الفكرة الجمهورية (كتاب)

عودة للموسوعة

الفكرة الجمهورية (كتاب)

الفكرة الجمهورية سنقوم باستعراض كتاب معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية الذي خطه الإخوان الجمهوريون تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه في العام1975 وهوكتاب يطرح افكار الجمهوريين وتطور فكرتهم ولا يمانع الجمهوريين في نشره على الانترنت واعادة نسخه وطبعه وتوزيعه اذا تمت مراعاة صحة النقل وعدم الحذف المخل بالمعنى. لقد قمنا بحذف بعض اجزاء الكتاب لضرورة تقديرية مما أوجب علينا ذكر ذلك.


الممضىية الاسلامية منذ البدء

ان المتصفح لتاريخ الجمهوريين ، يتضح له بجلاء ، انهم ظلوا ، منذ عهد الاستعمار ، وفي مختلف عهود الحكم الوطني ، ذوي رؤية واضحة ، وأصحاب ممضىية ثابتة ، تدور حولها حركتهم ، وتنبثق منها مواقفهم .. وتلك هي الممضىية الاسلامية التي قوامها الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الكاملة .. لقد كانت الحركة الوطنية ، التي انبجست من مؤتمر الخريجين العام ، في الأربعينات ، تعوزها الممضىية ، وتنقصها الأصالة ، والثقة بنفسها ، وبشعبها ، الأمر الذي جعلها تلوي رأسها تحت جناح الطائفية ابتغاء السند الشعبي ، المتمثل في أتباع الطائفية ، فاحتضنت طائفة الختمية الأحزاب الاتحادية واحتضنت طائفة الأنصار حزب الأمة وكان هؤلاء ، وأولئك ، يسخرون من انتجاع الجمهوريين منتجع الممضىية ، ودعوة الشعب مباشرة ليلتف حولها ، من غير استعانة بالزعماء الطائفيين الذين كانوا يقتسمون ولاء الشعب بينهم .. وكان يظهر للجميع حتى طريق الجمهوريين هذا ، طريق طويل طويل ، فالجميع يتعجلون كسب السند الشعبي بأقرب الطرق ، وهوطريق كسب تأييد زعيم احدى الطائفتين الذي تكفي اشارته فقط ليسارع أنصاره بتأييد الحزب المعين .. هذا أقرب الطرق لاستقطاب الشعب ، ولكنه ذوثمن باهظ لا يقبله الا ميت ضمير ، أوقصير نظر .. ذلك بأن احتواء الطائفية للحركة الوطنية أعطاها سلاح النفوذ السياسي إضافة الى سلاح العقيدة الدينية ، مما مكنها من رقاب الشعب ومن مقدراته ، فاستطاعت حتى تجمد وعيه ، وحتى تستغله وتساوم به ، في ميادين السياسة .. وكان رجال الأحزاب خاضعين للطائفية ، وكانت حصيلة البلاد ، بعد قرابة العشرين عاما من الاستقلال ، ألوانا من التخبط في حكم البلاد ، وتخلفا مزريا في حياة الشعب مما يحمل وزره جميع من ساهم في تمكين الطائفية لتلج الميدان السياسي ، وتعزل الشعب عن قضيته ..


النذير العريان

في ذلك الوقت البعيد ، ومنذ فجر الحركة الوطنية ، فطن الجمهوريون الى طريق الهلكة الذي تنحدر فيه الحركة الوطنية على أيدي رجال المؤتمر والأحزاب ، فأطلقوا صيحة الحق داوية ، وقدّموا النذير العريان مبتدرين الدعوة ، والعمل لعزل الطائفية عن الحركة الوطنية ، ومؤكدين التوجه الى الشعب مباشرة ، لاستنهاضه حتى يمسك قضيته في يده ، فيكافح ، ويتحمل مسئولية تحرير نفسه ، فاذا تم له التحرر من الأستعمار ، وهولابد تام ، كانت الحرية عزيزة لديه ، لايفّرط فيها أبدا ، ولايدع المجال لعابث ليعبث بها وقد تقدم الجمهوريون الصفوف في صدق ، وشجاعة ، وقابلوا الاستعمار ، فضربوا المثل الحي للثائر الذي لايضعف ، ولايهادن ولايساوم .. ومع حتى الجمهوريين كانوا قلة ، قياسا بالأحزاب الأخرى ، الأمة ، والأشقاء ، وغيرهم الا حتى مواقفهم الصامدة ، الشجاعة ، في لقاءة المستعمر ، كانت تثير الاعجاب ، وتلهب الحماس الوطني عند الشعب وقد ولج الأستاذ محمود محمد طه السجن ، كأول سجين سياسي ، في الحركة الوطنية في الأربعينات ، لرفضه التوقيع على تعّهد يمنعه نشاطه السياسي .. وفي داخل السجن كان الأستاذ يعصي ، ويخالف أوامر السجن ، نكاية بالمستعمر ، وتقليلا من شأنه ، وتصغيرا له . فكان يودع الزنزانة ، لأيام ، عقوبة على هذا العصيان ، وهذه المخالفات .. فتشيع أخباره خارج السجن ، فيتلقفها الشعب ، فتحرك فيه كوامن الوطنية والغيرة . لقد ضرب الجمهوريون -على قلة عددهم – مثلا فريدا في قوة اللقاءة ، والشجاعة ، فكانوا يخطبون في المساجد ، وفي المقاهي ، وفي الأندية .. ويقومون بتوزيع المنشورات التي تهاجم المستعمر ، على الشعب ، وحتى على المسئولين من الحكام الأنجليز. ومن الوهلة الأولى اتجه الجمهوريون أيضا الى الممضىية ، فرشحوا الاسلام الواعي ، وكانوا يعيبون على الأحزاب تفريطها في المذهيبة ، وكانوا يحذّرون بأن عاقبة غياب الممضىية هي التخبّط بعد الاستقلال ، والسير في التيه ((فقد يخرج الانجليز غدا ، ثم لانجد أنفسنا أحرارا ، ولا مستقلين ، وانما متخبطين في فوضى مالها من قرار )) هكذا كانوا يقولون .. ذلك بأن الاستقلال ليس هو((استبدال الانجليز بانجليز في أسلاخ سوداني)) ولقد سقط ماكان يخشاه الجمهوريون .. فاتىت تجارب الحكم ، نحوا من عشرين عاما ، كلها سير عشوائي متأرجح ، تارة الى اليمين ، وتارة الى اليسار .. والآن !! وبعد هذه التجارب المريرة ، والضياع الفادح الذي تحملّه الشعب من عرقه ، وشقائه ، وعلى حساب مستقبله – الآن !! وبعد هذا كله ، حصحص الحق ، وتبين حتى الطريق الطويل هوالذي سلكه المتعجّلون الذين لاممضى لهم ، ولاأصاله – أولئك المثقفون الذين ارتضوا حتى يسلمّوا زمامهم للطائفية وتأكد حتى الطريق القريب ، حقا ، الموصّل الى حرية الشعب ، ورفاهيته ، هوطريق المذهيبة المستبصرة ، المحركة للشعب ، المجندة له ، ليخوض معركة حريته ، ومستقبله .. وذلك ماكانت الرؤية حياله واضحة ، تمام الوضوح ، لدي الجمهوريين فلم يلتفتوا عنه أبدا ، ولم يتقهقر خطوهم فيه .. ((انهم يرونه بعيدا ، ونراه قريبا ))

الميزان

لقد اتخذ الجمهوريون ميزان ((لا اله الا الله)) مقياسا يقيسون به جميع ما يعرض لهم من المواقف ، ويقوّمون به التراث البشري ، من فلسفات ، ومذاهب ، فاستطاعوا ، بفضل الله ، ثم بفضل هذا الميزان الدقيق ، حتى يقفوا دائما ، الموقف الوسط ، موقف الكتله الثالثة التي تطرح الطالح ، وتبقي على الصالح .. فهي من جانب قد أقرت الدراسة الاشتراكية ، واستبعدت ماشابها من التطبيق الديكتاتوري ، والاعتقاد الالحادي ، الذي شوهتها به الماركسية .. ومن جانب آخر أخذت هيكل الديمقراطية الغربية وهجرت جانبا الاقتصاد الرأسمالي المزيف للديمقراطية .. وبذلك تأسست ركائز الكتلة الثالثة العالمية التي تقف موقف الحياد الايجابي بين الكتلتين : الشيوعية ، والرأسمالية ، ذلك بأنها تسد النقص في كليهما فينشأ عن ذلك النظام الديمقراطي الاشتراكي الذي يتطلع اليه الانسان المعاصر ، وتتطلع اليه الانسانية ليتوحد به العالم فكريا ، كما توحد مكانيا ، فيحل السلام ، والعدل ، والرخاء ، بين أفراده وأممه .. ولقد عجزت الماركسيه كما عجزت الرأسمالية الغربية عن حتى تحقق هذا الحلم ، وما ينبغي لها حتى تقدر على هذا التحقيق .. على هدي هذا الفهم كان نقد الجمهوريون لدعوة ماسمي بالحياد الايجابي ، والكتلة الثالثة ، التي تزّعمها نهرووتيتووجمال عبد الناصر .. فهي خديعة للشعوب ، وانصرافية عن الاتجاه الجاد .. ذلك بأن الحياد بين الكتلتين الشرقية والغربية ، يستحيل تحقيقه بغير ممضىية تعصم عن الانحياز ، وتصفّي في نهاية الأمر الكتلتين التقليديتين ، وماكان نادىة الحياد أولئك يملكون هذه الممضىية .

العالمية بدل العنصرية

لقد قيم الجمهوريون دعوة القومية العربية كدعوة عنصرية ، تضلل العرب ، وتصرفهم عن أصالتهم ، وتراثهم ، وتضعهم لقمة سائغة في ساحة الصراع الدولي .. وقدّموا الاسلام ، والاقليمية بديلا عن القومية العربية ، فان الاسلام بفكره الواعي ، يمثل الروح ، والاقليمية ، باطرادها ، تمثل الهيكل لنظام الحكم العالمي المرتقب ، الذي تكون في قاعدته حكومات الاقطار ، والحكومات الاقليمية ، وفي قمته الحكومة العالمية التي تمثل هيئة الأمم المتحدة الحاضرة نواتها .. إذا الجمهوريين لم يدعوا للاسلام تعصبا ، وتقليدا ، وانما كانت دعوتهم اليه عن فهم واقتناع بأحقيته ، وجدارته وقدرته على اقناع العقل المعاصر ، وذلك هوما اصطلح الجمهوريون على تسميته بالفترة الفهمية من الاسلام ، في حين كانت الفترة الماضية منه هي فترة العقيدة .. الدراسة والتطبيق ومن هنا كان اتجاه الجمهوريين لتطبيق الاسلام في أنفسهم ، ودراسته ، وتبيين فضله للناس ، بالحدثة المقروءة ، والحدثة المسموعة ، طيلة ثلاثين عاما حفلت بالحوار الفهمي ، والصراع الفكري الموضوعي ، مما يشرّف الفكر الاسلامي خاصة ، والفكر الانساني عامة .. لقد أخرج الجمهوريون مايربوعلى الثمانين كتابا ، بينها أمهات خطهم ، نحوخمسة ، وقد طبعت منها مئات الالآف ، وأخرجوا أيضا عشرات المنشورات ، ومئات الموضوعات ، في شتى الموضوعات ، والمناسبات ، وألقوا مئات المحاضرات والندوات وهذا هونهج الممضىية ، ومرتكز الفهمية التي تعلّم الناس ، وتأخذهم بعقولهم قبل حتى تسوقهم بعواطفهم ولقد أتى هذا النهج أكله وأثمر ثمره الناضج المتمثل في دائرة الجمهوريين المتسعة باستمرار ، ولفت انتباه الشعب الى هذا الطريق المغاير لطريق الطائفية الحزبية التي تسوق الناس بالاشارة ، وتدفعهم بالارهاب لتحقيق مطامعها ومراميها ان الفكر الجمهوري فكر أصيل ذوجذور عميقة في أرض هذا البلد الطيب ، مستشرف هام السماء..


دور الحركة الوطنية في نيل الاستقلال

اننا ونحن نسجل هذه الشذرات من تاريخ الجمهوريين ، نلاحظ حتى الحركة الوطنية قد ووجهت من الجمهوريين بالنقد القوي ، بل العنيف أحيانا ، لما رأوا من تراخيها في لقاءة الانجليز ، وانعزالها عن الشعب ، مما أوجد فراغا في ميدان الفكر بصفة عامة ، وفراغا في ميدان الحماس بصفة خاصة ، فكان لابد للجمهوريين من حتى يملأوا ، في ذلك الوقت ، فراغ الحماس ، ويستنهضوا الحركة الوطنية لتتجاوب معهم .. ومن هذا المنطلق كان مايصدر منهم من حدثات يتسم بالصلابة واللقاءة الحاسمة ولكن لم يغب عن بالنا ، نحن الجمهوريين ، وماينبغي حتى يغيب عن بال أحد ، حتى رجال الحركة الوطنية الآخرين قد أدوا دورا مقدرا في سبيل جلاء الاستعمار ، وفي اتمام السودنة ، وإقامة أول حكومة سودانية بعد الاستقلال .. فان الدور الذي قام به رجال مثل السيد علي الميرغني ، والسيد عبدالرحمن المهدي ، وأعوانهما من السياسيين ، دور كبير .. ان صلات فريق منهم ، وهم الاتحاديون ، بمصر ، وصلات الفريق الآخر ، وهم الاستقلاليون ، ببريطانيا ، قد أذكت روح المنافسة بين دولتي الحكم الثنائي ، وساعدت كثيرا على الاتفاق الذي تم في القاهرة ، عام 1953 ، اذا اتفقت حدثة الاحزاب السودانية ، اتحادية ، واستقلالية ، على قبول اقامة الحكم الذاتي واجراء الاستفتاء على مصير السودان : استقلالا أم اتحادا مع مصر .. وقبلت ، من ثم ، حكومتا مصر وبريطانيا مااتفق عليه السودانيون .. ولما قامت الحكومة الانتنطقية استطاع السودانيون حتى يختصروا الأمر ، فلم يحتاجوا الى اجراء الاستفتاء الشعبي على مصير السودان وانما اتفقت الاطراف المتنوعة ، وأعربوا الاستقلال من داخل البرلمان ، في أول يناير 1956م .. هذه هي فضيلة الحركة الوطنية .. ولكن الجمهوريين كانوا يرشحونها للاضطلاع بدور أعظم مما قامت به .. كانوا يريدونها حتى تتجه الى الشعب فترشّده وتفك اساره من قبضة النفوذ الطائفي الذي لايزال يعاني منه حتى اليوم .. وكان الجمهوريون يريدون اختصار التجارب وبتر الطريق أمام محاولات الحكم الفاشلة .. ولكن وقد سقط ماكان يحذره الجمهوريون فلاضير ، فان التجارب تعجم عود الشعب وتورثه الحكمة ، وتهديه الى الصواب .. وبعد ، هذه انطباعات عجلى عن هذا الفكر ، اتىت حصيلة لطواف عابر ، عبر سنوات ثلاثين ، ستجد ، كما قلنا ، من التقويم والتشريف مايضعها موضعها اللائق بها ، ويبرزها مفصّلة كاملة .. فذلك حق علينا لهذا الجيل وماسياتي من أجيال .. ولقد اضطررنا الى جعلها في جزئين ، وسنخرج الجزء الثاني قريبا ان شاء الله .. وهذا السفر ، بجزئيه ، لم نرد به ، في وقتنا الضيق هذا ، الا تكريم ذكري الثلاثين عاما وماتحمله من اشارة ، وماتنطوي عليه من معنى يستلفت النظر ويدعوللتأمل ..

نشأة الحركة الوطنية

في عام 1938م نشأ مؤتمر الخريجين العام ليمثل فترة جديدة في تاريخ السودان الحديث ، فقد ولد المؤتمر والمثقفون السودانيون يفتقدون الجهاز الذي يجسد شخصيتهم ويوحّد جهودهم ويوجهها ، نحوخدمة وطنهم ومواطنيهم.. واتخذ المؤتمر ((القومية السودانية)) شعارا له ، وبدأ عمله بمجالات الخدمة الاجتماعية وعلى رأسها التعليم الذي كان المنطلق الوطني الذي تبلور حتى أسفر عنه الوجه السياسي بعد أربع سنوات ، في عام 1942م ، بعد نشوب الحرب العالمية الثانية ، واشتراك السودان ((بقوة دفاع السودان)) فيها الى جانب الحلفاء الذين أعربوا أنهم اذا كسبوا الحرب فسوف يكافئون أبناء مستعمراتهم باعطائهم حق تقرير المصير .. فاستلهم مؤتمر الخريجين هذا الوعد فأخذ يمحرر حكومة السودان بهذا الشأن ، واستمر تبادل المذكرات بينهما عدة سنوات ، تعّرض خلالها المؤتمر للانقسامات التي استفحلت حتى نجمت عنها الاحزاب المتنوعة .. الأحزاب الاتحادية أولا ، وحزب الأمة ثانيا .. ولقد دفع الاحتراب على كراسي المؤتمر بالفريقين الى طلب السند لدى الطائفية ، فكان هذا ايذانا بانكفاء المؤتمر وأحزابه ، وأسوأ من ذلك ، ان خلاقات رجال المؤتمر لم تنبني على تمايز منهجي ، أوتباين فكري ، وانما كان اصطراعهم ، وجفوتهم لبعض ، بقصد الفوز بقيادة المؤتمر .. وحتى الاختلاف على مصير السودان : أهواتحاد مع مصر ، أم استقلال عنها،يا ترى؟ قد نشأ لأن احدى الطائفتين هواها مع مصر والأخرى هواها مع انجلترا .. فكان الأشقاء ومن معهم ينادون بالاتحاد ، وحزب الأمة ينادي بالاستقلال والتحالف مع بريطانيا .. والشعب بعيد من الصورة ، نصّب الخريجون من أنفسهم ومن الطائفية أوصياء عليه .. فكانت المذكرات تتبادل بين المؤتمر والحكومة ، والشعب لايدري عنها شيئا ، ولايتفاعل معها من ثم .. وهي التي يسعى بها المؤتمر وأحزابه لتقرير المصير : ((تارة باتحاد مع مصر تحت تاج الفاروق)) ((وتارة باتحاد مع مصر ، وتحالف مع بريطانيا )) .. وهذا نموذج من مذكرات المؤتمر: هذه أول مذكرة اشتلمت على مطلب سياسي تقدم بها المؤتمر نقتطف منها الآتي:

((حضرة صاحب المعالي حاكم السودان العام ياصاحب المعاليي تشرف مؤتمر الخريجين العام بأن يحمل لمعاليكم بصفتكم ممثلين لحكومتي صاحبي الجلالة الملك جورج السادس ملك بريطانيا العظمي والملك فاروق الأول ملك مصر المذكرة التالية التى تعبر عن مطلب الشعب السوداني في الوقت الحاضر)) ولخصت المذكرة مطلب السودان في هذا: ((اصدار تصريح مشهجر في أقرب فرصة ممكنة من الحكومتين الانجليزية والمصرية بمنح السودان بحدوده الجغرافية حق تقرير مصيره بعد الحرب مباشـرة)).


كانت المذكرة بتاريخ ثلاثة / أربعة / 1942 بتوقيع ابراهيم أحمد رئيس مؤتمر الخريجين العام .. وهذه مذكرة أخرى تخاطب دولتي الحكم الثنائي بواسطة حكومة السودان ، اتى فيها:

((ياصاحبي الدولة : لما كان السودانيون هم أصحاب الشأن الأول في تقرير مصيرهم فاننا لنتقدم الآن بهذه المطالب راجين وملحين في الطلب حتى تصدر على الفور الحكومتان البريطانية والمصرية تصريحا يتضمن الموافقة على رغباتنا هذه والاسراع في العمل على وضعها موضع التطبيق فباسم العدل وباسم الرخاء الذي قاتلت من أجله الديمقراطية يطلب مؤتمر الخريجين العام بالسودان : ((قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري)) والله وحده ولى التوفيق . المخلص اسماعيل الأزهري رئيس مؤتمر الخريجين العام 23/8/1945م))


فأما محاورة الشعب ، وتنويره بطريق حريته ، وكرامته ، وتحديد مقصده الصريح في الحرية ، والاستقلال ، واقامة مجتمع العدالة ، فذلك مالم يشغل أخلاد أقطاب المؤتمر .. وأما استنهاض الشعب ليمسك قضيته ، فيكافح من أجل حريته ، ويضحي في سبيلها ، فلم يهجر الصراع على كراسي المؤتمر وكسب السند الشعبي متسعا للتفكير فيه ، وتكدير صفوالبال به .. فركب القوم المركب السهل مركب السند الجاهز ، سند الطائفية ..


مولد الفكرة الجمهورية

في هذا المناخ ولدت الفكرة الجمهورية يحملها عصبة من الشباب المثقف .. أبى صفاؤها الديني ، وحسها الوطني ، ووعيها السياسي ، حتى تخوض مع الخائضين .. فولّت وجهها شطر الله ، ويممت نحوالشعب .. فدعت للجمهورية .. فماكان من القوم الا حتى سخروا منها ، ونطقوا: ان شعبنا شعب متخلف ، لايصلح معه النظام الجمهوري .. ودعوا الى الممضىية ، وصمموا على الاعتماد على الشعب ، ووطنوا النفس على عزل الطائفية عن الحركة الوطنية .. ولكن المثقفين ، من رجال المؤتمر والاحزاب ، نطقوا ان هذه مثالية ، سيطول علينا الأمد حتى تتحقق ولذلك سارعوا بالانضواء تحت لواء الطائفية ، تتخذهم قابلة ، ويتخذونها سندا ولندع السفر الأول للجمهوريين ، الذي صدر بتاريخ 26 اكتوبر 1946 يلقي بعض الضوء على تلك الفترة التى نشأت فيها الفكرة الجمهورية :- ((أما بعد ، فعندما قيّض الله للبلاد فكرة المؤتمر استجابت لها والتفت حولها فدرج المؤتمر مرعيا مرموقا ، وانخرط الخريجون بزمامه في حماس باد ، وأمل عريض .. فنادى الى اصلاحات جمة ، فأصاب كثيرا من النجاح ، ووفق بوجه خاص ، في يوم التعليم .. فقد جمع الأموال وافتتح المدارس ، في شتى أنحاء القطر ، أوان أردت الدقة ، انه ساعد العاملين من ابناء مدن القطر على انشاء المدارس الوسطى التي أرادوها ، وقد كان حدثا أنشأ مدرسة ، أوساعد على انشاء مدرسة ، تخلّى عنها لمصلحة المعارف ، تسيرها وفق مناهجها ، وأولاها ظهره ، وتطلّع الى غيرها .. فقد جعل وكده انشاء المدارس ولاشيء بعد ذلك – ثم ان المؤتمر كان له رأي ونشاط في الميدان الأقتصادي ، وفي اصلاح القرية ، واصلاح الفرد ، ومحاربة الأمية ، وتحسين الصحة العامة ، الى آخر ما الي ذلك مماجعل المؤتمر مرجوا – ثم ولدت الحركة السياسية في المؤتمر وذلك يوم بعث بمذكرة للحكومة يطالب فيها الى جانب حقوق أخرى بحق تقرير المصير ، وقد أحاط المؤتمر هذه المذكرة بتكتم رصين عاشت فيه حتى اللجان الفرعية في ظلام دامس ، ثم أخذ يتداول مع الحكومة الردود بهذا الشأن بدون حتى يعني بأن يقول للجان الفرعية ، بله الشعب ، كيف من الممكن أن يريد حتىقد يكون هذا المصير الذي يطلب حتى يمنح حق تقريره ، ثم انقضت فترة ومشت في المؤتمر روح شعبت أتباعه شيعا على أساس الصداقات وتجانس الميول باديء الرأي ، ثم اتخذ جميع فريق اسما سياسيا وجلس يبحث مبادئه ودساتيره فمنهم من يريد للبلاد اندماجا مع مصر ومنهم من يريد لها معها اتحادا ، ومنهم من يريد لها شيئا لاهوبهذا ولاهوبذاك ، وانما هويختلف عنها اختلافا هوعلى أقل تقدير في أخلاد أصحابه كاف ليجعل لهم لونا يميزهم عن هؤلاء وأولئك . أنبتت هذه الأحزاب وتعددت واختلفت فيمايوجب الاختلاف وفيما لايوجب الاختلاف ، ولكنها كلها متفقة على الاحتراب على كراسي المؤتمر ، وعلى الاستمرار في حرب المذكرات هذه مع الحكومة . وان الحال لكذلك واذا بالخبر يتناقل بقرب مولد حزب حديث ، ثم ولد حزب الأمة بالغا مكتملا ، واتى بمباديء يغاير المعروف منها مباديء الأحزاب الأخرى مغايرة تامة ويكتنف المجهول منها غموض يثير الريب .. والمؤتمر في دورته هذه بيد الأشقاء ، وهم قد كان مبدؤهم الاندماج أول أمرهم ، ولكنهم عندما قدّموا مذكرتهم للحكومة – حسب العادة المتبعة - ظهر أنهم اعتدلوا وجنحوا الى الأتحاد ، ولكن الحكومة ردت عليهم ردا لايسر صديقا . فعكفوا عليه يتدارسونه حسب العادة أيضا .. ولكن هذه مساعي التوفيق تسعى بين الأحزاب لتتحد وتقدم مذكرة جديدة للحكومة ، فكانت مساومات ، وكانت ترضيات ، بين من يريدون الانجليز ، وبين من يريدون المصريين ، وظهرت الوثيقة – هكذا أسموها هذه المرة – الوثيقة التي تنص على حكومة ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا. هذه صورة سريعة جدا مقتضبة جدا لنشاط المؤتمر في السياسة وفي الاصلاح ، ولسائل حتى يسأل لما لم يسر المؤتمر في التعليم على هدى سياسة تعليمية موضوعة ، منظور فيها الى حاجة البلاد كلها في المستقبل القريب والبعيد ،يا ترى؟ ولماذا لم يعن المؤتمر بمناهج الدراسة كما عني بانشاء المدارس ،يا ترى؟ وله حتى يسأل لما عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر اتجهت الى الحكومة تقدم لها المذكرات تلوالمذكرات ، ولم تتجه الى الشعب تجمعه وتنيره وتثيره لقضيته ؟،يا ترى؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولا ثم اتىت مبادؤها أخيرا ؟،يا ترى؟ ولماذا اتىت هذه المباديء حين اتىت مختلفة في الوسائل ، مختلفة في الغايات ؟،يا ترى؟ ولماذا يحدث تحوّر وتطوّر في مباديء بعض هذه الأحزاب بكل هذه السرعة ،يا ترى؟ ثم لما تقبل هذه الأحزاب المساومة في مبادئها مساومة جعلت أمرا كالوثيقة عملا محتملا . وقد سقط واستبشر به بعض الناس ،يا ترى؟ نعم ، لسائل حتى يسأل عن منشأ جميع هذا – والجواب قريب ، هوانعدام الذهن الحر المفكر تفكيرا دقيقا في جميع هذه الأمور . فلوكان المؤتمر موجها توجيها فاهما لفهم حتى هجر العناية بنوع التعليم خطأ موبق لايدانيه الا هجر العناية بالتعليم نفسه ، ولأيقن حتى سياسة ((سر كما تشاء)) هذه المتبعة في التعليم الأهلي سيكون لها سوء العواقب في مستقبل هذه البلاد .. فان نوع التعليم الذي نراه اليوم لن يفلح الا في خلق البطالة ، وتنفير النشيء من الأرياف ، وتحقير العمل الشاق في نفوسهم ، وانعدام الذهن المفكر تفكيرا حرا دقيقا ، هوالذي طوّع للمؤتمر ، يوم ولدت فيه الحركة السياسية – وهي قد ولدت ميتة- حتى يعتقد حتى كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية ، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج ويعلن بها الزبائن بعد وصولها ، حتى تكون مفاجأة ودهشة .. ولوان جميع الأحزاب القائمة الآن استطاعت حتى تفكر تفكيرا دقيقا لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية ، التي جعلت الجهاد في سبيل الحرية ضربا من العبث المزري )) هكذا يصور السفر الأول في عبارات مختصرة ، مبينة ، حالة الحركة الوطنية عند نشأتها ، ويشير بنظر ثاقب ، دقيق ، الى عدم نضجها ، وخطورة اتجاهها ، مما أثبتته السنوات التي عايشناها بعد نيلنا للاستقلال ، من فشل في الحكم ، واستمرار لصور الصراع على السلطة ، وتمكين الطائفية من رقاب الشعب ، واستغلالها للسياسيين ، وللحكومات ، لتضليل الشعب وتحريكه بالاشارة في الأنتخابات ، وفي اقامة الحكومات وفي اسقاطها ..


اتجاه الجمهوريين العام

في ذلك الوقت وفجر الحركة الوطنية يرسل خطوط ضوئه الأولى وضع سفر الجمهوريين الأول هذا ، يدنا على الخطوط العريضة لاتجاههم فلنتابع الأستماع اليه ، اذا يقول : ((نحن اليوم بسبيل حركة وطنية ، تسير بالبلاد ، في شحوب أصيل حياة العالم هذه المدبرة ، الى فجر حياة حديث على هدى من الدين الاسلامي وبرشد من الفحولة العربية ، وبسبب من التكوين الشرقي ، ولسنا ندعو، أول ماندعو، الى شيء أكثر ، ولا أقل من اعمال الفكر الحر في مانأتي ، وماندع من أمورنا – الفكر الحر الذي يضيق بكل قيد ويسأل عن قيمة جميع شيء ، وفي قيمة جميع شيء ، فليس شيء بمفلت عن البحث ، وليس شيء بمفلت من التشكيك فلايظنن أحد حتى النهضة الدينية ممكنة بغير الفكر الحر ، ولايظنن أحد حتى النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر ، ولايظنن أحد حتى الحياة نفسها يمكن حتى تكون منتجة ممتعة بغير الفكر الحر .. ان الحزب الجمهوري لايسعى الى الاستقلال كغاية في ذاته ، وانما يطلبه لأنه وسيلة الى الحرية ، وهي التي ستكفل للفرد الجوالحر الذي يساعده على اظهار المواهب الكمينة في صدره ورأسه . ويؤمن الحزب الجمهوري ايمانا لاحد له بالسودان ، ويعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف الى ذخر الأنسانية ألوانا شهية من غذاء الروح وغذاء الفكر ، اذا آمن به أبناؤه فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة ، ومقوماته ، لاهطاع نحوالغرب ، ونحوالمدنية الغربية في غير روية ولاتفكير .))


وحدة الفكر

فالدعوة الاسلامية الجديدة التي تقوم ، أول ماتقوم ، على الفكر الحر ، والتي يتعلق بها أمل الأنسانية للخلاص من افلاس الحضارة الغربية قد اتىت قوية ، مفجرة لطاقة الفكر ، مذكية لحرارة الوجدان ،منذ اليوم الأول لميلاد الفكرة الجمهورية .. لم يجد فيها حديث ، اللهم الا زيادة تفصيل ، ودقة تبيين .. وانه لمما يدعم هذا التقرير ، الذي نقرره ، ان تقويم الجمهوريين للحضارة الغربية الذي برز في خطهم الأخيرة ، هوهو، رأيهم ، وتقويمهم لهذه الحضارة ، منذ نشأتهم فقد اتى في السفر الأول الذي صدر في أكتوبر 1946م ، هذا القول: (( ورأي هذا الحزب في المدنية الغربية هوأنها محاولة انسانية نحوالكمال ، وهي ، ككل عمل انساني خطير ، مزاج بين الهدى والضلال ، وهي لهذا جمة الخير ، جمة الشر .. وشرها أكبر من خيرها وهي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها ، وبريقها ، وزيفها عن مجال الخير فيها ، ومظان الرشد منها .. ويرى هذا الحزب أننا ماينبغي حتى نتقي هذه المدنية بكل سبيل كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق ، ولاينبغي حتى نروّج لها بكل سبيل ونعتنقها كما يريد بعض المفتونين المتطرفين من أبناء الشرق .. وانما ينبغي حتى نتدبرها وأن ندرسها وأن نتمثل الصالح منها . وهذه المدنية تضل وتخطيء من حيث تنعدم فيها معايير القيم ، وتنحط فيها اعتبارات الأفكار المجردة ، فليس شيء لديها يبلغ فتيلا ، اذا لم يكن ذا نفع مادي يخضع لنظام العدد والرصد فهي مدنية مادية ، صناعية آلية ، وقد أعربت افلاسها وعجزها عن اسعاد الأنسان لأنها كفرت بالله وبالانسان . ويعتقد الحزب الجمهوري ان الشرق عامة والسودان خاصة يمكنهما حتى يضيفا عنصرا الى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة اليه ، وذلك هوالعنصر الروحي)) .. أليس هو، يكادقد يكون بحروفه ، نفس ماورد في رسالة الصلاة الصادر عام 1966م ، اذا يقول : ((على ان الاسلام لايمكن حتى يتحقق بغير مدنية جديدة أوقل روح مدنية جديدة ينفخ في هيكل المدنية الغربية الآلية الحاضرة فيوجهها وجهة جديدة ويعطيها قيما جديدة)) ((ان المدنية الغربية الآلية الحاضرة عملة ذات وجهين : وجه حسن مشرق الحسن ، ووجه دميم . فأما وجهها الحسن فهواقتدارها في ميدان الكشوف الفهمية ، حيث أخذت تطّوع القوى المادية لاخصاب الحياة البشرية ، وتستخدم الآلة لعون الانسان . وأما وجهها الدميم فهوعجزها عن السعي الرشيد الى تحقيق السلام)) واتى عن المدنية الغربية في كتاب الرسالة الثانية من الاسلام الصادر عام 1967م مايلي : ((وهذه المدنية الغربية الآلية الحاضرة فقد بلغت نهاية تطورها ، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في حتى تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر)) ((وسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة في تنظيم المجتمع الحاضر هوأنها بلغت نهاية تطورها المادي الصرف في هذه الفترة الحاسمة من مراحل تحولات المجتمع البشري المعاصر ، وأصبحت تفتقر الى عنصر حديث تشفع به عنصرها القديم وتلقحه به وتزيد بذلك من طاقتها على التطور ومن مقدرتها على مواكبة وتوجيه حيوية المجتمع الحديث .))


المرأة

ومن المسائل التي نفذت اليها دقة البصر والبصيرة ، في ذلك الوقت البعيد ، مسألة المرأة ، فقد كانت نظرة الجمهوريين لها متجهة اتجاها سليما ، يؤكد وحدة الفكرة لديهم ، اذ كان واضحا عندهم ضرورة مراعاة المواهب المتنوعة عند التعليم المهني المعائشي، وعند التوظيف ، فكانوا يقولون أنه ليس من مصلحة الفرد ولا مصلحة الجماعة ، مثلا ، حتى نخلق الموسيقار ممنقد يكون استعداده الطبيعي انقد يكون طبيبا ، ولا حتى نضع المرأة في مكان الرجل ، ولا الرجل في مكان المرأة .. ولقد اتىت الفقرات التالية من السفر الأول معبرة عن هذا الاتجاه : ((وأما عن تعليم المرأة عندنا فيرى الحزب حتى سيره على هدى الغرب فاشل فشلا ذريعا ، فهم قد حاولوا حتى يسيروا بها في مراحل الرجل فلم يفلحوا الا في جعلها شيئا لاهوبالرجل ولاهوبالمرأة ، واذا كان التعليم هوكما أسلفنا تنمية المواهب الطبيعية والحفز على استعمالها بكيفية تكفل للفرد السعادة وتعود على الجماعة التي يعيش فيها بأبر الخدمات ، كان من المحقق حتى تفهم المرأة تعليما هوبسبيل من هذا ، تعليما يسلكها في ميدانها الخاص ، لا في ميدان الرجل . هذا من ناحية التعليم في التوفر على مسببات المعاش ، وأما التعليم الديني فهويخاطب المرأة كما يخاطب الرجل ويطلب من كليهما حسن السيرة ، وقوة الحق ..))

ثنائية التعليم

واليوم ، وفي عام 1975م ، لايزال الناس يناقشون مشاكل التعليم ويبحثون عن اصلاح المناهج ، ولانزال نعاني من عدم توجيه التعليم بالصورة التي توائم بين المتفهم وبيئته ، وتحفزه لحب العمل ، وتبث فيه روح الخلق والأتقان . ولقد مررنا ، فيما تجاوز لنا من نقل ، على اشارة الجمهوريين لعيوب التعليم منذ ذلك الوقت ، وأخذهم على المؤتمر سيره على نهج الاستعمار في التعليم ، بل ان الجمهوريين قد بادروا باثارة موضوع ثنائية التعليم ، وضرورة ازالته ، وهي الثنائية التي لم تزل بقاياها تنفث ضررها على البلاد ، ويتمثل ذلك في وجود جهاز ((الشئون الدينية)) و((جامعة أمدرمان الاسلامية )) لقد اتىت الاشارة الى ثنائية التعليم ، في السفر الأول هكذا : ((ومايرى الحزب الجمهوري حتىقد يكون هناك تعليم ديني وتعليم مدني جميع في منطقة منعزلة عن الأخرى ، ولايرى حتىقد يكون للرجل أخلاق في المصلّى ، وأخرى غيرها في الحانوت ، أوالشارع ، وانما يرى حتى يتفهم الناس أمور دينهم وأمور معائشهم ثم يضطربون في ميدان الحياة بأجسام خفيفة وأرواح قوية وقلوب ترجولله وقارا ..)) لقد تحددت الغاية واتضح الطريق فانطلق الجمهوريون وهم الفئة القليلة نحوهدفهم لايلوون على شيء ولايصدهم عن وجهتهم صاد ، من رغبة أورهبة .. وكان لسقط أقدامهم دوي ، ولصوتهم قوة بعثت موات النفوس ، وزلزلت الأرض تحت المستعمرين.

الجمهوريون يلقون بكلهم في المعركة

لقد شهدنا آنفا كيف من الممكن أن بدأ النشاط السياسي من خلال المؤتمر وأحزابه حبيسا بين جدران ممحرر المؤتمر ودواوين الحكومة ، لم يزد على تبادل المذكرات بين الجانبين ، فكانت خطوات زعماء المؤتمر مكبلة بتوجس وحذر شديدين .. وكان الميدان السياسي يعاني فراغ الفكرة ، وفراغ الحماس .. فرأى الجمهوريون حتى يملأوا أولا فراغ الحماس ، وان لم يغب عنهم أمر الفكرة ، فاندفعوا في لقاءة صميمة يوزعون المنشورات المسقطة باسمهم ، ويلقون الخطب السياسية على الشعب في أماكن وجوده .. في الميادين العامة ، في المقاهي ، وحيث وجدوه يبصرونه بقضيته ويثيرون حماسه ضد الأستعمار ، فانزعج الأنجليز لهذا الأقدام وهذه الصلابة ، في لقاءتهم فهبوا لكبت الجمهوريين واسكات صوتهم ، ولكن الجمهوريين صمدوا ، وأروا الانجليز أنهم لايهابون سجنهم وارهابهم ، بل رفضوا حتى ينصاعوا لأمرهم بوقف النشاط السياسي ، وفضلوا السجن في سبيل ذلك .. فلقد اعتقل الأستاذ محمود وكان في معتقله أكثر لقاءة للأنجليز مما اضطرهم لاطلاق سراحه قبل تمام مدة الحكم المقررة ، فقد خرج من السجن بعد خمسين يوما بلاقيد ولاشرط ..

صورة خطابي استنادىء البوليس للتحقيق مع الأستاذ محمود

نثبت فيما يلي صورة الخطابين الموجهين للأستاذ محمود : الأول من البوليس للتحقيق معه في شأن نشاطه السياسي ، والثاني من قاضي الجنايات للمثول أمام المحكمة للقاءة الأتهام بالنشاط السياسي وتوقيع تعهد بالكف عن ممارسته النشاط ضد الحكومة :


CID/36.H Criminal Investigation Department P.O.Box 288 Khartoum, 24 March, 1946 Mahmoud Mohed Taha, Merchant, Omdurman,

Dear sir, You are hereby required to attend at the C.I.D office atتسعة a.m on 25/3/46 to answer questions respecting some circulars purporting to have been issued by the Republicans. Please acknowledge receipt of the letter

Yours Faithfully, (G.E.S Price) Superintendent, C.I.D.


Summons on information of a probable Breach of the peace. (see sections 81 and 84) To Mahmud Mohed Taha, Contractor, Omdurman. Whereas it has been made to appear to me by credible information that you have issued a pamphlet which is deemed to be likely to excite feelings of disaffection to the government and to lead to a breach of the peace or to disturb the public tranquility: You are hereby summoned to attend in person at the Police Magistrate’s Court on the 2nd day of June, 1946 at 08:45 a.m to execute a bond for £s 50 and also to give security by bond of one surety in the sum of £s 50 that you will keep the peace and refrain from illegal acts likely to disturb the public tranquility for the period of two years or to show cause why you should not execute such bond and give such security. Dated this 29th of May, 1946 W.C. McDowell Police Magistrate, Khartoum


ترجمة الخطابين

(( مخط التحريات الجنائية 36هـ/م.ت.ج ص.ب 288 الخرطوم في 24 مارس 1946م

محمود محمد طه تاجر أم درمان

السيد المحترم بموجب هذا مطلوب حضورك بمخط التحريات الجنائية الساعةتسعة صباحا يوم 25/3/46 للاجابة على اسئلة تتعلق بمنشورات يعتقد انها صدرت عن الجمهوريين … أرجوالتكرم بالتوقيع باستلام هذا الخطاب.

المخلص ج.أ.س برايس ملاحظ، مخط التحريات الجنائية

"ورقة تكليف بالحضور للأدلاء بمعلومات تتعلق باحتمال الاخلال بالسلام" "انظر المادتين 81 و84" الى محمود محمد طه، مقاول، أم درمان. بما انه قد تبين لي بمعلومات موثوق بها انك قد اصدرت منشورا يعتقد انه من المحتمل حتى يثير الشعور بالكراهية ضد الحكومة ويؤدي الى الاخلال بالسلام، أوالى ازعاج الطمأنينة العامة. فأنت بموجب هذا، مطلوب حضورك شخصيا للمثول أمام محكمة الجنابات في اليوم الثاني من يونيو1946 الساعة 8:45 صباحا لتسقط على كفالة مالية قيمتها خمسون جنيها، وأيضا لتسقط على كفالة بواسطة ضامن واحد بمبلغ خمسين جنيها على حتى تحفظ السلام وتمتنع لمدة سنتين عن القيام بالاعمال غير المشروعة والتي من المحتمل حتى تخل بالطمأنينة العامة، أوتبين السبب الذي يمنعك عن التوقيع على هذه الكفالة وهذا الضمان..

بتاريخ اليوم التاسع والعشرين من مايو1946 و.س ماكدوال قاضي جنايات، الخرطوم ((

  • يلاحظ في خطابي البوليس وقاضي الجنايات تعمّد الانجليز تجاهل محاورة الاستاذ محمود بوصفه رئيسا لحزب .. فقد خاطبوه في الخطاب الأول بأنه "تاجر" وفي الخطاب الثاني بأنه "مقاول" !! ولكن أي تجارة هذه، وأي مقاولة، تلك التي تقض مضاجع الاستعمار، حتى يحاول حتى يكمم الافواه ويغيّب الاحرار بين جدران الزنزانات!؟


انباء لقاءة الجمهوريين تشغل صفحات الصحف

وقد شغلت انباء لقاءة الجمهوريين للانجليز صفحات الصحف في تلك الايام. وهذه نماذج لما كانت تنشره من انباء :- ((الرأي العام – 3/6/1946 مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس امس امام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي حتى يسقط على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام لايشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. ويودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك.. ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن، وقد اقتيد لتوه الى سجن كوبر.)) … هكذا اراد دهاء الانجليز!! لا حتى يسكت صوت الوطنيين وحسب، وانما ان يذلهم ليطأطئوا رؤوسهم الى الابد، وذلك بأن يسقطوا وثيقة تخاذلهم وتنازلهم عن مبدأ النضال، ولكن الجمهوريين لم يفت عليهم ذلك، ولم يهنوا أمامه.. فاختاروالسجن على حتى يتعهدوا بالاستكانة في وجه المستعمر ..


داخل السجن

وفي داخل السجن لم يصمت الاستاذ محمود ولم يخضع لما يهين كرامة الانسان.. والبيان الرسمي التالي يعطي صورة عن مواقفة داخل السجن: (( الرأي العام – 26/6/1946" بيان رسمي من مخط السكرتير الاداري عن رئيس الحزب الجمهوري: (ظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثا بخصوص محمود محمد طه الذي هوالآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه حتى يمضي كفالة المحافظة على الأمن.. وهذه البيانات قد احتوت على معلومات غير دقيقة، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود محمد طه حتى يشتغل، وهذا يخالف قوانين السجن فلم يعمل له أي شئ في اليوم الاول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام "بالزنزانة" و"الاكل الناشف" ولوأنه رفض أيضا حتى يقف عند الكلام مع ضابط السجن فان العقوبة التي نالها الان لم تعط له نتيجة المخالفة لنظام السجن، وبهذه المناسبة يجب حتى يفهم حتى جميع المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب حتى يقفوا الى ضابط السجن انجليزيا كان أوسودانيا ..))


الاستعمار يرغم على اطلاق سراح الاستاذ محمود محمد طه

لقد كانت لقاءة الجمهوريين داخل السجن وخارجه مقلقة للاستعمار ومحطمة لكبريائه فاضطر الى اطلاق سراح الاستاذ بلا قيد ولا شرط قبل حتى يكمل مدة الحكم بسجنه سنة، وذلك بعد مضي خمسين يوما من سجنه، فكان لهذا الموقف صدى طيب في أوساط الشعب على اختلاف اتجاهاته، فانهالت برقيات الاعجاب والتهنئة من المواطنين وفيما يلي نعرض نماذج منها :-

  • سكرتير الحزب الجمهوري – أم درمان

كان سجن الرئيس درسا وطنيا قيما لشباب الجيل في الايمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني حسن بابكر – القضارف 24/7/1946.

  • محمود محمد طه – الحزب الجمهوري أم درمان

تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسموكريم المضى ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق يا للعجب ياسجينا قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب أحمد محمد عثمان – عطبرة 29/7/1946

  • الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري – أم درمان

أعضاء جبهة المؤتمر الوطنية بالابيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للايمان بالوطنية الصادقة ويعدّون جهادكم رمزا للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون اخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد . السكرتارية 24/7/1946


• أمين صديق ، البوستة الخرطوم للرئيس دخلته رجلا وغادرته بطلا وضربته مثلا علي عبد الرحمن – الابيض 23/7/1946

  • سكرتير الحزب الجمهوري – الخرطوم

ان جميع اعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالافراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعا يبتهلون الى الله حتى يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد. سكرتير عام الجبهة الوطنية – سنجة 2/8/1946

  • محمود محمد طه – أم درمان

عهدنا فيك المثل الاعلى منذ عهد الطلب، فسرّنا حتى يعهد القاصي والداني هذا القلب الكبير صديق الشيخ – كوستى 30/7/1946

  • محمود محمد طه – أم درمان

أوفيت كرامة السودان وابائه حقهما – فلتعش رمزا صادقا للوطنية الخالصة ، لك تقديرنا واعجابنا . اتحاد طلبة كردفان – الابيض 23/7/1946

  • محمود محمد طه – أم درمان

لقد سجلت بعزمك القوي وايمانك الصادق فخرا للأجيال فلتعش مرفوع الرأس – لك منى التهاني،يا ترى؟ الطيب حسن/عطبرة 24/7/1946

إلى غير ذلك كان رد العمل وسط المواطنين، اذكاء لروح الوطنية، واحياء للشعور بالعزة والكرامة، بعد طول موات



نشاط الجمهوريين يتصاعـد

ونشرت جريدة الرأي العام في نفس الأسبوع الذي سجن فيه الاستاذ الخبر التالي: ((القى الاستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطابا عاما أمس الاول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد القاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استنادىه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبيرة ينفذها الحزب الجمهوري )). كان هذا هوشأن الجمهوريين في العمل السياسي حين كانت الاحزاب قد شيعت وفدا جمع شتاتها لمراقبة المفاوضات الانجليزية المصرية التي عقدت بالقاهرة .. فكان رجال الوفد ينزلون بأفخم الفنادق ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويقيمون الحفلات الفاخرة .


مطالب الوفد السوداني بالقاهرة

ففي جريدة الرأي العام بتاريخ الاربعاء 28/3/1946 نشر خبر اتى فيه حتى الوفد السوداني عقد مؤتمرا صحفيا أعرب فيه : (( حتى مطالب السودانيين تتلخص في : (1) اقامة حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وقد هجر تحديد نوع هذا الاتحاد معلقا لم يبت فيه (2) مصر والسودان سيقرران معا طبيعة هذا الاتحاد . (3) عقد محالفه مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الأتحاد المصري السوداني ))


طلبة الكلية والطائفية

وفي الوقت الذي كان الجمهوريون فيه ينددون بانسياق زعماء الاحزاب والمؤتمر وراء الطائفية ، نجد حتى طلبة الكلية مظنة الثورة ، والتحرر ، والنزوع الى التطرف في نبذ القديم .. نجدهم دون المستوى المطلوب ، فهم أيضا قد انخدعوا بالطائفية .. فهذا وفد من اتحادهم يتصل بزعماء الطائفية فيما تحدثنا جريدة الرأي العام بتاريخ 10/4/1946م:

((اتحاد الطلبة في دار السيدين اتىنا البيان الآتي من سكرتارية اتحاد طلبة كلية غردون : بمناسبة الحوادث الوطنية الأخيرة وسفر وفد السودان الى مصر زار جماعة من اتحاد طلبة كلية غردون السيدين الجليلين في داريهما فوجدوا زيادة على الترحاب واللقاءة الحسنة روحا وطنية فياضة وتلقوا من السيدين العظيمين نصائح ثمينة وآراء قيمة تنير السبيل السوي للخدمة الصادقة في سبيل الوطن .. حيا الله السيدين الجليلين وأبقاهما ذخرا لهذه البلاد .))


هذه هي الروح التي كانت تلف المثقفين ، وهذا هومدى وعيهم .. لقد تصدى الجمهوريون للقاءة الاستعمار لما رأوا فتور الهمم ووجل القلوب ، حين كان رجال الأحزاب يجعلون بأسهم بينهم ، ويستغرقهم صراعهم على زعامة الشعب ، حتى ساروا في ركاب الطائفية ، ومن ورائها دولتي الحكم الثنائي .. وكما رأينا ، من مذكرات المؤتمر ، ومن بيانات الوفد السوداني بمصر ، فان الصراع غدا ، في الحقيقة ، من أجل الانجليز والمصريين ، وليس من أجل استقلال السودان ، ولاحرية السودان ، وان لم يشعر بذلك هؤلاء المتصارعون .. فانبرى الجمهوريون ينبهون لخطورة الانقسام في الحركة الوطنية على ذلك النحوالمزري .. وهذا واحد من بياناتهم التي صدرت في ذاك الحين ، بتاريخ 18/2/1946م :

[[(( هذا نذير من النذر الأولى ياجماعة الأشقاء وياجماعة الأمة – أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية – أيها القادحون قادحات الاحن بين أبناء الأمة – أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة ، أيها المرددون النغمة المشئومة – نغمة الطائفية البغيضة – انكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها .. ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء الى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام ، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الانجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام .. أنتم تريدون ابقاء المصريين ، وأنتم تريدون ابقاء الانجليز ، فاذا اجتمعت حدثتكم فانما تجتمع على ابقاء المصريين والانجليز معا .. ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لاتقوون على مواقف الرجال الأشداء ، وأنتم تتمسحون بأعتاب الانجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء .. أنتم تريدون السلامة ، وأنتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون .. أنتم تستغلون سيدا لايعهد ماتريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعهد مايريد ، والبلاد بينكم أنتم ، وأنتم ، على شفا مهواة ومهانة .. فليلطف الله ببلاد لايخدم نهضتها الا صغار الموظفين ، أوكبار الموظفين ، وليتدارك الله دينا باسمه يحيا أناس في برد العيش ، وقرار النعمة ، ورخاء الدعة ، وباسمه هم لأبنائه يكيدون .. ياهؤلاء ، وهؤلاء : ان الله لواحد ، وان الدين لواحد ، وان الوطن لواحد ، ففيم تنقسمون على هذا النحوالمزري . ياهؤلاء ، وهؤلاء : كونوا ليوثا غضابا ، أوفكونوا قردة خاسئين ، وارحموا شباب هذا الوادي المسكين ، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارة وهوانا .. ياهؤلاء ، وهؤلاء – لأنتم أشأم على هذه البلاد من جميع شؤم وشؤم .. أيها السادرون من هؤلاء وهؤلاء ، لاتحسبن الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب ، كلا !! فلتشهدن يوما تجف لبهتة سؤاله أسلات الألسن ، يوما يرجف جميع قلب ، ويرعد جميع فريصة .. أما بعد : فهذا نذير بين يدى صاخة ، تمزق مسامع من أصمّه الطمع ))]]


الأبعاد السياسية والإجتماعية لمسألة الخفاض الفرعوني

في أوائل عام 1946م وقد انتظمت البلاد حماسة الوطنية وتكثف النشاط السياسي .. في هذا الوقت الذي تهيأت فيه دولتا الحكم الثنائي مصر وبريطانيا لعقد مفاوضات صدقي – استانسجيت بشأن مصر والسودان ، وفي الوقت الذي علا فيه صوت السودانيين بالمطالبة بالاستقلال ، في تلك الساعة ، سن الانجليز قانون الخفاض الفرعوني ، وتشددوا في تطبيقه .. ولماكانت عادة الخفاض الفرعوني عادة متأصلة في المجتمع السوداني ، وهي مرتبطة في الأذهان أشد الأرتباط بالعرض والشرف ، كان المنتظر بداهة ، لدى الأنجليز ، حتى يقاوم السوداينون هذا القانون بأشد من مقاومتهم للأستعمار نفسه ، وذلك للحساسية المرتبطة بهذا القانون .. وعندما يقع رد العمل بهذه الصورة ، يسهل عليهم حتى يصوروا للعالم بأن الشعب السوداني شعب متخلف ، همجي ، وهو، من ثم ، لم يتأهل بعد للأستقلال – هذا ما أراده الانجليز عملا ، من وراء سن قانون الخفاض الفرعوني الذي لم يدفعهم اليه حرصهم على المرأة السودانية ، وعطفهم على السودانيين .. فانخدع بذلك كثير من المثقفين ولم يفطن لهذه الخدعة ، وهذه الأهانة التي تلحق بالمرأة السودانية ، وبالرجل السوداني من تطبيق هذا لقانون ، الا الجمهوريون فهبوا الى محاربته من هذا المنطلق ، فحسبهم بعض المثقفين ، جهلا ، مدافعين عن عادة الخفاض الفرعوني الذميمة .. ومادروا انما الأمر دفاع عن كرامة أمة ، أراد حتى يهدرها الاستعمار بهذا القانون ..


استثمار المناسبة

لقد صمم الجمهوريون على استغلال مناسبة اصدار هذا القانون بتوعية الشعب بكيد الانجليز ، وتصعيد الشعور بالكراهية نحوهم .. صونا لكرامة المرأة السودانية أولا ، وخدمة لقضية الحرية ثانيا .. وقد أصدروا بيانا في أول الأمر ، وأعقبوه بالخطابة ، في المسجد ، وفي الشارع .. وقد كان تحليلهم للقانون ، وتسقطاتهم لما سيترتب عليه ، كلها سليمه أثبتها الواقع بعد ذلك .. وهاكم مقتطفات من بيانهم الأول : ((لانريد بكتابنا هذا ، حتى نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ، ولانريد حتى نتعرّض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السوان ، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم الي يومنا هذا – ولكننا نريد حتى نتعرض لمعاملات خاصة ، وأساليب خاصة ، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان ، أوقل ، ابتدعتها ابتداعا وأرادتنا حتى ننزل على حكم ابتداعها ارغاما )) ((من الآيات الدالّة على سوء القصد ، في هذه الأساليب ، اثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف .. وأساليب النادىية التي طرقتها له ، والطرق التي ارتأتها مناسبة لابطاله ، والقضاء عليه ، ولقد اتىت هذه الآيات دليلا واضحا على التضليل المقرون بسبق الإرادة ))


قانون عجيب

لاشك في حتى مجرد التفكير في الالتاتى الى القانون ، للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس تأصل الخفاض الفرعوني مرشد قاطع على حتى حكومة السودان اما حتىقد يكون قد رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها حتى تثنيه عن جميع مبدأ ، أوعقيدة ، أوحتى تكون قد أرادت حتى تقول للعالم الخارجي حتى السودانيين قوم متعنتون ، وأن تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ، هونفس التعنّت الذي وقف في سبيلنا ، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والأستفادة من مياه الدندر ، والرهد ، والأتبرا ، والتوسع في التعليم .. هذا من ناحية الالتاتى للقانون .. وأما القانون في ذاته فهوقانون أريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة .. ((قل لي بربك !! أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره ؟،يا ترى؟ وأي كريم يرضى حتىقد يكون سببا في ارسال بنات جاره ، أوصديقه ، أوعشيره للطبيب للكشف عليهن؟،يا ترى؟ عجبا لكم ياواضعي القانون - أمن العدل ، والقانون حتى تستذلونا باسم القانون ؟،يا ترى؟ أومن الرأفة بالفتاة حتى تلقوا بكاسيها في أعماق السجون ؟،يا ترى؟ ))


لقاءة عملية

كان هذا البيان قد خرج ساعة صدور قانون منع الخفاض في ديسمبر 1945م .. وفي سبتمبر 1946م ظهرت أول آثار القانون التي تسقطها بيان الجمهوريين ، فقد اقتيدت الى السجن سيدة سودانية ، في رفاعة ، لأنها خفضت ابنتها ، مخالفة للقانون .. ولقد أهدت تلك الحادثة لقاءة عملية للقانون من الجمهوريين .. فقد ألقى الأستاذ محمود خطبة بمسجد رفاعة اتى فيها : - ((ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي ، والزوايا ، أيها الناس ، وانما هووقت الجهاد .. فمن قصّر عن الجهاد ، وهوقادر عليه ، ألبسه الله ثوب الذل ، وغضب عليه ، ولعنه . أيها الناس : من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه ، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره ، فلن ينصره الله على عدو. ألا ان منظر الظلم شنيع ، ألا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأى مظلوما لاينتصف من ظالمه ، ومن رأى ذليلا لاينتصر على مذلّه ، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الى النصرة ، والمدافعة ، فليس له من الايمان ولاقلامة ظفر .)) واستجاب الناس لهذه الخطبة ، وتحركوا من توهم ضد الاستعمار وقانونه المجحف .. ونهجر تصوير الأحداث لجريدة الرأي العام التي تابعت تطوراتها :


(( الرأي العام 21/9/46 - نشرنا قبل أيام ، حتى السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض ، لأنها خفضت بنتا ، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة .. واتىنا اليوم تلغرافيا ، بتوقيع أهالي رفاعة ، حتى السلطات عادت فسجنت المرأة ، وعندما فهم الجمهور بالأمر خرج من الجامع ، واقتحم السجن ، وأطلقوا سراح المرأة ، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين ، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضا ، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة ، وأخذها الى جهة غير معلومة .. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا ، ومنعت السلطات المعدية من العبور ، وأضربت المدارس ، وأغلق السوق ، وقامت مظاهرة عمومية ، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء ، وفي جميع مكان)) تعليق :- رغم منع السلطات اجتياز المعدية فان الجمهور عبر بقوارب الصيد ..

((الرأي العام الأثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر ، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا ، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس .. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة ، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك ، فتحطم كثير من الأبواب ، والنوافذ ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين .. وعلى أثر ذلك ، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة ، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة))

(( الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتنطق بعض الناس من رفاعة ، والحصاحيصا ، منهم الأستاذ محمود محمد طه ، وشقيقه مختار محمد طه ، فوضعوا في سجون رفاعة ، والحصاحيصا ، ومدني .))

((الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس ، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم .. وقد خطب منصور عبد الحميد في احدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق ، فاعتقله البوليس للتحقيق - وكان الغرض من الموكب ، والخطبة ، الأحتجاج على اعتنطق رئيسه ، والتنديد بقانون الخفاض. ))

((الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جباره ، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري .. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري ، وقانون الخفاض ، وكبت حرية الرأي والخطابة ))

(( الرأي العام 1/10/1946م بيان رسمي عن الحزب الجمهوري تريد الحكومة حتى تؤكد حتى الأشخاص الذين قبض عليهم ، في رفاعة ، ثم في الخرطوم ، والخرطوم بحري ، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني .. فكل إنسان له الحق في حتىقد يكون له رأيا خاصا ، وأن يعرب عنه ، بالطريقة المشروعة .. فالاشخاص الذين في رفاعة قبض عليهم لاثارة الشغب ، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري ، قبض عليهم لالقاء خطب مثيرة ، علانية ، يحتمل حتى تعكر صفاء الهدوء العام ، وأن تثير اخلالا بالأمن .))


اطلاق الرصاص على الجمهور الثائر

وفي بيان رسمي آخر عن اعتنطق الأستاذ برفاعة ، وثورة الجمهور ، وتحركه لاطلاق سراحه ، واطلاق البوليس الرصاص عليهم اتى مايلي :

  • ((الرأي العام 7/10/1946 : اتىت قوة كبيرة من البوليس من مدني ، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي ولج الى رفاعة برفقة ضابط سياسي ، وقابل المفتش ، وقمندان البوليس ، ورجع الى مقر فرقته .. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه ، وأحضر الى المركز .. وأثر ذلك تحرك جمهور كبير نحوالمركز ، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع ، خارج المدينة .. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز ، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز ، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز ، ولما لم يقفوا ، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم ، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز ، ولم يصب غير أربعة أشخاص ، أثنان منهم باصابات بسيطة جدا ، وأما الرابع ، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا))


اشتراط مناقشة القانون

• (( الرأي العام 10/10/1946 - فهمنا حتى الأستاذ محمود محمد طه رفض حتى يقبل محاميا للدفاع عنه ، وأنه أعرب بأنه لن يدلي بأية أقوال للتحقيق الا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض .))


==محاكمات أحداث رفاعة--

  • (( الرأي العام 21/10/1946 - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على جميع من : عباس المكي ، عوض القريض ، أحمد الأمين ، محمد الياس ، الزبير جاد الرب ، عبد العال حسن ، أحمد عثمان ، حمد النيل هاشم ، علي مالك ، محمد الحاج على ، بابكر وقيع الله ، عبد الله حامد الشيخ ، حسن أحمودي ، منصور رجب ، عبدون عجيب - وحكم على "صبي" بالجلد .))


محكمة كبرى بمدني

• (( الرأي العام 17/10/1946 – حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات ، بسنتين سجنا على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ، بتهمة اثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه .))


محاكمة الجمهوريين بالخرطوم بحري تحت المادة 105

• (( الرأي العام 19/10/1946 – أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة 105 وكانت الأحكام كالآتي : عثمان عمر العتباني ثلاثة شهور سجنا ، سعد صالح عبد القادر ، شهر سجنا ، ذا النون جباره شهر سجنا وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر ، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري ، والعمدة عمر كويس .))


صوم الأستاذ

لقد كانت أيام الأستاذ بالسجن عامرة بالصيام ، صيام النهار وصيام المواصلة ، ولقد ظنه الناس اضرابا عن الطعام ، على مألوف العادة لدى السجناء السياسيين أحيانا ، وماهوبذاك وقد تواترت الأخبار عنه في الصحف ، واهتم به الناس ، وأشفقوا ولقد كان هذا الصوم من مذكيات روح السخط على الاستعمار .. وقد اتى هذا الخطاب مصححا للأعتقاد الخاطيء عن صوم الأستاذ :- • (( الرأي العام 5/10/1946 حضرة رئيس تحرير الرأي العام .. بالاشارة الى الخبر المنشور في صحيفتكم عن اضراب رئيس الحزب الجمهوري عن الطعام ، أعهدكم حتى الأستاذ كان صائما في اليوم الذي أعتقل فيه ، وليس مضربا ، وأنه قد أفطر ليلا .. وقد قابلت ضابط السجن – بوصفي خالا للمعتقل – في يوم وصوله ، وسمح لي بتقديم الطعام اليه في جميع يوم .. ومن هذا يتضح حتى الأستاذ لم يكن مضربا عن الطعام كما نشر .. وختاما تقبلوا سلامنا . التوم محمد حمزه ))


اغلاق الأندية احتجاجا

• (( الرأي العام 24/10/1946 - بهذا اليوم ، أتم الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري السجين ، ستة أيام من صيامه .. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني ، والأندية الرياضية ، احتجاجا على سوء معاملته .. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري ، والمواطنين على السلطات بالاحتجاج .))


كيف تعاملون رئيس حزب بأسوأ من معاملة اللصوص ؟،يا ترى؟

• (( الرأي العام 24/10/1946 من حدثة بعنوان "خواطر" ((وشاءت الحكومة حتى تضع الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري ، في الدرجة الثالثة بالسجن ، حيث يلقى المعاملة التي يعامل بها حثالة المجرمين من أحقر طبقات المجتمع .. وكان حتى صام الأستاذ محمود ، وأضرب عن تناول الطعام ، والشراب ، منذ أربعة أيام ، احتجاجا على هذه المعاملة القاسية)) .. ((هذا التصرف الغريب من قبل حكومة السودان ، لايقابل من جميع السودانيين الا بالاستنكار ، فليس من الأنصاف في شيء ، حتى يوضع إنسان مثل الأستاذ محمود له مكانته الإشارة في المجتمع في الدرجة الثالثة بالسجن ، وينال هذه المعاملة القاسية ..))


الشعب السوداني شعب عملاق

لقد أثبتت هذه الأحداث حتى الشعب السوداني شعب أصيل ، شجاع ، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة ، والشرف ولاينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته ، ويحرك حسه الوطني .. فاذا عثر قائدا ، في مستواه ، فان المعجزات تجري على يديه ، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده .. حقا كما نطق الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار ، فيما بعد ، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام ))


جازت خدعة قانون الخفاض على بعض المثقفين!!

لقد انخدع بعض المثقفين بقانون الخفاض الفرعوني ، ولم يطالعهم وجهه الآخر .. ولما تزل هذه الخدعة تجوز على كثير من الناس ، بل انها قد جازت على بعضهم بأثر رجعي !! ومن هؤلاء الدكتور سعيد محمد أحمد المهدي ، عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم ، سابقا فقد عبرعن تقويمه لهذا الأمر في منطق له بجريدة الصحافة بتاريخ 30/11/1968 ، وهويعلق على مهزلة محكمة الردّة .. حيث نطق : (( وأذكر أنه قبل عشرين عاما ، بالتمام والكمال ، وأنا طالب في مدرسة رفاعة الأميرية الوسطى بالسنة الأولى ، ان الناس كانوا يتحدثون عن ثورة محمود محمد طه التي سجن من جرائها . ذلك أنه قاد الجماهير الغاضبة من رفاعة الى مركز الحصاحيصا )) .. ويمضي الدكتور سعيد فيقول : (( وهذه الثورة رغم أنها رجعية ، لأنها تؤيد الخفاض الفرعوني الا انها كانت ثورة عارمة ضد الاستعمار .)) هذا مانطقه الدكتور سعيد بعد عشرين عاما من أحداث رفاعة .. ولئن عذرنا عامة المثقفين لالتباس الأمر عليهم ، ولنقص المعلومات التي لديهم عن هذه الواقعة ، فلن نعذر الخاصة من هؤلاء ، بل منقد يكون منهم على رأس مؤسسة من أكبر المؤسسات القانونية .. ذلك بأنه لايقوم نقص المعلومات ، التي يمكن الحصول عليها ، وتمحيصها ، عذرا أمام هؤلاء في حتى يتناولوا واقعة تاريخية ، مثل واقعة قانون الخفاض الفرعوني ، تناولا مجردا من الملابسات المحيطة بها ، فيأتي ، من ثم ، حكمهم عليها ساذجا وسطحيا .. أليس من المؤسف حتى يأتي رجل مثقف ثقافة قانونية ، بعد عشرين عاما ، من مناهضة قانون الخفاض الفرعوني ، فيقول أنها ((تؤيد الخفاض الفرعوني)) ولذلك ((فهي ثورة رجعية)) .. ان الثورة كانت ضد ((القانون)) وليست دفاعا عن الخفاض .. ليست ضد القانون في ذاته ، ولكن للملابسات التي تكتنفه .. أرجوحتى لايكون ابناؤنا من طلبة الحقوق بجامعة الخرطوم ، يدرسون ، عن هذه السابقة القانونية ، على طريقة الدكتور سعيد !!


المثقفون يتجاوبون مع الجمهوريين

لقد حركت بيانات الجمهوريين وأحداث رفاعة والخرطوم المثقفين سلبيتهم وأخذوا يستشعرون سوء هذا القانون الذي نبه اليه الجمهوريون من أول وهلة . واتخذت استجابة المثقفين شكل التعليق في الصحف .. وفيما يلي نبذه من افتتاحية جريدة الرأي العام وهي تعلق على الأحداث ، وكانت السلطات قد نقضت بواسطة المحكمة حكم السجن على امرأة رفاعة ، لانقاذ مايمكن انقاذه من هيبتها وتهدئة للخواطر الثائرة ، وقد اتى هذا النقض في الوقت الذي كانت فيه امرأة رفاعة خارج السجن في منزلها برفاعة حيث كانت السلطات قد اضطرت تحت ضغط الجماهير الثائرة لاطلاق سراحها .. ((أصبح واجبا لزاما علينا حتى ننبه الحكومة ، على ضوء ماحدث أخيرا ، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون ، الى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه ، والى النكبه الأجتماعية الخطيرة التي ستتعرض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها .. ففي الحادث الأخير بدأ واضحا حتى الطريق التي اتبعت في اعتنطق هذه المرأة كانت مثيرة ، ولاتتفق مطلقا مع كرامة الحكم وهيبة القضاء ، فانتزاع المرأة من بيتها ، في غسق الليل ، وبازار النوم ، وتهريبها الى الحصاحيصا ، لامعنى له غير اثارة الخواطر أكثر ولايجدر بالحكومة حتى تلجأ الى أساليب هي أشبه بأساليب الاختطاف التي يلجأ اليها رجال العصابات)) .. ((وليست هذه الكيفية التي اتبعت هي موضع الخطر في هذا القانون ، ولكن هناك خطرا جسيما ، ولابد من التنبيه عليه ، ذلك حتى المرأة السودانية الشريفة ، الحرة ، لم تتعرض ، حتى الآن ، الى محنة السجن ، بحكم حياتها الاجتماعية ، التي تنأى بها عن مواطن الجريمة ))

((وقانون الخفاض ، بوضعه الحالي ، سيخلق عقابا لجريمة يفترض أن تتعرض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لايرين ان الخفاض جريمة ، بحكم مايسيطر على عقولهن من سلطان العادات الموروثة ، والتنطقيد المتبعة ومعني هذا ، أنه من المحتمل جدا حتى يتعرض لسطوة القانون هذا النوع من النساء السودانيات المحصنات .. ويقينا حتى القاء هؤلاء في السجن ، بغض النظر عما يثيره في نفوس رجالهن ، وذويهن ، فانه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة ، يقضي على سمعتهن ، وكرامتهن قضاء مبرما .. وما أحسب حتى امرأة محصنة توضع في سجن ، من هذه السجون السيئة الوضع ، والرقابة ، تخرج منه وهي محتفظة بسمعتها ، ولن يتقبلها المجتمع السوداني بعدها تقبلا حسنا ، اذن فالعقاب بالسجن ، لمثل هذا النوع من النساء ، لايعد اصلاحا وتهذيبا لنفوسهن ، ولايردع غيرهن ، وهذا هوالغرض من سجن المجرم ، انما يعد افسادا لخلقهن ، وقضاء مبرما على سعادتهن في المجتمع .))

هذا مانطقته الرأي العام عام 1946 .. وفي وقتنا الحاضر يعدّ الأستاذ التجاني عامر ، من المثقفين الذين كان واضحا لديهم البعد الذي نظر به الجمهوريون لمسألة قانون الخفاض ، فالاستاذ التجاني عاصر فجر الحركة الوطنية وهوبذلك شاهد عيان للأحداث ، والمواقف التي نحن بصددها . فلنستمع لتعليقه في جريدة الصحافة ، بتاريخ 16/4/75 وهويتحدث عن تاريخ الأحزاب السودانية : (( الحزب الجمهوري .. قد يحدث هذا الحزب من أقدم الأحزاب السياسية ، بحساب الزمن ، وهوأول حزب صغير يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار ، بل بمناجزة وصدام ومسماه يشير على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان … مؤسس الحزب الجمهوري هوالأستاذ محمود محمد طه الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية في مستهل حركة النضال )) (( وقد تعرض محمود للسجن الطويل في خصومات ايجابية مع الانجليز منها حادث "الطهارة الفرعونية" في رفاعة ، وهووقع اجتماعي حمله محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن )) ..


عادة الخفاض لماّ تبطل

وبعد ، فان عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ، ورغم سوء هذه العادة البالغ ، وذلك لسببين أولا : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. ثانيا : مثل هذه العادة الحساسة المتأصلة ، في مجتمع مثل مجتمعنا ، لايقتلعها القانون وحده ، وماينبغي له حتى يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائيا هوالتربية والتوعية الشعبية..


توقف الى حين

لقد كان حادث رفاعة منعطفا في تاريخ الفكرة الجمهورية ، ولقد تجمد نشاط الجمهوريين ، أوكاد ، بعد سجن الأستاذ لمدة عامين أعقبهما عامان آخران ، فيهما واصل اعتكافه برفاعة ، وقد كانت الأعوام الأربعة ، هي في الحقيقة ، فرصة للعمل الحقيقي ، وهواعداد الداعية الاعداد الكامل الذي بهقد يكون تمام ملك الفكرة ، وتمام دعوة الآخرين اليها ، وما الاعداد الا صفاء الفكر وسلامة القلب ..


الفكرة الجمهورية في طور جديد

لقد كانت فترة السجن ، والاعتكاف ، تهيؤا لمنطلق أكمل في تاريخ الفكرة الجمهورية .. فلقد خرج الأستاذ محمود من اعتكافه في نوفمبر 1951 ، ومن ثم استأنف الجمهوريون نشاطهم ، وقد بدأ باجتماع عام عقد في 30/11/1951 .. ومنذ ذلك اليوم أخذ يتتابع تفصيل الفكرة ، وتبيينها ، بصورة أبرزت الفهم الجديد للأسلام كممضىية تحل مشاكل الانسان المعاصر .. قدّم الأستاذ في ذلك الاجتماع بيانا يبرز سمات الفكرة الجمهورية نقتطف منه الآتي :_ ((الحزب الجمهوري ليس حزبا يقوم على التهريج ، كما هي العادة المألوفة لدى الاحزاب التي نراها ، ونسمع عنها ، وانما هودعوة الى فكرة ، أولا وقبل جميع شيء . والجمهوريون قوم ارتضوا هذه الفكرة ، وارتبطوا بها ، وعملوا على تحقيقها .. حتى الحكومة نظام اجتماعي تعاقد الناس للدخول فيه ، ليتخذوه وسيلة الى غاية . هذه الغاية هي الحرية الفردية فالحكومة الصالحة هي الحكومة التي تحقق للفرد أكبر قسط من الحرية ، هي الحكومة التي لا تأخذ من حرية الفرد الا القدر الضروري لحفظ حق سائر المجموعة ، وبذلك تصبح الفكرة الاجتماعية الصالحة ، التي تقوم عليها الحكومة الصالحة ، هي الفلسفة التي توفق توفيقا متكافلا بين حق الجماعة في العدل وحق الفرد في الحرية الفردية المطلقة .. ولايمكن حتى يتمتع الفرد بالحرية الا اذا تحرر من الجهل ، وللتحرر من الجهل لابد من نظام (يكفل للفرد حاجته من الغذاء الصالح ، والسكن الصالح ، واللباس الصالح .. أي لابد من المساواة الاقتصادية ، ولاتكون المساواة الاقتصادية مؤدية عملها الا اذا كفلت الحرية الجماعية ، أي الديمقراطية والديمقراطية الحقة هي الديمقراطية الشعبية ..)) ولقد مضى الجمهوريون يؤكدون ضرورة الفكر ، والممضىية ومازالوا ينعون على الحركة الوطنية افتقارها للممضىية .. فنطقوا في بيان نوفمير 1951م : ((فللجهاد الصادق لابد من الاسلام . ولأسلوب الحكم الصالح لابد من الاسلام أيضا .. ولوحتى السودانيين دعوا الى الجهاد لأن تكون حدثة الله هي العليا ، لصدقوا الجهاد أولا ، ولنقوا نفوسهم ، وأناروا بصائرهم ، ثانيا ، ولتحقق اذن بذلك غرضان ، في وقت واحد ، أولهما جلاء الدخيل ، وثانيهما تحقيق الحكم الصالح الذيقد يكون فيه الشعب المستنير رقيبا ، يقظا على قادته وحكامه )) .. ((ولوفرضنا جدلا حتى هذا التكتل (الصناعي) الذي تدعواليه حركتنا الوطنية حول جلاء الاستعمار فحسب ، استطاع حتى يخرج الاستعمار لخشينا حتى يقودنا الى حرب أهلية مستطيرة ، ويجب حتى نفهم جيدا حتى القول بالجمعية التأسيسية التي تقرر مصيرنا قول مضلل .. ذلك بأننا نحن منقسمون بين طائفتين كبيرتين بينهما عداء تاريخي ، وليس لأيهما برنامج ايجابي ، وانما برنامج كلتيهما الحرص على حتى لا تنتصر الأخرى ، ولايمكن حتىقد يكون في مثل هذه الحالة ، انتخاب حر ، ولاينتظر حتى يرضى المهزوم في انتخاب مطعون فيه عن نتيجته ، ولايمكن تبعا لذلك ، حتىقد يكون هناك استقرار ، وانما هي الحرب الأهلية ، والفوضى ، والفساد ، والنكسة .. انه لحق حتى حركتنا الوطنية لايمكن حتى تحقق طائلا الا اذا جمعت أشتات الفرق ، والطوائف ، والأحزاب أيضا حول الفكرة الخالدة التي اتى بها الاسلام والتي أشرت اليها آنفا ، والتي اجتمع عليها أوائلنا فحققوا العزة ، والحرية ، والعدل .. ولن تجد سودانيا واحدا يتخلف عن دعوة تجمع بين عز الدنيا ، وشرف الآخرة)) ..


حدث ماتسقطناه

لقد خرج الانجليز في عام 1956 ، بناء على اتفاقية القاهرة 1953م التي دفع تنافس دولتي الحكم الثنائي على السودان لتوقيعها .. ولقد كثفت جميع منهما نشاطها قبيل انتخابات 1953م التي أريد بها حتى تقرر مصير السودان في علاقته بمصر وبريطانيا .. وقد كان نشاط المصريين أظهر في مساندة الاتحاديين ، من نشاط الانجليز في مساندتهم لحزب الأمة .. واتىت نتيجة الانتخابات لصالح الاتحاديين وتشكلت الحكومة منهم .. ولقد وقع ماتسقطه الجمهوريون من حرب أهلية ، ومن صراع طائفي مزق أوصال الشعب .. فلم يقبل المهزوم نتيجة الانتخابات فكانت حوادث أول مارس المشئومة صبيحة افتتاح البرلمان عام 1954حيث حشد حزب الامة جموع أهل الغرب من الانصار ، وحملوا حرابهم ، ومديهم في مواطنيهم ، ولولا لطف الله لانهار في ذلك اليوم جميع جهد بذل ، وكل أمل بقي ، في حتى يقف السودان على رجليه .. ولم تمض على فتنة مارس أيام ، حتى اشتعلت نار فتنة الجنوب التي استمرت تستعر 17 عاما ، حتى تم اتفاق مارس 1971 الذي أوقفت بموجبه الحرب الأهلية .. هذا يضاف الى صور الاضطراب والتدهور السياسي ، والاختلال الاقتصادي الذي ظلت حكومات الاحزاب تجر البلاد اليه عاما بعد عام .. أوليست هذه ((هي الحرب الاهلية والفوضى والنكسة)) التي تسقطها بيان الجمهوريين،يا ترى؟ بلى انها لكذلك !!


جريدة الجمهورية

كان الجمهوريون ، ولمّا يزالوا يجدون عنتا ، ويلاقون اجحافا من الصحف ، فهي منذ الأربعينات ، وحتى منتصف السبعينات ، لاترحب بكتابات الجمهوريين .. وذلك موقف يؤخذ عليها ، ولايحسب لها ، وهوموقف لاتحسد عليه .. والحق ان صحافتنا ، مذ كانت ، هي صورة لأحزابنا الطائفية ، تعوزها الفكرة ، وتستهويها الكثرة ، وتستخفها .. ولقد صارت للجمهوريين صحيفة باسم ((الجمهورية)) في يناير عام 1954 . ولقد عمرت نحوستة أشهر بعدها وقفت في وجهها امكانات الطباعة ومتطلباتها المالية .. ولقد كانت (( الجمهورية )) في عمرها الوجيز ذاك ، حافلة ، مليئة بالفكر ، وبالحوار الموضوعي ، وبالنقد البناء للحكومة .. ولقد يحسن حتى نثبت هنا افتتاحية العدد الأول من تلك الجريدة فهي ، وحدها ، تعطي انطباعا كافيا عن مسارها الذي درجت عليه .. .. ((الجمعة 15/1/ 1954 - حدثة الجمهورية تحية وعهد .. أيها القاريء الكريم ، تحية .. أما بعد ، فهذه صحيفة الجمهوريين يقدمها لك فتية آمنوا بربهم فهجم بهم الايمان على صريح القصد ، فهم يقولون مايريدون بأوجز أداء ، ويعنون مايقولون ، من الألف الى الياء .. والجمهورية تطمع في حتى تخلق تقليدا جديدا في الصحافة ، في معنى مايخلق الجمهوريون من تقليد حديث في السياسة .. فالجمهوريون حزب سياسي ، ولكنهم لايفهمون السياسة على أنها اللف والدوران ، وانما يفهمونها على انها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان .. وللجمهورية في الصحافة رأي وهوأنها يجب حتى تعين على الفهم ، لا حتى تماليء على الجهل ، يجب حتى تسير أمام الشعب ، لا حتى تسير في زمرته ، تتسقط رضاه ، وتجري على هواه وتقدم له من ألوان القول مايلذه ولايؤذيه .. وقد تعرض الجمهوريون في نهجهم السياسي للكثير من العنف والأذى ، من جراء مضائهم فيما يرونه الحق ، والعدل .. فهل تتعرض الجمهورية لشيء من الكساد ، من جراء ماستجافي من التقليد التجاري بتقديم ما يقدم في سوق النفاق ،يا ترى؟ ان هذا لايعنينا بقدر ما يعنينا حتى نستقيم على الحق فقد أنفقنا عمرنا نبحث عنه ، ولانزال ، فان وجدناه فانا سنلقاك به صريحا غير مشوب بتلطيف ، وسيكون عليك أنت حتى تتخذ لنفسك بين وجه الحق ووجه الباطل.))


الجمهوريون ووحدة وادي النيل

لقد اختلفت نظرة الجمهوريين للعلاقات بين السودان ومصر عن نظرة الاتحاديين ، كما اختلفت عن نظرة حزب الأمة .. فقد طلبوا للسودان الاستقلال من غير عداء لمصر ، أوغفلة عن المطامع التاريخية لساستها في السودان .. وهذه فقرات من بيان بهذا الشأن : الرأي العام 14/11/1946 .. ((العلاقات التي تربط بين مصر والسودان علاقات وثيقة ، وهي انما كانت كذلك ، لأنها طبيعية ، ولنقد يكون في مصلحة أي من القطرين حتى تضعف هذه العلاقات على وجه من الوجوه )) ((ان الحزب الجمهوري ليؤمن بالسودان ايمانا لاحد له ، وانه ليريد له استقلالا شاملا ، كاملا ، من ربقة الاستعمار ، وأنه لينكر ، أشد الانكار ، زعم الذين يزعمون ، هنا وهناك ، حتى الدعوة الى الاستقلال تبينت أمرا للعلاقات التي تربط بين مصر والسودان – فالدعوة الى الاستقلال حق طبيعي من حقوق هذه البلاد ، وهي ينبغي حتى تسر مصر ، لا حتى تسوءها ، وينبغي حتى تساعدها مصر بكل سبيل ، لا حتى تقعد لها بكل سبيل .. فلأنقد يكون السودان حرا ، مستقلا ، قويا ، أفضل لمصر وأعود بالخير على تلك العلاقات من حتىقد يكون مستعمرا ، مستعبدا ، ضعيفا )) .. هكذا !! لا افراط ، ولاتفريط ، كان ، ولايزال ، موقف الجمهوريين ..


الحركه الوطنية مرة ثانية

في هذه الخاتمة القصيرة ، نحب أيضا حتى نشير الى ماسبق حتى وكدناه ، في مقدمة هذا الكتاب ، من حتى الجمهوريين قد كانوا يعيبون على ((الحركة الوطنية)) تقصيرها عن المستوى الذي يليق بالسودان ، وبشعب السودان ، من مضاء ، وكفاءة ، واحكام لخطى السير ، وبصر بالنتائج .. ولكن هذا لم ينس الجمهوريين فضائل الحركة الوطنية واسهام رجالها في الوصول بالبلاد الى الاستقلال .. ولكن الجمهوريين ساءهم رؤية التقصير مع امكان التمام ، والكمال .. ولما عملت الحركة الوطنية ماعملت ، ولم تنتهج نهج الجمهوريين ، من توجه الى الشعب ، وايقاظ له ، وامتلاك لممضىية الاسلام ، سقطت في كثير من السلبيات التي عانى من نتائجها السودان بعد الاستقلال ..

راجع هذه الخط للأستاذ محمود محمد طه

  1. - السفر الأول
  2. - قل هذه سبيلي
  3. - اسس دستور السودان
  4. - الرسالة الثانية من الاسلام
  5. - رسالة الصلاة
  6. - الدستور الاسلامي نعم، لا
  7. - الديباجة
  • جميع هذه الخط وغيرها موجودة بمسقط الفكرة الجمهورية على الانترنت [www.alfikra.org]

مراجع ومصادر

  1. -مسقط الفكرة الجمهورية [www.alfikra.org]
  2. - كتاب معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:47:08
التصنيفات: كتب سودانية, كتب 1975, الإخوان الجمهوريون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إنتاج “منجم السكري للذهب” يصل لقرابة 450 ألف أوقية في 2022

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:21
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

الاتحاد يحقق ريمونتادا ويفوز على البنك 3 – 2

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:19
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

منتخب المغرب يتلقى دعوة للمشاركة في 'كوبا أمريكا 2024

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:26
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

3000 مشارك يناقشون 83 قضية فى الحوار الوطنى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:21:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

كيف تؤثر الأحداث الرياضية العالمية على أداء الأسواق المالية؟

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:27
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

إصابة 6 في تصادم سيارتين بالسويس

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

«مخطوطة بنيامين».. رواية جديدة لهدى أنور بمعرض الكتاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:10
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

باسل الحيني لـ«الدستور»: «تقدمت باستقالتي لوزير قطاع الأعمال»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:21:57
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

إجراء أوكراني يؤدي إلى خفض إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:29
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

“روسيا”: مياه النيل أنظف من أنهار الدول الأخرى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:22
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

أبرز فعاليات «مستقبل وطن» الخدمية لدعم المواطنين فى 11 محافظة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:21:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

“رونالدو” يصطدم بـ غريمه التاريخي “ميسي” في كأس موسم الرياض

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-19 18:22:18
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

تحميل تطبيق المنصة العربية