عن كثير من التبعات للإبمراطور وموظفيهِ. وظلت الجمعيات تعقد جلساتها، ولكن عدد هذه الجلسات أخذ يقلُ شيئاً فشيئاً؛ وظلت تقترع ولكنها لم تكن تقترع إلا على المشروعات أوالترشيحات التي يوافق عليها الزعيم، وقضى على حق العامة في تولي المناصب أوكاد يقضي عليه في عام 18 ق.م. حين صدّر قانون يُقصر تولي هذه المناصب على الرجال الذين تبلغ قيمة أملاكهم أربعمائة ألف سسترس (60.000 ريال أمريكي) أوأكثر(2). ورشح أغسطس نفسه للقنصلية ثلاث عشر مرة، وسعى لنيل أصوات الناخبين كما كان يسعى غيره من المرشحين؛ ونزل بذلك من عليائه للاشتراك في المسرحية التي كانت تمثل فصولها على مسرح السياسة الرومانية. وقد عمل على منع الرشا في الأنتخابات بأن طلب إلى جميع مرشح حتى يودَع قبل عملية الانتخاب مبلغاً من المال ضماناً منه بأنه لن يلجأ إلى الرشوة.

بيد حتى أغسطس نفسه وزع في وقت من الأوقات ألف سسترس على جميع عضوناخب في قبيلته حتى يضمن بذلك صحة أصوات القبيلة. وظل القناصل والتربيونون يُنتخبون حتى القرن الخامس بعد الميلاد. غير حتى المنصبين أصبحا بعد حتى آلت معظم حقوقهما إلى الزعيم منصبين إداريين لا تطبيقيين، ثم انتهيا إلى حتى صارا منصبي شرف لا أكثر. أما حكم رومة العملي فقد وضعه أغسطس في أيدي موظفين إقليميين يتقاضون مرتبات من الدولة وتساعدهم في عملهم شرطة مؤلفة من ثلاثة آلاف رجل يرأسهما "كبير شرطة البلدية Praefectus Urbi" وفضلاً عن هذا فقد وُضع ست كتائب قوام جميع منها ألف جندي بالقرب من رومة، وثلاث كتائب في داخلها ليضمن بذلك استتباب النظام من النوع الذي يريده، وليؤيد بها سلطانه، وإن كان قد اعتدى بعمله هذا على جميع السوابق أشد الاعتداء. وأصبحت هذه الكتائب فيما بعد هي الحرس البريتوري، أي حرس البريتوريوم Praetorium أومقر القائد الأكبر. وهذه الفرق هي التي جعلت كلوديوس إمبراطور في عام 41 ب.م، وهي التي بدأت عملية إخضاع الحكومة للجيش. ثم امتدت عناية أغسطس الإدارية من رومة إلى إيطاليا وإلى الولايات الخارجية. فمنح حق المواطنية الرومانية أوحق الانتخاب الضيق المعروف "بالحقوق اللاتينية" لجميع العشائر التي اشهجرت في تحمل أعباء الحرب على مصر. ثم أعان المدن الإيطالية بما نفحها به من هبات، وزينها بالمباني الجديدة، وابتكر كيفية تمكن أعضاء مجلسها من إعطاء أصواتهم في انتخاب الجمعيات في رومة بطريق البريد. ثم قسم الولايات فئتين: أولاهما ما بحاجة إلى دفاع جدي والثاني ما كانت في غير حاجة إلى هذا الدفاع. فأما الثانية (وكانت تضم صقلية، وبتكا، وغالة النربونية، ومقدونية، وآخية، وآسية الصغرى، وبيثينيا، وبنطتس، وقبرص، وكريت، وقورينة، وأفريقية الشمالية، فقد وضع حكمها في يد مجلس الشيوخ. أما الثانية-وهي الولايات الإمبراطورية- فكان يحكمها سفراؤه، ووكلاؤه، أورؤساء حرسه. وقد أمكنه هذا النظام البديع من حتى يختفض بسيطرته على الجيش، الذي كان يقيم معظمه في الولايات "المعرضة للخطر". وهذا إلى أنه وضع في يده موارد مصر الغنية وأمكنه من حتى يراقب الحكام المعنيين من قِبَل مجلس الشيوخ بأعين وكلائه الذين كان يعينهم لجباية الخراج من الولايات جميعها بلا استثناء. وكان جميع حاكم يتقاضى في أيامه مرتباً محدوداً، وبذلك قلت رغبته إلى حد ما في ابتزاز المال من أهل الولاية التي يحكمها.

وكان إلى جانب الوالي هيئة من الموظفين المدنيين تساعد على الدوام الاتصال في الأعمال الإدارية وتمنع إلى حد ما رؤساءهم المؤقتين من الإقدام على الأعمال غير المشروعة. أما أقيال الدول التي كانت خاضعة لنفوذ رومة فكانوا يعاملون معاملة طيبة حكيمة، وظلوا بسببها موالين لأغسطس جميع الولاء، وقد أقنع الكثيرين منهم بأن يرسلوا إليهِ أبنائهم ليعيشوا في قصره، وليتلقوا فيه تربية رومانية؛ وأصبح هؤلاء الشبان بفضل هذا التدبير الكريم رهائن لديهِ حتى يحين وقت تتويجهم، ثم صاروا بعئذ على غير فهم منهم أداة لصبغ بلادهم بالصبغة الرومانية. ويبدوحتى أغسطس بعد فوزه في أكتيوم، وما بهثه هذا الفوز في نفسه من حماسة وزهو، وبعد حتى رأى من حوله جيشاً ضخماً وأسطولاً قوياً، يظهر أنه أخذ بعد هذا يُعد العدة لتوسيع رقعة الإمبراطورية ومد حدودها إلى المحيط الأطلنطي، والصحراء الكبرى، ونهر الفرات، والبحر الأسود، ونهر الدانوب والألب، وأنه كان يعتزم الاحتفاظ بالسلم الرومانية بسياسة العدوان عند هذه الحدود جميعها لا بسياسة الدفاع السلبي. وقد أتم الإمبراطور بنفسه فتح أسبانيا، ونظم الإدارة في بلاد غالة تنظيماً يشير على مقدرته ومهارته، وكان من نتائجه حتى ساد السلام ربوع تلك البلاد نحوقرن كامل. واكتفى في بارثيا باسترجاع الأعلام، ومن بقي على قيد الحياة من الأسرى الذين أخذوا من كراسس في عام 53؛ أما في أرمينية فقد أعاد إلى عرشها ملكها تجرانيس Tigranes الموالي لرومة. وأوفد بعثات لفتح بلاد العرب ولكنها أخفقت. وأخضع ربيباه تيبيريوس ودورسس في العشر السنين المحصورة بين 19،تسعة ق.م بلاد إليريا Illyria وبانونيا Pannonia وريتيا Raetia. ولما غزا الألمان غالة تذرع أغسطس بهذه الحجة فأمر دروسس حتى يعبر بهر الرين؛ ولشد ما اغتبط حين فهم حتى هذا الشاب قد شق طريقه إلى نهر الإلب. غير حتى دروسس أصيبت أحشاؤه على أثر سقطة سقطها على الأرض عانى على أثرها السقم ثلاثين يوماً. وكان تيبيريوس شديد الحب لأخيه، فسار على ظهر جواده أربعمائة ميل من غالة إلى ألمانيا ليضمه إلى صدره في آخر ساعات حياته؛ ولما تم له ذلك نق جثته إلى رومة، وسار وراء الجنازة طول الطريق (9ق.م) ثم عاد بعدئذ إلى ألمانيا وحمل على القبائل الضاربة بين الإلب والرين حملتين (8-7 ق.م 4-5 ب.م) خضعت على أثرهما روما. وحلت برومة وقتئذ في وقت واحد تقريباً كارثتان بدلت حمى الفتح والتوسع سياسة سلام. ذلك حتى بانوينا ودلماشيا اللتين فتحتا حديثاً ثارتا على رومة، وقتل أهلهما جميع من كان فيهما من الرومان، وأعدتا جيشاً مؤلفاً من مائتي ألف رجل وهددتا إيطاليا نفسها بالغزو. واسرع تيبيريوس فعقد الصلح مع القبائل الألمانية، وسار على رأس قواته القليلة إلى بانونيا، واستطاع بصبره وخططه العسكرية الفنية حتى يستولي على محصولات البلاد أويتلفهما فيحرم العدومن مصادر تموينه، كما استطاع بحرب العصابات حتى يمنعه من إنتاج محصولات جديدة، وعمل في الوقت نفسه على حتى يوفر المؤن لجنوده.وأصر على العمل بهذه السياسة ثلاث سنين رغم ما وجه إليهِ من النقد في بلاده، حتى نال أخيراً بغيته، فرأى الثوار الجياع يلقون أسلحتهم، وبسط هوالسلطة الرومانية من حديث على ربوع البلاد. ولكن وقع في تلك السنة نفسها (9 ب.م) حتى نظم أرمنيوس الثورة في ألمانيا، وأسقط فيالق فاروس الروماني في كمين، وقتل جنودها عن آخرها إلا من انتحر بإلقاء نفسه على سيفه مثل فاروس نفسه. ولما سمع أغسطس بهذا النبأ "تأثر أشد التأثير" كما يقول سوتونيوس. وظل عدة شهور لا يحلق لحيته ولا يقص شعر رأسه، وكان في بعض الأحيان يضرب الباب برأسه ويصيح بأعلى صوته: "أي كونتليوس فاروس أعد إليَّ فيالقي!" وأسرع تيبيريوس إلى ألمانيا، وأعاد فيها تنظيم الجيش، وصد هجمات الألمان، ورد حدود الدولة الرومانية، بناء على أوامر أغسطس إلى نهر الرين.

وكان هذا قراراً خسر فيهِ أغسطس شطراً كبيراً من كبريائه، ولكنه دل على حكمته وحصافة عقله. وقد أسلمت ألمانيا بمقتضاه إلى "البربرية" أي إلى ثقافة غير رومانية ولا يونانية، وهجرت حرة تسلح سكانها المتزايدين لمحاربة رومة. على حتى الأسباب التي حملت الرومان على السعي لفتح ألمانيا كان من شأنها حتى تتطلب منهم إخضاع سكوذيا-أي جنوبي الروسيا. ولكنهم لم يعملوا لأن الإمبراطورية يجب حتى يقف امتدادها في مكان ما؛ وكان نهر الرين حداً للدولة خيراً من أي حد آخر غرب جبال أورال. هذا إلى حتى أغسطس بعد حتى ضم أسبانيا الشمالية والغربية، وريشيا، ونوركم، وبامونيا، وموزيا، وجلاتيا، وليسيا، وبمفيليا شعر بأنه قد استحق بأعماله لقب "الإله المكثر". وكانت الإمبراطورية حين وفاته تضم مساحة قدرها 3.340.000 ميل مربع أي أكثر من مساخة الولايات المتحدة في القارة الأمريكية، وكانت تعادل مساحة رومة قبل الحروب البونية مائة مرة. ونصح أغسطس خليفته بأن يقنع بهذه الإمبراطورية وهي أعظم إمبراطورية شهدها التاريخ حتى ذلك الوقت، وأن يوجه همه إلى توحيدها وتقويتها في الداخل بدل حتى يوسعها في الخارج، وأظهر دهشته من حتى "الإسكندر لم يرد حتى تنظم الإمبراطورية التي أنشأها أصعب من كسبها". وبهذا بدأت السلم الرومانية Pax Romana.

عهد الرخاء

لا يمكن حتى ينطق عن أغسطس إنه "فر من الميدان وسمى هذا الفرار سلماً"؛ ذلك أنه لم يكد تمضِ عشر سنين بعد معركة اكتيوم حتى انتعشت بلاد البحر الأبيض المتوسط انتعاشاً لم يضارعه في سرعته انتعاش قبله. وقد كانت عودة النظام في حد ذاتها باعثاً قوياً على هذا الانتعاش؛ وكيف يتمنع الرخاء من إجابة هذه الدعوة الإجماعية التي يتقدم بها إليه ما عاد إلى البحر من أمن وسلامة، وإلى الحكومة من الاستقرار، مضافاً إلى استمساك أغسطس بالقديم الموروث وتحفظه، وإلى استهلاك كنوز مصر المدخرة، واستغلال المناجم الجديدة، وإنشاء دور سك جديدة، وإلى ثقة الأهلين بالنقد وسرعة تداوله، وكعالجة الزحام في إيطاليا بإقطاع الأهلين أرضاً يفلحونها، وبنقلهم إلى أراضي المستعمرات،يا ترى؟ ومن القصص المأثورة في هذا الصدد حتى جماعة من بحارة الإسكندرية نزلوا في بتيولي، وكان أغسطس قريباً منها، فأقبلوا في ملابسهم الزاهية وأهدوا إليهِ البخور كما يهدى البخور إلى الآلهة، ونطقوا له إنهم استطاعوا بفضله حتى يسيروا في البحر آمنين، وأن يتاجروا واثقين، وأن يعيشوا سالمين. ولم يكن اغسطس، وهوحفيد رجل مصرفي، يخالجه أدنى شك في حتى خير سياسة اقتصادية هي السياسة التي تجمع بين الحرية والأمان.

ومن أجل ذلك وفر الحماية لجميع طبقات الأمة بسن القوانين، وبالدقة في تطبيقها؛ ووضع في الطرق العامة حراسة قوية، وأقرض ملاك الأراضي المال من غير فائدة ؛ وهدأ ثائرة الفقراء بما وزعه عليهم من قمح الدولة، و"بالقرعة" والهدايا بعض الاحيان. أما فيما عدا هذا فقد هجر للمشروعات الخاصة، والإنتاج، والتبادل، حرية أوسع مما كان لها من قبل. عل حتى الأعمال التي تديرها الدولة كانت مع هذه الحرية كثيرة متنوعة إلى حد لم تبلغه من قبل، وكان لها شأن أيما شأن في إنعاش الحياة الاقتصادية؛ فقد شُيد في خلال هذه المدة اثنان وثمانون هيكلاً، وأنشئت سوق عامة جديدة وباسلقا جديدة لتيسير الأعمال المالية وأعمال المحاكم، وأقيم بناء حديث لمجلس الشيوخ بدل البناء الذي احترق فيهِ كلوديوس؛ وشُيدت صفوف الأعمدة لتخفيف حرارة الشمس، وأكمل الملهى الذي بدأه قيصر وسمّي باسم مرسلس زوج ابنة أغسطس؛ واستحث الإمبراطور الأثرياء على حتى ينفقوا بعض أموالهم في تجميل إيطاليا بالباسلقات، والهياكل، ودور الخط، والملاهي، والطرق.

ويقول ديوكاسيوس إنه "أمر الذين يحتفلون بالنصر حتى ينفقوا مغانمهم في تشييد مباني عامة تخلد ذكرى أعمالهم". وكان أغسطس يرجومن وراء ذلك حتى يجعل عظمة روما في ازدياد سلطانه ورمزاً لهذا السلطان. ومن أقواله في آخر أيامه أنه عثر رومة مدينة من اآجر ثم هجرها وهي من الرخام ؛ وذلك مغالاة تُغتفر لقائلها، فقد كان فيها قبل أيامه كثير من الرخام، وبقي فيها من بعدهِ كثير من الآجر، ولكن الحقيقة أنه قلما عمل رجل لمدينة ما عمله أغسطس لرومة. وكان ساعده الأيمن في إعادة بناء رومة ماركس فسيانيوس أجربا Marcus Vispanius Agrippa. وكان صديقه هذا قد اشهجر مع ماسنياس في تطبيق سياسة أغسطس. ولما كان أجربا إيديلاً عام 33 ق.م ضم الجماهير إلى جانب أكتافيان بأن فتح لهم 170 حماماً، ووزع عليم الزيت والملح بلا ثمن، وأقام لهم ألعاباً عامة دامت خمسة وخمسين يوماً، وعين حلاقين لجميع المواطنين من غير أجور-ولعله أنفق ما تطلبه هذا كله من ماله الخاص. وكانت كفايته خليقة بأن تجعله فيصراً ثانياً؛ وكنه فضل حتى يخدم أغسطس مدى جيل كامل. ومبلغ فهمنا أنه لم يرتكب إثماً يشين حياته العامة أوالخاصة، فقد هجره المغتابون الرومان، الذين لم يهجروا أحداً غيره إلا سلقوه بألسنة حداد، دون حتى يمسوه بنطقة سوء.

وكان هوأول روماني استوعب ما للقوة البحرية من خطر عظيم، فوضع خطة لإنشاء عمارة بحرية وأنشأها، وتولى قيادتها، وهزم بها سكستس بمبي، وطهر البحر من القراصنة، وكسب العالم لأغسطس في معركة أكتيوم. وعُرض عليهِ ثلاث مرات حتى يقام له موكب نصر بعد هذه الفوزات الرائعة، وبعد حتى هدأ أسبانيا وغالة والمملكة اليسبورية، ولكنه رفض في جميع مرة. وقد وهبه زعيمه ثروة طائلة اعترافاً منه بفضلهِ، ولكنه ظل رغم هذه الثروة يعيش عيشة خالية من البذخ والترف. وبذل جهوده كلها في إقامة المنشآت العامة كما بذلها من قبل في خفظ كيان الدولة، فكان يستأجر بماله الخاص مئات من العمال لإصلاح الطرقن والمباني، والمجاري العامة، وإعادة فتح قناة مارسيس المغطاة. وأنشأ هوقناة من نوعها جديدة، هي قناة يوليوس، وأصلح وسائل أعطى رومة بالماء باحتفار سبعمائة بئر وإنشاء خمسمائة عين فوّارة، ومائة وثلاثين خزاناً. ولما شكا الناس من ازدياد أثمان النبيذ أجابهم أغسطس بدهائهِ المعروف: "لقد عمل صهري أجربا على ألا تظمأ رومة أبداً". وأنشأ أجربا، وهوأعظم المهندسين الرومان بلا منازع، مرفأ واسعاً عظيماً، ومركزاً لبناء السفن بإيصال بحيرتي لكريتس وأفرنس بالبحر. وهوالذي أنشأ أول الحمامات العامة الرائعة الفخمة، التي امتازت بها رومة فيما بعد على سائر مدن العالم. وشاد من ماله الخاص هيكلاً لفينوس والمريخ أعاد بناءه هدريان وهوالمعروف لنا بهيكل الآلهة Pantheon في هذه الأيام، ولا يزال يظهر عليهِ حتى الآن هذه العبارة M. AGRIPA...PECIT. ونظم أعمال مسح أراضي الإمبراطورية مرة جميع ثلاثين عاماً، وخط رسالة في الجغرافية، ورسم للعالم خريطة ملوّنة على الرخام.

وكان مثل ليوناردودافنشي عالماً طبيعياً، ومهندساً، ومخترعاً للمقذوفات الحربية وفنّاناً. وكان موته المبكر وهوفي سن الخمسين (12ق.م) من الأحزان الكثيرة التي عكرت صفاء سني أغسطس الأخيرة. وقد زوجه أغسطس بابنته يوليا، وكان يرجوحتى يرث الإمبراطورية من بعدهِ لأنه خير مَن يستطيع حتى يحكمها حكماً صالحاً نزيهاً شريفاً. وكانت المنشآت العامة الكثيرة النفقة، مضافة إلى الخدمات الواسعة التي تقوم بها الحكومة سبباً في زيادة المصروفات العامة زيادة لم يكن لها نظير من قبل. ذلك حتى المرتبات كانت تؤدي وقتئذ للموظفين في الولايات وفي المدن، وللحكام ورجال الشرطة؛ وكان يقوم على حراسة البلاد جيش قوي دائم وأسطول ضخم، وكانت المباني العامة التي لا عداد لها تشاد أوتُصلح، وكان العامة يرشون بالحبوب والألعاب ليظلوا هادئين. وإذ كانت هذه النفقات كلها إنما تؤدى من الإيرادات العادية، ولم تحمل الأجيال التالية بدين أهلي ما، فقد أصبحت الضرائب في أيام أغسطس فهماً وصناعة دائمة. ولم يكن أغسطس نفسه بالرجل الصلب الذي لا يلين، فكثيراً ما أعفى الأفراد المأزومين والمدن المأزومة من الضرائب أوأداها من ماله الخاص. وأعاد إلى البلديات خمسة وثلاثين ألف رطل من المضى قدمت إليهِ "هدية تتويج"، حينما اختير قنصلاً للمرة الخامسة، ورفض هبات أخرى كثيرة ، وألغى ضريبة الأراضي التي فرضت على إيطاليا في أثناء الحرب الأهلية؛ وفرض بدلاً منها على جميع سكان الإمبراطورية ضريبة مقدارها خمسة في المائة على الأموال التي يوصى بها لأي إنسان عدا الأقارب الأدنين والفقراء ، كما فرض ضريبة مقدارها واحد في المائة على المزادات العامة، وأربعة في المائة من أثمان الأرقاء، وخمسة في المائة عند تحريرهم، وقرر عوائد جمركية تتراوح بين اثنين ونصف وخمسة في المائة على جميع البضائع الواردة إلى جميع المواني تقريباً.

وكان سكان المدن جميعاً يؤدون ضرائب للبلديات، ولم تكن الأملاك الرومانية معفاة من الضرايبة كما كانت الأراضي الإيطالية. وكانت الضرائب تؤدى على الماء المستمد من القنوات العامة. وكان ولج الخزانة كبيراً من تأجير الأراضي العامة، والمناجم، ومصائد الأسماك، واحتكار الدولة للملح، ومن الغرامات التي تفرضها المحاكم. وكانت الولايات تؤدي ضريبة على الأراضي Tributum Soli، وضريبة الفرضة Tributum Capitis، ومعناها الحرفي ضريبة على الرؤوس، ولكنها كانت في واقع الأمر ضريبة على الأملاك الشخصية. وكانت الضرائب تجمع في خزانتين في رومة كلتاهما في معبد، وهما الخزانة الأهلية (Aerarium) التي يشرف عليها مجلس الشيوخ، والخزانة الإمبراطورية (Fiscus) التي كان يملكها ويديرها الإمبراطور . وكانت ترد إلى الخزانة الثانية الأموال من أملاك الإمبراطور الخاصة، ومن الأموال التي يوصي بها الخيرون والأصدقاء. وبلغ ما تجمَّع من هذه الوصايا في أيام أغسطس 1.400.000.000 سسترس. ويمكن القول بوجه عام إذا الضرائب في أيام الزعامة لم تكن فادحة، وإن ما أنفقت فيهِ حصيلتها إلى عهد كمادوس كان يبرز ما عاناه الناس في أدائها. وقد عم الرخاء الولايات وأقام الأهلون مذابح لأغسطس الإله شكراً له أوتطلعاً إلى ما يفترض أن يأتيهم بهِ من خير. وقد أضطر في رومة نفسها لأن يعنف الناس على إسرافهم في مديحهِ. ومن أمثلة هذا الإسراف حتى أحد المتحمسين أخذ يجري في شوارع المدينة ويدعورجالها ونساءها لأن "يهبوا" حياتهم لأغسطس؛ أي حتى يبتروا على أنفسهم عهداً بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. وحدث في عام 2 ب.م. حتى اقترح مسالا كرفينس Messala Corvinus الذي استولى على معسكر أكتافيان في فلباي حتى يمنح أغسطس لقب "أبي البلاد". ولشد ما اعغتبط مجلس الشيوخ بمنح الإمبراطور هذا اللقب وكثيراً غيره من ألقاب الثناء والتكريم، فقد سره ألا يتحمل إلا القليل من تبعة الحكم، وأن يحتفظ مع ذلك بالثراء ومظاهر الشرف. وكانت طبقة رجال الأعمال التي زادت ثروتها كثيراً عن ذي قبل تحتفل بذكرى مولده احتفالاً يدوم يومين كاملين في جميع عام. ويقول سوتونيوس "إن الناس جميعاً على اختلاف أصنافهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا في اليوم الأول من شهر يناير"-أي في عيد رأس السنة. ولما حتى دمرت النيران قصره القديم تبرعت إليهِ جميع مدينة في الإمبراطورية بمقدار من المال ليستعين بهِ على إعادة بنائه، ويبدوحتى جميع قبيلة وكل نقابة عملت هي الأخرى مثل ما عملت المدن. وأبى حتى يأخذ من أي فرد أكثر من دينار واحد، ومع ذلك فقد حصل على ما يكفي لبناء القصر وزيادة. وقصارى القول حتى جميع بلاد البحر الأبيض المتوسط قد أحست بالسعادة بعد محنتها الطويلة، وكان في وسع أغسطس حتى يعتقد أنه استطاع بصبره حتى ينجز العمل العظيم الذي أخذ على عاتقه حتى ينجزه.

إصلاحات أغسطس

لقد أشقى أغسطس نفسه إذ حاول حتى يصلح قلوب الناس ويسعدهم معاً، وكان ذلك تطاولاً منه لم تغفره له رومة أبداً، ذلك حتى إصلاح الأخلاق أشق أعمال الحكام وأكثرها دقة وخطورة، وقل من الحكام من جرؤ على محاولته، وقد هجره أكثرهم للمنافقين أوالقديسيين. وبدأ أغسطس هذا الإصلاح بداية متواضعة لوقف تيار الانقلاب العنصري في رومة. ذلك حتى سكان رومة لمقد يكونوا يتناقصون كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل كان هؤلاء السكان يزدادون زيادة مطردة بفضل المغريات الكثيرة، وما كان يوزع عليهم من الأرزاق وما يستورد من الثروة ومن الرقيق. وإذ كان المحررون ينالهم نصيبهم من الأرزاق التي توزعها الدولة، فقد أعتق كثيرون من المواطنين عبيدهم السقمى أوالطاعنين في السن لكي تطعمهم الدولة، وحرر أكثر من هؤلاء لبواعث إنسانية، كما استطاع كثيرون منهم حتى يقتصدوا من المال ما يبتاعون بهِ حريتهم. وإذ كان أبناء المحررين يصبحون مواطنين رومانيين من تلقاء أنفسهم، فقد تضافر تحرير الأرقاء وتكاثر الغرباء مع قلة تناسل عناصر السكان الأصليين على تبديل الطابع العنصري لسكان رومة. وكان أغسطس يشك في إمكان استقرار أحوال بلد يسكنه هذا الخليط المختلف العناصر من الأهلين، ويرتاب في ولاء هؤلاء السكان إلى الإمبراطورية وهم الذين تجري في عروقهم دماء الشعوب المغلولة على أمرها. لذلك عمل على قانون فوفيا كانينيا Lex Fufia Caninia (2 ب.م) وغيره من القوانين التي تبيح لكل من يملك عبداً أوعبدين لا أكثر حتى يعتقه أويعتقهما جميعاً، ولمن يملك-ثلاثة عبيد إلى عشرة حتى يعتق نصفهم، ومن يملك أحد عشر إلى ثلاثين حتى يعتق ثلثهم، ومن يملك واحداً وثلاثين إلى مائة حتى يعتق ربعهم، ومن يملك مائة عبد وعبد إلى ثلثمائة حتى يعتق خمسهم، والتي لا تبيح لسيد حتى يعتق أكثر من مائة من عبيده. وقد يتمنى الإنسان حتى لوحدد أغسطس اقتناء العبيد لا تحريرهم. ولكن القدماء كانوا يرون الاسترقاق قضية مسلماً بها لا تحتمل جدلاً، ولوأنه طلب إليهم حتى يحرروا العبيد جملة لنظروا إلى ما ينجم عن هذا العمل من النتائج الاقتصادية والاجتماعية نظرة الرعب والهلع، كما يخشى أصحاب الأعمال في وقتنا الحاضر ما عساه حتى ينجم عن الضمان الاجتماعي للعمال من تراخٍ في العمل وقلة في الإنتاج. لقد كان تفكير أغسطس قائماً على المصالح العنصرية ومصلح الطبقات، ولم يكن في مقدوره حتى يرسم في ذهنهِ صورة لرومة القوية لا يتصف أفرادها بالخلق والشجاعة والمقدرة السياسية التي كان يمتاز بها الرومان الأقدمون بوجه عام والأشراف الأقدمون بوجه خاص. وكان ضعف العقيدة الدينية القديمة بين الطبقات العليا سببا في القضاء على ما كان للزواج والوفاء والأبوة من حرمة وقداسة، وكانت هجرة الناس من الأرياف إلى المدن قد جعلت الأطفال عبئاً ثقيلاً على آبائهم أولعباً يتسلون بها على أحسن تقدير، بعد حتى كانوا مصدر كسب لهم. واشتدت رغبة النساء في التجمل واجتذاب الأموال بعد حتى كن يرين حتى خير زينة لهن هي إنجاب الأبناء. وقصارى القول حتى الرغبة في الحرية الفردية بدت في ذلك الوقت مجانية لحاجات العنصر الروماني الأصيل. ومما زاد الطين بلة حتى السعي وراء الهبات والوصايا أضحى وقتئذ أكثر الأعمال ربحا حقيقياً في إيطاليا. فقد كان الرجال الذين لا أبناء لهم إذا بلغوا فترة العمر الأخيرة يجدون أحسن الترحيب في بيوت لهم أبناء، يستقبلون فيها ويطعمون، وكان كثير من الرومان يحبون هذه المتعة وهذا النوع من الحياة اللينة، حتى أصبحت سبباً آخر من مسببات العقم. يضاف إلى هذا حتى طول سني الخدمة العسكرية حال بين كثيرين من الشبان وبين الزواج في أكثر سني العمر صلاحية له. وامتنع كثيرون من الرومان الأصليين عن الزواج بتاتاً، وفضلوا الاتصال بالعاهرات أواتخاذ السراري والعشيقات حتى على تعدد الزوجات متفرقات. ويلوح حتى الكثرة العظمى من المتزوجين عمدت إلى تحديد عدد أفراد أبنائها باللجوء إلى إجهاض الزوجات وقتل الأطفال ومنع الحمل.

وأقلقت هذه المظاهر وأمثالها من مستلزمات الحضارة بال أغسطس وأقضّت مضجعه، وبدأ يشعر حتى لابد من العودة إلى العقائد والأخلاق القديمة. وعاد إليهِ بعد حتى صفا ذهنه وأنهك جسمه بعمل السنين احترامه لتراث الآباء والأجداد، فأخذ يشعر حتى ليس من المصلحة في شيء حتى ينفصل عن الماضي انفصالاً تاماً، بل الواجب حتى تعمل الأمة-إذا أرادت لنفسها حياة حياة سليمة سليمة-على استمرار تنطقيدها الماضية، كما يجب على الفرد حتى تكون له ذاكرة. ولذلك أخذ يقرأ بجد أكسبته إياه السنون تواريخ رومة القديمة ويعجب بالفضائل التي يعزوها المؤرخون إلى أهلها، ويحسدهم عليها, وأشد ما كان يعجب بخطبه كونتس متلس في الزواج، فتلاها في مجلس الشيوخ وأصدر أمراً إمبراطورياً بإذاعتها بين طبقات الشعب. وكان كثيرون من رجال الجيل القديم يتفقون معه في آرائه فألفوا من بينهم حزباً متزمتاً شديد الرغبة في تقويم الأخلاق عن طريق التشريع؛ وأكبر الظن حتى ليفيا Livia أمدتهم بنفوذها. واستخدم أغسطس ماله من حقوق بوصفهِ رقيباً وتربيوناً فأصدر طائفة من القوانين-أولعله حمل الجمعية على إصدارها-تهدف كلها إلى تقويم الأخلاق، وتشجيع الزواج، والوفاء بين الأزواج، والأبوة الصالحة، والحياة البسيطة، والعودة بها إلى السنن القديمة. وحرمت هذه القوانين على المراهقين-والمراهقات-أن يحضروا دور اللهوالعامة في صحبة الكبار من أقاربهم؛ ومنع النساء من مشاهدة الاستعراضات الرياضية، وقصر أماكنهم في المجتلدات على المقاعد العليا؛ ثم حدد مقدار ما ينفق من المال في البيوت، وعلى الخدم، والولائم، والزواج، والجواهر، والملابس. وكان أبرز هذه "القوانين اليوليائية" كلها "القانون اليوليائي الخاص بالعفة ومنع الزنى "Lex Julia de Pudicitia et de Coercendis Adulterus" (18ق.م).

وبهذا القانون وضع الزواج لأول مرة في التاريخ الروماني تحت حماية الدولة بعد حتى كان متروكاً لسلطة الآباء في أسرهم Patria Potestas، واحتفظ الأب بحقهِ في اغتال ابنتهِ الزانية هي وشريكها ساعة حتى يضبطهما متلبسين بهذه الجريمة، وأجيز للزوج حتى يقتل عشيق زوجته إذا ضبطه في منزلهِ، أما زوجته فلم يكن له حتى يقلها إلا إذا ارتكبت الفحشاء في بيتهِ هو. وكان يطلب إلى الزوج الذي يكشف عن خيانة زوجته حتى يأتي بها إلى المحكمة في خلال ستين يوماً من هذا الكشف؛ فإذا لم يعمل هذا كان يُطلب إلى والد الزوجة حتى يقوم هوبهذا العمل؛ فإذا لم يعمل الوالد نفسه ذلك جاز لأي مواطن حتى يتهمهما. وكان عقاب المرأة الزانية حتى تُنفى من البلاد طوال حياتها، وأن تجرّد من ثلث ثروتها ومن نصف بائنتها، وأن يُحرم عليها الزواج مرة أخرى. وقد قُررت هذه العقوبات نفسها على الزوج الذي يتغاضى عن زوجته الزانية. غير أنه لم يكن من حق الزوجة حتى تتهم زوجها بالزنى، فقد كان له حتى يتصل بالعاهرات الرسميات المسجلات دون حتى يعاقبهُ القانون على هذا الاتصال. ولم يكن هذا القانون يطبق إلا على المواطنين الرومان. وأكبر الظن حتى أغسطس سن حوالي ذلك الوقت قانوناً آخر يُعهد عادة باسم القانون اليوليائي الخاص بالزواج بين الطبقات Lex Julia de Maritandis Ordiniyrdus ذلك لاحتوائهِ على فصل خاص بالزواج بين الطبقات أي بين الطبقتين العليين. وكان الهدف الذي يرمي إليهِ مزدوجاً، فقد كان يرمي إلى تشجيع الزواج وإلى تحديده معاً، وذلك لأنه كان يعطل امتزاج الدم الروماني بالدم الغريب ، ويعيد إلى الزواج فكرته الأولى فكرة الاتحاد لإنجاب الأبناء. وكانت السبيل التي سلكها القانون للوصول إلى هذين الهدفين هي فرض الزواج على جميع الصالحين له من الرجال إذا كانوا أقل من سن الستين، وعلى الصالحات له من النساء إذا كن أقل من الخمسين. وألغيت الوصايا التي كانت تشترط في الموصى له حتى يظل عزباً؛ وفرضت عقوبات على العزاب: فحرموا من الميراث عدا ميراث الأقارب إلا إذا تزوجوا في خلال مائة يوم بعد وفاة الموروث؛ كما مُنعوا من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة. ولم تكن الأرامل أوالمطلقات يرثن إلا إذا تزوجن مرة أخرى في خلال ستة شهور من موت الزوج في الخالة الأولى ومن الطلاق في الحالة الثانية.

وحرمت العنس والزوجة العقيم من الميراث إذا بلغت الخمسين من عمرها، أوكانت أصغر من ذلك وكانت تملك خمسين الف سسترس (75000 ريال أمريكي). وحرم على الرجال من طبقة أعضاء مجلس الشيوخ حتى يتزوجوا من المحرَّرات أوالممثلات أوالعاهرات، كما حرم على الممثل والمحرَّر حتى يتزوج ابنة من طبقة أعضاء مجلس الشيوخ. وفرضت على النساء اللاتي يمتلكن أكثر من عشرين ألف سسترس حتى يؤدين ضريبة سنوية قدرها 1% من أموالهن حتى يتزوجنَ، ثم تخفض هذه الضريبة بالتدريج حدثا رزقن ابناً، فإذا رزقن الطفل الثالث حملت الضريبة عنهن، وإذا كان لأحد القنصلين أبناء أكثر من زميله تقدم عليهِ. وكان يفضل في تولي المناصب العامة أكبر المتقدمين إليها أسراً متى كان صالحاً لتولي المنصب. وكان من حق الأم ذات الثلاثة الأبناء حتى ترتدي جلباباً خاصا Ius Trium Liberorum وأن تحرر من سيطرة زوجها عليها. وقد أغضبت هذه القوانين الطبقات جميعها حتى طبقة المتزمتين، فقد اشتكى هؤلاء من حتى "حق الثلاثة الأبناء" قد حرر الأم من سلطان الرجل تحريراً شديد الخطورة. ومن الرجال من أخذوا يبررون عدم الزواج بقولهم إذا "المرأة الحديثة" قد تطرفت في استقلالها، وغطرستها، ونزقها، وإسرافها. وكانوا يرون حتى حرمان العزّاب من مشاهدة المعارض والألعاب العامة عقاب قاس محال التطبيق، ولهذا أمر أغسطس بإلغائهِ في عام 12ق.م؛ ثم خففت القوانين اليوليائية مرة أخرى بمقتضى قانون بُبْيَا بُبّيَا Popia Poppea، وذلك بتخفيف شروط الميراث على العزّاب، وبمضاعفة الفترة التي تستطيع الأرامل والمطلقات في أثنائها حتى يرثن قبل حتى يتزوجن مرة أخرى، وبزيادة القدر الذي يستطيع حتى يرثه مَن لا أبناء لهُ.

ثم أعفيت أمهات الأبناء الثلاثة من القيود التي وضعها قانون فوكونيا Lex Voconia على الوصايا للنساء. وخفضت السن المحددة للتقدم للمناصب العامة بنسبة حجم أسرة من يتقدم لهذه المناصب. ولاحظ الناس بعد حتى سُنت هذه القوانين حتى القناصل الذين وضعوا صيغتها وأطلقوا أسماءهم عليها عزّاب لا أبناء لهم. وأصناف النمامون إلى ذلك حتى الذي اقترح هذه القوانين على أغسطس-وهوالذي لم يكن له إلا ولد واحد-هوماسناس الذي لم يكن له ولد، وأنه في الوقت الذي سنت فيهِ كان ماسناس يعيش عيشة الترف والخنوثة، وكان اغسطس يغوي زوجة ماسناس على الفحشاء(19). وليس في وسعنا حتى نحكم على أثر هذه الشرائع التي تعد أبرز الشرائع الاجتماعية في التاريخ القديم، ولكننا لا نستطيع حتى نقول إنها لم تسن بالعناية والدقة الواجبتين، وإن من أرادوا خرقها كانوا يجدون فيها كثيراً من الثغرات؛ فمنهم من تزوجوا إطاعة للقانون ثم ما لبثوا حتى طلقوا زوجاتهم؛ ومنهم من يبنّوا أطفالاً ليحصلوا بذلك على المناصب أوالوصايا، ثم "حرروهم"-أي طردوهم من ديارهم بعدئذ. وأعرب تاستس بعد قرن من ذلك الوقت حتى هذه الشرائع أخفقت في الغرض الذي كانت ترمي إليهِ: "فالزواج وإنجاب الأبناء لم يزيدا على ما كانا عليهِ من قبل، وذلك لأن مغريات عدم النسل مغريات عظيمة القوة". ولم ينبتر الفساد الخلُقي وإن أصبح الناس أكثر تأدباً فيهِ عما كانوا من قبل؛ ونتبين من أقوال أوفد أنه كان في طريقه إلى حتى يصير فناً من الفنون الجميلة، وموضوعاً يعني مهرة الخبراء بتعليمه للمبتدئين. والحق حتى أغسطس نفسه كان يرتاب في قوة هذه الشرائع. وكان يتفق مع هوراس في حتى القوانين عبث لا طائل منه إذا لم تتغير القلوب.

ولقد كافح كفاح الأبطال ليصل إلى قلوب الناس؛ فكان يعرض من مقصورتهِ في ساحة الألعاب أبناء جرمنيكوس الكثيرين، وكان جرمنيكوس مضرب المثل في الأبوة؛ وكان يهب ألف سسترس للآباء ذوي الأسر الكبيرة ؛ وأقام نصباً تذكارياً لأَمة ولدت خمسة أبناء (وهي لم تعمل ذلك من طبيعة الحال لبواعث وطنية) ؛ ولشد ما اغتبط حين رأى فلاحاً يأتي راجلاً إلى رومة ومن ورائهِ ثمانية أبناء، وستة وثلاثون حفيداً، وتسعة عشر من أبناء أحفاده. ويصوره ديوكاسيوس يخطب في الناس ويشهر "بانتحار العنصر" الروماني الأصيل. وكان يلذ له حتى يقرأ مقدمة تاريخ ليفي الأخلاقية، ولعله هوالموحي بها. وقد أصبحت الآداب في عصرهِ وبتأثيرهِ آداباً تعليمية عملية الصبغة، وأقنع بنفسهُ أوعن طريق ماسيناس فرجيل وهوراس بأن يستخدما شعرهما في النادىية إلى الإصلاح الخلقي والديني، فحاول فرجيل في كتاب الزراعة Georgics حتى يعيد الرومان بأغنيهِ إلى المزارع، كما حاول في الإنياذة Aeneid حتى يجتذبهم إلى الآلهة القدامى. أما هوراس فبعد حتى ذكر أمثلة كثيرة لمسرات العالم حول أغانيهِ إلى الموضوعات الراقية. وأقام أغسطس في عام 17ب.م "الألعاب القرنية Ludi Saeculares -التي ظلت قائمة ثلاثة أيام، وضمت حفلات، ومباريات، واستعراضات؛ وقد أقامها احتفالاً بعودة عصر زحل المضىي، وكلف هوراس حتى يخط Carmen Saecular لكي يغنيها في الموكب سبعة وعشرون فتى ومثلهم من الفتيات. وحتى الفن نفسهُ قد استخدم للإشارة إلى الأخلاق، فقد مُثلت في نقش أراباسس Ara Pacis البارز الجميل حياة رومة وحكومتها؛ وشُيدت المباني العامة لتمثيل قوة الإمبراطورية وعظمتها، وأقيمت عشرات الهياكل لتستثير في قلوب الناس ذلك الإيمان الذي كاد يموت. واقتنع أغسطس في آخر الأمر-وهوالرجل المتشكك الواقعي-بأن إصلاح الأخلاق لا بد حتى ينتظر نهضة دينية. ذلك حتى جيل المتشككين أمثال لكريشيوس وكانلس وقيصر كان قد مضى وانقضى، وأدرك أبناء هذا الجيل حتى خشية الآلهة هي شباب الحكمة، بل إذا أوفد الساخر نفسهُ أخذ يخط بعد قليل من ذلك الوقت على طريقة فلتير: "إن مسببات الرحمة للإنسان حتى تكون هنالك آلهة، وأن نعتقد بوجودها Expenditesses Deos et Un Expedit Esse Putemuse ".

وكانت عقول المتحفظين تعزومسببات الحرب الأهلية وما جرته على الدولة من كوارث إلى إهمال الدين، وما استتبع هذا الإهمال من غضب آلهة السماء. وأصبح الناس الذين حل بهم عقاب الآلهة في جميع مكان من إيطاليا على استعداد لأن يعودوا إلى مذابح البلاد القديمة، وأن يسبحوا بحمد الآلهة الذين أبقوا عليهم ليستمتعوا بعودة الدين إلى سالف عهدهِ السعيد. ولما خلف أغسطس لبدس Lepidus الفاتر الإيمان-بعد حتى ظل صابراً زمناً طويلاً يترقب موته-لما خلفه من منصب الكاهن الأكبر "احتشدالناس من كافة أنحاء إيطاليا لينتخبوني لهذا المنصب حتى بلغ عددهم حداً لم يبلغ مثله في رومة من قبل"(28). وتزعم هوحركة إحياء الدين وسار على بهجها، وكان يرجوحتىقد يكون الناس أكثر قبولاً لإصلاحاتهِ السياسية والأخلاقية إذا ما ربطها رباطاً وثيقاً بالآلهة الرومانية. ومن أجل هذا حمل مقام الجماعات الأربع الكهنوتية، وزاد ثروتها إلى حد لم يكن له مثيل في الأيام السلفة، واختار نفسه عضواً في جميع منها، واضطلع بواجب اختيار أعضائها الجدد، وكان يحرص جميع الحرص على حضور اجتماعاتها ويشهجر في مواكبها الفخمة الرهيبة.

ثم حرم ممارسة العبادات والطقوس المصرية الآسيوية في روما ، ولكنه استثنى اليهود من ذلك التحريم، وأطلق الحرية الدينية لسكان الولايات، وأغدق الهبات على الهياكل، وجدد الاحتفالات والمواكب والأعياد الدينية القديمة. ولم تكن الألعاب القرنية احتفالات دنيوية كما يظن لأول وهلة، فقد كانتت تقام في جميع يوم من أيامها الثلاثة طقوس وتتلى فيهِ أناشيد، أبرز ما تُشعر بهِ عودة صلات الود الوثيقة بالآلهة. ولما حتى تغذت العبادات القديمة بهذه المعونة الملكية العليا سرت فيها حياة جديدة ومست من حديث شغاف قلوب الناس وآمالهم السماوية. ومن أجل هذا ظلت ثلاثة قرون صامدة للفوضى الناشئة من العبادات المتعارضة التي تسربت إلى رومة بعد أيام أغسطس. ولما حتى ماتت بعد هذه القرون الثلاثة عادت من فورها إلى الحياة من جديد، وإن اتخذت لها رموزاً جديدة وتسمت بأسماء جديدة. وكان أغسطس نفسهُ من أكبر المنافسين لآلهتة، وكان قيصر قد ضرب له المثل في هذا التنافس: ذلك حتى مجلس الشيوخ اعترف بألوهية قيصر بعد عامين من مقتله، وما لبثت عبادته حتى انتشرت في سائر أنحاء الإمبراطورية. وكانت بعض المدن الإيطالية منذ عام 36ق.م قد أفسحت لأكتافيان مكاناً بين معبوداتها؛ وما وافى عام 27ق.م حتى أضيف اسمه إلى أسماء الآلهة في الترانيم الرسمية التي كانت تنشد في رومة، وحتى أصبح يوم مولده يوماً مقدساً لا عيداً فحسب؛ ولما توفي أصدر مجلس الشيوخ قراراً حتى تعبده رومة من ذلك الوقت وأن تعده من الآلهة الرسمية. وكان ذلك كله يُعد عملاً طبيعياً لا غبار عليهِ عند الأقدمين لأنهم لم يدر بخلدهم قط حتى ثمة تفصل على الدوام بين الآلهة والآدميين؛ فما أكثر ما كانت الآلهة تتخذ لنفسها أشكالاً آدمية، ولقد كان ما لهرقل، وليقورغ والإسكندر، وقيصر، وأغسطس وأمثالهم من عبقرية مبدعة يظهر للشرق المتدين بنوع خاص إعجازاً خليقاً بالتقديس. ألم يعتقد المصريون حتى الفراعنة، والبطالمة، بل وأنطونيوس نفسه أرباب يعبدون،يا ترى؟ ولقد كان عسيراً عليهم حتى يضعوا أغسطس في منزلة تقل عن هؤلاء. ولم يكن الأقدمون وهم يعملون هذا من الغفلة والبلاهة بالدرجة التي يرميهم بها من يعملون عملهم في هذه الأيام؛ فلقد كانوا على فهم تام بأن أغسطس بشر، فإذا ألهوا روحه أوأرواح غيره فإنهم لمقد يكونوا يستعملون لفظ إله Theos, Deus إلا بالمعنى الذي نستعمل نحن فيهِ لفظ قديس في هذه الأيام. والحق حتى تقديس الموتى وليد التألية الروماني، وأن الصلاة للآدمي المؤلفة لم تكن تبدولهم في ذلك أكثر سخفاً مما تبدوالصلاة للقديس في هذه الأيام.

وارتبطت عبادة عبقرية الإمبراطور في البيوت الإيطالية بعبادة أرباب المنازل وعبقرية أبي الأسرة. ولم يكن في هذه العبادة شيء عسير على شعب ظل عدة قرون يؤله الموتى من آبائهِ، ويبني لهم المذابح، ويسمي مقابر أسلافه هياكل. ولما حتى زار أغسطس آسية اليونانية في عام 21ق.م عثر حتى عبادته قد انتشرت فيها انتشاراً سريعاً؛ وكانت النذور تقدم إليهِ والخطب ترحب بهِ بوصفه "المنقذ" و"ناقل الأنباء السارة" و"الإله ابن الإله". ونطق بعض الناس أنه هوالمسيح الذي طال انتظاره أقبل يحمل السلام والسعادة لبني الإنسان(29). وجعلت مجالس الولايات الكبرى عبادته المحور الذي تدور عليهِ احتفالاتها، وعينت مجالس الولايات والبلديات طائفة جديدة من الكهنة يدعون بالأغسطيين لخدمة الإله الجديد. وأبدى أغسطس استيائه من هذا كلهِ، ولكنه قبله آخر الأمر على أنه تمجيد روحي للزعامة، وتقوية للرابطة بين الدين والدولة، وعبادة مشهجرة موحدة بين عقائد مختلفة مفرقة، إلى غير ذلك رضي حفيد المرابي حتىقد يكون إلهاً.

أغسطس الإنسان

تُرى أي رجل هذا الذي ورث ملك قيصر في الثامنة عشرة من عمرهِ، وكان سيد العالم في الحادية والثلاثين. والذي حكم روما نصف قرن من الزمان، والذي شاد أعظم إمبراطورية في التاريخ القديم،يا ترى؟ لقد كان كئيباً جذاباً معاً، ولم يكن أحد أسمج منه، ولكن نصف عالم قد عبده رغم هذه السماجة. وكان ضعيف البنية، لا يمتاز بالشجاعة النادرة، ولكنه كان قادراً على حتى يهزم جميع أعدائه وينظم شؤون الممالك، وينشيء حكومة أفادت على الدولة المترامية الأطراف مدى قرنين من الزمان رخاءً منبتر النظير. وقد استنفذ المثّالون كثيراً من الرخام والبرونز في خلق تماثيل وصوَر له يظهره بهضها في صورة الشاب الجاد المهذب الفخور الوجل، وبعضها في صورة الكاهن المنقبض الصدر، وبعضها قد غطت فيهِ نصف جسمه شارت الملك، وبعضها في ثياب القائد العسكري-فقد اضطر الفيلسوف على كره منه وبمشقة على نفسه حتى يضطلع بواجب القواد. ولكن هذه الصور لا تكشف عن الأمراض التي كان يشكومنها-وإن أوحت بها في بعض الأحيان-وهي الأمراض التي جعلت حربه ضد الفوضى تتأثر في جميع خطوة بكفاحهِ في سبيل صحتهِ. ولم يكن بالرجل الوسيم الخلق، وكان ذا شعر أصفر بلون الرمل، ورأس مثلث عجيب الشكل، وحاجبين مقترنين، وعينين صافيتين نافذتي النظرات؛ ولكن ملامحه مع ذلك كانت هادئة ساكنة-على حد قول سوتنيوس-وقد بلغ هدوؤه وسكونه حداً جعل أحد الغاليين، وكان قد اتى ليغتاله، يبدل نيته ويرتد عنه. وكان ذا جسد حساس يشوبه القوب من آن إلى آن؛ وقد أضعف داء المفاصل ساقه اليسرى فكان يعرج قليلاً، وكان يصاب في بعض الأحيان بنوع من التصلب شبيه بتصلب المفاصل تعجز معه يده اليمنى عن الحركة. وأصيب هووعدد كبير من الرومان في عام 23 ق.م بوباء يشبه التيفوس، وكان يشكومن وجود حصا في المثانة، ولا يستطيع النوم إلا بمشقة، ويعاني في جميع ربيع تمدداً في الحجاب الحاجز، ويصاب بالزكام إذا هبت الريح من الحبوب". وكان شديد التأثر بالبرد، ولذلك كان يلبس في الشتاء "صدرية من الصوف يقي بها صدره، ويلف اللفائف على فخذيهِ وساقيهِ، ويلبس شعاراً وأربعة إشارات وعباءة ثقيلة". ولم يكن يجرؤ على تعريض رأسه للشمس، وكان يتعبه ركوب الخيل، فكان يحمل أحياناً في محفة إلى ميدان القتال.

وظهرت عليهِ آثار الشيخوخة وهوفي سن الخامسة والثلاثين بعد حتى عاش في إحدى الفترات الحاسمة في تاريخ الإنسانية فأصبح عصبياً، معتلاً، سريع التعب، ولم يكن أحد يحلم وقتئذ بأنه سيعيش أربعين سنة أخرى. وجرّب عدداً كبيراً من الأطباء على اختلاف أنواعهم وجزاهم كلهم أحسن جزاء، وكان منهم أنطونينس موسى الذي عالجه من سقم لم يكن معروفاً على وجه التحقيق (ولعله خرَّاج في الكبد) بالكمادات والحمامات، وقد كرم موسى هذا بأن أعفى جميع الأطباء من الضرائب(31). ولكنه كان يعالج نفسه بنفسهِ في أكثر الأحيان، فكاد يعالج داء المفاصل بالاستحمام بالماء المالح الساخن وبالحمامات الكبريتية، وكان يقل من الطعام، ولا يتناول الأطعمة البسيطة الخفيفة كالخبز الخشن، والجبن، والسمك، والفاكهة. وقد بلغ من عنايته بمأكلهِ حتى كان "في بعض الأحيان يتناول طعامه بمفردهِ قبل المآدب أوبعدها، ولا يطعم أويشرب شيئاً في أثنائها"(32). وقصارى القول حتى روحهُ هي التي أبقت على جسمه وحملته حمل الصليب شأنه في هذا شأن القديسين في العصور الوسطى. وكان جوهر طباعه حيويتة أعصابه، وقوة عزيمته، ونفاذ بصيرته، وسعة صدرهِ وحسن تفكيره. وقد قبل من المناصب عدداً يخطئه الحصر، واضطلع بتبعات لم يضطلع أحد بأكثر منها إلا قيصر وحده، وأدى ما تتطلبه هذه المناصب من واجبات بأمانة وذمة، ولم تمنعه هذه الواجبات من حتى يرأس جلسات مجلس الشيوخ بانتظام، وأن يحضر المؤتمرات والاجتماعات، وأن يحكم في مئات من القضايا، وأن يتحمل على مضض حضور المآدب والحفلات، وأن يدبر الحملات الحربية في البلاد النائية، وأن يصرف أموال الفيالق الحربية والولايات، وأن يزورها كلها، وأن يشرف على جميع صغيرة وكبيرة من الأعمال الإدارية في دولاب الحكومة. وفوق هذا كله ألقى مئات الخطب، وأعدها هوحصراً يفخر بهِ على حتى يجعلها واضحة، سهلة، جميلة الأسلوب، وكان يقرؤها بعد إعدادها ويفضل ذلك على حتى يرتجلها حتى لا ينطق بألفاظ يندم عليها بعد النطق بها. ويحاول سوتونيوس حتى يقنعنا بأنه لهذا السبب عينه كان يخط مقدماً أحاديثه الهامة مع الأفراد، حتى مع زوجته نفسها، ويقرأها لهم.

وقد ظل يؤمن بالخرافات كما كان يؤمن بها معظم المتشككين في عصره بعد حتى فقد إيمانه بدينه بزمن طويل. من ذلك أنه كان يحمل جلد عجل البحر ليتقي به شر الصواعق، وكان يعتقد بالفأل والطيرة، ويعمل في بعض الأحيان بما يتراءى له في منامه من نُذُر، وكان يأبى حتى يبدأ رحلة في الأيام التي يرى أنها أيام مشئومة(34). وقد اشتهر في الوقت عينه بأنه واقعي في أحكامه، عملى في تفكيره، وكان ينصح للشبان بأن يبادرون بالانخراط في سلك الأعمال التي تتطلب منهم همه ونشاطاً حتى تقوَّم التجارب وضرورات الحياة، ما أخذوه عن الخط من آراء. وقد اختفظ إلى آخر أيام حياته بعقليتهِ الطيبة البرجوازية وبتحفظه وحذره واعتدالهِ في نفقاته. وكانت الحكمة المحببة إليهِ هي قوله "بادر على مهل". وكان يفوق معظم أمثاله من ذوي السلطان العظيم في تقبل النصح واحتمال التأنيب بصدر واسع وتواضع عظيم. وقد زوّده الفيلسوف أثندورس Athendorus عندما همّ بوداعة وهوعائد من عنده إلى أثينة بعد حتى عاش معهُ سنين بنصيحة نطق له فيها: "إذا غضبت فلا تقل حدثة أوتعمل شيئاً قبل حتى تعدّ لنفسك الحروف الهجائيةالأربعة والعشرين". وشكر أغسطس للفيلسوف تحذيره وتوسل إليهِ حتى يبقى معه عاماً آخر ونطق له: "لا خطر يتهدد الخير الذي يعود على الإنسان بفضل السكوت".

لقد قلنا من قبل إذا مما يثير الدهشة حتى يتحول قيصر من رجل سياسي صخاب إلى قائد سياسي محنك؛ ولكن أكثر من هذا إثارة للدهشة تحول أكتافيان القاسي القلب المنطوي على نفسه إلى أغسطس المتواضع الكبير العقل النبيل الطبع. ولقد وقع هذا التحول في خلال نموه. إذا الشاب الذي أجاز لأنطونيوس حتى يعلق رأس شيشرون في السوق العامة، والذي تنقّل من حزب إلى حزب دون حتى يجد من ضميره تأنيباً على هذا التنقل، والذي أطلق العنان لشهواتهِ الجنسية، والذي طارد أنطونيوس وكليوبطرة إلى منيتهما دون حتى تؤثر فيهِ صداقة أوشهامة-إن هذا الشاب العنيد الذي لا يحب أحداً لم يُسَمم عقله السلطان والجاه، بل أصبح في الأربعين سنة الأخيرة من حياته مضرب المثل في العدل والاعتدال، والإخلاص والنبل والتسامح، يضحك من سخرية الشعراء بهِ وهجوهم إياه، وينصح تيبيريوس حتى يقنع بمنع أعمال العدوان أومحاكمة المعتدين، وألا يسعى لتكميم أفواههم، ولا يصر على حتى يعيش غيره من الناس عيشة البساطة التي فرضها هوعلى نفسهِ. فكان إذا نادى إلى وليمة، انسحب منها في بدايتها لكي يهجر لضيوفها الحرية التامة في الاستمتاع بالطعام والمرح. ولم يكن مزهواً بنفسهِ وكان يستوقف الناخبين ليطلب إليهم حتى يعطوه أصواتهم في الانتخاب، وينوب عن أصحابهِ من المحامين في القضايا. وكان إذا ولج رومة أوخرج منها يعمل ذلك في السر لأنه يبغض مظاهر الأبهة، وهولا يظهر في نقش أراباسيز Ara Pacis مميزاً عن غيره من المواطنين بأية علامة من علامات الامتياز، وكانت استقبالاته الصباحية مباحة لجميع المواطنين، وكان يستقبلهم كلهم بالبشاشة والترحيب. ولما تردد أحد الناس في حتى يعرض عليهِ ماتمساً، لامه مازحاً بقولهِ إنه يعرض عليهِ وثيقة "كأنه يقدم فَلساً لفيل". ولما بلغ سني الشيخوخة، وأحفظته الخيبة، واعتاد عظيم السلطة، بل اعتاد الألوهية، تبدلت حاله فخرج عن تسامحه، واضطهد أعداءه من الكتاب، وصادر التواريخ التي تسرف في الانتقاد، وأصم أذنهُ عن سماع أشعار أوفد التي يقول فيها إنه تاب وأناب، وينطق إنه أمر في يوم من الأيام حتى تكسر ساقا ثالس Thallus أمين سره لأنه أخذ خمسمائة دينار ليبوح بما يحتويه أحد الخطابات الرسمية، وإنه أرغم أحد محرريهِ على الانتحار حين تبين له أنه زنى برومانية متزوجة. وقصارى القول حتى الإنسان إذا نظر إلى أخلاقه في جملتها لم يكن من السهل عليهِ حتى يحبه؛ وإن من واجبنا حتى نتصور ما كان يعانيه من الضعف الجسم وما قاساه في شيخوختهِ من أحزان قبل حتى تتفتح قلوبنا له كما تتفتح لقيصر المقتول أولأنطونيوس المغلوب.

آخر أيام أغسطس

تكاد مآسي أغسطس وهزائمه كلها حتى تكون في داخل بيتهِ. وأول ما نذكره من هذه المآسي أنه لم يُرزق من زوجاته الثلاث-كلاديا وأسكربونيا وليفيا- إلا طفلة واحدة! ذلك حتى أسكربونيا قد ثأرت لطلاقها منه على غير فهم منها بـأن ولدت له يوليا Julia . وكان يأمل حتى تلد ليفيا ولداً ينشئهُ ويفهمهُ أساليب الحكم، ولكن زقابلا من أغسطس قد تكشف لسوء حظهِ عن زواج عقيم، وإن كانت قد كافأت زوجها الأول بأن أنجبت لهُ ولدين عظيمين هما تيبيريوس ودروسس. وإذا استثنينا هذا العقم فقد كانت هي وأغسطس سعيدين بهذا الزواج؛ فقد كانت هي ذات جمال وجلال، وخلق مكين وذكاء عظيم؛ وكان أغسطس يعيد على مسامعها أنباء أبرز ما يعتزم القيام به القيام من الأعمال، ولم يكن تقديره لمشورتها ينقص عن تقديره لمشورة أرجح أصدقائهُ عقلاً. وسئلت مرة كيف من الممكن أن صار لها هذا النفوذ العظيم، فأجابت بقولها إذا سبب ذلك أني "عفيفة إلى أقصى حد العفة...لا أتدخل مطلقاً في شؤونهِ، أني كنت أدعي أني لم أرَ خليلاته ولم أسمع شيئاً عنهن أوعما كان بينه وبينهن من وقائع غرامية(38)". وكانت مضرب المثل في الفضائل القديمة، ولعلها كانت تُسرف في الإصرار على النادىية لهذه الفضائل. وكانت تقضي أوقات فراغها في أعمال البر، فتساعد الآباء ذوي الأسر الكبيرة، وتهب البائنات للعرائس الفقيرات، وتنفق على كثير من اليتامى من مالها الخاص. وكان قصرها نفسه أشبه بملجأ للأيتام؛ ذلك حتى أغسطس كان يشرف في هذا القصر وفي قصر أخته أكتافيان على تربية أحفاد، وأبناء إخوتهِ وأخواتهِ، وبناتهن، وحتى على أبناء أنطونيوس الستة الذين بقوا أحياء. وكان يرسل الذكور في سن مبكرة إلى الحروب، يعنى بتعليم البنات الغزل الحياكة، "ويحرم عليهن حتى يعملن أويقلن شيئاً خفية، إذا كان مما يصح حتى يسجل في يومية المنزل". وأحب أغسطس دروسس ابن ليفيا، وتبناه ورباه، وكان يسره حتى يورثه ثروته وملكهُ، وكان موت هذا الفتى في سبابهِ من أولى مآسي الإمبراطور. أما تيبيريوس فقد كان يحترمهُ ولكنه لا يحبهُ، ذلك بأن تيبيريوس خليفة أغسطس كان صلفاً مفرطاً في ثقتهِ بنفسهِ، ينزع إلى الكآبة والخفاء. ولا شك في حتى جمال ابنتهُ يوليا وخفة روحها قد متعاه بالكثير من أوقات السعادة في أيام طفولتها. ولما بلغت الرابعة عشرة من عمرها أقنع أكتافيان بأن تسمح بطلاق ابنها مارسلس من زوجتهِ، وأغرى الشاب بأن يتزوج يوليا، ولكن مارسلس توفي بعد سنتين من هذا الزواج؛ وبعد حتى حزنت عليهِ يوليا حزناً قصير الأجل شرعت تنصت بحرية طالما تاقت نفسها إليها. غير حتى الإمبراطور الشديد الولع بعقد عقود الزواج لم يلبث حتى حمل أجربا على كره منه على حتى يطلق زوجته ويقترن بالأرملة المرحة (21ق.م) راجياً حتى يثمر هذا الزواج حفيداً له يرثهُ بعد وفاتهِ. وكانت يوليا وقتئذ في الثامنة من عمرها، أما أجربا فكان في الثانية والأربعين، ولكنه كان رجلاً صالحاً عظيماً وكان له من الثروة ما يحبب الناس فيهِ. وقد جعلت يوليا بيته في المدينة ندوة للمرح والفكاهة، وأضحت هي روح الشباب المرح في العاصمة، على نقيض ليفيا التي كانت تتزعم طائفة المتزمتين. وانطلقت الألسن تتهم يوليا بخيانة زوجها الجديد وتعزوإليها جواباً غير معقول عن سؤال غير معقول كذلك. فقد قيل إنها سئلت لم كان أبناؤها الخمسة الذين ولدتهم لأجريا مشابهين له فأجابت: "إني لا أقبل راكباً قط إذا كانت السفينة قد امتلأت Munquam Nisi Nave Plena Tollo Vectorem(40)". ولما توفي أجربا عقد أغسطس آمالهُ على ولدي يوليا الأكبرين جيوس ولسيوس وغمرهما بحبه، وعني بترقيتهما إلى منصبين كبيرين لا تجيز قوانين البلاد ترقيتهما إليها في مثل سنهما.وأضحت يوليا أرملة مرة أخرى، وكانت أبرع جمالاً وأكثر ثراء من ذي قبل، فاندفعت مستهترة في كثير من مغامرات العشق أطلقت فيها ألسنة أهل رومة وجعلتها موضع تندرهم ولهوهم، وخففت عنهم ما كانوا يجدونه من الضيق بسبب "القوانين اليوليوسية". وأراد أغسطس حتى يبتر ألسنة السوء عن الولوغ في عرضهِ ولعله أراد أيضاً حتى يزيل ما بين زوجته وابنته من شقاق فزوجها مرة ثالثة؛ فأرغم تيبيريوس ابن ليفيا على حتى يطلق زوجته الحامل فبسانيا أجربنا Vipsania Agrippina، ابنة أجربا، وأن يتزوج يوليا التي لم تكن أقل منهُ كرهاً لهذا الزواج (9ق.م). وبذل هذا الشاب-وكان من الطراز الروماني القديم-غاية جهدهِ لكيقد يكون زوجاً صالحاً، ولكن يوليا لم تلبث حتى امتنعت عن بذل أي جهد للتوفيق بين حياتها الأبيقورية وحياتهِ الرواقية، وعادت إلى مغامرات الحب الخفية. وصبر تيبيريوس على هذه الفضائح وكظم غيظه إلى حين؛ وكان قانون يوليا الخاص بالزانيات Lex Julia de Adulteriis يطلب إلى زوج الزانية حتى يشكوها إلى المحاكم؛ ولكن تيبيريوس عصى هذا القانون لكي يرد الأذى عن واضعهِ، ولعلهُ أراد بذلك أيضاً حتى يرد الأذى عن نفسهِ، لأنه هووليفيا كانا يأملان حتى يتبناه أغسطس، وأن يوليهِ زعامة الإمبراطورية من بعدهِ.

ولما تبين حتى الإمبراطور يؤثر عليهِ أبناء يوليا من أجربا اعتزل مناصبهِ الرسمية، وآواى إلى رودس، وعاش فيها سبع سنين معيشة الرجل العادي البسيط قضاها في الوحدة والفلسفة والتنجيم. وخلا الجوليوليا، وكان لها من الحرية ما لم تستمتع به قط من قبل، فأخذت تتنقل من عشيق إلى عشيق حتى كان قصف عشاقها ومرحهم يملآن السوق العامة صخباً وضجيجاً طوال الليل(41). وقاسى أغسطس وقتئذ (2ق.م)، وهوشيخ محطم في الستين من عمره، جميع ما يقاسيه أب وحاكم يشهد بعينيهِ انهيار أسرته وشرفه وشرائعه. وكانت هذه القوانين تحتم على أبي الزانية حتى يتهمهما بالزنى علناً إذا لم يقم زوجها بهذا الاتهام. وقد عرضت عليهِ أدلة على سوء سلوكها، ولما أعرب أصدقاء تيبيريوس أنهم سيتولون هم اتهام يوليا أمام المحاكم إذا لم يتهمهما أغسطس، قرر حتى يسبقهم إلى العمل؛ فأصدر قراراً ينفي ابنتهُ إلى جزيرة بندتيريا Pandateria، وهي صخرة جرداء بالقرب من شاطئ كمبانيا، في الوقت الذي بلغ فيهِ مرحها وفسادها ذروتهما، وأرغم أحد عشاقها وهوابن من أبناء أنطونيوس حتى ينتحر، ونفى عدداً آخر من العشاق خارج البلاد. وقتلت فوبي Phoebe إحدى معتوقات يوليا نفسها شنقاً مفضلة ذلك على الشهادة عليها.ولما سمع الوالد المنكوب بهذا النبأ نطق:

"وددت لوأني كنت والد فوبي ولا أكون والد يوليا"

وكان ولداها جيوس ولوسيوس قد سبقاها إلى الدار الآخرة بزمن طويل؛ فأما لوسيوس فقد توفي في مرسيليا في العام الثاني قبل الميلاد على أئر سقم من الأمراض، وأما جيوس فقد توفي من جرح أصيب بهِ في أرمينية (4ب.م). وألفى أغسطس نفسهُ في شيخوختهِ من غير أنيس ولا وريث، في الوقت الذي كانت فيهِ ألمانيا، وبانونيا، وغالة تُهدد بالانقضاض عليهِ، فاضطر على الرغم منهُ إلى استنادىء تيبيريوس (2ب.م)، وتبناه، وأشركه معهُ في الحكم، وأوفدهُ لإخماد نار الثورة؛ ولما عاد في العام التاسع بعد الميلاد بعد حروب طاحنة مظفرة دامت خمس سنين أقرت رومة، وكانت تحقد عليهِ لتزمتهِ، بأن تيبيريوس قد شرع يحكم البلاد وإن كان أغسطس لا يزال زعيمها. وبعد فإن آخر مآسي الحياة حتى تدوم مأساتها على الرغم من صاحبها-أي حتى يعيش الإنسان بعد حتى يخسر جميع شيء، وأن يُحرم حتى الموت. ولم يكن أغسطس، إذا نظرنا إلى عدد السنين وحدهُ، قد بلغ أرذل العمر حين أخرجت يوليا من البلاد، فقد كان غيره من الرجال وهم في سن الستين أقوياء أشداء؛ أما هوفقد حيي أكثر من حياة، ومات أكثر من ميتة، مذ اتى إلى روما غلاماً في الثامنة عشرة من عمرهِ ليثأر لمقتل قيصر وينفذ وصيتهِ. وكم من حرب خاض غمارها من ذلك الحين، وكم من هزيمة أوشكت حتى تحيق بهِ، وما أكثر ما عانى من آلام وأمراض، وتعرض لمؤامرات وأخطار، وما أكثر ما شاهد من مرارة الخيبة، وانهيار أغراضه النبيلة وتبددها؛ وقد وقع له جميع ذلك في فترة لا تزيد على أربعين عاماً، ملئت كلها بالآلام والمنغصات، ورأى فيها آمالهُ تضيع أملاً بعد أمل، وأعوانهُ يُختطفون من واحداً بعد واحد، حتى اختطف من آخر الأمر تيبيريوس العنيد الشجاع نفسهُ! ولعله كان يرى وقتئذ أنهُ كان خيراً له وأحكم حتى يموت ميتة أنطونيوس في أوج العظمة وبين ذراعي حبيبتهِ.

وما من شك في أنه كان يتحسر إذا ما عاد بذاكرتهِ إلى تلك الأيام الجميلة، حين كان قلبه يفيض بالسعادة إذا رأى يوليا وأجربا من حولهُ، أوشاهد أحفادهُ يمرحون ويلعبون في أرض قصرهِ. وها هوذا يرى يوليا أخرى ابنة ابنته قد شبت عن الطوق، وأخذت تسير سيرة أمها، وكأنها أخذت على نفسها حتى توضح للناس جميع ما ورد في أشعار صديقها أوفد من أفانين العشق. ولما اتىت أغسطس الأدلة القاطعة على أنها زانية نفاها في عام 8ب.م إلى جزيرة في البحر الأدرياوي، ونفى أوفد في الوقت نفسهُ إلى تومي Tomi على شاطئ البحر الأسود؛ ويروى حتى الإمبراطور اليائس الضعيف نطق وقتئذ: "يا ليتني لم أتزوج قط، أويا ليتني مت دون حتىقد يكون لي ولد!" وقد فكر في بعض الأحيان حتى يميت نفسه جوعاً. ولاح له حتى الصرح الذي شاده قد انهار من أساسهِ، ذلك حتى السلطات التي اضطلع بها لكي يحفظ الأمن والسلام في ربوع البلاد قد أضعفت مجلس الشيوخ والجمعيات التي استمد منها هذه السلطات، حتى فقدت جميع مقومات الحياة. فقد مل الشيوخ التصديق على ما يطلب إليهم التصديق عليهِ كما ملوا إطراء أغسطس وتملقهُ، فلم يعودوا يحضرون الجلسات. وأما الجمعيات فلم تكن يجتمع فيها إلا حفنة من المواطنين، وأصبح الموظفون الأكفاء ينفرون من المناصب التي كانت من قبل مطامع الرجال المبدعين المبتكرين بما تخلعهُ عليهم من الجاة والسلطان، وأضحى هؤلاء يرونها من دواعي الغرور الكاذب الكبير الأكفاء. وحتى السلم التي بسط أغسطس لواءها على البلاد، والأمن الذي وطد نادىئمه في روما ، قد أضعفا قوى الشعب وأوهنا عزيمتهُ، فلم يكن أحد يرغب في الانضمام إلى الجيش، أويعترف بأن الحرب شر محتوم، وأن لا بد من خوض غمارها من آن إلى آن؛ وحل الترف محل البساطة في العيش، والعلاقات الجنسية الطليقة محل الأبوة والأمومة، وأخذ الشعب العظيم يسير مسرعاً بإرادتهِ المضمحلة المنهوكة في طريق الفناء. وكان الإمبراطور الشيخ يشهد هذه المآسي ويشعر بها ويدركها حق الإدراك.

ولم يكن في وسع أحد من الناس حتى يقول لهُ وقتئذ إذا الزعامة العجيبة الحاذقة التي أنشأها ستهب الإمبراطورية الرومانية أطول فترة من الرخاء عهدها البشر في تاريخهم كلهُ، وإن السلم الرومانية التي بدأت في صورة السلم الأغسطسية ستعد في عصور التاريخ المقبلة أجل الأعمال في تاريخ الحكم والسياسة رغم ما فيها من العيوب الكثيرة وعلى الرغم من أنه قد جلس على العرش في أثنائها بضعة ملوك بلهاء. لقد كان أغسطس وقتئذ يعتقد، كما يعتقد ليوناردودافنشي، أنه أخفق فيما كان يبتغيهِ. ووافتهُ المنية وهوهادئ ساكن في نولا Nola، وكان قد بلغ السادسة والسبعين من عمره (14ب.م)، ونطق لأصدقائهِ الذين التفوا حولهُ وهوعلى فراش الموت تلك الحدثات التي طالما اختتمت بها الملهاة الرومانية: "والآن وقد أتقنت تمثيل دوري، فصفقوا بأيديكم وأخرجوني من المسرح بتصفيقكم"، ثم عانق زوجتهُ ونطق لها: "تذكّري عشرتنا الطويلة يا ليفيا. الوداع". ثم فاضت روحهُ بعد هذا الوداع البسيط(42). وبعد بضعة أيام من وفاتهِ حملت جثته في شوارع رومة على أكتاف الشيوخ إلى ميدان المريخ حيث أحرقت بينما كان أطفال كبار الأسر في البلاد يرتلون ندبة الأموات.

أنظر أيضا

  • كليوباترا
  • ماركوس أنطونيوس
Extent of the Roman Empire under Augustus; the yellow legend represents the extent of the Empire in 31 BC, the shades of green represent gradually conquered territories under the reign of Augustus, and pink areas on the map represent client states
Bust of Tiberius, a successful military commander under Augustus before he was designated as his heir and successor

المراجع

  • Bourne, Ella. "Augustus as a Letter-Writer," Transactions and Proceedings of the American Philological Association (Volume 49, 1918): 53-66.
  • Bowersock, G. W. (1990). "The Pontificate of Augustus". In Kurt A. Raaflaub and Mark Toher (eds.) (ed.). Between Republic and Empire: Interpretations of Augustus and his Principate. Berkeley: University of California Press. pp. 380–394. ISBN .CS1 maint: extra text: editors list (link)
  • Bunson, Matthew (1994). Encyclopedia of the Roman Empire. New York: Facts on File Inc. ISBN 0-8160-3182-7
  • Chisholm, Kitty and John Ferguson. (1981). Rome: The Augustan Age; A Source Book. Oxford: Oxford University Press, in association with the Open University Press. ISBN 0-19-872108-0.
  • Dio Cassius, The Roman History: The Reign of Augustus, London, Penguin Books, 1987, ISBN 0-14-044448-3.
  • Eck, Werner; translated by Deborah Lucas Schneider; new material by Sarolta A. Takács. (2003) The Age of Augustus. Oxford: Blackwell Publishing (hardcover, ISBN 0-631-22957-4; paperback, ISBN 0-631-22958-2).
  • Eder, Walter. (2005). "Augustus and the Power of Tradition," in The Cambridge Companion to the Age of Augustus (Cambridge Companions to the Ancient World), ed. Karl Galinsky, 13-32. Cambridge, MA; New York: Cambridge University Press (hardcover, ISBN 0-521-80796-4; paperback, ISBN 0-521-00393-8).
  • Everitt, Anthony (2006) Augustus: The Life of Rome's First Emperor. Random House Books. ISBN-10: 1400061288.
  • Green, Peter (1990). Alexander to Actium: The Historical Evolution of the Hellenistic Age. Hellenistic Culture and Society. Berkeley, CA; Los Angeles; London: University of California Press. ISBN 0-520-05611-6 (hbk.); ISBN 0-520-08349-0 (pbk.).
  • Gruen, Erich S. (2005). "Augustus and the Making of the Principate," in The Cambridge Companion to the Age of Augustus (Cambridge Companions to the Ancient World), ed. Karl Galinsky, 33-51. Cambridge, MA; New York: Cambridge University Press (hardcover, ISBN 0-521-80796-4; paperback, ISBN 0-521-00393-8).
  • Kelsall, Malcolm. "Augustus and Pope," The Huntington Library Quarterly (Volume 39, Number 2, 1976): 117-131.
  • Mackay, Christopher S. (2004). Ancient Rome: A Military and Political History. Cambridge University Press. ISBN .
  • Scullard, H. H. (1982) [1959]. From the Gracchi to Nero: A History of Rome from 133 B.C. to A.D. 68 (5th edition ed.). London; New York: Routledge. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help).CS1 maint: extra text (link)
  • Shaw-Smith, R. "A Letter from Augustus to Tiberius," Greece & Rome (Volume 18, Number 2, 1971): 213-214.
  • Shotter, D.C.A. "Tiberius and the Spirit of Augustus," Greece & Rome (Volume 13, Number 2, 1966): 207-212.
  • Starr, Chester G., Jr. "The Perfect Democracy of the Roman Empire," The American Historical Review (Volume 58, Number 1, 1952): 1-16.
  • Syme, Ronald (1939). The Roman Revolution. Oxford: Oxford University Press. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help). The classic revisionist study of Augustus
  • Roebuck, C, The World of Ancient Times, New York, Charles Scribner's Sons, 1966
  • Rowell, Henry Thompson. (1962). The Centers of Civilization Series: Volume 5; Rome in the Augustan Age. Norman: University of Oklahoma Press. ISBN 0-8061-0956-4

[[صورة:Augustus Tiberius aureus.png|تصغير|Roman aureus struck under Augustus, c. AD 13–14. The reverse shows Tiberius riding on a quadriga, celebrating the fifteenth renewal of his tribunician power. At least six potential heirs, including Agrippa and his sons, had expired or proven incapable of succeeding Augustus, before he finally settled on Tiberius in AD 9 [[صورة:Augustuksen mauseleomi.JPG|تصغير|مقبرة أغسطس]]]]

تمثال أغسطس قيصر

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بأغسطس قيصر، في فهم الاقتباس.
أغسطس قيصر كما تبينه نقوش جدران معبد كلابشة في مصر
Coin of Augustus found at the Pudukottai hoard, from an ancient Tamil country, Pandyan Kingdom of present day Tamil Nadu in India. British Museum.
The Temple of Augustus and Livia in Vienne, late 1st century BC.

المصادر

  1. ^ سيرة الحضارة

تاريخ النشر: 2020-06-04 14:07:54
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, Pages using deprecated image syntax, Pages using infobox royalty with unknown parameters, CS1 maint: extra text: editors list, CS1 errors: ISBN, CS1 maint: extra text, رومان

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عروض المهرج تجذب زوار معرض الكتاب فى ثامن أيامه

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

رواتب تصل لـ6000 جنيه.. كل ما تريد معرفته عن 2975 وظيفة خالية بالمحافظات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:46
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 48%

برلماني: تعديلات قانون الرياضة الجديد تعالج القصور الحالية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:21:56
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

النمسا تطرد 4 دبلوماسيين روس

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:21:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

«الشمس للإسكان» تستهدف 147 مليون جنيه أرباحًا بموازنة 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

أم كلثوم وعزيز مرقة.. حفلات ساقية الصاوي الخميس والجمعة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:21:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

اجتماع مصغر للجنة تسيير برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

إصابة ثلاثة مواطنين في حادث انقلاب دراجة بخارية بالفيوم

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:17
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

روسيا تحيي الذكرى الثمانين لانتصار ستالينجراد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:21:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

عمل علاقة مع 10 فتيات في وقت واحد .. "أم يوسف" تفضح ابنها بطريقة صادمة

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-02 12:22:36
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

تحميل تطبيق المنصة العربية