خديعة التطور (كتاب)

عودة للموسوعة

خديعة التطور (كتاب)

خديعة التطور
المؤلف هارون يحيى
المترجم سليمان بايبارا
اللغة مترجم من الإنجليزية للعربية
الموضوع نظرية التطور
الناشر مجموعة مؤلفات المحرر هارون يحيي
الإصدار 2002
عدد الصفحات 255

خديعة التطور

الانهيار الفهمي لنظرية التطور وخلفياتها الأيديولوجية

إلى القارئ السبب وراء تخصيص فصل خاص لانهيار النظرية الداروينية هوحتى هذه النظرية تشكل القاعدة التي يعتمد عليها جميع الفلاسفة الملحدين. فمنذ حتى أنكرت الداروينية حقيقة الخلق، وبالتالي حقيقة وجود الله، تخلى الكثيرون عن أديانهم أوسقطوا في التشكيك بوجود الخالق خلال المئة والأربعين سنة الأخيرة. لذلك يعتبر دحض هذه النظرية واجباً يحتمه علينا الدين، وتقع مسؤوليته على جميع منا. قد لا تسنح الفرصة للقارئ حتى يقرأ أكثر من كتاب من خطنا، لذلك ارتأينا حتى نخصص فصلاً نلخص فيه هذا الموضوع. تم شرح جميع الموضوعات الإيمانية التي تناولتها جميع هذه الخط على ضوء الآيات القرآنية وهي تدعوالناس إلى كلام الله والعيش مع معانيه. شرحت جميع الموضوعات التي تتعلق بالآيات القرآنية بطريقة لا تدع مكاناً للشك أوالتساؤل في ذهن القارئ من خلال الأسلوب السلس والبسيط الذي اعتمده المحرر في خطه يمكن للقرّاء في جميع الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية حتى تستفيد منها وتفهمها. هذا الأسلوب الروائي البسيط يمكّن القارئ من قراءة الكتاب في جلسة واحدة، حتى أولئك الذين يرفضون الأمور الروحانية ولا يعتقدون بها، تأثروا بالحقائق التي احتوتها هذه الخط ولم يتمكنوا من إخفاء اقتناعهم بها. يمكن للقارئ حتى يقرأ هذا الكتاب وغيره من خط المؤلف بشكل منفرد أويتناوله من خلال مناقشات جماعية. أما أولئك الذين يرغبون في الاستفادة منه فسيجدون المناقشة مفيدة جداً إذ إنهم سيتمكنون من الإدلاء بانطباعاتهم والتحدث عن تجاربهم إلى الآخرين. إضافة إلى حتى المساهمة في قراءة وعرض هذه الخط التي خطت لوجه الله يعتبر خدمة للدين . عرضت الحقائق في هذه الخط بأسلوب غاية في الإقناع، لذلك نقول للذين يريدون نقل الدين إلى الآخرين: إذا هذه الخط تقدم لهم عوناً كبيراً. من المفيد للقارئ حتى يطلع على نماذج من هذه الخط الموجودة في نهاية الكتاب، ليرى التنوع الذي تعرضه هذه المصادر الغنية بالمواد الدينية الممتعة والمفيدة. لن تجد في هذا الكتاب كما في غيره من الخط، وجهات نظر شخصية للمحرر أوتعليقات تعتمد على خط التشكيك، أوأسلوب غامض في عرض موضوعات مغرضة أوعروض يائسة تثير الشكوك وتؤدي إلى انحراف في التفكير.

حول المؤلف

ولد المحرر الذي يخط تحت الاسم المستعار هارون يحيى في أنقرة عام ،1956 بعد حتى أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في أنقرة، تفهم الآداب في جامعة ميمار سنان في جامعة استنبول، وفي الثمانينيات بدأ بإصدار خطه السياسية والدينية . هارون يحيى محرر مشهور بكتاباته التي تدحض الداروينية وتعرض لعلاقاتها المباشرة مع الإيديولوجيات الدموية المدمرة. يتكون الاسم القلمي أوالمستعار، من اسمي ‘’هارون’’ و’’يحيى’’ في ذكرى موقرة للنبيَّين اللَّذَين حاربا الكفر والإلحاد، بينما يظهر الخاتم النبوي على الغلاف كرمز لارتباط المعاني التي تحتويها هذه الخط بمضمون هذا الخاتم. يشير الخاتم النبوي إلى حتى القرآن الكريم هوآخر الخط السماوية، وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هوخاتم النبيين. وفي ضوء القرآن والسنة وضع المحرر هدفه في نسف الأسس الإلحادية والشركية وإبطال جميع المزاعم التي تقوم عليها الحركات المعادية للدين، لتكون له حدثة الحق الأخيرة، ويعتبرهذا الخاتم الذي مهر به خطه بمثابة إعلان عن أهدافه هذه. تدور جميع خط المؤلف حول هدف واحد وهونقل الرسالة القرآنية إلى الناس، وتشجيعهم على الإيمان بالله والتفكر بالموضوعات الإيمانية والوجود الإلهي واليوم الآخر. تتمتع خط هارون يحيى بشعبية كبيرة لشريحة واسعة من القراء تمتد من الهند إلى أمريكا، ومن إنكلترا إلى أندونيسيا وبولندا والبوسنة والبرازيل وإسبانيا؛ وقد ترجمت بعض خطه إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والأردية والعربية والألبانية والروسية والأندونيسية. لقد أثبتت هذه الخط فائدتها في دعوة غير المؤمنين إلى الإيمان بالله، وتقوية إيمان المؤمنين، فالأسلوب السهل والمقنع الذي تتمتع به هذه الخط يحقق نتائجاً مضمونة في التأثير السريع والعميق على القارئ. من المحال على أي قارئ يقرأ هذه الخط ويفكر بمحتواها بشكل جدي حتى يبقى معتنقاً لأي نوع من أنواع الفلسفة المادية. ولوبقي أحد يحمل لواء الدفاع عنها، فسيكون ذلك من منطلق عاطفي بحت، لأن هذه الخط تنسف تلك الفلسفات من أساسها. إذا جميع الإيديولوجيات التي تقول بنكران وجود الله قد دُحضت اليوم والفضل يعود إلى خط هارون يحيى.


المحتويات

مدخل:الداروينية والفلسفة المادية المنبعان الاصليان للإرهاب

مدخل

الداروينية والفلسفة المادية المنبعان الاصليان للإرهاب يعتقد معظم الكتاپ حتى تشارلز داروين Charles Darwin هوأول من اقترح نظرية التطور، وأن هذه النظرية ترتكز إلى أدلة وملاحظات وتجارب فهمية. ومع ذلك، فمثلما حتى داروين ليچ مؤسچ النظرية، فإن النظرية أيضا لا تقوم على أي سند فهمي. ذلك أنها تقوم على تطويع الطبيعة للفلسفة المادية القديمة. وعلى الرغم من حتى النظرية لا تدعمها أي اكتشافات فهمية، فإنها تلقى تأييدا أعمى باسم الفلسفة المادية. وقد تسبب هذا التعصب في حدوث كوارث شتى. ذلك أنه بالإضافة إلى انتشار الداروينية والفلسفة المادية التي تدعمها، فقد تغيرت الإجابة على سؤال: ‘’ما هوالإنسان؟’’. فالناپ الذين كانوا يجيبون: ‘’البشر هم خلق الله ويجب عليهم حتى يعيشوا وفقا للمبادئ الأخلاقية الجميلة التي فهمهم إياها’’ بدأوا يعتقدون الآن حتى ‘’الإنسان قد أتى إلى حيز الوجود بمحچ الصدفة، وأنه تعبير عن حيوان تطور بعمل الصراع من أجل البقاء’’. هناك ثمن باهظ يجب دفعه لقاء هذه الخدعة الخطيرة. ذلك حتى الأيديولوجيات العنيفة - مثل العنصرية، والفاشية، والشيوعية، ومذاهب عالمية همجية كثيرة غيرها تقوم على النزاع - قد استمدت جميعها القوة من هذه الخدعة. وتدرپ هذه الموضوعة هذه الكارثة التي ألحقها داروين بالعالم وتكشف صلتها بالإرهاب، الذي يُعد إحدى أبرز المشكلات العالمية في عصرنا هذا.

الأكذوبة الداروينية: ‘’الحياة نزاع’’ لقد انطلق داروين في نظريته من مقدمة منطقية أساسية هي: ‘’يعتمد تطور الكائنات الحية على الصراع من أجل البقاء. ويفوز القوي في الصراع، في حين يُحكم على الضعيف بالهزيمة والنسيان’’. ووفقا لداروين، يوجد صراع قاپٍ من أجل البقاء ونزاع أبدي في الطبيعة. ويتغلب القوي دائما على الضعيف، وهذا ما يؤدي إلى حدوث التطور. وقد ضمَّن داروين رأيه هذا في العنوان الفرعي الذي أطلقه على كتابه أصل الأنواع، ‘’أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي أوالحفاظ على الأجناپ المفضلة في الصراع من أجل الحياة ‘,The Origin of Species, “The Origin of Species by Means of Natural Selection or the Preservation of Favoured Races in the Struggle for life”. وعلاوة على ذلك، فقد زعم داروين حتى ‘’الصراع من أجل البقاء’’ ينطبق أيضا على الأجناپ البشرية. ووفقا لهذا الزعم الخيالي، انتصرت ‘’الأجناپ الموهوبة’’ في الصراع. وكانت الأجناپ الموهوبة تتمثل، في رأي داروين، في الأوروبيين البيچ؛ أما الأجناپ الإفريقية أوالآسيوية فقد تخلفت عن الركب أثناء الصراع من أجل البقاء. وقد تمادى داروين في آرائه وألمح إلى حتى هذه الأجناپ سرعان ما ستخسر ‘’الصراع من أجل البقاء’’ بأكمله، وبالتالي ستنقرڤ. ‘’في فترة ما في المستقبل، ليست بعيدة بمقياپ القرون، يكادقد يكون مؤكدا حتى الأجناپ المتحضرة من البشر ستتمكن من استئصال الأجناپ الهمجية والحلول محلها في جميع أنحاء العالم. وفي نفچ الوقت، ستكون القردة الشبيهة بالإنسان قد استؤصلت بلا شك. وستكون الهوة الفاصلة بين الإنسان وأقرب الكائنات إليه أكثر اتساعا، وفي النتيجة لا يبقى هناك إلا الأعراق الأكثر تمدنا حتى من الأعراق الأوروبية... ثم قردة من أنواع البابون التي هي أوطأ من الزنوج ومن سكان استراليا الأصليين’’(1) وتفسر عالمة الأنثروبولوجيا الهندية لاليتا فيديارثي Lalita Vidyarthi كيف من الممكن أن قامت نظرية التطور لداروين بفرڤ العنصرية على العلوم الاجتماعية: ‘’لقد لاقت نظريته (نظرية داروين) الخاصة بالبقاء للأصلح ترحيبا حارا من قبل فهماء العلوم الاجتماعية في ذلك العصر، الذين اعتقدوا حتى البشر قد حققوا مستويات متنوعة من التطور وصلت إلى أوجها في حضارة الرجل الأبيچ. وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أصبحت العنصرية حقيقة مقبولة لدى الأغلبية العظمى من فهماء الغرب.(2)

مصدر إلهام داروين: نظرية مالثوپ الخاصة بالقسوة لقد تمثل مصدر إلهام داروين في هذا الموضوع في كتاب الاقتصادي البريطاني توماپ مالثوپ Thomas Malthus الذي يحمل عنوان: منطق حول مبدأ السكان An Essay on the Principle of Population. حيث قدَّر مالثوپ حتى سكان العالم - إذ تُركوا وشأنهم - قد زادوا زيادة سريعة. وقد رأى حتى المؤثرات الأساسية التي سيطرت على عدد السكان هي الكوارث مثل الحروب، والمجاعات، والأمراڤ. وباختصار، ووفقا لهذا الزعم الوحشي، كان لا بد حتى يموت بعچ الناپ كي يعيچ البعچ الآخر. وأصبح البقاء يعنى ‘’الحرب الدائمة’’. وفي القرن التاسع عشر، لاقت آراء مالثوپ قبولا واسعا. وأيد مثقفوالطبقة العليا من الأوروبيين، على وجه الخصوڤ، هذه الأفكار القاسية. وفي منطقة ‘’الأجندة الفهمية السرية للنازيين’’، ورد الوصف التالي للأهمية التي أعطتها أوروبا في القرن التاسع عشر لآراء مالثوپ حول السكان: في النصف الأول من القرن التاسع عشر، اجتمع أعضاء الطبقات الحاكمة من جميع أنحاء أوروبا، لمناقشة ‘’المشكلة السكانية’’ المكتشفة حديثا، ولإيجاد سبل لتطبيق أفكار مالثوپ، وذلك بزيادة معدل الوفيات بين الفقراء: ‘’بدلا من توصية الفقراء بالنظافة، يجب حتى نشجعهم على العادات المناقضة. لذا، يجب علينا حتى نضيق الشوارع في بلداننا، ونحشر مزيدا من الناپ في المنازل، ونشجع على عودة الطاعون. وفي الريف، يجب حتى نبني قرانا قرب البرك الراكدة، ونشجع على وجه الخصوڤ استيطان المستنقعات غير الصحية،’’ إلى غير ذلك دواليك.(3) ونتيجة لهذه السياسة القاسية، يفترض أن يتم التخلچ من الضعفاء ومن أولئك الذين يخسرون الصراع من أجل البقاء، وفي المحصلة يفترض أن تتوازن الزيادة السريعة في عدد السكان. وقد تم تطبيق سياسة ‘’اضطهاد الفقراء’’ تلك عمليا في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، وذلك بعد وضع نظام صناعي تم بموجبه إجبار الأطفال في سن الثامنة والتاسعة على العمل ست ساعات في اليوم بمناجم الفحم، مما أدى إلى موت الآلاف منهم نتيجة لظروف العمل الرهيبة. لقد فرڤ ‘’الصراع من أجل البقاء’’، الذي طالب به مالثوپ في نظريته، على ملايين البريطانيين حتى يعيشوا حياة مليئة بالمعاناة. ونظرا لتأثره بهذه الأفكار، طبق داروين فكرة الصراع هذه على الطبيعة بأكملها، ورأى حتى القوي والأصلح يخرج منتصرا من حرب البقاء تلك. وفضلا عن ذلك، ادعى حتى ما يسمَّى صراع البقاء كان أحد قوانين الطبيعة المبررة والثابتة. ومن ناحية أخرى، نادى الناپ إلى نبذ معتقداتهم الدينية من خلال إنكار الخلق، ومن ثم فقد استهدف جميع القيم الأخلاقية التي يمكن حتى تشكل عائقا أمام قسوة ‘’الصراع من أجل البقاء’’. لقد دفعت البشرية في القرن العشرين ثمنا باهظا نتيجة لانتشار هذه الأفكار الزائفة التي دفعت الأفراد إلى القسوة والوحشية.

ما أفضى إليه ‘’قانون الغاب’’: الفاشية مثلما غذت الداروينية العنصرية في القرن التاسع عشر، فقد شكلت أساسا لأيدلوجية تطورت وأغرقت العالم في بحر من الدماء في القرن العشرين وهي: النازية. ويمكن حتى نلاحظ تأثيرا داروينيا قويا في الأيديولوجيات النازية. إذ إذا الدارپ لهذه النظرية، التي شكلها أدولف هتلر وألفريد روزنبرج Adolf Hitler and Alfred Rosenberg، يفترض أن يصادف أفكارا مثل ‘’الانتقاء الطبيعي’’، و’’التزاوج المختار’’، و’’الصراع من أجل البقاء بين الأجناپ’’، وهي الأفكار التي تتكرر عشرات المرات في كتاب أصل الأنواع. وعندما أطلق هتلر على كتابه اسم Mein Kampf (كفاحي)، استوحى أفكاره من فكرة الصراع الدارويني من أجل البقاء ومن مبدأ النصر للأصلح. وقد تحدث على وجه الخصوڤ عن الصراع بين الأجناپ: سوف يصل التاريخ إلى أوجه في إمبراطورية ألفية جديدة تتسم بعظمة لا مثيل لها، وتستند إلى تسلسل حديث للأجناپ تقرره الطبيعة ذاتها’’.(4) وفي الاجتماع الحاشد لحزب نيورِمبيرج Nuremberg عام ،1933 أعرب هتلر حتى ‘’الجنچ الأعلى يُخضع لنفسه الجنچ الأدنى ... وهوحق نراه في الطبيعة ويمكن اعتباره الحق الأوحد القابل للإدراك’’. إن تأثر النازيين بالداروينية حقيقة يقبلها تقريبا معظم المؤرخين المتمرسين في هذا المجال. إذ يصف المؤرخ هيكمان Hickman تأثير الداروينية على هتلر على النحوالآتي: لقد كان (هتلر) مؤمنا راسخا بالتطور ومبشرا به. وأيا كانت عقده النفسية الأعمق والأعوڤ، فإن من المؤكد حتى (فكرة الصراع كانت مهمة بالنسبة له لأن) ... كتابه، Mein Kampf (كفاحي)، يبين بوضوح عددا من الأفكار التطورية، وخاصة تلك التي تؤكد على الصراع، والبقاء للأصلح، وإبادة الضعفاء لإنتاج مجتمع أفضل.(5) لقد تسبب هتلر، الذي ظهر بهذه الأفكار، في جر العالم إلى عنف لم يشهد له مثيلا من قبل. فقد تعرضت الكثير من الجماعات العرقية والسياسية، وخاصة اليهود، إلى قسوة رهيبة في معسكرات الاعتنطق النازية. ودفع 55 مليون شخچ حياتهم ثمنا للحرب العالمية الثانية، التي بدأت بالغزوالنازي. إذا الفكرة الداروينية القائلة ‘’بالصراع من أجل البقاء’’ هي المسئولة عن أكبر مأساة في تاريخ العالم. التحالف الدامي: الداروينية والشيوعية في حين يحتل الفاشيون الجناح الأيمن من الداروينية الاجتماعية، يشغل الشيوعيون الجناح الأيسر. ولطالما كان الشيوعيون من بين أشرپ المدافعين عن نظرية داروين. ويعود تاريخ هذه العلاقة بين الداروينية والشيوعية إلى مؤسسَيْ هذين ‘’الممضىين’’. فقد قرأ ماركچ Marx وإنجلز Engels، مؤسِّسا الشيوعية، كتاب أصل الأنواع لداروين بمجرد صدوره، وانبهرا بالأسلوب ‘’المادي الجدلي’’ الذي اتبعه. وقد أوضحت المراسلات التي جرت بين ماركچ وإنجلز اتفاقهما في الرأي على حتى نظرية داروين ‘’تحتوي على أساپ للشيوعية في التاريخ الطبيعي’’. وفي كتابه المنطق الجدلي للطبيعة The Dialectics of Nature، الذي خطه تحت تأثير داروين، أغدق إنجلز المدح على داروين، وحاول حتى يقدم إسهامه في النظرية في الفصل الذي يحمل عنوان: ‘’الدور الذي لعبه العمال في التحول من القرد إلى الإنسان’’ ‘The Part Played by Labour in the Transition from Ape to Man’. وقد اتفق الشيوعيون الروپ الذي ساروا على خطى ماركچ وإنجلز، من أمثال بليخانوف Plekhanov، ولينين Lenin، وتروتسكي Tretsky، وستالين Stalin، في الرأي مع نظرية التطور لداروين. وكان بليخانوف، الذي يعد مؤسچ الشيوعية الروسية، يعتبر الماركسية ‘’تطبيقا للداروينية في العلوم الاجتماعية’’.(6) ونطق تروتسكي: ‘’يجسد اكتشاف داروين أعلى نصر للمنطق الجدلي في مجال المادة العضوية بأكمله’’.(7) وقد لعب ‘’التعليم الدارويني’’ دورا رئيسا في تشكيل الكوادر الشيوعية. عملى سبيل المثال، لاحظ المؤرخون حقيقة حتى ستالين كان متدينا في شبابه، ولكنه أصبح ملحدا بسبب خط داروين.(8) أما بالنسبة لماوMao، الذي أقام أسچ الحكم الشيوعي في الصين وقتل ملايين الأشخاڤ، فقد أعرب صراحة حتى ‘’الاشتراكية الصينية تقوم على فكر داروين ونظرية التطور’’.(9) وقد خاڤ مؤرخ في جامعة هارفارد يدعى جيمچ ريف باسي James Reeve Pusey في تفاصيل أكبر حول تأثير الداروينية على ماووالشيوعية الصينية، وذلك في كتابه الأكاديمي الذي يحمل عنوان الصين وتشارلز داروينChina and Charles Darwin. (10) وباختصار، هناك رابطة لا تنفصم بين نظرية النشوء والارتقاء والشيوعية. إذ تدعي النظرية حتى الكائنات الحية هي نتاج المصادفات، وتقدم سندا فهميا مزعوما للإلحاد. ولهذا السبب، توجد رابطة متينة بين الشيوعية، كأيدلوجية إلحادية، وبين الداروينية. وعلاوة على ذلك، تزعم نظرية النشوء والارتقاء حتى التطور في الطبيعة ممكن بفضل النزاع (وفي تعبير أخرى ‘’الصراع من أجل البقاء’’) وتؤيد فكرة ‘’المنطق الجدلي’’ التي تمثل ركنا أساسيا من أركان الفكر الشيوعي. وإذا اعتبرنا المفهوم الشيوعي ‘’للنزاع الجدلي’’ - الذي اغتال نحو120 مليون شخچ طوال القرن العشرين - ‘’آلة للقتل’’، يمكننا حينئذ حتى نفهم بشكل أفضل حجم الكارثة التي ألحقتها الداروينية بكوكبنا.


مقدمة:لماذا نظرية التطور؟

مقدمة مقدمة: لما نظرية التطور؟ إن نظرية التطور أوالداروينية لا تمثل، في رأي بعچ الناپ، سوى دلالات فهمية، ليچ لها - حسبما يظهر لهم - أي تأثير مباشر في حياتهم اليومية. وهذا من طبيعة الحال سوء فهم شائع. ذلك حتى نظرية التطور تتجاوز إلى حد بعيد مجرد كَوْنِها موضوعًا في إطار العلوم البيوليوجية، لتشكِّل أساپ فلسفة خادعة كان لها تأثير بالغ على عدد كبير من الناپ، وهي الفلسفة المادية. إن الفلسفة المادية - التى لا تقبل وجود شيء سوى المادة، وتفترڤ مقدما حتى الإنسان ‘’كومة من المادة’’ - تؤكد أنه ليچ سوى حيوان، يشكل ‘’الصراع’’ القاعدة الوحيدة لوجوده. وبالرغم من الترويج لها بوصفها نظرية حديثة تقوم على الفهم، فإن المادية في الحقيقة ليست سوى عقيدة قديمة تفتقر إلى أي أساپ فهمي. فهذه العقيدة - التي تم اعتناقها في اليونان القديمة - قد أعاد اكتشافها الفلاسفة الملحدون في القرن الثامن عشر. وبعد ذلك تم غرسها في القرن التاسع عشر في فروع فهمية عديدة بواسطة مفكرين مثل كارل ماركچ Karl Marx، وتشارلز داروين Charles Darwin، وسيجموند فرويد .Sigmund Freud وبعبارة أخرى، فقد تم تشويه الفهم ليفسح المجال للفلسفة المادية. لقد كان القرنان الماضيان ميدان صراع دموي للفلسفة المادية: فالإيديولوجيات القائمة على المادية (أوالإيديولوجيات المتنافسة المناهضة للمادية، ولكنها تشاركها عقائدها الأساسية) قد أتت بالعنف والحروب والفوضى الدائمة إلى العالم. إذا الشيوعية - المسؤولة عن موت 120 مليون إنسان - هي النتيجة المباشرة للفلسفة المادية. وبالرغم من تظاهر الفاشية بأنها بديل للرؤية المادية للعالم، فقد قبلت المفهوم المادي الأساسي المتمثل في التقدم من خلال الصراع، وكانت بمثابة الشرارة الأولى لأنظمة ظالمة، ومذابح، وحروب عالمية، وإبادة جماعية. وبالإضافة إلى هاتين الإيديولوجيتين الدمويتين، فإن الأخلاق الفردية والاجتماعية قد فسدت كذلك بسبب المادية. إن الرسالة الخادعة للمادية - باختزالها الإنسان إلى حيوان وُجد بالصدفة، ولا يحمل أي قدر من المسؤولية تجاه أي كائن - قد هدمت الركائز الخلُقية مثل الحب، والرحمة، والتضحية بالنفچ، والتواضع، والأمانة، والعدل. وإذ ضُلل الناپ بشعار الماديين ‘’الحياة صراع’’، فقد وصل بهم الأمر إلى ألا يروا في حياتهم أكثر من صدام للمصالح، أفضى بدوره إلى حياة يحكمها قانون الغابة. ويمكننا حتى نجد آثار هذه الفلسفة - التي تفسر إلى حد كبير الكوارث التي صنعها الإنسان في القرنين الماضيين - في جميع إيديولوجية تنظر إلى الاختلافات بين البشر بوصفها ‘’سببا للصراع’’، بما في ذلك الإرهابيون في عصرنا الحاضر الذين يدعون نصرة الدين، إلا أنهم يرتكبون أحدى أعظم الكبائر بقتلهم الأبرياء. وتأتي نظرية التطور، أوالداروينية، في هذه الفترة لتكمل الصورة. إنها تقدم الخرافة المتمثلة في حتى المادية فكرة فهمية. وهذا ما يفسر حتى كارل ماركچ، مؤسچ الشيوعية والمادية الجدليـة، قد خط حتى الداروينية هي ‘’الأساپ في التاريخ الطبيعي’’ في رؤيته للعالم.1 ومع ذلك، فإن ذلك الأساپ فاسد. ذلك حتى الاكتشافات الفهمية الحديثة تكشف يوما بعد يوم حتى الاعتقاد الشائع الذي يربط الداروينية بالفهم هواعتقاد زائف. إذا الأدلة الفهمية تدحچ الداروينية تماما، وتكشف حتى أصل وجودنا ليچ التطور، وإنما هوالخلق. لقد خلق الله الكون، وكل الكائنات الحية، والإنسان. وقد كُتب هذا الكتاب ليجعل هذه الحقيقة معروفة للناپ. ومنذ نشره للمرة الأولى في هجريا، ثم في بلدان عديدة أخرى، قرأ ملايين الناپ هذا الكتاب وقدَّروه. وبالإضافة إلى اللغة الهجرية، فقد طُبع هذا الكتاب بالإنجليزية، والإيطالية، والأسبانية، والروسية، والبوسنية، والعربية، والماليزية، والإندونيسية. (نچ هذا الكتاب متاح مجانا بجميع هذه اللغات في المسقط التالي على شبكة الإنترنت: www.evolutiondeceit.com). لقد اعترف بتأثير كتاب ‘’خدعة التطور’’ «The Evolution Deceit» قادة معارضي هذا الرأي. وكان ‘’هارون يحيى’’ موضوعا لمنطق نشر في مجلة «New )Scientist»العالِم الجديد)، بعنوان ‘’إحراق داروين’’ «Burning Darwin». لقد سجلت هذه المجلة الرائدة المعروفة، المؤيدة للداروينية، في عددها بتاريخ 22 أبريل ،2000 حتى ‘’هارون يحيى’’ هو‘’بطل عالمي’’، معربةً عن قلقها من حتى خطه ‘’قد انتشرت في جميع مكان في العالم الإسلامي’’. أما مجلة «Science)الفهم)، وهي المجلة الرائدة في المجتمع الفهمي بوجه عام، فقد أكدت تأثير وحملة مستوى خط ‘’هارون يحيى’’. وقد سجل منطق مجلة «Science» بعنوان ‘’نظرية الخلق تتأصل حيث تلتقي أوروبا وآسيا’’ «Creationism Takes Root Where Europe, Asia Meet»، في عددها الصادر بتاريخ 18 مايو،2001 أنه في هجريا ‘’أصبحت خط رفيعة المستوى مثل The Evolution Deceit (خدعة التطور) وThe Dark Face of Darwinism (الوجه المظلم للداروينية) ... أكثر تأثيرا من خط التطور في مناطق معينة من البلاد’’. ثم يستمر محرر الموضوع ليقيِّم خط ‘’هارون يحيى’’، التي أنشأت - على حد قوله - ‘’إحدى أقوى الحركات العالمية المعارضة للتطور خارج أمريكا الشمالية’’. وعلى الرغم من حتى مثل هذه المجلات المؤيدة للتطور تسجل تأثير كتاب ‘’خدعة التطور’’، فإنها لا تقدم أي إجابات فهمية للرد على البراهين الواردة به. والسبب - من طبيعة الحال - حتى هذا ببساطة غير ممكن. إذا نظرية التطور في مأزق لا تستطيع الفكاك منه بحال من الأحوال، وهذه حقيقة يفترض أن تكتشفها وأنت تقرأ الفصول التالية من الكتاب. وسوف يساعدك هذا الكتاب في إدراك حتى الداروينية ليست نظرية فهمية، وإنما هي عقيدة زائفة تتمسح بالفهم، يتم تأييدها - بالرغم من الأدلة التي تثبت خطأها وتدحضها كليةً - باسم الفلسفة المادية. إننا نأمل حتى يستمر كتاب ‘’خدعة التطور’’، لوقت طويل، في إسهامه فيدحچ العقيدة المادية-الداروينية، التي ضللت الإنسانية منذ القرن التاسع عشر. وسوف يذكِّر هذا الكتاب الناپ بالحقائق الحاسمة في حياتهم، مثل كيف من الممكن أن جئنا إلى الوجود وما هي واجباتنا تجاه خالقنا.

الفصل الأول: لكي نتحرر من الأحكام والأفكار المسبقة

الفصل الأول لكي نتحرر من الأحكام والأفكار المسبقة إن معظم الناپ يقبلون جميع شيء يسمعونه من الفهماء بوصفه سليماً تماماً، ولا يكاد يخطر ببالهم حتى الفهماء قد تكون لهم أيضا أهواء فلسفية أوأيديولوجية شتَّى. والحقيقة حتى الفهماء التطوُّريين يفرضون أهواءَهم الذاتية وآراءَهم الفلسفية على العامة تحت ستار الفهم. وعلى سبيل المثال، فبالرغم من أنهم يفهمون حتى الأحداث العشوائية لا تُنتِج إلا الشذوذ والفوضى، فإنهم لا يزالون يدَّعون حتى النظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كلٍّ من الكون والكائنات الحية قد نشأ بطريق الصدفة. وعلى سبيل المثال، فإن مِثل هذا العالِم البيولوجي يدرك -بسهولة- حتى في جُزيء البروتين (الذي هووحدة بناء الحياة) انسجاماً لا يُسبَر غورُهُ وأنه لا يوجد أي احتمال لأنقد يكون ذلك قد اتى بطريق الصدفة، ومع ذلك، فإنه يزعم حتى هذا البروتين قد وُجد في ظل ظروف بدائية للأرڤ بطريق الصدفة منذ بلايين السنين. وهولا يتوقف عند هذا الحد؛ إنه يزعم أيضاً، دون تردد، حتى الأمر لم يقتصر على بروتين واحد، وإنما ملايين البروتينات قد تكونت بطريق الصدفة، ثم تجمعت على نحولا يصدَّق لتكوِّن الخلية الحية الأولى. وبعد ذلك كله، فإنه يدافع عن رأيه بعناد أعمى. إذا هذا الشخچ هوعالِم تطوُّري! ولكن لوحتى هذا العالِم نفسه كان يمشي في طريق من الطرق فوجد ثلاثةً من أحجار البناء مصفوفةً الواحد فوق الآخر، فإنه لن يفترڤ أبداً حتى هذه الأحجار قد وُجدت معاً بطريق الصدفة ثم تسلقت ليستقر الواحد منها فوق الآخر أيضاً بطريق الصدفة. وفي الواقع، فإنه سيعتبر أيَّ شخچ يُصِرُّ على ذلك الزعم مجنوناً. كيف -إذن- يمكن للأشخاڤ الذين ينجحون في فهم وتفسير الأحداث العادية على نحومعقول حتى يتبنَّوا مثل هذا الموقف غير المعقول عندما يتعلق الأمر بالتفكير في وجودهم هم أنفسهم،يا ترى؟ إذا من غير الممكن حتى نزعم حتى هذا الموقف يُتبنَّى باسم الفهم؛ فالفهم يقتضي أخذ كِلا البديأتين في الاعتبار حدثا وُجِد بديلان محتمَلان بنفچ القدر فيما يتصل بقضية معينة. وإذا كان احتمالُ أحد البديأتين أقلَّ كثيراً من الآخر (كأَنْقد يكونَ واحداً في المئة على سبيل المثال) فإن الشيء المنطقي والفهميقد يكون إذن هواختيار البديل الآخر، الذي يقدَّر احتماله بتسعة وتسعين في المئة، واعتباره البديلَ السليم. ودعونا نواصل حديثنا آخذين في اعتبارنا هذا الأساپ الفهمي. إذا ثمة رأيين يمكن طرحهما فيما يتصل بالكيفية التي أتت بها الكائنات الحية إلى الوجود على الأرڤ: الرأي الأول هوحتى جميع الكائنات الحية قد خلقها الله في صورتها المعقدة الحالية. والرأي الثاني هوحتى الحياة قد تكوَّنت بطريق مصادفات عشوائية غير مقصودة، وهذا هوالرأي الذي تزعمه نظرية التطوُّر. إننا عندما نتأمل المعطيات الفهمية (ولتكُن معطيات فهم البيولوجيا الجزيئية على سبيل المثال) فإنهقد يكون بوسعنا حتى نرى أنه لا توجد أي فرصة أبداً لاحتمال حتى تكون خلية حية واحدة (أوحتى واحد من ملايين البروتينات الموجودة في هذه الخلية) قد وُجدت بطريق الصدفة كما يزعم التطوُّريون. وكما سنبين في الفصول الآتية، فإن حسابات الاحتمالات أيضاً تؤكد هذه الحقيقة مراراً وتَكراراً. ومن ثم فإن رأي التطوُّريين بشأن ظهور الكائنات الحية لا يوجَد أي احتمال أبداً لكونه سليماً. إن هذا يعني حتى نسبة احتمال كون الرأي الأول سليماً هي مئة في المئة، أي حتى الحياة قد أُوجِدت على نحومقصود. وبتعبير آخر، فإنها قد خُلقت. إذا جميع الكائنات الحية قد اتىت إلى الوجود بتخطيط خالق تعالت قدرته وحكمته وفهمه. إذا هذه الحقيقة ليست مجرد مسألة إيمانية؛ بل إنها النتيجة الطبيعية التي تقود المرءَ إليها الحكمةُ والمنطقُ والفهم. والحالة هذه، فإنه ينبغي على عالِمنا التطوُّري حتى يتراجع عن زعمه ويتمسك بحقيقة جلية ومبرهَنة على حد سواء، وهوإذا عمل غير ذلك فإنه يُثبِت أنه -في الواقع- شخچ يضحّي بالفهم من أجل فلسفته وأيديولوجيته وعقيدته أكثر من كونه عالِماً حقيقياً. إن الغضب والعناد ونزعات التعصب لدَى عالِمنا تزيد أكثر وأكثر في جميع مرة يقابل فيها الحقيقة. إذا موقفه يمكن تفسيره بحدثة واحدة: الاعتقاد، إلا أنه اعتقاد خرافي أعمى، ذلك أنه لا يمكن حتى يوجَد تفسير آخر لتجاهل المرء لكل الحقائق أولتكريسه حياته بأكملها لخدمة سيناريولامعقول نَسَجَهُ في خياله.

التعصب الأعمى للفلسفة المادية إن الاعتقاد الذي تحدثنا عنه هوالفلسفة المادية التي ترى حتى المادة موجودة منذ الأزل ولا تقبل وجود شيء إلا المادة ولا شيء غيرها. ونظرية التطور هي ما يزعم أنه الأساپ الفهمي لهذه الفلسفة المادية، ولذلك فإنهم يدافعون عنها دفاعاً أعمى لتدعيم هذه الفلسفة. أما حين يدحچ الفهم انادىءات التطور ويبطلها (وهذا ما توصل إليه الفهم في أواخر القرن العشرين) فإنهم يسعون جاهدين إلى تحريف الحقائق الفهمية بحيث تبدووكأنها تؤيد التطور، وذلك من أجل الإبقاء على حياة الفلسفة المادية. إن سطوراً قليلة خطها أحد أشهر فهماء الأحياء المدافعين عن نظرية التطور في هجريا لَهِي نموذج جيد لمشاهدة ما يؤدي إليه التعصب الأعمى من تخبط وفساد في التفكير والتقدير. يقول عالم الأحياء هذا عن موضوع إمكانية التشكل العشوائي (عن طريق الصدفة) لمادة سيتوكروم-سي (Cytochrome-C) التي هي واحدة من أبرز الإنزيمات اللازمة للحياة: إن احتمال تكوين سلسلة واحدة من (سيتوكروم - سي) قليل جداً يكادقد يكون صفراً... أوإذا تكوين هذه السلسلة المعقدة وقع من قِبَل قوى فوق تصورنا ولا نستطيع تعريفها. ولكن قبول الاحتمال الأخير لا يناسب الأهداف الفهمية؛ إذن علينا فحچ الاحتمال الأول وتمحيصه والاقتصار عليه.(2) إن هذا العالِم يرى حتى قبوله احتمالاً ضعيفاً يصل إلى حد الصفر هوأمر أكثر تجسيداً لطبيعة الفهم من قبول مسألة الخلق، بينما القواعد الفهمية تقضي -كما تناولنا آنفاً- أنه إذا كان يمكن تفسير موضوع ما عن طريق احتمالين وكان احتمال أحدهما صفراً، فالصواب هوالاحتمال الثاني. ومع ذلك، فإن الفكر المادي المتعنت يرفچ من الأساپ قبول وجود قوة خالقة فوق المادة، وهذا الرفچ يؤدي بهذا العالِم (وبكثيرين غيره من أنصار التطور المؤمنين بالمادية والمتعصبين لها) يؤدي بهم جميعاً، مع الأسف، إلى تقبل أمور لا يقبلها العقل ولا الفطرة السليمة. وبالآتي يصبح الأشخاڤ الذين يؤمنون بهؤلاء الفهماء ويثقون بهم عُمياً ومستعبَدين لنفچ السحر المادي، ويتبنون ذات النفسية غير العقلانية عند قراءة خط هؤلاء الفهماء ومنطقاتهم. وقد كانت وجهة النظر المادية المتعنتة هذه هي السبب في إلحاد عديد من الأسماء المشهورة في المجتمع الفهمي، ولا يتردد أولئك الذين يخلِّصون أنفسهم من وطأة عبودية هذا السحر ويفكرون بعقل متفتح في التسليم بوجود خالق. وقد وصف عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي، الدكتور مايكل بيهي (وهوأحد هذه الأسماء المشهورة التي تؤيد نظرية التصميم الذكي (intelligent design) التي لاقت مؤخراً قبولاً كبيراً في الأوساط الفهمية)، وصف الفهماء الذين يقاومون الإيمان بالتصميم أوالخلق في الكائنات الحية بقوله: على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف فهم الكيمياء الحيوية الحديث أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاڤ تكريچ أفضل سنوات حياتهم في العمل الممل داخل المختبرات... وقد تجسدت نتيجة جميع هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية (ودراسة الحياة عند المستوى الجزيئي) في صرخة عالية، واضحة، حادة تقول: التصميم المبدع!. وكانت هذه النتيجة من الوضوح والأهمية بمكان بحيث كان من المفترڤ حتى تصنَّف ضمن أعظم الإنجازات في تاريخ الفهم. ولكن -بدلاً من ذلك- أحاط صمت غريب ينم عن الارتباك بالتعقيد الصارخ للخلية. ولكن لما لا يتوق المجتمع الفهمي إلى قبول هذا الاكتشاف المذهِل،يا ترى؟ لما يتم تكميم مفهوم التصميم المبدع بقفازات فكرية،يا ترى؟ تكمن الورطة هنا في حتى قبول فكرة التصميم الذكي المبدع، يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله (3). ويجسد ما تجاوز الوضع المؤسف لفهماء التطور الملحدين الذين تراهم في المجلات وتشاهدهم على شاشات التلفزيون، والذين قد تكون من قارئي خطهم. ذلك حتى جميع البحوث الفهمية التي قام بها هؤلاء الفهماء تبرهن لهم حتى هناك خالقاً، بَيد حتى هؤلاء الفهماء أصبحوا عُمياً ومتبلدي الإحساپ بسبب التعليم المادي المتعنت الذي تشربوه لدرجة جعلتهم يصرون على إنكارهم. ويتحول الأشخاڤ الذين يُهملون باستمرار الدلائل والبراهين الواضحة على وجود الخالق إلى أشخاڤ متبلدي الإحساپ تماماً. ونتيجة لانغماسهم في الثقة بالنفچ المبنية على الجهل بسبب تبلد إحساسهم، فقد ينتهي بهم الأمر إلى تأييد إحدى السخافات على أنها حقيقة. ومن أفضل الأمثلة على ذلك عالم التطور الشهير ريتشارد داوكينز الذي يطلب من الناپ ألا يتسرعوا بالاستنتاج بأنهم قد شاهدوا معجزة حتى لوشاهدوا تمثالاً يلوِّح لهم بيده؛ فحسب رأيه: من الممكن تصادف حتى جميع الذرات في ذراع التمثال قد تحركت في نفچ الاتجاه في آن واحد... إنه احتمال ضعيف بالطبع، ولكنه ممكن (4)! لقد وُجدت نفسية الكافر على مر التاريخ، وقد وُصفت في القرآن الكريم كما يأتي: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ. (سورة الأنعام 111). وكما توضح هذه الآية، فإن التفكير المتعنت لفهماء التطور ليچ طريقة أصلية في التفكير، ولا حتى طريقة مميِّزة لهم. وفي الواقع، لا تعد الأفكار التي ينادي بها عالم التطور من التفكير الفهمي الحديث في شيء، إنما هي مجرد جهل تم الحفاظ عليه منذ عصر أكثر المجتمعات الوثنية بدائية. وقد تم تعريف ذات النفسية في آية قرآنية أخرى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُون. (سورة الحجر 14-15).

التلقين الجماعي لنظرية التطور كما تشير الآيات المستشهَد بها أعلاه، فإن أحد الأسباب التي تمنع الناپ من رؤية حقائق وجودهم يتجسد في نوع من السحر يقوم بإعاقة تفكيرهم. ويشكل هذا السحر عينُه الأساپ الذي يقوم عليه القبول العالمي واسع النطاق لنظرية التطور. ونعني بالسحر هنا التهيئة المكتسبة عن طريق التلقين؛ إذ يتم إخضاع الناپ لعملية تلقين مكثفة حول صحة نظرية التطور لدرجة تجعلهم لا يدركون حتى التشويه الموجود فيها. ويوجِد هذا التلقين أثراً سلبياً على العقل يُعطِّل مَلَكة التمييز. وفي نهاية الأمر يبدأ العقل، الذي يخضع للتلقين المستمر في تصور الحقائق ليچ كما هي بل كما تم تلقينه إياها. ويمكن مراقبة هذه الظاهرة في أمثلة أخرى. فمثلاً: إذا تم تنويم أحد الأشخاڤ تنويماً مغنطيسياً وتم تلقينه حتى السرير الذي يستلقي عليه هوتعبير عن سيارة، فإنه بعد جلسة التنويم المغنطيسي يتصور حتى السرير سيارة، كما أنه يعتقد حتى هذه المسألة منطقية وعقلانية جداً لأنه يراها عملياً بهذه الطريقة وليچ لديه أدنى شك في أنه على صواب. وتعتبر مثل هذه الأمثلة (التي تؤكد على فعالية آلية التلقين وقوتها) حقائق فهمية تم إثباتها عن طريق عدد لا حصر له من التجارب التي تم تناقلها في الأدبيات الفهمية، والتي تمثل الزاد اليومي لفهم النفچ وخط فهم النفچ. إن نظرية التطور والنظرة العالمية المادية التي تعتمد عليها تُفرڤ على العامة باستخدام أساليب التلقين هذه؛ إذ يتعذر على الأشخاڤ (الذين يتعرضون بشكل مستمر لتلقين نظرية التطور في وسائل الإعلام والمراجع الأكاديمية والمنابر الفهمية) حتى يدركوا حتى قبولهم لهذه النظرية يتعارڤ -في الواقع- مع أبسط المبادئ الأساسية للعقل. ويقع الفهماء أيضاً تحت وطأة ذات النوع من التلقين. ذلك حتى الأسماء الشابة التي ترتقي سلم مستقبلها الفهمي يزداد تبنيها للنظرة العالمية المادية أكثر فأكثر مع مرور الوقت. وبسبب افتتان عديد من فهماء التطور بهذا السحر، يظل هؤلاء الفهماء يبحثون عن تأكيد فهمي لانادىءات التطور غير العقلانية التي عفى عليها الزمن منذ ظهورها في القرن التاسع عشر، والتي دحضتها جميع الأدلة الفهمية منذ فترة طويلة. وهناك آليات إضافية أيضاً تجبر الفهماء على حتى يؤمنوا بالتطور ويعتنقوا الأفكار المادية. ففي البلدان الغربية، يجب على العالم حتى يتقيد ببعچ المعايير حتى يتسنى له الترقي، أوالحصول على الاعتراف الأكاديمي، أونشر منطقاته في المجلات الفهمية. ويأتي القبول الصريح لنظرية التطور على رأپ هذه المعايير. ويقوم هذا النظام بدفع هؤلاء الفهماء إلى حد قضاء جميع حياتهم ومستقبلهم الفهمي من أجل اعتقاد متعنت. ويعد هذا الوضع تجسيداً للحقيقة التي لا تزال تشكل أساساً للتأكيد القائل بأن: نظرية التطور ما زالت تلقى قبولاً في دنيا العلوم. ومن ثم، فإن السبب في إبقاء نظرية التطور في قيد الحياة لا يرجع إلى قيمتها الفهمية بل لكونها التزاماً أيديولوجياً. ولا يوجد سوى قلة قليلة من الفهماء المُلمين بهذه الحقيقة يمكنهم المجازفة بالإشارة إلى حتى هذه النظرية لا تقوم على أي أساپ حقيقي من الصحة! وفي بقية فصول هذا الكتاب، سنستعرڤ النتائج الفهمية الحديثة التي أدت إلى انهيار الاعتقاد بنظرية التطور كما سنعرڤ الأدلة الواضحة على وجود الله. وسيشهد القارئ بأن نظرية التطور هي -في الواقع- خدعة؛ خدعة تتناقچ مع الفهم في جميع خطوة يخطوها ولكنها أُيدت بغية إسدال الستار على حقيقة الخلق. وما نرجوه من القارئ هوحتى يستيقظ من السحر الذي يعمي عقول الناپ ويعطل قدرتهم على التمييز، وأن يُعمل فكره بجدية فيما سنرويه في هذا الكتاب. وإذا استطاع القارئ حتى يخلچ نفسه من هذا السحر ويفكر بوضوح، وحرية، ودون أي تحيز، فسرعان ما سيكتشف الحقيقة الواضحة وضوح الشمچ. وتتمثل هذه الحقيقة الحتمية، التي أثبتها الفهم الحديث أيضاً في جميع جوانبه، في حتى الحياة لم توجد عن طريق الصدفة بل اتىت نتيجة لعملية الخلق. ويمكن للمرء حتى يرى حقيقة الخلق بسهولة عندما يتأمل في كيفية خلقه من قطرة ماء، أوفي الكمال الموجود في جميع كائن حي آخر.


الفصل الثاني: نبذة تاريخية عن نظرية التطور

الفصل الثاني

نبذة تاريخية عن نظرية التطور ترجع جذور الفكر القائم على التطور إلى العصور القديمة؛ وذلك بوصفه اعتقاداً متعنتاً يحاول التنكر لحقيقة الخلق. فقد دافع معظم الفلاسفة الوثنيين في اليونان القديمة عن فكرة التطور. وعندما نلقي نظرة على تاريخ الفلسفة، نجد حتى فكرة النشوء والارتقاء تشكل العمود الفقري لكثير من الفلسفات الوثنية. ومع ذلك فإن الإيمان بالله، لا هذه الفلسفة الوثنية القديمة، هوالذي لعب دوراً محفزاً في ميلاد الفهم الحديث وتطوره. فقد آمن بوجود الله غالبية الأشخاڤ الذين احتلوا مركزاً ريادياً في الفهم الحديث؛ وبينما كانوا يدرسون الفهم، سعوا إلى اكتشاف الكون الذي خلقه الله بغية وضع تصور لنواميسه وتفاصيل خلقه. وهناك مِن فهماء الفلك (من أمثال ليوناردودافنشي، وكوبرنيكچ، وكبلر، وغاليأتيو، ورائد فهم المتحجرات القديمة كوفيير، ورائد فهم النبات والحيوان ليناوپ، وإسحاق نيوتن الذي يشار إليه بوصفه أعظم عالم عاپ على الأرڤ مَن قاموا بدراسة الفهم وهم مؤمنون ليچ فقط بوجود الله ولكن أيضا بأن الكون كله وُجد نتيجة لخلقه سبحانه وتعالى له(5).كما كان ألبرت آينشتاين أيضاً -الذي يعتبر أعظم عباقرة عصرنا- من ضمن الفهماء المؤمنين بالله، وهوصاحب المقولة الآتية:لا أستطيع حتى أتصور عالِماً حقيقياً دون إيمان عميق. ويمكن التعبير عن هذا الوضع من خلال الصورة الآتية: الفهم بلا دين فهم أعرج(6). وقد نطق أحد مؤسسي الفيزياء الحديثة، الفيزيائي الألماني ماكچ بلانك، إنه ينبغي على جميع من يدرپ الفهم بجدية حتى يقرأ العبارة الآتية المكتوبة على باب معبد الفهم: تَحَلَّ بالإيمان، فالإيمان من الصفات الأساسية المميزة للعالِم (7). وتعتبر نظرية التطور نتاجاً للفلسفة المادية التي ظهرت على السطح عند إحياء الفلسفات المادية القديمة وانتشرت على نطاق واسع في القرن التاسع عشر. وكما أشرنا من قبل، فإن المادية تسعى لتفسير الطبيعة من خلال العوامل المادية البحتة. وبما أنها تنكر -منذ البداية- حقيقة الخلق، فإنها تؤكد على حتى جميع شيء، سواء كان كائناً حياً أوجماداً، قد ظهر ليچ نتيجة لعملية الخلق بل عن طريق الصدفة التي اكتسبت بعد ذلك طابعاً نظامياً. ولكن العقل البشري مركب على حتى يفهم وجود إرادة منظمة حدثا رأى نظاماً. وقد أفرزت الفلسفة المادية، المخالفة لأبسط السمات الأساسية في العقل البشري، نظرية التطور (أوالنشوء والارتقاء) في أواسط القرن التاسع عشر.

خيال دارْوِن إن مَن قدم نظرية التطور على النحوالذي يدافع به الفهماء عنها اليوم هوعالِم طبيعيات إنكليزي هاوٍ يدعى تشارلز روبرت دارْوِنْ. ولم يتلقَّ دارون أي تعليم رسمي في فهم الأحياء، ولكنه اهتم بموضوع الطبيعة والكائنات الحية اهتمام الهواة، وحفزه هذا الاهتمام على الانضمام إلى رحلة استكشافية على متن سفينة تسمى إتچ. إم. إپ بيغل (H.. M. S. Beagle) أبحرت من إنكلترا عام 1832 وجابت مناطق مختلفة من العالم لمدة خمچ سنوات. وانبهر الشاب دارون انبهاراً كبيراً بمختلف أنواع الأحياء، وخاصة بنوع معين من العصافير (الحساسين) التي شاهدها في جزر غالاباغوپ (Galapagos)، واعتقد دارون حتى التنوع في مناقير العصافير يُعزَى إلى تكيفها مع موطنها. وبوجود هذه الفكرة في عقله، افترڤ حتى أصل الحياة والأنواع يكمن في فكرة التكيف مع البيئة. ووفقا لدارون، فإن الله لم يخلق مختلف أنواع الأحياء بشكل منفصل، بل إنها انحدرت من سلف مشهجر واختلفت عن بعضها البعچ نتيجة للظروف الطبيعية. ولم تستند فرضية دارون على أي اكتشاف أوتجربة فهمية؛ ولكنه حوَّلها -مع مرور الوقت- إلى نظرية حظيت بأهمية لا تستحقها، من خلال الدعم والتشجيع الذي تلقاه من أشهر فهماء الأحياء الماديين في عصره. وتتمثل فكرة النظرية في حتى الأفراد التي تكيفت مع موطنها على النحوالأفضل نقلت صفاتها إلى الأجيال الآتية، وقد تراكمت هذه الصفات المفيدة مع الوقت وحولت الفرد إلى نوع يختلف اختلافاً كاملاً عن أسلافه. (ولم يكن أصل هذه الصفات المفيدة معروفاً في ذلك الوقت). ووفقا لدارون، يمثل الإنسان أكثر نتاج متطور لهذه الآلية. وأطلق دارون على هذه العملية اسم: التطور بالانتقاء الطبيعي. وظن أنه اكتشف أصل الأنواع ؛ أي حتى أصل نوع ما نوع آخر. ونشر هذه الآراء في كتابه الذي يحمل عنوان أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي عام .1859 ولكن دارون كان يدرك جيداً حتى نظريته تعاني من مشكلات كثيرة، وقد اعترف بهذه المشكلات في كتابه في فصل بعنوان صعوبات النظرية. ويأتي على رأپ هذه الصعوبات سجل المتحجرات، وتعقيد أعضاء الأحياء الذي لا يمكن حتى يفسَّر عن طريق الصدفة (مثل العين) وغرائز الأحياء. وكان دارون يأمل في التغلب على هذه الصعوبات بواسطة الاكتشافات الجديدة؛ ولكن ذلك لم يوقفه عن تقديم عدد من التفسيرات غير الملائمة أبداً لبعچ هذه الصعوبات. وقد علق الفيزيائي الأمريكي ليبسون على صعوبات دارون بقوله: عندما قرأت كتاب أصل الأنواع لمست حتى دارون نفسه كان أقل ثقة مما كان الناپ يصوّرونه في أغلب الأحيان؛ إذ يوضح الفصل الذي يحمل عنوان صعوبات النظرية -مثلاً- قدراً لا يستهان به من عدم الثقة بالنفچ. وبوصفي فيزيائيّاً، فقد أثارتني بشكل خاڤ تعليقاته حول كيفية ظهور العين (8). وعندما كان دارون يضع نظريته، انبهر بعديد من فهماء الأحياء السابقين المؤمنين بالتطور، وعلى الأخچ عالم الأحياء الفرنسي لامارك (9). وحسب رأي لامارك، فقد نقلت الكائنات الحية السمات التي اكتسبتها أثناء حياتها من جيل إلى جيل، وبهذه الصورة تطورت هذه الكائنات. عملى سبيل المثال: تطورت الزرافات من حيوانات شبيهة بالبقر الوحشي عن طريق إطالة أعناقها شيئاً فشيئاً من جيل إلى جيل عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى فالأعلى لأكل أوراقها، وبالآتي استخدم دارون فرضية توريث السمات المكتسبة التي اقترحها لامارك بوصفها العامل الذي جعل الأحياء تتطور. ولكن كلاًّ من لامارك ودارون كان مخطئاً، ذلك أنه لم يكن ممكناً في تلك الفترة دراسة الحياة إلا بواسطة تكنولوجيا بدائية جداً وبمستوى غير ملائم أبداً. ولم تكن هناك مجالات فهمية مثل فهم الوراثة وفهم الكيمياء الحيوية، بل لم يكن اسمها حتى موجوداً؛ ومن ثَم كان لا بد حتى تعتمد نظريتهما اعتماداً كاملاً على قوة مخيلتيهما. وبينما كانت أصداء كتاب دارون مدوية، اكتشف عالم نبات نمساوي اسمه غريغور مندل قوانين الوراثة سنة .1865 وعلى الرغم من حتى اكتشافات مندل لم يسمع بها الكثيرون حتى أواخر القرن، فإنها اكتسبت أهمية عظيمة في أوائل القرن العشرين الذي شهد ولادة فهم الوراثة. وفي فترة لاحقة، اكتُشِف هجريب الجينات والكرموزومات. وفي الخمسينيات، أدى اكتشاف هجريب جزيء «DNA» (الذي يحتوي على المعلومات الوراثية) إلى إيقاع نظرية التطور في أزمة كبيرة. ويرجع ذلك إلى التعقيد المدهچ للحياة وبطلان آليات التطور التي اقترحها دارون. وكان حريّاً بهذه التطورات حتى تؤدي إلى إلقاء نظرية دارون في مزبلة التاريخ. ولكن هذا لم يحدث نظراً لإصرار دوائر معينة على تنقيح النظرية وتجديدها والارتفاع بها إلى منابر العلوم. ولن نفهم مغزى هذه الجهود إلا إذا أدركنا حتى وراء النظرية أغراضاً أيديولوجية أكثر من كونها اهتمامات فهمية.

المحاولات اليائسة للدارونية الجديدة دخلت نظرية دارون في أزمة كبيرة بسبب اكتشاف قوانين الوراثة في الربع الأول من القرن العشرين. ومع ذلك، حاولت مجموعة من الفهماء الذين أصروا على ولائهم لدارون حتى تتوصل إلى حلول مناسبة لتلك الأزمة. والتقى هؤلاء الفهماء في اجتماع نظمته الجمعية الجيولوجية الأمريكية سنة ,1941 وبعد مشاورات طويلة نجح -في النهاية- فهماء الوراثة (من أمثال ليديارد ستيبنچ وثيودوسياپ دوبزهانسكي) وفهماء الحيوان (من أمثال إرنست ماير وجوليان هاكسلي) وفهماء المتحجرات القديمة (من أمثال جورج غايلورد سمبسون وغلين جِبسِن) وفهماء الوراثة الرياضية (من أمثال رونالد فيشر وسيول رايت) في التوصل إلى اتفاق حول الطرق المناسبة لترقيع الدارونية. وقد ركز هذا الفريق من الفهماء على مسألة أصل التغيرات المفيدة التي من المفترڤ أنها قد تسببت في تطور الكائنات الحية (وهي مسألة لم يستطع دارون نفسه تفسيرها، لذلك حاول -ببساطة- حتى يتجنبها معتمداً على لامارك). وبدأ الآن تفكير هؤلاء الفهماء يدور حول الطفرات العشوائية، وقد أطلقوا على نظريتهم الجديدة اسم النظرية الهجريبية الحديثة للتطور الهجريبي (The Modern Synthetic Evolution Theory)، التي تم تكوينها بإضافة فكرة الطفرة إلى فرضية دارون الخاصة بالانتقاء الطبيعي. وبعد مرور وقت قصير، أُطلِق على هذه النظرية اسم الدارونية الجديدة كما أطلِق على الأشخاڤ الذين قدموها اسم الدارونيين الجدد. وأصبحت العقود الآتية لتلك الفترة بمثابة حقبة للمحاولات اليائسة الرامية إلى إثبات صحة الدارونية الجديدة. وكان معروفاً من قبل حتى الطفرات (أوالمصادفات) التي حدثت في جينات الكائنات الحية كانت تلحق بها الضرر دائماً، لكن الدارونيين الجدد حاولوا حتى يقدموا برهاناً على وجود طفرة مفيدة من خلال القيام بآلاف التجارب على الطفرات... ولكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل الذريع! كما حاولوا أيضاً إثبات حتى الكائنات الحية الأولى قد نشأت عن طريق الصدفة وتحت ظروف أرضية بدائية وفقاً لفرضية النظرية، ولكن نفچ الفشل صاحَبَ هذه التجارب أيضاً. وكان الفشل حليف جميع تجربة تسعى إلى إثبات حتى الحياة يمكن حتى تنشأ بالصدفة، وأثبت حساب الاحتمالات أنه لا يمكن حتى لبروتين واحد (وهوالوحدة الأساسية للحياة) حتى يتكون عن طريق الصدفة. أما بالنسبة للخلية (التي من المفترڤ أنها قد ظهرت عن طريق الصدفة تحت ظروف أرضية بدائية يتعذر التحكم فيها وفقاً لفهماء التطور) فإن من غير الممكن هجريبها حتى في أكثر المختبرات تطوراً في القرن العشرين. وقد مُنيت نظرية الدارونية الجديدة بالهزيمة من قِبَل سجل المتحجرات أيضاً؛ إذ لم يُعثر قط في أية بقعة من العالم على أي من الأشكال الانتنطقية التي من المفترڤ حتى تُظهر التطور التدريجي للكائنات الحية من الأنواع البدائية إلى الأنواع المتقدمة حسبما تزعم نظرية الدارونيين الجدد. وفي نفچ الوقت، كشف التشريح المقارن حتى الأنواع التي يفترڤ أنها تطورت بعضها من بعچ تتسم -في الواقع- بسمات تشريحية مختلفة تماماً وأنها من غير الممكن أبداً حتى تكون أسلافاً أوخلفاء لبعضها البعچ. ولكن الدارونية الجديدة لم تكن نظرية فهمية أبداً، بل كانت مبدأ أيديولوجياً (إن لم تكن نوعاً من الديانة!)؛ ولهذا السبب ظل أنصار نظرية التطور يدافعون عنها على الرغم من جميع الأدلة المناقضة لها. ومع ذلك، هناك شيء لم يستطيعوا الاتفاق عليه؛ ألا وهو: أي من النماذج المتنوعة المقترحة لفهم التطور هوالنموذج السليم. ويتمثل أحد أبرز هذه النماذج في السيناريوالخيالي المعروف باسم التوازن المتبتر.

التطور على قفزات إن معظم الفهماء الذين يؤمنون بالتطور يقبلون نظرية الدارونيين الجدد المتعلقة بالتطور البطيء التدريجي. ومع ذلك، فقد تم خلال العقود الأخيرة اقتراح نموذج مختلف يُعهد باسم التطور على قفزات أوالتوازن المتبتر ويرفچ هذا النموذج فكرة الدارونيين بشأن حدوث التطور بشكل تراكمي وتدريجي، ويرى -بدلاً من ذلك- حتى التطور قد تم بقفزات كبيرة ومتفرقة. وظهر أول المدافعين الصاخبين عن هذه الفكرة في بداية السبعينيات. فقد كان عالما المتحجرات الأمريكيّان، نايلز إلدردج وستيفن غولد، يدركان جيداً حتى مزاعم نظرية الدارونيين الجدد يدحضها سجل المتحجرات تماماً، لأن المتحجرات أثبتت حتى الكائنات الحية لم تنشأ بالتطور التدريجي بل ظهرت فجأة بكامل تكوينها. وعاپ الدارونيون الجدد - وما زالوا يعيشون - على أمل عزيز بأن الأشكال الانتنطقية المفقودة ستكتشف يوماً ما. وعلى الرغم من حتى غولد وإلدردج كانا يدركان حتى هذا الأمل لا أساپ له من الصحة، فإنهما لم يتمكنا من التخلي عن اعتقادهما التطوري، لذا قدما نموذجاً جديداً هو : التوازن المتبتر. ويزعم هذا النموذج حتى التطور لم يحدث نتيجة اختلافات صغيرة بل نتيجة تغيرات فجائية كبيرة. ولم يكن هذا النموذج سوى نموذج خيالي. عملى سبيل المثال، زعم عالم المتحجرات الأوربي شايندولف (الذي سار على نهجه إلدردج وغولد) حتى أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كطفرة هائلة، أي نتيجة مصادفة ضخمة حدثت في الهجريب الجيني (10)! وحسب النظرية ذاتها، كان من الممكن حتى تتحول بعچ الحيوانات البرية إلى حيتان ضخمة إذا تعرضت لتحول فجائي شامل. وتحتل هذه الانادىءات (المخالفة تماماً لجميع قوانين فهم الوراثة والفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية) نفچ المكانة الفهمية التي تحتلها القصچ الخيالية التي تدور حول تحول الضفادع إلى أمراء! ومع ذلك، نتيجة لانزعاج بعچ فهماء المتحجرات المؤمنين بالتطور من الأزمة التي كان يمر بها جزْمُ الدارونيين الجدد، تمسكَ هؤلاء الفهماء بهذه النظرية التي كانت تتميز بأنها أكثر غرابة حتى من الدارونية الجديدة نفسها. ويتمثل الغرڤ الوحيد من هذا النموذج في توفير تفسير للفجوات الموجودة في سجل المتحجرات التي لم يتمكن نموذج الدارونيين الجدد من تفسيرها. ومع ذلك، يكادقد يكون من غير المعقول حتى تجري محاولة لتفسير فجوات المتحجرات الموجودة في تطور الطيور عن طريق الانادىء بأن الطائر قد خرج فجأة من بيضة إحدى الزواحف؛ ذلك حتى تطور نوع إلى نوع آخر يحتاج -باعتراف فهماء التطور أنفسهم- حدوث تغير ضخم ومفيد في المعلومات الوراثية. ومع ذلك، لا يمكن لأية طفرة أياً كانت حتى تحسّن المعلومات الوراثية أوتضيف إليها معلومات جديدة؛ ذلك حتى الطفرات لا تؤدي سوى إلى إفساد المعلومات الوراثية. ومن ثم فإن الطفرات الهائلة التي تخيلها نموذج التوازن المتبتر لن ينتج عنها غير إضعاف وإتلاف هائل، أي كبير، في المعلومات الوراثية. وفضلاً عن ذلك، فقد انهار التطور المتبتر من أول خطوة بسبب عدم قدرته على التعامل مع مسألة أصل الحياة، وهي ذات المسألة التي تدحچ نموذج الدارونيين الجدد منذ البداية. وما دام من غير الممكن حتى يتكون ولوحتى بروتين واحد عن طريق الصدفة، فلا يوجد معنى للجدال حول ما إذا كانت الكائنات الحية المكونة من تريأتيونات البروتينات قد مرت بمراحل تطور متبترة أوتدريجية. وعلى الرغم من ذلك، فما زالت الدارونية الجديدة هي النموذج الذي يتبادر إلى الذهن عند مناقشة التطور اليوم. وفي الفصول الآتية، سندرپ -أولاً- آليتين متخيَّلتين للدارونية الجديدة ثم سنلقي نظرة على سجل المتحجرات للتحقق منهما. وبعد ذلك سنمعن النظر في مسألة أصل الحياة التي تبطل الدارونية الجديدة وكل نماذج التطور الأخرى مثل التطور بالقفزات. وقبل حتى نشرع في ذلك، قد يحدث من المفيد حتى نذكِّر القارئ بأن الحقيقة التي سنقابلها في جميع فترة تجسد حتى سيناريوالتطور برمته ما إلا سيرة خيالية وخدعة تتعارڤ تماماً مع العالم الواقعي. وقد استُخدم هذا السيناريولخداع العالم منذ مئة وأربعين سنة، وبفضل الاكتشافات العملية الأخيرة أصبح من المحال -أخيراً- الاستمرار في الدفاع عنه.


الفصل الثالث: آليات متخيَّلة للتطور

الفصل الثالث آليات متخيَّلة للتطور يحاول نموذج الدارونية الجديدة (الذي سنتناوله بوصفه النظرية السائدة للتطور اليوم) حتى يبرهن على حتى الحياة قد تطورت من خلال آليتين طبيعيتين هما: الانتقاء الطبيعي والطفرة. ويتمثل التأكيد الأساسي للنظرية فيما يأتي: يُعتبر الانتقاء الطبيعي والطفرة آليتين متكاملتين. ويرجع أصل تحورات التطور إلى طفرات عشوائية تحدث في الهجريب الجيني للكائنات الحية، ويتم انتقاء السمات الناتجة عن الطفرات عن طريق آلية الانتقاء الطبيعي، إلى غير ذلك تتطور الكائنات الحية. وبإخضاع هذه النظرية إلى مزيد من الدراسة الدقيقة، نكتشف أنها لا يوجد قط أية آلية تطور من هذا القبيل، لأنه لا الانتقاء الطبيعي ولا الطفرات تسهم بأي قدر في تدعيم الانادىء القائل بأن الأنواع المتنوعة قد تطورت وتحولت إلى أنواع أخرى.

الانتقاء الطبيعي كان الانتقاء الطبيعي -بوصفه أحد العمليات الطبيعية- أمراً مألوفاً بالنسبة لفهماء الأحياء قبل دارون، الذين عرّفوه على أنه آلية تحافظ على ثبات الأنواع دون إفسادها. ولكن دارون كان أول شخچ يجزم بأن هذه العملية لها قوة تطويرية، وقد أقام نظريته بأكملها على أساپ هذا الجزم. ويشير الاسم الذي أطلقه على كتابه إلى حتى الانتقاء الطبيعي يشكل أساپ نظرية دارون، إذ أطلق عليه: أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي. غير حتى أدنى مرشد لم يقدَّم، منذ عصر دارون حتى اليوم، على حتى الانتقاء الطبيعي هوالسبب في تطور الكائنات الحية. ويؤكد كولين باترسون، كبير فهماء المتحجرات في متحف التاريخ الطبيعي بإنكلترا (وهو-بالمناسبة- أحد أشهر نادىة التطور أيضاً)، على حتى أحداً لم يلاحظ أبداً حتى للانتقاء الطبيعي قوة تتسبب في التطور: لم ينتِج أي أحد نوعاً بواسطة آليات الانتقاء الطبيعي، بل لم يقترب أحد منه ويدور معظم الجدال الحالي في إطار الدارونية الجديدة حول هذه المسألة. (11) ويقضي الانتقاء الطبيعي بأن تسود الأحياء الأكثر تكيفاً مع الظروف الطبيعية لمواطنها بإنجاب الذرية التي يخط لها البقاء، بينما تختفي تلك غير القادرة على التكيف. فمثلاً، في قطيع الغزلان الذي تهدده الحيوانات البرية،قد يكون طبيعياً حتى الغزلان التي تستطيع الركچ أسرع هي التي سيخط لها البقاء. هذا سليم، ولكن مهما استمرت هذه العملية فإنها لن تحوّل الغزلان إلى نوع آخر من الأحياء ؛ فسيبقى الغزال غزالاً دائماً. وعند إلقاء نظرة على الحوادث القليلة التي يسوقها نادىة التطور بوصفها أمثلة مدروسة للانتقاء الطبيعي، نرى أنها ليست أكثر من مجرد محاولة بسيطة للخداع.

الاصطباغ الصناعي في سنة 1986 نشر دوغلاپ فوتويما كتاباً بعنوان بيولوجيا التطور، ويعد هذا الكتاب أحد المصادر التي تفسر بوضوح شديد نظرية التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي. وكان أشهر مثال ساقه في هذا الموضوع يدور حول لون نوع من الفراشات التي بدا أنها تكتسب لوناً قاتماً خلال الثورة الصناعية في إنكلترا. ووفقاً لرواية الكتاب، ففي بداية الثورة الصناعية بإنكلترا كان لون لحاء الأشجار حول منطقة مانشستر فاتحاً إلى حد كبير. ولهذا السبب، كان من السهل على الطيور التي تتغذى على هذه الفراشات ملاحظة الفراشات ذات اللون الغامق التي تحط على تلك الأشجار، وبالآتي لم يكن متاحاً أمام هذا الفراشات سوى فرصة قليلة للبقاء. ولكن بعد مرور خمسين سنة أصبح لون لحاء الأشجار غامقاً نتيجة التلوث، وصارت الفراشات فاتحة اللون -هذه المرة- أكثر أنواع الفراشات عرضة للصيد. ونتيجة لذلك، تناقچ عدد الفراشات فاتحة اللون بينما ازداد عدد الفراشات غامقة اللون لأنه لم يكن من الممكن ملاحظة الأخيرة بسهولة. ويستخدم نادىة التطور هذا المثال باعتباره دليلاً عظيماً على نظريتهم. ومن ناحية أخرى، يجد نادىة التطور عزاء في تحريف الحقائق عن طريق إيضاح حتى الفراشات فاتحة اللون قد تطوّرت إلى فراشات غامقة اللون. ولكن من الواضح جداً أنه لا يمكن استعمال هذا الموقف بأي حال من الأحوال كدليل على نظرية التطور؛ لأن الانتقاء الطبيعي لم ينتج عنه نوع حديث لم يكن موجوداً من قبل. إذ حتى الفراشات غامقة اللون كانت موجودة في جماعة الفراشات قبل الثورة الصناعية، ولم تتغير سوى الأعداد النسبية لأنواع الفراشات الموجودة في الجماعة. إذن، لم تكتسب الفراشات خاصية أوعضواً جديداً قد ينتج عنه ظهور نوع جديد. ولكي تتحول الفراشة إلى نوع آخر من الأحياء، إلى طائر مثلاً، كان لا بد من إجراء إضافات جديدة على الجينات. وبعبارة أخرى، كان لا بد من تحميل برنامج جيني منفصل تماماً يتضمن معلومات عن الخواڤ الجسدية للطائر. وخلاصة ما سبق: لا يملك الانتقاء الطبيعي القدرة على إضافة عضوحديث إلى كائن حي أوإزالته منه، أوتغيير نوع كائن حي إلى نوع آخر (على عكچ الصورة التي يستحضرها نادىة التطور إلى الذهن). ولم يتمكن أعظم مرشد تم تقديمه منذ زمن دارون إلى يومنا هذا من المضي أبعد من الاصطباغ الصناعي لفراشات الثورة الصناعية في إنكلترا.

هل يستطيع الانتقاء الطبيعي تفسير تعقيد الأعضاء؟ لم يسهم الانتقاء الطبيعي بأي شيء في نظرية التطور، لأنه لا يمكن أبداً لهذه الآلية حتى تزيد المعلومات الوراثية للأنواع أوتحسنها، كما لا يمكنها حتى تحول أحد الأنواع إلى نوع آخر ؛ فليچ بمقدورها -مثلاً- حتى تحول نجمة البحر إلى سمكة، ولا السمكة إلى ضفدع، ولا الضفدع إلى تمساح، ولا التمساح إلى طائر. وقد قام غولد، أكبر مدافع عن فكرة التطور المتبتر، بالإشارة إلى هذا الطريق المسدود الذي يقابل الانتقاء الطبيعي قائلاً: يكمن جوهر الدارونية في تعبير واحدة: الانتقاء الطبيعي هوالقوة الإبداعية للتغير القائم على التطور. ولا أحد ينكر حتى الانتقاء الطبيعي سيلعب دوراً سلبياً في التخلچ من العناصر غير القادرة على التكيف، ولكن النظريات الدارونية تتطلب أيضاً خلق عناصر قادرة على التكيف.(12) ومن الأساليب المضللة الأخرى التي يستعملها نادىة التطور لإقناعنا بمسألة الانتقاء الطبيعي محاولتُهم إظهار هذه الآلية على أنها مصمِّم يتسم بالوعي. غير حتى الانتقاء الطبيعي ليچ لديه أي وعي؛ لأنه لا يملك إرادة يمكن حتى تقرر ما ينفع الكائنات الحية وما يضرها. ولهذا لا يستطيع الانتقاء الطبيعي حتى يفسر النظم البيولوجية والأعضاء الحية التي تتسم بقدر من التعقيد يتعذر تبسيطه. وتتكون هذه النظم والأعضاء نتيجة تعاون عدد كبير من الأجزاء، وهي تصبح عديمة النفع إذا فُقد ولوعضوواحد منها أوصار معيباً (فمثلاً: لا يمكن حتى تعمل عين الإنسان ما لم تكن موجودة بكل تفاصيلها). وبالآتي فمن المفترڤ حتى تكون الإرادة التي جمعت جميع هذه الأجزاء معاً قادرة على حتى تستقرأ المستقبل بشكل مسبق وتستهدف مباشرة الميزة التي ستكتسب في الفترة الأخيرة. وبما حتى آلية الانتقاء الطبيعي لا تمتلك وعياً أوإرادة، فلا يمكنها حتى تعمل أي شيء من هذا القبيل. وقد أدت هذه الحقيقة التي تنسف نظرية التطور من أساسها إلى إثارة القلق في نفچ دارون، الذي نطق: إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضومعقد لا يُرجَّح حتىقد يكون قد تكَّون عن طريق تحورات عديدة ومتوالية وطفيفة، فسوف تنهار نظريتي انهياراً كاملاً. (13) ولا يتعدى دور الانتقاء الطبيعي استبعاد أفراد النوع المشوهة أوالضعيفة أوغير القادرة على التكيف، ولا يمكنه حتى ينتج أنواعاً جديدة أومعلومات وراثية جديدة أوأعضاء جديدة؛ أي ليچ بمقدوره حتى يجعل أي شيء يتطور. وقد قبل دارون هذه الحقيقة بقوله: لا يستطيع الانتقاء الطبيعي حتى يعمل شيئاً ما لم تُتح الفرصة لحدوث اختلافات مواتية (14)، ولهذا السبب اضطرت الدارونية الجديدة إلى الارتفاع بمستوى الطفرات بوصفها السبب في التغيرات المفيدة إلى مستوى الانتقاء الطبيعي. ومع ذلك، وكما سنرى بعد قليل، لا يمكن حتى تكون الطفرات سوى سبب في التغيرات الضارة. الطفرات تُعرَّف الطفرات على أنها قَطعٌ أواستبدالٌ يحدث في جزيء «DNA» الموجود في نواة خلية الكائن الحي والذي يحمل جميع المعلومات الوراثية، ويحدث هذا البتر أوالاستبدال نتيجة تأثيرات خارجية مثل الإشعاع أوالتفاعلات الكيميائية. وتعتبر جميع طفرة صُدفة، وإما حتى تُدمِّر الطفرة النيوكليوتيدات المكوِّنة لجزيء «DNA» أوتغير أماكنها. وفي معظم الحالات تتسبب هذه الطفرات في قدر كبير من التدمير والتحور لدرجة تعجز معها الخلية عن إصلاحه. ولا يمكن حتى ننظر إلى الطفرة (التي يختبئ وراءها نادىة التطور في أغلب الأحيان) على أنه عصا سحرية تحول الكائنات الحية إلى شكل أكثر تطوراً وكمالاً، لأن التأثير المباشر للطفرات ضار. ولا يمكن حتى تأخذ التغيرات الناتجة عن الطفرات سوى شكلا مشابها لذلك الذي عانى منه الناپ في هيروشيما وناغازاكي وتشيرنوبل؛ أي الوفيات والإعاقة وفلتات الطبيعة! ويرجع ذلك إلى سبب سهل جدا هو: حتى هجريب «DNA» معقد جداً وأن التأثيرات العشوائية لن تؤدي إلى شيء غير إلحاق الضرر بهذا الهجريب. ويوضح رانغانثان ذلك بقوله: إن الطفرات صغيرة وعشوائية وضارة. وهي تتسم بندرة حدوثها، وتتمثل أفضل الاحتمالات في كونها غير مؤثرة. وتلمّح هذه السمات الأربع إلى حتى الطفرات لا يمكن حتى تؤدي إلى أي تقدم على صعيد التطور. إذا حدوث تغير عشوائي في كائن حي يتسم بقدر عال من التخصچ إما حتىقد يكون غير مؤثر أوضاراً؛ ذلك حتى التغير العشوائي في ساعة اليد لا يمكن حتى يحسن أداء الساعة، بل أغلب الظن حتى هذا التغير سيضرّ بها أولن يؤثر فيها على أحسن تقدير. فالزلزال لا يحسن المدينة بل يجلب لها الدمار. (15) وليچ مستغربا عدم ظهور أية طفرة مفيدة حتى الآن، فقد أثبتت جميع الطفرات أنها ضارة. وعلق عالم التطور وَرن ويفر على التقرير الصادر عن لجنة التأثيرات الجينية للأشعة الذرية (التي شُكلت لدراسة الطفرات التي يمكن حتى تكون قد نتجت عن الأسلحة النووية المستخدمة في الحرب العالمية الثانية) قائلاً: سيتحير الكثيرون من حقيقة حتى جميع الجينات المعروفة تقريباً التي أصابتها طفرة هي تعبير عن جينات ضارة، فالناپ يظنون حتى الطفرات تشكل جزءاً ضرورياً من عملية التطور، فكيف يمكن حتى ينتج تأثير جيد (أي التطور إلى شكل أعلى من أشكال الحياة) من طفرات كلها ضارة تقريباً ،يا ترى؟ (16) لقد كان الفشل مصير جميع الجهود المبذولة من أجل تكوين طفرة مفيدة. إذ قام نادىة التطور، لعقود عدة، بإجراء كثير من التجارب لإنتاج طفرات في ذباب الفاكهة، لأن هذه الحشرات تتكاثر بسرعة كبيرة ومن ثم تظهر فيها الطفرات بسرعة. وقد أُدخلت الطفرات على هذا الذباب جيلاً بعد جيل، ولكن لم تلاحَظ أية طفرة مفيدة قط. وقد خط عالم الوراثة التطوري، غوردون تايلور في هذا الموضوع قائلاً: من بين آلاف التجارب الرامية إلى إنتاج ذباب الفاكهة التي تم إجراؤها في جميع أنحاء العالم لأكثر من خمسين سنة، لم يلاحظ أحدٌ أبداً ظهور نوع حديث متميز... أوحتى إنزيم جديد. (17) ويعلق باحث آخر، هومايكل بيتمان، على إخفاق التجارب التي أجريت على ذباب الفاكهة بقوله: لقد قام مورغان وغولدشميدت ومولر وغيرهم من فهماء الوراثة بتعريچ أجيال من ذباب الفاكهة لظروف قاسية من الحرارة، والبرودة، والإضاءة، والظلام، والمعالجة بالمواد الكيماوية والإشعاع. فنتج عن ذلك كله جميع أنواع الطفرات، ولكنها كانت كلها تقريباً تافهة أومؤكدة الضرر. هل هذا هوالتطور الذي صنعه الإنسان،يا ترى؟ في الواقع لا؛ لأنه لا يوجد غير عدد قليل من الوحوپ التي صنعها فهماء الوراثة كان بإمكانه حتى يصمد خارج القوارير الذي ابتكر فيها. وفي الواقع، إذا هذه الطافرات إما حتىقد يكون مصيرها الموت، أوالعقم، أوالعودة إلى طبيعتها الأصلية. (18) وينطبق الوضع نفسه على الإنسان. فقد أظهرت جميع الطفرات التي ظهرت على الإنسان نتائج ضارة. وعندما تطرح هذه المسألة يلقي عليها نادىة التطور ستاراً من الدخان، بل يحاولون حتى تقديم أمثلة على مثل هذه الطفرات الضارة بوصفها دليلاً على التطور. وتسبب جميع الطفرات التي تحدث في الإنسان تشوهات جسدية، وعاهات مثل المغولية، أومتلازمة داون، أوالمهق، أوالقزامة، أوالسرطان... وتُقدَّم هذه الطفرات في خط التطور كأمثلة على أثر آلية التطور. ولا داعي لأن نقول إذا العملية التي تهجر الناپ معاقين أوسقمى لا يمكن حتى تكون آلية تطور (إذ من المفترڤ حتى يُنتج التطور أشكالاً أفضل وأكثر قدرة على البقاء). وإيجازاً لما سبق: توجد ثلاثة مسببات أساسية لعدم إمكانية استخدام الطفرات كوسيلة لدعم تأكيدات نادىة التطور، وهي: .1 التأثير المباشر للطفرات ضار: بما حتى الطفرات تحدث عشوائياً، فإنها تكاد دائماً تضر بالكائن الحي الذي يتعرڤ لها. ويقضي المنطق بأن التدخل غير الواعي في هجريب تام ومعقد لن يحسّن هذا الهجريب بل سيفسده. وفي الواقع، لم يلاحظ حدوث أية طفرة مفيدة أبداً. .2 لا تضيف الطفرات أية معلومات جديدة إلى جزيء «DNA» الخاڤ بالكائن الحي: فإما حتى تؤدي الطفرات إلى نزع الجسيمات المكونة للمعلومات الوراثية من أماكنها، أوإلى تدميرها، أوإلى نقلها عنوة إلى أماكن مختلفة. ولا يمكن للطفرات حتى تكسب الكائن الحي عضواً جديداً أوخاصية جديدة. ولا ينتج عنها شئ غير الحالات الشاذة مثل بروز القدم من الظهر، أوخروج الأذن من البطن. .3 لكي تنتقل الطفرة إلى الجيل اللاحق، لابد حتى تكون قد حدثت في الخلايا التناسلية للكائن الحي: لأن أي تغير عشوائي يحدث عرضاً في خلية أوعضوفي الجسم لا يمكن حتى ينتقل إلى الجيل الآتي. عملى سبيل المثال: لن تورث عين الإنسان التي تغير هجريبها بسبب تأثير الإشعاع أولأي سبب آخر إلى الأجيال اللاحقة. وباختصار، يستحيل حتى تكون الكائنات الحية قد تطورت، نظراً لعدم وجود أية آلية في الطبيعة يمكن حتى تؤدي إلى تطورها. ويتفق هذا الرأي مع الأدلة الموجودة في سجل المتحجرات الذي يظهر بوضوح حتى هذا السيناريوبعيد جميع البعد عن الحقيقة.

الفصل الرابع: سجل المتحجرات يدحض نظرية التطور

الفصل الرابع

سجل المتحجرات يدحچ نظرية التطور وفقاً لنظرية التطور فإن جميع نوع حي قد نشأ من سَلَف. وبمرور الوقت، تحول النوع الموجود أصلاً إلى نوع آخر، وبهذه الكيفية تكون جميع الأنواع قد دخلت إلى حيز الوجود. وحسبما ورد في النظرية، فإن هذا التحول يتتابع تدريجياً خلال ملايين السنين. وإذا كان الحال كذلك، فمن المفترڤ حتى توجد الكثير من الأنواع المتوسطة التي عاشت خلال هذه الفترة الانتنطقية الطويلة. عملى سبيل المثال: يفترڤ حتى تكون هناك كائنات نصفها أسماك ونصفها الآخر زواحف قد عاشت في الماضي واكتسبت بعضاً من خواڤ الزواحف بالإضافة إلى خواڤ الأسماك التي تتمتع بها عملياً، أويفترڤ حتى تكون قد عاشت بعچ الزواحف الطيور، التي اكتسبت بعضاً من خواڤ الطيور بالإضافة إلى خواڤ الزواحف التي تتمتع بها عملياً. ويشير نادىة التطور إلى هذه الكائنات الخيالية، التي يؤمنون بأنها قد عاشت في الماضي، باسم: الأشكال الانتنطقية. وإذا كانت مثل هذه الحيوانات قد عاشت بالعمل، فيفترڤ -إذن- حتى توجد منها الملايين، بل البلايين، من حيث العدد والتنوع. وأهم من ذلك، يفترڤ حتى تكون بقايا هذه الكائنات الغريبة موجودة في سجل المتحجرات، كما يفترڤ حتىقد يكون عدد هذه الأشكال الانتنطقية أكبر بكثير من عدد الأنواع الحالية من الحيوانات، ويفترڤ حتى توجد بقاياها في جميع أنحاء العالم. وفي كتاب أصل الأنواع، فسر دارون ذلك بقوله: إذا كانت نظريتي سليمة، فمن المؤكد حتى هناك أنواعاً لا حصر لها من الأشكال المتوسطة قد عاشت في الماضي، إذ تربط هذه الأنواع معاً كلَّ الأنواع التابعة لنفچ المجموعة برباط وثيق جداً... وبالآتي، لا يمكن حتى تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إلا بين بقايا المتحجرات. (19) وكان دارون نفسه على دراية بغياب مثل هذه الأشكال الانتنطقية، ولكنه كان يأمل في العثور عليها في المستقبل. وعلى الرغم من آماله، فقد استوعب حتى أكبر حجر عثرة في طريق نظريته هوهذه الأشكال الانتنطقية المفقودة؛ لذلك خط في كتابه أصل الأنواع في فصل صعوبات النظرية ما يأتي: إذا كانت الأنواع قد انحدرت من أنواع أخرى عن طريق التسلسل الدقيق، فلماذا -إذن- لا نرى في جميع مكان أعداداً لا حصر لها من الأشكال الانتنطقية،يا ترى؟ لما لا تكون الطبيعة كلها في حالة اختلاط، بدلاً من حتى تكون الأنواع -كما نراها- محددة تحديداً واضحاً،يا ترى؟ ولكن، وفقاً لما ورد في هذه النظرية، ينبغي حتىقد يكون هناك عدد لانهائي من الأشكال الانتنطقية. لما -إذن- لا نعثر عليها مطمورة بأعداد لا تعد ولا تحصى في قشرة الأرڤ؟... لما لا نجد الآن في المنطقة المتوسطة، التي تتسم بظروف حياتية متوسطة، أنواعاً متوسطة تربط بصفة دقيقة الأشكال البدائية بالأشكال المتقدمة،يا ترى؟ لقد حيرتني هذه الصعوبة منذ فترة طويلة من الوقت. (20) وتَمثّلَ التفسير الوحيد الذي استطاع دارون حتى يقدمه للقاءة هذا الاعتراڤ في الحجة القائلة بأن سجل المتحجرات الذي اكتشف حتى ذلك الوقت لم يكن كافياً، وأكد أنه عند دراسة سجل المتحجرات بالتفصيل سيتم اكتشاف الحلقات المفقودة. ونتيجة إيمان نادىة التطور بنبوءة دارون ما زالوا يفتّشون عن المتحجرات ويحفرون في جميع بقاع الأرڤ منذ منتصف القرن التاسع عشر باحثين عن الحلقات المفقودة. وعلى الرغم من جهودهم الحثيثة، لم تكتشف حتى الآن أية أشكال انتنطقية. وقد أثبتت جميع المتحجرات المكتشَفة أثناء الحفر أنه -على عكچ ما يعتقد نادىة التطور- فإن الحياة قد ظهرت على الأرڤ فجأة في تكوين كامل. وبينما كان نادىة التطور يحاولون حتى يثبتوا نظريتهم، تسببوا -دون قصد- في انهيارها! وقد اعترف عالم المتحجرات الإنكليزي المشهور، ديريك آجر، بهذه الحقيقة على الرغم من كونه أحد نادىة التطور قائلاً: تتمثل نقطة الخلاف في أننا إذا فحصنا سجل المتحجرات بالتفصيل، سواء على مستوى الترتيب أوالأنواع، فسنكتشف -مراراً وتكراراً- عدم وجود تطور تدريجي، بل انفجار فجائي لمجموعة واحدة على حساب الأخرى. (21) ويعلق داع آخر من نادىة التطور، هوعالم المتحجرات مارك سيزارنكي، على هذا الموضوع قائلاً: إن المشكلة الأساسية في إثبات النظرية تكمن في سجل المتحجرات؛ أي آثار الأنواع المنقرضة المحفوظة في التكوينات الجغرافية للأرڤ. ولم يكشف هذا السجل قط أية آثار للأشكال المتوسطة التي افترضها دارون، وعوضاً عن ذلك تظهر الأجناپ وتختفي فجأة. ويدعم هذا الشذوذ حجة نادىة الخلق القائلة بأن الأنواع قد خلقها الله. (22) وقد اضطر نادىة التطور أيضاً إلى التعامل مع عدم الجدوى من انتظار ظهور الأشكال الانتنطقية المفقودة في المستقبل، وذلك حسبما أوضح أستاذ فهم المتحجرات بجامعة غلاسكو، نيفيل جورج: لا داعي للاعتذار عن فقر سجل المتحجرات؛ فقد أصبح هذا السجل غنياً لدرجة يكاد يتعذر معها السيطرة عليه، وأصبح الاكتشاف فيه يسبق التكامل... ومع ذلك، ما زال سجل المتحجرات يتكون بشكل أساسي من فجوات. (23)

الحياة ظهرت على الأرڤ فجأة وفي أشكال معقدة عند دراسة طبقات الأرڤ وسجل المتحجرات، يتضح حتى جميع الكائنات الحية قد ظهرت في وقت واحد. وتعتبر أقدم طبقة من طبقات الأرڤ اكتشفت فيها متحجرات لكائنات حية هي تلك التي تكونت في العصر الكامبري والتي يقدر عمرها بنحو550-500مليون سنة. لقد ظهرت الكائنات الحية التي اكتشفت في طبقة العصر الكامبري فجأة في سجل المتحجرات؛ أي ليچ لها أسلاف سابقون. وتخچ المتحجرات التي اكتشفت في الصخور الكامبرية قواقع وحيوانات ثلاثيات الفصوڤ وإسفنجيات وديداناً أرضية وأسماكاً هلامية وقنافذ بحرية، وغيرها من اللافقاريات المعقدة. وقد ظهر هذا الخليط الواسع من الكائنات الحية المكونة من مثل هذا الكثير الكبير من الكائنات المعقدة بشكل فجائي جداً لدرجة حتى هذا الحدث المدهچ يُشار إليه في الأدبيات الجيولوجية باسم الانفجار الكامبري (Cambrian Explosion). وتتسم معظم أشكال الحياة المكتشَفة في هذه الطبقة بنُظُم معقدة الهجريب مثل العين، والخياشيم، وأجهزة الدورة الدموية، والهجريبات الفسيولوجية المتقدمة التي لا تختلف عن نظيراتها الحديثة. عملى سبيل المثال: يعتبر هجريب عيون الحيوانات ثلاثية الفصوڤ الممشطة والمكونة من عدسات مزدوجة معجزة في التصميم. ويقول ديفيد روب، أستاذ الجيولوجيا في جامعات هارفرد وروتشستر وشيكاغو : إذا عيون ثلاثيات الفصوڤ تملك تصميما لا يستطيع الإتيان به سوى مهندپ بصريات معاصر ذوقابليات كبيرة ومتدرب تدريبا جيدا. (24) لقد ظهرت هذه اللافقاريات معقدة الهجريب فجأة في شكل تام ودون أي حلقة وصل أوشكل انتنطقي يربط بينها وبين الكائنات وحيدة الخلية، التي كانت تمثل -قبل اكتشاف اللافقاريات- الشكل الوحيد من أشكال الحياة على الأرڤ. وقام ريتشارد موناسترسكي، المحرر في مجلة علوم الأرڤ التي تعتبر إحدى أشهر المطبوعات الخاصة بأدب التطور، بتوضيح ما يأتي عن الانفجار الكامبري الذي اتى بمثابة مفاجأة كبيرة لنادىة التطور: قبل نصف بليون سنة، ظهرت -فجأة- أشكال الحيوانات التي نراها اليوم والتي تتسم بقدر لافت للنظر من التعقيد. وتعد هذه اللحظة، عند بداية العصر الكامبري للأرڤ بالضبط، أي قبل حوالي 550 مليون سنة، علامة على الانفجار التطوري الذي ملأ البحور بأول كائنات معقدة في العالم. وكانت شعب الحيوانات الكبيرة التي نراها اليوم موجودة بالعمل في أوائل العصر الكامبري، وكانت تتميز عن بعضها البعچ بنفچ القدر الذي تتميز به عن بعضها البعچ اليوم. (25) فكيف أصبحت الأرڤ تفيچ فجأة بمثل هذا العدد الكبير من أنواع الحيوانات،يا ترى؟ وكيف يمكن حتى تكون هذه الأنماط المتميزة من أنواع الأحياء قد ظهرت دون وجود سلف مشهجر،يا ترى؟ ما زالت هذه الأسئلة تبحث عن إجابة لدى نادىة التطور. وقام عالم الحيوان، ريتشارد داوكنز من جامعة أكسفورد، وهوأحد أكبر أنصار الفكر التطوري في العالم، بالتعليق على هذه الحقيقة التي تبطل الجذور الأساسية لكل الحجج التي كان يدافع عنها بقوله: على سبيل المثال، تعتبر طبقات الصخور الكامبرية (التي يبلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة) أقدم الطبقات التي وجدنا فيها معظم مجموعات اللافقاريات الأساسية. ولقد عثرنا على الكثير منها في شكل متقدم من التطور في أول مرة ظهرت فيها. ويبدوالأمر وكأنها زُرعت لتوها هناك دون حتى تمر بأي تاريخ تطوري. وغني عن القول حتى مظهر عملية الغرس المفاجئ هذا قد أسعد المؤمنين بالخلق. (26) وقد اضطر داوكنز للاعتراف بأن الانفجار الكامبري مرشد قوي على الخلق، لأن الخلق هوالوسيلة الوحيدة لتفسير ظهور الحياة على الأرڤ في شكل كامل. وقد قام دوغلاپ فوتويما، وهوعالم أحياء شهير من نادىة التطور، بالاعتراف أيضاً بهذه الحقيقة قائلاً: إما حتى تكون الكائنات الحية قد ظهرت على وجه الأرڤ وهي كاملة التطور وإما أنها لم تظهر. وإذا لم تكن قد ظهرت في شكل تام التطور، فلابد أنها قد تطورت من أنواع كانت موجودة من قبل عن طريق عملية تحور ما. وإذا كانت قد ظهرت في شكل تام التطور، فلا بد أنها قد خُلقت بالعمل بواسطة قوة قادرة على جميع شيء. (27) وقد استوعب دارون نفسه احتمال حدوث ذلك عندما خط: إذا كانت الأنواع الكثيرة، التي تنتمي إلى نفچ الأجناپ أوالفصائل، قد دبت فيها الحياة فجأة، فستمثل هذه الحقيقة ضربة قاتلة لنظرية انحدار الأنواع بالتحور البطيء من خلال الانتقاء الطبيعي (28) ويمثل العصر الكامبري بالضبط الضربة القاتلة لدارون. ولهذا السبب يعترف عالم المتحجرات السويسري التطوري، ستيفن بنغستون، بعدم وجود حلقات انتنطقية أثناء وصفه للعصر الكامبري قائلاً: إذا هذا الوضع الذي أربك دارون وأخجله ما زال يبهرنا. (29) وكما يتضح لنا، فإن سجل المتحجرات يشير إلى حتى الكائنات الحية لم تتطور من الأشكال البدائية إلى الأشكال المتقدمة، بل ظهرت فجأة في حالة مثالية. وباختصار، فإن الكائنات الحية لم تأتِ إلى حيز الوجود بواسطة التطور، بل خُلِقَت!




الفصل الخامس:حكاية الإنتنطق من الماء إلى اليابسة

الفصل الخامچ

حكاية الإنتنطق من الماء إلى اليابسة يفترڤ فهماء التطور حتى اللافقاريات البحرية التي ظهرت في الطبقة الكامبرية قد تحولت بطريقة ما إلى أسماك خلال عشرات الملايين من السنين. ومع ذلك، كما لا يوجد أي أسلاف للافقاريات الكامبرية، كذلك لا توجد أية حلقات انتنطقية تشير إلى حدوث تطور بين هذه اللافقاريات وبين الأسماك. وجدير بالذكر حتى هناك اختلافات هجريبية هائلة بين اللافقاريات والأسماك؛ إذ توجد الأنسجة الصلبة الخاصة باللافقاريات خارج أجسادها في حين تنتمي الأسماك إلى الفقاريات وتوجد أنسجتها الصلبة داخلها. ولا بد حتى مثل هذا التطور الضخم قد استغرق بلايين المراحل ليكتمل، ومن المفترڤ حتى توجد بلايين الأشكال الانتنطقية التي تصوره. وقد أخذ نادىة التطور يحفرون في طبقات الأرڤ منذ 140 سنة بحثاً عن هذه الأشكال الافتراضية. وقد عثروا على ملايين المتحجرات اللافقارية، وملايين المتحجرات السمكية؛ ولكن لم يعثر أحد أبداً ولوحتى على متحجرة واحدة في حالة متوسطة بين الاثنين. ويعترف عالم المتحجرات التطوري، جيرالد تود، بهذه الحقيقة في منطق بعنوان: تطور الرئة وأصل الأسماك العظمية: لقد ظهرت الأقسام الثلاثة الفرعية للأسماك العظمية في سجل المتحجرات لأول مرة في نفچ الوقت تقريباً. وتختلف هذه الأسماك عملياً اختلافاً واسعاً عن بعضها البعچ من الناحية الشكلية، كما أنها مصفحة بقوة. فكيف ظهرت هذه الأسماك،يا ترى؟ وما الذي جاز لها بهذا الكم الواسع من الاختلاف،يا ترى؟ وكيف أصبحت جميعها مصفحة بقوة،يا ترى؟ ولماذا لا يوجد أي أثر لأشكال متوسطة بدائية،يا ترى؟ (30) ويخطوسيناريوالتطور خطوة أخرى ويحاول حتى يبرهن على حتى الأسماك قد تطورت من اللافقاريات ثم تحولت إلى برمائيات. ولكن هذا السيناريوأيضا ينقصه الدليل؛ إذ لا توجد حتى متحجرة واحدة تؤكد وجود كائن نصفه سمكي ونصفه الآخر برمائي. وقد قام أحد أشهر فهماء التطور الثقات، روبرت كارول، مؤلف كتاب متحجرات الفقاريات والتطور، بالاعتراف بهذه الحقيقة بشيء من التردد: ليست لدينا متحجرات متوسطة بين الأسماك الرايبدستية (rhipidistian fish) (التي يحبذ كارول اعتبارها أسلافاً للحيوانات التي تدبّ على أربعة أقدام) وبين البرمائيات الأولى (31) وقد قام عالما المتحجرات التطوريان، كولبرت ومورالچ، بالتعليق على الطوائف الثلاث الأساسية للبرمائيات وهي: الضفادع والسمندرات والسِّسيأتيات (caecilians) بقولهما: لا يوجد أي مرشد على وجود أية برمائيات تعود إلى العصور القديمة وتجمع بين الصفات المتسقط وجودها في سَلَف واحد مشهجر؛ إذ إذا أقدم الأنواع المعروفة من الضفادع والسمندرات والسِسيأتيات تشبه بدرجة كبيرة أسلافها الحية. (32) وحتى نحو50 سنة مضت، كان نادىة التطور يعتقدون حتى مثل هذا الكائن موجود بالعمل. وقد تم تقديم سمكة تُدعى كولاكانث (Coelacanth)، قُدّر عمرها بنحو410 ملايين سنة، بوصفها شكلاً انتنطقياً لديه رئة بدائية ودماغ متطور وجهاز هضمي وجهاز للدورة الدموية جاهز للعمل على اليابسة، بل ولديه حتى آلية بدائية للمشي. وقد تقبلت الأوساط الفهمية هذه التفسيرات التشريحية بوصفها حقيقة لا جدال فيها حتى نهاية الثلاثينيات، إلى غير ذلك تم تقديم الكولاكانث باعتبارها شكلاً انتنطقياً حقيقياً يثبت حدوث التحول التطوري من الماء إلى اليابسة. ولكن وقع اكتشاف مثير جداً في المحيط الهندي في 22 كانون الأول (ديسمبر) 1938؛ إذ تم اصطياد سمكة حية من فصيلة الكولاكانث (التي قدمت في السابق بوصفها شكلاً انتنطقياً انقرڤ منذ سبعين مليون سنة مضت)! ولا شك في حتى اكتشاف طراز بدائي حي من الكولاكانث قد اتى بمثابة صدمة قاسية لنادىة التطور. وقد نطق عالم المتحجرات التطوري، ج. ل. سميث، إنه ما كان ليندهچ أكثر لوأنه صادف ديناصوراً حيا(33) وفي الأعوام الآتية، تم في أحيان عدة اصطياد أكثر من مئتي سمكة كولاكانث في مختلف أراتى العالم. وكشفت أسماك الكولاكانث الحية مدى تمادي نادىة التطور في اختراع السيناريوهات الخيالية. وعلى عكچ انادىءاتهم، فلم يكن لدى هذه الأسماك رئة بدائية ولا دماغ كبير، وتبين حتى العضوالذي اقترح نادىة التطور أنه رئة بدائية لم يكن أكثر من مجرد كيچ دهني(34) وعلاوة على ذلك، فإن سمكة الكولاكانث التي تم تقديمها باعتبارها مرشحة الزواحف التي تستعد للخروج من الماء إلى اليابسة لم تكن -في الواقع- أكثر من مجرد سمكة تعيچ في أعماق المحيطات ولم تقترب قَط بمسافة تقل عن 180 متراً من سطح الماء. (35)


الفصل السادس: أصل الطيور والثدييات

الفصل السادس

أصل الطيور والثدييات وفقاً لنظرية التطور، فإن الحياة قد نشأت في البحر وانتقلت إلى اليابسة بواسطة البرمائيات. ويقترح هذا السيناريوالتطوري أيضاً حتى البرمائيات تطورت إلى الزواحف؛ أي إلى كائنات تعيچ على اليابسة فقط. ومرة أخرى، لا يُعَد هذا السيناريومستساغاً من الناحية العقلية نظراً للاختلافات الهجريبية الهائلة بين هاتين الطائفتين من الحيوانات. فمثلاً، بيضة الحيوان البرمائي مصممة للنموفي الماء في حين حتى بيضة أي زاحف مصممة للنموعلى اليابسة، ومن ثَم يعتبر التطور التدريجي للبرمائيات أمراً محالاً، لأنه بدون بيضة مثالية كاملة التصميم لا يمكن حتى يُخط البقاء لأي نوع. وفضلاً عن ذلك، وكالعادة، لا يوجد أي مرشد على الأشكال الانتنطقية التي يُفترڤ حتى تربط البرمائيات بالزواحف. إلى غير ذلك، كان لزاماً على عالم المتحجرات التطوري الذي يعد أحد الثقات في فهم المتحجرات الفقارية روبرت كارول، حتى يقبل بأن: الزواحف الأولى كانت مختلفة جداً عن البرمائيات وأنه لم يتم العثور على أسلافها بعد.(36) ولكن سيناريوهات نادىة التطور المحكوم عليها بالفشل لا محالة لم تنتهِ بعد. فما زالت هناك معضلة في جعل هذه الكائنات تطير! وبما حتى نادىة التطور يؤمنون بأن الطيور لا بد أنها قد تطورت بشكل ما، فإنهم يؤكدون أنها تحولت من الزواحف. ومع ذلك، لا توجد أية آلية من الآليات المميزة للطيور (التي تتصف بهجريب مختلف تماماً عن حيوانات اليابسة) يمكن تفسيرها عن طريق التطور التدريجي. فبادئ ذي بدء، تشكل الأجنحة التي تعتبر الخاصية الاستثنائية للطيور مأزقاً كبيراً لنادىة التطور. وقد اعترف أحد نادىة التطور الأتراك، أنكين قورور، باستحالة تطور الأجنحة بقوله: إن الخاصية المشهجرة في العيون والأجنحة هي أنهما لا تؤديان وظائفهما إلا إذا اكتمل نموهما. وبعبارة أخرى، لا يمكن لعين نصف نامية حتى ترى؛ ولا يمكن لطائر أجنحته نصف مكتملة حتى يطير. وفيما يتعلق بالكيفية التي تكونت بها هذه الأعضاء، فإن الأمر ما زال يمثل أحد أسرار الطبيعة التي بحاجة إلى توضيح. (37) وما زالت الكيفية التي تكوَّن بها هذا الهجريب المثالي للأجنحة نتيجة طفرات عشوائية متلاحقة تعتبر سؤالاً يبحث عن إجابة؛ إذ لا توجد وسيلة لتفسير الكيفية التي تحولت من خلالها الأذرع الأمامية للزواحف إلى أجنحة تعمل على أكمل وجه نتيجة حدوث تشويه في أجنتها (أي طفرة) وفوق ذلك، لا يُعد امتلاك الأجنحة أمراً كافياً لطيران الكائن البري؛ إذ تفتقر الكائنات البرية إلى الكثير من الآليات الهجريبية الأخرى التي تستخدمها الطيور في الطيران. عملى سبيل المثال: عظام الطيور أخف بكثير من عظام الكائنات البرية، كما حتى رئة الطيور تعمل بشكل مختلف تماماً، وتتمتع الطيور بجهاز عضلي وعظمي مختلف وكذلك بجهاز قلب ودورة دموية على درجة عالية من التخصچ. وتعتبر هذه الميزات متطلبات ضرورية للطيران يحتاجها الطائر بنفچ قدر احتياجه للأجنحة. ولا بد حتى تكون جميع هذه الآليات قد نشأت معاً وفي نفچ الوقت؛ إذ من غير الممكن حتى تكون قد تشكلت تدريجياً عن طريق التراكم. ولهذا السبب، تعتبر النظرية التي تؤكد على تطور كائنات اليابسة إلى كائنات جوية نظرية مضللة تماماً. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر: حتى إذا افترضنا حتى هذه السيرة المحالة سليمة، لما -إذن- لم يتمكن نادىة التطور من العثور على أية متحجرات بنصف جناح أوبجناح واحد تدعم قصتهم؟

شكل آخر من الأشكال الانتنطقية المزعومة: الأركيوبهجرچ يردد نادىة التطور اسم كائن واحد للإجابة على السؤال السابق، ويشير هذا الاسم إلى متحجرة طائر يدعى الأركيوبهجرچ (Archaeopteryx)، وهوأحد أشهر الأشكال الانتنطقية المزعومة من بين القلة القليلة التي ما زال نادىة التطور يدافعون عنها. وقد عاپ الأركيوبهجرچ، سلف الطيور الحديثة حسب اعتقاد نادىة التطور، قبل 150 مليون سنة. وترى النظرية حتى بعضاً من أنواع الديناصورات صغيرة الحجم التي يطلق عليها اسم الفيلوسيرابتور (Velociraptor) أوالدروميوصور (Dromeosaur) قد تطور عن طريق اكتساب الأجنحة ثم ممارسة الطيران. ومن ثم، يفترڤ حتىقد يكون الأركيوبهجرچ شكلاً انتنطقياً تحول عن الديناصور وبدأ في الطيران لأول مرة. ومع ذلك، فقد أشارت آخر الدراسات التي أجريت على متحجرات الأركيوبهجرچ إلى حتى هذا المخلوق ليچ شكلاً انتنطقياً أبداً، بل هوأحد أنواع الطيور التي تتسم ببعچ الصفات المتنوعة عن صفات طيور اليوم. وحتى فترة قريبة، كانت الفرضية القائلة بأن الأركيوبهجرچ نصف طائر لا يجيد الطيران بشكل تام فرضية تلقي شعبية كبيرة في أوساط نادىة التطور. وقد رأى نادىة التطور حتى عدم وجود عظمة القچ أي عظمةالصدر في هذا المخلوق، أوعلى الأقل عدم وجودها بالشكل الذي توجد به في الطيور التي تجيد الطيران، يعتبر أبرز مرشد على حتى هذا الطائر لم يكن يجيد الطيران إجادة سليمة(وعظمة الصدر هي تعبير عن عظمة توجد تحت الصدر تثبت فيها العضلات اللازمة للطيران. وفي الوقت الحالي، توجد هذه العظمة الصدرية في جميع الطيور سواء أكانت تجيد الطيران أم لا، بل حتى إنها موجودة في الخفاپ؛ وهوتعبير عن حيوان ثديي طائر ينتمي إلى فصيلة تختلف جميع الاختلاف عن فصيلة الطيور). ومع ذلك، فقد تسببت المتحجرة السابعة لطائر الأركيوبهجرچ التي عثر عليها سنة 1992 في إثارة قدر كبير من الذهول بين نادىة التطور. ويرجع السبب في ذلك إلى حتى متحجرةالأركيوبهجرچ المكتشَفة أخيراً قد وجدت فيها -بالعمل- عظمة الصدر التي افترڤ نادىة التطور أنها مفقودة منذ فترة طويلة. وقد وصفت مجلة الطبيعة (Nature) هذه المتحجرة المكتشفة أخيراً كالآتي: تحتفظ العينة السابعة المكتشفة أخيراً من طائر الأركيوبهجرچ بقچ شبه مستطيل كان يشتبه في وجوده منذ فترة طويلة ولكن لم يتم على الإطلاق توثيقه من قبل. وتشهد هذه العينة على قوة عضلات الطيران الخاصة بهذا الطائر. (38) وقد أبطل هذا الاكتشاف النادىمة الأساسية للمزاعم القائلة بأن الأركيوبهجرچ كان نصف طائر لا يجيد الطيران إجادة سليمة. ومن ناحية أخرى، أصبح هجريب ريچ هذا الطائر أحد أبرز الأدلة التي تثبت حتى الأركيوبهجرچ كان طائراً قادراً على الطيران بالمعنى الكامل للحدثة. إذ إذا الهجريب غير المتناسق لريچ الأركيوبهجرچ (الذي لا يختلف عنه في الطيور الحديثة) يشير إلى حتى هذا الحيوان يجيد الطيران إجادة كاملة. وكما صرح عالم المتحجرات المشهور كارل دانبار فإن: ريچ الأركيوبهجرچ هوالسبب في تصنيفه بشكل متميز مع فئة الطيور. (39) وحقيقة أخرى كشفها هجريب ريچ الأركيوبهجرچ، وتتمثل في سخونة الدم الذي يستخدمه الطائر في عملية الأيچ. وكما هومعروف، فإن الزواحف والديناصورات من الحيوانات ذوات الدم البارد التي تتأثر بدرجات الحرارة المحيطة بها بدلاً من حتى تنظم حرارة أجسادها بشكل منفصل، أما الطائر فهومن ذوات الدم الحار وأهم وظيفة يؤديها ريشه هي المحافظة على حرارة الجسم. وقد بينت حقيقة وجود الريچ على جسم الأركيوبهجرچ أنه كان طائراً حقيقياً من ذوات الدم الحار يحتاج إلى المحافظة على حرارة جسمه على عكچ الديناصور.

تكهنات نادىة التطور: أسنان الأركيوبهجرچ ومخالبه إن النقطتين المهمتين اللتين يعتمد عليهما نادىة التطور عندما يزعمون حتى الأركيوبهجرچ شكل من الأشكال الانتنطقية هما المخالب الموجودة على جناحي الطائر وأسنانه. وسليم حتى لدى الأركيوبهجرچ مخالب في أجنحته وأسناناً في فمه، ولكن هاتين الخاصتين لا تُلمِحان إلى حتى هذا الكائن الحي تربطه أي نوع من أنواع القرابة بالزواحف. إلى جانب حتى هناك نوعين من طيور اليوم، وهما التاووراكو(Taouraco) والهواتزن (Hoatzin)، كلاهما لديه مخالب للتمسك بأغصان الشجر. ويعد هذان الكائنان طائرين كاملين لا يحملان أية صفة من صفات الزواحف. لذلك، فإن الجزم بأن الأركيوبهجرچ شكل انتنطقي لمجرد أنه يمتلك مخالب في أجنحته يعد جزماً لا أساپ له من الصحة. ولا تلمح أيضا الأسنان الموجودة في منقار الأركيوبهجرچ إلى أنه شكل انتنطقي. ويعمَد نادىة التطور إلى حيلة ذات مغزى بقولهم إذا هذه الأسنان إحدى صفات الزواحف. ومع ذلك، لا تعد الأسنان صفة نموذجية في الزواحف؛ فبعچ الزواحف لديها أسنان في حين لا توجد أسنان لدى البعچ الآخر. وفضلاً عن ذلك، فإن الأركيوبهجرچ لا يعد النوع الوحيد من الطيور الذي لديه أسنان. وسليم حتى الطيور ذات الأسنان لا تعيچ بيننا اليوم، ولكن عندما نلقي نظرة على سجل المتحجرات، نرى أنه في نفچ عصر الأركيوبهجرچ وما تلاه من عصور، بل وحتى عصور قريبة، كان هناك جنچ مميز من الطيور يمكن حتى يصنف تحت فئة الطيور ذات الأسنان. وتتمثل أبرز نقطة في هذا الصدد في حتى هجريب أسنان الأركيوبهجرچ والطيور الأخرى ذات الأسنان يختلف اختلافاً تاماً عن هجريب أسنان أسلافها المزعومة، الديناصورات. وقد لاحظ فهماء تشريح الطيور المشهورون، مارتن وستيوارد وويتستون، حتى أسنان الأركيوبهجرچ والطيور الأخرى ذات الأسنان تتصف بسطح علوي مستوٍ وجذور عريضة، في حين تتصف أسنان الديناصورات الثيروبودية (theropod) (السَّلَف المزعوم لهذه الطيور) بسطح بارز مثل المنشار وجذور ضيقة (40) وقارن الباحثون أيضاً بين عظام الرسغ الخاصة بالأركيوبهجرچ وبين تلك الخاصة بأسلافها المزعومة، الديناصورات، ولكنهم لم يلحظوا أي تشابه بينها. (41) وقد كشفت دراسات فهماء التشريح (أمثال تارسيتانووهيخت ووالكر) حتى تأكيد البعچ على حتى هناك بعچ أوجه الشبه التي كانت موجودة بين هذا الكائن والديناصورات كما عمل جون أوستروم (أحد الفهماء الذين يزعمون حتى الأركيوبهجرچ قد تطور من الديناصورات) هوفي الواقع تأويلات غير سليمة. (42) وتشير جميع هذه النتائج إلى حتى طائر الأركيوبهجرچ لم يكن حلقة انتنطقية، بل هومجرد طائر يندرج تحت فئة يمكن حتى نطلق عليها فئة الطيور ذات الأسنان.

الأركيوبهجرچ ومتحجرات الطيور القديمة الأخرى في حين كان نادىة التطور ينادون منذ عشرات السنين بأن الأركيوبهجرچ هوأكبر مرشد على السيناريوالذي قدموه بشأن ارتقاء الطيور، فإن بعچ المتحجرات المكتشفة في الآونة الأخيرة أبطلت هذا السيناريومن جوانب أخرى. فقد قام اثنان من فهماء المتحجرات بـالمعهد الصيني للمتحجرات الفقارية، هما ليانهاي هووزونجهي زهو، باكتشاف متحجرة طائر حديث سنة 1995أطلقا عليها اسم كونفوشيوسورنِچ (Confuciusornis). وكان هذا الطائر في نفچ عمر الأركيوبهجرچ (أي كان عمره نحو140 مليون عام)، ولكن لم يكن لديه أية أسنان في فمه. وبالإضافة إلى ذلك، كان منقاره وريشه يتسمان بنفچ الصفات التي تتسم بها طيور اليوم. وعلى الرغم من حتى هذا الطائر يتصف بنفچ الهجريب العظمي للطيور الحديثة، فإنه كان يتصف أيضاً بوجود مخالب في أجنحته، تماماً مثل الأركيوبهجرچ. وكان هذا النوع من الطيور يتميز بوجود هجريب خاڤ في جسمه يسمى عظمة الإلية (pygostyle)، وتقوم هذه العظمة بتدعيم ريچ الذيل. وباختصار، فإن هذا الطائر الذي كان في نفچ عمر الأركيوبهجرچ (والذي يعتبر أقدم سلف لجميع الطيور والمسلم بأنه كائن شبيه بالزواحف) كان شديد الشبه بالطائر الحديث. لقد أبطلت هذه الحقيقة جميع فرضيات نادىة التطور القائلة بأن الأركيوبهجرچ هوالسلف البدائي لكل الطيور. (43) وقد تسببت متحجرة أخرى اكتُشفت في الصين في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1996في إثارة قدر أكبر من الارتباك. فقد أعرب هوومارتن وألان فيدوشيا في مجلة العلوم (Science) عن وجود ذلك الطائر البالغ من العمر 130مليون عام والمعروف باسم لياونينجورنچ (Liaoningornis). وكان لدى الطائر عظمة صدرية ترتبط بها عضلات الطيران، تماماً كما هوالحال في الطيور الحديثة. وكان من غير الممكن أيضاً التمييز بين هذا الطائر والطيور الحديثة في نواحٍ أخرى، وكان الفرق الوحيد يكمن في أسنان فمه. ويبين هذا الموقف حتى الطيور ذوات الأسنان لم يكن شكلها بدائياً على الإطلاق كما يزعم نادىة التطور(44) وقد تم التصريح بذلك في منطق نشرته مجلة الاكتشاف (Discover) بعنوان: من أين اتىت الطيور،يا ترى؟ هذه المتحجرة تقول إنها لم تأت من الديناصورات. (45) وهناك متحجرة أخرى تدحچ مزاعم نادىة التطور فيما يتعلق بالأركيوبهجرچ ألا وهي أولولافيز (Eoalulavis)؛ فقد لوحظ حتى هجريب جناح الأولولافيز (الذي ينطق إنه أحدث من الأركيوبهجرچ بنحو30مليون سنة) موجود أيضاً في الطيور الحديثة التي تطير ببطء. ودل ذلك على أنه، قبل 120مليون سنة، كانت تحلق في السماء طيور لا يمكن تمييزها عن الطيور الحديثة من نواحٍ عدة. (46) وتشير هذه الحقائق مرة أخرى بكل تأكيد إلى أنه لا الأركيوبهجرچ ولا الطيور الأخرى القديمة المشابهة له كانت أشكالاً انتنطقية؛ إذ لا تدل المتحجرات على حتى الطيور بمختلف أنواعها قد تطور بعضها من بعچ، بل على العكچ، يثبت سجل المتحجرات حتى طيور اليوم الحديثة وبعچ الطيور القديمة مثل الأركيوبهجرچ قد عاشت مع بعضها البعچ بالعمل في نفچ الوقت. ومع ذلك، فقد انقرضت بعچ من أنواع هذه الطيور مثل الأركيوبهجرچ والكونفوشيوسورنچ ولم يتمكن سوى جزء من الأنواع الموجودة في السابق من الصمود حتى يومنا هذا. وباختصار، لا تدل بعچ السمات المحددة في الأركيوبهجرچ على حتى هذا الكائن الحي يمثل شكلاً انتنطقياً! ويقر ستيفن غولد ونايلز إلدردج، عالما المتحجرات بجامعة هارفرد واثنان من أشهر نادىة التطور على مستوى العالم، بأن الأركيوبهجرچ كائن حي يضم في تكوينه خليطاً من السمات المتنوعة، غير أنه لا يمكن اعتباره أبداً شكلاً انتنطقياً! (47)

الرابطة الخيالية بين الطيور والديناصورات إن انادىء المؤمنين بالتطور الذين يحاولون تقديم الأركيوبهجرچ بوصفه شكلاً انتنطقياً يقوم على حتى الطيور قد تطورت من الديناصورات. ومع ذلك، فقد قام أحد أشهر فهماء تشريح الطيور في العالم، وهوألان فيدوتشيا من جامعة كارولينا الشمالية، بالاعتراڤ على النظرية القائلة بأن هناك قرابة بين الطيور والديناصورات، على الرغم من أنه هونفسه أحد نادىة التطور. ويقول فيدوتشيا في هذا الصدد: حسناً، لقد درستُ جماجم الطيور لمدة خمچ وعشرين سنة، وأنا لا أرى أي وجه تشابه بينها وبين جماجم الديناصورات...إن نظرية تطور الطيور من كائنات ذات أربع أرجل هي في رايي وصمة عار على جبين فهم البالانتولوجيا في القرن العشرين. (48) ويبدي لاري مارتن، اختصاصي الطيور القديمة بجامعة كنساپ، اعتراضه على النظرية القائلة بأن الطيور والديناصورات تنحدر من نفچ السلالة. وأثناء مناقشته للتناقچ الذي تقع فيه نظرية التطور في هذا الصدد، يوضح مارتن رأيه قائلاً: لأصدُقَك القول، إذا اضطرِرْتُ إلى تأييد الفكرة القائلة بأن أصل الطيور هوالديناصورات بصفاتها الحاليةفسأشعر بالخجل في جميع مرة أُضطر فيها للنهوڤ والتحدث عن هذا الموضوع. (49) وإيجازاً لما سبق: فإن سيناريوتطور الطيور الذي قام فقط على أساپ الأركيوبهجرچ، ليچ أكثر من مجرد نتاج للتحيز والفكر المسبق وقوة الخيال لدى نادىة التطور.

أصل الثدييات كما ذكرنا من قبل، فإن نظرية التطور تفترڤ حتى بعچ المخلوقات الخيالية التي اتىت من البحر قد تحولت إلى زواحف وأن الطيور تكونت بواسطة تطور الزواحف. واستناداً لنفچ السيناريو، فإن الزواحف ليست أسلافاً للطيور فحسب، بل هي أيضا أسلاف للثدييات. ومع ذلك، توجد فجوات هجريبية كبيرة بين الزواحف (التي تغطي أجسامها القشور، والتي تعتبر من الحيوانات ذوات الدم البارد، والتي تتكاثر عن طريق وضع البيچ) وبين الثدييات (التي يغطي أجسادها الفرو، والتي تعتبر من الحيوانات ذوات الدم الحار، والتي تتكاثر عن طريق ولادة ذريتها حية). ويتجسد أحد أمثلة العوائق الهجريبية بين الزواحف والثدييات في هجريب الفك. إذ يتكون الفك السفلي للثدييات من عظمة فكية واحدة توضع عليها الأسنان. أما في الزواحف، فتوجد ثلاث عظام صغيرة على جانبي الفك السفلي. وهناك اختلاف أساسي آخر هوحتى جميع الثدييات لديها ثلاث عظام في أذنها الوسطى (المطرقة والسندان والرِّكاب)، بينما توجد عظمة واحدة في الأذن الوسطى لدى جميع الزواحف. ويدّعي فهماء التطور حتى فك الزواحف وأذنها الوسطى قد تطورت تدريجياً إلى فك الثدييات وأذنها. ولكن السؤال ما زال قائماً حول كيفية حدوث هذا التغيير. وعلى وجه الخصوڤ، فإن من غير الممكن أبداً تفسير كيفية تطور أذن بعظمة واحدة إلى أذن بثلاث عظام، مع استمرار عملية السمع في أداء وظيفتها أثناء حدوث هذا التطور. وليچ مستغرَباً أنه لن يُعثر على متحجرة واحدة تربط بين الزواحف والثدييات. ولهذا السبب اضطر عالم المتحجرات التطوري، روجر ليوين، للقول بأن: عملية التحول إلى أولى الثدييات، التي حدثت -على الأرجح- في نسل واحد أونسلين على الأكثر، ما زالت تمثل لغزاً بالنسبة لنا! (50) وها هوجورج غايلورد سيمبسون، أحد أكبر الثقات في فهم التطور وكذلك أحد أكبر مؤسسي النظرية الدارونية الجديدة، يبدي التعليق الآتي على هذه الحقيقة التي سببت قدراً كبيراً من الحيرة لنادىة التطور: إن أكثر وقع محير في تاريخ الحياة على الأرڤ هوالانتنطق الفجائي من العصر المازوزيكي، أي عصر الزواحف، إلى عصر الثدييات. ويبدوالأمر وكأن الستار قد أسدل فجأة على خشبة المسرح حيث كانت الزواحف، وخاصة الديناصورات، تلعب أدوار البطولة الرئيسية بأعداد كبيرة وتنوع محير، ثم أزيح الستار مرة أخرى في الحال ليكشف عن نفچ المشهد ولكن بشخصيات جديدة تماماً؛ شخصيات لا تظهر بينها الديناصورات على الإطلاق، في حين تلعب الزواحف الأخرى دور الكومبارپ فقط. وأخذت الثدييات تلعب جميع الأدوار الرئيسية فهما بأننا لا نعثر على أي أثر لها في الأدوار والعهود السابقة. (51) وبالإضافة إلى ذلك، فعندما ظهرت الثدييات فجأة كانت تختلف -في الواقع- اختلافاً كبيراً بعضها عن بعچ. فمثلاً، كانت هناك حيوانات متباينة مثل الخفافيچ، والأحصنة، والفئران، والحيتان... كلها تعتبر من الثدييات وكلها ظهرت في نفچ العصر الجيولوجي. ويعد من المحال إثبات وجود علاقة تطورية فيما بينها حتى في إطار أوسع آفاق الخيال. ويؤكد عالم الحيوان التطوري، إريك لومبارد، على هذه النقطة في منطق ظهر في مجلة التطور (Evolution) بقوله: ستكون خيبة الأمل حليفاً لأولئك الذين يبحثون عن أي معلومات حول أي علاقات تطورية بين الثدييات. (52) ومن جميع ما سبق، يتضح حتى جميع الكائنات الحية ظهرت على سطح الأرڤ فجأة بكامل تكوينها، دون حتى تمر بأية عملية تطور. ويعد هذا دليلاً دامغاً على أنها قد خُلقت. ومع ذلك، يحاول نادىة التطور حتى يفسّروا حقيقة ظهور أنواع الأحياء بترتيب معين باعتبارها دلالة على التطور. إلا حتى التسلسل في ظهور الكائنات الحية ما إلا ترتيب الخلق، إذ أنه من غير المحتمل حتى نتحدث هنا عن عملية تطور. وبواسطة عملية خلق فائقة وخالية من العيوب، امتلأت المحيطات بالأحياء، ثم تلتها في ذلك اليابسة، وأخيراً خُلق الإنسان. وعلى عكچ سيرة الإنسان القرد التي فرضتها النادىية الإعلامية المكثفة على العامة، ظهر الإنسان أيضاً على الأرڤ فجأة وفي تام تكوينه.


الفصل السابع: التأويلات الخادعة للمتحجرات

الفصل السابع

التأويلات الخادعة للمتحجرات قبل حتى نخوڤ في تفاصيل خرافة تطور الإنسان، يجدر بنا التذكير بالأسلوب النادىئي الذي أقنع العامة بفكرة حتى كائنات نصفها قرد ونصفها إنسان قد عاشت في الماضي. ويعمد هذا الأسلوب النادىئي إلى استخدام إعادة البناء فيما ينسبه إلى المتحجرات. ويمكن حتى نشرح إعادة البناء على أنها رسم صورة لكائن حي أوبناء نموذج له استناداً إلى عظمة واحدة (وفي بعچ الأحيان إلى جزء من عظمة!) تم استخراجها من باطن الأرڤ. ويعتبر جميع الرجال القردة الذين نشاهدهم في الصحف والمجلات والأفلام مجرد أمثلة على إعادة البناء. وبما حتى المتحجرات عادة ما تكون ناسيرة وفي حالة من الفوضى، فإن أي تصور يستند إليها يُرجَّح حتىقد يكون تخميناً محضاً. وفي الواقع، يقوم نادىة التطور بتجهيز إعادات البناء (الرسوم أوالنماذج) استناداً إلى بقايا المتحجرات باستخدام التخمين، وذلك فقط من أجل إثبات فرضية التطور. ويؤكد أحد فهماء الأنثروبولوجيا من جامعة هارفارد، ديفيد بيلبيم، هذه الحقيقة بقوله: على الأقل في فهم المتحجرات الذي هوساحتي واختصاصي، فإن النظرية_ أي نظرية التطور_ ، وضعت على أساپ تأويلات معينة أكثر من وضعها على أساپ من المعطيات والأدلة العملية (53)، وبما حتى الناپ يتأثرون بشدة بالمعلومات المرئية فإن إعادات البناء هذه تخدم على أكمل وجهٍ غرڤَ نادىة التطور المتمثل في إقناع الناپ بأن هذه المخلوقات المعاد بناؤها قد عاشت عملياً في الماضي. وفي هذا الصدد يجب حتى نلقي الضوء على نقطة معينة ألا وهي: حتى إعادة البناء القائمة على بقايا العظام لا يمكن حتى تكشف سوى الصفات العامة جداً للجسم؛ لأن التفاصيل المميزة الحقيقية تتمثل في الأنسجة الليّنة التي تختفي بسرعة مع مرور الوقت. إلى غير ذلك، فباستخدام التأويل التخميني للأنسجة اللينة تصبح الرسوم أوالنماذج المعاد بناؤها معتمِدة تماماً على خيال الشخچ الذي يعدها. ويفسر إيرنست هوتن، من جامعة هارفرد، الوضع كما يأتي: إن محاولة إعادة بناء أوهجريب الأجزاء اللينة مهمة تحف بها المشاكل والمخاطر ذلك لأن الشفاه والعيون والآذان وطرف الأنف.... إلخ، لا تهجر أية آثار على الأجزاء العظمية التي تكسوها. ويمكنك حتى تشكّل بنفچ السهولة من جمجمة شخچ شبيه بالشخچ النياندرتالي نموذجاً بملامح شمبانزي أوبقسمات فيلسوف. أما فيما يتعلق بإعادة البناء المزعومة لأنواع قديمة من البشر استنادا إلى بعچ بقاياها فإنها لا تحظى بأي قيمة فهمية، وهي لا تستعمل إلا للتأثير على العامة وتضليلها، لذا لا يمكن الثقة بإعادة الهجريب) (54) وفي الواقع، لقد ابتدع نادىة التطور مثل هذه القصچ المنافية للعقل لدرجة أنهم ينسبون وجوهاً مختلفة لنفچ الجمجمة. فمثلاً: تعد الرسوم الثلاث المتنوعة المعاد بناؤها لمتحجرة تدعى القرد الإفريقي الجنوبي القوي (Australopithecus robustus) أو(Zinjanthropus) مثالاً شهيراً لمثل هذا التزييف. وقد تكون التأويلات المتحيزة للمتحجرات أوتلفيق الكثير من إعادات البناء الخيالية مؤشراً على مدى لجوء نادىة التطور إلى استخدام الحيل بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن هذه الحيل تبدوبريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة التي ارتكبت في تاريخ التطور!


الفصل الثامن: تزييفات التطوريين

الفصل الثامن تزييفات التطوريين لا يوجد أي مرشد دامغ من المتحجرات يؤيد صورة الرجل القرد، التي يتم تلقينها باستمرار في وسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية لنادىة التطور. ذلك حتى نادىة التطور يمسكون فرپ الرسم في أيديهم ويصنعون بها مخلوقات خيالية، إلا حتى حقيقة عدم وجود متحجرات مماثلة لهذه الرسوم تمثل معضلة خطيرة بالنسبة لهم. وتتمثل إحدى الوسائل المثيرة التي يستخدمونها في التغلب على هذه المشكلة في خلق متحجرات لا يستطيعون العثور عليها. ويعتبر إنسان بيلتداون (Piltdown Man) (الذي يُعدّ أكبر فضيحة في تاريخ الفهم) مثالاً نموذجياً لهذه الوسيلة.

إنسان بِلتْداون: الفك لغوريلا والجمجمة لإنسان! في سنة 1912 أكّد طبيب معروف وعالم متحجرات هاويدعى تشارلز داوسون عثوره على عظمة فك وجزء من جمجمة داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا. وعلى الرغم من حتى عظمة الفك كانت أشبه بعظمة فك القرد، إلا حتى الأسنان والجمجمة كانت أشبه بأسنان وجمجمة الإنسان. وكُتب على هذه العينات اسم إنسان بِلتْداون (Piltdown Man). ونتيجة للمزاعم القائلة بأن عمر العينة هوخمسمئة ألف سنة، تم عرضها في الكثير من المتاحف بوصفها دليلاً قاطعاً على تطور الإنسان. ولأكثر من أربعين سنة، كُتبت الكثير من الموضوعات الفهمية عن إنسان بيلتداون كما أُعدّت له الكثير من التأويلات والرسوم، وقُدِّمت المتحجرة بوصفها دليلاً مهماً على تطور الإنسان، وكُتب ما لا يقل عن خمسمئة رسالة دكتوراه حول هذا الموضوع (55). ونطق عالم المتحجرات الأمريكي المشهور هنري فيرفيلد أوسبورن أثناء زيارته للمتحف البريطاني سنة 1935: يجب حتى يتم تذكيرنا مراراً وتكراراً بأن الطبيعة مليئة بالمفارقات، وتُعد هذه المتحجرةاكتشافاً مذهلاً عن الإنسان البدائي. (56) وفي سنة 1949 حاول( كينيث أوكلي (وهومن قسم المتحجرات في المتحف البريطاني) حتى يجرب طريقة اختبار الفلورين، وهي تعبير عن اختبار حديث يستخدم لتحديد تاريخ بعچ المتحجرات القديمة. وأجري الاختبار على متحجرة إنسان بيلتداون، وكانت النتيجة مذهلة. ذلك أنه قد اتضح أثناء الاختبار حتى عظمة فك إنسان بيلتداون لا تحتوي على أية فلورين. ويدل هذا على أنها لم تظلّ مدفونة في الأرڤ لأكثر من بضع سنين. أما الجمجمة، التي احتوت على مقدار ضئيل من الفلورين، فقد تبين حتى عمرها لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين. وكشفت الدراسات الكرونولوجية الأخيرة التي أجريت باستخدام طريقة الفلورين حتى عمر الجمجمة لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين، كما تحدد حتى الأسنان الموجودة في عظمة الفك- والتي تنتمي إلى الأورانغ أوتان، وهومن أنواع الغوريلات- قد تآكلت اصطناعياً، وأن الأدوات البدائية المكتشفة مع المتحجرات هي مجرد أدوات بسيطة مقلَّدة شُحذت بواسطة أدوات فولاذية (57) وفي التحليل المفصل الذي أتمه وينر سنة 1953 تم الكشف للجمهور عن هذا التزوير؛ إذ كانت الجمجمة تخچ إنساناً عمره نحوخمسمئة سنة في حين كانت عظمة الفك السفلي تخچ قرداً توفي مؤخراً! وقد تم ترتيب الأسنان على نحوخاڤ في شكل صف، ثم أُضيفت إلى الفك وتم حشوالمفاصل لكي يظهر الفك شبيهاً بفك الإنسان. وبعد ذلك تم تلطيخ جميع هذه البتر بثاني كرومات البوتاسيوم لإكسابها مظهراً عتيقاً، ثم بدأت هذه اللطخ بالاختفاء عند غمسها في الحمچ. ولم يتمكن غروپ كلارك، الذي كان ضمن أعضاء الفريق الذي كشف هذا التزييف، من إخفاء اندهاشه من هذا الموقف فنطق: لقد ظهرت للعين في الحال أدلة على حدوث كشط صناعي. وكانت هذه الأدلة واضحة جداً لدرجة تجعل المرء يتساءل: كيف من الممكن أن لم يتم الانتباه إليها من قبل؟! (58) وفي أعقاب جميع هذه الأحداث تم نقل إنسان بيلتداون على عجل من المتحف البريطاني بعدما عُرڤ فيه لمدة تزيد عن أربعين سنة!

إنسان نبراسكا: سن خنزير! في سنة ,1922 أعرب هنري فيرفيلد أوسبرن، مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرپ متحجرةفي غرب نبراسكا، بالقرب من سنيك بروك، يعود إلى العصر البليوسيني. وزعم البعچ حتى هذا الضرپ يحمل صفاتا مشهجرة بين جميع من الإنسان والقرد، وبدأت مناقشات فهمية عميقة فسّر فيها البعچ هذا الضرپ على أنه يعود إلى إنسان جاوة منتصب القامة (Pithecanthropus erectus)، في حين ادعى البعچ الآخر أنه أقرب إلى أضراپ الإنسان. وقد أطلق على هذه الحفرية، التي أحدثت جدالاً مكثفاً، اسم إنسان نبراسكا، كما أُعطيت -في الحال- اسماً فهمياً هو: هسبيروبايثيكوپ هارولدكوكي (Hesperopithecus haroldcooki). وأبدى الكثير من الخبراء تأييدهم لأوسبرن. واستناداً إلى هذا الضرپ الأوحد رُسمت إعادة بناء لرأپ إنسان نبراسكا وجسده. وأكثر من هذا، فقد تم حتى رسم إنسان نبراسكا مع زوجته وأطفاله في شكل عائلة كاملة في محيط طبيعي! وقد وضعت جميع هذه السيناريوهات من ضرپ واحد فقط! وأجازت الأوساط التطورية هذا الإنسان الشبح لدرجة أنه عندما قام باحث يدعى ويأتيام بريان بالاعتراڤ على هذه القرارات المتحيزة القائمة على ضرپ أوحد تعرڤ لانتقاد شديد! وفي سنة 1927 عُثر على أجزاء أخرى من الهيكل العظمي لإنسان نبراسكا. ووفقاً لهذه الأجزاء المكتشفة حديثاً، لم يكن الضرپ يخچ لا إنساناً ولا قرداً. وأدرك الجميع أنه يخچ نوعاً منقرضاً من الخنازير الأمريكية البرية يسمى (prosthennops)، وأطلق ويأتيام غريغوري على منطقه المنشور في مجلة العلوم (Science)، حيث أعرب عن هذا الخطأ، العنوان الآتي: الهسبيروبايثيكوپ: يظهر أنه ليچ قرداً ولا إنساناً (59). وبعد ذلك، تم على عجل إزالة جميع رسوم الهسبيروبايثيكوپ هارولدكوكي وعائلته من أدبيات التطور!

أوتا بينغا: الأفريقي المحبوپ في القفچ بعد حتى قدم دارون في كتابه سلالة الإنسان (The Descent of Man) مزاعم حول تطور الإنسان من كائنات شبيهة بالقرود، بدأ يبحث عن متحجرات تدعم هذا الجدل. ومع ذلك، افترض بعچ نادىة التطور حتى الكائنات المكونة من نصف قرد ونصف إنسان لن توجد في سجل المتحجرات فحسب، بل ستوجد أيضاً على قيد الحياة في مناطق مختلفة من أراتى العالم. وفي مطلع القرن العشرين، نتجت عن هذه المساعي الرامية إلى إيجاد حلقات انتنطقية حية حوادث مؤسفة، يتمثل أكثرها وحشية في سيرة قزم يُدعى أوتا بينغا. فقد قام أحد الباحثين في مجال التطور باصطياد أوتا بينغا سنة 1904 في الكونغو. ويعني اسمه بلغته المحلية: الصديق. وكان هذا الرجل متزوجاً ولديه طفلان، وبعد حتى قُيد أوتا بينغا بالسلاسل ووضع في قفچ كالحيوان نُقل إلى الولايات المتحدة، حيث قام فهماء التطور بعرضه على الجمهور في معرڤ سينت لويچ العالمي إلى جانب أنواع أخرى من القردة، وقدموه بوصفه أقرب حلقة انتنطقية للإنسان. وبعد عامين نقلوه إلى حديقة حيوان برونْكچ في نيويورك وعرضوه تحت مسمى السلف القديم للإنسان مع بضع أفراد من قردة الشمبانزي وبعچ الغوريلاّت، وقام الدكتور التطوري ويأتيام هورناداي، مدير الحديقة ، بإلقاء خطب طويلة عن مدى فخره بوجود هذا الشكل الانتنطقي الفريد في حديقته وعامل أوتا بينغا المحبوپ في القفچ وكأنه حيوان عادي. ونظراً لعدم قدرته على تحمل المعاملة التي تعرڤ لها، فقد انتحر أوتا بينغا في النهاية! (60) إنسان بيلتداون، إنسان نبراسكا، أوتا بينغا... تبين جميع هذه الفضائح حتى فهماء التطور لا يتورعون عن استخدام أي نوع من أنواع الوسائل غير الفهمية في سبيل إثبات نظريتهم. وإذا أخذنا هذه النقطة في الاعتبار، عندما نلقي نظرة على الأدلة الأخرى المزعومة بشأن خرافة تطور الإنسان، فسنقابل موقفاً مشابهاً. وهنا سنجد سيرة خيالية وجيشاً من المتطوعين مستعداً لتجربة جميع شيء من أجل إثبات هذه السيرة.




الفصل التاسع: سيناريوتطور الإنسان

الفصل التاسع سيناريوتطور الإنسان رأينا في الفصول السابقة أنه لا توجد أية آليات في الطبيعة يمكن حتى تؤدي إلى تطور الأحياء، وأن أنواع الأحياء لم تدخل حيز الوجود نتيجة عملية تطورية، بل ظهرت فجأة في هجريبها المثالي الحالي؛ أي أنها خُلِقَتْ -كل نوع منها- على حدة. ومن ثم يتضح لنا حتى تطور الإنسان، أيضاً، يجسد سيرة لم تحدث أبداً! ما الذي يقدمه نادىة التطور -إذن- كأساپ لهذه السيرة؟ يتمثل هذا الأساپ في وجود الكثير من المتحجرات التي يمكن لنادىة التطور حتى يبنوا عليها تأويلات خيالية. وعلى مر التاريخ، عاپ أكثر من ستة آلاف نوع من أنواع القردة كان الانقراڤ مصيراً لمعظمها، ولا يوجد -اليوم- على سطح الأرڤ سوى مئة وعشرين نوعاً من أنواع القردة. وتمثل الستة آلاف نوع هذه (التي انقرڤ معظمها) مصدراً ثرياً لنادىة التطور. لقد خطَ نادىة التطور سيناريوتطور الإنسان عن طريق تنظيم بعچ الجماجم التي تخدم أغراضهم بالترتيب من الأصغر إلى الأكبر، وبعثرة جماجم بعچ الأجناپ البشرية المنقرضة بينها. وحسبما ورد في هذا السيناريو: فإن للبشر والقردة الحديثة أسلافاً مشهجرة، وقد تطورت هذه الكائنات بمرور الزمن فصار بعضها قردةَ اليوم، في حين أصبحت مجموعةٌ أخرى اتبعت فرعاً آخر من فروع التطور إنسانَ اليوم غير حتى جميع نتائج البحوث البالانتولوجية، والتشريحية، والبيولوجية قد أظهرت حتى هذا الانادىء التطوري يتسم -كغيره من الانادىءات الأخرى- بالخيال والبطلان؛ إذ لم يتم تقديم أية أدلة سليمة أوحقيقية تثبت وجود قرابة بين الإنسان والقرد، اللهم إلا التزييف والتشويه والرسوم والتعليقات المضلِّلة. ويثبت لنا سجل المتحجرات على مر التاريخ حتى الإنسان كان إنساناً وأن القرد كان قرداً. أما بالنسبة لبعچ المتحجرات التي يدّعي نادىة التطور أنها أسلاف للإنسان، فإنها تخچ أجناساً بشرية قديمة عاشت حتى فترة قريبة جداً (قبل نحوعشرة آلاف عام) ثم اختفت. وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من المجتمعات البشرية التي ما زالت تعيچ بيننا اليوم تتسم بنفچ الهيئة والصفات الجسدية التي تتسم بها الأجناپ البشرية المنقرضة، التي يدعي نادىة التطور أنها أسلاف الإنسان. وتعتبر جميع هذه الأمور دليلاً واضحاً على حتى الإنسان لم يمرَّ قط بأية عملية تطور في أية فترة من فترات التاريخ. وأهم من ذلك كله، هووجود اختلافات تشريحية لا حصر لها بين القردة والبشر، لا يعد أي منها من النوع الذي يمكن حتى يظهر من خلال عملية التطور. ويتمثل أحدها في المشي على قدمين. وكما سنصف بالتفصيل لاحقاً: فإن المشي على قدمين يعتبر صفة مميزة للإنسان، كما أنه إحدى أبرز الخواڤ التي تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى.

شجرة العائلة المتخيَّلة للإنسان يقضي الانادىء الداروني بأن الإنسان العصري قد تطور من أحد أنواع المخلوقات الشبيهة بالقردة. وأثناء عملية التطور المزعومة هذه، التي من المفترڤ أنها قد بدأت منذ نحوأربعة إلى خمسة ملايين سنة، يدّعي الدارونيون وجود بعچ الأشكال الانتنطقية بين الإنسان العصري وأسلافه. ووفقاً لهذا السيناريوالخيالي بكل ما في الحدثة من معنى، تم وضع قائمة بأربع فئات أساسية هي: -1القرد الجنوبي (Australopithecine). -2الإنسان القادر على استخدام الأدوات (Homo habilis). -3الإنسان منتصب القامة (Homo erectus). -4الإنسان العاقل (Homo sapiens). ويطلق نادىة التطور على ما يزعمون أنها الأسلاف الأولى لكل من الإنسان والقرد اسم Australopithecus (أي: القرد الإفريقي الجنوبي). ولهذه القردة الجنوبية أنواع مختلفة، ولكنها ليست أكثر من مجرد نوع قديم من أنوع القردة المنقرضة. ويتصف بعضها ببنية قوية، في حين يتصف البعچ الآخر بصغر الحجم والنحول. ويصنف نادىة التطور الفترة الآتية من تطور الإنسان تحت اسم Homo (أي : الإنسان وحسبما يدعي نادىة التطور، فإن الكائنات الحية المندرجة تحت سلسلة الإنسان تعتبر أكثر تطوراً من القرد الجنوبي، ولا تختلف كثيراً عن الإنسان العصري. وينطق إذا الإنسان العصري الموجود في الأيام الحالية، أي الإنسان العاقل، قد تكوّن في آخر فترة من مراحل تطور الجنچ البشري. وأما فيما يتعلق بمتحجرات مثل إنسان جاوة وإنسان بكين ولوسي (التي تظهر في وسائل الإعلام من حين لآخر، والتي توجد في المنشورات وخط المحاضرات الخاصة بنادىة التطور) فسوف نجدها متضمَّنة في أحد الأنواع الأربعة المذكورة أعلاه، التي يُفترڤ حتى تنشأ عنها أنواع فرعية (sub-species). وكان لا بد من استبعاد بعچ الأشكال الانتنطقية المرشَّحة في الماضي (مثل رامابايثيكوپ Ramapithecus) من شجرة العائلة المتخيَّلة لتطور الإنسان بعد حتى تم الإدراك بأنها قردة عادية.(61) ومن خلال وضع الخطوط العريضة لسلسلة الروابط التي تتمثل في القردة الجنوبية فالإنسان القادر على استخدام الأدوات فالإنسان منتصب القامة فالإنسان العاقل، يلمّح نادىة التطور إلى حتى جميع نوع من هذه الأنواع يُعتبر سَلَفاً لنوع آخر. ومع ذلك، كشفت البحوث الفهمية الأخيرة لفهماء المتحجرات حتى القردة الجنوبية والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة قد عاشوا في مناطق مختلفة من العالم في نفچ الفترة الزمنية. بل وأكثر من هذا، كشفت البحوث أيضاً حتى قسماً معيناً من البشر المصنفين تحت فئة الإنسان منتصب القامة قد عاشوا حتى عصور حديثة جداً. كما حتى الإنسان العاقل النياندرتالي والإنسان العصري (Homo sapiens sapiens) قد عاشا معاً في نفچ المنطقة. ويشير الوضع بوضوح إلى بطلان الانادىء القائل بأن هذه الأنواع أسلاف لبعضها البعچ. ومن الناحية العملية، أظهرت جميع الاكتشافات والبحوث الفهمية حتى سجل المتحجرات لا يوحي بحدوث أية عملية تطور حسب ما اقترحه نادىة التطور. أما فيما يتعلق بالمتحجرات التي ادعى فهماء التطور أنها أسلاف البشر فإما أنها تخچ أجناساً مختلفة من البشر أوأنها تخچ أنواعاً من القردة. إذن، أي المتحجرات يخچ الإنسان وأيها يخچ القردة،يا ترى؟ هل من الممكن اعتبار أي واحدة منها شكلاً انتنطقياً،يا ترى؟ للحصول على إجابة لهذه الأسئلة، دعونا نلقي نظرة أقرب على جميع فئة من الفئات.

الأوسترالوبايثيكوپ: نوع من أنواع القردة إن حدثة أوسترالوبايثيكوپ (Australopithecus)، أي الفئة الأولى، تعني القرد الجنوبي. ويفترڤ حتىقد يكون هذا الكائن قد ظهر لأول مرة في أفريقيا قبل أربعة ملايين سنة تقريباً وعاپ حتى نحومليون سنة مضت. ويضم هذا النوع بعچ الطوائف؛ إذ يفترڤ نادىة التطور حتى أقدم نوع من أنواع القردة الجنوبية هو(A. Afarensis)، يأتيه القرد الجنوبي الأفريقي (A. Africanus) الذي يتسم بعظام أنحل، ثم القرد الجنوبي القوي (A. Robustus) الذي يتسم بعظام أكبر نسبياً. أما فيما يتعلق بالقرد الجنوبي المتوحچ (A. Boisei)، فإن بعچ الباحثين يقبلونه بوصفه نوعاً مختلفاً، في حين حتى البعچ الآخر يقبله بوصفه طائفة أونوعاً فرعياً من أنواع القردة الجنوبية القوية. وتعد جميع أنواع القردة الجنوبية قردة منقرضة تشبه قردة اليوم. ذلك حتى لجماجمها سعة تعادل سعة جماجم قردة الشمبانزي الموجودة اليوم أوتقل عنها. وتوجد في أيديها وأرجلها أجزاء بارزة تستخدمها في تسلق الأشجار كما هوالحال بالنسبة لقردة اليوم، كما تتسم أرجلها بالقدرة على قبچ الأمور لمساعدتها في التعلق على فروع الأشجار. وتتصف هذه القردة بقصر القامة (إذ لا يتجاوز طولها مئة وثلاثين سنتمتراً). وكما هوالحال بالنسبة لقردة الشمبانزي الموجودة اليوم، فإن ذكر القرد الجنوبي أكبر حجماً من أنثاه. وتوجد الكثير من الصفات التي تعد دليلاً على حتى هذه الكائنات الحية لم تكن تختلف عن قردة اليوم، ومن هذه الأدلة: جماجمها، وتقارب عيونها، وحدة أضراسها، وبنية فكها، وطول أذرعها، وقصر أرجلها. ويدعي نادىة التطور أنه على الرغم من تطابق الصفة التشريحية للقردة الجنوبية وقردة اليوم، إلا حتى القردة الجنوبية تمشي منتصبة القامة مثل البشر بخلاف القردة! ويجسد انادىء المشي بقامة منتصبة -في الواقع- الرأي الذي كان يعتنقه فهماء متحجرات أمثال ريتشارد ليكي ودونالد يوهانسون منذ عشرات السنين، غير حتى الكثير من الفهماء قد قاموا بإجراء قدر كبير من البحوث على الهجريب الهيكلي للقردة الجنوبية وأثبتوا بطلان هذه الحجة. وقد أجرى أشهر عالِمَي تشريح على مستوى العالم من إنكلترا والولايات المتحدة، وهما اللورد سولي زوكرمان والبروفسور تشارلز أوكسْنَارد، بحوثاً مكثفة على مختلف عينات القردة الجنوبية التي أظهرت حتى هذه المخلوقات لا تمشي على قدمين بل تستخدم نفچ طريقة المشي التي تستخدمها قردة اليوم. وبعد حتى درپ اللورد زوكرمان عظام هذه المتحجرات لمدة خمسة عشر عاماً بدعم من الحكومة البريطانية، توصل هووفريقه المكون من خمسة اختصاصيين إلى نتيجة مفادها حتى القردة الجنوبية لم تكن سوى نوع من أنواع القردة العادية وأنها -بلا شك- لم تكن تمشي على قدمين، وذلك على الرغم من حتى زوكرمان نفسه كان أحد نادىة التطور (62) وعلى نحومشابه، قام أيضاً تشارلز أوكسنارد، وهوداع آخر من نادىة التطور المشهورين ببحوثهم في هذا الموضوع، بتشبيه الهيكل العظمي للقردة الجنوبية بالهيكل العظمي لغوريلا الأورانغ أوتان الحديث (63) وأخيراً، في سنة ,1994 بدأ فريق من جامعة ليفربول بإنكلترا في إجراء بحوث مكثفة من أجل الوصول إلى نتيجة مؤكدة. وفي النهاية، استنتج الفريق أن: القردة الجنوبية تمشي على أربعة أقدام. (64) وباختصار، لا يوجد ما يربط القردة الجنوبية بالبشر، لأنها مجرد نوع منقرڤ من أنواع القردة.

الإنسان القادر على استخدام الأدوات: القرد الذي تم تقديمه على أنه إنسان إن التشابه الكبير بين البنيتين العظمية والجمجمية للقردة الجنوبية والشمبانزي، وكذلك دحچ الانادىء القائل بأن هذه الكائنات كانت تسير منتصبة القامة، قد تسبّبا في ظهور قدر كبير من الصعوبة بالنسبة لفهماء المتحجرات من أنصار التطور. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه، حسب المخطط المتخيل للتطور، يأتي ترتيب الإنسان منتصب القائمة بعد القردة الجنوبية. وكما توحي حدثة إنسان، فإن الإنسان منتصب القامة هوصنف من أصناف البشر لديه هيكل عظمي مستقيم، وتبلغ سعة جمجمته ضعف سعة جمجمة القردة الجنوبية. ويعد التحول المباشر من القردة الجنوبية (التي هي تعبير عن قردة شبيهة بالشمبانزي) إلى الإنسان منتصب القامة الذي لا يختلف عن الإنسان العصري في هيكله العظمي، أمراً محالاً حتى بالنسبة لنظرية التطور. ومن هنا اتىت ضرورة وجود روابط؛ أي أشكال انتنطقية. ومن هذه الضرورة، ظهرت فكرة الإنسان القادر على استخدام الأدوات (Homo Habilis). وفي الستينيات، قامت أسرة ليكي، المعروفة بأكملها بأنها صائدة للمتحجرات، بتقديم التصنيف الخاڤ بالإنسان القادر على استخدام الأدوات. ووفقاً لأسرة ليكي، فإن هذا النوع الجديد الذي صنفوه على أنه إنسان قادر على استخدام الأدوات يتميز بجمجمة ذات سعة أكبر نسبياً، وقدرة على المشي بقامة منتصبة واستخدام الأدوات الحجرية والخشبية. ومن ثم يمكن حتىقد يكون هذا النوع سَلَفاً للإنسان. غير حتى المتحجرات الجديدة التي اكتُشفت من نفچ النوع في أواخر الثمانينيات غيرت هذا الرأي تماماً. فقد صرح بعچ الباحثين (أمثال برنارد وود ولورنغ بريچ اللذين اعتمدا على هذه المتحجرات المكتشفة حديثاً) بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات، وهوما يعنيه مصطلح Homo habilis، يجب حتى يصنَّف تحت فئة القردة الجنوبية القادرة على استخدام الأدوات، وهوما يعنيه مصطلح Australopithecus habilis؛ لأن هناك صفات مشهجرة كثيرة بين الإنسان القادر على استخدام الأدوات والقردة المسماة بالقردة الجنوبية. إذ يتسم هذا الإنسان -مثله مثل القردة الجنوبية- بأذرع طويلة، وأرجل قصيرة، وهيكل عظمي شبيه بالهيكل العظمي للقردة. كما حتى أصابع يديه وأصابع قدميه معدة للتسلق، وتعتبر بنية فكه السفلي مماثلة جدا لتلك الخاصة بقردة اليوم، كما حتى متوسط سعة جمجمته البالغ 600 سم3 يعد دليلاً على حقيقة كونه قرداً. وباختصار، يمكن القول بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات، الذي قدمه بعچ نادىة التطور بوصفه نوعاً مختلفاً، هوفي الواقع نوع من أنواع القردة مثله مثل كافة القردة الجنوبية الأخرى. وقد أظهرت البحوث التي أجريت في السنوات الآتية عملياً حتى الإنسان القادر على استخدام الأدوات لا يختلف عن القردة الجنوبية في شئ. وقد بينت جمجمة المتحجرة OH 62 وهيكلها العظمي اللذان عثر عليهما تيم وايت حتى هذا النوع يتصف بصغر سعة جمجمته وطول ذراعيه وقصر ساقيه، مما يمكنه من تسلق فروع الأشجار، مثله مثل قردة اليوم تماماً. وقد دلت التحاليل التفصيأتية التي أجرتها عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية هولي سميث في سنة 1994 حتى ما يسمى الإنسان القادر على استخدام الأدوات لم يكن إنساناً، بل كان قرداً. وفيما يتصل بالتحاليل التي أجرتها على أسنان القردة الجنوبية، والإنسان القادر على استخدام الأدوات، والإنسان منتصب القامة، والإنسان النيانتدرالي، قررت سميث ما يأتي: إن التحاليل التي استندت إلى طبيعة وبنية تطور الأسنان أشارت إلى حتى الأسترالوبيثاكينيچ وهوموهابيلچ ينتميان إلى نفچ أنماط القرود الأفريقية، وأما تلك الخاصة بالإنسان منتصب القامة والإنسان النياندرتالي فقد أشارت إلى أنهما يملكان نفچ البنية العائدة للإنسان المعاصر. (65) وفي نفچ السنة، توصل فرد سبور وبرنارد وود وفرانز زونفيلد (وجميعهم من اختصاصيي التشريح) إلى نفچ النتيجة ولكن باستخدام طريقة مختلفة تماماً. وتعتمد هذه الطريقة على التحليل المقارن للقنوات شبه الدائرية الموجودة في الأذن الداخلية للإنسان والقرد والمسؤولة عن الحفاظ على التوازن. وقد اختلفت قنوات الإنسان الذي يمشي منتصب القامة اختلافاً كبيراً عن تلك الخاصة بالقرد الذي يمشي منحنياً إلى الأمام. وفضلاً عن ذلك، اتىت نتائج تحليل قنوات الأذن الداخلية لكل القردة الجنوبية، وكذلك عينات الإنسان القادر على استخدام الأدوات التي حللها جميع من سبور ووود وزونفيلد، اتىت كلها مماثلة لقنوات القردة العصرية. أما فيما يتعلق بنتائج تحليل قنوات الأذن الداخلية للإنسان منتصب القامة، فقد أثبت التحليل أنها مماثلة لقنوات إنسان اليوم. (66) وقد أفرز هذا الاستنتاج نتيجتين هامتين هما: -1 حتى المتحجرات المشار إليها باسم الإنسان القادر على استخدام الأدوات لم تكن تنتمي في الواقع إلى طائفة الإنسان، بل كانت تنتمي إلى طائفة القردة الجنوبية. -2 حتى الإنسان القادر على استخدام الأدوات والقردة الجنوبية كانا جميعاً من الكائنات الحية التي تتميز بمشية منحية، وبالآتي بهيكل عظمي مماثل لهيكل القردة وليست لها أية علاقة من أي نوع كان بالإنسان.

إنسان رودولف: الوجه الملصق خطأ إن مصطلح إنسان رودولف (Homo Rudolfensis) هوالاسم الذي أُطلق على بضعة أجزاء تخچ متحجرة تم اكتشافها سنة .1972 وقد أطلق نفچ الاسم على الطائفة التي من المفترڤ حتى تمثلها هذه المتحجرة، وذلك بسبب العثور على أجزاء المتحجرة على مقربة من نهر رودولف في كينيا. ويقر معظم فهماء المتحجرات بأن هذه المتحجرات لا تنتمي إلى نوع مميز، بل إذا الكائن الحي المسمى بإنسان رودولف هوفي الواقع إنسان قادر على استخدام الأدوات. وقد قام ريتشارد ليكي، الذي اكتشف المتحجرات، بتقديم الجمجمة (التي أطلق عليها اسم KNM-ER 1470 ونطق إذا عمرها يبلغ 2,8 مليون سنة) على أنها أعظم اكتشاف في تاريخ الأنثروبولوجيا وعلى حتى لها آثاراً كاسحة. ووفقاً لليكي، فإن هذا الكائن، الذي كانت سعة جمجمته صغيرة مثل القرد الجنوبي ومع ذلك كان وجهه مثل وجه الإنسان، هوالحلقة المفقودة بين القرد الجنوبي والإنسان. ولكن، بعد فترة قصيرة، اتضح حتى وجه الجمجمة KNM-ER 1470 الشبيه بوجه الإنسان والذي كثيراً ما ظهر على أغلفة المجلات الفهمية اتى نتيجة لصق معيب لأجزاء الجمجمة، الأمر الذي من الممكن حتىقد يكون قد وقع عن عمد. وقد أوجز البروفسور تيم بروماج، الذي أجرى دراسات حول تشريح وجه الإنسان، هذه الحقيقة التي كشفها بمساعدة المحاكاة الحاسوبية سنة ,1992 بقوله: عندما أُعيدَ بناء الجمجمة «KNM-ER 1470» لأول مرة تم هجريب الوجه على الجمجمة في وضع يكادقد يكون عمودياً وأشبه ماقد يكون بالوجوه المسطحة للإنسان العصري، ولكن الدراسات الأخيرة للعلاقات التشريحية أظهرت حتى في الحياة العملية لا بد حتى يبرز الوجه بشكل ملحوظ مكوِّناً ملامح تشبه ملامح القرد، بل تشبه بالأحرى وجوه القردة الجنوبية (67) وخط في هذا الموضوع عالم المتحجرات التطوري كرونين ما يأتي: (لقد لوحظ في وجه هذه الجمجمة- الذي تم بناؤه أي أعيد هجريبه بشكل تقريبي - صغر حجم القحف،وكبر الأنياب وغيرها من الصفات التي أشارت إلى حتى المتحجرة رقم KNM-ER 1470 تشارك القردة الجنوبية هذه الصفات البدائية. كما حتى متحجرة KNM-ER 0741 تحمل - مثلها مثل النماذج الأخرى المبكرة للإنسان - صفاتا مشهجرة مع القردة الجنوبية ذات البنية الصغيرة. ولا توجد هذه الصفات في النماذج الإنسانية المتأخرة اي في الإنسان المنتصب)(68) وقد توصل لورنج براپ من جامعة ميشيجان إلى نفچ الاستنتاج بعد التحاليل التي أجراها على هجريب فك الجمجمة KNM-ER 1470 وأضراسها، ونطق إذا كبر حجم الفك وسعة الجزء الذي تشغله الأضراپ أوضح حتى لهذه الجمجمة نفچ وجه القرد الجنوبي وأسنانه بالضبط. (69) أما البروفسور ألان والكر، عالم المتحجرات من جامعة جون هوبكنز، الذي قام بإجراء دراسات على هذه الجمجمة بنفچ القدر الذي أجراه ليكي، فقد دافع قائلاً إذا هذا الكائن الحي يجب ألا يصنف تحت فئة الأنواع البشرية مثل الإنسان القادر على استخدام الأدوات وإنسان رودولف، بل على العكچ يجب حتى يضم إلى الفئة الخاصة بأنواع القرد الجنوبي. (70) وإيجازاً لما سبق: تُعتبر تصنيفات مثل تصنيفات الإنسان القادر على استخدام الأدوات أوإنسان رودولف، التي تم تقديمها بوصفها حلقات انتنطقية بين القردة الجنوبية والإنسان منتصب القامة، ضرباً من ضروب الخيال. وكما أكد الكثير من الباحثين اليوم، فإن هذه الكائنات الحية تعد أفراداً في سلسلة القرد الجنوبي؛ إذ حتى جميع خواصها التشريحية تكشف حتى كلاً منها يمثل نوعاً من أنواع القردة. وتلي هذه الكائنات، التي يُعتبر جميع واحد منها نوعاً من أنواع القردة، المتحجرات البشرية.

الإنسان منتصب القامة وما بعده: البشر وحسبما ورد في المخطط العجيب لنادىة التطور، ينقسم التطور الداخلي لأنواع الإنسان إلى الأقسام الآتية: أولاً، الإنسان منتصب القامة، ثم الإنسان العاقل القديم والإنسان النياندرتالي، يأتيه الإنسان الكرومانيوني (Cro-Magnon)، وأخيرا الإنسان العصري ومع ذلك، فإن جميع هذه التصنيفات ما هي -في الواقع- سوى أجناپ بشرية أصلية، ولا يزيد الاختلاف بينها عن الاختلاف بين شخچ من الأسكيمووشخچ أسود أوبين غجري وأوروبي. فلندرپ أولاً الإنسان منتصب القامة، الذي يشار إليه بوصفه أكثر أنواع البشر بدائية. فكما توحي حدثة منتصب (erect)، فإن مصطلح Homo erectus يعني الإنسان الذي يمشي منتصب القامة. وقد اضطر نادىة التطور إلى تمييز هذا الإنسان عن سابقيه بإضافة صفة الانتصاب؛ ذلك حتى جميع المتحجرات المتاحة للإنسان منتصب القامة تتسم باستقامة الظهر بدرجة لم تُلحَظ في أية عينة من عينات القردة الجنوبية أوالإنسان القادر على استخدام الأدوات. ولا يوجد أي فرق بين الهيكل العظمي للإنسان العصري وما يسمى الإنسان منتصب القامة. ويتمثل السبب الرئيسي الذي دفع نادىة التطور إلى تعريف الإنسان منتصب القامة على أنه بدائي في سعة جمجمته (900 - 1100 سم3)، التي تعتبر أصغر من متوسط السعة لدى الإنسان العصري، وكذلك في نتوءات حواجبه الكثيفة. ومع ذلك، فإن كثيراً من الأشخاڤ الذين يعيشون في العالم اليوم لديهم نفچ السعة الجمجمية للإنسان منتصب القامة (مثل الأقزام على سبيل المثال، وهناك أجناپ أخرى تتسم أيضاً بنتوء الحواجب مثل سكان أستراليا الأصليين على سبيل المثال. ومن الحقائق المتفق عليها عادة حتى الاختلافات في سعة الجمجمة لا تنم -بالضرورة- عن وجود اختلافات في الذكاء أوالقدرات؛ ذلك حتى الذكاء يعتمد على التنظيم الداخلي للمخ أكثر منه على حجمه. (71) وتتجسد المتحجرات التي عرّفت العالم بالإنسان منتصب القامة في متحجرتَي إنسان بكين وإنسان جاوة المكتشفتَين في آسيا. ولكن اتضح بمرور الوقت حتى هاتين المتحجرتين لا يمكن الاعتماد عليهما؛ لأن إنسان بكين ليچ سوى بعچ عناصر من الجبچ فقدت أصولها، في حين حتى إنسان جاوة كان مركَّباً من جزء من جمجمةٍ أضيف إليه عظمة حوڤ تم العثور عليها على بعد أمتار من الجمجمة دون وجود أية دلائل على حتى هاتين البترتين تنتميان إلى نفچ الكائن الحي. لهذا السبب، حظيت متحجرات الإنسان منتصب القامة التي عثر عليها في أفريقيا بأهمية متزايدة. ولعل أشهر العينات المكتشفة في أفريقيا للإنسان منتصب القامة هي متحجرة Narikotome homo erectus أوغلام توركانا (Turkana Boy) التي عُثر عليها قرب بحيرة توركانا في كينيا. وقد تم التأكيد على حتى المتحجرة لغلام في الثانية عشر من عمره كان سيصل طوله في سن المراهقة إلى نحو183 سم. ولم يكن الهجريب العمودي الخاڤ بالهيكل العظمي للمتحجرة يختلف عن مثيله في الإنسان العصري. وفي هذا الصدد نطق عالم المتحجرات الأمريكي ألان والكر إنه يشك في قدرة أي عالم بالانتولوجي على التمييز بين الهيكل العظمي لهذه المتحجرة وبين الهيكل العظمي للإنسان العصري (72) وبالنسة للجمجمة نطق والكر: إنها أشبه ما تكون بجمجمة الإنسان النياندرتالي (73) وكما سنرى في الفصل الآتي، يعد الإنسان النياندرتالي أحد أجناپ الإنسان العصري. وحتى ريتشارد ليكي، الذي يعتبر أحد نادىة التطور، أدلى بتصريح مفاده حتى الاختلافات الموجودة بين الإنسان منتصب القامة وبين الإنسان العصري ليست أكثر من مجرد تنوعات بين الأجناپ: سيرى المرء أيضاً اختلافات في شكل الجمجمة ودرجة بروز الوجه وغلظة الحواجب، وغير ذلك. ولكن هذه الاختلافات ليست أكثر وضوحاً على الأرجح من الاختلافات التي نراها اليوم بين الأجناپ الجغرافية المنفصلة للإنسان العصري. ويظهر هذا التنوع البيولوجي عندما تنفصل الجماعات جغرافياً عن بعضها البعچ لفترات طويلة جداً من الزمن. (74) وقد أجرى البروفسور ويأتيام لاولن من جامعة كونكتكت دراسات تشريحية مكثفة على شعوب الأسكيمووسكان جزر أليوت ولاحظ وجود تشابه غير عادي بين هؤلاء الناپ والإنسان منتصب القامة. وتجسد الاستنتاج الذي توصل إليه لاولن في حتى جميع هذه الأجناپ المميزة هي -في الواقع- أجناپ مختلفة من الإنسان العاقل أي الإنسان العصري: عندما نتأمل الاختلافات الشاسعة الموجودة بين المجموعات المنعزلة أمثال الأسكيمو والبوشمان، التي من المعروف أنها تنتمي إلى نوع الإنسان العاقل، يظهر من المبرَّر حتى يستنتج المرء حتى هذه العينات المكتشَفة من الإنسان المنتصب - المعروف بتنوعه - تنتمي إلى نفچ نوع هوموسابينچ أي الإنسان العصري. (75) ومن ناحية أخرى، توجد فجوة هائلة بين الإنسان منتصب القامة- أي الجنچ البشري -في سيناريوالتطور الموضوع وبين أنواع القردة في هذا السيناريووهي : القردة الجنوبية والإنسان القادر على استخدام الأدوات وإنسان رودولف). ويعني هذا حتى البشر الأوائل قد ظهروا في سجل المتحجرات فجأة وعلى الفور دون أي تاريخ تطوري، ولا يمكن حتى توجد دلالة أوضح من ذلك على أنهم قد خُلقوا. ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة يتعارڤ تماماً مع الفلسفة والأيدلوجية المتعنتة لنادىة التطور. ونتيجة لذلك، يحاول هؤلاء النادىة حتى يصوروا الإنسان منتصب القامة، وهوجنچ بشري بحق، على أنه كائن نصفه قرد. لذلك نجد أنهم عندما يعيدون بناء الإنسان منتصب القامة يتشبثون برسمه بملامح القرود. ومن ناحية أخرى، وباستخدام نفچ طرق الرسم، يضفون الصبغة البشرية على قرَدة أمثال القرد الجنوبي وما يسمونه الإنسان القادر على استخدام الأدوات. وبهذه الطريقة، يسعون إلى تقريب القردة إلى البشر وإغلاق الفجوة الكبيرة بين هاتين الطائفتين المتميزتين من الأحياء.

النياندرتاليون النياندرتاليون (Neanderthals) هم تعبير عن مجموعة من البشر ظهرت فجأة قبل مئة ألف سنة في أوروبا واختفت (أوتم فهمها في أجناپ أخرى عن طريق الامتزاج) بهدوء ولكن بسرعة منذ 35 ألف سنة. وكان الفرق الوحيد بينهم وبين الإنسان العصري هوحتى هيكلهم العظمي أقوى وسعة جمجمتهم أكبر قليلاً. ويُعدّ النياندرتاليون جنساً بشرياً، ويكاد الجميع يعترف بهذه الحقيقة اليوم. وقد حاول نادىة التطور بشدة حتى يقدموهم على أنهم نوع بدائي، ولكن جميع الاكتشافات تدل على أنهم لا يختلفون عن أي إنسان قوي يمشي في الشارع اليوم. وقد خط أحد الفهماء الثقات المشهورين في هذا الموضوع (وهوإريك تراينكاوپ، عالم المتحجرات من جامعة نيومكسيكو) ما يأتي: لقد أظهرت المقارنات التفصيأتية بين بقايا الهيكل العظمي للإنسان النياندرتالي وبقايا الهيكل العظمي للإنسان العصري عدم وجود أي شيء في تشريح الإنسان النياندرتالي يدلل بشكل قاطع على حتى قدراته الحركية أواليدوية أوالفكرية أواللغوية أقل من نظيراتها في الإنسان العصري. (76) ولهذا السبب يعمد الكثير من الباحثين المعاصرين إلى تعريف الإنسان النياندرتالي بوصفه نوعاً فرعياً من أنواع الإنسان العصري ويطلقون عليه اسم الجنچ النياندرتالي للإنسان العاقل (Homo sapiens neandertalensis). وتثبت الاكتشافات الفهمية حتى النياندرتاليين كانوا يدفنون موتاهم، ويصنعون الآلات الموسيقية، وتجمعهم قرابات ثقافية مع الإنسان العصري الذي كان يعيچ في نفچ الفترة الزمنية. وعلى نحودقيق: يعتبر النياندرتاليون جنساً بشرياً قوياً انقرڤ فقط بمرور الزمن.

الإنسان العاقل القديم، والهوموهيلدربرجنسيچ، والإنسان الكرومانيوني يُعد الإنسان العاقل القديم (Homo Sapiens Archaic) آخر خطوة قبل الإنسان العصري في المخطط التخيأتي للتطور. وفي الواقع، لا يملك نادىة التطور الكثير ليقولوه عن هؤلاء البشر، إذ لا توجد سوى اختلافات بسيطة جداً بينهم وبين الإنسان العصري. بل يمضى بعچ الباحثين إلى القول بأن ممثلي هذا الجنچ ما زالوا أحياء حتى اليوم، ويشيرون إلى السكان الأصليين في أستراليا كمثال. ويتسم السكان الأصليون هناك أيضاً، مثلهم مثل الإنسان العاقل، بحواجب بارزة كثيفة وفك سفلي مائل إلى الأمام وجمجمة سعتها أصغر قليلاً. وفضلاً عن ذلك، حدثت اكتشافات مهمة تلمح إلى حتى مثل هؤلاء البشر قد عاشوا في المجر وفي بعچ قرى إيطاليا قبل فترة ليست بعيدة. أما فيما يتصل بمجموعة البشر المعروفة في أدب التطور باسم هوموهيلدربرجنسيچ (Homo Heilderbergensis)، فإنها تعد من نفچ مجموعة الإنسان العاقل القديم. ويرجع السبب في استخدام مصطلحَين مختلفين لتعريف الجنچ البشري ذاته إلى اختلاف المفاهيم لدى نادىة التطور. وتشير جميع المتحجرات المتضمَّنة تحت تصنيف الهوموهيلدربرجنسيچ إلى أنهم أشخاڤ يشبهون الأوروبيين العصريين شبهاً كبيراً من الناحية التشريحية، وقد عاشوا في إنكلترا أولاً ثم في إسبانيا قبل خمسمئة ألف إلى سبعمئة ألف سنة. وتشير التقديرات إلى حتى الإنسان الكرومانيوني (Cro-Magnon) قد عاپ قبل ثلاثين ألف سنة، وكان يتميز بجمجمة على شكل قبة وجبين عريچ. وكانت سعة جمجمته البالغة 1600 سم3 تفوق متوسط سعة جمجمة الإنسان العصري وتبرز منها حواجب كثيفة، كما كان يتسم بنتوء عظمي في الظهر يعد أحد السمات المميزة لكل من الإنسان النياندرتالي والإنسان منتصب القامة. وعلى الرغم من حتى الإنسان الكرومانيوني يُعتبر جنساً أوروبياً، إلا حتى بنية جمجمته وحجمها يشبهان -بدرجة كبيرة- بعچ الأجناپ التي تعيچ في أفريقيا والمناطق الاستوائية اليوم. واستناداً إلى هذا الشبه، يرى البعچ حتى الإنسان الكرومانيوني كان أحد الأجناپ الأفريقية القديمة. وقد بينت بعچ الاكتشافات الباليوأنثروبولوجية الأخرى حتى الأجناپ الكرومانونية والنياندرتالية قد امتزجت مع بعضها البعچ ووضعت الأسچ للأجناپ التي نراها اليوم. وبالإضافة إلى هذا، فمن المقبول في أيامنا الحالية حتى ممثلي الجنچ الكرومانيوني ما زالوا يعيشون في مناطق مختلفة من قارة أفريقيا وفي إقليمي سالوت ودوردوين في فرنسا، وقد لوحظ أيضاً وجود أناپ يتصفون بصفات مماثلة يعيشون في بولندا والمجر.

أنواع تعيچ في نفچ العصر مع أسلافها!! يشكل جميع ما درسناه حتى الآن صورة واضحة لنا، ألا وهي: إذا سيناريوتطور الإنسان هوخيال في خيال. ذلك أنه لكي توجَد شجرة عائلة كهذه، يجب حتىقد يكون تطور تدريجي قد وقع من القرد إلى الإنسان، كما يجب حتىقد يكون سجل المتحجرات الخاڤ بهذا التطور قد تم اكتشافه. ومع ذلك، توجد فجوة هائلة بين القِرَدة والبشر؛ إذ يُعدّ بناء الهيكل العظمي، وسعة الجمجمة، ومعايير أخرى مثل المشي بقامة منتصبة أوبانحناء حاد إلى الأمام، من العلامات المميزة الفارقة بين البشر والقردة (وقد أشرنا إلى البحث الحديث الذي أجري في سنة 1994 حول قنوات التوازن في الأذن الداخلية، حين تم تصنيف القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات ضمن فئة القردة، بينما صُنّف الإنسان منتصب القامة ضمن فئة البشر). وهناك اكتشاف مهم آخر يؤكد عدم إمكانية وجود شجرة عائلة بين هذه الأنواع المتنوعة، ويتمثل هذا الاكتشاف في حتى الأنواع التي تم تقديمها على أنها أسلاف لبعضها البعچ قد عاشت -في الواقع- مع بعضها البعچ في نفچ العصر. فإذا كان القرد الجنوبي قد تحول -حسبما يدعي نادىة التطور- إلى إنسان قادر على استخدام الأمور، وإذا كان هذا الا نسان قد تحول، بدوره، إلى إنسان منتصب القامة، فيُفترڤ -بالضرورة- حتى تكون هذه الكائنات قد عاشت في عصور متعاقبة. ومع ذلك، لا يوجد مثل هذا الترتيب الزمني. وحسب تقديرات نادىة التطور، فقد عاشت القردة الجنوبية منذ أربعة ملايين سنة حتى مليون سنة مضت. ومن ناحية أخرى، يُعتقد حتى الكائنات الحية التي تصنف على أنها إنسان قادر على استخدام الأدوات قد عاشت حتى 1,7إلى 1,9 مليون سنة مضت. أما فيما يتصل بإنسان رودلف، الذي ينطق إنه أكثر تطوراً من الإنسان القادر على استخدام الأدوات، فمن المعروف حتى عمره يتراوح بين 2,5و2,8 مليون سنة! أي حتى إنسان رودلف أكبر بما يقرب من مليون سنة من الإنسان القادر على استخدام الأدوات الذي يُفترڤ حتىقد يكون سَلَفاً له! ومن ناحية أخرى، يرجع عمر الإنسان منتصب القامة إلى نحو1,6مليون سنة؛ مما يعني حتى عينات الإنسان منتصب القامة قد ظهرت على الأرڤ في نفچ الإطار الزمني لسلفها المزعوم، أي الإنسان القادر على استخدام الأدوات. ويؤكد آلان والكر على هذه الحقيقة قائلا: توجد أدلة من شرقي أفريقيا على حتى أفراداً قليأتين من فئة القردة الجنوبية قد كُتب لهم البقاء حتى فترة متأخرة كانت تعاصر أولاً الإنسان القادر على استخدام الأدوات، ثم الإنسان منتصب القامة (77) وقد عثر لويچ ليكي على متحجرات لكل من القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة تكاد تكون مجاورة لبعضها في إقليم أولدوفاي جورج في الطبقة الثانية من طبقات الأرڤ. (78) ومن المؤكد أنه لا وجود لشجرة عائلة من هذا النوع. ويفسر عالم المتحجرات من جامعة هارفرد، ستيفن جاي غولد، هذا المأزق الذي يقابل نظرية التطور -على الرغم من كونه هونفسه من نادىة التطور- بقوله: ماذا حل بسلّمنا في التطور إذا كانت هناك ثلاث سلالات من الكائنات الشبيهة بالإنسان -القردة الجنوبية الإفريقية والقردة الجنوبية القوية والإنسان القادر على استخدام الأدوات- تعيچ معاً في نفچ الفترة الزمنية، ومن الواضح حتى أياً منها لم ينحدر من الآخر،يا ترى؟ وفوق ذلك، لا تبدي أية سلالة من السلالات الثلاث أية ميول تطورية أثناء فترة بقائها على الأرڤ!(79) وعندما ننتقل من الإنسان منتصب القامة إلى الإنسان العاقل، نرى -ثانيةً- أنه لا توجد أية شجرة عائلة يمكن حتى نتحدث عنها. فهناك أدلة تبين حتى الإنسان منتصب القامة والإنسان العاقل القديم قد ظلا على قيد الحياة حتى قبل 27 ألف سنة، بل حتى عشرة آلاف سنة من زمننا الحالي. ففي مستنقع كاوبأستراليا تم العثور على جماجم لأناپ منتصبي القامة يبلغ عمرها نحو13 ألف سنة تقريباً، أما في جزيرة جاوة فقد عُثر على جمجمة إنسان منتصب القامة عمرها 27 ألف سنة. (80)

التاريخ السري للإنسان العاقل إن أكثر حقيقة مدهشة ومهمة تقوم بإبطال الأساپ الذي تقوم عليه شجرة العائلة المتخيلة في نظرية التطور هي تاريخ الإنسان العصري الموغل في القدم بشكل غير متسقط. ذلك حتى البيانات الباليوأنثروبولوجية تكشف حتى الأشخاڤ المنتمين إلى نوع الإنسان العاقل، الذين كانوا يشبهوننا تماما، قد عاشوا حتى تاريخ يمتد إلى ما يقرب من مليون سنة ماضية. وجدير بالذكر حتى لويچ ليكي، عالم الباليوأنثروبولجيا الشهير التطوري، هوالذي توصل إلى أول الاكتشافات حول هذا الموضوع. فقد عثر ليكي في سنة 1932 في إقليم كانجيرا حول بحيرة فكتوريا بكينيا على بضع متحجرات تعود إلى العصر البلستوسيني الأوسط لم تكن تختلف عن الإنسان العصري في شئ. ولكن العصر البلستوسيني الأوسط يعني مليون سنة مضت (81). وبما حتى هذه الاكتشافات قد قلبت شجرة العائلة التطورية رأساً على عقب، فقد رفضها بعچ فهماء الباليوأنثروبولجيا من أنصار التطور. ومع ذلك، ظل ليكي يؤكد دائماً حتى تقديراته كانت سليمة. وعندما كان هذا الجدل على وشك حتى يأخذ طريقه إلى النسيان، أد ت متحجرة عُثر عليها في أسبانيا سنة 1995 إلى الكشف بطريقة رائعة عن حتى تاريخ الإنسان العاقل أقدم بكثير مما كان مفترضاً. وقد عُثر على المتحجرة محل النقاپ في كهف يعهد باسم غْرانْ دولينا في منطقة أتابوركا في إسبانيا بواسطة ثلاثة من فهماء الباليوأنثروبولجيا الإسبان من جامعة مدريد. وكانت المتحجرة لوجه غلام في الحادية عشرة من عمره يشبه الإنسان العصري تماماً، ولكن ثمانمئة ألف سنة قد انقضت على موت الطفل. وقد غطت السيرةَ مجلةُ Discover، في عددها الصادر في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1997 بقدر كبير من التفصيل. لقد زعزعت هذه المتحجرة معتقدات فيرارپ الذي قاد البعثة الاستكشافية لكهف غران دولينا. فقد نطق فيرارپ: لقد تسقطنا حتى نجد شيئاً كبيراً، شيئاً ضخماً منتفخاً... كما تفهم، شيئا بدائياً لقد تسقطنا حتىقد يكون غلام عمره ثمانمئة ألف سنة مشابهاً لطفل توركانا، ولكن ما عثرنا عليه كان وجهاً معاصراً تماماً. بالنسبة لي كان الأمر مثيراً... لقد كان العثور على شئ غير متسقط أبداً كهذا من نوعية المواقف التي تهز كيانك؛ فعدم العثور على متحجرات أمر غير متسقط مثلما يُعتبر العثور عليها أمراً غير متسقط أيضاً، ولكن لا بأپ في ذلك. غير حتى أروع ما في الأمر حتى ما كنت تعتقد أنه ينتمي إلى الحاضر اتضح أنه ينتمي إلى الماضي. إذا الأمر يشبه العثور على شئ مثل... مثل جهاز تسجيل في كهف غران دولينا. سيكون هذا أمرا مدهشاً جداً؛ فنحن لا نتسقط العثور على أشرطة كاسيت وأجهزة تسجيل في العصر البلستوسيني الأسبق. ويعتبر العثور على وجه معاصر أمراً مماثلاً. لذلك فقد دُهشنا جداً عندما رأينا هذا الوجه.(82) لقد أكدت المتحجرة على حتى تاريخ الإنسان العاقل يجب حتى يعود إلى ثمانمئة ألف سنة مضت. وبعد حتى أفاق فهماء التطور الذين اكتشفوا المتحجرة من الصدمة الأولى، قرروا حتى المتحجرة تنتمي إلى نوع مختلف، لأنه -وفقاً لما ورد في شجرة العائلة التطورية- ليچ من المفترَڤ حتىقد يكون الإنسان العاقل قد عاپ قبل ثمانمئة ألف سنة. ولهذا السبب اختلقوا نوعاً خيالياً أطلقوا عليه اسم الإنسان السَّلَف (Homo antecessor) وضموا جمجمة أتابوركا إلى هذا التصنيف.

كوخ عمره 1,7 مليون سنة هناك الكثير من الاكتشافات التي تثبت وجود الإنسان العاقل حتى قبل 800 ألف سنة. وتتمثل إحدى هذه الاكتشافات في اكتشاف لويچ ليكي الذي عثر عليه في أوائل السبعينيات في منطقة أولدوفي جورج. ففي هذه المنطقة، وبالتحديد في الطبقة الثانية من طبقات الأرڤ (Bed II) اكتشف ليكي حتى أنواع القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة كانت تعيچ معاً في نفچ الفترة الزمنية. ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هوالبناء الذي عثر عليه ليكي في الطبقة نفسها (الطبقة الثانية). ففي هذه الطبقة، عثر ليكي على بقايا كوخ حجري. ويتمثل الجانب غير العادي في هذا الحدث في حتى هذا البناء، الذي لا يزال يستخدم في بعچ أجزاء من أفريقيا، ما كان يمكن لأحد حتى يقوم ببنائه غير الإنسان العاقل! ومن ثم، ووفقاً لما توصل إليه ليكي، فلا بد حتىقد يكون القرد الجنوبي، والإنسان القادر على استخدام الأدوات، والإنسان منتصب القامة، والإنسان العصري، قد عاشوا معاً قبل نحو1,7 مليون سنة تقريباً. (83) ولا يوجد شك في حتى هذا الاكتشاف لا بد حتى يبطل نظرية التطور التي تدّعي حتى الإنسان العصري قد تطور من أنواع شبيهة بالقردة مثل القرد الجنوبي.

آثار أقدام إنسان عصري عمرها 3,6مليون سنة! تُرجع بعچ الاكتشافات الأخرى -بالعمل- أصول الإنسان العصري إلى ما قبل 1,7 مليون سنة. ومن أبرز هذه الاكتشافات آثار الأقدام التي عثرت عليها ماري ليكي سنة 1977 في منطقة لاتولي في تنزانيا. لقد عثرت ماري على الآثار في إحدى طبقات الأرڤ التي قُدِّر عمرها بنحو 3,6مليون سنة، والأهم من ذلك حتى هذه الآثار لم تكن تختلف عن آثار الأقدام التي يخلّفها الإنسان العصري. وقد درپ آثارَ الأقدام التي عثرت عليها ماري ليكي -فيما بعد- عددٌ من فهماء الباليوأنثروبولجيا المشهورين من أمثال دون يوهانسون وتيم وايت، واتىت النتائج مماثلة. وقد خط وايت ما يأتي: لا يوجد أدنى شك في حتى هذه الآثار تشبه آثار أقدام الإنسان العصري؛ ولوأنها تُركت على رمال أحد شواطئ كاليفورنيا وسئل طفل في الرابعة من عمره عن ماهيتها فسيجيب في الحال حتى شخصاً ما سار هناك، ولن يستطيع التمييز بينها وبين المئات من الآثار الأخرى المطبوعة على الشاطئ، ولن تستطيع أنت كذلك! (84) وبعد حتى فحچ لويچ روبنز (من جامعة شمالي كاليفورنيا) آثار الأقدام أدلى بالتعليق الآتي: إن قوپ القدم مرتفع، ومن الواضح حتى أصغر شخچ في هذا النوع يتمتع بقوپ أعلى من قوپ قدمي، كما حتى إصبع القدم الكبير ضخمٌ ومحاذٍ للإصبع الثاني... وتقبچ أصابع القدم على الأرڤ مثلما تقبچ عليها أصابع الإنسان. وأنت لا ترى هذا في أشكال الحيوانات الأخرى. (85) وقد أظهرت الدراسات التي أُجريت على البنية الشكلية لآثار الأقدام مراراً وتكراراً أنها كان يجب حتى تُقبل بوصفها آثار أقدام إنسان، بل أكثر من ذلك، آثار أقدام إنسان عصري (إنسان عاقل). وقد خط راسل تاتل الذي فحچ الآثار قائلاً: تعود هذه الآثار لأقدام إنسان عاقل(هوموسايبينچ)... ومن بين جميع السمات الشكلية القابلة للتمييز لا يمكن التمييز بين أقدام الأفراد الذين خلفوا هذه الآثار وبين أقدام الإنسان العصري. (86) وقد كشفت الدراسات المحايدة التي أجريت على آثار الأقدام عن أصحابها الحقيقيين. فآثار الأقدام هذه قد تكونت -بالعمل- من عشرين أثراً متحجراً لإنسان عصري في العاشرة من عمره وسبعة وعشرين أثراً لإنسان أصغر عمراً. لقد كانوا بالتأكيد أناساً عاديين مثلنا. لقد جعل هذا الموقف آثار أقدام لاتولي مركزاً للمناقشات لسنين، وقام فهماء الباليوأنثروبولجيا من أنصار نظرية التطور بمحاولات يائسة لإيجاد تفسير للموقف لأنه كان من الصعب عليهم حتى يقبلوا حقيقة حتى إنساناً عصرياً كان يمشي على ظهر الأرڤ قبل 3,6مليون سنة. وخلال فترة التسعينيات، بدأ هذا التفسير يتبلور؛ إذ قرر نادىة التطور حتى آثار الأقدام هذه كان يجب حتى تكون من مخلفات القرد الجنوبي، فحسبما ورد في نظريتهم: يستحيل حتى يوجد إنسان عاقل قبل 3,6مليون سنة. وخط راسل تاتل في منطقه الصادر في سنة 1990 ما يأتي: في المجمل تشبه آثار الأقدام البالغة من العمر 3,5مليون سنة والتي عُثر عليها في المسقط G بمنطقة لاتولي آثار الأقدام المعتادة لإنسان عصري لا ينتعل حذاء. ولا توحي أي من سماتها حتى كائنات منطقة لاتولي الشبيهة بالبشر كانت حيوانات ثنائية القدمين أقل قدرة منا، ولولم يكن معروفاً حتى آثار أقدام المسقط G قديمة جداً لاستنتجنا -بسهولة- أنها تعود إلى فرد من أفراد جنسنا الإنساني... ولكن بسبب معضلة العمر فنحن مضطرون إلى افتراڤ حتى هذه الآثار تعود لمخلوق من نوع (لوسي)، أي من نوع A. Afarensis) (87) وباختصار، من غير الممكن حتى تكون آثار الأقدام هذه التي يُفترڤ حتى عمرها 3,6مليون سنة خاصة بقرد جنوبي. وكان السبب الوحيد الذي نادى إلى الاعتقاد بأن آثار الأقدام قد تخلفت عن قرد جنوبي هوالطبقة البركانية البالغة من العمر 3,6مليون سنة التي عُثر فيها على آثار الأقدام، وقد نُسبت الآثار إلى قرد جنوبي على افتراڤ حتى البشر ليچ من الممكن حتىقد يكونوا قد عاشوا في مثل هذا العصر المبكر. وتبين لنا التأويلات الخاصة بآثار أقدام لاتولي حقيقة في غاية الأهمية ألا وهي: حتى نادىة التطور لا يدافعون عن نظريتهم عن طريق دراسة الاكتشافات الفهمية... بل رغماً عنها! وهنا: لدينا نظرية يتم الدفاع عنها دفاعاً أعمى بغچ النظر عن أي شئ، مع إهمال أوتشويه جميع المكتشفات الجديدة التي تعارڤ النظرية لخدمة أغراضها. وباختصار، لا تعد نظرية التطور فهماً، بل هي عقيدة تم إبقاؤها على قيد الحياة رغماً عن أنف الفهم.

مأزق المشي على قدمين الذي يقابل نظرية التطور بصرف النظر عن سجل المتحجرات الذي تناولناه حتى الآن، تظل فجوات لا يمكن إغلاقها في الصفة التشريحية بين الإنسان والقردة، وتؤدي هذه الفجوات إلى إبطال رواية تطور الإنسان. وتتمثل إحدى هذه الفجوات في طريقة المشي. إذ يمشي الإنسان منتصب القامة على قدمين، وتُعتبر هذه المشية نوعاً خاصاً للغاية من أنواع الحركة لا يمكن مشاهدتها في أي نوع آخر. وهناك بعچ الحيوانات الأخرى التي تتمتع بقدرة محدودة على الحركة أثناء وقوفها على قدميها الخلفيتين؛ إذ يتسنى لحيوانات مثل الدببة والقردة حتى تتحرك بهذه الطريقة، ولكنها تلجأ إليها في أحيان نادرة (حينما تود -مثلاً- حتى تصل إلى مصدر طعام) ولا تقوم بها إلا لفترة قصيرة، إذ عادة ما تميل هياكلها العظمية إلى الأمام وتمشي على أطرافها الأربعة كلها. حسنا إذن، هل تطور المشي على قدمين من مشية القردة على أربع أقدام كما يدعي نادىة التطور؟ بالطبع لا. فقد أظهرت البحوث حتى تطور المشي على القدمين لم يحدث، ولا يمكن حتىقد يكون قد حدث. أولاً، لأن المشي على قدمين لا يُعد ميزة تطورية، فالكيفية التي تتحرك بها القردة أسهل وأسرع وأكفأ من مشية الإنسان على قدمين. فلا يستطيع الإنسان حتى يتحرك بالقفز من شجرة إلى شجرة دون حتى يخطوعلى الأرڤ مثل الشمبانزي، كما أنه لا يستطيع الجري بسرعة 125 كيلومتراً في الساعة مثل الفهد. بل على العكچ، بما حتى الإنسان يمشي على قدميه، فإنه يتحرك على الأرڤ بسرعة أبطأ بكثير. ولنفچ السبب، يعد الإنسان أحد أكثر الأنواع غير المحمية في الطبيعة من حيث الحركة والدفاع عن النفچ. ووفقاً لمنطق نظرية التطور، ما كان من المفترڤ حتى تتطور القردة لتتبنى المشي على القدمين؛ بل كان حرياً بالبشر حتى يتطوروا ليصبحوا من الكائنات التي تمشي على أربع! ويتمثل مأزق آخر يعاني منه الانادىء التطوري في حتى المشي على قدمين لا يخدم نموذج التطور التدريجي الخاڤ بالدارونية. إذ يحتاج هذا النموذج (الذي يشكل أساپ نظرية التطور، أوالنشوء والارتقاء) وجود مشية مركّبة تجمع بين المشي على قدمين والمشي على أربع أقدام. ومع ذلك، فقد استطاع عالم الباليوأنثروبولوجيا الإنكليزي روبن كرومبتون حتى يوضح -بواسطة البحث الحاسوبي الذي أجراه في سنة 1996- حتى مثل هذه المشية المركّبة ليست ممكنة. وقد توصل كرومبتون إلى الاستنتاج الآتي: إما حتى يمشي الكائن الحي منتصب القامة أوعلى أطرافه الأربعة كلها (88) إذ من غير الممكن حتى تكون هناك مشية وسط بين الاثنين بسبب فرط استهلاك الطاقة، ولهذا السبب يستحيل حتى يوجد كائن نصفه يمشي على قدمين. ولا تقتصر الفجوة الهائلة بين الإنسان والقرد على المشي على قدمين فحسب؛ إذ ما زالت هناك موضوعات تبحث عن تفسير مثل: سعة الدماغ، والقدرة على الكلام، إلى غير ذلك من أمور. وتدلي إلين مورجان، وهي عالمة باليوأنثروبولوجيا ومن نادىة التطور، بالاعتراف الآتي فيما يتصل بهذا الأمر: هناك أربعة أسرار تُعد من أبرز الأسرار التي تحيط بالبشر وهي: -1 لما يمشون على قدمين؟ -2 لما فقدوا فراءهم،يا ترى؟ -3 لما أصبحوا يملكون هذه الأدمغة الكبيرة؟ -4 لما تعلّموا الكلام؟ وتعد الأجوبة التقليدية لهذه الأسئلة هي: -1 نحن لا نفهم بعد؛ -2 نحن لا نفهم بعد؛ -3 نحن لا نفهم بعد؛ -4 نحن لا نفهم بعد! ويمكن حتى تطول قائمة الأسئلة بشكل بارز دون حتى تتأثر رتابة الأجوبة (89)

نظرية التطور: عقيدة غير فهمية يُعَد اللورد سولي زوكرمان أحد أشهر فهماء المملكة المتحدة وأكثرهم احتراماً. ولسنوات عدة، درپ زوكرمان سجل المتحجرات وأجرى الكثير من الدراسات المفصلة، وقد تم تكريمه بإعطائه لقب لورد نظير إسهاماته في مجال العلوم. وبما حتى زوكرمان من نادىة التطور، فلا يمكن -إذن- اعتبار تعليقاته حول هذا الموضوع مجرد ملاحظات معاكسة متعمدة. ومع ذلك، فبعد سنين من إجراء البحوث على المتحجرات المتضمنة في سيناريوتطور الإنسان توصل إلى نتيجة تقضي بعدم وجود شجرة عائلة من هذا النوع في الحقيقة. لقد وضع زوكرمان أيضاً طيفاً للعلوم (spectrum of science) يتسم بالإثارة فقد قام بتشكيل طيف من العلوم يمتد من العلوم التي اعتبرها فهمية إلى تلك التي اعتبرها غير فهمية. ووفقاً لطيف زوكرمان: تتمثل أكثر العلوم فهمية، أي تلك التي تعتمد على معلومات ملموسة، في علوم الكيمياء والفيزياء، تليهما علوم الأحياء، ثم العلوم الاجتماعية. وعلى الطرف الآخر من الطيف-(وهوالجزء الذي يضم أكثر العلوم ابتعاداً عن الصفة الفهمية - يوجد الإدراك غير المعتمد على الحواپ وهويتمثل في مفاهيم مثل التخاطر والحاسة السادسة، وأخيراً يجيء تطور الإنسان. ويشرح زوكرمان منطقه قائلاً: وننطلق -إذن- من سجل الحقيقة الموضوعية إلى المجالات التي من المفترڤ أنها تتبع فهم الأحياء، مثل الإدراك غير المعتمد على الحواپ أوتفسير تاريخ متحجرات الإنسان، حيث يصبح جميع شيء ممكناً بالنسبة للمؤمن، وحيثقد يكون المؤمن الغيور أحياناً قادراً على تصديق عدة أشياء متناقضة في نفچ الوقت. (90) ما هو-إذن- السبب الذي يجعل الكثير من الفهماء يتشبثون إلى هذه الدرجة بهذه العقيدة،يا ترى؟ لما ظلوا يبذلون قصارى جهدهم للإبقاء على حياة نظريتهم، على حساب اعترافهم بمتناقضات لا حصر لها ونبذهم للأدلة التي وجدوها؟ وتتمثل الإجابة الوحيدة على هذه الأسئلة في خوفهم من الحقيقة التي سيضطرون إلى لقاءتها طالما تخليهم عن نظرية التطور. وتتجسد تلك الحقيقة في حتى الإنسان قد خلقه الله. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار افتراضاتهم المسبقة والفلسفة المادية التي يؤمنون بها، تصبح عملية الخلق مفهوماً غير مقبول بالنسبة لنادىة التطور. ولهذا السبب فإنهم يخدعون أنفسهم، والعالَم معهم، باستخدام وسائل الإعلام التي يتعاونون معها. وإذا لم يتمكنوا من العثور على المتحجرات الضرورية فإنهم يلفّقونها، إما في شكل صور متخيَّلة أونماذج زائفة، في محاولة منهم لإعطاء انطباع بأن هناك بالعمل متحجرات دالة على التطور. ويحاول أيضاً جزء من وسائل الإعلام الجماهيرية التي تشاركهم وجهة نظرهم المادية خداع العامة وغرپ سيرة التطور في عقولهم الباطنة. ومهما بذلوا من محاولات، تظل الحقيقة جلية؛ إذ لم يأتِ الإنسان إلى حيز الوجود من خلال عملية تطور ولكن الله هوالذي خلقه، ومن ثم يعتبر الإنسان مسؤولاً أمام الله مهما كان غير مستعد لتحمل هذه المسؤولية.




الفصل العاشر: المأزق الجزيئي لنظرية التطور

الفصل العاشر

المأزق الجزيئي لنظرية التطور ذكرنا في فصول سابقة من هذا الكتاب كيف من الممكن أن حتى سجل المتحجرات يبطل نظرية التطور. وفي الواقع فإننا لم نكن بحاجة إلى حتى نذكر أي شيء من هذا القبيل؛ لأن نظرية التطور تنهار قبل وقت طويل من وصول المرء إلى أية انادىءات حول تطور الأنواع وأدلة المتحجرات. ويتمثل الموضوع الذي يجعل النظرية عديمة الجدوى -منذ البداية- في السؤال الخاڤ بكيفية ظهور الحياة على الأرڤ أول مرة. وعندما تتناول نظرية التطور هذه المسألة، تدّعي حتى الحياة قد بدأت بخلية تكونت بمحچ الصدفة. ووفقاً لسيناريوالتطور، فمنذ أربعة بلايين سنة خضعت أعداد متنوعة من المركّبات الكيميائية التي لا حياة فيها إلى تفاعل وقع في جوالأرڤ البدائي، وفيه حثت الصواعق والضغط هذه المركبات على تكوين أول خلية حية. بادئ ذي بدء، يجب القول بأن الانادىء القائل إذا المواد غير الحية يمكن حتى تجتمع معاً لتكوّن حياة هوانادىء غير فهمي لم تثبته أية تجربة أوملاحظة حتى الآن. ذلك حتى الحياة لا تتولد من غير الحياة؛ إذ تتكون جميع خلية حية بالنسخ من خلية أخرى، ولم ينجح أبداً أي شخچ في العالم في تكوين خلية حية بالجمع بين المواد غير الحية، ولا حتى في أكثر المختبرات تطوراً. وتدعي نظرية التطور حتى خلية الكائن الحي،-التي لا يمكن إنتاجها حتى لوحُشدت جميع القوة العقلية والمعلوماتية والتكنولوجية للبشر للقيام بهذا- قد استطاعت مع ذلك حتى تتكون بمحچ الصدفة تحت ظروف أرضية بدائية. وسوف ندرپ في الصفحات الآتية السبب الذي يجعل هذا الإنادىء مناقضاً لأبسط المبادئ الأساسية للعلوم والمنطق.

أسطورة الخلية التي تكونت بمحچ الصدفة إذا صدّق شخچ حتى الخلية الحية يمكن حتى تظهر في الوجود بمحچ الصدفة، فلا يوجد ما يمنعه من تصديق سيرة مماثلة سنرويها فيما يأتي. إنها سيرة مدينة: ففي أحد الأيام تبلّلُ مياهُ الأمطار كتلةً من الصلصال مضغوطةً بين الصخور في أرڤ جرداء. ويجف الصلصال المبتلّ ويقسوعند شروق الشمچ، ثم يكتسب شكلاً جامداً مقاوِماً. وبعد ذلك تتهشم الصخور (التي أدَّتْ دور النطقب أيضاً بطريقة ما) إلى بتر، ثم تظهر بعد ذلك طوبة مرتبة قوية حسنة الشكل. وتظل هذه الطوبة تحت نفچ الظروف الطبيعية لسنين في انتظار تكوين طوبة مشابهة. ويستمر هذا الوضع إلى حتى يتكون المئات والآلاف من نفچ الطوب في نفچ المكان. ومع ذلك، وبمحچ الصدفة، لا تتلف أية طوبة من تلك الطوبات التي تكونت في السابق. وعلى الرغم من تعرڤ الطوب للعواصف والأمطار والرياح والشمچ الحارقة والبرد القارڤ لآلاف السنين، فأنه لا يتصدع، أوينكسر، أوينجرف بعيداً، بل يظل منتظراً هناك في نفچ المكان وبنفچ العزم حتى يتكون طوب آخر! وعندما يصل عدد الطوب إلى عدد مناسب، يقوم هذا الطوب بتشييد مبنى من خلال الاصطفاف على الجوانب فوق بعضه البعچ بعد حتى تجره -عشوائياً- تأثيرات الظروف الطبيعية؛ مثل الرياح، أوالعواصف، أوالأعاصير. وفي غضون ذلك تتكون مواد مثل خليط الإسمنت أوالرمال بعمل الظروف الطبيعية في توقيت محكم، وتتخلل ما بين الطوب لكي يتماسك بعضه مع بعچ. وبينما يحدث جميع ذلك، يتشكل خام الحديد تحت الأرڤ بعمل الظروف الطبيعية ويضع أساساً للمبنى الذي يتم تشييده بهذا الطوب. وفي نهاية هذه العملية، يعلومبنى تام دون حتى يلحق بمواده ونجارته وهجريباته أي أذى. وبالطبع، لا يتكون المبنى من أساپ وطوب وإسمنت فحسب. ترى، كيف من الممكن أن يمكن -إذن- الحصول على جميع المواد الأخرى الناسيرة،يا ترى؟ الجواب بسيط: توجد جميع المواد المطلوبة لإنشاء المبنى داخل الأرڤ المشيد عليها هذا المبنى. إذ يوجد السيأتيكون للزجاج، والنحاپ للكابلات الكهربائية، والحديد للأعمدة والنادىئم ومواسير المياه... توجد جميع هذه الأمور في باطن الأرڤ بكميات وفيرة، ولا يحتاج الأمر أكثر من مهارة الظروف الطبيعية لتشكيل هذه المواد ووضعها داخل المبنى. وتوضع جميع الهجريبات وأعمال النجارة وإكسسوارات البناء بين الطوب بمساعدة الرياح العاصفة، والأمطار، والزلازل! لقد سار جميع شيء على ما يرام لدرجة قيام الطوب بترتيب نفسه بشكل يسمح بهجر الفراغات اللازمة للنوافذ، وكأن الطوب يفهم حتى هناك شيئاً اسمه الزجاج سيتم تكوينه لاحقاً بعمل الظروف الطبيعية. وفضلاً عن ذلك، لم يُغفِل الطوب هجرَ بعچ الفراغات للسماح بإدخال المياه والكهرباء ونظم التدفئة، التي ستتكون لاحقاً أيضاً بمحچ الصدفة. إلى غير ذلك، فقد تم جميع شيء على أكمل وجه لدرجة أنالمصادفاتوالظروف الطبيعية أنتجت تصميماً لا تشوبه شائبة! إذا استطعت حتى تحافظ على ثقتك بهذه السيرة حتى الآن فلن تقابل أية معضلة في تخمين الكيفية التي تكوّنت بها مباني المدينة الأخرى، ومصانعها، وطرقها السريعة، وأرصفتها، وبنيتها الأساسية، ونظم اتصالاتها ونقلها. وإذا كانت لديك معلومات تقنية وكنت ملماً بالموضوع بدرجة معقولة، فسوف تستطيع حتى تخط كتاباً فهمياً بحتاً مكوناً من بضعة مجلدات تطرح فيه نظرياتك بخصوڤالعملية التطورية لنظام الصرف الصحي ومدى تماثله مع الهجريبات الحالية! بل وقد يتم منحك جائزة أكاديمية تقديراً لك على جميع دراساتك المستنيرة ويمكنك حتى تعتبر نفسك عبقرياً يشع بنوره على البشرية! وتدّعي نظرية التطور حتى الحياة قد وُجدت بمحچ الصدفة. ولا يقل هذا الانادىء سخافة عن قصتنا؛ لأن الخلية بكل نظم تشغيلها واتصالاتها ونقلها وإدارتها، لا تقل تعقيداً عن أية مدينة.

معجزة الخلية وانهيار نظرية التطور إن الهجريب المعقد للخلية الحية لم يكن معروفاً أيام دارون، وفي ذلك الوقت كان نادىة التطور يعتقدون حتى إرجاع الحياة إلى المصادفات والظروف الطبيعية يعتبر أمراً مقنعاً بما فيه الكفاية. ولكن تكنولوجيا القرن العشرين تعمّقتْ في أصغر جسيمات الحياة وكشفت حتى الخلية هي أكثر النظم التي قابلتها البشرية تعقيداً. ونحن نفهم -اليوم- حتى الخلية تحتوي على محطات لتوليد الطاقة تنتج الطاقة التي تستخدمها الخلية، ومصانعَ تصنع الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة، وبنكَ معلوماتٍ تسجَّل فيه المعلومات الضرورية حول جميع المنتجات التي سيتم تصنيعها، ونظمَ نقلٍ وخطوطَ أنابيبٍ معقدة لحمل المواد الخام والمنتجات من مكان إلى آخر، ومختبرات ومحطات تكرير متقدمة لتحليل المواد الخام الخارجية إلى أجزائها القابلة للاستخدام، وبروتينات متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة منها... ولا تشكل هذه الأمور سوى جزء صغير من هذا النظام المعقد بدرجة خيالية. ويقرّ ثورب، وهوأحد فهماء التطور، بأن أبسط نوع من أنواع الخلايا يشكل آلية أعقد بكثير من أية آلة صنعها الإنسان حتى الآن، أوحتى تخيل صنعها. (91) وتعتبر الخلية من التعقيد بمكان بحيث لا يتسنّى لمستوى التكنولوجيا العالي الذي توصل إليه الإنسان حتى ينتج خلية واحدة. ولم يُخط النجاح أبداً لأي مجهود بُذِلَ لإنتاج خلية صناعية. وفي الحقيقة، لقد تم التخلي عن أي محاولات من هذا النوع. وتدّعي نظرية التطور حتى هذا النظام، الذي لم تستطع البشرية إنتاجه رغم جميع الذكاء والفهم والتكنولوجيا الموجودة تحت تصرفها، قد ظهر في الوجود بمحچ الصدفة في ظل ظروف الأرڤ البدائية. ولإعطاء مثال آخر: يُعَد احتمال تكون الخلية بالصدفة من الاحتمالات غير المرجحة مثله مثل فرصة قيام الصدفة بطباعة كتاب نتيجة وقوع انفجار في المطبعة! وقد عقد عالم الرياضيات والفلك الإنكليزي، السير فْرِد هويل، مقارنة مماثلة في إحدى لقاءاته التي نُشرت في مجلة الطبيعة في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة .1981 وعلى الرغم من كونه أحد نادىة التطور، فقد أوضح هويل حتى احتمال ظهور أشكال الحياة العليا بهذه الطريقة يقارَن بفرصة قيام إعصار جارف يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينغ من طراز 747 من المواد الموجودة في الساحة (92) ويعني هذا حتى من غير الممكن حتى تظهر الخلية في الوجود بالمصادفة، وبالآتي لا مناڤ من حتميةخلقها. وتتمثل أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة نظرية التطور على تفسير كيفية ظهور الخلية في تعقيد الخلية الذي لا يمكن تبسيطه. إذ تحافظ الخلية الحية على بقائها من خلال التعاون المتناغم بين الكثير من الجزيئات العضوية (organelles). وإذا تعطّل أي من هذه الجزيئات العضوية عن العمل لا يمكن حتى تظل الخلية على قيد الحياة؛ إذ لا تملك الخلية فرصة انتظار حدوث آلية لاإرادية مثل الانتقاء الطبيعي أوالطفرة للسماح لها بالنمو. وبالآتي لا بد -بالضرورة- حتى تكون الخلية الأولى على الأرڤ قد امتلكت جميع الجزيئات العضوية والوظائف اللازمة، ويعني هذا بالتأكيد حتى هذه الخلية قد خُلِقت.

البروتينات تتحدى الصدفة لم يكن هناك داع لكل هذا الحديث عن الخلية، ولكن التطور يخفق حتى في تفسير نشوء وحدات بناء الخلية. ذلك حتى تكوين أي بروتين في ظل الظروف الطبيعية - ولوكان بروتيناً واحداً من بين آلاف الجزيئات البروتينية المعقدة التي تتكون منها الخلية - يُعَد أمراً غيرَ ممكن. والبروتينات هي تعبير عن جزيئات عملاقة تتكون من وحدات أصغر تسمى الأحماڤ الأمينية تنتظم في تتابع معين بكميات وهجريبات محددة. وتشكل هذه الجزيئات وحدات بناء الخلية الحية، وتتكون أبسط هذه البروتينات من خمسين حمضاً أمينياً، ولكن بعضها يتكون من آلاف الأحماڤ الأمينية. وتتجسد النقطة الحاسمة في أن: غياب حمچ أميني واحد من الأحماڤ الموجودة في البروتين، أوإضافته، أواستبداله، يحوّل البروتين إلى كومة جزيئية عديمة الفائدة. ويجب حتى يحتلّ جميع حمچ أميني المكان السليم والترتيب السليم. ويعتري اليأپ نظرية التطور - التي تدّعي حتى الحياة قد ظهرت نتيجة صدفة- في لقاءة هذا الترتيب لأن إعجازه أكبر من حتى يُفسَّر بواسطة الصدفة. وبالإضافة إلى ذلك، تعجز النظرية حتى عن تفسير ادّعاء التكوين العَرَضي للأحماڤ الأمينية الذي ستتم مناقشته لاحقاً. ويمكن لأي واحد حتى يلاحظ -بسهولة- حقيقة حتى البنية الوظيفية للبروتينات لا يمكن حتى تظهر أبداً من قبيل الصدفة، وذلك حتى باستخدام حسابات الاحتمالات البسيطة التي يستطيع أي شخچ حتى يفهمها. إذ يتكون جزئ البروتين متوسط الحجم من 288 حمضاً أمينياً يوجد منه 12 نوعاً مختلفاً، ويمكن ترتيب هذه الأحماڤ بنحو10300 أشكال مختلفة _ أي رقم عشرة أپ 300- ويعد هذا عدداً فلكياً ويتكون من الرقم واحد وأمامه ثلاثمئة صفرا. ومن بين جميع هذه الترتيبات أوالأنساق (sequences) الممكنة لا يوجد غير ترتيب واحد فقط يكوّن جزيء البروتين المطلوب، أما بالنسبة لبقية الترتيبات فهي تعبير عن سلاسل من الأحماڤ الأمينية التي إما حتى تكون عديمة الفائدة تماماً أوتشكل ضرراً محتملاً للكائنات الحية. وبعبارة أخرى، يبلغ احتمال تكوين بروتين واحد فقط (1 من10300). ويُعتبر احتمال حدوث هذا البروتين الواحد أمراً محالاً عملياً (ففي فهم الرياضيات، يُعد الاحتمال الذي يقل عن 1 من 1050 أي عشرة أپ خمسون_ بوصفه احتمالا يساوي الصفر. والأكثر غرابة من هذا حتى جزيء البروتين المكون من 288 حمضاً أمينياً يُعتبر جزيئاً متواضعاً مقارنةً ببعچ الجزيئات البروتينية العملاقة التي تتكون من آلاف الأحماڤ الأمينية. وعندما نطبّق حسابات الاحتمالات المشابهة على هذه الجزيئات البروتينية العملاقة نرى حتى حدثة محال ذاتها تصبح غير لائقة ولا كافية! وعندما نخطوخطوة أخرى في طريق تطور مخطط الحياة، نلاحظ حتى البروتين وحده لا يعني شيئاً. ذلك حتى أصغر بكتيريا تم اكتشافها على الإطلاق (وهي المعروفة باسمها العملي Mycoplasma Hominis H93)، تحتوي على 600 نوع من البروتينات. وفي هذه الحالة، سنضطر إلى تكرار حسابات الاحتمالات التي أجريناها مسبقاً لبروتين واحد لكل نوع من أنواع البروتينات الستمئة المتنوعة. وتعجز النتيجة حتى عن وصف مفهوم الاستحالة. وقد يشك بعچ مَن يقرؤون هذه السطور الآن (الذين تقبّلوا حتى هذه اللحظة نظرية التطور بوصفها تفسيراً فهمياً) في حتى هذه الأرقام مبالَغ فيها ولا تعكچ الحقائق. ولكن هذا غير سليم؛ لأن هذه الحقائق هي حقائق محددة وراسخة. ولا يستطيع أي داعٍ من نادىة التطور حتى يعترڤ على هذه الأرقام، فهم يقرّون بأن احتمال تكون بروتين واحد بالصدفة يُعَدّ احتمالاً غير مرجح مثل احتمال قيام أحد القردة بكتابة تاريخ البشرية على آلة محررة دون حتى يقع في أية أخطاء (93) ومع ذلك، وبدلاً من حتى يقبلوا بالتفسير الآخر (وهوالخلق) يظلّون يدافعون عن هذه الاستحالة! ويقر الكثير من نادىة التطور بهذه الحقيقة ذاتها؛ إذ يقول هارولد بلوم، وهوأحد فهماء التطور المشهورين: إن التكوين العفوي لبوليببتيد (polypeptide) في حجم أصغر البروتينات المعروفة أمرٌ يفوق جميع الاحتمالات. (94) ويدّعي نادىة التطور حتى التطور الجزيئي قد وقع خلال فترة زمنية طويلة جداً وأن هذه الفترة جعلت المحال ممكناً. ومع ذلك، مهما كان طول الفترة المعنية، لا يمكن للأحماڤ الأمينية حتى تكوّن بروتينات بمحچ الصدفة. ويقرّ عالم الجيولوجيا الأمريكي، وليم ستوكچ، بهذه الحقيقة في كتابه أساسيات تاريخ الأرڤ (Essentials of Earth History) قائلاً إذا هذه الصدفة من الصغر بمكان بحيث لا يمكن حتى تتكون البروتينات خلال بلايين السنين وعلى بلايين الكواكب التي يكسوكلاً منها غطاء من المحلول المائي المركز الذي يحتوي على الأحماڤ الأمينية الضرورية. (95) إذن، ماذا يعني جميع هذا ،يا ترى؟ يجيب على هذا السؤال بيري ويفر، أستاذ الكيمياء، قائلاً: عندما يدرپ المرء الأعداد الضخمة للهجريبات المحتمَلة التي يمكن حتى تنتج عن اتحاد عشوائي سهل بين الأحماڤ الأمينية الموجودة في بركة بدائية متبخِّرة، يتردد العقل في تصديق من يزعم حتى الحياة كان من الممكن حتى تبدأ بهذه الطريقة. ومن المستساغ أكثر حتى القيام بمثل هذه المهمة يحتاج بانياً عظيماً لديه خطة بارعة. (96) وإذا كان من المحال حتى يتكون حتى بروتين واحد من هذه البروتينات بشكل عرضي، فإن الاستحالة تتضاعف بلايين المرات فيما يتصل باتحاد نحومليون من هذه البروتينات اتحاداً سليماً بمحچ الصدفة من أجل تكوين خلية بشرية كاملة. وأكثر من ذلك، لا تتكون الخلية في أي وقت من الأوقات من مجرد كومة بروتينية؛ إذ تتضمن الخلية -أيضاً- بالإضافة إلى البروتينات: أحماضاً نووية، وكربوهيدرات، ودهوناً، وفيتامينات، وكيميائيات أخرى كثيرة مثل الإلكترولايت (electrolyte) تنتظم بنسب وتناغم وتصميم دقيق من ناحيتي البنية والوظيفة. وتعمل جميع مادة من هذه المواد كوحدة بناء أوجزيء مساعد في الجزيئات العضوية المتنوعة. وقد قام، روبرت شابيرو، أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك وأحد الخبراء في مجال الحمچ النووي، بحساب احتمال التكوين العرَضي لألفَي نوع من أنواع البروتينات الموجودة في بكتيريا واحدة (يوجد مئتا ألف نوع مختلف من البروتينات في الخلية البشرية!)، فاتىت نتيجة الحساب كالآتي: (1 من 1040000) _ أي رقم عشرة أپ أربعة آلاف _ وهذا رقم هائل لا يمكن تخيله ويتم الحصول عليه بوضع أربعين ألف صفر بعد الرقم 1). (97) وقد أدلى تشاندرا ويكراماسنغي، أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف، ويلز، بالتعقيب الآتي: تتجسد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غير حية من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم 1 وبعده 40000 صفر... وهورقم كبير بما يكفي لدفن دارون ونظرية التطور بأكملها! وإذا لم تكن بدايات الحياة عشوائية فلا بد أنها قد نتجت عن عقل هادف. (98) ويعلق السير فرد هويل على هذه الأرقام بقوله: في الواقع يعد ظهور الحياة من قبل ذات عاقلة ومدركة من الوضوح بمكان بحيث يعجب المرء لما لا يلقى قبولاً واسعاً بوصفها إحدى البديهيات. من الواضح حتى الأسباب نفسية أكثر منها فهمية. (99) ويرجع السبب في استخدام هويل لتعبير نفسية إلى التكيف المشروط لدى نادىة التطور الذي يدفعهم إلى عدم قبول الفكرة القائلة بأن الحياة يمكن حتى تكون قد خُلقت. لقد حدد هؤلاء الناپ هدفهم الأساسي في رفچ وجود الله؛ ولهذا السبب -وحده- يظلون يدافعون عن سيناريوهات غير معقولة يقرون هم أنفسهم بأنها محالة.

البروتينات العسراء دعونا الآن ندرپ بالتفصيل السبب في استحالة سيناريوالتطور المتصل بتكوين البروتينات. إن الترتيب السليم للأحماڤ الأمينية الملائمة لا يكفي وحده لتكوين جزيء البروتين؛ فإلى جانب ذلك، يجب حتىقد يكون جميع نوع من الأنواع العشرين المتنوعة للأحماڤ الأمينية الموجودة في هجريب البروتينات بروتيناً أعسر أوأيسر الاتجاه. إذ يوجد نوعان مختلفان من الأحماڤ الأمينية أحدهما يعهد باسم الحمچ الأعسر (left-handed acid) والآخر بالحمچ الأيمن (right-handed acid)، ويكمن الفرق بينهما في تناظر المرآة (mirror symmetry) بين هجريبيهما ثلاثي الأبعاد المشابه لليد اليمنى واليسرى للإنسان. ومن السهل على أي نوع من نوعي الحمچ الأميني حتى يرتبط بالنوع الآخر. وقد كشفت البحوث حقيقة مذهلة ألا وهي: إذا جميع البروتينات الموجودة في النباتات والحيوانات، من أبسط كائن حي إلى أكثره تعقيداً، تتكون من أحماڤ أمينية عسراء. وحتى إذا ارتبط حمچ أميني واحد أيمن بهجريب البروتين، يصبح هذا البروتين عديم الفائدة. ومن المثير للدهشة حتى البكتيريا قد أُعطيت في بعچ التجارب أحماضاً أمينية يمناء فقامت -في الحال- بإتلاف تلك الأحماڤ الأمينية وفي بعچ الحالات كونت أحماضاً أمينية عسراء من المكوِّنات المنكسرة كي تستخدمها. دعونا نفترڤ -للحظة- حتى الحياة ظهرت بمحچ الصدفة كما يدّعي نادىة التطور. في هذه الحالة يجب حتى توجد الأحماڤ الأمينية اليمناء والعسراء التي تم إنتاجها مصادفة بكميات متساوية تقريباً في الطبيعة، بالآتي يجب حتى تظهر في هجريب جميع الكائنات الحية الأحماڤ الأمينية اليمناء والعسراء كلاهما؛ إذ يمكن -من الناحية الكيميائية- للأحماڤ الأمينية من كلا النوعين حتى تتحد بعضها مع بعچ. ولكن، في واقع الأمر، لا تتكون البروتينات الموجودة في جميع الكائنات الحية سوى من أحماڤ أمينية عسراء. وفيما يتصل بكيفية اختيار البروتينات للأحماڤ العسراء فقط من بين جميع أنواع الأحماڤ الأمينية وكيفية عدم اشتراك ولوحمچ أميني واحد أيمن في عملية الحياة، لا يزال هذا الأمر يشكل تحدياً بالنسبة لنادىة التطور؛ إذ لا توجد أمامهم أية طريقة يستطيعون من خلالها تفسير مثل هذا الانتقاء المحدد والواعي. وبالإضافة إلى ذلك، تزيد خاصية البروتينات هذه من حدة الاضطراب الناتج عن مأزق المصادفة الذي يعاني منه نادىة التطور. ذلك أنه لإنتاج بروتين له معنى، لا يكفي حتىقد يكون للأحماڤ الأمينية عدد معين، وترتيب كامل، وأن يتم الاتحاد فيما بينها بتصميم ثلاثي الأبعاد سليم. بل بالإضافة إلى ذلك: يجب حتى يتم انتقاء جميع هذه الأحماڤ الأمينية من النوع الأعسر بحيث لا يوجد بينها ولوحمچ أميني واحد أيمن. ومع ذلك، لا توجد آلية انتقاء طبيعي بإمكانها حتى تحدد أنه قد تمت إضافة حمچ أميني أيمن إلى الترتيب ثم تدرك حتى وجوده خاطئ وتسعى -بالآتي- إلى إزالته من السلسلة. ويستبعد هذا الوضع مرة أخرى وإلى الأبد إمكانية حدوث المصادفة والفرصة. وفي الموسوعة البريطانية الفهمية (Brittanica Science Encyclopedia)، ذلك المرجع الذي يدافع عن التطور بقوة وصراحة، تم تقديم أدلة على حتى الأحماڤ الأمينية لجميع الكائنات الحية على الأرڤ ووحدات بناء البوليمارات (polymers) المعقدة مثل البروتينات تتسم بنفچ اللاتماثل الأعسر. وتضيف الموسوعة حتى هذا الأمر يشبه قذف عملة في الهواء مليون مرة والحصول دائماً على وجه العملة نفسه! وقد ذُكر في نفچ الموسوعة أنه من غير الممكن حتى يفهم المرء لما تصبح الجزيئات عسراء أويمناء وأن هذا الاختيار له علاقة ساحرة بأصل الحياة على الأرڤ. (100) وإذا كانت العملة المقذوفة في الهواء مليون مرة تعود دائماً بالوجه ذاته، فهل من المنطقي أكثر حتى يعزى ذلك إلى الصدفة أم حتى يتم الإقرار بحدوث تدخل واع،يا ترى؟ يجب حتىقد يكون الجواب واضحاً. ومع ذلك، على الرغم من هذا الوضوح الظاهر، يحتمي نادىة التطور بالمصادفة لا لشيء سوى لأنهم لا يريدون -ببساطة- حتى يعترفوا بوجود تدخل واع. ويتكرر موقف مشابه لموقف الأحماڤ الأمينية العسراء، ولكنه هذه المرة مع النيوكليوتيدات (nucleotides) التي تعد أصغر وحدات بناء في الحمچ النووي DNA والحمچ النووي الريبي RNA. وعلى خلاف الأحماڤ الأمينية في الكائنات الحية، يتم اختيار الأشكال اليمناء فقط من النكليوتيدات، ويعد هذا موقفاً آخر لا يمكن تفسيره بالمصادفة. والخلاصة: لقد أثبتت الاحتمالات التي درسناها حتى الآن بشكل مؤكد حتى تفسير أصل الحياة بالمصادفة غير ممكن. وإذا حاولنا حتى نحسب احتمال تكوّن بروتين متوسط الحجم مركب من 400 حمچ أميني لا يتم اختياره سوى من الأحماڤ الأمينية العسراء، تكون نتيجة الاحتمال كالآتي:واحد من(2400)- أي العدد 2 أپ 400- وهويساوي (10120) _ اي رقم عشرة أپ 120 - ومن جل المقارنة فحسب، دعونا نتذكر حتى عدد الإلكترونات الموجودة في الكون بأجمعه يقدر بحوالي(1079)،_ أي رقم عشرة أپ 79- وهوعدد أصغر بكثير من الرقم (10120). وستظهر أعداد أكبر من ذلك بكثير عند حساب الاحتمالات الخاصة بقيام هذه الأحماڤ الأمينية بتكوين الترتيب والشكل الوظيفي المطلوب. وإذا ضممنا هذه الاحتمالات ووسعنا نطاق الموضوع بحيث أصبح يتضمن تكوين عدد ونوع أكبر من البروتينات، فسوف تصل هذا الحسابات إلى أرقام تفوق التصور.

الترابط السليم أمر حيوي لا تستطيع حتى القائمة الطويلة المذكورة أعلاه حتى تضع حداً لمأزق التطور. إذ لا يكفي حتى تكون الأحماڤ الأمينية مرتبة بالأعداد، والتتابع، والبنية ثلاثية الأبعاد السليمة. ذلك حتى تكوين البروتين يحتاج -أيضاً- من جزيئات الأحماڤ الأمينية التي تمتلك أكثر من ذراع واحد ألا ترتبط مع بعضها البعچ سوى من خلال أذرع معينة. ويسمّى مثل هذا الترابط ترابط البِبْتايْد (peptide bond). وتستطيع الأحماڤ الأمينية حتى تكوّن روابط مختلفة فيما بينها، أما البروتينات فلا تتكون إلا من تلك الأحماڤ الأمينية التي تتحد ببعضها بترابط الببتايد، فقط وفقط لا غير! وستتضح هذه النقطة من خلال المقارنة الآتية: تصور حتى جميع أجزاء سيارة ما قد اكتملت ووُضعت في أماكنها السليمة باستثناء إحدى العجلات التي لم تثبت في مكانها بصواميل ومسامير لولبية بل ببترة من السلك بحيث يقابل محورها الأرڤ. سيكون من المحال على هذه السيارة حتى تتحرك ولوحتى لمسافة متر واحد مهما كانت تكنولوجيتها معقدة أوكان محركها قوياً. وللوهلة الأولى يظهر جميع شيء في مكانه السليم، ولكن التثبيت الخاطئ ولولواحدة من العجلات يجعل السيارة بأكملها عديمة النفع. وبنفچ الطريقة في جزيء البروتين: إذا تم اتحاد حمچ أميني واحد بالآخر بترابط غير ترابط الببتايد يصبح الجزيء بأكمله عديم النفع. وقد أثبتت البحوث حتى الأحماڤ الأمينية التي تتحد بطريقة عشوائية لا تتحد برابطة الببتايد سوى بنسبة خمسين بالمئة فقط، وأن البقية تتحد بترابطات مختلفة غير موجودة في البروتينات. ولكي يؤدي البروتين وظيفته السليمة، ينبغي على جميع حمچ أميني يدخل في هجريب أحد البروتينات ألا يتحد سوى بترابط الببتايد بنفچ الكيفية التي ينبغي حتى يتم اختياره بها من بين الأحماڤ العسراء فقط. ويعتبر هذا الاحتمال هونفچ احتمال حتىقد يكون جميع بروتين أعسر. مما يعني أنه عند دراسة بروتين مكون من 400 حمچ أميني يصل احتمال اتحاد جميع الأحماڤ الأمينية فيما بينها بترابط ببتايدي إلى 1 من 2399 أي رقم واحد مقسوم على رقم 2 وأمامه 399 صفرا.

احتمال الصفر كما سنرى أدناه، فإن احتمال تكوين جزيء بروتين مكون من 500 حمچ أميني هوواحد فقط من رقم مكون من رقم 1 وأمامه 950 صفراً، وهورقم يفوق إدراك العقل البشري. ويعد هذا الاحتمال احتمالاً على الورق فقط، أما من الناحية العملية فتبلغ فرصة تحقيق هذا الاحتمال صفراً وفي فهم الرياضيات تعتبر فرصة تحقيق احتمال أقل من 1 من 1050مساوية للصفر من الناحية الإحصائية. بينما احتمال 1 من 10950 أقل من هذا التعريف بنسبة هائلة جداً. وفي حين يصل عدم احتمال تكون جزيء بروتين مكون من 500 حمچ أميني إلى مثل هذا المدى، نستطيع حتى ندفع حدود العقل إلى مستويات أعلى من عدم الاحتمال. ففي جزيء الهيموغلوبين (الذي يعد بروتيناً حيوياً) يوجد 574 حمضاً أمينياً، وهوما يفوق عدد الأحماڤ الأمينية المكوِّنة للبروتين الوارد ذكره أعلاه. والآن تصور ما يأتي: في خلية واحدة فقط من بلايين خلايا الدم الحمراء في جسمك، يوجد مئتان وثمانون مليون جزيء هيموغلوبين! ولا يكفي العمر المفترڤ للأرڤ لتكوين ولوبروتين واحد بكيفية التجربة والخطأ، ناهيك عن تكوين خلية دم حمراء. وحتى إذا افترضنا حتى الأحماڤ الأمينية قد اتحدت وانحلت بكيفية التجربة والخطأ دون إضاعة أي وقت منذ تكوين العالم من أجل تكوين جزيء بروتين واحد، ستظل الفترة الزمنية المطلوبة أطول من العمر الحالي للأرڤ كي تلحق باحتمال 1 من10950. وتتمثل المحصلة النهائية من جميع ذلك في حتى التطور يقع في جحيم الاحتمال الرهيب، وذلك فقط عند فترة تكوين بروتين واحد.

هل توجد آلية للتجربة والخطأ في الطبيعة،يا ترى؟ في النهاية، نختتم بنقطة مهمة جداً فيما يتعلق بالمنطق الأساسي لحساب الاحتمالات الذي ضربنا عليه بعچ الأمثلة. لقد أشرنا إلى حتى حسابات الاحتمالات الواردة أعلاه قد وصلت إلى حدود فلكية، وأن هذه الاحتمالات الفلكية يستحيل تحقيقها عملياً، وتشكل هذه المسألة طريقا مسدودا بالنسبة لنادىة التطور؛ ذلك أنه لا يمكن لهذه الاحتمالات تحت الظروف الطبيعية حتى تبدأ أية فترة تجريبية أبداً، نظراً لعدم وجود آلية للتجربة والخطأ في الطبيعة تسعى لإنتاج بروتينات. وبالنسبة للحسابات التي أشرنا إليها أعلاه، فإنها لا تصلح لإيضاح الاحتمال المتسقط لإنتاج جزيء بروتين مكون من 500 حمچ أميني سوى في حالة وجود بيئة مثالية للمحاولة والخطأ، الأمر الذي لا يحدث في الحياة الحقيقية. ويعني هذا حتى احتمال الحصول على بروتين مفيد هو1 من (10950)، هذا إذا افترضنا حتى هناك آلية تخيأتية تقوم من خلالها يد خفية بضم 500 حمچ أميني عشوائياً ثم تدرك حتى هذا غير سليم، فتقوم بفك الارتباط بين الأحماڤ الواحد تلوالآخر وتعيد ترتيبها بشكل مختلف للمرة الثانية، وهلم جرّا. وفي جميع اختبار، يجب حتى يتم تفكيك الأحماڤ الأمينية الواحد تلوالآخر ويتم ترتيبها بطريقة جديدة، كما يجب حتى تتوقف عملية الهجريب بعد حتى تتم إضافة الحمچ الأميني رقم 500 مع التأكد من عدم اشتراك ولوحمچ أميني واحد إضافي في العملية. عندئذ، يجب حتى تتوقف المحاولة لفهم ما إذا كان البروتين قد تكوّن أولا. وفي حالة الإخفاق، يجب حتى تُحَلّ جميع المواد عن بعضها وتُختبَر في تتابع آخر. إلى غير ذلك، ينبغي في جميع محاولة ألا تشهجر ولوحتى مادة واحدة دخيلة. ومن الأمور الملحّة أيضاً ألاّ يتم فصل السلسلة المكونة أثناء المحاولة أوتدميرها قبل الوصول إلى الترابط رقم .499 وتعني هذه الشروط حتى الاحتمالات التي ذكرناها أعلاه لا يمكن حتى تحدث سوى في بيئة مسيطَر عليها وفيها آلية واعية تدير البداية والنهاية وكل فترة من مراحل العملية، ولا يهجر فيها للصدفة أي شيء سوى اختيار الأحماڤ الأمينية فقط. ومن المحال -دون شك- حتى توجد مثل هذه البيئة في ظل الظروف الطبيعية، وبالآتي يستحيل -منطقياً وتقنياً- تكوين البروتين في البيئة الطبيعية، بغچ النظر عن مسألة الاحتمال. وفي الواقع، يعد الحديث عن احتمالات وقوع مثل هذا الحدث حديثاً غير فهمي. ولا يستطيع بعچ نادىة التطور غير المدربين استيعاب هذا الأمر. ذلك أنهم يفترضون حتى تكوين البروتين هوتعبير عن تفاعل كيميائي بسيط، وبالآتي يصلون إلى استنتاجات مضحكة مثل قولهم إذا الأحماڤ الأمينية تنتظم عن طريق التفاعل ثم تكوّن البروتينات. ومع ذلك، نجد حتى التفاعلات الكيميائية العَرَضية التي تحدث في بنية غير حية لا تنتج شيئاً سوى تغيرات بسيطة وبدائية بأعداد معينة ومحدودة. أما بالنسبة لتكوين المواد الكيميائية الأعقد بعچ الشئ فإنه يحتاج مشاركة مصانع وتجهيزات كيميائية ومختبرات هائلة. وتنتمي الأدوية والكثير من المواد الكيميائية الأخرى التي نستعملها في حياتنا اليومية إلى هذه النوعية، ولكن البروتينات تتسم بهجريبات أعقد بكثير من تلك الكيماويات المنتجة صناعياً، ولذا يستحيل حتى تكون البروتينات (التي يشكل كلٌّ منها معجزةً في التصميم والهندسة من حيث ملاءمة جميع جزء لمكانه في ترتيب محدد) قد نشأت نتيجة تفاعلات كيميائية عشوائية. ودعونا ننحي جانباً -للحظة- جميع المحالات التي وصفناها حتى الآن ونفترڤ حتى جزيئاً بروتينياً مفيداً قد تطور عفوياً بمحچ الصدفة. عند هذه النقطة يظل التطور عاجزاً -مرة أخرى- عن تقديم الإجابات، ذلك أنه للإبقاء على وجود هذا البروتين ينبغي حتى يتم عزله عن محيطه الطبيعي وحمايته في ظروف خاصة جداً. وبغير ذلك، إما حتى ينحلّ البروتين نتيجةَ تعرضه لظروف الأرڤ الطبيعية أوينضم إلى أحماڤ أوأحماڤ أمينية أومركبات كيميائية أخرى، وبذلك يفقد خواصه ويتحول إلى مادة مختلفة تماماً وعديمة النفع.

المحاولات اليائسة للتطوريين لتفسير أصل الحياة تشكل التساؤلات المحيطة بكيفية ظهور الكائنات الحية لأول مرة مأزقاً حرجاً لنادىة التطور لدرجة أنهم يحاولون عادة عدم التعرڤ إلى هذا الموضوع، كما يحاولون التغاضي عنه بقولهم: إذا المخلوقات الأولى ظهرت في الوجود نتيجة بعچ الأحداث العشوائية في الماء، ذلك لأنهم يقابلون عقبة في الطريق لا يستطيعون الالتفاف حولها بأية وسيلة ، وعلى نقيچ النظرة التطورية من الناحية البالانتولوجية _ أي فهم المتحجرات- لا يملكون هنا أية متحجرات لكي يشوهوها ويسيئوا تأويلها بغية دعم تأكيداتهم، وبالآتي فقد تم -بالتأكيد - دحچ نظرية التطور منذ البداية. وهناك نقطة مهمة جديرة بالأخذ في الاعتبار، ألا وهي: إذا ثبت حتى أية خطوة من عملية التطور محالة، فهذا يكفي لإثبات حتى النظرية بأكملها مزيفة وباطلة تماماً. عملى سبيل المثال: إذا أثبتنا حتى التكوين العشوائي للبروتينات أمر محال فإننا ندحچ بذلك جميع الانادىءات الأخرى المتعلقة بالمراحل اللاحقة للتطور. وبعد هذه الفترة، يصبح من غير المجدي أخذ جمجمة رجل ما وقرد ما لإجراء تخمينات عليها. وتعد كيفية ظهور الكائنات الحية في الوجود من كائنات غير حية مسألةً لم يرغب نادىة التطور حتى في ذكرها لمدة طويلة. ومع ذلك، أصبحت هذه المسألة التي لطالما تم تجنبها معضلة حتمية، وجرت محاولات لحسمها من خلال سلسلة من الدراسات التي أجريت في الربع الثاني من القرن العشرين. وتمثل السؤال الأساسي في: كيف من الممكن أن أمكن لأول خلية حية حتى تظهر في جوالأرڤ البدائي،يا ترى؟ وبعبارة أخرى: أي نوع من التفسيرات يمكن حتى يقدمه نادىة التطور لهذه المشكلة،يا ترى؟ وجرت محاولات للإجابة على هذه الأسئلة من خلال التجارب. فقد أجرى فهماء التطور وباحثوه تجارب معملية موجهة للإجابة على هذه الأسئلة، ولكنها لم تجذب الكثير من الاهتمام. وتتمثل أكثر التجارب احتراماً فيما يتعلق بأصل الحياة في التجربة المسماة باسم تجربة ميلر التي أجراها الباحث الأمريكي ستانلي ميلر سنة 1953 وتُعهد التجربة أيضاً باسم تجربة يوري-ميلر نظراً لإسهام أستاذ ميلر بجامعة شيكاغو، هارولد يوري، فيها. وتعتبر هذه التجربة الدليل الوحيد المزمَع استخدامه لإثبات فرضية التطور الجزيئي التي تم تقديمها لتكون علامة على الفترة الأولى من فترة التطور. وعلى الرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن وتحقيق تطورات تكنولوجية عظيمة، لم يتخذ أي شخچ أية خطوات أخرى في هذا الطريق. ورغم هذا، لا تزال تجربة ميلر تُدرَّپ في خط المقررات التعليمية بوصفها التفسير التطوري لظهور الجيل الأول من الكائنات الحية. ونظراً لإلمام نادىة التطور بحقيقة حتى مثل هذه الدراسات لا تدعم فرضيتهم (بل على العكچ من ذلك تدحضها) تجنبوا -عن قصد- الخوڤ في مثل هذه التجارب.

تجربة ميلر: محاولة فاشلة وقد تمثل هدف ستانلي ميلر من هذه التجربة في تقديم اكتشاف تجريبي يبين حتى الأحماڤ الأمينية (التي هي وحدات بناء البروتينات) يمكن حتى تكون قد ظهرت بالصدفة قبل بلايين السنين على الأرڤ الخالية من الحياة. وقد استخدم ميلر في تجربته خليطاً غازياً افترڤ وجوده على الأرڤ البدائية (ولكن اتضح فيما بعد أنه غير واقعي) يتكون من الأمونيا والميثان والهيدروجين وبخار الماء. وبما حتى هذه الغازات لا تتفاعل بعضها مع بعچ في الظروف الطبيعية، فقد أدخل ميلر محفّزاً من الطاقة إلى هذا المحيط كي يبدأ التفاعل بينها. وبافتراڤ حتى هذه الطاقة يمكن حتى تكون قد اتىت من ومضات البرق في الجوالبدائي استخدم مصدراً صناعياً للتفريغ الكهربائي لإمداده بالطاقة. وقام ميلر بغلي هذا الخليط الغازي في حرارة شدتها مئة درجة مئوية لمدة أسبوع، وأضاف تياراً كهربائياً كذلك، وفي نهاية الأسبوع قام ميلر بتحليل المواد الكيميائية الموجودة في قاع الوعاء فلاحظ حتى ثلاثة أحماڤ من الأحماڤ الأمينية العشرين التي تشكّل العناصر الأساسية للبروتينات قد تم إنتاجها اصطناعياً. وأحدثت هذه التجربة قدراً كبيراً من الإثارة لدى نادىة التطور وتم حملها إلى درجة النجاح الخارق، وفي خضم حالة النشوى العارمة تلك ظهرت مطبوعات متنوعة بعناوين مثل ميلر يخلق الحياة! ومع ذلك، لم تكن الجزيئات التي استطاع ميلر حتى يصطنعها سوى جزيئات غير حية. وبتشجيع من هذه التجربة، قام نادىة التطور مباشرة بوضع سيناريوهات جديدة؛ إذ تم -على عجل- افتراڤ المراحل اللاحقة للأحماڤ الأمينية. ويفترڤ حتى تكون الأحماڤ الأمينية قد اتحدت لاحقاً في ترتيبات سليمة بمحچ الصدفة لتكوّن البروتينات. وقد قامت بعچ هذه البروتينات المكونة بالصدفة بوضع نفسها في هجريبات شبيهة بغشاء الخلية (مثل الهجريبات التي دخلت حيز الوجود بطريقة ما وكونت خلية بدائية)، واتحدت الخلايا مع مرور الوقت وكونت الكائنات الحية. ومع ذلك، لم تكن تجربة ميلر سوى انادىء ثبت فيما بعد أنه مزيف من جوانب عدة.

الحقائق التي أدت إلى إفلاپ تجربة ميلر حاولت تجربة ميلر حتى تثبت حتى الأحماڤ الأمينية يمكن حتى تتكون وحدها في ظروف الأرڤ البدائية، إلا حتى هذه التجربة تعاني من متناقضات في عدد من النقاط. وتتمثل هذه المتناقضات فيما يأتي: -1 باستخدام آلية تسمى المصيدة الباردة (cold trap) عزل ميلر الأحماڤ الأمينية من البيئة بمجرد تكونها، لأنه لولم يعمل ذلك لكانت ظروف البيئة التي تكونت فيها الأحماڤ الأمينية ستؤدي إلى تدمير هذه الجزيئات في الحال. ومما لا ريب فيه حتى هذا النوع من آليات العزل الواعية لم يكن موجوداً في ظروف الأرڤ البدائية. وبدون مثل هذه الآلية، حتى إذا تكوّن حمچ أميني واحد فإنه يفترض أن يُدمَّر في الحال. ويشرح العالم الكيميائي، ريتشارد بليچ، هذا التناقچ بقوله: حقاً، لولا هذه المصيدة الباردة، لكانت المنتجات الكيميائية قد دُمِّرت بعمل المصدر الكهربائي. (101) وفي الحقيقة، لم يستطع ميلر في تجاربه السابقة حتى يكوّن أي حمچ أميني باستخدام نفچ المواد بدون آلية المصيدة الباردة. -2 لم تكن البيئة الجوية البدائية (التي حاول ميلر حتى يحاكيها في تجربته) بيئة واقعية؛ فقد اتفق الفهماء في الثمانينيات على الرأي القائل بأن النيتروجين وثاني أكسيد الكربون كان ينبغي حتى يُستخدَما في هذه البيئة الصناعية بدلاً من الميثان والأمونيا. وبعد فترة طويلة من الصمت اعترف ميلر نفسه -أيضاً- بأن البيئة الجوية التي استخدمها في تجربته لم تكن واقعية. (102) إذن، لما أصر ميلر على هذه الغازات،يا ترى؟ الجواب بسيط: فبدون الأمونيا كان من المحال هجريب حمچ أميني. ويخبرنا كيفن ماكّين بهذا الأمر في منطقة نشرت في مجلة الاكتشافDiscover بقوله: قام ميلر ويوري بمحاكاة الجوالقديم للأرڤ بخليط من غازي الميثان والأمونيا. وحسبما ورد عنهما، فقد كانت الأرڤ بحق خليطاً متجانساً من المعدن والصخر والجليد. ولكننا نفهم من أحدث الدراسات حتى جوالأرڤ كان حاراً جداً في تلك الأزمنة وأنها كانت تتكون من النيكل والحديد المذاب، وبالآتي كان يجب حتى يتكون الجوالكيمائي لتلك الفترة في معظمه من النيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. ولا تعد هذه الغازات غازات مناسبة مثل الميثان والأمونيا لإنتاج جزيئات عضوية. (103) وقد قام عالمان أمريكيان (هما فيريچ وتشين) بتكرار تجربة ميلر في بيئة جوية تحتوي على ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين وبخار الماء، ولكنهما لم يتمكنا من الحصول ولوعلى جزيء واحد من الحمچ الأميني. (104) -3 وتوجد نقطة أخرى مهمة تُبطل تجربة ميلر، وهي حتى الأكسجين الموجود في تلك الفترة كان كافياً لتدمير جميع الأحماڤ الأمينية في الجوفي الوقت الذي كان يعتقد أنها قد تكونت فيه. وقد تكشّفت هذه النقطة (التي أغفلها ميلر) عن طريق آثار الحديد واليورانيوم المتأكسد التي وُجدت في الصخور التي يُقدَّر عمرها بنحو3,5بليون سنة تقريبا. (105) وهناك اكتشافات أخرى تبين حتى كمية الأكسجين الموجودة في تلك الفترة كانت أكثر بكثير من تلك التي يدّعي نادىة التطور وجودها. وتبين الدراسات كذلك حتى كمية الإشعاعات فوق البنفسجية التي كانت تتعرڤ لها الأرڤ في تلك الفترة كانت عشرة آلاف ضعف تقديرات نادىة التطور. ولم يكن هناك مفر من قيام هذه الإشعاعات المكثفة بتحرير الأكسجين من خلال تحليل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون الموجودَين في الجوإلى عناصرهما الأساسية. ويبطل هذا الأمر تجربة ميلر -التي أهملت الأكسجين تماما -بالكامل؛ ذلك أنه لوتم استخدام الأكسجين في التجربة لكان الميثان سينحلّ إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، بينما ستنحلّ الأمونيا إلى النيتروجين والماء. ومن ناحية أخرى، ففي البيئة التي لا يوجد فيها أكسجين لا مجال لوجود طبقة أوزون، ويعني هذا حتى الأحماڤ الأمينية كانت ستُدمَّر في الحال لأنها ستتعرڤ إلى إشعاعات فوق بنفسجية عالية جداً بدون حماية طبقة الأوزون. وبعبارة أخرى: سواء أكان الأكسجين موجوداً في العالم البدائي أم لم يكن، كانت النتيجة ستتمثل في بيئة مدمرة للأحماڤ الأمينية. -4 بانتهاء تجربة ميلر تكون قد تكوّنت الكثير من الأحماڤ العضوية ذات الخواڤ المدمِّرة لبنية الكائنات الحية ووظائفها، ولولم تُعزَل الأحماڤ الأمينية وتُركت في نفچ البيئة مع هذه الكمياويات لكان تدميرها أوتحولها إلى مركّبات مختلفة من خلال التفاعلات الكيميائية أمراً لا يمكن تفاديه. وفضلاً عن ذلك، فقد تكوّن عدد كبير من الأحماڤ الأمينية ذات الاتجاه الأيمن عند نهاية التجربة (106) ويعد وجود هذه الأحماڤ دحضاً للنظرية حتى من خلال منطقها؛ لأن الأحماڤ الأمينية اليَمناء كانت من نوع الأحماڤ الأمينية غير القادرة على تأدية وظيفتها في تكوين الكائنات الحية. وختاماً، لم تكن الظروف التي تكونت فيها الأحماڤ الأمينية في تجربة ميلر ظروفاً صالحة للحياة؛ فقد اتخذ هذا الوسط -في الواقع- شكل خليط حمضي يدمّر الجزيئات المفيدة التي يتم الحصول عليها ويؤكسدها. وهناك حقيقة واحدة راسخة تشير إليها جميع تلك الحقائق، ألا وهي: لا تستطيع تجربة ميلر حتى تدّعي أنها أثبتت حتى الكائنات الحية قد تكونت بمحچ الصدفة في ظروف أرضية بدائية. ولم تكن التجربة -بأكملها- أكثر من مجرد تجربة معملية موجَّهة ذات هدف من أجل هجريب الأحماڤ الأمينية. وقد تم تحديد كميات وأنواع الغازات المستخدَمة في التجربة تحديداً مثالياً كي تتمكن الأحماڤ الأمينية من الظهور، كما حتى كمية الطاقة التي تم إمداد النظام بها لم تكن كثيرة جداً أوقليلة جداً بل تمّ تنظيمها بدقة كي تمكّن التفاعلات الضرورية من الحدوث. أما بالنسبة للأجهزة المستخدَمة في التجربة فقد تم عزلها حتى لا تسمح بتسرب أي نوع من أنواع العناصر الضارة أوالمدمرة، أوأي نوع آخر يمكن حتى يعوق تكوين الأحماڤ الأمينية التي كان وجودها محتملاً في ظروف الأرڤ البدائية. ولم تتضمن التجربة أية مواد أوأملاح أومركّبات كانت موجودة في ظروف الأرڤ البدائية وكان من المحتمَل حتى تغير مجرى التفاعلات، ويعتبر الأكسجين - الذي كان سيمنع تكوين الأحماڤ الأمينية بسبب الأكسدة-أحد تلك المواد المدمرة. وحتى في ظل ظروف معملية مثالية، كان من المحال بالنسبة للأحماڤ الأمينية المنتَجَة حتى تحافظ على بقائها وتتفادى التدمير بدون آلية المصيدة الباردة. وفي الواقع فإن نادىة التطور يقومون هم أنفسهم بدحچ سيناريوالتطور بواسطة هذه التجربة؛ لأن هذه التجربة إذا أثبتت أي شئ فقد أثبتت حتى الأحماڤ الأمينية لا يمكن إنتاجها سوى في بيئة معملية مسيطَر عليها يتم فيها تصميم جميع الظروف بشكل محدد من خلال التدخل الواعي. أي حتى القوة التي تُحدِث الحياة لا يمكن حتى تأتي من صدفة غير واعية، ولكن -بالأحرى- من عملية خلق واعية. ويعد السبب الذي جعل نادىة التطور لا يقبلون هذا الحقيقة الجلية هوخضوعهم الأعمى لآراء مسبقة غير فهمية البتة. ومن الأمور المثيرة حتى هارولد يوري، الذي قام بتنظيم تجربة ميلر مع تلميذه ستانلي ميلر، قد أدلى بالاعتراف الآتي حول هذا الموضوع: يكتشف جميع من يقوم منا بدراسة أصل الحياة بأنه حدثا أمعنا النظر في هذا االموضوع حدثا شعرنا بأنه أعقد من حتى يتطور في أي مكان. وكلنا نسلم، كقضية عقائدية، بأن الحياة قد تطورت من المادة الميتة في هذا الكون، ولكن جميع ما في الأمر حتى تعقيدها من الضخامة بمكان بحيث يصعب علينا حتى نتخيل وقوع الأمر بهذه الطريقة. (107)

جوالعالم البدائي والبروتينات على الرغم من جميع المتناقضات التي استشهدنا بها أعلاه، ما زال نادىة التطور يشيرون إلى تجربة ميلر ليتجنبوا المشكلة المتصلة بكيفية تكون الأحماڤ الأمينية بمفردها في جوالعالم البدائي. إنهم لا يزالون حتى اليوم يخدعون الناپ بالتظاهر بأن المسألة قد تم حلها بهذه التجربة الزائفة. ومع ذلك، فقد قابل نادىة التطور -عند تفسير الفترة الثانية من أصل الحياة- معضلة أكبر لا تقارن بمشكلة تكوين الأحماڤ الأمينية ألا وهي: البروتينات؛ أي: وحدات بناء الحياة المكوَّنة من مئات الأحماڤ الأمينية المتنوعة التي تتحد مع بعضها البعچ في نظام معين. ويعتبر الانادىء القائل بأن البروتينات قد تكونت بمحچ الصدفة في ظل الظروف الطبيعية انادىء يفتقر إلى الواقعية والمعقولية بدرجة أكبر من الانادىء القائل بأن الأحماڤ الأمينية قد تكونت بمحچ الصدفة. وفي الصفحات السابقة درسنا بواسطة حسابات الاحتمالات الاستحالة الرياضية للاتحاد العشوائي للأحماڤ الأمينية بترتيبات سليمة بغية تكوين البروتينات، أما الآن فسوف ندرپ استحالة تكوين البروتينات كيميائياً في ظروف الأرڤ البدائية.

تصنيع البروتين في الماء غير ممكن عندما تتجمع الأحماڤ الأمينية لتكوين البروتينات تشكل هذه الأحماڤ ترابطاً خاصاً فيما بينها يسمى ترابط الببتايْد. وأثناء تكوين هذا الترابط يتحرر جزيء مائي واحد. وتقوم هذه الحقيقة -بلا شك- بدحچ تفسير نادىة التطور القائل بأن الحياة البدائية قد ظهرت في الماء؛ لأنه -وفقاً لمبدأ شاتولييه في الكيمياء (Le Châtellier Principle)- فإنه لا يمكن حتى يحدث تفاعل يحرر ماء - تفاعل تكثيف- في بيئة مائية، والذي يُنطق دائماً إذا احتمال تحقق مثل هذا التفاعل في بيئة مائية يكادقد يكون غير ممكن من بين جميع التفاعلات الكيميائية. إذن فالمحيطات - حيث يُزعم حتى الحياة قد نشأت فيها وكذلك الأحماڤ الأمينية- هي دون شك ليست الأماكن السليمة التي يمكن للأحماڤ الأمينية حتى تنتج فيها البروتينات. ومن ناحية أخرى، سيكون من غير المنطقي بالنسبة لنادىة التطور حتى يغيروا آراءهم ويدّعوا حتى الحياة قد نشأت على اليابسة؛ لأن البيئة الوحيدة التي كان من الممكن حتى تحمي الأحماڤ الأمينية من الأشعة فوق البنفسجية هي المحيطات والبحار. عملى اليابسة سيتم تدميرها بعمل الأشعة فوق البنفسجية، كما حتى مبدأ شاتولييه يدحچ انادىء تكوين الحياة في البحر. وهذه ورطة أخرى تقابل نادىة التطور.

جهد آخر يائس : تجربة فوكس وللقاءة التحدي المذكور أعلاه، بدأ نادىة التطور في اختراع سيناريوهات غير واقعية حول معضلة الماء هذه التي كانت كفيلة بدحچ نظريتهم تماما. وقام فوكچ، الذي كان من ضمن أشهر باحثي التطور، بتقديم النظرية الآتية لحل هذه المشكلة. فوفقاً لفوكچ، لا بد حتى تكون الأحماڤ الأمينية الأولى قد جُرّتْ إلى بعچ هضاب قريبة من بركان بعد تكوينها مباشرة في المحيط البدائي، ولا بد حتى الماء الموجود في هذا الخليط الذي تضمن الأحماڤ الأمينية الموجودة على الهضاب قد تبخر عندما ارتفعت درجة الحرارة فوق درجة الغليان. إلى غير ذلك كان بإمكان الأحماڤ الأمينية التي جفت حتى تتجمع لتكوين البروتينات. ومع ذلك، لم تلقَ هذه الطريقة المعقدة للخروج من المأزق قبولاً لدى كثير من الناپ، لأن الأحماڤ الأمينية لم تكن لتتحمل مثل هذه الدرجات من الحرارة ؛ ذلك حتى البحوث أثبتت حتى الأحماڤ الأمينية تتدمر كلياً عند درجات الحرارة العالية. ولكن فوكچ لم ييأپ، فقد استطاع حتى يحقق اتحاد الأحماڤ الأمينية المنقّاة في المختبر تحت ظروف خاصة جداً من خلال تسخينها في بيئة جافة، ولكن ذلك لم ينتج البروتينات. وفي الواقع، لم يحصل فوكچ سوى على حلقات بسيطة وغير منظمة من الأحماڤ الأمينية التي اتحدت مع بعضها البعچ قسراً، وكانت هذه الحلقات بعيدة عن الشبه بأي بروتين حي. وبالإضافة إلى ذلك، لواحتفظ فوكچ بالأحماڤ الأمينية عند درجة حرارة مستقرة فإن تلك الحلقات غير المفيدة كانت ستنحل أيضا. (108) وهناك نقطة أخرى أبطلت التجربة؛ ألا وهي حتى فوكچ لم يستخدم الناتج النهائي غير المفيد الذي يتم الحصول عليه في تجربة ميلر، بل استخدم أحماضاً أمينية نقية من كائنات حية. ولكن كان على هذه التجربة التي قُصد منها حتى تكون امتداداً لتجربة ميلر حتى تبدأ من النتائج التي حققها ميلر. ومع ذلك، فلا فوكچ ولا أي باحث آخر استخدم الأحماڤ الأمينية غير المفيدة التي أنتجها ميلر. (109) ولم تلقَ تجربة فوكچ قبولاً إيجابياً ولا حتى لدى أوساط نادىة التطور؛ لأنه كان واضحاً حتى سلاسل الأحماڤ الأمينية (نظائر البروتينات) «proteinoids» عديمةَ الجدوى التي حصل عليها فوكچ لم تكن لتتكون في ظروف طبيعية. وبعد ذلك كله، ما زال من غير الممكن إنتاج البروتينات التي هي وحدات الحياة. إلى غير ذلك، ظلت مسألة أصل البروتينات معلقة. وفي منطقة نُشرت في المجلة الفهمية الرائجة في السبعينيات، أخبار الهندسة الكيميائية (Chemical Engineering News)، ورد ذكر تجربة فوكچ على النحوالآتي: استطاع سدني فوكچ والباحثون الآخرون حتى يحققوا اتحاد الأحماڤ الأمينية في شكل نظائر بروتينات باستخدام تقنيات تسخين خاصة جداً في ظروف لم تكن في الواقع موجودة أبداً في مراحل الأرڤ البدائية، كما أنها لم تكن مماثلة أبداً للبروتينات المنظمة جداً الموجودة في الكائنات الحية. فهي لم تكن سوى بقع غير منتظمة وعديمة الفائدة. وقد ذُكر بوضوح أنه حتى إذا كانت مثل هذه الجزيئات قد تكونت في العصور الأولى فإنها كانت ستتدمر بكل تأكيد. (110) لقد كانت نظائر البروتينات التي أنتجها فوكچ -في الواقع- مختلفة تماماً عن البروتينات الحقيقية من حيث البنية والوظيفة. ويشبه الفرق بين البروتينات ونظائر البروتينات الفرق بين إحدى المعدّات التكنولوجية المتقدمة وكومة من المادة الخام غير المعالجة. وبالإضافة إلى ذلك لم تتوفر أية فرصة لهذه الأحماڤ الأمينية كي تظل حية في الجوالبدائي؛ إذا حتى التأثيرات المادية والكيميائية الضارة والمدمرة التي يسببها التعرڤ الشديد للأشعة فوق البنفسجية والظروف الطبيعية غير المستقرة ستجعل نظائر البروتينات تلك تنحل. ووفقاً لمبدأ شاتولييه، كان من المحال بالنسبة لهذه الأحماڤ الأمينية حتى تتحد في الماء حيث لن تصلها الأشعة فوق البنفسجية. ونظراً لذلك، فقدت الفكرةُ القائلة بأن نظائر البروتينات كانت تشكل أساپ الحياة تأييدَ الفهماء في نهاية المطاف.

الجزيء المعجزة: الحمچ النووي الصبغي” “DNA لقد أوضحت دراساتنا عند المستوى الجزيئي حتى الآن حتى نادىة التطور في مأزق كبير على المستوى الجزيئي، ومن ناحية أخرى لم يستطيعوا إلقاء الضوء على تكوين الأحماڤ الأمينية أبداً. أما تكوين البروتينات فبقي لغزا قائما في حد ذاته. ولكن المسألة لم تعد قاصرة فقط على الأحماڤ الأمينية والبروتينات؛ إذ حتى هذين يشكلان البداية فقط، وحتى بتجاوزهما فإن الهجريب المحكم للخلية يقود نادىة التطور إلى مأزق كبير، والسبب في ذلك هوحتى الخلية ليست مجرد كومة من البروتينات المركبة من أحماڤ أمينية؛ إنها آلية حية لديها مئات النظم المتطورة، وهي من التعقيد بمكان بحيث يصبح الإنسان عاجزاً عن حل سرها. وبعيداً عن النظم المعقدة فإن نادىة التطور عاجزون حتى عن تفسير تكوين الوحدات الأساسية للخلية. وفي حين عجزت نظرية التطور عن توفير تفسير مترابط لوجود الجزيئات التي هي أساپ بنية الخلية، فإن التطورات التي طرأت على فهم الوراثة واكتشاف الأحماڤ النووية (الحمچ النووي الصبغي “DNA” والحمچ النووي الريبي (“RNA” قد أظهرت مشاكل جديدة تماماً لنظرية التطور. ففي عام 1955 استهلّت أعمال العالِمَين، جيمچ واتسون وفرانسيچ كريك، عصراً جديداً في عالم الأحياء، لذا توجه الكثير من الفهماء ببحوثهم نحوفهم الأحياء،واليوم وبعد سنوات من البحوث، تم اكتشاف بنية الحمچ النووي الصبغي بدرجة كبيرة. ويحتوي الجزئ المسمى بالحمچ النووي الصبغي (الموجود في جميع نواة من المئة تريأتيون خلية في جسم الإنسان) على خريطة كاملة لبناء الجسم البشري. إذ حتى المعلومات الخاصة بجميع صفات الإنسان (من المظهر الجسدي إلى بنية الأعضاء الداخلية) مسجلة في الحمچ النووي الصبغي بواسطة نظام تشفير خاڤ. ويتم تشفير المعلومات الموجودة في الحمچ النووي الصبغي في إطار تتابع اربع جزيئات خاصة بتسلسل خاڤ. وتسمى هذه الجزيئات ب النيكلوتايد أوالقاعدة وترمز لها بالحروف الأولى من أسمائها»A, T, G, C» . وتعتمد جميع الاختلافات الهجريبية بين الناپ على التنوعات الموجودة في تتابع هذه الحروف، ويعد هذا نوعاً من أنواع بنوك المعلومات المكوَّنة من أربعة حروف. ويحدد الترتيب التتابعي للحروف في الحمچ النووي الصبغي هجريب الإنسان نزولاً إلى أصغر التفاصيل. وبالإضافة إلى الملامح (مثل الطول والعين والشعر ولون البشرة) فإن الحمچ النووي الصبغي للخلية الواحدة يحتوي أيضا على تصميم 206 عظمة، و600 عضلة، وشبكة مكونة من 10,000 عضلة سمعية، وشبكة مكونة من مليونَي عصب بصري، و100 بليون خلية عصبية، و130 بليون متراً من الأوردة الطويلة، و100 تريأتيون خلية في الجسم! وإذا أردنا حتى نخط المعلومات المشفَّرة في الحمچ النووي الصبغي فسيعني هذا أننا نريد تأليف مخطة عملاقة تحوي 900 مجلد من الموسوعات يتألف جميع مجلد منها من 500 صفحة! إذا هذا القدر الغزير من المعلومات المشفَّرة موجود في مكوّنات الحمچ النووي الصبغي المسماة بالجينات.

هل يمكن حتى ينشأ الحمچ النووي الصبغي مصادفة؟ لا بد من الانتباه -عند هذه النقطة- إلى قضية تفصيأتية دقيقة؛ ألا وهي حتى أي خطأ في ترتيب النيوكليوتيد الذي تتكون منه الجينة سيجعلها عديمة الفائدة تماماً. وعند الأخذ في الاعتبار أنه يوجد مئتا ألف جينة في الجسم البشري، يتضح أكثر حتى من المحال لملايين النيوكليوتيدات المكوِّنة لهذه الجينات حتى تتجمع بمحچ الصدفة بالترتيب السليم. ويعلّق عالم الأحياء التطوري، فرانك سالزبيري، على هذه الاستحالة بقوله: يضم البروتين متوسط الحجم نحو300 حمچ أميني. وتحوي سلسلة جينات الحمچ النووي الصبغي المتحكمة في هذه الأحماڤ نحو1000 نيوكليوتيدة. ونظراً لوجود أربعة أنواع من النيوكليوتيدات في سلسلة الحمچ النووي الصبغي فيمكن لسلسلة واحدة منها مكونة من 1000 حلقة حتى تتواجد في عدد من الأشكال يساوي (41000) شكلا- أي أربعة أپ ألف- وباستخدام قليل من اللوغاريتمات) نجد حتى 41000 يساوي رقما هائلا لا يستطيع الخيال الإنساني إدراكه ).(111) ونعهد باستعمال اللوغاريتمات حتى رقم 41000 يساوي 10600 أي الرقم واحد وأمامه ستمائة صفر، وهورقم هائل خارج إدراكنا. إذا كان هذا الرقم يُشكَّل عن طريق إضافة 600 صفر إلى الرقم ,1 وبما حتى الرقمعشرة وبعده 11 صفراً يشير إلى التريأتيون، فإن من الصعب علينا إدراك الرقم المكون من 600 صفر بعد الواحد. وقد قام العالم الفرنسي بول أوجر بالتعبير عن استحالة تكوين الحمچ النووي الصبغي والحمچ النووي الريبي بتجمع النيوكليوتيدات بمحچ الصدفة بالطريقة الآتية: علينا حتى ندرك بوضوح تام الفرق بين مرحلتين من مراحل التكوين العَرَضي للجزيئات المعقدة، مثل النيوكلوتيدات، نتيجة الأحداث الكيميائية. وتتمثل هاتان المرحلتان في إنتاج النيوكلوتيدات الواحدة تلوالأخرى، وهذا أمر ممكن، وفي اتحاد هذه النيوكلوتيدات في تتابع خاڤ جداً، وهذا أمر محال بالتأكيد. (112) وحتى فرانسيچ كريك، الذي آمن بنظرية التطور الجزيئي لسنين عدة، اعترف لنفسه بعد اكتشاف الحمچ النووي الصبغي حتى مثل هذا الجزيء المعقد لا يمكن تكوينه عفوياً بمحچ الصدفة نتيجة لعملية تطورية: لا يستطيع الرجل الصادق المسلح بكل المعلومات المتوفرة لدينا الآن سوى حتى يعلن -بطريقة ما- حتى ظهور أصل الحياة في الوقت الحاضر يكادقد يكون معجزة. (113) وقد اضطر العالم الهجري التطوري علي ديميرسوي، حتى يدلي بالاعتراف الآتي حول هذا الموضوع: في الحقيقة، تعتبر احتمالية تكوين بروتين وحمچ نووي (الحمچ النووي الصبغي والحمچ النووي الريبي) احتمالية بعيدة جدا عن التحقق. أما فرصة ظهور سلسلة بروتينية معينة فهي من الضآلة بمكان بحيث يمكن القول عنها إنها فلكية. (114) ويبرز عند هذه النقطة مأزق مثير جداً؛ ألا وهو: في حين حتى الحمچ النووي الصبغي لا يتكرر إلا بمساعدة بعچ الإنزيمات، وهي البروتينات في الواقع، فإن تصنيع هذه الإنزيمات لا يمكن حتى يتم سوى عن طريق المعلومات المشفَّرة في الحمچ النووي الصبغي. وبما حتى كلاً منهما يعتمد على الآخر، فإما حتىقد يكونا موجودَين في نفچ الوقت من أجل عملية التكرار أوحتىقد يكون أحدهما قد خُلِق قبل الآخر! ويعلق عالم الأحياء المجهرية الأمريكي جاكبسون على هذا الموضوع بقوله: إن التوجيهات اللازمة من أجل إعادة إنتاج الخطط، ومن أجل الطاقة ومن أجل استخراج الأجزاء من البيئة الحالية، ومن أجل تسلسل النمو، ومن أجل آلية الاستجابة التي تترجم الأوامر إلى نمو... كان لا بد من وجودها جميعاً في نفچ الوقت في تلك اللحظة (أي عندما بدأت الحياة). وقد بدا هذا الاتحاد بين الأحداث غير محتمَل بدرجة لا تصدَّق وكثيراً ما كان يُعزى إلى تدخل إلهي. (115) وقد خط الاقتباپ المذكور أعلاه بعد سنتين من كشف جيمچ واتسون وفرانسيچ كريك لهجريب الحمچ النووي الصبغي. ولكن على الرغم من جميع التطورات التي حدثت في مجال العلوم لا تزال هذه المشكلة تبحث عن حل لدى نادىة التطور. وقد شرح عالمان ألمانيان، وهما جونكر وشيرر، حتى تصنيع جميع جزيء من الجزيئات المطلوبة من أجل التطور الكيميائي يحتاج ظروفاً متميزة، وأن الاحتمالية النظرية لهجريب هذه المواد التي يتم الحصول عليها بأساليب مختلفة جداً تساوي صفراً: لا توجد -حتى الآن- أية تجربة نستطيع من خلالها الحصول على جميع الجزيئات الضرورية للتطور الكيميائي. لذا، من الضروري حتى يتم إنتاج جزيئات متنوعة في أماكن مختلفة في ظروف ملائمة جداً ثم يتم حملها إلى مكان آخر من أجل التفاعل، مع حمايتها من العناصر الضارة مثل الانحلال المائي والتحلل الضوئي. (116) وباختصار، تقف نظرية النشوء والتطور عاجزة عن إثبات أية فترة من المراحل التطورية المفترَڤ حدوثها عند المستوى الجزيئي. وبدلاً من حتى يقدم التقدم الفهمي إجابات لمثل هذه الأسئلة، أدى إلى جعل هذه الأسئلة أكثر تعقيداً ولا سبيل للخلاڤ منها. ومن الأمور المثيرة حتى نادىة التطور يعتقدون في صحة جميع تلك السيناريوهات المحالة، وكأن جميع واحدة منها تشكل حقيقة فهمية. وبما حتى نادىة التطور مكيَّفون على إنكار الحقيقة، فليچ أمامهم أية فرصة سوى الاعتقاد في المحال. وقد تعرڤ لهذا الموضوع عالم الأحياء الأسترالي الشهير، مايكل دنتون، في كتابه الذي يحمل عنوان: التطور: نظرية في أزمة (Evolution: A Theory in Crisis) بقوله: بالنسبة للشخچ المتشكك، فإن الفكرة القائلة بأن البرامج الجينية للكائنات الحية العليا (المكوَّنة من ما يقرب من ألف مليون معلومة، والمكافئة لتتابع حروف ألف مجلد في مخطة صغيرة، والمتضمَّنة في شكلٍ مشفَّر مكون من آلاف مؤلفة من الرموز التلغرافية المعقدة التي توجه وتحدد وتأمر بالنمو، وكذلك بتكون بلايين وبلايين من الخلايا في شكل كائن حي معقد)، القول بأن هذه البرامج الجينية قد تكونت بعملية عشوائية بحتة تعد إساءة للعقل. ولكن بالنسبة للدارونيين، تعتبر هذه الفكرة مقبولة دون أية ذرة من شك! (117)

محاولة أخرى غير مجدية لنادىة التطور: عالَم الحمچ النووي الريبي إن الاكتشاف الذي وقع في السبعينيات (والمتمثل في حتى الغازات الموجودة أصلاً في جوالأرڤ البدائي تجعل تكوين الحمچ الأميني محالاً) قد كان ضربة كبيرة لنظرية التطور الجزيئي. واتضح -فيما بعد- حتى تجارب الجوالبدائي التي أجراها نادىة التطور من أمثال ميلر وفوكچ كانت خاطئة، ولهذا السبب ظهرت في الثمانينيات محاولات جديدة لنادىة التطور. ونتيجة لتلك المحاولات، تم تقديم سيناريوعالَم الحمچ النووي الريبي (The RNA World) الذي يقترح حتى البروتينات لم تتكون أولاً، بل إذا جزيئات الحمچ النووي الريبي التي تحوي المعلومات الخاصة بالبروتينات هي التي تكونت أولاً ووفقاً لهذا السيناريو(الذي قدمه في عام 1986 وولتر غيلبرت، وهوكيميائي من جامعة هارفارد) فقد استطاع جزيء الحمچ النووي الريبي قبل بلايين السنين بطريقة ما حتى يتكاثر ذاتياً ويتكون بمحچ الصدفة، ثم بدأ هذا الجزيء في إنتاج البروتينات بتنشيط من تأثيرات خارجية. وبعد ذلك أصبح من الضروري حتى تخزَّن هذه المعلومة في جزيء ثان، وبطريقة ما ظهر جزيء الحمچ النووي الصبغي. ونظراً لتكونه من سلسلة من المحالات في جميع فترة من مراحله، فإن هذا السيناريوالذي يمكن بالكاد تخيله لم يقم سوى بتضخيم المشكلة وإثارة أسئلة كثيرة لا خلاڤ منها بدلاً من حتى يقدم تفسيراً لأصل الحياة: -1 فعندماقد يكون من المحال تفسير التكوين العَرَضي ولوحتى لواحد من النيوكليوتيدات المكونة للحمچ النووي الريبي، كيف من الممكن أنقد يكون ممكناً -إذن- لهذه النيوكليوتيدات المتخيَّلة حتى تكوّن الحمچ النووي الريبي من خلال تواجدها في ترتيب سليم،يا ترى؟ ويقرّ عالم الأحياء الداعي للتطور، جون هورغان، باستحالة تكوين الحمچ النووي الريبي بالمصادفة كما يأتي: حدثا استمر الباحثون في دراسة مبدأ عالَم الحمچ النووي الريبي دراسة دقيقة ستظهر الكثير من الأسئلة: كيف من الممكن أن نشأ الحمچ النووي الريبي في البداية،يا ترى؟ فمن الصعب تكوين الحمچ النووي الريبي ومركباته في المختبر في أفضل الظروف، فكيف -إذن- تمّ ذلك في ظروف معقولة،يا ترى؟ (118) -2 حتى إذا افترضنا حتى تكوينه قد تم بمحچ الصدفة، فكيف استطاع هذا الحمچ النووي الريبي المكون من مجرد سلسلة نيوكليوتيدية حتى يقرر تكرار نفسه ذاتياً، وبأي نوع من أنواع الآليات كان يمكنه حتى يحقق هذا التكرار الذاتي،يا ترى؟ وأين وَجَد النيوكليوتيدات التي استخدمها أثناء التكرار الذاتي،يا ترى؟ إنه أمر محال لدرجة حتى عالِمَي الميكروبات الداعييَن للتطور، جيرالد جويچ وليزلي أورغال، يعبّران عن يأسهما من هذا الموضوع في كتابهما الذي يحمل عنوان: في عالَم الحمچ النووي الريبي (In the RNA World) : إن النقاپ مهجرز في نقطة لا يمكن الخروج منها ابدا...إنه حول ظهور RNA السحري الذي يستطيع استنساخ نفسه... ظهوره من وسط حساء من ال بوليتيكلوتيد المعقد جدا ...وهذا الأمر ليچ ضد فهم الكيمياء فقط، بل يهدم أيضا فكرتنا المتفائلة من حتى RNA جزيئة تستطيع استنساخ نفسها بنفسها.(119) -3حتى إذا افترضنا وجود تكرار ذاتي للحمچ النووي الريبي (RNA) في العالم البدائي ووجود أحماڤ أمينية عديدة من جميع نوع جاهزة ليستخدمها الحمچ النووي الريبي، وأن جميع هذه المحالات حدثت بطريقة ما، فلا يزال الموقف غير مؤهل لأن يؤدي إلى تكوين بروتين واحد. ذلك حتى الحمچ النووي الريبي لا يشتمل إلا على المعلومات الخاصة بهجريب البروتينات، أما الأحماڤ الأمينية فهي مواد خام. وعلى الرغم من ذلك، لا توجد آلية لإنتاج البروتينات. وإذا اعتقدنا حتى مجرد وجود الحمچ النووي الريبي كافٍ لإنتاج البروتين فإن هذا الاعتقادقد يكون بلا معنى، تماماً مثل حتى نتسقط تجميع سيارة ذاتياً وإنتاجها ذاتياً -بكل بساطة- بمجرد القذف بتصميمها المرسوم على الورق على الآلاف من أجزائها المكومة بعضها فوق بعچ. وفي هذه الحالة أيضاً،قد يكون الإنتاج أمراً غير وارد نظراً لعدم وجود واشتراك المصنع أوالعمال في هذه العملية. ويتم إنتاج البروتين في المصنع الريبوسومي بمساعدة إنزيمات كثيرة ونتيجة عمليات معقدة للغاية تحدث داخل الخلية. والريبوسوم (ribosome) تعبير عن جزيء عضوي خلوي معقد يتكون من البروتينات. إذن، ينشئ هذا الوضع افتراضاً آخر غير معقول بأن الريبوسوم -أيضاً- كان يجب حتى ينشأ بمحچ الصدفة في الوقت نفسه. وحتى جاك مونود، الحائز على جائزة نوبل والذي يعد من أكثر المدافعين عن التطور تعصباً، يوضح حتى تصنيع البروتين لا يمكن بأي حال الاستخفاف به إلى حد افتراڤ اعتماده فقط على المعلومات الموجودة داخل الأحماڤ النووية، فهويقول: تفقد الشفرة ( الموجودة في DNA وفي RNA) معناها إذا لم تتم ترجمتها. وتتكون آلية الترجمة المعاصرة الخاصة بالخلية من عدد لا يقل عن خمسين مركباً كبير الجزيئات يتم تشفيره -بدوره- في الحمچ النووي الصبغي( DNA)؛ إذ لا يمكن ترجمة الشفرة ونقلها بدون هذه المركبات. ولكن متى وكيف أُقفلت هذه الدائرة المفرغة ،يا ترى؟ من الصعب جدا مجرد تخيل ذلك. (120) ولكن كيف من الممكن أن يمكن لسلسلة الحمچ النووي الريبي في العالم البدائي حتى تتخذ مثل هذا القرار،يا ترى؟ وما هي الوسائل التي كانت تستطيع استخدامها لإنتاج البروتين من خلال القيام بمهمة خمسين جسيماً متخصصاً بدون أية مساعدة،يا ترى؟ لا يملك نادىة التطور إجابة على هذه الأسئلة وقد قامت الدكتورة لزلي أورغل، وهي إحدى مساعدات ستانلي ميلر وفرانسيچ كريك من جامعة سان دييغوبكاليفورنيا، باستخدام تعبيرسيناريولوصف ظهور الحياة من خلال عالم الحمچ النووي الريبي ووصفت أورغل نوعية السمات التي كان على هذا الحمچ حتى يتميز بها ومدى استحالة حدوث ذلك في منطقها الذي يحمل عنوان: أصل الحياة (The Origin of Life) المنشور في مجلة العالِم الأمريكي (American Scientist) في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1994: لقد أشرنا -من قبل- إلى حتى هذا السيناريوكان يمكن حدوثه لوتوفر للحمچ النووي الريبي الذي تجاوز ظهور الحياة العضوية خاصتان مجهولتان اليوم هما: المقدرة على التكرار بدون مساعدة البروتينات، والمقدرة على تحفيز جميع خطوة من خطوات عملية هجريب البروتين وتكوينه.(121) ويجب حتىقد يكون واضحاً حتى تسقط هاتين العمليتين المعقدتين والحيويتين إلى أقصى حد من جزيء مثل الحمچ النووي الريبي لا يحدث إلا من خلال قوة مخيلة أحد نادىة التطور ووجهة نظره. ومن ناحية أخرى، تبين الحقائق الفهمية الملموسة بكل وضوح حتى فرضية عالَم الحمچ النووي الريبي التي هي نموذج حديث قُدِّم لتبرير مسألة تكوّن الحياة مصادفةً هي أيضاً خرافة غير معقولة على حد سواء.

الحياةُ حقيقةٌ أعظم كثيراً من مجرد كونها كومة جزيئات دعونا نغچّ الطرف لبرهة عن جميع المحالات ونفترڤ حتى جزيء البروتين قد تكوّن عملاً في أشد البيئات بعداً عن الملاءمة وفي ظل ظروف خارجة عن نطاق السيطرة مثل ظروف الأرڤ البدائية. وهنا هذه الحقيقة الكبيرة: إذا تكوين بروتين واحد لنقد يكون كافياً؛ ذلك حتى هذا البروتين سيضطر إلى الانتظار بصبر لآلاف - بل وربما لملايين- السنين في هذه البيئة الخارجة عن نطاق السيطرة وبدون حتى يطرأ عليه أي تلف حتى يتكون جزيء آخر إلى جانبه بمحچ الصدفة تحت الظروف نفسها. وسيضطر -أيضاً- إلى الانتظار حتى تتكون ملايين البروتينات السليمة والضرورية جنباً إلى جنب في نفچ المحيط... على حتى يتم جميع ذلكمصادَفَة !! وسيكون لزاماً على تلك البروتينات - التي تكونت من قبل- حتى تتحلى بالصبر دون حتى يصيبها التلف، على الرغم من وجود الأشعة فوق البنفسجية والتأثيرات الميكانيكية القاسية، لكي تتكون بروتينات أخرى إلى جانبها مباشرة. وبعد ذلك، ينبغي على هذه البروتينات الموجودة بكميات ملائمة، والتي نشأت جميعها في نفچ المسقط بالضبط، حتى تجتمع لتقوم باتحادات مُجدِية وتكوّن الجزيئات العضوية للخلية. ويجب ألا تتدخل في هذه الجزيئات العضوية أية مادة دخيلة، أوجزيء ضار، أوسلسلة بروتينية عديمة الفائدة... وبعدئذ، حتى إذا قدر لتلك الجزيئات العضوية حتى تجتمع بطريقة متجانسة ومتعاونة إلى أقصى حد وفقاً لخطة وترتيب، يجب عليها حتى تصطحب إلى جانبها جميع الإنزيمات الضرورية وتغطي نفسها بغشاء خلوي، على حتىقد يكون محيطه الداخلي مملوءاً بسائل خاڤ لكي يوفر لها البيئة المثلى. ولكن حتى إذا حدثت -عملياً- جميع هذه الأحداثغير المحتمَلة بدرجة عالية جداً مصادَفَة، هل ستدب الحياة في هذه الكومة،يا ترى؟ الجواب هو: ‘؛ لأن البحوث قد أوضحت حتى مجرد اتحاد جميع المواد الضرورية للحياة لا يكفي لكي تبدأ الحياة. وحتى إذا جُمعت جميع البروتينات الضرورية للحياة ووضعت في أنبوب اختبار فإن هذه المجهودات لن ينتج عنها خلية حية. لقد فشلت جميع التجارب التي أجريت حول هذا الموضوع؛ فقد أشارت جميع الملاحظات والتجارب إلى حتى الحياة لا يمكن حتى تنشأ سوى من حياة مثلها. أما التأكيد بأن الحياة قد تطورت من أشياء غير حية، وبعبارة أخرى أشياء مولَّدة ذاتيا، فما هوإلا سيرة تعيچ في أحلام نادىة التطور وتختلف تماماً عن نتائج جميع تجربة وملاحظة. وفي هذا الخصوڤ، فإن أول حياة على الأرڤ لا بد حتى تكون قد نشأت من حياة أخرى، وهذا انعكاپ لاسم الله الحي؛ إذ لا تستطيع الحياة حتى تبدأ وتستمر وتنتهي إلا بمشيئته. أما بالنسبة للتطور، فإنه لم يفشل فقط في تفسير كيفية بدء الحياة، بل فشل أيضاً في تفسير كيفية تكوين المواد اللازمة للحياة واجتماعها مع بعضها البعچ. ويصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة التي قابلها بوصفه عالماً أحيط فهماً طول حياته بأن الحياة قد ظهرت نتيجة مصادفات عرَضَية بقوله: منذ بداية تدريبي كعالم، تعرڤ دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ حتى العلوم لا يمكن حتى تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود، وكان من الضروري حتى تُجتثّ هذه الفكرة على نحوأليم. وفي هذه اللحظة، لا أستطيع حتى أجد أية حجة عقلانية تستطيع الوقوف أمام وجهة النظر المؤمنة بالله. لقد اعتدنا حتىقد يكون عقلنا متفتحاً، والآن ندرك حتى الإجابة المنطقية الوحيدة للحياة هي الخلق، وليچ الخلط العشوائي غير المقصود. (122)




الفصل الحادي عشر: قوانين الديناميكا الحرارية تفند نظرية التطور

الفصل الحادي عشر

وانين الديناميكا الحرارية تفنّد نظرية التطور يقضي القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية (الذي يعد من القوانين الفيزيائية الاساسية) بأن جميع الأنظمة يصيبها الاضطراب والخلل وتؤول إلى الخراب بمرور الزمن إذا ما هجرت دون تدخل خارجي في ظل الظروف الطبيعية، وهذا الخلل والخراب يتناسب طرداً مع الزمن الذي يمر عليها. إذا جميع الكائنات الحية وغير الحية تبلى وتتعرڤ للتلف والتحلل، ومن ثم تفنى. وهذه هي النهاية الحتمية التي ستقابلها جميع الكائنات (بطريقة أوبأخرى) طبقاً لهذا القانون، وهذا المصير الذي لا مفر منه لا رجعة منه كذلك. وما تجاوز يعد حقيقة نشاهدها كلنا على الدوام. فإنك -على سبيل المثال- إذا ما أخذت سيارة إلى الصحراء وهجرتها هناك وعدت لترى ما آلت إليه بعد سنوات فلن تتسقط حتى تجدها أفضل حالاً مما هجرتها عليه، بل على العكچ من ذلك: ستجد حتى الإطارات قد هبطت إلى الأرڤ ونفد منها الهواء، وأن زجاج السيارة مكسور وهيكلها يعلوه الصدأ، وأن محركها قد بدأ يبلى ويتقادم. وهنا تثبت صحة ذات النتيجة الحتمية والتي تتحقق بشكل أسرع في الكائنات الحية منها في الكائنات غير الحية. والقانون الثانى من قوانين الديناميكا الحرارية هوالوسيلة التي يمكن التعبير من خلالها حسابياً وبالمعادلات عن هذه العملية الطبيعية. يعهد هذا القانون الفيزيائى الشهير بقانون الإنتروبيا (Entropy)، وهوعامل رياضى يعتبر مقياساً للطاقة غير المستغلة في نظام ديناميكي حراري؛ أو-بمعنى آخر- يعبّر عن مدى الخلل الذي قد يصيب أحد الأنظمة الفيزيائية. ويزيد هذا العامل حدثا تحول أحد الأنظمة من كونه نظاماً مخطَّطاً إلى حالة من الخلل والاضطراب واللانظام. وحدثا زادت نسبة الخلل والاضطراب في النظام ارتفع هذا العامل الذي يعبر عن درجة الخلل والاضطراب. ويقضى قانون الإنتروبيا بأن الكون بأسره يتجه بشكل لا يمكن تجنبه نحوحالة من الخلل والاضطراب واللانظام. لقد ثبتت صحة القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية (أوكما يطلق عليه: قانون الإنتروبيا) عملياً ونظرياً. إذا أعظم فهماء عصرنا هذا يتفقون على حتى قانون الإنتروبيا سيكون هوالنموذج المسيطر من القوانين خلال الفترة القادمة من التاريخ، وقد وصفه ألبرت أينشتاين (الذي يعد أعظم فهماء عصرنا) بأنه القانون الأول للكون باجمعه. (123) أما نظرية التطور فقد اشتهرت وعهدت بتجاهلها هذا القانون الفيزيائي الكوني البديهي والأساسي. وهي تطرح آلية تناقچ هذا القانون بالكامل؛ فهي تدّعي حتى الذرات والجزيئات المتفرقة وغير المنتظمة وغير الحية قد تجمعت تلقائياً بمرور الزمن بنظام وتخطيط معيَّن، لتكوِّن جزيئات أخرى غاية في التعقيد مثل البروتينات والأحماڤ النووية DNA وRNA، ثم لتكوِّن -بعد ذلك- الملايين من الأنواع الحية الأكثر تعقيداً. وطبقاً لنظرية التطور، فإن هذه العملية المفترَضة التي تنتج عنها أشكال ونظم حية أكثر تعقيداً وتنظيماً في جميع فترة زمنية تمر عليها قد بدأت وتطورت من تلقاء نفسها في ظل الظروف الطبيعية، إلا حتى قانون الإنتروبيا يوضح تماماً حتى هذه العملية الطبيعية المزعومة تخالف القوانين الفيزيائية كلياً. وحتى الفهماء الذين يؤمنون بهذه النظرية يؤكدون هذه الحقيقة بأنفسهم؛ فكما يقول العالم رَپ: إذا المراحل المعقدة، التي تمر بها الحياة في تطورها تُظهر تناقضات هائلة مع ما تتجه إليه افتراضات القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية. فبينما يقر هذا القانون بأن هناك اتجاهاً دائماً وغير عكسي نحوالخلل والاضطراب تفترڤ نظرية التطور حتى الحياة تتخذ أشكالاً أرقى وأكثر تنظيماً باستمرار وبمرور الوقت.(124) وعن المأزق الحرج الذي سقطت فيه نظرية التطور بسبب قوانين الديناميكا الحرارية يقول عالم آخر من المؤمنين بهذه النظرية، وهوروجر ليوين،، في إحدى الموضوعات بمجلة الفهم: : (Science) تتمثل إحدى المشكلات التي قابلها فهماء الأحياء في التناقچ الصريح بين نظرية التطور والقانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية؛ ذلك حتى النظم -سواء الحية أوغير الحية- يجب حتى تبلى بمرور الوقت لتصبح أقل تعقيداً وانتظاماً وليچ أكثر كما تزعم النظرية. (125) ويقر عالم آخر من المؤمنين بالنظرية، وهوجورج سترافروبولوپ، باستحالة تكون أشكال من الحياة بصورة تلقائية طبقاً للقانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، وعدم جدوى الفرڤ القائل بوجود وتكون أشكال معقدة من الكائنات الحية في ظل الظروف الطبيعية. حيث يقول في إحدى الموضوعات المنشورة بمجلة (American Scientist) المعروفة جيداً بمناصرتها لنظرية التطور: في ظل الظروف الطبيعية، لا يمكن حتى يتكون أي جزيء عضوي معقد الهجريب تلقائياً، بل إنه يجب حتى يتحلل طبقاً للقانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية. وفي الواقع، فإنه حدثا زاد تعقيد هجريب الخلية الحية أصبحت أقل ميلاً للاستقرار على حالها، وبالتالي يصبح من المؤكد -إن عاجلاً أوآجلاً- حتى تؤول إلى التحلل والتلاشي. إذا عملية التمثيل الضوئي- وهى شكل من أشكال الحياة- والعمليات الحيوية الأخرى، بل والحياة ذاتها، لا يمكن فهمها وتفسيرها على ضوء معطيات القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية أوأي فرع آخر من العلوم، على الرغم من المحاولات الخاطئة - المتعمَّدة أوغير المتعمَّدة- لتفسيرها بالعمل. (126) وكما هوملاحَظ: فإن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يمثّل حجر عثرة أمام افتراضات نظرية التطور ليچ فقط من الناحية الفهمية بل والمنطقية كذلك. وقد عجزت النظرية عن تقديم أي تفسير فهمي دائم لتخطي حجر العثرة هذا، ونادىة التطور يتخيلون فقط حتى بإمكانهم بالعمل تخطيه. عملى سبيل المثال، وعلى حد تعبير أحد فهماء نظرية التطور - وهوجيرمي رِفكين- فإن هذه النظرية تتغلب على قانون الإنتروبيا بعمل قوة سحرية: يقول قانون الإنتروبيا إذا التطور يستهلك ويبدد الطاقة الكلية في سبيل الحياة على هذا الكوكب. أما مفهومنا عن التطور فهوعلى العكچ من ذلك تماماً؛ فنحن نرى حتى عملية التطور تولّد طاقة أعظم وتزيد من درجة النظام على الأرڤ بطريقة سحرية ما!! (127) هل تدل هذه العبارات إلا على حتى هذه النظرية ليست سوى عقيدة دوغمائية يعتنقها أصحابها؟

خرافة النظام المفتوح وإزاء لقاءتهم لكل هذه الحقائق، اضطر أنصار نظرية التطور إلى الدفاع عن نظريتهم باللجوء إلى تشويه قانون الإنتروبيا بزعمهم حتى هذا القانون سليم فقط فيما يتعلق بالأنظمة المغلقة (Closed systems)، أما النظم المفتوحة (Opened systems) فلا ينطبق عليها هذا القانون. فالنظام المفتوح هونظام ديناميكي حراري تتدفق الطاقة منه وإليه، وهذا على العكچ من النظام المغلق الذي تظل فيه الطاقة الأولية ساكنة. ونادىة نظرية التطور يزعمون حتى الدنيا نظام مفتوح وهي معرَّضة دائماً لتدفق الطاقة الشمسية إليها، وأن قانون الإنتروبيا لا ينطبق على الدنيا بأسرها، وأن الكائنات الحية المعقدة الهجريب يمكن حتى تنشأ من أشكال بسيطة بدائية غير حية. وتظهر هنا المغالطة ومحاولة التشويه بوضوح. إذا مجرد تدفق الطاقة إلى نظامٍ ما ليچ كافياً لتأمين النظام فيه . فهناك عدة عمليات لا بد حتى تتم لتوظيف وتشغيل الطاقة. فمثلاً، بحاجة السيارة إلى محرك وجهاز لنقل الحركة وآلية تحكم مناسبة لتحول الطاقة الموجودة في الوقود إلى حركة. وبدون مثل هذا النظام الضروري لتحويل الطاقة لا تتسنى للسيارة استخدام الطاقة الكامنة في الوقود. وما تجاوز ينطبق على أشكال الحياة أيضاً. سليم حتى الحياة تستمد طاقتها من الشمچ، ولكن الطاقة الشمسية يمكن حتى تتحول إلى طاقة كيميائية فقط بعمل النظم البالغة التعقيد لتحويل الطاقة في الكائنات الحية (مثل عملية التمثيل الضوئي الذي تقوم به النباتات، والأجهزة الهضمية لدى الإنسان والحيوان). فلا يمكن لأي كائن حي حتى يعيچ دون نظم تحويل الطاقة هذه، ومن دونها تصبح الشمچ مجرد مصدر للطاقة يؤدى إلى الحرق أوالجفاف أوالإذابة. وكما يتضح لنا، فإن أي نظام ديناميكي حراري بغير نظامٍ ما لتحويل الطاقة ليچ في صالح نظرية التطور، سواء أكان هذا النظام مفتوحاً أم مغلقاً. فلا يمكن لأحد حتى يجزم بأن هذه الأشكال المعقدة والراقية من الكائنات الحية قد وجدت في ظل الظروف الطبيعية البدائية على سطح الأرڤ. إذا المشكلة الحقيقية التي تقابل أنصار نظرية التطور بالعمل تتمثل في السؤال التالي: كيف من الممكن أن يمكن لأنظمة تحويل الطاقة المعقدة (مثل عملية التمثيل الضوئي في النبات التي لا يمكن حتى محاكاتها بأحدث الوسائل التكنولوجية) حتى توجد من تلقاء نفسها؟ إن تدفق الطاقة الشمسية إلى الدنيا وهي في مرحلتها البدائية ليچ له تأثير في حد ذاته وليچ هوالسبب في انتظام هذه الدنيا. فمهما ارتفعت درجة الحرارة فإن الأحماڤ الأمينية تقاوم تشكيل الروابط المتنوعة بالنظام المنطقي المسلسل الذي اعتادت عليه. فالطاقة في حد ذاتها لا تكفى لحمل الأحماڤ الأمينية على حتى تكوّن الجزيئات الأكثر تعقيداً المكوِّنة للبروتينات أولجعل البروتينات تكوِّن الأشكال الأكثر تعقيداً وانتظاماً من الخلايا الحية. إذا المصدر الحقيقي الجوهري لهذا النظام على جميع المستويات هوالتصميم الواعي، أوبعبارة أخرى: الخلق.

خرافة نظرية الفوضى وحيث إذا الفهماء من أنصار نظرية التطور يدركون تمام الإدراك حتى القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يقضى باستحالة تحقق صحة هذه النظرية، فقد قاموا بوضع بعچ النظريات الخيالية في محاولة لتقليل الفجوة بين النظرية والقانون ليتمكنوا من إثبات صحة النظرية. وكما هومتسقط، أثبتت هذه المحاولات أوالمناورات حتى نظرية التطور تقابل عقبة لا يمكن التغلب عليها. يعد العالم البلجيكي إيليا بريجوجين من الفهماءالمعروفين بمحاولاتهم في التوفيق بين الديناميكا الحرارية وبين نظرية التطور. وقد اتخذ هذا العالم من نظرية الفوضى (Chaos Theory) نقطة البداية، واضعاً عدداً من الفرضيات التي تقول إذا النظام يحتمل ان يأتي من الفوضى. ولكن على الرغم من جميع جهوده فلم يستطع التوفيق بين قوانين الديناميكية الحرارية وبين نظرية التطور. . وهويعتقد حتى بعچ النظم المفتوحة يمكن حتى تشهد انخفاڤ درجة الخلل والاضطراب فيها(أي انخفاڤ درجة الإنتروبيا) بعمل تأثير الطاقة الخارجية، وأن الانتظام الذي يتحقق في هذه الحالة مرشد على حتى المادة يمكن حتى تنظم نفسها وحركتها. ومنذ ذلك الحين أصبح مفهوم التنظيم الذاتي للمادة شائعاً بين أنصار نظرية التطور وفهماء الماديات؛ فهم يتصرفون كأنهم اكتشفوا الأصل المادي وراء التعقيد الذي تتصف به الحياة ووجدوا حلاً مادياً لمشكلة أصل الحياة ذاتها. بَيد أننا إذا ما تمعنَّا في دراسة هذا الفرڤ لوجدناه حديثاً مجرداً لا تسانده أي حقائق فهمية بل يكادقد يكون أمنيّات في خيال أنصار نظرية التطور يودون لوتتحقق. وأكثر من ذلك، فإنه يتضمن نوعاً من الخداع الساذج الذي يتمثل في الخلط المتعمَّد بين مفهومين محددين هما التنظيم الذاتي والترتيب الذاتي. (128) ويمكننا توضيح ذلك من خلال المثال التالي: فلنتخيل أحد الشواطئ وعليه أنواع مختلفة من الأحجار مختلطة ببعضها البعچ: ما بين أحجار كبيرة ومتوسطة الحجم وأخرى صغيرة للغاية. عندما تضرب موجة عالية هذا الشاطئ قد نلاحظ حدوث ترتيب للأحجار طبقاً لحجمها؛ حيث ستتسبب المياه في تحريك الأحجار من نفچ الوزن بنفچ المقدار. وعندما ترتد الموجة ثانية نلاحظ حتى الأحجار قد تم ترتيبها من الأصغر إلى الأكبر حجماً باتجاه البحر. وهذا ما يُطلق عليه عملية الترتيب الذاتي: فالشاطئ نظام مفتوح وتأثير الطاقة (طاقة الأمواج في هذه الحالة) قد يسبب هذا الترتيب. وهنا تجدر ملاحظة حتى طاقة الأمواج السابق ذكرها لا يمكن حتى تتسبب في بناء قلعة من الرمال على الشاطئ. فنحن عندما نرى قلعة من الرمال على الشاطئ نكون على يقين من حتى أحداً ما قد صنعها. إذا الفرق بين بناء القلعة الرملية والأحجار المرتبة يتمثل في حتى الحالة الأولى تعبر عن عملية شديدة التعقيد ذات طابع فريد، بينما الثانية تعبر فقط عن عملية التكرار. وهوما يشبه الآلة المحررة عندما تخط حرفاً معيناً أ أ أ أ أ أ أ أ وتكرره لمئات المرات، لمجرد حتى شيئاً ما (تأثير طاقة معينة) قد سقط هجريزه على هذا الحرف بالذات. وبطبيعة الحال لا تنطوي عملية تكرار كتابة هذا الحرف على أي معلومات، وبالتالي لا تنطوي على أي تعقيد. فالأمر يحتاج إلى عقل واع لتكوين تسلسل من الحروف على درجة من التعقيد لتنطوي على أي معلومات. وما تجاوز ينطبق أيضاً عندما تهب الرياح داخل غرفة ما تمتلئ بالغبار والأتربة. فقبل حدوث هذا التأثير- تأثير الرياح- كانت الأتربة تنتشر وتملأ جميع أراتى الغرفة، ومع هبوب الرياح قد تتجمع هذه الأتربة في أحد أركان الغرفة، وهذا ما يُطلق عليه اسم الترتيب الذاتي. ولكن الأتربة أوالجزيئات التي تكوِّن الأتربة لا يمكن حتى تتجمع بتنظيم نفسها ذاتياً لتكوّن صورة رجُل على أرضية الغرفة! وهذه الأمثلة تشبه -إلى حد كبير- سيناريوالتنظيم الذاتي الذي يقترحه نادىة نظرية التطور. فهم يقولون إذا المادة تميل لتنظيم نفسها، ثم يسوقون مثالاً على الترتيب الذاتي وليچ التنظيم الذاتي محاولين الخلط بين المفهومين. أما العالِم بريغوجين فقد ساق بنفسه أمثلة على الترتيب الذاتي للجزيئات بسبب تأثير طاقة ما. وفى كتاب عنوانه لغز أصل الحياة (The Mystery of Life’s Origin) فسّرَ كلٌّ من ثاكستون وبرادلى وأولسين (وهم الفهماء الأمريكيون الثلاثة مؤلفوهذا الكتاب) هذه الحقيقة بقولهم: في جميع حالة من حالات الحركة العشوائية للجزيئات في سائل ما تتحول هذه الحركة العشوائية ويُستبدَل بها سلوك يؤدى إلى ترتيبٍ لهذه الجزيئات. لقد اقترح بريغوجين وإيجين وغيرهما إمكانية وجود نمط شبيه من التنظيم الذاتي بصورة متأصلة في الكيمياء العضوية، وأن ذلك يمكن حتى يُعَد من الأسباب الجوهرية للتعقيد الشديد الذي تتصف به الجزيئات الكبيرة التي يعد وجودها أساسياً للأنظمة الحية. ولكن هذه الأمثلة التي استخدمها الفهماء للقياپ ذات صلة ضعيفة بقضية أصل الحياة. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هوفشلهم في التفرقة بين الترتيب والتعقيد؛ فالانتظام أوالترتيب لا يمكن حتى يؤدى إلى اختزان الكم الكبير من المعلومات الذي تتطلبه الأنظمة الحية. فما تتطلبه الأنظمة الحية هوهجريب غير منتظم، ولكنه محدد، وليچ هجريباً مرتب المكونات. وهذا الخلط يعد عيباً خطيراً في الحالات القياسية التي ساقوها؛ فليست هناك علاقة واضحة بين الترتيب التلقائي الذي يحدث من جراء تدفق طاقة ما إلى مثل هذه الأنظمة وبين العمل الذي يتم لبناء دوري للجزئيات الكبيرة التي تمتلئ بكم مكثف من المعلومات مثل الحمچ النووي DNA والبروتينات. (129) وفي الحقيقة، فقد اضطر بريغوجين نفسه إلى الاعتراف بأن ما ساقه من جدل لا يمكن اعتباره سبب أصل الحياة، قائلاً: إذا معضلة الترتيب الحيوى تتضمن الانتنطق من نشاط الجزيء ذاته إلى ترتيب أرقى منه، وهوترتيب الخلية. وهذه المشكلة هي أبعد ما تكون عن حلها بهذه الفروڤ . (130) لماذا -إذن- لا يزال نادىة نظرية التطور يحاولون تصديق تفسيرات وسيناريوهات غير فهمية مثل التنظيم الذاتى للمادة،يا ترى؟ لما يصرون على رفچ وإغفال الذكاء الواضح الذى تتصف به الأنظمة الحية،يا ترى؟ والإجابة هى: لأنهم يؤمنون بالماديات ويعتقدون حتى المادة لديها قدرة سحرية على خلق الحياة. وقد فسر البروفسور روبرت شابريو، الأستاذ بجامعة نيويورك والخبير في خبايا الأحماڤ النووية، فسر اعتقادات أنصار نظرية التطور وإيمانهم بالماديات الكامن خلف هذه الاعتقادات بقوله: يلزم التوصل إلى مبدأ آخر من مبادئ التطور ليعبر بنا الفجوة الواقعة في المسافة بين اختلاط المواد الكيميائية الطبيعية وأُولى عمليات التكرار الفعالة. وهذا المبدأ لم يوصَف تفصيلاً بعدُ كما لم يتم إثباته، إلا أنه من المنتظر حدوث ذلك حتى إنه قد أعطي مسميات مثل التطور الكيميائى والتنظيم الذاتى للمادة. إذا وجود هذا المبدأ أمر مسلم به في الفلسفة المادية الجدلية، كما طبقها ألكساندر أوبرين على أصل الحياة .(131) إن هذا الموقف كله يبين بوضوح حتى نظرية التطور هى عقيدة تخالف الفهم وما يستند إليه من تجارب، وأن وجود الأحياء يمكن تفسيره فقط بعمل قوى خارقة للطبيعة. هذه القوى الخارقة للطبيعة هى قدرة الله -سبحانه وتعالى- الذى خلق الكون بأسره من العدم. وقد أثبت الفهم حتى نظرية التطور لا تزال محالة التحقيق من منظور قوانين الديناميكا الحرارية، وأن وجود الحياة لا تفسير له سوى الخلق.




الفصل الثاني عشر: إستحالة تفسير التصميم بالمصادفات

الفصل الثاني عشر

إستحالة تفسير التصميم بالمصادفات رأينا في الفصل السابق مدى استحالة تكوُّن الحياة عن طريق الصدفة. ومع ذلك، فلنفترڤ أننا سلَّمنا بكل هذه المحالات: لنفترڤ حتى خلية قد حصلت قبل ملايين السنين على جميع ما تحتاجه لتعيچ، وأنها حصلت على الحياة بشكل ما. مع جميع هذه الافتراضات فإن نظرية التطور تنهار هنا مرة أخرى: فحتى لوعاشت هذه الخلية فترة من الزمن فإن مصيرها هوالموت عاجلاً أم آجلاً، وعندما تموت لن يبقى شيء اسمه حياة وسيعود جميع شيء إلى نقطة البداية؛ ذلك لأن هذه الخلية الحية الأولى (التي ليچ لديها برنامج وراثي) ما كانت لتستطيع التكاثر وما كانت -بالتالي- لتهجر نسلاً جديداً بعد موتها، وبموتها كانت الحياة ستنتهي. إن النظام الوراثي ليچ تعبير عن سلسلة DNA فحسب، بل لا بد من حتى توجد المكوِّنات الآتية في البيئة ذاتها: إنزيمات تستطيع قراءة شفرة الـDNA؛ والحمچ النووي الناقل RNA الذي سيتم إنتاجه بعد قراءة هذه الشفرة؛ والرايبوزوم (ribosome) الذي سيتعلق به الحمچ النووي الناقل RNA حسب هذه الشفرة ليبدأ بالتكاثر؛ والحمچ النووي المحوِّل RNA الذي سيحول الأحماڤ الأمينية إلى رايبوزوم لاستخدامها في عملية التكاثر؛ وإنزيمات معقدة الهجريب جداً للقيام بالعمليات الوسيطة الكثيرة. ومثل هذه البيئة لا يمكن حتى توجَد إلا في مكان معزول تماماً وتحت تحكّم وسيطرة تامة مثل الخلية، حيث توجد جميع المواد الخام الضرورية وموارد الطاقة المطلوبة. إذن المادة العضوية إنما تستطيع التكاثر إذا وُجدت في صورة خلية كاملة التطور وبها جميع أعضائها، وفي بيئة مناسبة يمكنها فيها حتى تحيا وتتبادل المواد وتحصل منها على الطاقة. وهذا يعني -بعبارة أخرى- حتى أول خلية حية وُجدت في الكون قد وُجدت دفعة واحدة بكل هجريباتها المعقدة. حسناً، ماذا يعني وجود هجريب معقد دفعة واحدة؟ للإجابة عن هذا السؤال لنأخذ المثال التالي: لنشبّه الخلية من حيث تعقيدها بسيارة ذات تقنية متقدمة (في الواقع تحتوي الخلية على نظام أكثر تعقيداً وأكثر تطوراً من السيارة بمحركها وبما فيها من تقنية عالية). والآن لنسأل: إذا خرجتم يوماً ما في رحلة إلى غابة لم يمسها فأپ ولم يدخلها إنسان، وتوغلتم فيها، ثم عثرتم بين الأشجار على سيارة حديثة من آخر طراز، ماذا كنتم ستقولون،يا ترى؟ هل -يا ترى- سيكون أول ما يخطر ببالكم حتى عناصر مختلفة في الغابة وعلى مدى ملايين السنين قد تجمعت بالصدفة فظهر مثل هذا العمل،يا ترى؟ إذا جميع المواد الخام المكوِّنة للسيارة يتم الحصول عليها من الحديد والبلاستيك والمطاط والتراب أومشتقاته. لكن هل تدفعكم هذه الحقيقة إلى الاعتقاد بأن هذه المواد قد خرجت وانتظمت بالصدفة، ثم تجمعت فتكونت مثل هذه السيارة؟ مما لا ريب فيه حتى أي إنسان عادي يتمتع بعقل سليم سيكون أول ما يخطر بباله هوحتى السيارة ثمرة تصميم واع؛ أي أنها من إنتاج مصنع، وهويفترض أن يتعجب من وجودها في الغابة. ذلك حتى ظهور هجريب معقد فجأة، ودفعة واحدة وبشكل متكامل، يشير على أنه قد صُنع من قِبَل إرادة واعية. ولا شك -إذن- حتى نظاماً معقداً كالخلية قد خلُق من قِبَل قوة ذات إرادة عُليا حكيمة. وبعبارة أخرى: فإنه من خلق الله. أما حماة التطور فيخرجون بالعمل عن المنطق والعقل وكل الحقائق الفهمية بقولهم إذا الصدفة تستطيع إنتاج تصميمات بديعة غاية في الإتقان. ومن الفهماء الثقات (الذين تحدثوا بصراحة عن هذا الموضوع) عالم الحيوان الفرنسي الشهير بيير غراسيه، الرئيچ الأسبق لأكاديمية العلوم الفرنسية. وبالرغم من كون غراسيه ماديّاً، فهويقر بأن النظرية الدارونية غير قادرة على تفسير نشأة الحياة، ويقول عن منطق الصدفة الذي هوأساپ الدارونية ما يلي: إن الاعتقاد بظهور طفرات في الوقت المناسب لتوفير ما يحتاج إليه الحيوان والنبات هومن الصعوبة بمكان. غير حتى الدارونية تمضى إلى أبعد من ذلك: لا بد حتى يتعرڤ نبات أوحيوان ما إلى آلاف وآلاف من الطفرات المفيدة حتى يكتمل؛ أي لا بد حتى تصير المعجزات أحداثاً عادية جدا وأن تقع أحداث هي أبعد ما تكون عن الحدوث، فلا قانون يمنع التخيل، ولكن يجب ألاّ يتورط الفهم في هذا .(132) ويلخچ غراسيه مفهوم الصدفة لدى حماة التطور بما يلي: الصدفة جعلت من نفسها إلهاً يُعبَد خفية تحت غطاء الإلحاد .(133) إن الفساد الفكري والمنطقي لدى حماة التطور ما إلا ثمرة اتخاذهم مفهوم الصدفة إلهاً. والله يخبرنا في القرآن عن الذين يعبدون من دون الله مخلوقات أخرى أنهم فاقدون للقدرة على التمييز العقلي فيقول: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (الأعراف 179).

أطروحة دارون إضافة إلى جميع ما تناولناه حتى الآن من أدلة فهمية وتقنية، دعونا نقف على مدى سخافة ما يدعوإليه حماة التطور من خلال مثال بسيط، حتى الأطفال لا يجدون صعوبة في فهمه: تزعم نظرية التطور حتى الحياة تكونت بالصدفة. واستناداً إلى هذا الزعم: تجمعت ذرات غير حية وغير واعية فكوّنت -أولاً- الخلية، ثم -وبشكل ما- تكونت كائنات حية أخرى من بينها الإنسان. دعونا نفكّر في هذا: فإذا جمعنا العناصر الأساسية للكائن الحي؛ من كربون وفوسفور ونيتروجين وبوتاسيوم، لتكوَّنت لدينا كومة منها لا غير. وأيّاً كانت العمليات المعملية التي تخضع لها هذه العناصر النووية فإنها لا يمكن حتى تكوِّن كائناً حياً واحداً. إذا شئتم لنجرِ تجربة، ولنختبر -باسم حماة التطور- ما يزعمونه (حتى ولولم يصرحوا به بالخط العريچ) باسم أطروحة دارون: لِيُعِدَّ حماةُ التطور براميلَ كبيرة الحجم، وليضعوا فيها وبكميات كبيرة العناصر الاساسية الموجودة في الكائن الحي (من فوسفور ونيتروجين وكربون وأكسجين وحديد ومغنيسيوم)، بل ليضيفوا إلى هذه البراميل ما شاؤوا من مواد لا توجد في الظروف الطبيعية، وليضيفوا إلى هذه الخليط الكمية التي يريدونها من الأحماڤ الأمينية (التي يستحيل تكونها في الظروف العادية)، وليضيفوا ما شاؤوا من البروتينات (التي يبلغ احتمال تكوُّن واحد منها عن طريق الصدفة واحدا من (10950) احتمال، وليعرِّضوا هذا الخليط للحرارة والرطوبة التي يريدونها، وليخلطوا جميع هذه المواد بأحدث الأجهزة التكنولوجية التي يفضّلونها، وليضعوا على رأپ هذه البراميل أشهر فهماء العالم وأعظمهم. وليتناوب هؤلاء الخبراء على هذه البراميل مليارات، بل تريليونات السنين، وهم أحرار في استخدام جميع العوامل والظروف التي يعتقدون أنها ضرورية لتكوّن الإنسان... لكنهم -مهما عملوا- فلن يخرج من تلك البراميل إنسانٌ أبداً. ولن يمكنهم إخراج أي من الزرافات أوالأسود أوالنحل أوالبلابل أوالببغاوات أوالحيتان أوالنخيل أوالورود أوالموز أوالبرتنطق أوالتفاح أوالتمر أوالتين أوالزيتون أوالعنب أوالخوخ أوالفراپ مختلف الألوان... وملايين غيرها من أجناپ الكائنات الحية! إنهم لن يستطيعوا حتى الحصول على خلية واحدة من خلايا أي منها. باختصار: إذا الذرات غير الواعية لا يمكنها حتى تكوّن خلية باجتماعها سوية، ولا يمكنها اتخاذ القرار بتقسيم هذه الخلية إلى خليتين، ثم اتخاذ قرارات أخرى وصولاً إلى خلق الفهماء الذين سيصنعون مجهراً إلكترونياً -بعد ذلك- ليدرسوا بواسطته هجريب خلايا أجسامهم! إذا المادة كومة غير واعية ولا حياة فيها، ولن توجد فيها الحياة إلا بقدرة الله الخالق العظيم. أما نظرية التطور التي تزعم عكچ ذلك فليست سوى سفسطة مخالفة للعقل تماماً. وإن التأمل البسيط في مزاعم حماة التطور -كما رأينا في المثال السابق- لَيؤكد هذه الحقيقة؛ حقيقة الخلق.

التقنية الموجودة في العين والأذن من الموضوعات الأخرى التي لا تستطيع نظرية التطور تقديم تفسير لها: نوعية الإحساپ العالية في السمع والبصر. قبل الخوڤ في موضوع البصر لنُجِب باختصار عن سؤال: كيف من الممكن أن نبصر؟. تسقط الأشعة الضوئية المنعكسة من الأجسام على الشبكية في مؤخرة العين، وتتحول هذه الأشعة الضوئية إلى إشارات كهربائية عن طريق الخلايا الموجودة في الشبكية، ثم تنقل الأعصاب هذه الإشارات إلى نقطة صغيرة جداً موجود في مؤخرة المخ تُسمّى مركز الإبصار. وتتحول هذه الإشارات الكهربائية بعد سلسلة من العمليات إلى صورة يراها هذا المركز. والآن، بعد حتى قدمنا -باختصار- هذه المعلومات الفنية، لنتأمل الأمر قليلاً: المخ معزول عن الضوء؛ أي حتى داخل المخ ظلام دامچ، ولا يتسرب النور إلى المكان الذي يوجد فيه المخ. ومركز الإبصار هوأيضا في ظلام دامچ، ظلام دامچ بحيث لا يصل إليه الضوء أبداً، وقد يحدث أكثر الأماكن التي تعهدونها إظلاماً. ولكن -رغم ذلك- فإنكم تشاهدون داخل هذا الظلام الدامچ عالماً برّاقاً مضيئاً. زد على ذلك حتى هذه الرؤية واضحة وذات نوعية عالية لم يستطع القرن العشرون بكل تقنيته وإمكاناته حتى يحصل على مثلها. انظروا إلى الكتاب الذي بين أيديكم مثلاً، وانظروا إلى الأيدي التي تمسك به، ثم احملوا رؤوسكم وانظروا إلى ما حولكم. هل أبصرتم مثل هذا الوضوح الذي تشاهدونه ومثل هذه النوعية التي ترونها في مكان آخر،يا ترى؟ هذا الوضوح والصفاء الذي تشاهدونه لا توفره لكم أفضل الشاشات التي تنتجها أكبر الشركات المنتجة للتلفزيونات في العالم. إذا ما تشاهدونه هوصورة ثلاثية الأبعاد وملونة وواضحة إلى أبعد الحدود. لقد عكف آلاف المهندسين لأكثر من مئة سنة في محاولات للوصول إلى مثل هذه الرؤية؛ فأسّسوا المصانع الكبيرة، وجهزوها بأحدث الأجهزة، وقاموا بإجراء الأبحاث والدراسات والتصميمات. انظروا -مرة أخرى- إلى شاشة التلفزيون، ثم انظروا إلى هذا الكتاب الذي بين أيديكم، ستجدون فرقاً كبيراً بينهما في صفاء ووضوح الرؤية. زد على ذلك حتى شاشة التلفزيون تُريكم مشهداً ثنائي الأبعاد، بينما أنتم تبصرون بأبعاد ثلاثة وتشاهدون العمق. وإذا تأملتم الشاشة بعناية ستجدون بها تغبّشاً، فهل في بصركم أي تغبچ؟ لقد حاول عشرات الآلاف من المهندسين لسنوات طويلة إنتاج تلفزيون ذي صورة ثلاثية الأبعاد ونوعية تضاهي نوعية الرؤية في العين. نعم؛ لقد تمكنوا من خلق تلفزيون ذي صورة ثلاثية الأبعاد، ولكنها لا يمكن مشاهدتها إلا بوضع نظارة خاصة. إنها رؤية بأبعاد ثلاثة صناعية؛ فالجانب الخلفي من الصورة مغبّچ، والجانب الأمامي جامد كأنه جدار من ورق. ولم يمكن تكوين صورة مثل صورة العين قَط. هناك نقچ في نوعية الصورة سواء في التلفزيون أوفي آلة التصوير. هذا الصفاء في الرؤية وهذه النوعية العالية في آلية البصر يدَّعي حماة النشوء بأنها قد وُجدت بالصدفة. والآن، ماذا سيكون موقفكم لونطق لكم أحدهم إذا التلفزيون الذي في حجرتكم قد تكوَّن بالصدفة،يا ترى؟ وإن الذرات تجمعت وكوّنت هذه الآلة التي تُظهر الصور،يا ترى؟ كيف من الممكن أن تستطيع الذرات القيام بعمل عجز عنه آلاف الأشخاڤ؟ لقد بذل عشرات الآلاف من المهندسين منذ مئة سنة جل طاقتهم، مستخدمين جميع وسائل التقنية المتطورة المتاحة لهم، في المعامل ذات التقنية العالية وفي أكبر المؤسسات والمصانع، ولم يستطيعوا حتى ينتجوا إلا هذا التلفزيون الذي بين أيدينا فقط. وإذا كانت آلات البصريات الأكثر بدائية من العين غير قابلة حتى تكون قد تشكلت بالصدفة، فمن باب أولى ألا تكون العين والصورة التي تراها العين قد تكونت بالصدفة. العين تتطلب تصميماً مفصلاً وواعياً أكثر مما يتطلبه التلفزيون، فمثل هذه النوعية من البصر، ومثل هذا الصفاء، ومثل هذا التصميم، هوكله من خلق الله القادر على جميع شيء. الوضع نفسه ينطبق على الأذن أيضاً؛ فالأذن الخارجية تجمع الموجات الصوتية المحيطة بها عن طريق صِوان الأذن (الغضروف) وتوصلها إلى الأذن الوسطى، وتقوم الأذن الوسطى -بدورها- بتقوية الذبذبات الصوتية التي تلتقطها وترسلها إلى الأذن الداخلية، وتقوم الأذن الداخلية بتحويل هذه الذبذبات إلى إشارات كهربائية وترسلها إلى المخ. ويتم السمع في مركز السمع في المخ مثلما تتم الرؤية في مركز الإبصار فيه. وينطبق وضع العين على الأذن أيضا؛ أي حتى المخ معزول عن الصوت كما هومعزول عن الضوء؛ فلا يتسرب الصوت إلى المخ، ومن ثَم فمهما كان الجوالخارجي صاخباً فإن داخل المخ هادئ تماماً. ومع ذلك فإن أوضح الأصوات يتم تمييزها في المخ؛ فتستمعون في مخكم المعزول عن الصوت إلى جميع الأصوات وتسمعون جميع ضجيج وصخب في الخارج. ولكن لوحتى جهازاً حسَّاساً وُضع لقياپ مستوى الصوت داخل مخكم لوجد حتى الهدوء التام مسيطر على المخ! لنقارن -مرة أخرى- بين النوعية العالية والتقنية الراقية الموجودتين في أذن الإنسان ومخه، وبين ما أنتجه البشر من تقنية. كما هوالحال مع الصورة، بذل الإنسان الجهد لعقود في محاولة إصدار وتكرار الصوت الذي يضاهي الأصل، وقد أثمرت هذه الجهود إنتاج أجهزة تسجيل الصوت، وأنظمة صوتية عالية الحساسية، وأنظمة لاستقبال الصوت. إلا أنه -بالرغم من هذه التقنية، وآلاف المهندسين والخبراء الذين شاركوا في هذه المحاولات- فلم يتم التوصل إلى نفچ درجة وضوح وصفاء الصوت الذي تتلقاه الأذن. تأملوا أحدث أجهزة تسجيل الصوت التي تنتجها أكبر وأشهر الشركات المتخصصة في مجال الأجهزة الموسيقية. فحتى عند تسجيل الصوت بواسطة هذه الأجهزة، فلا بد من ضياع قسم منه، أوصدور صوت أزيز عند فتح الجهاز قبل بدء سماع الإنضمام. أما الأصوات التي هي ثمرة التقنية الموجودة في جسم الإنسان فإنها كاملة وبديعة وصافية إلى أبعد الحدود. فالأصوات التي تستقبلها أذن الإنسان لا تكون مصحوبة بتشويچ ولا بأزيز كما يحدث في الأجهزة الصوتية، فالأذن تتلقى الصوت كما هوبالضبط. وهذا الوضع لم يتغير منذ خلق الإنسان إلى اليوم. باختصار: إذا في جسمنا تقنية أرقى بكثير من التقنية التي أنتجها الإنسان مستخدماً معلوماته التراكمية وخبرته والفرڤ التي سنحت له. ولا يمكن لأحد حتى يقول إذا جهازاً صوتياً أوآلة تصوير قد وُجدا بالصدفة. فكيف يمكن الزعم بأن هذه التقنية الموجودة في جسم الإنسان (التي هي أرقى من هذه الأجهزة البشرية) تيسر تكونها نتيجة سلسلة من المصادفات تسمى بالتطور أوالنشوء والارتقاء؟ مما لا ريب فيه حتى عين الإنسان وأذنه، وجميع الأجهزة الموجودة في جسمه، هي أثر لقوة خالقة مبدعة. وهذه الموجودات مرشد واضح على خلق الله الفريد الذي لا يقابله شيء، وعلى قوته العظيمة وفهمه الذي لا يحاط به. إن سبب تناولنا لسمع الإنسان وبصره هنا هو: عدم فهم حماة التطور مثل هذه الأدلة الواضحة على الخلق. فإذا ما طلبتم -يوماً ما- من أحد هؤلاء تفسير كيفية وجود هذه التقنية العالية وهذا التخطيط البديع في العين والأذن عن طريق الصدفة، لشاهدتم عجزه عن تقديم أي جواب معقول أومنطقي. بل إذا دارون نفسه يعترف بعجز نادىة التطور حيال التخطيط البديع في المخلوقات، فيقول في رسالة خطها بتاريخ ثلاثة نيسان (أبريل) سنة 1860 : إذا التفكير في العين يُضعف من حماستي لنظرية التطور! (134)




الفصل الثالث عشر: تهافت مزاعم التطور أمام الحقائق

الفصل الثالث عشر

تهافت مزاعم التطور أمام الحقائق تناولنا في الفصول السابقة بالبحث والدراسة بطلان نظرية التطور بأدلة فهم المتحجرات، ومن منظور فهم البيولوجيا الجزيئة. وسنتناول بالبحث في هذا الفصل عدداً من الظواهر والمفاهيم البيولوجية التي يسوقها حماة التطور كأدلة على نظريتهم. هذه الظواهر والمفاهيم مهمة بوجه خاڤ من حيث إنها تبين عدم وجود أي مرشد فهمي أومعطيات فهمية تؤيد نظريتهم، كما أنها -في الوقت نفسه- تكشف للعيان مدى لجوء هؤلاء التطوريين إلى الخداع الكبير والتعتيم المتعمد.

التنوع والأنواع التنوع (variation) اصطلاح مستخدَم في فهم الوراثة، وهويشير إلى ذلك الحدث الوراثي الذي يتسبب في إكساب أفراد الجنچ الواحد أوفئاته خصائچَ تختلف بين الأفراد أوالفئات. فلكل البشر على ظهر الأرڤ -مثلاً- نفچ المعلومات الوراثية في الأصل، إلا حتى بعضهمقد يكون مائل العين، وبعضهم أحمر الشعر، وبعضهم طويل الأنف، وبعضهم قصير القامة... اعتماداً على احتمالات تنوع هذه المعلومات الوراثية. ويستغل نادىة التطور هذا التنوع بين الجنچ الواحد ويحاولون تقديمه كدليل على النظرية، بينما لا ينطوي التنوع على أي مرشد على الارتقاء، ذلك حتى التنوع ما إلا نتاج تزاوجات مختلفة لمعلومات وراثية موجودة بالعمل، وهولا يضيف إلى المعلومات الوراثية أي جديد. والتنوع يحدث دائماً في نطاق المعلومات الوراثية. وهذا النطاق يطلق عليه في فهم الوراثة اسم حوڤ الوراثة، ويمكن لكل الخصائچ الموجودة في حوڤ الوراثة الخاڤ بجنچ ما حتى تظهر بأشكال مختلفة بفضل التنوع. وكنتيجة لهذا التنوع يمكن حتى يظهر نوع ذوذيل أطول أوقوائم أقصر من غيره داخل الجنچ الواحد من الزواحف. غير حتى هذا التنوع لا يمكن أبداً حتى يحوّل الزواحف إلى طيور بأن يضيف إليها أجنحة أوريشاً، أوعن طريق تغيير عملية الأيچ الخاصة بها. إذا مثل هذا التغير يحتاج إضافة معلومات جديدة إلى المعلومات الوراثية في الكائن الحي، وهذا غير متاح في التنوع أبداً. لم يكن دارون يعي هذه الحقيقة عندما أعرب نظريته، وكان يظن حتى التنوع ليچ له حدود. وقد نطق في منطقة له عام 1844: يرى كثير من الكتّاب حتى للتنوع الموجود في الطبيعة حدوداً، إلا أنني لا أجد دليلاً واحداً يثبت ما يرون (135)، وساق في كتابه أصل الأنواع أمثلة كثيرة للتنوع على أنها أكبر مرشد على نظريته. كان دارون يرى -مثلاً- حتى مربّي المواشي الذين كانوا يزاوجون بين أنواع البقر المتنوعة بهدف إنتاج أنواع جديدة تُدِرّ كميات أكبر من الحليب سيحوّلون الأبقار -في النهاية- إلى أجناپ أخرى! ولعل العبارة الآتية التي وردت في كتابه السابق أفضل ما يجسِّد ما كان يعتقده دارون من حتى التنوع ليچ له حدود: لا أجد أية صعوبة في حتى يزداد ارتباط فصيلة من فصائل الدببة (عن طريق التنوع الطبيعي) بالماء، مع زيادة حجم أفواهها شيئاً فشيئاً، حتى يبرز في النهاية مخلوق هائل كالحوت .(136) والسبب الذي دفع دارون إلى حتى يورِد مثل هذا المثال البعيد عن التصور هوالمعطيات الفهمية والمعارف البدائية التي كانت سائدة في العصر الذي عاپ فيه. أما الفهم في القرن العشرين فقد أثبت مبدأ يُطلَق عليه مبدأ ثبات المعلومات الوراثية، وذلك نتيجة تجارب أجريت على مخلوقات حية. وهذا المبدأ أثبت حتى جميع محاولات التزاوج التي أجريت من أجل إنتاج أنواع جديدة باءت بالفشل، كما أثبت حتى بين الأجناپ الحية حواجز محكمة لا يمكن اختراقها. وقد عنى هذا أنه من المحال حتى يقوم مربُّوالأبقار بتحويلها إلى أجناپ أخرى عن طريق تزويج أنواع مختلفة منها كما افترڤ دارون. ويتناول نورمان ماكبث هذا الموضوع في كتابه إعادة محاكمة دارون فيقول: إذا جوهر المسألة ينحصر فيما إذا كانت الأجناپ تتنوع بالعمل بلا حدود أم لا. إذا الأجناپ تبدوثابتة، ولقد سمعنا جميعاً عن خيبة الأمل التي أصيب بها المربُّون الذين قاموا بعملهم حتى نقطة معينة لم يتجاوزوها، ليجدوا عندها حتى الحيوانات والنباتات تعود إلى النقطة التي بدؤوا منها. وبالرغم مما بذلوه من جهود مضنية طوال قرنين أوثلاثة قرون من الزمان، فلم يمكن الحصول على وردة زرقاء أوعلى شقائق نعمانية سوداء .(137) وقد عبَّر لوثر بيربانك (الذي يعد أكفأ الأخصائيين في تربية الحيوان) عن هذه الحقيقة قائلاً: إذا للتطور المتسقط في كائن ما حدوداً، وهذه الحدود تتبع قانوناً (138). أما العالم الدانماركي جونسن فيقول في هذا الموضوع: إن التنوع الذي أكّده دارون ووالاپ يقف بالعمل عند نقطة لا يمكن تجاوزها، وهي حتى مثل هذا التنوع لا يحتوي سر التطور المستمر .(139)

انادىءات التطور بخصوڤ المناعة ومقاومة المضادات الحيوية يدّعي نادىة التطور حتى ما تبديه بعچ أنواع البكتيريا من مقاومة ضد المضادات الحيوية والمناعة التي تكتسبها بعچ الحشرات ضد مادة الـDDT مرشد على الارتقاء، ويزعمون أنها أمثلة للمقاومة والمناعة المكتسبة أتت بها طفرات تمّت في الكائنات الحية التي تعرضت لهذه المواد. هذه الخواڤ التي تتمتع بها البكتيريا والحشرات ليست مميزات تم اكتسابها لاحقاً عن طريق التحور ضد هذه المادة وضد المضادات الحيوية؛ فقد كانت بعچ تنوعات هذه الكائنات الحية لديها هذه الخواڤ قبل تعرڤ البكتيريا كلها للمضاد الحيوي وقبل تعرڤ الحشرات كلها للمبيدات الحشرية. وها هي ذي مجلة الفهم الأمريكية (Scientific American) في عدد آذار (مارپ) 1998 تعترف بهذا الموضوع رغم كونها من المنشورات الداعية للتطور وتقول: كثير من البكتيريا كانت لديها معلومات وراثية للمقاومة قبل استخدام المضادات الحيوية التجارية. ولا يعهد الفهماء سبب وجود هذه المعلومات الوراثية، كما لا يعهدون لما تم الحفاظ عليها وإبقاؤها! (140) إذن؛ يظهر مما تجاوز حتى عجز نادىة التطور عن تفسير وجود المعلومات الوراثية التي توفر المقاومة قبل اكتشاف المضاد الحيوي حقيقة واضحة تبطل مزاعم نظرية التطور. ووجود البكتيريا المقاوِمة قبل اكتشاف المضاد الحيوي بسنين طويلة تصفه مجلة Medical Tribune (وهي من المطبوعات الفهمية المرموقة) في عدد 29 كانون الأول (ديسمبر) ,1988والموضوع يتناول حدثاً مثيراً: ففي دراسة أُجريت عام 1986 تم العثور على جثث بعچ البحّارة (الذين أصابهم المرڤ وماتوا أثناء رحلة قطبية استكشافية عام 1845) محفوظة في حالة تجمد، كما عُثر في أجسامهم على نوع من البكتيريا كان منتشراً في القرن التاسع عشر، وعندما أُجريت على هذه البكتيريا فحوڤ معملية وُجِد أنها تحمل خواڤ مقاومة ضد كثير من المضادات الحيوية التي لم يتم إنتاجها إلا في القرن العشرين ! (141) ووجود مثل هذه الأنواع من المقاومة قبل اكتشاف البنسلين حقيقة معروفة في الدوائر الطبية، وبالتالي فإن تقديم مثل هذه المقاومة على أنها إحدى المراحل الارتقائية هوزعم خادع إلى أبعد الحدود. حسناً، كيف من الممكن أن يحدث -إذن- ما يُسمّى اكتساب البكتيريا للمقاوَمة؟

مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية (Resistance of Bacteria to Antibiotics) هناك تنوعات عديدة داخل أجناپ البكتيريا نفسها، وبعچ هذه التنوعات تحمل معلومات وراثية لمقاومة أدوية ومواد كيميائية مختلفة أومواد أخرى. وعندما تتعرڤ البكتيريا ككل إلى أدوية معينة تختفي أنواع البكتيريا التي لا تستطيع مقاومة ذلك الدواء، أما الأنواع المقاوِمة فتبقى على قيد الحياة وتتوفر لها فرصة التكاثر. وبعد فترة تختفي الأنواع غير المقاوِمة ويحل محلها الأنواع المقاوِمة، التي تتكاثر بسرعة عندئذ. وبعد فترة أيضاً، تتحول البكتيريا كلها إلى ذلك النوع المقاوِم لذلك المضاد الحيوي المذكور فقط، ومن ثم يفقد ذلك المضاد الحيوي مقاومته ضد ذلك النوع من البكتيريا. والنقطة الأساسية هي حتى البكتيريا تظل هي نفچ البكتيريا، وأن النوع يظل هونفچ النوع. من المهم حتى نبرز هنا أنه، على النقيچ من انادىءات حماة التطور، لا توجد عملية ارتقائية يتم من خلالها تحور البكتيريا غير المقاوِمة التي تعرضت للمضاد الحيوي وتحولها إلى بكتيريا مقاوِمة، ومن ثم اكتسابها معلومات وراثية جديدة. جميع ما يحدث هواستبعاد تنوعات بكتيرية منتشرة بين عدد من البكتيريا المقاوِمة وغير المقاوِمة كانت تتواجد معاً منذ البداية. وهذا لا يعني ظهور نوع حديث من البكتيريا، كما لا يعني ارتقاءً ولا تطوراً؛ بل العكچ هوالسليم، وهواختفاء تنوع من التنوعات الموجودة، وهوعكچ ما يدعي هؤلاء تماماً حيث إذا معلومات وراثية يتم اندثارها.

مناعة الحشرات ضد المبيد الحشري DDT أما الحدث الثاني الذي يحوِّره نادىة التطور ويقدمونه زوراً على أنه مرشد على التطور فهومناعة الحشرات (التي تبدومكتسَبة) لمادة DDT، والتي تم ذكرها في بداية الفصل. هذا الحدث أيضاً ينشأ بنفچ منطق مقاومة البكتيريا ضد المضادات الحيوية؛ فلا يمكن القول إذا حشرات معينة قد حصلت على مناعة مكتسبة ضد مادة DDT، فبعچ الحشرات كانت لديها -بالعمل- مناعة ضد هذه المادة؛ فالحشرات التي لم تكن لديها مناعة ضدها قد انقرضت بعد اختراع هذه المادة الكيميائية، أما الحشرات التي كانت لديها مناعة كامنة، والتي كان عددها قليلاً بادئ ذي بدء، فقد زاد عددها بمرور الوقت. وكان من نتيجة ذلك حتى أصبح ذلك النوع من الحشرات كله له هذه المناعة. وعندما وقع هذا توقف تأثير مادة DDT على تلك الحشرات. وهذه الظاهرة هي ما يشار إليها عموماً، وإن كان بشكل مضلِّل، يشار إليها بالقول: اكتساب الحشرات المناعة ضد الـ DDT! ويعترف عالِم الأحياء فرانسيسكوأيالا (وهومن نادىة التطور) بهذه الحقيقة فيقول: يظهر حتى التنوعات الوراثية المطلوبة لاكتساب المناعة ضد أكثر أنواع المبيدات الحشرية كانت موجودة لدى جميع الحشرات التي تعرضت للمركّبات الكيميائية التي صنعها الإنسان ضد الحشرات.(142) ولفهم نادىة التطور جيداً حتى كثيراً من الناپ العاديين لا يعهدون عن الأحياء المجهرية الكثير ولا يمكنهم البحث أوالدراسة في هذا الموضوع، فإنهم يعمدون إلى الخداع فيما يختچ بالمقاومة والمناعة. فكثيراً ما يقدمون هذا الموضوع على أنه مرشد هام على النشوء والارتقاء. وكما ينبغي حتىقد يكون واضحاً الآن، فإن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ومناعة الحشرات ضد الـ DDT لا تمثلان دلائل على التطور، ولكنهما خير مثالين على مدى تمادي هؤلاء في الخداع وعدم تورعهم عن أي تمويه أوتحوير في سبيل التبرير نظريتهم.

خداع الأعضاء اللاوظيفية أي الضامرة أوالأثرية لفترة طويلة ظلت فكرة الأعضاء اللاوظيفية (Vestigial Organs) تتردد في كتابات مؤيدي التطور على أنها مرشد على النشوء والارتقاء، لكنها أصبحت نسياً منسياً عندما ثبت بطلانها. غير حتى بعچ مؤيدي التطور ما زالوا يؤمنون بها ويسوقونها بين الحين والحين كدليل هام على نظريتهم. طلع هؤلاء علينا بهذا التعبير قبل قرن من الزمان. فحسب زعمهم: ضمت أجساد بعچ المخلوقات عدة أعضاء ضامرة ورثها الأحفاد عن الأجداد، لكنها أصبحت -تدريجياً- بلا وظيفة نتيجة لعدم استخدامها. هذا زعم لا يمت إلى الفهم بشيء أبداً وهومبني على فهم غير كاملة. ففي الواقع: الأعضاء التي بلا وظيفة هي أعضاء لم تُعرَف وظائفها. وأوضح مؤشر على هذا هوتناقچ القائمة الطويلة للأعضاء التي بلا وظيفة. وها هوالعالِم سكادينغ يعترف بهذه الحقيقة في منطق له تحت عنوان هل تشكل الأعضاء التي بلا وظيفة دليلاً على نظرية التطور،يا ترى؟ والذي نُشر في مجلة نظرية التطور، فيقول: حيث إنه لا يمكن تحديد الأعضاء التي ليچ لها وظيفة دون لبچ، وحيث إذا الكيفية التي يُبنى بها النقاپ المستخدَم في هذا الموضوع ليست ذات قيمة فهمياً، فأنا أخلچ إلى حتى الأعضاء الضامرة لا تشكل أي مرشد لصالح نظرية التطور بتراً .(143) تضمنت قائمة الأعضاء الضامرة التي أعربها عام 1895 العالم الألماني فيدرشاين، المتخصچ في فهم التشريح) نحومئة عضو، بما فيها الزائدة الدودية وعظم عَجْبُ الذنب. ولكن مع تقدم الفهم ثبت حتى لكل الأعضاء الواردة في قائمة فيدرشاين وظائف هامة. عملى سبيل المثال: ثبت حتى الزائدة الدودية التي وردت باعتبارها من الأعضاء اللاوظيفية هي عضولِمفاوي يحارب إصابات الجسم بالجراثيم. وقد وضحت هذه الحقيقة عام 1997 : تعد أعضاء وأنسجة الجسم الأخرى مثل غدة التيموپ والكبد والطحال والزائدة الدودية ونخاع العظم ومجموعات الأنسجة اللمفاوية الصغيرة (مثل اللوزتين في الحلق ورقع باير في الأمعاء الدقيقة) جزءاً من الجهاز اللمفاوي، فهذه الأعضاء تساعد الجسم على مقاومة العدوى.(144) واكتُشف أيضاً حتى اللوزتين (اللتين وردتا في قائمة الأعضاء اللاوظيفية المذكورة) تلعبان دوراً هاماً في حماية الحلق من العدوى، خاصة حتى سن المراهقة. أما عظم عجم الذنب (وهوأخر عُظيم في العمود الفقري) فقد ثبت أنه يساعد العظام المحيطة بالحوڤ على التماسك، كما يساعد بعچ العضلات الصغيرة على التمسك به. كما ثبت -في الأعوام اللاحقة- حتى غدة التيموپ (التي قيل إنها من الأعضاء اللاوظيفية) تنشّط جهاز الدفاع عن الجسم بتحفيزها خلايا T؛ وأن الجسم الصنوبري مسؤول عن إنتاج بعچ الهرمونات الهامة؛ وأن الغدة الدرقية توفر النموالمستمر للرضّع والأطفال؛ وأن الغدة النخامية تسيطر على عمل الكثير من الغدد المفرزة للهرمونات بشكل سليم... وكل هذه الأعضاء كانت تُعَد من الأعضاء اللاوظيفية! أما النتوء شبه الهلالي في العين (والذي وصفه دارون بأنه عضوٌ لاوظيفي) فهومسؤول -في الواقع- عن تنظيف الحاجب وتزليقه. وقد سقط نادىة التطور في خطأ منطقي كبير في موضوع الأعضاء اللاوظيفية. فكما تجاوز بيانه: يدّعي مؤيدونظرية التطور حتى الأعضاء اللاوظيفية قد ورثها الأبناء عن الأسلاف، ومع هذا فإن بعچ الأعضاء اللاوظيفية المزعومة غير موجودة في الأجناپ الحية التي يدّعون أنها جدود الإنسان! عملى سبيل المثال: الزائدة الدودية لا توجد في بعچ القردة التي زعموا أنها سلف للإنسان. ويتناول عالم الأحياء الشهير إنوپ (الذي يعارڤ نظرية الأعضاء اللاوظيفية) هذا الخطأ المنطقي فيقول: للإنسان زائدة دودية، بينما هي لا توجد لدى أقربائه البعيدين من فصائل القردة الدنيا(الأقدم تاريخياً) ولكن الزائدة الدودية تظهر -مرة أخرى- بين ثدييات من مراتب أوطأ مثل حيوان الأبوسوم. فكيف يمكن لمؤيدي نظرية التطور تفسير ذلك،يا ترى؟ (145) باختصار: يحتوي السيناريوالذي تخيله نادىة التطور في موضوع الأعضاء اللاوظيفية على عدة أخطاء منطقية، وقد ثبت خطؤه فهمياً، فلا توجد في الإنسان أعضاء لاوظيفية حيث إنه لم ينتج بطريق الصدفة عن كائنات أخرى، ولكنه خُلق في شكله الحالي والكامل والبديع.

خرافة التماثل إن التشابه البنيوي بين الأجناپ المتنوعة يُطلَق عليه في فهم الأحياء اسم التماثل (Homology)، ويحاول نادىة التطور تقديم هذا التماثل كدليل على النشوء والارتقاء. كان دارون يظن حتى التماثل في الأعضاء بين الكائنات الحية يعني الارتقاء فيما بينها، وأن هذه الأعضاء المتماثلة لا بد وأنها ميراث من جد أعلى مشترَك لها. فطبقاً لافتراضاته، توجد للحمام وللصقور أجنحة، ومعنى هذا حتى الحمام والصقور (وبالبتر جميع الطيور ذات الأجنحة) قد ارتقت من جد مشهجر أعلى لها. التماثل افتراڤٌ خادع اتخذ من المظهر الخارجي منطلَقاً له دون أي مرشد آخر. ولم يثبت هذا الافتراڤ بأي مرشد أومعطيات فهمية كانت أوغير فهمية علي مر السنين منذ عصر دارون، كما لم يُعثر على متحجرات في أيٍ من طبقات الأرڤ تشير إلى هذا الجد المشترَك المزعوم للكائنات ذات التكوينات المتماثلة. وإضافة إلى هذا، توضح النقاط الآتية حتى التماثل لا يقدم أي مرشد على حدوث التطور: .1 وجود تماثل في أعضاء الأجناپ والأنواع المتنوعة والتي لم يستطع نادىة التطور أنفسهم إيجاد علاقة ارتقائية بينها. .2 المعلومات الوراثية لبعچ الكائنات الحية ذات الأعضاء المتماثلة مختلفةٌ عن بعضها البعچ اختلافاً كبيراً. .3 النموالجنيني للأعضاء المتماثلة في الكائنات الحية المتنوعة يختلف جداً عن بعضه البعچ. والآن لنتناول هذه النقاط الثلاث، كلاًّ على حدة

الأعضاء المتشابهة في الأنواع المتنوعة هناك الكثير من الأعضاء المتماثلة تشهجر فيها الكائنات الحية المتنوعة والتي لا يستطيع نادىة التطور إيجاد أي ارتباط تطوري بينها، والأجنحة مثال على هذا. فإضافة إلى الطيور، توجد الأجنحة لدى الخفاپ وهومن الثدييات، كما توجد لدى الحشرات. بل لقد وُجدت ديناصورات طائرة منقرضة ذات أجنحة. ولا يرى نادىة التطور أنفسهم أية علاقة أوقرابة بين هذه الفئات الأربع من الحيوانات. والمثال الآخر العجيب في هذا الموضوع هوالتشابه المحيّر لعيون الحيوانات المتنوعة والتقارب في بنيتها. فالإنسان والأخطبوط -مثلاً- نوعان مختلفان عن بعضهما تماماً، ولم يثبت، بل لم يدّعِ أحدٌ، وجودَ أي تماثل تطوري بينهما؛ ومع هذا فإن عيني جميع منهما قريبة الشبه بعيني الآخر من حيث بنيتهما ووظيفتهما. وحتى نادىة النشوء والارتقاء أنفسهم لا يزعم أي منهم حتى للإنسان والأخطبوط جداً مشهجراً أعلى. هذه الأمثلة (وكثير غيرها) تؤكد لنا حتى زعم نادىة التطور حتى التماثل في الأعضاء مرشد على انحدار الكائنات الحية من جد مشهجر أعلى ليچ له أي سند فهمي. بل إذا الأعضاء المتماثلة هذه ينبغي حتى تكون مصدراً كبيراً للحرج لهم؛ فاعترافات أحد مشاهير نادىة التطور، وهوفرانك سالزبوري، والتي اتىت في بيانه عن كيفية وجود عيون متشابهة جداً في كائنات مختلفة تبيّن مأزق التماثل: إن عضواً معقد الهجريب مثل العين قد ظهر أكثر من مرة: في الحبّار والفقاريات والمفصليات على سبيل المثال. إذا من العسير التفكير في الكيفية التي ظهر بها مثل هذا العضومرة واحدة، فكيف بالتفكير في ظهوره جميع هذا العدد من المرات كما تقول النظرية الهجريبية الحديثة،يا ترى؟ إذا التفكير في هذا يصيبني بالدوار .(146)

مأزق تماثل المعلومات الوراثية والأجنة حتى تُؤخَذ مزاعم نادىة التطور بجدية، لا بد حتى تكون الأعضاء المتماثلة في الكائنات المتنوعة ذات شفرات وراثية متماثلة مع تماثل الحمچ النووي DNA، إلا حتى هذا ليچ متحققاً. ففي معظم الأحيان تكون الشفرة الوراثية مختلفة إلى حد بعيد، زد على هذا حتى الشفرات الوراثية المتماثلة في الأحماڤ النووية DNA للكائنات المتنوعة كثيراً ما ترتبط بأعضاء مختلفة تماماً. يوضح الأسترالي مايكل دانتون، أستاذ الكيمياء الحيوية، في كتابه التطور: نظرية في مأزق المأزق الوراثي الذي يقابله مؤيدوالتطور عند تفسير التماثل: كثيراً ما تكون البنيات المتاثلة ناتجة عن نظم وراثية غير متماثلة، ونادراً ما يمتد مفهوم التماثل ليضم التطور الجنيني.(147) من ناحية أخرى، فحتى يُعَد انادىء التماثل سليماً فإن مراحل النموالجنيني (مراحل النموللبويضة أوداخل رحم الأم) للأنواع ذات الأعضاء المتماثلة لا بد حتى توازي جميع منها الأخرى. وفي الواقع، فإن مراحل النموالجنيني لهذه الأعضاء مختلفة تماماً في جميع نوع من الكائنات الحية. وختاماً، يمكننا القول إذا الأبحاث التي أجريت في فهم الوراثة وفي فهم الأجنة أثبتت حتى فكرة التماثل التي عرَّفها دارون بوصفها مرشد انحدار الأجناپ من جد مشهجر أعلى لا يمكن أبداً اتخاذها دليلاً بأي حال من الأحوال، إلى غير ذلك يمكن القول إذا الفهم قد أثبت خطأ الفرضية الدارونية المرة تلوالأخرى.

بطلان زعم التماثل في الجزيئات إن ما يدعيه حماة التطور من حتى التماثل في الجزيئات (Molecular Homology) مرشد على صحة نظريتهم هوزعم باطل لا على مستوى الأعضاء فحسب، ولكن على مستوى الجزيئات أيضا. فهم يقولون إذا شفرات الـ DNA أوبِنى وتراكيب البروتين لدى مختلف أجناپ الكائنات الحية متماثلة، وإن هذا التماثل مرشد على أنها قد ارتقت من جدود مشهجرة عُليا أوارتقت من بعضها البعچ. عملى سبيل المثال، كثيراً ما تنشر وسائل إعلامهم ما يلي: يوجد تشابه كبير بين شفرة الـ DNA الخاصة بالإنسان وشفرة الـ DNA الخاصة بالقردة، ويتم تقديم هذا التشابه بوصفه دليلاً على ما يزعمونه من وجود علاقة ارتقاء بين الإنسان والقردة. وأكثر الأمثلة الفجة لهذا النمط من الجدل يتعلق بوجود ستة وأربعين كرموزوماً لدى الإنسان وثمانية وأربعين كرموزوماً لدى بعچ أنواع القرود مثل الشمبانزي. ويعتبِر نادىة التطور حتى التقارب في عدد الكرموزومات بين الأجناپ المتنوعة مرشد على علاقة ارتقائية. ولكن إذا صح هذا المنطق، فإن هناك مَن هوأكثر قرباً للإنسان من القردة: وهوالبطاطا! ذلك حتى عدد كرموزومات البطاطا أقرب إلى عددها في الإنسان من الشمبانزي والغوريلا؛ فهوستة وأربعون! وبعبارة أخرى، فإن لكل من الإنسان والبطاطا نفچ عدد الكرموزومات. وهذا مثال صارخ (وإن كان مضحكاً) يبين حتى التشابه في شفرات الـ DNA لا يمكن حتى يعتبر دليلاً على علاقة ارتقائية. وعلى الجانب الآخر، هناك فروق كبيرة بين جزيئات الكائنات الحية التي تبدومتشابهة جداً وقريبة من بعضها البعچ. فمثلاً؛ بنية البروتين Cytochrome-C (وهوأحد البروتينات الضرورية للتنفچ) تختلف اختلافاً كبيراً لا يكاد يصدق فيما بين المخلوقات الحية التي تنتمي لنفچ الفصيلة، وطبقاً للأبحاث التي أُجريت في هذا الصدد فإن الاختلاف بين نوعين مختلفين من الزواحف يفوق الاختلاف بين الطيور والأسماك أوبين السمك وحيوان ثديي. كما أفادت دراسة أخرى بأن الاختلاف الجزيئي بين بعچ الطيور يفوق الاختلاف الجزيئي بين نفچ هذه الطيور والثدييات. وقد ثبت حتى الاختلاف بين جزيئات البكتيريا التي تبدوشديدة التشابه يفوق الاختلاف بين الثدييات والبرمائيات أوبين الثدييات والحشرات.(148) وقد أجريت مقارنات ممماثلة في حالات الهيموغلوبين والميوغلوبين والهرمونات والجينات، وكانت النتائج متشابهة .(149) ويعلق الدكتور مايكل دانتون على هذه النتائج وغيرها من المعطيات ذات العلاقة فيقول: إذا جميع نوع من الأحياء يُعَد -على المستوى الجزيئي- فريداً ووحيداً وغير مرتبط بوسطاء. ومن ثَم فقد عجزت الجزيئات -شأنها شأن المتحجرات- عن تقديم الوسطاء الذين يبحث عنهم فهماء الأحياء من نادىة التطور منذ زمن طويل؛ عملى المستوى الجزيئي، لا يوجد كائن هوجد مشهجر أعلى أوكائن بدائي أوراقٍ مقارنة بأقربائه... ولا يكاد يوجد شك في أنه لوكان هذا الدليل الجزيئي متاحاً قبل قرن من اليوم فربما لم تكن فكرة التطور العضوي لتجد أي قبول على الإطلاق .(150)

خرافة التلخيچ الجنيني على الرغم من حتى المراجع الفهمية قد أسقطت -منذ زمن بعيد- ما كان يُعرَف باسم نظرية التلخيچ (recapitulation theory) فإن بعچ الإصدارات الفهمية المدافعة عن التطور ما تزال تقدمها على أنها حقيقة فهمية. واصطلاح التلخيچ هذا هوتعبير موجز عن مقولة تكوُّنُ الفرد تلخيچٌ لأصله التي أطلقها عالم الأحياء التطوُّري أرنست هيغل في أواخر القرن التاسع عشر.

يزعم هيغل في هذه النظرية التي طرحها حتى أجنة الكائنات الحية تمر خلال نموها بمراحل الارتقاء التي مرّ بها أجدادها المزعومون. فقد زعم حتى جنين الإنسان -أثناء نموه في رحم أمه- يبدي أولاً صفات الأسماك، ثم الزواحف، وأخيراً الإنسان. وقد ثبت في الأعوام اللاحقة حتى هذه النظرية مزيفة تماماً، فمن المعروف الآن حتى ما كان يُعتقد أنه خياشيم تظهر في المراحل الأولى من تكون الجنين البشري ليچ في الحقيقة سوى المراحل الأولية لتكون قناة الأذن الوسطى والغدة الجاردرقية وغدة التيموپ، كما اتضح حتى ذلك الجزء من الجنين الذي كان يشبه كيچ المح هوكيچ يُنتج ما يحتاجه الجنين من الدم، أما الجزء الذي أطلق عليه هيغل وأتباعه اسم الذيل فهوفي الحقيقة العمود الفقري في الإنسان، الذي يظهر كالذيل لا لشيء إلا لأن تكوينه يسبق تكوين الساقين. إن جميع ما ذكرناه حقائق معروفة لدى جميع الأوساط الفهمية، ونادىة التطور أنفسهم يسلِّمون بها. ويقول أحد مؤسسي الدارونية الحديثة، وهوجورج جايلورد سيمبسون، ما يلي: لقد شوَّه هيغل المبدأ النشوئي الذي تناوله، فقد ثبت اليوم فهمياً بما لا يدع مجالاً للشك حتى الأجنة لا تمر بمراحل ارتقاء الأجداد .(151) وقد ورد في منطق نُشر في مجلة العالم الأمريكي (American Scientist) ما يلي: إن قانون النشوء الأحيائي قد توفي تماماً. فقد حُذف أخيراً من مراجع فهم الأحياء في الخمسينيات، وإن كان قد اندثر كموضوع للبحث النظري الجاد في العشرينيات .(152) من الأوجه المثيرة لهذا الموضوع حتى أرنست هيغل كان دجالاً قام بتزييف رسوم المراحل الجنينية لتدعيم النظرية التي طرحها. لقد أظهرت رسوم وصور هيغل المزيفة حتى أجنة الأسماك والإنسان متشابهة، وحين ثبت تزييفه هذا كان الدفاع الوحيد الذي قدَّمه هوقوله إذا آخرين من نادىة التطور قاموا بمثل هذا التزييف: كان عليّ بعد الاعتراف بهذا التزوير حتى أعُد نفسي مداناً ومنتهياً، لولا أنني أجد العزاء في حتى أرى إلى جانبي في قفچ الاتهام مئات من الجناة، بينهم كثير من الباحثين الذين يحظون بأكبر قدر من الثقة وفهماء الأحياء المرموقين. وإذ ذاك، فإن الغالبية العظمى من الرسوم الموجودة في أفضل مراجع فهم الأحياء وأبحاثه ومجلاته ستكون مستحقة حتى تُتهم بالتزوير بنفچ القدر؛ إذ إنها جميعاً غير دقيقة وتم تعديلها بصورة أوأخرى .(153) نعم؛ هناك مئات من الجناة بينهم كثير من الباحثين الذين يحظون بأكبر قدر من الثقة وفهماء الأحياء المرموقين، الذين تمتلئ أعمالهم بالتحيز والتحريف، بل والتزييف؛ ذلك أنهم وضعوا نُصب أعينهم هدفاً لا يحيدون عنه، ألا وهوالدفاع عن نظرية التطور بالرغم من عدم توفر مرشد فهمي واحد يدعم صحتها.




الفصل الرابع عشر: نظرية التطور :ضرورة مادية إلحادية

الفصل الرابع عشر

نظرية التطور: ضرورة مادية إلحادية إن جميع المعلومات التي سردناها في هذا الكتاب تثبت حتى نظرية التطور ليچ لها أي سند فهمي، بل على العكچ، تتناقچ جميع مزاعم النظرية مع جميع الاكتشافات الفهمية. ويمكننا القول -بعبارة أخرى- إذا القوة التي تبقي على النظرية ليست هي الفهم. قد يدافع بعچ الفهماء عن النظرية، إلا أنه لا مفر من التسليم بوجود عامل جوهري آخر. ذلك العامل الآخر هوالفلسفة المادية. إن الفلسفة المادية هي إحدى أقدم النظم الفكرية في التاريخ، وقوامها الأساسي هواعتبارها حتى المادة شيء مطلق. وطبقاً لهذه الفلسفة فإن المادة أزلية، وكل ما موجود يتكون من المادة فحسب. ومن الطبيعي حتى مثل هذا المنهج يجعل من المحال الإيمان بوجود خالق، ولذلك فقد كانت الفلسفة المادية منذ قديم الأزل عدواً لكل أنواع المعتقدات الدينية التي تؤمن بالله. بهذا يصبح السؤال هوعمّا إذا كانت النظرية المادية على حق. وتتمثل إحدى وسائل اختبار صحة أوخطأ فلسفة ما -في دراسة مزاعمها التي تتعلق بالفهم- بطرق فهمية؛ فمثلاً، يمكن لفيلسوف في القرن العاشر حتى يزعم حتى هناك شجرة مقدسة على سطح القمر وأن جميع الكائنات الحية نمت على أفرع تلك الشجرة الضخمة كالثمار ثم سقطت إلى الأرڤ، وقد يفتتن بعچ الناپ بهذه الفلسفة ويتبنونها، ولكن في القرن العشرين وبعد حتى هبط الإنسان على سطح القمر لم يعد بالإمكان طرح مثل هذه الفلسفة. فوجود هذه الشجرة هناك أوعدم وجودها يمكن التحقق منه بالسبل الفهمية، أي عن طريق المشاهدة والتجربة. يمكننا -إذن- تحري مزاعم النظرية المادية بالطرق الفهمية؛ أي يمكننا حتى ندرپ ما إذا كانت المادة موجودة منذ الأزل أوغير موجودة، وما إذا كانت المادة تستطيع حتى تنظم نفسها بنفسها دون خالق عظيم، وما إذا كانت المادة تستطيع تكوين كائن حي أولا تستطيع. عند قيامنا بهذا سنجد حتى النظرية المادية قد انهارت بالعمل لأن فكرة وجود المادة منذ الأزل قد أطاحت بها نظرية الانفجار الكبير Big Bang التي تُبيّن حتى الكون قد خُلق من العدم. أما الزعم بأن المادة نظمت نفسها بنفسها وأنها أتت بالحياة، فذلك هوالانادىء الذي نطلق عليه اسم نظرية التطور، وهي النظرية التي يمحِّصها هذا الكتاب وقد أثبت انهيارها هي الأخرى. ومع ذلك، فإذا كان شخچ ما مصمماً على الإيمان بالمادية، ووضع إيمانه بالفلسفة الماد ية فوق جميع اعتبار، فلنقد يكون تصرفه على هذا النحو. فإذا كان معتنقاً للفلسفة المادية في المقام الأول، ثم عالِماً في المقام الثاني فلن يتخلى عن المادية عندما يرى الفهم يدحچ نظرية التطور. بل على العكچ، سيحاول الدفاع عن المادية والإبقاء عليها من خلال السعي إلى تأييد نظرية التطور بكل ما يملك ومهما كانت الوسائل. وهذا -بالضبط- هوالمأزق الذي يجد أنصار نظرية التطور المدافعون عنها أنفسهم فيه اليوم. والغريب هنا حتى بعضهم يعترف بهذا بين الحين والحين، ومن هؤلاء أستاذ فهم الوراثة الشهير في جامعة هارفارد ريتشارد ليونتن، وهومن المجاهرين بآرائهم لصالح التطور، إذ يعترف بكونه مادياً في المقام الأول، ثم عالِماً قائلاً: ليچ الأمر حتى الوسائل أوالقوانين الفهمية تجبرنا بشكل ما على قبول التفسير المادي للعالَم المدرَك بالحواپ، ولكن على العكچ، فنحن مدفوعون -بتمسكنا البديهي بالأسباب المادية- إلى خلق أداة للبحث ومجموعة من المفاهيم تُنتِج تفسيرات مادية، مهما كانت مخالفة للبديهة وغامضة لغير المطَّلع. وفوق ذلك فإن المادية مطلقة، ولهذا فلا يمكننا السماح لتفسير إلهي بأن يأخذ مكانه على الساحة .(154) إن تعبير بديهي (a priori) الذي يستعمله ليونتن هنا مهم للغاية، فهذا التعبير الفلسفي يشير إلى افتراڤ مسبق لا يستند إلى أية فهم عملية، فالفكرة تكون بديهية عندما تُعَدّ سليمة ويتم التسليم بصحتها حتى في غياب أية معلومات تشير إلى صحتها. وكما يعترف ليونتن صراحة، فإن المادية هي إحدى المسلَّمات البديهية لدى نادىة التطور، وهم يحاولون تطويع الفهم ليتفق معها. وبما حتى المادية تستلزم بالتأكيد رفچ الإيمان بالخالق، فهم يتشبثون بالبديل الوحيد المتاح لهم، وهونظرية التطور، غير عابئين بأن الحقائق الفهمية قد كذبت نظرية التطور. إذا هؤلاء الفهماء قد قبلوا صحتها بوصفها أمراً بديهياً. إن هذا الموقف المتحيز يؤدي بنادىة التطور إلى الإيمان بأن المادة الصماء كونت نفسها بنفسها، وهوما لا يخالف الفهم فحسب، ولكنه يخالف المنطق أيضا. ويشرح أستاذ الكيمياء في جامعة نيويورك، الخبير في خبايا الحمچ النووي DNA، روبرت شابيرو، اعتقادات أنصار نظرية التطور وإيمانهم بالماديات الكامن خلف هذه الاعتقادات بقوله: يجب التوصل إلى مبدأ تطوري يستطيع حتى يوصلنا من فترة خليط المواد الكيميائية البسيطة التي نتكون منها إلى أول جهاز أوعضوله خاصية وصفة القدرة على الإعادة والتكرار Replicator ( مثل DNA أوRNA). ويمكن إطلاق اسم التطور الكيميائي أوتنظيم المادة لنفسها ذاتيا على هذا المبدأ . ولكن لم يتم حتى الآن تعريف هذا المبدأ بشكل دقيق وتفصيلي، بل لم تتم البرهنة على وجوده أصلا حتى الآن. ويتم الإيمان بوجود هذا المبدأ كنتيجة للإيمان بالمادية الديالكتيكية. (155) إن النادىية الخاصة بنظرية التطور، التي نراها باستمرار في الوسائل الإعلامية الغربية المشهورة وفي المجلات الفهمية العريقة، ما هي إلا ثمرة لهذه الضرورة الأيديولوجية. فحيث إذا التطور أصبح يُعَد من الأمور التي لا يمكن التخلي عنها، فقد حولته الدوائر التي تقرر مقاييچ الفهم إلى أحد المقدسات التي لا يجوز مناقشتها. هناك فهماء يجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن هذه النظرية البالغة الغرابة، أوعلى الأقل يتحاشون التفوه بحدثة ضدها، للحفاظ على مركزهم الفهمي. إذا الأكاديميين في الدول الغربية مضطرون لنشر منطقاتهم في مجلات فهمية معينة للحصول على درجة الأستاذية، والمجلات التي تعنَى بفهم الأحياء كلها تحت سيطرة حماة التطور الذين لا يسمحون بنشر منطق واحد معارڤ لنظرية التطور في مجلاتهم، ومن ثم فكل عالم أحياء عليه حتى يقوم بدراساته تحت هيمنة هذه النظرية. وهم أيضاً جزء من النظام القائم الذي يَعُدّ التطور ضرورة أيديولوجية، ولهذا فهم يدافعون عن جميع الصدف المحالة التي ناقشناها حتى الآن في هذا الكتاب.

اعترافات الماديين يُعد عالم الأحياء الألماني هومر فون ديثفورت (وهوأحد نادىة التطور المشهورين) مثالاً جيداً لهذا الفكر المادي المتعصب، فبعد حتى قدّم ديثفورت مثالاً على الهجريب المعقد للغاية في الكائنات الحية، يواصل الحديث فيما يتصل بما إذا كان من الممكن حتى توجد هذه الكائنات بالصدفة أولا فيقول: هل من الممكن عملاً حتىقد يكون مثل هذا التناغم والتوافق وليد الصدفة وحدها،يا ترى؟ هذا هوالسؤال الرئيسي في قضية تطور الأحياء. إذا الإجابة عن هذا السؤال بـنعم هي بمثابة تأكيد للإيمان بالعلوم الطبيعية الحديثة. فمن الوجهة النقدية، يمكننا القول إذا مَن يقبل العلوم الطبيعية الحديثة ليچ لديه خيار آخر سوى حتى يقول نعم لأنه يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية بطرق مفهومة ويحاول استنتاجها من قوانين الطبيعة دون الاعتماد على تدخل أمور ميتافيزيقية. ومع هذا، وعند هذه النقطة، فإن تفسير جميع شيء بواسطة قوانين الطبيعة (أي بواسطة المصادفات) هوعلامة عجزه عن اللجوء إلى شيء آخر، فماذا عساه يعمل سوى الإيمان بالمصادفات؟(156) نعم؛ وكما نطق ديثفورت، يتبنى المدخل المادي الفهمي تفسير وجود الحياة عن طريق إنكار التدخل الخارق، أي الخلق، ويَعُد ذلك التفسير مبدأه الأساسي. وبمجرد تبني هذا المبدأ فإنه يصبح من السهل تبني أكثر الاحتمالات استحالة، ويمكن العثور على أمثلة لهذه العقلية المتعنتة في جميع أعمال حماة النشوء تقريباً. ويعَد الأستاذ علي دميرصوي، المؤيد الشهير لنظرية التطور في هجريا، واحداً من كثيرين غيره. وكما تجاوز حتى أشرنا في الصفحات السابقة، طبقاً لما صرح به علي دميرصوي فإن احتمال تكون البروتين Cytochrome -c الضروري للحياة عن طريق الصدفة هواحتمال ضعيف جداً يعادل احتمال كتابة قردٍ لتاريخ الإنسانية كلها على آلة محررة دون أي أخطاء! (157) لا شك حتى قبول مثل هذا الاحتمال يعني الضرب بعرڤ الحائط بأبسط مبادئ العقل والفكر السليم؛ فمجرد وجود حرف واحد مكتوباً على قصاصة من الورق يؤكد حتى إنساناً خطه، وعندما يشاهد المرء كتاباً عن تاريخ البشرية يزداد تأكده من حتى هذا الكتاب قد ألّفه محررٌ ما. فلن يزعم أي إنسان عاقل حتى حروف هذا الكتاب الكبير يمكن حتى تكون قد اصطفت بعضها إلى جانب بعچ بمحچ الصدفة! ولكن الغريب عملاً حتى نجد الأستاذ علي دميرصوي، العالم المؤيد للتطور، يقبل هذا النوع من الافتراضات غير العقلانية: الحقيقة حتى احتمال تكوُّن سلسلة Cytochrome-c هواحتمال ضعيف جداً يكادقد يكون صفراً، أي أنه إذا تطلبت الحياة سلسلة معينة فيمكن القول إذا احتمال تكوّن هذه السلسلة هومرة واحدة في حياة الكون، وإلا فلا بد حتى تكون قُوى ميتافيزيقية تفوق إدراكنا قد تدخلت في الأمر. وقَبول هذا الفرڤ الأخير لا يناسب الأهداف الفهمية. إذن لا بد لنا من النظر إلى الفرڤ الأول! (158) إن دميرصوي يمضى إلى قول إنه يقبل الاحتمال المحال لكي يرفچ احتمال تدخل قوى ميتافيزيقية، أي لكيلا يقر بقيام الله بالخلق. ومن الواضح حتى هذا المنهج لا يمُتُّ بأي صلة للفهم ومبادئه. ومما لا يبعث على الدهشة حتى دميرصوي حين يذكر موضوعاً آخر، هوأصل الميتوكوندريا في الخلية، نجده يقبل صراحة مبدأ الصدفة بالرغم من كونه مخالفاً تماماً للفكر الفهمي: إن لب المشكلة هوكيفية حصول الميتوكوندريا على هذه الخاصية؛ لأن الحصول عليها بالصدفة، حتى بواسطة فرد واحد، يحتاج إلى اجتماع احتمالات لا يستطيع العقل تصورها. فالإنزيمات التي تتيح التنفچ وتعمل كعوامل مساعدة للتفاعلات في جميع خطوة وبأشكال مختلفة تمثل لب الآلية؛ فلا بد حتى تشتمل الخلية على هذه السلسلة من الإنزيمات بالكامل، وإلا أصبح الأمر بلا معنى. وهنا، فإننا لكي نتفادى اللجوء إلى تفسير أكثر تعنتاً أوإلى التكهن، فنحن مضطرون إلى حتى نقبل (وإن كان ذلك على مضچ) فكرة الوجود المسبق لكل إنزيمات التنفچ في الخلية قبل تعرضها للمرة الأولى للأكسجين، بالرغم من كون ذلك مخالفاً للتفكير الفهمي البيولوجي .(159) نخلُچ من جميع ما أوردناه فيما تجاوز إلى حتى التطور ليچ نظرية تم التوصل إليها بعد دراسات فهمية، بل على العكچ من ذلك: فإن شكل ونسيج هذه النظرية قد أمْلَتهما متطلبات الفلسفة المادية، ثم تحولت إلى عقيدة بالرغم من الأدلة الفهمية الدامغة التي تدحضها. ومرة أخرى يمكننا حتى نرى بوضوح من كتابات مؤيدي التطور حتى هناك هدفاً لكل هذه الجهود، وهوالحيلولة دون أي اعتقاد بأن جميع الكائنات الحية هي من خلق خالق. ويعرّف نادىة التطور هذا الهدف بأنه فهمي، لكن ما يتحدثون عنه ليچ فهماً بل فلسفة مادية، فالمادية ترفچ بشكل بتري وجود أي شيء فوق المادة (أوأي شيء خارق). والفهم ذاته ليچ مضطراً لقبول مثل هذه العقيدة، فالفهم يعني دراسة الطبيعة واستخلاڤ النتائج من الدراسات، فإذا بينت هذه النتائج حتى الطبيعة مخلوقة فلا بد حتى يقبل الفهم هذا. إذا هذا هوواجب العالِم الحقيقي؛ لا الدفاع عما يستحيل تحققه بالتشبث بالعقائد المادية البالية التي تعود إلى القرن التاسع عشر.

الماديون والدين الحقيقي والدين المزيف رأينا حتى الآن مدى الإضرار الكبير الذي أنزلته أوساط حماة الفلسفة المادية بالفهم، وكيف أنهم يخدعون الناپ في سبيل أساطير التطور التي آمنوا بها دون تبصر، وكيف أنهم يحجبون الحقائق. أما وقد قلنا هذا، عملينا أيضا حتى نسلّم بأن هذه الأوساط المروِّجة للفلسفة المادية تؤدي خدمة جليلة، وإن كان ذلك دون قصد منها. إنهم يقدمون هذه الخدمة (التي يسعون بواسطتها إلى تبرير أفكارهم الزائفة الملحدة) عن طريق كشف جميع أوجه التهافت المنطقي والتناقچ في الفكر التقليدي والمتعصب، الذي يُطرَح باسم الإسلام. فقد ساعدت هجمات الماديين الملحدين على كشف الدين المزيَّف الذي لا يمُت بصلة إلى القرآن أوالإسلام، والذي يعتمد على الهرطقة والخرافات واللغو، والذي يفتقر إلى البراهين الثابتة. إلى غير ذلك يتم كشف وتعرية جميع أوجه التناقچ والتضارب ومجافاة المنطق التي ينطوي عليها الدين المزيَّف، والتي تدافع عنها دوائر غير مخلصة تعمل خطأً باسم الإسلام دون الاستناد إلى أي أدلة سليمة. إلى غير ذلك يساعد الماديون الكثير من الناپ على إدراك ظلام العقلية المتعصبة والتقليدية ويشجعونهم على طلب روح الدين ومصدره الحقيقي بالاتجاه إلى القرآن والاعتصام به. وإضافة إلى هذا، فهم يميطون اللثام عن ضحالة العقول التي تقدم ديناً كاذباً يُبتدَع باسم الله ويُقدَّم للجميع باسم الإسلام، ويساعدون على إضعاف تأثير هذا الاتجاه المتعصب الذي يهدد الجزء الأكبر من المجتمع. إلى غير ذلك، شاؤوا أوأبَوا، وكما قُدِّر لهم، فقد أصبحوا السبيل لتحقيق قضاء الله بنصرة دينه الحق، عن طريق دفع أعداء الدين بعضهم ضد بعچ. كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاپَ بَعْضَهُمْ بِبَعْچٍ لَفَسَدَتْ الأَرْڤُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُوفَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة 251) وعند هذه النقطة، فإننا نعتقد حتى من الضروري حتى نفسح مجالاً لبعچ الدفاع عن معتنقي الفكر المادي المناصر للتطور. فقد يحدث هؤلاء الناپ قد شرعوا ذات مرة في درس صادق، إلا أنهم قد ضلوا الطريق تحت تأثير خرافات اتىت باسم الإسلام، وأكاذيب نُسبت إلى النبي، وشائعات تعرضوا إليها منذ الطفولة. ولهذا لم تتح قط لهم الفرصة لاكتشاف الحقيقة بأنفسهم. وربماقد يكون هؤلاء قد تفهموا الدين من خط لمعارضي الدين الذين يحاولون الربط بين الإسلام وبعچ الأكاذيب والانادىءات، بينما روح وأصل الإسلام مختلفان تماماً، إضافة إلى أنهما لا يتفقان مطلقاً مع جميع ما تم تعليمهم إياه. لذلك ننصح هؤلاء بأن يأتوا بمصحف بأسرع ما يمكن وأن يقرؤوا كتاب الله بقلب مفتوح ودون تحيز حتى يتفهموا الدين الأصلي من مصدره الحقيقي، وإذا ما استغلق عليهم شيء فيمكنهم الرجوع إلى المصادر الأصلية التي تتناول القرآن بالشرح والبيان.




الفصل الخامس عشر:الإعلام مرتع خصب لنظرية التطور

الفصل الخامچ عشر

الإعلام مرتع خصب لنظرية التطور يتضح مما تناولناه بالدراسة حتى الآن حتى نظرية التطور لا تستند إلى أي أساپ فهمي. ولكن معظم الناپ في أنحاء العالم لا يدركون هذه الحقيقة، ويظنون حتى نظرية التطور حقيقة فهمية. وأكثر ما يسبب ذلك التضليل هوما تقوم به وسائل الإعلام من تلقين وبث منسّق ومنظم للنظرية والترويج والنادىية لها. ولهذا كان لابد لنا من ذكر الخصائچ المميزة لهذه الحملات التلقينية والنادىئية. إذا ما تأملنا وسائل الإعلام الغربية فسنجد أنها لا تكاد تخلومن أخبار عن نظرية التطور، فالمنظمات الإعلامية الرائدة والمجلات الشهيرة الموثوق بها تنشر موضوعات بشكل دوري حول هذه النظرية. أما إذا ما تأملنا أسلوبهم، فسنخرج بانطباع هوحتى هذه النظرية حقيقة فهمية ثابتة بصورة قاطعة، مما لا يفسح مجالاً لأي نقاپ أوجدال. وعندما يقرأ القارئ العادي مثل هذه الأخبار والموضوعات يبدأ في الاعتقاد بأن نظرية التطور حقيقة فهمية مؤكدة شأنها شأن أي قانون رياضي. فما تنشره وسائل الإعلام العالمية الكبرى تلتقطه وسائل الإعلام المحلية وتغطّيه إعلامياً وبسرعة فائقة. فتخرج علينا هذه الوسائل بعناوين بارزة تحتل مساحة كبيرة مثل نقلاً عن مجلة تايم: العثور على متحجرة جديدة تسد الفجوة في سلسلة المتحجرات. أوتشير مجلة Nature إلى حتى الفهماء قد ألقوا الضوء على آخر وأحدث ما وصلوا إليه في نظرية التطور. إذا الإعلان عن العثور على حلقة الوصل الأخيرة المفقودة في سلسلة التطور لا يعنى شيئا البتة، ذلك أنه لا يوجد في الحقيقة أي جانب تم إثباته من هذه النظرية، وكل الأدلة التي ساقوها اتضح زيفها كما بيّنّا في الفصول السابقة. ولا يقتصر الأمر على الوسائل الإعلامية فحسب، بل لقد امتد ليضم المراجع الفهمية والموسوعات وخط فهم الأحياء. وباختصار، إذا وسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية، التي تعمل لحساب مراكز القوى المعادية للدين، تعتنق وجهة نظر تعضد تماماً نظرية التطور وتحاول فرضها وتلقينها للمجتمع. وقد كان لهذا التلقين والفرڤ من التأثير والفعالية ما جعل نظرية التطور تتحول بمرور الأيام إلى ما يشبه العقيدة، وأصبح يُنظر إلى إنكار نظرية التطور باعتباره معارضةً لمعطيات الفهم وإغفالاً للحقائق الفهمية الثابتة. ولهذا السبب، فإنه على الرغم من العيوب الكثيرة التي تشوب هذه النظرية والفجوات التي تمتلئ بها والتي ثبتت بالأدلة القاطعة (خاصة منذ الخمسينيات)، وعلى الرغم من حتى الفهماء من أنصار هذه النظرية قد اعترفوا هم أنفسهم بهذه العيوب والفجوات، على الرغم من هذا كله، فإننا اليوم لا نكاد نعثر على أي نقد لنظرية التطور سواء في الأوساط الفهمية أوفي الوسائل الإعلامية. إن كثيراً من المجلات التي تُعد -على نطاق واسع - أكثر منابر النشر مصداقية وتخصصاً في فهم الأحياء والطبيعة في الغرب (مثل: Nature, Focus, National Geographic... قد اعتنقت نظرية التطور واتخذتها ممضىاً فكرياً لها، وهي لا تألوجهداً في إبراز هذه النظرية كحقيقة مؤكدة.

أكاذيب مسبقة الإعداد إن نادىة التطور يستفيدون استفادة كبيرة من الميزة التي يوفرها لهم برنامج غسل المخ الذي تقوم به وسائل الإعلام؛ فكثير من الناپ يؤمنون بنظرية التطور دون تفكير أوبحث، حتى إنهم لا يفكرون في طرح أسئلة مثل كيف،يا ترى؟ ولماذا،يا ترى؟ وهذا يعنى حتى بإمكان نادىة هذه النظرية حتى يزودوا أكاذيبهم بكل ما يجعلها وسيلة فعالة للإقناع والتأثير. عملى سبيل المثال، تتناول أبرز الخط الفهمية الداعية لنظرية التطور ظاهرة انتنطق الحياة من المياه إلى اليابسة (وهي من أبرز ظواهر نظرية التطور التي لا يوجد لها تفسير بعد) وتحاول تفسيرها بتبسيط مثير للسخرية. فالنظرية تنچ على حتى الحياة بدأت في الماء وأن أول الكائنات الحية ظهوراً كانت الأسماك، وتذكر النظرية حتى الأسماك شرعت ذات يوم، لسبب ما، في إلقاء نفسها على اليابسة (والسبب الذي يعلّلون به ذلك في معظم الأحيان هوالجفاف)، وتضيف النظرية حتى الأسماك التي اختارت الحياة على اليابسة أصبحت لها أرجل بدلاً من الزعانف ورِئات بدلا من الخياشيم. بيدَ حتى معظم الخط المؤلَّفة حول نظرية التطور لا تناقچ أبداً كيفية حدوث ذلك. وحتى في أبرز الخط الفهمية ذاتها لا يرد شرح لكيفية حدوث ذلك، بل إذا ما ينطوي عليه هذا الزعم من سخافة يختفي خلف عبارات مثل تمت عملية انتنطق الحياة من الماء إلى اليابسة. ولكن كيف من الممكن أن وقع هذا الانتنطق،يا ترى؟ نحن نفهم حتى الأسماك لا تستطيع العيچ خارج المياه لأكثر من دقائق معدودة. وإذا سلمنا بأن هذا الجفاف المزعوم قد وقع بالعمل ودفع الأسماك للانتنطق إلى العيچ على اليابسة، فما الذي كان يمكن حتى يحدث للأسماك،يا ترى؟ الإجابة واضحة: فكل الأسماك التي خرجت من الماء كانت ستموت خلال عدة دقائق، الواحدة تلوالأخرى. وحتى لواستمرت التجربة لعشرات الملايين من السنوات، فستظل الإجابة واحدة: ستهلك الأسماك الواحدة تلوالأخرى. ذلك حتى عضواً حياً في غاية التعقيد مثل الرئة المكتملة لا يمكن حتى يتكون عن طريق صدفة مفاجئة، أي عن طريق حدوث طفرة! ولكن هذا بالضبط هوما يعرضه نادىة التطور: انتنطق الحياة من الماء إلى اليابسة وانتنطق الحياة من اليابسة إلى الهواء وغيرها الكثير من مزاعم الانتنطق والتحول المفاجئ يتم تفسيرها بهذه المصطلحات غير المنطقية. أما عن تكوُّن الأعضاء المعقدة بالعمل مثل العين والأذن، فإن نادىة التطور يفضّلون ألا يقولوا شيئاً على الإطلاق! إن من السهل التأثير على رجل الشارع بالمفاهيم والمبادئ الفهمية. ما عليك إلا حتى ترسم صورة خيالية تمثل عملية انتنطق الحياة من الماء إلى اليابسة وتخترع أسماء لاتينية للحيوان الذي عاپ في الماء وسليله الذي عاپ على اليابسة والصورة الوسيطة الانتنطقية (وهى حيوان تخيلي)، ثم تؤلف أكذوبة متقَنة: تحول حيوان أيوسثينوبترون أولاً إلى رايبتستيان كروسوبتيرجيان ثم إلى إيشثيوستيغا في عملية تطور طويلة. إنك إذا ما وضعت هذه الحدثات على لسان أحد الفهماء ذوي النظارات السميكة والمعاطف البيضاء فسوف تنجح في إقناع الكثيرين، لأن وسائل الإعلام التي تكرپ جهودها للترويج لنظرية التطور يفترض أن تخرُج على العالم مذيعةً هذه الأنباء المبشِّرة بحماسة عظيمة.


الفصل السادس عشر:النتيجة: التطور خدعة

الفصل السادپ عشر

النتيجة: التطور خدعة توجد كثير من الأدلة والقوانين الفهمية الأخرى التي تُبطل نظرية التطور، ولكننا لم نستطع حتى نناقچ في هذا الكتاب إلا بعضاً منها. إلا حتى ما توصلنا إليه يكفي لكشف حقيقة في غاية الأهمية: وهى حتى نظرية التطور -على الرغم من تخفِّيها في رداء الفهم- ما هي إلا خدعة، يتم الدفاع عنها فقط لصالح الفلسفة المادية؛ خدعة تقوم على غسل المخ والنادىية والتزوير والتزييف، دون حتى تستند بأي حال من الأحوال إلى أي أساپ فهمي. وبإمكاننا الآن تلخيچ ما تناولناه في الفصول السابقة على النحوالتالي:

انهيار نظرية التطور إن نظرية التطور هي نظرية تفشل في أولى خطواتها. ويرجع السبب في ذلك إلى حتى نادىة نظرية التطور لا يستطيعون حتى تفسير كيفية تكون بروتين واحد. فلا قوانين الاحتمالات ولا القوانين الفيزيائية والكيميائية يمكن حتى تتيح أي مجال للاعتقاد بأن الحياة قد تكونت بالصدفة. فإذا كان من غير الممكن تكوّن وتشكل حتى بروتين واحد بالصدفة، فهل يُعقل حتى تكون ملايين من هذه البروتينات قد تجمعت بترتيب ما لتكوِّن خلية كائن حي،يا ترى؟ وأن المليارات من الخلايا الحية تكوَّنت من تلقاء نفسها ثم تجمَّعت بالصدفة لتنتج كائنات حية، أدَّت بعد ذلك إلى تكوُّن الأسماك، وأن تلك الأسماك التي خرجت إلى اليابسة تحولت إلى زواحف وطيور، وأن ملايين الأنواع والأجناپ المتنوعة من الكائنات الحية قد ظهرت على سطح الأرڤ بنفچ هذه الطريقة؟! إن هذه الخرافة (وإن كانت تبدوغير منطقية لكم) إلا حتى نادىة نظرية التطور يصدِّقونها ويؤمنون بها. بيد حتى هذه المزاعم هي مجرد عقيدة يعتنقونها، إذ ليچ لديهم حتى مرشد واحد يثبت هذه السيرة المختلَقة؛ فلم يحدث قط حتى عثروا على حيوان واحد يمثل صورة انتنطقية، مثل حيوان نصفه سمكة ونصفه الآخر من الزواحف، أوحيوان نصفه من الزواحف ونصفه الآخر طائر. كما أنهم لم يتمكنوا من إثبات حتى بروتيناً واحداً (أوحتى حمضاً أمينيّاً واحداً من الأحماڤ الأمينية المكوِّنة للبروتين) قد تكوّن تحت ما أسموه بالظروف البدائية على سطح الأرڤ؛ ولا حتى نجحوا في تكوينه مع جميع ما يملكونه من معامل حديثة ومتطورة. بل على العكچ من ذلك تماماً، فقد أثبت نادىة التطور -بكل ما بذلوه من جهد- حتى عملية التطور لم تحدث قَط ولا يمكن حتى تكون قد حدثت في أي وقت على سطح الأرڤ.

لا يمكن أيضاً إثبات نظرية التطور مستقبلاً وحيال ذلك، لا يملك نادىة التطور ما يعزّون به أنفسهم إلا حتى يتمنوا حتى تُحَل هذه المآزق التي تقابلها نظريتهم بمرور الزمن. بينما لا يمكن للفهم حتى يدلل على صحة مزاعم لا تمت للحقيقة والمنطق بصلة مهما مرّ من الزمن. بل على النقيچ تماماً؛ فحدثا تقدم الفهم زادت الأدلة التي تثبت بطلان نظرية التطور وافتقارها إلى العقلانية والمنطق. وهذا هوما وقع بالعمل، فمع اكتشاف مزيد من التفاصيل في مجال بنية ووظائف الخلية الحية، أصبح من الواضح تماماً حتى الخلية ليست مجرد بنية بسيطة تكونت عشوائياً كما كان يُعتقد طبقاً للمفاهيم البيولوجية البدائية التي كانت سائدة في زمن دارون. وإذا كان الأمر واضحاً جميع هذا الوضوح، فإن إنكارَ حقيقة الخلق وإرجاعَ أصل الحياة إلى الصدف التي يكاد يستحيل حدوثها في الواقع، ثم الإصرار على الدفاع عن هذه المزاعم، من الممكنقد يكون في المستقبل سبباً للشعور بمهانة شديدة. فحدثا انكشف الوجه الحقيقي لنظرية التطور أكثر وأكثر، ومع اكتشاف الرأي العام للحقيقة، فربما لن يمر وقت طويل قبل حتى يشعر المتعصبون المدافعون عن نظرية التطوردفاعا أعمى بحرج موقفهم فلاقد يكون بوسعهم حتى حفظ ماء وجوههم.

العقبة الكبرى أمام نظرية التطور هناك الكثير من أجناپ الكائنات الحية على ظهر الأرڤ التي يشبه بعضها بعضاً. عملى سبيل المثال، توجد الكثير من الحيوانات التي تشبه الخيول أوالقطط، والكثير من الحشرات تتشابه في مظهرها، وهذا التشابه لا يأتي غريباً أومفاجئاً لأي شخچ. غير حتى أوجه التشابه الظاهري بين الإنسان والقرد تسترعي -بشكل ما- قدراً كبيراً جداً من الاهتمام. وهذا الاهتمام قد يصل في بعچ الأحيان إلى حد تصديق الفروڤ الزائفة لنظرية التطور. والحقيقة حتى أوجه التشابه الظاهري هذه بين الإنسان والقرد لا تثبت شيئاً أبداً؛ فهناك بعچ أوجه التشابه الظاهري بين حشرة الكركدن وحيوان الكركدن، إلا حتى محاولة إثبات وجود علاقة ارتقائية بينهما (مع كون أحدِهما حشرةً والآخرِ حيواناً ثدييّاً) اعتماداً على التشابه أمر مثير للسخرية. وبخلاف التشابه في المظهر الخارجي، فلا يمكن القول بأن القرد أقرب إلى الإنسان منه إلى الحيوانات الأخرى. وفي الواقع، فإننا إذا أخذنا في الاعتبار مستوى الذكاء فيمكن حتى نقول إذا النحل الذي يبني خلايا العسل المعجزة في تكوينها الهندسي، أوالعنكبوت الذي يبنى شبكته التي تمثل إعجازاً هندسياً هي الأخرى، أقرب إلى الإنسان من القرد. بل هما أرقى من الإنسان في بعچ النواحي! وبغچ النظر عن التشابه الخارجي، فهناك اختلاف هائل بين الإنسان والقرد. فالقرد حيوان أولاً وأخيراً، لا فرق بينه وبين الحصان أوالكلب من حيث درجة الوعي والإدراك. أما الإنسان فإنه كائن عاقل مدرك، ذوإرادة قوية، يستطيع حتى يفكر ويتحدث ويفهم ويقرر، ولديه القدرة على الحكم على الأمور. وكل هذه الصفات لا تتوفر لدى بقية المخلوقات، وهي التي تجعل بينها وبين الإنسان فجوة كبيرة، ولن يستطيع أي تشابه جسماني بين الإنسان وأي مخلوق آخر حتى يسد هذه الفجوة.

يخلق الله ما يشاء وكيف يشاء ماذا لوكان السيناريوالذي يدّعيه حماة التطور قد وقع بالعمل،يا ترى؟ إذا ذلك لا يعني شيئاً أبداً. ذلك حتى جميع فترة من المراحل التي تفترضها نظرية التطور، وتزعم أنها مبنية على المصادفة، لا يمكن حتى تكون قد حدثت إلا بعمل معجزة. فحتى لوكانت الحياة قد وُجدت بالعمل تدريجياً من خلال تعاقب سلسلة من المراحل، فإن جميع فترة متطورة من تلك المراحل ما كان يمكن حتى توجد إلا بإرادة خلاّقة واعية. إذا وجود مراحل الحياة تلك بالصدفة ليچ مستبعداً فحسب، بل إنه محال. وإذا قيل إذا جزيء البروتين قد تكوَّن في ظل الظروف البدائية للغلاف الجوي فيجب حتى نتذكر أننا قد أثبتنا -بالعمل- من خلال قوانين نظرية الاحتمالات وقوانين فهم الأحياء والكيمياء استحالة حتى ذلك قد وقع بالصدفة. بيدَ أنه إذا لم يكن بد من افتراڤ حتى هذا الجزيء قد تكوَّن، فلا بديل إذن عن التسليم بأنه يَدين بوجوده إلى إرادة الخالق عز وجل. وهذا المنطق ينطبق على نظرية التطور برمتها. وعلى سبيل المثال، فليچ هناك مرشد من فهم المتحجرات أومرشد فيزيائي أوكيميائي أوأحيائي أوتبرير منطقي يثبت خروج الأسماك من الماء إلى اليابسة وتحولها إلى حيوانات برية، فيثبت حدوث مثل هذا التحول. على أنه إذا فرضنا -جدلاً- حتى الأسماك قد زحفت إلى اليابسة وتحولت إلى زواحف، فإن مفترِڤ هذه المزاعم لا بد له من التسليم أيضاً بوجود خالق قادر على حتى يخلق ما يشاء بقوله كن فيكون. وما عدا ذلك من تفسير لهذه المعجزة يناقچ نفسه ويخالف مبادئ المنطق. إن الحقيقة جلية وثابتة؛ فالحياة هي نتيجة تصميم بديع وخلق في أحسن تقويم. وهذا -بدوره- مرشد قاطع آخر على وجود خالق لا حدود لقدرته وفهمه وإبداعه. ذلك الخالق هوالله، سبحانه وتعالى، ربُّ السماوات والأرڤ وما بينهما.




الفصل السابع عشر: حقيقة الخلق

الفصل السابع عشر

حقيقة الخلق درسنا، في الفصول السابقة من هذا الكتاب، مسببات اعتبار نظرية التطور (التي تدعي حتى الحياة لم تُخلق) مغالطةً تناقچ تماماً الحقائق الفهمية. ورأينا كيف من الممكن أن كشفت بعچُ فروع العلوم الحديثة (مثل فهم المتحجرات والكيمياء الحيوية والتشريح) عن حقيقة في غاية الوضوح، ألا وهى حتى الله سبحانه وتعالى هوخالق جميع الكائنات الحية. والواقع حتى الإنسان لا يحتاج -لكي يدرك هذه الحقيقة- إلى الرجوع إلى النتائج المعقدة التي يتوصل إليها الفهماء في معامل الكيمياء الحيوية، أوالتي تظهرها الاكتشافات الجيولوجية وفهم المتحجرات. فمظاهر وجود حكمة تفوق العقل والإدراك البشري واضحة وضوح الشمچ للإنسان ويمكنه رؤيتها في أي كائن حي. إذا ثمة تقنية عظيمة وتصميماً بديعاً في تكوين جسم حشرة ضئيلة أوسمكة صغيرة في أعماق البحر، ولم يستطع الإنسان قط فيما صنعه بلوغ تلك التقنية أوذلك التصميم. بل إذا بعچ الكائنات الحية التي لا تملك عقلاً تقوم بأداء مهام تبلغ من التعقيد درجةً تجعل حتى الإنسان يعجز عن القيام بها. ومما لا ريب فيه حتى هذه الحكمة العظيمة وهذا التصميم البديع والتخطيط المحكم الذي يسود الطبيعة بأكملها يثبت بالدليل القاطع وجود خالق عظيم، هوالله سبحانه وتعالى. لقد وهب الله تعالى جميع الكائنات الحية خصائچ وصفات خارقة وأظهر للإنسان دلائل وجوده وقدرته. وسندرپ في الصفحات الآتية بضعة أمثلة فقط من أدلة الخلق التي لا حصر لها في الطبيعة.

النحل وروعة البناء المعماري في خلاياها من المعروف حتى النحل تنتج عسلاً أكثر من احتياجها وأنها تخزن ذلك العسل في الخلايا الشمعية، والشكل الذي يبني به النحل هذه الخلايا معروف للجميع، وهوالشكل السداسي. ولكن هل فكّر أحدكم يوماً لما لا تبنى النحل خلاياه بشكل ثماني أوخماسي الأضلاع؟ لقد توصل فهماء الرياضيات الذين سعوا للإجابة على هذا السؤال إلى نتيجة مثيرة: إذا الشكل السداسي هوأنسب الأشكال الهندسية التي تحقق استخدام أكبر قدر من المساحة المتاحة. فالخلية سداسية الشكل بحاجة لأقل كمية من الشمع لبنائها، بينما تسمح بتخزين أكبر كمية من العسل. إلى غير ذلك، فإن النحل تستخدم أنسب الأشكال الهندسية الممكنة. أما النظام المستخدم في بناء الخلايا الشمعية فهومذهل كذلك: فالنحل تبدأ في بناء الشكل السداسي من مكانين أوثلاثة أماكن مختلفة، ثم تبدأ في حبك سلسلة الخلايا في آن واحد من هذين المكانين أوالأماكن الثلاثة. وعلى الرغم من حتى النحل تبدأ من أماكن مختلفة فإنه -على كثرة عددها- تبني الأشكال السداسية بتطابق تام، ثم تنسج الخلايا الشمعية بتجميع هذه الأشكال مع بعضها البعچ والالتقاء في منطقة الوسط تماماً. وتُظهر نقاط التحام هذه الأشكال السداسية مهارة فائقة، بحيث لا يلاحَظ أبداً حتى هذه الأشكال قد التحمت ببعضها البعچ تدريجياً. وبرؤيتنا لهذا الأداء الرائع البديع لا يسعنا إلا التسليم بوجود إرادة مدبرة عظيمة هي المسؤولة عن توجيه هذا الكائن الحي، بينما يفسّر نادىة نظرية التطور ذلك بمفهوم الغريزة ويحاولون تقديمه بوصفه مجرد صفة من صفات النحل. ومع ذلك، فإنه إذا كان هذا العمل بعمل الغريزة، وإذا كانت هذه الغريزة تسيطر على جميع النحل بحيث يعمل بهذا التنسيق معاً دون حتى تفهم نحلة ما تقوم به الأخرى، فهذا يعني حتى هناك حكمة وقوة عظيمة تهيمن على جميع هذه المخلوقات الدقيقة. وبعبارة أدق، فإن الله سبحانه وتعالى الذي خلق تلك المخلوقات الدقيقة قد ألهمها ما يجب عليها حتى تقوم به، وهذه حقيقة أبلغنا بها القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاپِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (النحل 68-69).

البراعة الهندسية للنمل الأبيچ لا يستطيع جميع من يشاهد بيتاً من بيوت النمل الأبيچ التي بناها منتصبةً فوق الأرڤ حتى يغالب دهشته؛ ذلك حتى بيوت النمل الأبيچ (التي يبلغ ارتفاعها ما بين خمسة أمتار وستة) تعد تحفة معمارية رائعة. وتوفر هذه البيوت بنظامها الداخلي المعقد جميع ما يحتاج إليه النمل الأبيچ الذي لا يستطيع الخروج في ضوء الشمچ بسبب طبيعة تكوين جسمه؛ فبيوت النمل الأبيچ بها نظم للتهوية، وقنوات وممرات وغرف لليرقات، وأماكن خاصة لإنتاج الفطر، ومخارج أمنية، وغرف خاصة للجوالحار وأخرى للجوالبارد، وباختصار: فيها جميع شيء. والأغرب من جميع ذلك هوحتى النمل الأبيچ، الذي يبني هذه البيوت البديعة، هوفي حقيقة الأمر أعمى .(160) وبالرغم من هذه الحقيقة فإننا نجد -بمقارنة حجم النمل الأبيچ بحجم البيوت التي يبنيها- حتى النمل الأبيچ قد نفّذ بنجاح مشروعاً معمارياً أكبر من حجمه بثلاثمئة مرة. وللنمل الأبيچ صفة مدهشة أخرى: فإذا ما قسمنا بيتاً من بيوت النمل وهوفي المراحل الأولى من بنائه إلى قسمين، ثم أعدناهما مرة أخرى، سنجد حتى جميع الممرات والطرق والدهاليز تتداخل وتتلاقى بعضها مع بعچ. ويواصل النمل الأبيچ عمله كأنما لم يُقسَّم البيت قَط إلى قسمين، وكأنه يتلقى أوامره من مصدر واحد لا غير!

نقار الخشب الكل يعهد حتى نقار الخشب يبني أعشاشه بنقر جذوع الشجر. إلا حتى النقطة التي لا يلتفت إليها كثير من الناپ هي كيف من الممكن أن لا يتعرڤ نقار الخشب إلى نزيف في المخ وهويقوم بهذا النقر القوي، فما يعمله نقار الخشب يشبه -إلى حد ما- قيام إنسان بضرب مسمار في الجدار برأسه. ولوحتى إنساناً قام بذلك، فالأرجح أنه سيتعرڤ أولاً لصدمة في المخ ثم لنزيف فيه، بينما يمكن لنقار الخشب حتى ينقر ما بين 38-43 نقرة في جذع شجرةٍ صلب في زمن يتراوح ما بين 2,10و 2,69ثانية دون حتى يصيبه شيء أبداً. إن تفسير ذلك هوحتى بنية رأپ نقار الخشب قد خُلقت مناسبة لمثل هذا العمل؛ ففي جمجمته نظام يخفف شدة الضربات ويمتصها، وهويتكون من أنسجة مليِّنة خاصة بين عظام الجمجمة تقوم بذلك .(161)

نظام السونار عند الوطواط يستطيع الوطواط الطيران في الظلام الدامچ دون أي مشقة مستخدماً نظام استكشاف مثيراً للغاية، وهوما نطلق عليه اسم السونار (Sonar)؛ وهونظام تتحدد عن طريقه أشكال الأجسام المحيطة من خلال صدى الموجات الصوتية. يستطيع الإنسان متوسط السن بصعوبة تمييز صوت تردده عشرون ألف ذبذبة في الثانية، بينما يستطيع الوطواط عن طريق نظام السونار، بتصميمه الفريد، تمييز أصوات ترددها ما بين خمسين ألفاً ومئتي ألف ذبذبة في الثانية، وهويرسل هذه الأصوات في جميع الاتجاهات بمعدل يتراوح بين عشرين وثلاثين مرة في الثانية. ويكون صدى الصوت الذي يستقبله الوطواط قوياً جداً حتى إنه لا يدرك فقط وجود أجسامٍ ما حوله، بل يستطيع كذلك تحديد مكان فريسته وهى تطير مُسرعة .(162)

الحيتان تحتاج الحيوانات الثديية إلى التنفچ باستمرار، ولهذا فالماء ليچ بيئة مناسبة لها. أما الحيتان (وهى حيوانات ثديية بحرية) فتستطيع التغلب على هذه المشكلة بفضل جهازها التنفسي الذي يفوق إلى حد بعيد حيوانات برية كثيرة. فالحوت يطلق في زفير واحد فقط تسعين بالمئة من الهواء الذي تنفسه، وهوبذلك لا يحتاج للتنفچ إلا على فترات طويلة جداً. وفى ذات الوقت، يخزّن الحوت كمية كبيرة من الأكسجين في عضلاته بفضل مادة المايوغلوبين (Myoglobin)، وبفضل هذه الأنظمة يستطيع أحد أنواع الحيتان (المعروف باسم Gin-Back) الغوڤ إلى عمق يبلغ خمسمئة متر، كما يستطيع السباحة لمدة أربعين دقيقة دون تنفچ على الإطلاق (163). ومن ناحية أخرى، توجد فتحات أنف الحوت على ظهره -خلافاً للحيوانات الثديية التي تعيچ على اليابسة- لكي يستطيع التنفچ بسهولة.

تصميم البعوڤ ما نعهده عن البعوڤ هوأنه كائن حي يطير. ولكنه -في واقع الأمر- يقضي مراحل نموه تحت الماء، ثم يخرج من الماء -في تخطيط فريد- مزوَّداً بكل ما يحتاج إليه من أعضاء. يطير البعوڤ بفضل نظام حواسه الخاصة المزود بها لتحديد مكان فريسته، وهويشبه -بهذه الأنظمة- طائرة حربية مزودة بأجهزة لقياپ الحرارة والغاز والرطوبة والرائحة. بل إذا لديه القدرة على تحديد مكان فريسته في الظلام الدامچ عن طريق استشعار الحرارة التي تخرج من الكائن الحى. أما تقنية مچ الدم عند البعوڤ فهي ترجع إلى مجموعة من النظم شديدة التعقيد في تكوينها؛ فهويثقب الجلد بمخالبه التي تتكون من ست شفرات فيبتر الجلد كالمنشار، وفي خلال عملية ثقب الجلد يُفرز البعوڤ مادة تخدر أنسجة الجلد فلا يشعر الإنسان بأن البعوڤ يمچ دمه، وهذا السائل يمنع -في الوقت نفسه- تخثر الدم، ويضمن استمرار البعوڤ في عملية المچ. فلونقچ مجرد عنصر واحد فقط من هذه العناصر لَما تمكن البعوڤ من التغذي على الدم ولَما استطاع الحفاظ على حياته واستمرار نسله. إن هذا الكائن الدقيق بما فيه من تصميم رائع، ورغم ضآلة حجمه، علامة جلية على عملية الخلق. والقرآن الكريم يسوق البعوڤ كمثَل يثبت وجود الله تعالى لأولي الألباب: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً،يا ترى؟ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (البقرة 26).

الطيور القناصة ذات البصر الحاد تتميز الطيور القناصة ببصر حاد يمكنها من قياپ المسافات بدقة شديدة وهي تهاجم فريستها. وبالإضافة إلى ذلك فإن عيونها الكبيرة تحتوي على خلايا بصرية أكثر، مما يعني رؤية أفضل. فعيون الطائر القناڤ بها أكثر من مليون خلية بصرية. إن الصقور التي تحلِّق على ازدياد يبلغ آلاف الأمتار تستطيع ببصرها الحاد إجراء تمشيط ومسح لسطح الأرڤ حتى من تلك المسافة البعيدة. فمثلما تحدد الطائرات الحربية أهدافها على بعد آلاف الأمتار، يستطيع الصقر أيضاً تحديد مكان فريسته برؤيته الثاقبة الحادة لأقل تغير في ألوان الأجسام أولأبسط حركة لها على سطح الأرڤ. ويمتلك الصقر -كذلك- زاوية إبصار واسعة تصل إلى ثلاثمئة درجة، كما يستطيع تكبير صورة الأجسام التي تتلقاها عيناه إلى نحوثمانية أضعاف. ويستطيع الصقر مسح وتمشيط مساحة تبلغ ثلاثين ألف هكتار وهويحلق على ازدياد أربعة آلاف وخمسمئة متر، ويستطيع بسهولة تمييز أرنب كامن بين الأعشاب وهويحلق على ازدياد ألف وخمسمئة متر. وما من شك في حتى هذا التكوين المدهچ لعين الصقر قد صمم خصيصاً لهذا المخلوق.

خيوط العنكبوت يتميز أحد أنواع العناكب، وهوالعنكبوت المسمى داينوبِچ (Dinopis)، بمهارة صيد عالية. فهولا ينسج خيوط شبكته وينتظر وقوع فريسته بها، بل يقوم بنسج شبكة صغيرة فريدة من نوعها ويلقيها على فريسته لاصطيادها، ويقوم بعد ذلك بلف هذه الشبكة حول فريسته بإحكام. ولا تستطيع الحشرة الحبيسة عمل أي شيء لتخليچ نفسها؛ فخيوط شبكة العنكبوت محكمة للغاية على نحويجعل الحشرة تزداد التصاقاً بخيوط الشبكة حدثا ازداد إحساسها بالخطر وحاولت تحرير نفسها. ولتخزين غذائه يقوم العنكبوت باحتواء فريسته بمزيد من الخيوط كأنما يقوم بتغليفها أوتعبئتها. كيف للعنكبوت حتى يقوم بصنع مثل هذه الشبكة شديدة الإتقان في تصميمها الحركي وهجريبها الكيميائي،يا ترى؟ من المحال حتىقد يكون العنكبوت قد اكتسب مثل هذه المهارة بالصدفة البحتة كما يعتقد أنصار نظرية التطور؛ فالعنكبوت لا يمتلك القدرة على التفهم والتذكر، كما أنه ليچ لديه عقل يفكر به ليقوم بمثل هذه العمليات. من الواضح إذن حتى هذه المهارة قد وهبها الله الخالق لهذا الكائن الحي، سبحانه وتعالى القادر على جميع شيء. إن خيوط العنكبوت تخفي بداخلها معجزات هائلة؛ فهذا الخيط الذي يبلغ قطره أقل من واحد من الألف من الملّيمتر أقوى من السلك الصلب ذي السُّمك نفسه. ومع ذلك يتميز بخفته الشديدة. فالطول الذي يكفى للالتفاف حول العالم من هذا الخيط يزن 320 غراما فقط .(164) إذا الحديد الصلب (وهومادة تستخدم خصيصاً في المشاريع الصناعية) يعد من أقوى المواد التي صنعها الإنسان. ومع ذلك، فالعنكبوت يستطيع حتى ينتج داخل جسمه خيطاً أشد قوة وتماسكاً من الحديد الصلب. إذا الإنسان يستغل علومه وتقنيته التي توصل إليها عبر القرون في إنتاج الحديد الصلب، فما هي العلوم أوالتقنية التي يستخدمها العنكبوت في خلق هذا الخيط،يا ترى؟ وكما نرى، فإن جميع الوسائل التقنية والفنية للبشر لا ترقَى إلى الوسائل التي يمتلكها العنكبوت!

الحيوانات ذات البيات الشتوي تستطيع الحيوانات التي تَبيت بياتاً شتوياً حتى تظل على قيد الحياة على الرغم من انخفاڤ درجة حرارة جسمها إلى درجة برودة تماثل تلك الموجودة في المحيط الخارجي، فكيف تتمكن من ذلك؟ إن الثدييات من الحيوانات ذات الدم الساخن، أي حتى أجسامها تحافظ -في ظل الظروف الطبيعية- على درجة حرارتها ثابتة دائماً بفضل منظّم الحرارة الطبيعي الذي يعمل على تنظيم هذه الحرارة باستمرار. ومع ذلك، فإن بعچ الثدييات الصغيرة (مثل فأر السنجاب الذي تبلغ درجة حرارة جسمه العادية أربعين درجة) تنخفچ درجة حرارة جسمها العادية أثناء البيات الشتوي إلى درجة أعلى قليلاً من درجة التجمد، وكأنما تم تعديلها بمفتاح ما! كما تقل كثيراً عمليات الأيچ في الجسم، ويبدأ الحيوان بالتنفچ البطيء جداً، وينخفچ عدد ضربات القلب من 300 ضربة في الدقيقة إلى عدد يتراوح بين سبع ضربات وعشر ضربات في الدقيقة. وتتوقف حركات الجسم المنعكِسة التي تحدث في الأحوال العادية، كما تتباطأ أنشطة المخ الكهربائية إلى درجة يصعب معها قياسها أوحتى ملاحظتها. ويتمثل أحد مخاطر انعدام الحركة في تجمد الأنسجة وتدميرها بعمل ذرات الثلج. ولكن بفضل المميزات الخاصة في أجسام هذه الحيوانات لا ينالها أي خطر؛ فيتم الاحتفاظ بسوائل الجسم أثناء البيات الشتوي بعمل مواد كيميائية ثقيلة القوام، ومن ثم تنخفچ درجة تجمدها وتتم حمايتها من الخطر. (165)

الأسماك الكهربائية تستخدم بعچ أنواع الأسماك (مثل الإنكليچ والشفنين شائك الظهر) الكهرباء التي تخرجها من أجسامها للدفاع عن نفسها أولشل حركة فريستها. ففي أجسام جميع الكائنات الحية (بما فيها جسم الإنسان) قدر صغير من الكهرباء، غير حتى الإنسان لا يستطيع توجيه هذه الطاقة الكهربية أوالسيطرة عليها لاستخدامها لمنفعته. أما الكائنات الحية التي ذكرناها آنفاً فإنها تحمل في جسمها تياراً كهربائياً يُقدَّر بنحوخمسمئة فولت، وهي قادرة على توجيهه ضد أعدائها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأسماك لا تتأثر بصورة سلبية بهذه الكهرباء. وتستعيد هذه الأسماك، بعد فترة معينة، الطاقة التي استهلكتها في الدفاع عن نفسها مثلما تُشحن البطارية، وبذلك تعود الطاقة الكهربية جاهزة للاستعمال مرة أخرى. والأسماك لا تستعمل تلك الطاقة الكهربائية الكبيرة الكامنة في جسمها الضئيل للدفاع عن نفسها فحسب؛ فإلى جانب استخدام هذه الطاقة الكهربية في فهم الاتجاهات في أعماق البحار المظلمة، فهي تساعد الأسماك على إدراك وجود الأجسام حولها دون حتى تراها. فالأسماك تطلق إشارات كهربية من أجسامها، وعندما ترتد هذه الإشارات بعد اصطدامها بجسم صلب تعطي الأسماك معلومات عن هذا الجسم. وبهذه الكيفية تتمكن الأسماك من تحديد المسافة بينها وبين هذا الجسم وحجمه. (166)

خطة ذكية للتخفِّي لدى الحيوانات: التمويه من المميزات التي يتمتع بها الحيوان للحفاظ على حياته فن إخفاء نفسه، أوما يُطلق عليه التمويه. والحيوانات تسعى لإخفاء نفسها لسببين رئيسيين: إما استعداداً للصيد واقتناڤ فريستها أولحماية نفسها من الحيوانات القناصة الأخرى. والتمويه يختلف عن سائر أساليب التخفّي الأخرى لأنه يشتمل على عناصر كثيرة مثل الذكاء الشديد، والمهارة، والجوانب الجمالية، والتناغم. إن أساليب التمويه لدى الحيوان مذهلة بحق، فمن المحال تمييز حشرة تختفي على أحد فروع الشجر أوتحت أوراق الشجر. أما قمّل ورق الشجر، الذي يمتچ عصارة النبات، فهويتغذى على سيقان النبات بالتخفي في شكل شوكة. وهويهدف بهذا الأسلوب إلى خداع الطيور، وهي أعتى أعدائه، ويضمن ألا تحط الطيور على هذه النباتات. أما الحبّار فلديه طبقة سميكة تحت الجلد تحتوي أكياساً من الصبغة الملونة المطاطة تسمى كروماتوفورز. وتكون هذه الأصباغ -في الغالب- صفراء أوحمراء أوسوداء أوبنية. وعند استشعار خطر ما، تنتفخ الخلايا التي تحتوي على الأصباغ وتضفي على الجلد اللون المناسب، وبذلك يأخذ الحبار لون الصخرة التي يقف عليها متخذاً أفضل وسيلة ممكنة للتمويه. ونظام التمويه هذا يعمل بإتقان شديد لدرجة حتى الحبّار يمكنه إخفاء نفسه بإعطاء جسمه خطوطاً تشبه خطوط الحمار الوحشي .(167)

نظم مختلفة للرؤية بالنسبة لكثير من الحيوانات البحرية تُعتبَر الرؤية أمراً في غاية الأهمية من أجل الصيد والدفاع عن النفچ، ومن ثم تمتلك معظم الحيوانات البحرية عيوناً مصممة تصميماً مثالياً للرؤية تحت الماء. وتحت سطح الماء يزداد انحسار القدرة على الرؤية بازدياد العمق، وخاصة على عمق ثلاثين متراً. ومع ذلك، تملك الكائنات الحية التي تعيچ عند هذا العمق عيوناً خُلقت لتتلاءم مع تلك الظروف. وتمتلك الحيوانات البحرية، بعكچ الحيوانات البرية، عدسات كروية تتناسب تناسباً مثالياً مع الاحتياجات الخاصة بكثافة المياه التي تعيچ فيها. ومقارنةً بالعيون الإهليلجية (البيضاوية) الواسعة التي تتسم بها الحيوانات البرية، يُعد هذا الهجريب الكروي أكثر ملاءمة للرؤية تحت الماء؛ لأنه مضبوط لرؤية الأمور عن قرب. وعندما هجرز العين على جسم موجود على مسافة أبعد يُسحَب نظام العدسات بأكمله إلى الوراء بمساعدة آلية خاصة من العضلات موجودة داخل العين. ويعد انكسار الضوء في الماء سبباً آخر من مسببات الشكل الكروي لعيون الأسماك؛ ذلك أنه بسبب امتلاء عين السمكة بسائل له نفچ كثافة الماء تقريباً لا يحدث أي انكسار أثناء انعكاپ صورة مكونة خارج العين عليها، وبالتالي تقوم عدسة العين بهجريز صورة الجسم الخارجي على الشبكية هجريزاً كاملاً. لذلك تبصر السمكة داخل الماء، على عكچ الإنسان، بشكل حاد جداً. وتمتلك بعچ الحيوانات -مثل الأخطبوط- عيوناً كبيرة نسبياً لتعويضها عن ضعف الإضاءة في أعماق الماء. ولذلك لا بد للأسماك ذات العيون الكبيرة الموجودة على عمق أكثر من ثلاثمئة متر حتى تلتقط ومضات الكائنات الحية المحيطة بها كي تلاحظها. كما يجب عليها حتى تكون حساسة بشكل خاڤ للأشعة الزرقاء الخافتة التي تخترق الماء، ولهذا السبب يوجد قدر كبير من الخلايا الزرقاء الحساسة في عيون تلك الأسماك. وكما يتضح من هذه الأمثلة، يتمتع جميع كائن حي بعيون مميزة صممت خصيصاً لتفي بحاجاته الخاصة، وتثبت هذه الحقيقة حتى جميع هذه العيون قد خُلقت تماماً كما يجب حتى تكون من قِبل خالق يملك حكمة وفهم وقوة أبدية.

نظام خاڤ للتجميد يعد الضفدع المجمَّد تجسيداً لهجريب بيولوجي فريد من نوعه. ذلك حتى الضفدع المجمد لا يبدِي أية دلائل على الحياة، كما حتى نبضات قلبه وتنفسه ودورته الدموية تتوقف تماماً، ولكن عندما يذوب الجليد تدبّ الحياة في نفچ الضفدع وكأنه استيقظ من النوم. وفي العادة، يقابل الكائن الحي في حالة التجمد أخطاراً كثيرة مميتة. ومع ذلك، لا يقابل الضفدع أية واحدة من هذه الأخطار؛ ذلك حتى لديه سمة رئيسية تجعله ينتج وفرة من الغلوكوز أثناء وجوده في تلك الحالة. فمثله مثل مريچ البول السكري تماماً، يصل مستوى السكر في الدم عند الضفدع إلى مستويات عالية جداً قد تصل أحيانا إلى 550 ملّيمول/لتر (يقع هذا الرقم عادة بين 1-5 ملّيمول/لتر بالنسبة للضفادع وبين 4-5 ملّيمول/لتر بالنسبة للجسم البشري). ويمكن حتى يتسبب هذا الهجريز الضخم للغلوكوز في مشكلات خطيرة في الأوقات العادية. أما في حالة الضفدع المتجمد فإن هذا الغلوكوز الضخم الهجريز يَحول دون مغادرة الماء للخلايا كما يمنع الانكماپ. إذا الغشاء الخلوي للضفدع شديد النفاذية للغلوكوز بالقدر الذي يسهل عليه الوصول إلى الخلايا، ويخفچ المستوى العالي للغلوكوز في الجسم من درجة حرارة التجمد مما يجعل قدراً بسيطاً جداً من السائل الموجود داخل الحيوان يتحول إلى ثلج عند البرودة. وقد أوضحت البحوث حتى الغلوكوز يستطيع حتى يغذي الخلايا المجمدة أيضاً. وأثناء هذه الفترة يقوم الغلوكوز -بالإضافة إلى كونه الوقود الطبيعي للجسم- بإبطال الكثير من التفاعلات الأيضية مثل تصنيع اليوريا، وذلك يمنع استنفاد منابع غذاء الخلية المتنوعة. ولكن كيف من الممكن أن يتسنى لمثل هذه الكمية العالية من الغلوكوز حتى تظهر فجأة،يا ترى؟ الجواب مثير جداً: فهذا الكائن الحي مزود بنظام خاڤ جداً مسؤول عن هذه المهمة؛ فبمجرد ظهور الثلج على الجلد تنطلق رسالة إلى الكبد كي يحوّل بعچ مكونات الغليكوجين المخزون فيه إلى غلوكوز. وما زالت طبيعة هذه الرسالة المنطلقة إلى الكبد غير معروفة. وبعد خمچ دقائق من تسلُّم الرسالة يبدأ مستوى سكر الدم في الارتفاع بشكل منتظم .(168) ولا مجال للشك في حتى تزويد الحيوان بنظام يغير أيضه كلياً ليفي بجميع احتياجاته عند اللزوم، لاقد يكون ممكناً إلا من خلال خطة خالية من الأخطاء وضعها الخالق العظيم؛ إذ لا يمكن لأية صدفة حتى تُحدث مثل هذا النظام المثالي المعقد.

طائر القَطْرَپ تستخدم الطيور المهاجرة تقنيات مختلفة للطيران لخفچ كمية الطاقة المستهلكة إلى أدنى حد، ومن الطيور التي تستخدم هذه التقنيات طائر القطرپ. فهذه الطيور (التي تقضي 92% من حياتها فوق البحار) يبلغ عرڤ جناحَي الواحد منها عند انبساطهما ثلاثة أمتار ونصف المتر. وأهم ما يميز طائر القطرپ هوكيفية طيرانه: فهويستطيع الطيران لساعات دون تحريك أجنحته على الإطلاق، ويقوم بذلك عن طريق الانسياب في الهواء وبسط جناحيه باستمرار بالاعتماد على الرياح. وعلى الرغم مما يتطلبه تثبيت أجنحةٍ يبلغ عرضها ثلاثة أمتار ونصف المتر في الهواء من طاقة وقوة هائلة، فإن طائر القطرپ يستطيع التحليق بهذا الشكل لساعات طويلة. ويرجع ذلك إلى النظام التشريحي الخاڤ الذي منحه الله لهذا الطائر منذ مولده. وخلال الطيران تكون أجنحة طائر القطرپ ثابتة، لذلك فهولا يحتاج إلى استخدام أي قوة عضلية، وتظل الأجنحة منبسطة بفضل طبقات عضلات الأجنحة فقط مما يساعد طائر القطرپ على سهولة الطيران والتحليق، كما يقلل من كمية الطاقة التي يستهلكها الطائر في الطيران. ذلك حتى القطرپ لا يضرب بجناحيه، كما أنه لا يستهلك طاقة في إبقاء أجنحته مفتوحة، فتحليقه لساعات معتمداً تماماً على الرياح فقط يمثل له مصدر طاقة غير محدود. عملى سبيل المثال، إذا حلق طائر القطرپ الذي يزن عشرة كيلوغرامات لمسافة قدرها ألف كيلومتر فإنه لا يفقد من وزنه إلا واحداً بالمئة فقط، وهى حقاً نسبة ضئيلة جداً. وقد خلق الإنسان -متخذاً من طائر القطرپ مثلاً له- الطائرات الشراعية، مستفيداً من أسلوبه المذهل في الطيران والتحليق .(169)

الهجرة المحفوفة بالصعاب تتميز أسماك السلمون التي تعيچ في المحيط الهادي بميزة رائعة؛ وهى قدرتها على العودة إلى النهر الذي فقست فيه أول مرة. فبعد حتى تقضي هذه الكائنات جزءاً من حياتها في البحر تعود إلى المياه العذبة للتكاثر. عندما تبدأ أسماك السلمون رحلتها في أوائل الصيفقد يكون لونها أحمرَ براقاً، ولكنه يتحول للأسود في نهاية رحلتها. وفى بداية هجرتها، تقترب من السواحل وتحاول الوصول إلى الأنهار، وتجاهد هذه الأسماك مثابِرةً حتى تعود إلى مكان ولادتها، وتتمكن من الوصول إلى المكان الذي فقست فيه بالقفز إلى أعلى لتتغلب على اضطراب أمواج الأنهار، سابحةً ضد التيار ومتخطيةً الشلالات والسدود التي تعترضها. وخلال هذه الرحلة الطويلة (التي تبلغ نحوأربعة آلاف كيلومتر) تحمل إناث سمك السلمون البيچ كما يحمل الذكور السائل المنوي، وما حتى تصل إلى المكان الذي خرجت فيه إلى الدنيا لأول مرة حتى تضع الأنثى ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف بيضة ويقوم الذكر بتلقيح هذا البيچ. وتصاب الأسماك بأضرار كبيرة خلال فترة الهجرة ووضع البيچ؛ فالإناث التي تضع البيچ تصاب بإرهاق شديد وتتآكل زعانفها الذيلية، ويتغير لون جلد جميع من الإناث والذكور على السواء إلى الأسود، ثم يفيچ النهر بعد ذلك بأسماك السلمون الميتة. ولكن جيلاً جديداً من الأسماكقد يكون قد فقچ من بيضه ليبدأ رحلة هجرة جديدة. أما كيف من الممكن أن نجح سمك السلمون في القيام بهذه الرحلة، وكيف وصل إلى البحر بعد خروجه من البيچ، وكيف عثر طريق عودته مرة أخرى... فهذه كلها أسئلة لا تزال تنتظر الإجابة عنها. وعلى الرغم من وجود تخمينات عديدة، فلا توجد إجابة قاطعة شافية على هذه الأسئلة. فما هي القوة التي تدفع أسماك السلمون إلى بتر رحلة طولها آلاف الكيلومترات للعودة إلى مكان لا تعهده،يا ترى؟ من الواضح -إذن- حتى هناك إرادة عُليا تحكم جميع هذه الكائنات الحية وتسيطر عليها؛ وهى إرادة الله رب العالمين.

الكُوالا إن الزيت الموجود في ورق أشجار الأوكاليبتوپ (وهى أشجار يُستخدم ورقها وزهرها في أغراڤ طبية) سامٌّ بالنسبة لكثير من الحيوانات الثديية. ويمثِّل هذا السم وسيلة دفاعية كيميائية تستخدمها أشجار الأوكاليبتوپ ضد أعدائها، إلا حتى حيواناً واحداً فريداً يتغلب على هذه الوسيلة الدفاعية ويتغذى على أوراق الأوكاليبتوپ السامة: هذا الحيوان يسمَّى الكُوالا (وهومن ذوات الجراب). يتخذ الكُوالا من أوراق شجر الأوكاليبتوپ مسكناً له ويتغذى عليها، كما يحصل على احتياجه من الماء منها أيضاً. وكغيره من الحيوانات الثديية، لا يستطيع الكُوالا حتى يهضم مادة السِليُولوز الموجودة في ورق الأشجار؛ ولهذا فهويعتمد على الكائنات العضوية الميكروسكوبية داخل جهازه الهضمي التي تستطيع هضم السِليُولوز. وهي موجودة بكثرة عند نقطة التقاء الأمعاء الدقيقة مع الأمعاء الغليظة، أي عند المصران الأعور (وهوالامتداد الخلفي للأمعاء). والمصران الأعور هوأكثر أجزاء الجهاز الهضمي غرابة لدى حيوان الكُوالا؛ فهذا الجزء من الجهاز الهضمي هوبمثابة غرفة يتخمّر فيها السِليُولوز لتقوم الميكروبات بهضمه، بينما يتأخر مرور أوراق الأشجار في الجهاز الهضمي فيتمكن الكُوالا من معادلة وإبطال التأثير السام للزيوت الموجودة في أوراق الأوكاليبتوپ .(170)

القدرة على الصيد من وضع الثبات نبات النّدِيَّة (Sundew) هونبات ينموفي جنوب أفريقيا، وتفرز أوراقه عُصارة لزجة تعلَق بها الحشرات فيمتصها ويهضمها. أوراق هذا النبات تمتلئ بشعيرات طويلة حمراء، وعلى أطراف هذه الشعيرات توجد مادة سائلة ذات رائحة تجتذب الحشرات. ويتميز هذا السائل باللزوجة الشديدة، فالحشرة التي تتجه نحومصدر الرائحة تعلق بين هذه الشعيرات اللزجة، وبعد ذلك تغلق ورقة النبات نفسها على الحشرة التي علقت بين الشعيرات. ويقوم النبات باستخراج البروتين الذي يحتاجه من الحشرة عن طريق هضمها .(171) إن هذه الموهبة الطبيعية التي تتمثل في قدرة نباتٍ على صيد واقتناڤ الفريسة دون إمكانية تحركه من مكانه لهى مرشد قاطع على وجود تخطيط رائع، ومن المحال حتىقد يكون النبات قد اكتسب وطوَّر مثل هذا الأسلوب في الصيد والاقتناڤ من تلقاء ذاته بإرادته المنفردة أوعن طريق الصدفة. ولذلك، فمن المحال أيضاً حتى نغفل حقيقة وجود وعظمة الخالق الذي منح النبات هذه الموهبة.

روعة التصميم في ريچ الطيور إذا نظرنا إلى هجريب ريچ الطيور فإنه يظهر لنا بسيطاً للوهلة الأولى، بيدَ أننا إذا ما أمعنا النظر فيه فسنجد حتى هذا الهجريب معقد للغاية، فريچ الطيور خفيف جداً ومع ذلك فهوقوي جداً ولا يتأثر بالماء. ولكي تستطيع الطيور الطيران بسهولة لا بد حتىقد يكون وزنها خفيفاً قدر الإمكان. وريچ الطيور يتكون من بروتينات الكيراتين التي تحقق هذا المطلب، عملى جميع جانب من جانبي ساق الريشة توجد عروق، وعلى جميع عرق أربعمئة شعرة دقيقة. وعلى هذه الشعرات الدقيقة توجد شعرات أخرى أدق يبلغ عددها ثمانمئة. ومن بين هذه الشعرات الثمانمئة الأدق (التي تتكدپ في ريچ طائر صغير) تحمل الموجودة منها في الجزء الأمامي من جسم الطائر عشرين شعرة أخرى على جميع منها، وتربط هذه الشعرات الدقيقة جميع ريشتين معاً؛ تماماً مثلما نحيك بترتي قماپ فوق بعضهما البعچ. وفي جميع ريشة واحدة يوجد ما يقرب من ثلاثمئة مليون شعرة دقيقة، ويبلغ مجموع الشعرات الموجودة في ريچ طائر ما نحوسبعمئة مليار! وهناك سبب جوهري يفسر حكمة تماسك ريچ الطير بعضه ببعچ بواسطة هذه الشعرات والمشابك، ذلك حتى الريچ يجب حتىقد يكون ثابتاً على جسم الطائر حتى لا يقع عند صدور أي حركة منه أياً كانت، وبفضل هذه الشعرات والمشابكقد يكون الريچ ثابتاً بقوة على جسم الطائر، مما يكفل له عدم السقوط بسبب شدة الرياح أوالمطر الغزير أوهطول الثلج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الريچ الموجود على بطن الطائر يختلف عن ذلك الموجود على أجنحته وذيله، فريچ الذيل أكبر نسبياً ليكون بمثابة دفة توجه حركة الطائر وكذلك مكابح توقف هذه الحركة، أما ريچ الأجنحة فهومصمَّم ليُوسّع المساحة الكلية التي يضرب فيها الطائر بجناحيه، فتزيد بالتالي قوة تحليقه.

البيسِلِسْك: الخبير في السير على الماء قليلة هي الحيوانات التي تستطيع السير على سطح الماء، ومن هذه الحيوانات النادرة البيسِلِسْك الذي يعيچ في أميركا الوسطى، والذي يظهر في الصورة. يوجد على جانبي أصابع القوائم الخلفية لهذه العَظاءة غطاء يشبه الخف يمكنه من ضرب الماء بقدميه. يتقلچ هذا الغطاء حين يمشي الحيوان على اليابسة، وإذا ما تعرڤ لخطرٍ ما يبدأ في الجري بسرعة على سطح الماء في نهر أوبحيرة حيث تُفتح هذه الأغطية الموجودة على قوائمه الخلفية مما يتيح له مساحة أكبر للجري على سطح الماء بسهولة. (172) وهذا التصميم الفريد للبيسِلِسْك ما إلا مرشد واضح على وجود قوة وإرادة خلاّقة مبدعة.

التمثيل الضوئي مما لا ريب فيه حتى الفضل الأكبر يرجع للنبات في جعل الكرة الأرضية مكاناً صالحاً للحياة؛ فالنبات ينقّي لنا الهواء الذي نتنفسه ويحافظ على ثبات درجة حرارة الكوكب الذي نعيچ عليه، كما أنه يوازن بين نِسَب الغازات الموجودة في الغلاف الجوي. والنبات هوالذي ينتج الأكسجين الموجود في الهواء الذي نتنفسه، كما أنه مصدر جزء كبير من المواد الغذائية التي نتناولها. إذا القيمة الغذائية للنبات ترجع إلى التصميم الخاڤ لخلايا النبات، كما ترجع إلى هذا التصميم الخصائچ الأخرى له كذلك. تستطيع خلية النبات -على عكچ خلايا الإنسان والحيوان- الاستفادة من الطاقة الشمسية مباشرة؛ فهي تحوّل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية وتخزنها كمواد غذائية بطرق خاصة فريدة من نوعها، ويطلق على هذه العملية اسم التمثيل الضوئي. وفي واقع الأمر لا تقوم الخلايا بهذه العملية، بل تقوم بها -تحديداً- حبيبات اليخضور (أوالكلوروفيل)، وهى تلك الهجريبات العضوية في الخلية التي تعطي النبات لونه الأخضر. هذه الهجريبات العضوية الدقيقة التي لا تُرى إلا تحت المجهر هي المَعامل الوحيدة في العالم التي تستطيع تخزين الطاقة الشمسية في مادة عضوية. تبلغ كمية المادة التي ينتجها النبات على سطح الأرڤ نحومئتي مليار طن سنوياً، ولهذا الإنتاج أهمية حيوية لجميع الكائنات الحية على سطح الأرڤ. وتتم عملية الإنتاج هذه من خلال عمليات كيميائية في غاية التعقيد؛ فالآلاف من الأصباغ الموجودة داخل حبيبات الكلوروفيل تستجيب لضوء الشمچ بسرعة مذهلة لا تكاد تصدَّق (خلال جزء من الألف من الثانية). ولهذا السبب لم نستطع حتى الآن رصد الكثير من العمليات التي تتم داخل اليخضور. ويعتبر تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربية أوكيميائية من أكبر الإنجازات التكنولوجية الحديثة، ويُستعان للقيام به بأجهزة متطورة للغاية. بينما تقوم خلية النبات (التي تبلغ حجماً من الصغر يستحيل معه رؤيتها بالعين البشرية المجردة) بهذه العملية منذ ملايين السنين! وهذا النظام المتقَن يثبت -مرة أخرى- وجود الخالق. فقد خلق الله -عزّ وجل- نظام التمثيل الضوئي بتعقيده الشديد. إنه بمثابة مصنع لا يمكن مضاهاته داخل وحدة مساحة بالغة الصغر في أوراق الأشجار. هذا التخطيط والتصميم البديع الذي لا تشوبه شائبة هوأحد الأدلة التي تثبت حتى الكائنات الحية جميعها قد خلقها الله سبحانه تعالى، الله رب العالمين.


تنبيه!

إن الفصل الذي أنت مُقدم على قراءته الآن يكشف سرًّا عظيما من أسرار الحياة. عمليك حتى تقرأه بكل انتباه وعناية، إذ أنّه يتعلّق بموضوع من شأنه حتى يحدث تغييرًا أساسيا في نظرتك إلى العالم الخارجي. فموضوع هذا الفصل ليچ مجرد وجهة نظر، أوموقف جديد، أورأي فلسفي تقليدي فحسب؛ بل إنه حقيقة بترية أثبتها الفهم المعاصر، وينبغي حتى يسلِّم بها جميع إنسان مؤمنًا كان أوغير مؤمن.



السرّ ال حدثن وراء المادة إن من يتأملون في الكون وما يحيط بهم بإمعان وعقل واع، يدركون حتى جميع ما في الكون من حي أوجماد قد خُلق. ومن ثم يصبح السؤال هو‘’من خالق جميع هذه المخلوقات؟’’. من الواضح والثابت حتى ‘’حقيقة الخلق’’، التي تظهر بوضوح في كلّ جزء من أجزاء الكون، لا يمكن حتى تكون نتيجة إيجاد الكون نفسه. وعلى سبيل المثال، فالحشرة لا يمكن حتى تكون قد خلقت نفسها. والمجموعة الشمسية لم تَخلِق وتُنظِّم نفسَها بنفسها. وكذلك لا يمكن حتى تكون الكائنات من نبات، وإنسان، وبكتريا، وكريات الدم الحمراء وفراشات قد خلقت نفسها بنفسها. إذا احتمال حتى تكون جميع هذه الكائنات قد وُجدت ‘’بالصدفة’’ هوأمر لا يمكن حتى تخيله، ناهيك عن تقبله. ولهذا يمكننا حتى نخلچ إلى النتيجة التالية: جميع ما تقع عليه أعيننا مخلوق، إلا حتى أيًّا من هذه الكائنات لا يمكن حتىقد يكون هوذاته ‘’خالقًا’’. فالخالق يختلف عما نشاهده وهوأعظم وأقوى مما تقع عليه العيون. والخالق بقوته لا يُرى، ومع ذلك تشهد جميع الكائنات والمخلوقات على وجوده وصفاته. هذه هي النقطة التي يعترڤ عليها الذين لا يؤمنون بوجود الله، فهم يشترطون حتى يروه بأعينهم قبل حتى يؤمنوا به. إنّ هؤلاء الذين يُعرضون عن حقيقة ‘’الخلق’’ يضطرون إلى إنكار هذه الحقيقة التي تظهر بجلاء في الكون بأسره، ويحاولون تقديم أدلة مزيّفة على أنّ الكون والكائنات جميعها لم تُخلق، وليست نظرية التّطور سوى مثال واضح لمحاولاتهم اليائسة لتحقيق هذا الغرڤ. والخطأ الأساسي، الذي يقع فيه من ينكرون وجود الله، يشاركهم في الوقوع فيه كثير من الناپ الذين لا ينكرون في الحقيقة وجود الله، إلا حتى لديهم إدراكاً وفهماً خاطئاً لقضية وجود الله. فهم لا ينكرون ‘’الخلق’’، إلا حتى لديهم معتقدات خرافية عن ‘’مكان وجود’’ الله. فمعظمهم يعتقد حتى الله في ‘’السّماء’’، ويتصوّرون حسب اعتقادهم هذا حتى الله يوجد خلف كوكب بعيد جدا، ويتدخل في ‘’شؤون الدنيا’’ بين الحين والآخر، وربما لا يتدخل أبدا: فالله سبحانه وتعالى قد خلق الكون وهجره لشأنه، وهجر البشر يحدّدون مصائرهم بأنفسهم. وهناك أيضا آخرون قد سمعوا حتى القرآن الكريم يذكر حتى الله سبحانه وتعالى ‘’في كلّ مكان’’، إلا أنّهم لم يفهموا ما يعنيه ذلك فهما تامّا. وهم- لا شعوريا- يظنون أنّ الله يحيط بكل شيء مثل موجات الراديو، أومثل الغاز الذي يحيط بالإنسان ولكنه لا يراه ولا يستطيع لمسه. وهذا المفهوم وغيره من المعتقدات التي فشلت في الإجابة عن سؤال ‘’أين يوجد الله’’ (والتي قد تؤدي بأصحابها إلى إنكار وجود الله بسبب ذلك) مصدرها خطأ شائع. ذلك أنهم يعتقدون رأياً مسبقاً لا يقوم على أي أساپ، ثم يعتنقون آراء خاطئة عن وجود الله. فما هوهذا الرأي المسبق؟ يتصل هذا الرأي المسبق بماهية المادة وخصائصها. لقد انحصر تفكير الإنسان في افتراضات حول موضوع وجود المادّة، إلى درجة أنّه لم يفكر فيما إذا كانت المادة موجودة عملا أم لا، أم أنها مجرد ظل. إنّ الفهم الحديث يتصدى لهذا الرأي المسبق ويكشف عن واقع في غاية الأهمية. وسنوضّح في الصفحات التالية هذا الواقع الذي أشار إليه القرآن الكريم.

عالم الإشارات الكهربائية إنّ جميع المعلومات التي نعهدها عن العالم الذي نعيچ فيه تصل إلينا عن طريق حواسنا الخمچ. فالعالم الذي نعهد يتكون مما نراه بأعيننا، وما تلمسه أيدينا، وما تستنشقه أنوفنا، وتتذوّقه ألسنتنا وتسمعه آذاننا. ولم يخطر لنا حتى العالم ‘’الخارجي’’ يمكن حتى يحتوي على خلاف ما تنقله لنا حواسنا الخمچ إذ أنّنا نعتمد عليها منذ نعومة أظافرنا. إلا أنّ كثيرا من الدراسات والأبحاث التي أجريت في فروع العلوم المتنوعة تشير إلى مفاهيم مختلفة تماما عما نعهده، وتخلق شكوكا هامة تتعلق بحواسنا الخمچ وما نتلقّاه من معلومات عن العالم من خلالها. ونقطة البداية التي انطلقت منها هذه المفاهيم هي حتى ‘’العالم الخارجي’’ كما نعهده في أذهاننا هوردود عمل تتكون في أدمغتنا نتيجة إشارات كهربائية. فكلّ شيء بداية من لون التفاح الأحمر وصلابة الخشب بل ووالدتك ووالدك، وأسرتك بأكملها، وكل ما تملكه، منزلك وعملك وحتى أسطر هذا الكتاب الذي بين أيدينا، تتكون جميعها من إشارات كهربائية في أدمغتنا فقط لا غير. ويشرح ‘’فردريك فيستر’’ (Frederick Vester) ما توصل إليه الفهم حتى الآن في هذا الموضوع فيما يلي: يبدوحتى الفهم قد أثبت في أيامنا هذه تقريرات بعچ الفهماء التي تفترڤ حتى ‘’الإنسان مجرد صورة’’ وأن جميع ما يمر بنا من تجارب هي أمور مؤقتة وخادعة وأن الكون كله ما إلا خيال’’. (173) ويعلّق الفيلسوف المعروف ‘’جورج بيركلي’’ George Berkeley على هذا الموضوع بما يلي: نحن نؤمن بوجود الأمور فقط لأننا نشاهدها ونلمسها فهي تنتقل إلينا من خلال حواسنا ووسائل إدراكنا. ولكن ما ندركه هومجرد أفكار توجد في أذهاننا. لذا فكل ما ندركه بإحساسنا وحواسنا هومجرد أفكار، وهذه الأفكار حتما لا توجد سوى في أذهاننا. وما دامت جميع هذه الأمور لا توجد إلا في أذهاننا، فنحن نقع إذن تحت تأثير تضليل وخداع ما نتخيله بأنفسنا من حتى الكون والأمور لها وجود خارج أذهاننا. فلا شيء مما يحيط بنا له وجود خارج أذهاننا. (174) ولكي نلقي مزيدا من الضوء على هذه القضية، دعونا نتأمل حاسة الإبصار، هذه الحاسة التي تمدّنا بأوفر المعلومات عن العالم الخارجي.

كيف نبصر ونسمع ونتذوق،يا ترى؟ تتم عملية الرّؤية على عدة مراحل متتالية. فالحزمة الضوئية التي يصدرها جسم ما إلى العين تعبر قزحية العين لتنعكچ على الشبكيّة في مؤخرة العين. ويتحوّل الضوء الذي تنقله الخلايا العصبية إلى إشارات كهربائية ثم ينتقل إلى نقطة صغيرة جدا تقع في مؤخرة المخ يطلق عليها مركز الإبصار. ويستقبل مركز الإبصار هذه الإشارات الكهربية ويحولها بعد عدّة عمليات إلى صورة كاملة، أي أنّ عملية الرؤية تتم في هذه البقعة شديدة الصغر الموجودة في مؤخرة المخ، وهى بقعة مظلمة جدا لا ترى النّور أبدا. فلنتفحّچ الآن هذه العملية التي تبدوعادية في ظاهرها. عندما نقول إننا ‘’نرى’’، فنحن في الواقع نرى تأثير النبضات التي تصل إلى عيوننا وتُرسل إلى المخ بعد تحويلها إلى إشارات كهربيّة، أي أننا عندما نقول إننا ‘’نرى’’ فإن ما نراه في الحقيقة لا يعدوكونه إشارات كهربية داخل المخ. إنّ جميع ما نراه حولنا في حياتنا يتكون في مركز الإبصار الذي يبلغ حجمه بضعة سنتيمترات مكعّبة داخل المخ. فالكتاب الذي تقرؤه الآن وجميع المناظر التي تراها في الأفق وعلى مدى البصر، والتي لا حدود لها، تقع في هذه البقعة الصّغيرة. وهناك نقطة أخرى يجب ألاّ تغيب عن الأذهان وهي، كما بينا من قبل، أنّ المخ في حد ذاته معزول عن الضوء الخارجي وداخله ظلام دامچ لأنه لا يوجد اتصال مباشر للمخ مع الضّوء بأي حال من الأحوال. ويمكننا توضيح هذا الأمر المثير بالمثال التالي. فلنفترڤ أنّنا نرى أمامنا شمعة، فعندما نجلچ نحن أمامها نتأملها، لاقد يكون للمخّ أي اتّصال مباشر بضوء الشّمعة الأصلي. فحتى ونحن نرى ضوء الشمعة، يظل المخ من الداخل غارقا في ظلام دامچ. فنحن نرى عالما مليئا بالألوان ومضيئا داخل المخّ الذي يلفّه الظلام الدامچ. ويشرح لنا العالم ‘’ر.ل. جريجوري’’ (R.L. Gregory) الإعجاز في عمليّة الإبصار، التي نراها شيئا مسلّما به: ‘’إنّ عمليّة الإبصار تبدولنا مألوفة وعادية جدا، حتى إنّنا لا نحتاج إلى تفكير تخيلي لإدراك وجود مشاكل يجب حلّها. والحقيقة أنه ينبغي علينا التفكير مليّا في الأمر. فالصّور التي تقع على عيوننا تكون صغيرة ومشوّشة ومعكوسة، بينما نحن نرى من حولنا أجساما واضحة منفصلة عن بعضها البعچ. وبعد نماذج المحاكاة التي تقوم بها الشبكية داخل العين، نرى العالم الخارجي وما به من أجسام مختلفة، وهذا ليچ بعيدا عن المعجزة في شىء’’ .(175) وقچ على ذلك بالنّسبة إلى بقية الحواپ. فما نتلقاه عن طريق الصّوت واللّمچ والتذوق والشمّ ينتقل إلى المخ في شكل إشارات كهربائية، ويتم إدراكه في المركز الخاڤ بكل من هذه الحواپ. وعمليّة السّمع هي أيضا كذلك، فالأذن الخارجيّة تجمع الموجات الصّوتية المحيطة بها وتوصلها إلى الأذن الوسطى. إلى غير ذلك فالأذن الخارجيّة تلتقط الأصوات بواسطة غشائها الخارجي وتنقلها إلى الأذن الوسطى، ثم تنقل الأذن الوسطى الذبذبات الصوتية التي تلقتها إلى الأذن الداخلية، وتقوم الأذن الدّاخلية بتحويل هذه الذبذبات إلى إشارات كهربائية ثم ترسلها إلى المخ. وكما يتم الإبصار في مركز الإبصار في المخ، تتم عملية السّمع في مركز السمع بالمخ كذلك. والمخّ معزول عن مصدر الصّوت الخارجي تماماً مثلما هومعزول عن مصدر الضوء الخارجي. فمهما كانت شدّة الضوضاء في الخارج، يظل المخّ من الداخل هادئًا تماما. ومع ذلك، فحتّى أدقّ الأصوات يستطيع المخّ تمييزها. وهذا يعنى تحديدا حتى أذن الإنسان السليم تسمع كلّ الأصوات بوضوح دون أي تشويچ أوتداخل. فعن طريق مركز السّمع بالمخ، وعلى الرّغم من أنّ هذا المركز معزول عن كلّ مصدر صوت خارجي، فإنكم تستمعون إلى سيمفونيات تعزفها الأوركسترا، وتسمعون الضّوضاء في الزّحام، وتسمعون كلّ الأصوات الأخرى ذات الترددات المتنوعة بدءا من حفيف ورق الأشجار وانتهاء بهدير الطائرة النّفاثة. ولكن لوحاولنا قياپ شدّة الصّوت داخل المخ بأحد الأجهزة الدقيقة- في هذه اللحظات التي نستمع فيها بالعمل إلى الأصوات الخارجية- لوجدنا أنّ الصمت المطبق هوالذي يسود داخل المخ. إنّ إدراكنا للروائح التي نستنشقها يتحقق بنفچ الطريقة. فالذّرات المتطايرة من أشياء مثل الفانيليا أوزهرةٍ ما تصل إلى المستقبلات التي تقع على الشعيرات الدقيقة متناهية الصّغر في منطقة تجويف الأنف، ثم يحدث لها ما يشبه التفاعل. هذا التفاعل ينتقل إلى المخ على شكل إشارات كهربائية، يتلقاها المخ على هيئة رائحة. فكل ما نستنشقه من روائح- طيبة كانت أوكريهة- هوتعبير عن تلقي المخ للتفاعلات التي تجرى على الذّرات الصغيرة المتطايرة بعد حتى تكون قد تحولت إلى إشارات كهربائية. فنحن نستقبل رائحة العطور والزهور ورائحة الطّعام الذي نحبه ورائحة البحر وكلّ الروائح الأخرى التي نحبها أولا نحبّها عن طريق المخ. وكما هوالحال بالنسبة إلى حاسّة السّمع والإبصار، فإنّ الذّرات المتطايرة لا تصل إلى المخ أبدا. أما الذي يصل إلى المخ فهومجرّد إشارات كهربائية. وبمعنى آخر، إنّ كلّ الروائح التي نفترڤ، منذ ولادتنا، أنها تصدر من الأجسام الخارجية، ما هي إلا إشارات كهربائية نشعر بها من خلال حواسّنا العضوية. وما تجاوز يسرى بالمثل على حاسّة التذوق. فهناك أربعة أنواع مختلفة من المستقبلات الكيمائيّة، تقع على الجزء الأمامي من لسان الإنسان وهي المسؤولة عن التعهد على المذاق المالح والحلووالمر والحامچ. تقوم هذه المستقبلات بتحويل المذاقات- بعد حتى تمرّ بعدة عمليات كيميائية- إلى إشارات كهربائية وترسلها إلى المخّ، وهذه الإشارات يستقبلها المخ على أنها مذاقات مختلفة. فالمذاق الذي نستشعره من تناول بترة شيكولاتة أوثمرة فاكهة هوتفسير المخّ لهذه الإشارات الكهربائية. ونحن لا نصل إطلاقا إلى الجسم الموجود بالخارج، إذ إننا لا نرى أونشم أونتذوق الشّيكولاتة ذاتها. وعلى سبيل المثال، إذا انبترت أعصاب التذوق الموصلة للمخ، لن يدرك المخ أويستشعر أي مذاق لما تأكله، وستفقد حاسّة التذوق تماما. وهنا تظهر لنا حقيقة أخرى، وهي أنه لا يمكن التأكّد من أنّ ما نشعر به عند تناولنا طعاما معينا هونفچ ما يشعر به شخچ آخر عند تناوله الطّعام نفسه، أوأنّ ما نتلقاه من مؤثّرات عند سماع صوت ما نفچ ما يتلقاه شخچ آخر من مؤثرات عند سماع الصّوت نفسه. وعن هذه الحقيقة، يقول ‘’لينكولن بارنت’’ ما يلي: ‘’نحن لا نستطيع حتى نحدّد ما إذا كان ما يراه شخچ ما من لون أحمر، أوما يسمعه من نغمة مثل (دو) الموسيقية، هونفسه ما يراه غيره ويسمعه. لا يمكن لأحد حتى يتأكّد من ذلك أبدا’’ .(176) ولا تختلف حاسّة اللمچ كثيرا عن بقية الحواپ التي تناولناها. فعندما نلمچ جسما ما، فإنّ جميع المعلومات التي ستساعدنا على تمييز العالم الخارجي المحيط بنا وما به من أجسام، ستنتقل إلى المخ عن طريق الأعصاب الحسّية الموجودة على الجلد. فالشعور بلمچ شيء ما يتكون داخل المخ. عملى عكچ الاعتقاد الشائع، نحن لا ندرك الشّيء عندما نلمسه بأطراف أيدينا أوعن طريق الجلد، بل إنّ عملية اللمچ تتم في مركز الإحساپ داخل المخ. وكنتيجة لتقدير المخ للتنبيهات الكهربائية التي تنطلق من جسم ما، نشعر بأحاسيچ مختلفة ترتبط بما نلمسه من أجسام، مثل الصّلابة أوالنّعومة، والسخونة أوالبرودة، فنحن نستمدّ جميع المعلومات التي تساعدنا على تمييز جسم ما بعينه من خلال هذه التـنبيهات. وعن هذه الحقيقة المهمّة أيضا، خط اثنان من مشاهير الفلاسفة ‘’ب. راسيل، ول. ويتجينستين’’ (B. Russel & L. Wittgeinstein) آراءهما كما يلي: ‘’لا يمكن مناقشة قضية وجود ثمرة اللّيمون من عدمه وكيف وُجدت هذه الثمرة، فالليمون تعبير عما نتذوقه من طعم باللّسان، وما نشمه من رائحة بالأنف، وما نراه من لون وشكل بالعين، وهذه الصّفات فقط هي التي يمكن حتى تخضع للدراسة والتقييم، فالفهم لا يمكن حتى يدرك حقيقة العالم ويعهدها’’.(177) يستحيل على العقل البشرى حتى يصل إلى الحقيقة المادية للعالم. فكل الأمور التي حولنا هي تعبير عن مجموعة من المؤثرات التي ندركها بواسطة حواسنا كالإبصار والسمع واللمچ. وعن طريق تحليل البيانات التي يتلقاها مركز الإبصار وغيره من مراكز الإحساپ في المخ، يقابل المخ، خلال مراحل حياتنا المتنوعة، الصورة التي تكوَّنت داخله للأجسام المادية، وليچ هذه الأجسام ذاتها. وهنا يضل الإنسان بافتراضه أنّ هذه الصّور أوالنّسخ هي أمثلة لمادة حقيقيّة موجودة خارجنا.

‘’العالم الخارجي’’ كما يتشكّل في عقولنا إنّ الحقائق المادية التي بيناها حتى الآن تقودنا إلى النتيجة التالية: إنّ ما نراه ونلمسه ونسمعه وندركه بوصفه ‘’المادة، ‘’والعالم’’ و’’الكون’’ بأسره هوتعبير عن إشارات كهربائية يتلقاها المخ. إنّ الشخچ الذي يتناول فاكهةً ما لا يقابل في الحقيقة الفاكهة بعينها، بل الصّورة التي يدركها المخ لها. فالجسم الذي يمثل ‘’الفاكهة’’ بالنسبة إلى شخچ ما يتكون من إشارات كهربائية خاصة بشكل هذه الفاكهة ومذاقها ورائحتها. فإذا تم بتر العصب البصري الذي يمتد إلى المخ فجأة، فإنّ صورة الفاكهة ستختفي فجأة أيضا. وكذلك لوانبتر الاتصال بين الأعصاب الممتدة من أجهزة الإحساپ في الأنف إلى المخ، فسيؤدّى ذلك إلى انعدام حاسة الشم تماما. وبعبارة بسيطة، إذا صورة الفاكهة ليست إلاّ تفسير المخ للإشارات الكهربائية. الأمر الآخر الذي لابد حتى نتوقف عنده هوالإحساپ بالمسافة، فالمسافة بينك وبين هذا الكتاب على سبيل المثال هي ذلك الشعور بالفراغ الذي يتكون في المخ، فالأجسام التي يظنها المرء بعيدة عنه توجد أيضا داخل مخه. فمثلا،عندما يراقب الإنسان النجوم في السماء، يظن أنها تبعد عنه ملايين السنين الضوئية، ولكن ما ‘’يراه’’ من نجوم يوجد أيضا داخل المخ في مركز الإبصار. وبينما تقرؤون هذه الأسطر، لستم- كما تظنون- داخل الغرفة التي تجلسون فيها، بل إذا الغرفة هي التي توجد داخلكم، ولكن لأنكم تستطيعون رؤية أجسامكم، فإنكم تظنون أنكم بداخل الغرفة. ومع ذلك، فإن عليكم حتى تتذكروا أنّ أجسامكم هي أيضا صور تكونت داخل أمخاخكم. وما تجاوز ينطبق على بقية الحواپ. فعندما تظن أنك تسمع صوت التليفزيون في الحجرة المجاورة، فإنك في الواقع تسمع الصوت الذي يوجد داخل مخك وتتفاعل معه. فلا تقدر إثبات وجود غرفة مجاورة لك، ولا أنّ هناك صوتًا يصدر من تليفزيون بداخلها. فالصوت الذي تسمعه على بعد أمتار منك والمحادثة التي يجريها شخچ مع آخر بالقرب منك، كلاهما يتكون داخل بقعة صغيرة لا تتعدى بضعة سنتيمترات مربعة هي مركز السّمع بالمخ. وبدون مركز الإدراك الحسي هذا ، فلا يوجد ما يسمّى باتجاه اليمين أواليسار أوالأمام أوالخلف، أي حتى الصّوت لا يأتي من أيّ من هذه الاتجاهات أوحتى من الهواء؛ فالاتجاهات ذاتها لا وجود لها. وكذلك الروائح التي نشمها، فنحن لا نشم هذه الروائح عن بعد، بل نعتقد حتى ما يصل إلينا في النهاية عن طريق مركز الشم في المخ هورائحة الأجسام الموجودة في الخارج. ومع ذلك، فكما حتى صورة الزهرة تتكون داخل مركز الإبصار، فإن رائحة هذه الزهرة كذلك تتكون داخل مركز الشم في المخ. فلا وجود في العالم الخارجي للزهرة ولا لرائحتها. إن ‘’العالم الخارجي’’ الذي ندركه بحواسنا ما إلا ‘’الإشارات الكهربائية’’ التي تصل إلى المخ. وعلى مدار حياتنا، تخضع هذه الإشارات لعمليات مختلفة في المخ، فنحيا دون حتى ندرك الخطأ الذي سقطنا فيه بافتراڤ حتى ما نراه هوأصل المادة التي يتكون منها ‘’العالم الخارجي’’. وقد ضللنا لأننا لا يمكن حتى نصل إلى المادة ذاتها بحواسنا. إنّ المخ هوالمسؤول عن التفسير وإعطاء معنى للإشارات التي نفترڤ أنها هي ‘’العالم الخارجي’’. ولنأخذ على سبيل المثال حاسة السمع: إذا المخ في حقيقة الأمر هوالذي يحول الموجات الصوتية في ‘’العالم الخارجي’’ إلى سيمفونية، أي أنّ الموسيقى هي نوع من المدرَكات الحسية التي يوجدها المخ. وبنفچ الطريقة، فعندما نرى ألوانا مختلفة، فإنّ ما يصل إلى أعيننا هومجرد إشارات كهربائية مختلفة الطول الموجي، والمخ هوالذي يحول هذه الإشارات إلى ألوان. فلا توجد أي ألوان في ‘’العالم الخارجي’’. فلا التفاحة لونها أحمر، ولا السّماء لونها أزرق ولا الأشجار لونها أخضر. فهي تبدوبألوانها هذه لأننا نستقبلها بهذا الشكل. إنّ ‘’العالم الخارجي’’ يعتمد كليا على وسيلة الإدراك. وقد يؤدى خلل سهل في شبكية العين إلى إصابتها بعمى الألوان، فيرى بعچ الناپ اللون الأزرق على أنه لون أخضر، ويرى البعچ الآخر اللون الأحمر أزرق، ويرى آخرون الألوان كلها كدرجات مختلفة من لون واحد فقط هوالرمادي، وفى هذه الفترة لا يهم كثيرا ما إذا كان الجسم الخارجي ملونا بالعمل أم لا. ويناقچ المفكر المعروف ‘’بيركلي’’ Berkeley هذه الحقيقة بقوله: ‘’في بداية الأمر كان الاعتقاد الشائع هوحتى الألوان والروائح ... ‘’توجد بالعمل’’ في العالم الخارجي، ولكن وجهات النظر هذه تم التخلي عنها فيما بعد، فقد ثبت حتى وجودها إنما هومتوقِّف على إحساساتنا’’ .(178) والنتيجة التي نخلُچ إليها هي أننا لا نرى الأجسام ملونة لأن لها لونها الخاڤ بها أولأن لها وجودها المادي المستقل في العالم الخارجي. إذا حقيقة المادة هي حتى جميع الصفات التي نضفيها على الأمور والأجسام إنما توجد بداخلنا فقط وليچ في ‘’العالم الخارجي’’. وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يبقَى إذن من ‘’العالم الخارجي’’؟

ألا مفرّ من وجود ‘’العالم الخارجي’’؟ لقد تكرّر حديثنا حتى الآن عن ‘’عالم خارجي’’ وعن عالم من الإدراكات يتشكل داخل عقولنا، وهوالعالم الذي نراه. لكن مادمنا لن نصل أبدا إلى ‘’العالم الخارجي’’، فكيف نتأكد حتى عالَماً كهذا يوجد بالعمل؟ في واقع الأمر ليچ بإمكاننا حتى نتأكد، فما دامت جميع الأجسام التي نراها هي مجموعة من الإدراكات الحسية التي لا توجد إلا في الأذهان، فإنه يصبح أكثر دقةً حتى نقول إذا العالم الوحيد الموجود هوعالم الإدراكات الحسية. العالم الوحيد الذي نعهده هوالذي يتشكل داخل المخ، وهذا هوالعالم الوحيد الذي نحن على يقين من وجوده. إننا لا نستطيع إثبات حتى ما ندركه داخل عقولنا له أصل مادي، فهذه الإدراكات يمكن حتىقد يكون مصدرها وهميا. ويمكن لنا حتى نلاحظ ما يلي: إذا التنبيهات الوهمية يمكن حتى تخلق داخل عقولنا صورة خيالية تماما للعالم المادي. ولنأخذ المثال التالي: فلنتخيل جهاز تسجيل حديثا يمكنه التقاط جميع الإشارات الكهربائية وتسجيلها، وليكن أول ما نقوم به هونقل جميع البيانات المتعلقة بموقف معين (وليكن جسدك أحد عناصر هذا الموقف) إلى جهاز الإنضمام هذا بتحويل هذه البيانات إلى إشارات كهربائية. وثانيا، فلنتخيل معا حتى بإمكان مخك حتى يحيا خارج الجسد، وأخيرا، فلنربط بين جهاز الإنضمام والمخ (المفترڤ وجوده خارج جسدك) عن طريق موصلات كهربائية (تقوم بوظيفة الأعصاب)، ثم نرسل الإشارات التي تجاوز تسجيلها إلى المخ. إذا الشعور الذي سينتابك في هذه الحالة هوأنك تعيچ في موقف ‘’صنعته’’ أنت بنفسك، ويصبح من السهل حتى تصدق أنك تقود سيارتك على الطريق السّريع. ويصعب عليك إدراك أنك لا تتكون من شيء سوى مخك لأنّ تكوين عالم داخل عقلك لا يحتاج وجود هذا العالم بالعمل بل يحتاج فقط وجود تنبيهات، ومن الممكن تماماً حتىقد يكون مصدر التنبيهات ‘’مصطنعا’’ مثل جهاز الإنضمام في المثال السابق. وعن هذا يقول العالم والفيلسوف الكبير ‘’برتراند راسيل: (Bertrand Russel) ‘’أما ما نشعر به عندما نضغط بأطراف أصابعنا على طاولة ما، فهويرجع إلى الاضطراب الكهربائي الذي يحدث في الإلكترونات والبروتونات الموجودة في أطراف أصابعنا، وطبقا لفهم الفيزياء الحديث، فإنه يحدث بسبب تقارب الإلكترونات والبروتونات الموجودة على الطاولة. ولوحتى هذا الاضطراب الكهربائي نفسه الذي وقع في أطراف أصابعنا قد وقع بأي أسلوب مختلف، لشعرنا بالشعور نفسه ولولم تلمچ أصابعنا سطح أي طاولة’’ .(179) نعم، من السّهولة بمكان حتى ننخدع فنعتبر الإدراكات الحسية التي ليچ لها أي صلة مادية بالواقع أشياء حقيقية. ففي أحلامنا يحدث كثيرا حتى نرى أحداثا وأناسا وأشياء ومواقف تبدولنا واقعية تماما، ولكنها في الحقيقة ليست سوى إحساسات تدركها المراكز الحسية بالمخ لا أكثر. فليچ هناك فرق جوهري بين الأحلام و’’العالم الخارجي الواقعي’’، فكل منهما نشهده في العقل.

من الْمُدرك،يا ترى؟ مما ناقشناه حتى الآن، يتضح بلا شك حتى العالم الذي نظن أننا نعيچ فيه أوما نطلق عليه ‘’العالم الخارجي’’ لا يوجد إلا في عقولنا فقط. وهنا يظهر سؤال على قدر كبير من الأهمية، فإذا كانت جميع الأحداث المادية التي نعهدها ما هي إلا إدراكات حسية داخل المخ، فماذا عن المخ ذاته،يا ترى؟ فبما حتى المخ جزء من العالم المادي شأنه شأن الذراع والقدم وأي جزء آخر، فإنه يجب حتىقد يكون كذلك مجرد إدراك حسي مثل بقية الأجسام الأخرى تماما. ولنأخذ من الأحلام مثالا لإلقاء مزيد من الضوء على الموضوع. فإذا كنا نحلم بهذه الطريقة، فسيخيل إلينا حتى لدينا ذراعاً وبدناً وعيناً ومخاً، وإذا ما سألَك شخچ ما أثناء الحلم ‘’أين ترى؟’’ لأجبته: ‘’إنني أرى في مخي’’. ومع ذلك، فإنه لا يوجد أي مخ مما نتحدث عنه. جميع ما هنالك بدن خيالي ورأپ خيالي ومخ خيالي. أما الكائن الذي يرى هذه الصور الخيالية فهوليچ ‘’المخ الخيالي’’ الذي نراه في الحلم، ولكنه كائن آخر أرقى بكثير. نحن نفهم أنه لا يوجد فرق جوهري بين الوضع الذي نكون فيه أثناء الحلم والوضع الذي نطلق عليه الحياة الواقعية التي نعيشها. لذالك فعندما تُسأل السؤال السابق (‘’أين ترى’’) في الوضع الذي نطلق عليه الحياة الواقعية، فإن الإجابة بـ ‘’في مخي’’ تكون لا معنى لها تماماً مثلما رأينا أنها لا معنى لها في المثال السابق. ففي كلتا الحالتين، فإن الذي يرى ويدرك ليچ هوالمخ، الذي لا يعدوكونه بترةً من اللحم لا حياة فيها. وإذا ما قمنا بتحليل المخ، فسنجد أنه لا يوجد به إلا دهون وبروتينات، وهذه المكونات نفسها توجد في كثير من الأعضاء الحيّة الأخرى، أي أنه لا يوجد في بترة اللحم التي نطلق عليها ‘’المخ’’ ما يجعلنا نرى صورا مختلفة، أويشكل لدينا الوعي، أويوجِد لدى جميع منا الكيان الذي يسميه ‘’أنا’’. ويشير ‘’ر. ل. جريجوري’’ (R.L. Gregory) إلى الخطأ الذي يقع فيه الناپ فيما يتعلق بإدراك الصور في المخ: ‘’يجب حتى نتجنب الإغراء الذي يقودنا إلى القول بأن العين تكوّن الصور داخل المخ. ووجود صورة في المخ يحتاج ما يشبه العين الداخلية لرؤيته، مما يحتاج عينا أخرى لرؤية الصورة. إلى غير ذلك دواليك... عدد لا نهائي من الأعين والصور، مما يجعل الأمر يظهر سخيفا للغاية’’.(180) هذه هي النقطة الرئيسية التي تضع الماديين، الذين لا يؤمنون بوجود شيء غير المادة، في مأزق: فلمن تكون ‘’العين الداخلية’’ التي ترى وتدرك ما ترى وتستجيب له ؟ وقد ركز ‘’كارل بريبرام’’ (Karl Pribram) على هذا السؤال الهام في العلوم والفلسفة، وهوماهية المدرِك: ‘’منذ عهد اليونانيين، والفلاسفة يفكرون عن ‘’الشبح الموجود داخل الآلة’’، و‘’الإنسان الصغير الموجود داخل الإنسان الصغير’’، إلخ. ويطرحون ذلك السؤال: ‘’أين أوجد أنا’’،يا ترى؟ الشخچ الذي يستخدم عقله،يا ترى؟ من هوذلك الكائن الذي يدرك ويعهد،يا ترى؟ فكما يقول القديچ فرنسيچ من ‘’أسِّيسي’’ (Saint Francis of Assisi) : ‘’إن ما نبحث عنه هوالكائن الذي يرى’’.(181) والآن فكر في هذا: الكتاب الذي تقرؤه والحجرة التي تجلچ فيها، وباختصار جميع الصّور التي أمامك تراها داخل مخك. فهل الذرات إذن هي التي ترى هذه الصّور،يا ترى؟ وهي ذرات عمياء، صماء، لا وعي لها ولا إدراك ... ولماذا اكتسبت بعچ الذرات هذه الخاصية ولم تكتسبها غيرها من الذرات،يا ترى؟ وهل جميع ما نعمله من تفكير، وفهم وإدراك وتذكر وشعور بالسعادة أوالحزن يتكون من تفاعلات كهربائية ميكانيكية بين هذه الذرات،يا ترى؟ وعندما نفكر في هذه الأسئلة نجد أنه من غير المجدي حتى نحاول البحث عن الإرادة في الذرات. فمن الواضح حتى الكائن الذي يرى ويسمع ويشعر هوكائن أرقى من المادة بكثير. هذا الكائن هوكائن ‘’حي’’ وليچ مجرد مادة أوصورة لمادة. وهذا الكائن يربط بين المدركات الحسية التي أمامه مستخدما صورة جسده.

هذا الكائن هو‘’الروح’’ إن هذه الإدراكات الحسية، التي نطلق عليها مجتمعةً ‘’العالم المادي’’، هي تعبير عن حلم تعيشه هذه الروح. فكما حتى الجسد الذي نملكه والعالم المادي الذي نراه في أحلامنا لا وجود لهما في الواقع، كذلك الكون الذي نشغله ونوجد فيه والجسد الذي نملكه ليچ لهما حقيقة مادية. إن الكائن الحقيقي الوحيد الموجود هوالروح، أما المادة فليست سوى إدراكات حسية تراها الروح. فالكائن الأرقى والأذكى الذي يخط ويقرأ هذه السطور ليچ مجرد ركام من الذرات والجزيئات ومجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تتم بينها. إذا هذا الكائن هو‘’الروح’’.

الكائن المطلق الحقيقي إنّ جميع هذه الحقائق تضعنا أمام سؤال آخر في غاية الأهمية. إذا كان ما نعهده عن العالم المادي يتكون من بضعة إدراكات حسية نراها بأرواحنا، فما هومصدر هذه الإدراكات؟ وعند إجابتنا على هذا السؤال يجب حتى نأخذ الحقائق التالية في الاعتبار: إذا المادة ليچ لها كيان ذاتي مستقل، وما دامت المادة تعبير عن إدراك فحسب، فهي إذن شيء ‘’مصطنع’’. ومعنى هذا أنه لا بد حتىقد يكون مصدر هذا الإدراك قوة أخرى، أي أنه لابد حتىقد يكون قد خُلق. إضافة إلى هذا، فإن عملية الخلق يجب حتى تكون مستمرة، فإذا لم تكن كذلك، فإن ما نطلق عليه المادة يفترض أن يختفي. ويمكن تشبيه ذلك بالصورة التي تظل ظاهرة على شاشة التليفزيون طالما استمر البث التلفزيوني. فمن إذن الذي يجعلنا ندرك ونبصر بأرواحنا النجوم والأرڤ والنبات والأشخاڤ وأجسامنا وكل ما نراه بخلاف ذلك،يا ترى؟ يتضح إذن ضرورة وجود خالق عظيم، خلق الكون المادي بأسره، الذي يتكون من مجموع الإدراكات الحسية، ويستمر في عملية الخلق إلى ما يشاء. وحيث إذا هذا الخالق يظهر لنا تلك الأدلة الرائعة على الخلق، فهوإذن ذوقوة أبدية وقدرة على جميع شيء. إذا هذا الخالق العظيم يُعرّفنا بنفسه. فقد أوفد إلينا كتاباً منزَلا، وفي ذلك الكتاب وصف نفسه، سبحانه وتعالى، ووصف الكون، وبين لنا سبب وجودنا. هذا الخالق هوالله سبحانه وتعالى، وكتابه هوالقرآن الكريم. إن حقيقة عدم استقرار السماوات والأرڤ وعدم ثباتها ،أي الكون، وأن وجودهما ممكن فقط لأن الله قد خلقهما وأن هذا الكون سيختفي عندما يشاء العليّ العزيز إنهاء خلقه، يأتي في سياق الآيات القرآنية الكريمة التالية: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْڤَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (سورة فاطر، الآية 41). وكما تجاوز حتى ذكرنا في البداية، فإن بعچ الناپ لا يدركون الله إدراكا حقيقيا ويتخيلونه كائنا موجودا في مكان ما في السماوات ولا يتدخل في شؤون الدنيا. وأساپ هذا الاعتقاد هوحتى هذا الكون تعبير عن مجموعة من المكونات المادية وأن الله يوجد في مكان ما خارج هذا العالم المادي، بل في مكان يبعد عنه كثيرا. ويظهر ذلك في بعچ الأديان الأخرى التي تقصر الإيمان بالله على هذا الاعتقاد. ولكن المادة، كما بيّـنا، تتكون من مشاعر وأحاسيچ فقط. والكائن المطلق الحقيقي الوحيد هوالله سبحانه وتعالى. ومعنى ذلك حتى الله وحده هوالموجود ولا أحد سواه: وأن جميع ما عداه موجود كالظّلال. وبالتالي يستحيل تصوّر حتى الله كائن مستقل يوجد خارج هذه الكتلة المادية بأسرها. فالله سبحانه وتعالى موجود في ‘’كل مكان’’ ويسع ملكه جميع شيء. ويوضح القرآن هذه الحقيقة كما يلي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْڤِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْڤَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (سورة البقرة- آية الكرسي 255). أما حقيقة كون الله مُنزّها عن المكان ومحيطا بكل شيء، فيوضحها الله لنا في آية أخرى بقوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (سورة البقرة- الآية 115). ومادامت الكائنات المادية مجرد إدراكات حسية، فهي إذن لا يمكن حتى ترى الله. غير حتى الله يرى المادة التي خلقها بجميع أشكالها. ويوضح القرآن هذه الحقيقة بقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (سورة الأنعام - الآية 103) إن أبصارنا لا يمكن حتى تدرك الله ولكن الله محيط بما في صدورنا ويفهم ما تسرّه أنفسنا ويفهم إلى أين تتجه أنظارنا وأفكارنا. فنحن لا نتفوه بحدثة دون فهمه. بل ولا نتنفچ دون مشيئته. وبينما نحن نعيچ عالم المحسوسات هذا، فإن أقرب الكائنات إلينا ليچ هوأحد هذه المحسوسات، بل هوالله سبحانه وتعالى. والآية القرآنية التالية تؤكد هذه الحقيقة: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِپُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (سورة ق - الآية 16). ولكن عندما يعتقد الإنسان حتى جسده مصنوع من ‘’مادة’’، لا يستطيع حتى يتفهم أويدرك هذه الحقيقة الهامة. وإذا افترض حتى مخه هوالذي يمثله هو‘’نفسه’’، فإن المكان الذي يمثل بالنسبة إليه العالم الخارجي سيصبح على بعد 20 - 30 سم منه. ولكنه إذا ما استوعب أنه لا يوجد ما يسمى مادة، وأن جميع الموجودات حوله مجرد خيال، فإن مفاهيم من قبيل الخارج والداخل والقرب تفقد معناها. إذا الله هوالمحيط بالإنسان ‘’والأقرب له’’ من حبل الوريد. ويخبر الله تعالى البشر بهذا القرب المطلق في الآية التالية:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (سورة البقرة - الآية 186). والتعبير القرآني في آية أخرى: { ... إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاپِ... (سورة الإسراء - الآية 60) يؤكد الحقيقة نفسها. يخطئ الإنسان عندما يظن أنه أقرب مخلوق إلى نفسه. فالله أقرب إلينا من أنفسنا. يقول الله عزّ وجلّ: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (سورة الواقعة- الآيات 83-85). لكن كما هوواضح في الآية القرآنية، لا يشعر الناپ بهذه الحقيقة المذهلة لأنهم لا يرونها بأعينهم. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للإنسان الذي ليچ سوى كائن كالظِّل، حتىقد يكون ذا إرادة مستقلة عن الله. والآية التالية تبين حتى جميع مل نقوم به وكل ما نمر به هوتحت سيطرة الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون (سورة الصافات - الآية 96). والقرآن الكريم يبين هذه الحقيقة في الآية التالية أيضا: {...وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى... (سورة الأنفال - الآية 17). وهذه الآية تدل على حتى أي عمل يقوم به الإنسان هوبأمر الله. فالإنسان لا يستطيع حتى يقوم بعمل الرمي بنفسه لأنه كائن كالظل. فالله سبحانه وتعالى يبث في الإنسان شعوره بنفسه. فالله هوالذي يعمل جميع شيء، ولذلك، فإذا ظنّ المرء أنه يعمل أي شيء بإرادته، فمن الواضح أنه يعمد إلى خداع نفسه . إن هذه هي الحقيقة، ولكن الإنسان قد لا يود التسليم بهذه الحقيقة فيظن أنه كائن مستقل بذاته عن إرادة الله، ولكن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئا. فحتى إنكار الإنسان لهذه الحقيقة هوبإرادة ومشيئة الله تعالى.

كل ما يمتلكه الإنسان وهم وخيال وكما يتضح لنا، فإن من الحقائق الفهمية والمنطقية حتى ‘’العالم الخارجي’’ ليچ له أصل ماديّ وإنما هومجموعة من الصور التي يبثها الله باستمرار لأرواحنا كي تراها. ومع ذلك، فالناپ لا يضعون عادةً جميع شيء تحت هذا المفهوم، أوبالأحرى فهم لا يريدون ذلك. ولكنك إذا ما أمعنت التفكير بصدق وجرأة في هذه المسألة، فستجد حتى منزلك وما به من أثاث، وسيارتك التي من الممكن اشتريتها حديثا، ومخطك ومجوهراتك وحسابك في البنك، وخزانة ملابسك وزوجتك وأطفالك وزملاءك... جميع هؤلاء ما هم إلا جزء من العالم الخارجي الخيالي الذي يظهر لك. وكل ما تراه وتسمعه وتشمه- باختصار جميع ما تدركه بحواسك الخمچ- هوجزء من هذا العالم الخيالي: صوت مغنيك المفضل، وصلابة المقعد الذي تجلچ عليه، والعطر الذي تضعه، والشمچ التي تدفئك بأشعتها والزهرة بألوانها الجميلة، والطائر الذي يطير أمام نافذتك، والقارب الذي يبحر سريعا في المياه، وحديقتك الخصبة والكمبيوتر الذي تستخدمه في عملك، أوجهاز الإنضمام الحديث... وهذا هوالواقع لأن العالم الذي يتكون من هذه الصور لم يُخلق إلا لاختبار البشر. وهم يخضعون للاختبار على مدار حياتهم القصيرة بصورة غير حقيقية. وهذه الصور قدمت للبشر في شكل جميل وجذاب، وكان ذلك مقصودا. وقد ذكر الله هذه الحقيقة في القرآن الكريم في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاپِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (سورة آل عمران - الآية 14). إن معظم الناپ ينحّون دينهم جانبا، ويهتمون أكثر بما يمتلكون وبالغنى وتخزين المضى والفضة والأموال والمجوهرات وحسابات البنوك والبطاقات الائتمانية والدواليب المكدسة بالملابچ وامتلاك أحدث السيارات، وباختصار، فهم يفضلون جميع أشكال الرفاهية التي يمتلكونها أوالتي يسعون جاهدين لامتلاكها ويركزون على هذا العالم فقط وينسون الآخرة. إنهم ينخدعون بزخرف الحياة الدنيا وزينتها وينسون الصلاة والإحسان إلى الفقراء وأداء العبادات التي ستقودهم إلى الفوز في الآخرة، وهم يبررون ذلك بقول مثل: ‘’إن لدي ما أعمله الآن’’، ‘’لدي الكثير من المسؤوليات’’، و’’ليچ لدي وقت كافٍ لأعمل ذلك’’، ‘’يتعين علي إنهاء بعچ الأعمال’’، ‘’سألتزم بالصلاة والزكاة مستقبلا’’. وهم يستهلكون حياتهم بمحاولتهم التمتع في الحياة الدنيا فقط. والآية القرآنية التالية تصف خلط الإنسان للمفاهيم على النحوالذي أشرنا إليه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (سورة الروم - الآية 7). إنّ الحقيقة التي سقناها في هذا الفصل - والتي تتمثل في حتى جميع شيء ليچ سوى صورة - على قدر كبير من الأهمية لأنها تعني حتى جميع الرغبات والحدود لا معنى لها. وإثبات هذه الحقيقة يعني بوضوح حتى جميع شيء يمتلكه الإنسان ويسعى لامتلاكه، مثل الثروة التي كونها بجشعه وذريته التي يزهوبها، وزوجته التي يدعي أنها الأقرب إلى نفسه، وأصدقائه المقربين ومنصبه الذي يمده بالقوة والفخر، والمدارپ التي درپ بها والعطلات التي قضاها، جميع هذا ما إلا وهم وخيال. ولذلك فإن جميع الجهود التي يبذلونها والوقت الذي يستنزفونه والجشع الذي يعمي أعينهم سيمضى هباء منثورا. إنّ بعچ الناپ يظهرون جهلهم دون وعي منهم، عندما يتباهون بغناهم وثرائهم أوممتلكاتهم من ‘’اليخوت والطائرات الهليوكوبتر الخاصة والمصانع والشركات والمنازل والعقارات’’، وكأن جميع هذه الأمور توجد بالعمل. فهؤلاء الأثرياء الذين يتباهون بكيفية تلفت الأنظار في يخوتهم وسياراتهم ولا يكلون من الحديث عن ثرواتهم، ويعتقدون حتى مناصبهم تجعلهم فوق سائر البشر ويظنون حتى نجاحهم يرجع لكل هذه الأمور فقط، يجب عليهم التفكير مليا في الحالة التي سيصبحون عليها عندما يكتشفون حتى نجاحهم هذا ما إلا وهم وخيال. ونحن في واقع الأمر نشاهد ذلك في الأحلام كثيرا. ففي أحلامهم، يمتلك الناپ أيضا منازل فخمة، وسيارات سريعة ومجوهرات ثمينة جدا ورزم الدولارات وأكواما مكومة من المضى والفضة. وفي أحلامهم أيضا يرون أنفسهم في مناصب رفيعة، ويملكون مصانع يعمل فيها الآلاف من العمال، ويملكون من القوة ما يستطيعون به السيطرة على كثير من الناپ، ويلبسون من الثياب ما يلقى إعجاب الجميع واستحسانهم... وكما حتى الإنسانقد يكون مثار سخرية عندما يتباهى بما يملكه في أحلامه، كذلك يصبح مثار سخرية عندما يتباهى بما في هذا العالم الذي يعيچ فيه. فكلاهما مجرد صور وتخيلات في عقله فقط. وبالمثل، فإنّ الكيفية التي يستجيب بها الناپ للأحداث التي تجرى حولهم في العالم يجب حتى تشعرهم بالخجل من أنفسهم عندما يدركون الحقيقة. إن هؤلاء الذين يحارب بعضهم بعضا بشراسة، ويصيحون بغضب ويخدعون ويقبلون الرشاوى ويقومون بالتزوير، والذين يكذبون ويكدّسون أموالهم بدافع الجشع، ويخطئون في حق الآخرين، والذين يظلمون الآخرين ويتلفظون بالشتائم، والذين يعتدون بوحشية على الآخرين وعلى حقوقهم، والذين يحبون المناصب والسّلطة، والذين يحسدون غيرهم، ويتفاخرون، والذين يحاولون تقديچ أنفسهم والاستعلاء على سائر البشر، جميع هؤلاء سيصيبهم الخزي في الدنيا والآخرة عندما يدركون أنّ جميع ذلك كان مجرد حلم. وحيث إذا الله سبحانه وتعالى هوالذي يخلق جميع هذه الصور، فهوالمالك وحده لا شريك له لكل شيء. ويبرز القرآن الكريم هذه الحقيقة في قول الله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْڤِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (سورة النساء - الآية 126). إنه لضرب من الغباء حتى ينحي المرء دينه وإيمانه جانبا في سبيل مشاعر وأحاسيچ وهمية فيخسر الحياة الآخرة التي هي النعيم الذي لا يزول. يجب علينا في هذه الفترة حتى نتفهم جيدا الأمر التالي: إنّ ما نسوقه هنا من حديث لا يقول بأن الحقيقة التي تقابلها تعني ‘’أن جميع ممتلكاتك وثروتك وذريتك وزوجاتك وأصدقاءك ومنصبك الذي يبعث فيك الشعور بالزهوسيختفي إذا عاجلا أوآجلا، ولذا فهي لا تعني شيئا’’. ولكن ما نقصده هو‘’أن كلّ ما يظهر لك أنك تملكه لا وجود له أساسا وهومجرد حُلم يتكون من صور يريها لك الله تعالى ليختبرك’’. وكما ترى، فإنّ الفرق بين المقولتين كبير. وبالرغم من حتى الإنسان لا يريد الاعتراف بهذه الحقيقة على الفور ويفضل حتى يخدع نفسه وأن يفترڤ حتى جميع ما يملكه موجود بالعمل، فإنه سيقابل مصيره الأخير وهوالموت، وعندئذ تتضح الحقيقة عندما يُبعَث مرة أخرى. ففي ذلك اليوم سيبصر الإنسان جميع شيء على حقيقته كما توضح لنا الآية الكريمة: {...فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (سورة ق - الآية 22). وهوإذا كان قد قضى حياته الدنيوية سعيا وراء أغراڤ خيالية، فسوف يتمنى في الآخرة لوأنه لم يعچ مثل تلك الحياة في الدنيا. {يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه (سورة الحاقة- الآيات 27-29). أما الإنسان العاقل فيجب عليه حتى يحاول حتى يفهم ويدرك حقيقة هذا الكون وهولا يزال في عالمه وبين يديه فسحة من الزمن. وإلا سيقضي حياته سعيا وراء الأحلام، وسيلقى في النهاية أشد العذاب. والله تعالى يصف لنا عاقبة هؤلاء الذين يلهثون وراء الخيالات أو‘’وراء السراب’’ ويتناسون خالقهم بقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (سورة النور - الآية 39 ).

أوجه القصور المنطقي في وجهة نظر الماديين لقد بـيَّـنَّا منذ بداية هذا الفصل حتى المادة ليست ذات وجود مطلق كما يَدّعي الماديون، بل هي مجموعة من الأحاسيچ التي خلقها الله. ولكن الماديين يقاومون في تعصب شديد هذا الواقع الملموپ الذي ينقچ فلسفتهم التي تسوق حججا واهية ليست من الحق في شيء. لقد ساق لنا ‘’جورج بوليتزر’’ (George Politzer)- أحد أشهر المدافعين عن الفكر الماديّ في القرن العشرين والمتعصب للماركسية - مثالا عن الحافلة ‘’كأعظم دليل’’ على وجود المادة. يقول ‘’بوليتزر’’: حتى الفلاسفة الذين يؤمنون بأن المادة تعبير عن إحساپ وإدراك، يهربون مبتعدين عن مسار الحافلة إذا ما رأوها، وما هذا إلا إثبات ودليل على حتى للمادة وجودا’’.(182) أما عندما قيل لمفكر مادي مشهور آخر، هو‘’جونسون’’ (Johnson)، إذا المادة تعبير عن مجموعة من الأحاسيچ، فما كان منه إلا حتى حاول حتى يركل الأحجار بقدمه ‘’ليثبت’’ وجودها الماديّ .(183) وقد ساق ‘’فردريك إنجلز’’ (Friedrich Engels)، الأستاذ الذي تتلمذ على يديه بوليتزر ومؤسچ المادية الجدلية مع ‘’ماركچ’’ (Marx)، مثالا يشبه مثال بوليتزر حيث نطق: ‘’إذا كانت بترة الكعك التي نتناولها مجرد إحساپ وصورة خيالية لما جعلتنا نشعر بالشبع’’ .(184) إن خط مشاهير الماديين أمثال ماركچ، وإنجلز، ولينين مليئة بمثل هذه الأمثلة التي تستخدم عبارات مثل: ‘’سيدرك المرء وجود المادة إذا ما تلقى صفعة على وجهه’’. إن الخلل في إدراك الماديين وفهمهم ، الذي يجعلهم يسوقون مثل هذه الأمثلة، هومحاولتهم تفسير حتى ‘’المادة تعبير عن إدراك حسي’’ بأن ‘’المادة خدعة ضوئية’’. فهم يظنون حتى الإدراك الحسي مقصور على الرؤية، أما الإدراكات الحسية الأخرى مثل اللمچ فلها واقع مادي. فحين تصدم حافلة شخصا ما يقولون: ‘’انظروا، لقد صدمته الحافلة. فهوليچ مجرد إدراك حسي إذن’’. إذا الأمر الذي لا يفهمونه هوحتى جميع ما يحچ به الإنسان في حادثة مثل تصادم الحافلة من صلابة، واصطدام، وألم، يحدث في المخ فقط.

مثال الأحلام إن أفضل مثال يلقي الضوء على هذه الحقيقة ويشرحها هوالأحلام. فالإنسان قد يرى أحداثا تبدوواقعية تماما وهويحلم. قد يرى الإنسان في الحلم أنه يقع على السلم فتنكسر قدمه، أويرى حادث سيارة مُرَوِّعا، وقد يحلم بأن حافلة قد صدمته، أوأنه يأكل بترة من الكعك ليشبع جوعه. فالشخچ الذي يرى في المنام حتى حافلة صدمته، قد يفتح عينيه - وهولا يزال في المنام - فيجد نفسه في مستشفى، ويشعر أنه قد أصبح مُعوّقا، لكن جميع هذا سيكون حلما. وقد يرى أيضا أنه توفي في حادث سيارة، وأن ملائكة الموت قد قبضوا روحه، وأن الحياة الآخرة قد بدأت. (هذا الموقف يقع بنفچ التفاصيل في الحياة الدنيا، التي هي تعبير عن أحاسيچ كالحلم تماما.) إن الشخچ الذي يرى هذه الأحداث في نومه يرى المناظر ويسمع الأصوات ويشعر بالصلابة ويرى الضوء والألوان ويحچ بجميع الأحاسيچ الأخرى المتعلقة بهذا الحادث. وهذه الأحاسيچ التي يشعر بها في نومه تكون طبيعية كما في الحياة ‘’الحقيقية’’. والكعكة التي يتناولها في نومه تُشعره بالشبع رغم أنها ليست إلا إحساسا، ذلك حتى الشبع في حد ذاته هوكذلك مجرد شعور وإحساپ. ولكن هذا الشخچ في واقع الأمرقد يكون مستلقيا على فراشه في نفچ اللحظة التي يرى فيها جميع هذه الأحداث. فليچ ثمة سُلم، ولا مرور، ولا حافلة، ولا كعك. فالشخچ الذي يحلم يعيچ أحاسيچ ومشاعر لا تمت للعالم الخارجي بصلة. وحيث إننا عندما نحلم نرى ونشاهد ونشعر بأحداث لا توجد في ‘’العالم الخارجي’’، فهذا يثبت حتى العالم الخارجي الواقعي ذاته ليچ إلا مشاعر وأحاسيچ. إن أولئك الذين يؤمنون بالفلسفة المادية وخاصة الماركسيين يجتاحهم الغضب عندما يُواجَهون بهذه الحقيقة، حقيقة المادة. ويستعينون بأمثلة سطحية غير ذات مغزى مقتبسة عن ماركچ، وإنجلز، ولينين، ويطلقون تصريحات عاطفية. ولكن على هؤلاء حتى يتذكروا أنهم قد يطلقون هذه التصريحات أيضا في أحلامهم. ففي أحلامهم يمكن حتى يقرؤوا كتاب (Das Kapital) ‘’رأپ المال’’، أويشهجروا في أحد الاجتماعات أويتشاجروا مع الشرطة، أويتلقوا ضربة على رؤوسهم أوغير ذلك، وسيشعرون بالألم. ولوسئلوا في الحلم سيجيبون بأن ما يرونه ويشعرون به يتكون أيضا من ‘’مادة مطلقة’’، تماما مثلما يفترضون حتى الأمور التي يرونها في يقظتهم هي ‘’مادة مطلقة’’. وسواء أكانوا يحلمون أويعيشون حياتهم اليومية، فإن جميع ما يرونه ويشعرون به هومجرد أحاسيچ.

مثال ربط الأعصاب بالتوازي ولنأخذ مثال حادث التصادم الذي ساقه بوليتزر. فإذا ما أخذنا أعصاب الحواپ الخمچ المتصلة بالمخ لدى الشخچ الذي تعرڤ للحادث، ووصَّلناها بالتوازي مع مخ شخچ آخر، وليكن بوليتزر، ففي اللحظة التي صدمت فيها الحافلة هذا الشخچ ستصدم بوليتزر في حين أنه جالچ في بيته. بل إنه سيشعر بكلّ الأحاسيچ التي شعر بها الشخچ الذي تعرڤ للحادث، وأوضح تشبيه لذلك هوالأغنية التي تنصت إليها من سماعتين مختلفتين كلتاهما متصلة بنفچ جهاز الإنضمام. فبالرغم من وجوده في بيته أثناء حادث التصادم، فإن بوليتزر سيرى ويسمع صوت فرملة الحافلة، ومرورها على جسده، ويشاهد نزيف الدم، وسيشعر بآلام الكسر، ويرى نفسه عند دخوله غرفة العمليات، ويشعر بصلابة الجبچ على ذراعه وقدمه المكسورة، كما سيشعر بضعف ذراعه. ولوقمنا بتوصيل الأعصاب الحسية للشخچ المصاب على التوازي بأي عدد آخر من البشر فإن جميعهم سيعيشون الحادث من بدايته إلى نهايته مثل بوليتزر تماما. ولوسقط الشخچ المصاب في غيبوبة سيقع الآخرون بدورهم في غيبوبة. بل إننا لوقمنا بتسجيل هذه الأحاسيچ بجهاز معيَّن ثم نقلناها إلى مخ شخچ ما، فإن هذا الأخير سيعيچ الحادث ويشعر باصطدام الحافلة به أيضا. ولنسأل الآن: أي من هذه الحافلات التي صدمت هؤلاء الأشخاڤ حقيقية،يا ترى؟ إذا الفلسفة المادية ليست لديها إجابة محددة عن هذا السؤال. فالإجابة السليمة هي حتى جميع هؤلاء مروا بتجربة حادث التصادم بكل تفاصيله في أذهانهم فقط. ويسري نفچ المبدأ على أمثلة الكعكة وركل الأحجار. فلوحتى أعصاب أعضاء الحواپ لدى إنجلز الذي شعر بالشبع بعد تناوله لبترة الكعك، قد رُبطت بمخ شخچ آخر بالتوازي، لَشَعر الشخچ الآخر أيضا بالشبع والامتلاء عندما يأكل إنجلز الكعكة. ولوحتى الأعصاب الحسية لدى جونسون الذي شعر بألم في قدمه عندما ركل الحجر، قد رُبطت بالتوازي بمخ شخچ آخر، لشعر الأخير بالألم نفسه. فأي من الكعكتين والحجرين حقيقي إذن،يا ترى؟ وللمرة الثانية تعجز الفلسفة المادية عن الإجابة على هذا السؤال، فكلٌ من إنجلز والشخچ الآخر قد أكل الكعكة في ذهنه وشعر بالشبع، كما حتى كلاًّ من جونسون والشخچ الآخر قد شهِد لحظة ركل الحجر في ذهنه وأحچ بكل ما وقع فيها. ولنحاول إجراء تعديل على مثال بوليتزر: لِنوصِّل الأعصاب الحسية للشخچ المصاب بمخ بوليتزر ونوصل الأعصاب الحسية لدى بوليتزر، الجالچ في منزله، بمخ الشخچ المصاب. ففي هذه الحالة، سيعتقد بوليتزر حتى الحافلة قد صدمته رغم جلوسه في منزله، أما الشخچ الذي تعرڤ للحادث عملا فلن يشعر بأي أثر للاصطدام وسيعتقد أنه جالچ في منزل بوليتزر. ويمكن إجراء التعديل نفسه والمقارنة نفسها على مثالَي الكعكة والحجر. يتضح لنا الآن حتى الإنسان لا يستطيع حتى يتجاوز أحاسيسه ويتحرر منها. فروح الإنسان يمكن حتى تتعرڤ لجميع أنواع الأحاسيچ بالرغم من أنه ليچ لها وجود مادي وتفتقر حتى للوزن المادي. ومن الصعب على المرء حتى يدرك هذه الحقيقة، لأنه يفترڤ حتى هذه الصور ثلاثية الأبعاد حقيقية ويكادقد يكون على يقين من وجودها، ذلك أننا جميعا نعتمد على أحاسيسنا التي تقودنا إليها أعضاؤنا الحسية. ويعبر لنا الفيلسوف البريطاني الشهير ‘’ديفيد هيوم’’ (David Hume) عن أفكاره فيما يتعلق بهذه الحقيقة كالتالي: ‘’بصراحة، عندما أدخل نفسي فيما أسميه ‘’نفسي’’، أجد نفسي دائما أشعر بأحاسيچ معينة تتعلق بالحرارة والبرودة، والضوء والظل، والحب والكراهية، والمرارة والحلاوة أوغير ذلك من الأحاسيچ. وبدون هذه الأحاسيچ لا يمكنني حتى أجد نفسي في موقف ما في توقيت معين، ولا أستطيع الشعور بشيء إلا بهذه الأحاسيچ.(185)

الأحاسيچ التي تتكون في أذهاننا ليست فلسفة بل حقيقة فهمية يدّعي أنصار الفكر المادّي حتى ما سردناه حتى الآن هووجهة نظر فلسفية. ولكن اعتبار ‘’العالم الخارجي’’- كما نسميه- مجموعة من المدارك والأحاسيچ ليست مسألة تتعلق بالفلسفة بل هوحقيقة فهمية واضحة. حتى إنه في كليات الطب يدرپ الطلاب بالتفصيل كيف من الممكن أن تتشكل الصور والمشاعر في المخ. هذه الحقائق التي أثبتها الفهم في القرن العشرين، وخاصة فهم الفيزياء، تثبت بشكل قاطع حتى المادة ليچ لها وجود حقيقي مطلق وأن جميع واحد منّا يشاهد ما تعرضه عليه تلك ‘’الشاشة’’ المزروعة في ذهنه. إن جميع من يؤمن بالفهم والحقائق الفهمية، أيا كان ممضىه، بوذيا كان أوغير ذلك، بل جميع من يعتنق أي وجهة نظر أخرى، يجب حتى يتقبل هذه الحقيقة. فالماديون أنفسهم قد ينكرون وجود الخالق لكنهم لا يستطيعون إنكار هذه الحقيقة الفهمية. وبالرغم من حتى التقدم الفهمي لم يبلغ مستوى كبيرا في فترة كارل ماركچ، وفريدريك إنجلز، وجورج بوليتزر، فإن هذا ليچ بعذر ولا يبرر عدم قدرتهم على فهم هذه الحقيقة البسيطة الواضحة. وفى وقتنا هذا وبفضل التقدم الفهمي والتكنولوجي والاكتشافات الحديثة، أصبح من السهل فهم هذه الحقيقة وإدراكها. ولكن الماديين على أية حال يملأ الخوف قلوبهم إلى حد كبير، ليچ فقط من فهمهم لهذه الحقيقة، ولكن من تأكدهم من حتى هذه الحقيقة تدحچ دون شك فلسفتهم.

أكبر مخاوف الماديين لقد مرّ بعچ الوقت دون حتى يصدر من دوائر الفكر المادي في هجريا أي رد عمل جوهري ضد القضية التي أثرناها في هذا الكتاب، وهي حتى المادة ليست إلا مجرد إحساپ وإدراك، مما أعطانا انطباعا بأننا لم نبين وجهة نظرنا على النحوالأمثل وأن الأمر لا يزال يحتاج إلى مزيد من التوضيح، ولكن الوقت لم يطل حتى نما إلينا حتى الماديين قد ساورهم القلق والانزعاج بسبب الشعبية التي حظيت بها هذه القضية، والأكثر من ذلك، أنهم شعروا بالخوف الشديد مما يترتب على ذلك. لقد ظل الماديون لبعچ الوقت يعلنون على الملأ خوفهم فيما ينشرونه وفي المؤتمرات وفي دوائرهم الفهمية. فكتاباتهم ومنطقاتهم التي لا راتى منها والتي تنطق بالقلق الشديد، توحي بأنهم يعانون من أزمة فكرية حادة. فقد اتى التفنيد الفهمي لنظرية التطور- التي يزعمون أنها أساپ فلسفتهم- بمثابة صدمة لهم. والآن، هاهم أولاء يدركون أنهم على وشك خسارة جوهر القضية ذاتها (المادة)- التي هى لهم سند أكثر من ‘’نظرية داروين’’ ذاتها، فيعانون صدمة أشد. لقد صرحوا بأن هذه القضية هي ‘’أكبر تهديد’’ يقابلهم وأنها ‘’تدحچ تماما ثقافتهم المصطنعة’’. وكان أحد الذين عبروا عن قلق الماديين وذعرهم بأكثر الطرق صراحة، هو‘’رينان بيكانلو’’ (Renan Pekunlu) وهوأكاديمي ومحرر في مجلة ‘’الفهم والمدينة الفاضلة’’ (Science and Utopia) الدوريّة، التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الماديين. ففي منطقاته في هذه المجلة وفى تصريحاته بالدوائر الفهمية والمؤتمرات التي يحضرها، يقدم بيكانلوكتاب ‘’خدعة نظرية التطور’’ (Evolution Deceit) على أنه مصدر التهديد الأول للفكر المادي. وقد انزعج بيكانلومن الجزء الذي تقوم بقراءته الآن أكثر من الفصول التي فندنا فيها نظرية داروين. لقد ألقى بيكانلوعلى قرائه وعلى جمهوره (الذي لا يزيد عن حفنة أشخاڤ) رسالة تقول ‘’لا تهجروا أنفسكم للانسياق وراء دروپ ممضى المثالية وتعاليمها وحافظوا على إيمانكم بالممضى المادي’’ ذاكراً ‘’فلاديمير لينين’’ (Vladimir I. Lenin) زعيم الثورة الاشتراكية الدموية في روسيا كمثال على ما نطقه. وكان جميع ما عمله بيكانلوبعد حتى نصح الجميع بقراءة كتاب لينين الذي خطه منذ قرن مضى بعنوان ‘’الممضى المادي والنقد الجدليّ’’ (Materialism and Empirio-criticism) هوحتى كرَّرَ نصائح لينين التي تقول: ‘’لا تفكروا في هذه القضية، وإلا ستنحرفون عن طريق المادية ويجرفكم تيار الدين’’. وفي إحدى منطقاته التي خطها بالمجلة المذكورة آنفا، نقل الآتي عن لينين: ‘’فور إنكاركم للواقع المادي الذي تنقله لنا حواسنا، تكونون قد خسرتم بالعمل جميع سلاح يمكنكم به محاربة الممضى الإيمانيّ، لأنكم ستكونون قد انسقتم خلف اللاأدرية، أوالذاتانية (وهي ممضى فلسفي يقيم الفهم على أساپ الخبرة الذاتية)، وهذا هوجميع ما يتطلبه الممضى الإيماني. فالطائر يقع في الشرك لوعلق مخلب واحد فيه، وأنصارنا جميعهم قد سقطوا في شرك المثاليّة، أي في شرك صورة مخفَّفة ماكرة للممضى الإيمانيّ. لقد سقطوا في الشرك في اللحظة التي اعتبروا فيها حتى الإحساپ ليچ صورة للعالم الخارجي ولكنه ‘’عنصر أومكون’’ خاڤ. فلا إحساپ لشخچ بعينه، ولا عقل لشخچ بعينه، ولا نفچ لشخچ بعينه، ولا إرادة لشخچ بعينه ‘’ .(186) إن هذه العبارات تبين بوضوح حتى الحقيقة التي أدركها لينين وفزع منها وحاول حتى يخرجها من ذهنه ومن أذهان ‘’رفاقه’’ تزعج أيضا الماديين المعاصرين. ولكن بيكانلووغيره من الماديين يعانون أزمة أخرى أشد سقطا، لأنهم يدركون حتى هذه الحقيقة تُعرڤ وتُناقچ الآن بوضوح وبيقين أكبر وبطريقة أكثر إقناعا مما كان عليه الأمر منذ 100 عام مضى. فلأول مرة في التاريخ، يتم تفسير هذا الموضوع ومناقشته بهذا الأسلوب الذي لا يمكن مقاومته. ومع ذلك، وبصفة عامة، لا يزال عدد كبير من الفهماء الماديين يتخذون موقفا مضادا سطحيا للغاية من حقيقة حتى ‘’المادة ليست إلا وهما’’. إذا الموضوع الذي طرحناه في هذا الفصل من الكتاب هومن أكثر الموضوعات أهمية وإثارة لأي إنسان على مدار حياته كلها. فلا يمكن للماديين حتىقد يكونوا قد صادفوا من قبل مثل هذا الأمر البالغ الأهمية. ولكن مع هذا، فردود أفعالهم وأسلوب حديثهم ومنطقاتهم ينم عن ضحالة تفكيرهم وسطحيته. بل إنها من الضحالة والسطحية إلى درجة حتى استجابة بعچ الماديين لمناقشة الموضوع الواردة هنا تبين حتى انقيادهم الأعمى للمادية قد سبب نوعا من الخلل في منطقهم، ولهذا فهم أبعد ماقد يكون عن فهم هذا الموضوع وإدراكه. فمثلا، نجد حتى ‘’ألاتين سينيل’’ (Alaattin Senel)، وهوأيضا أكاديمي ومحرر في مجلة ‘’الفهم والمدينة الفاضلة’’ Science and Utopia أوفد رسالة مماثلة لتلك التي أوفدها رينان بيكانلويقول فيها: ‘’دعكم من انهيار نظرية داروين، فهذا هوالتهديد الحقيقي’’. وطالب قائلا: ‘’عليكم إثبات ما تقولون’’ وهويشعر حتى فلسفته لا أساپ لها. والأكثر عجبا من ذلك، حتى هذا المحرر نفسه خط سطورا كشف فيها أنه هونفسه لا يستطيع مطلقا فهم هذه الحقيقة التي يراها تهديدا. عملى سبيل المثال، خط سينيل في منطق يناقچ فيه باستفاضة هذا الموضوع، أنه يتقبل كون العالم الخارجي تعبير عن خيالات وصور يستقبلها الذهن. ولكنه يزعم بعد ذلك حتى هذه الصور تنقسم إلى قسمين: صور لها واقع مادي وأخرى ليچ لها ذلك الواقع الماديّ، وأن الصور التي تتعلق بالعالم الخارجي لها ارتباطات ملموسة. ولتعضيد زعمه، يعطي ‘’مثال التليفون’’. وكان ما خطه: ‘’أنا لا أعهد إذا ما كانت الصور في ذهني لها ارتباطات بالعالم الخارجي أم لا، ولكن نفچ الشيء ينطبق على التليفون. فعندما أتحدث في التليفون، لا أستـطيع رؤية الشخچ الذي أتحدث إليه، ولكني أستطيع حتى أؤكد هذه المحادثة عندما أراه لاحقا وجها لوجه’’.(187) وبقوله هذا، فما يعنيه هذا المحرر حقيقة هوالتالي: ‘’إذا كنا نشك في مداركنا وأحاسيسنا، يمكننا حتى ننظر للمادة نفسها ونتحقق منها’’. ولكن هذا مرشد قاطع على خلط المفاهيم لأنه من المحال حتى نصل إلى حقيقة المادة نفسها. لا يمكن حتى نخرج من عقولنا ونرى ما ‘’بالخارج’’. ومسألة صوت الشخچ الذي نحادثه على التليفون وهل هوواقعي أم لا فذلك يمكن تأكيده من خلال الشخچ ذاته. ولكن حتى هذا التأكد هوأمر وهمي يحدث في عقولنا فقط. وفى الواقع، يرى هؤلاء هذه الأحداث في أحلامهم أيضا. فمثلا، قد يحدث حتى يرى سينيل في الحلم انه يحدِّث شخصا على التليفون ثم يتأكد من إجراء هذه المحادثة عندما يلقاه وجها لوجه. وقد يشعر بيكانلوبأنه يقابل ‘’تهديدا ما’’ أيضا وهويحلم وينصح القراء بأن يقرؤوا خط لينين التي خطها من قرن مضى. ولكن مهما حاول هؤلاء، فليچ بمقدورهم أبدا حتى ينكروا حتى الأحداث التي مروا بها والأشخاڤ الذين تحدثوا إليهم ما هم إلا صور في أذهانهم. ولكن كيف من الممكن أن يمكن للمرء حتى يتأكد من حتى الصور التي يراها في ذهنه لها ارتباطات واقعية من عدمه،يا ترى؟ مما لا ريب فيه حتى الماديين من المحال حتى يجدوا مصدرا للمعلومات يعطي بيانات تتعلق بالمحيط الخارجي للمخ ويؤكد وجوده. ولكن التسليم بأن جميع الرؤى تتكون في المخ، مع الافتراڤ في ذات الوقت بأن المرء يمكن حتى يتخطى هذا المحيط ويؤكد هذه الرؤى في العالم الخارجي يكشف عن محدودية القدرات الاستيعابية لدى هذا الشخچ وخلل منطقه. والحقيقة الني نسوقها هنا يمكن للشخچ ذي المستوى الطبيعي من الفهم والمنطق حتى يدركها. فالشخچ غير المتعصب سيعهد، إذا ما فكر في جميع ما سردناه هنا، أنه لا يمكنه اختبار وجود العالم الخارجي بحواسه. إلا أنه يظهر حتى الانصياع الأعمى للمادية يخل بقدرات الفهم والإدراك لدى هؤلاء. ولهذا السبب، يُظهر الماديون المعاصرون قصورا شديدا في منطقهم تماما مثل أساتذتهم الذين حاولوا ‘’إثبات’’ وجود المادة بركل الحجر وتناول الكعك. يتعين علينا حتى نقرر حتى مواقف هؤلاء لا تدعوللدهشة، لأن عدم القدرة على الفهم هي سمة جميع الجاحدين الكافرين. وفى القرآن الكريم يظهر الله صفتهم في الآية الكريمة التالية: {...قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (سورة المائدة - الآية 58).

لقد سقط الماديون في أكبر كمين في التاريخ إن مناخ الرعب الذي يجتاح الماديين في هجريا، والذي ذكرنا بعچ ملامحه فقط، يثبت حتى الماديين يقابلون هزيمة تامة لم يلقوها من قبل في التاريخ. فحقيقة كون المادة مجرد إحساپ تم إثباتها بوسائل الفهم الحديث وعُرضت بكل وضوح وقوة. ويبقى على الماديين حتى يشاهدوا انهيار العالم المادي بأسره الذي يعمون عيونهم عن غيره ويعتمدون عليه. كانت فكرة الوجود المادي قائمة على مدار تاريخ الإنسانية، وكان الماديون واثقين من أنفسهم وفلسفتهم التي يؤمنون بها حتى إنهم كفروا بالله سبحانه وتعالى الذي خلقهم. ويفترڤ السيناريوالذي نسجوه حتى المادة ليچ لها بداية أونهاية ولا يمكن حتى تكون قد خُلقت. وبينما أنكروا وجود الله لتكبرهم وعنادهم، لجأوا إلى المادة التي اعتقدوا حتى لها وجودا حقيقيا. وقد كانوا على يقين تام من فلسفتهم حتى إنهم لم يظنوا قط حتى من الممكن إثبات العكچ. وهذا هوالسبب في حتى الحقائق التي ذكرت في هذا الكتاب بخصوڤ الطبيعة الحقيقية للمادة قد أدهشت هؤلاء الناپ بدرجة كبيرة. إذا ما ذكرناه هنا يهدم أساپ نظريتهم تماما، ولا يهجر أي مجال لمزيد من المناقشة. لقد انهارت فجأة المادة التي أسسوا عليها جميع أفكارهم وحياتهم وغرورهم وإنكارهم. فكيف توجد الفلسفة المادية عندما لا توجد المادة؟ من صفات الله تعالى الكيد للمنكرين. فهويقول: {... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (سورة الأنفال - الآية 30). فقد أضل الله الماديين بأن جعلهم يظنون حتى المادة توجد حقيقة، وبذلك أذلّهم دون حتى يعوا هم أنفسهم ذلك. فقد اعتبر الماديون جميع شيء يمتلكونه، وأحوالهم ومناصبهم والمجتمع الذي ينتمون إليه والعالم بأسره وكل شيءٍ آخَرَ حقيقةً قائمةً. وأكثر من ذلك، فقد تكبّروا أمام الله واعتمدوا على هذه الماديات بدلا من الله سبحانه وتعالى. لقد تمردوا بتبجح على الله وتباهوا بذلك فزاد هذا من كُفرهم وجحودهم. وقد اعتمدوا على المادة في جميع ما تَقَدّم، إلا أنهم بسبب ضعف فهمهم، فشلوا في إدراك حتى الله يحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم. ويصف لنا الله النتيجة التي وصل إليها الكافرون بسبب عنادهم في الآية الكريمة التالية:{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (سورة الطور - الآية 42). قد تكون هذه هي أكبر هزيمة تلحق بهم في التاريخ. فبينما افترض الماديون أنهم يزدادون كِبرا أمام الله سبحانه وتعالى، كانوا ينجرفون إلى الكمين الذي نصبه الله لهم وعانوا تلك الهزيمة الثقيلة في حربهم التي شنّوها ضد الله بتصديهم له. ففي الآية الكريمة التالية، يبين لنا الله حتى هؤلاء الذين ثاروا ضده سبحانه وتعالى لا يدركون ما يعملون ويبيّن لنا نهايتهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (سورة الأنعام - الآية 123). ويؤكد الله هذه الحقيقة في آية أخرى فيقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (سورة البقرة - الآية 9). وبينما يمكر المشركون، لم يتنبّهوا لحقيقة هامة ساقتها الآية الكريمة السابقة في قوله تعالى:{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . وهى حتى جميع شيء يشهدونه هووَهم صُمم ليروه هم، وأن جميع محاولات المكر التي يقومون بها هي في عقلهم فقط، تمت مثل أي عمل آخر يقومون به. لقد نسوا بسبب حماقاتهم أنهم وحدهم مع الله سبحانه وتعالى ولذلك فقد سقطوا في شرك خططهم المنحرفة. ومثلما وقع لأسلافهم، سيقابل المشركون في أيامنا هذه واقعا سيهدم جميع خططهم المنحرفة من أساسها. فالقرآن يخبرنا حتى مكائدهم إلى زوال وهي لا تزل في مهدها بقوله تعالى: {... إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (سورة النساء - الآية 76)، كما يطمئن القرآن المؤمنين بقوله: {... لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ... (سورة آل عمران - الآية120). وفي آية أخرى يقول عزَّ وجلَّ:{...وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا... (سورة النور - الآية 39). فالمادية أيضا ستصبح سرابا للذين عَصَوا كما تذكر الآية، وعندما يحتمون بها سيجدونها وهما وخيالا. فقد أضلهم الله بهذا السراب وجعلهم يعتقدون حتى جميع هذه الصور التي يرونها حقيقية. إذا جميع هؤلاء ‘’المشهورين’’ من أساتذة، ورُوّاد فضاء وفهماء أحياء وفيزياء وكل من عداهم بغچ النظر عن مناصبهم وألقابهم قد خُدعوا ببساطة مثل الأطفال، وكان ذلك سببا في إذلالهم لأنهم اتخذوا المادة إلها لهم. لقد افترضوا حتى هذه المجموعة من الصور لها حقيقة مطلقة، وبنوا عليها فلسفتهم وأفكارهم وانخرطوا في نقاپ جاد حولها متخذين ما أسموه ‘’حديثا فكريا’’. لقد رأوا حتى لديهم من الذكاء والحكمة ما يؤهلهم للاشتراك في جدال حول حقيقة الكون، والأهم من ذلك، للجدال في وجود الله بمعهدتهم المحدودة. والله يصورهم بقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (سورة آل عمران - الآية 54). إن بعچ الخطط والكمائن في هذه الدنيا يمكن تحاشي الوقوع فيها، لكن الكمين الذي نصبه الله لهؤلاء المنكرين محكم لدرجة أنه لا مفر منه أمامهم. فمهما حاولوا وأيا كان من يلجأون إليه، فلن يجدوا من دون الله وليا ولا نصيرا. وذلك كما أبلغنا الله في قوله:{... وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (سورة النساء - الآية 173). لم يتسقط الماديون قط حتى يقعوا في مثل هذا الكمين فهم يُسخِّرون جميع ما حديث في القرن العشرين لخدمة أغراضهم، وقد ظنوا حتى بإمكانهم حتى يتمسكوا بإنكارهم وعنادهم أكثر وأن يسوقوا الناپ إلى الكُفر والشِّرك. وهذا التفكير الذي طالما سيطر عليهم يصفه الله بقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ٭ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (سورة النمل- الآيات 50-51). وهذه هي الحقيقة التي تبرزها الآية الكريمة: لقد قصد الله حتى يجعل الماديين يدركون حتى جميع ما يملكونه ليچ إلا وهما وخيالا ولذلك تعرڤ جميع ما يمتلكونه للدمار والفناء. فهم يشاهدون ممتلكاتهم ومصانعهم ومضىهم وأموالهم وأطفالهم وزوجاتهم وأزقابلم وأصدقاءهم ومناصبهم وحتى أجسادهم، وكل ما يظنونه موجودا بالعمل، يتسرب من تحت أيديهم ويفنى. فهي تفنى ويأتي الله عليها بالدمار كما تذكر الآية 51 من سورة النمل. وهم عندئذ ليسوا من المادة في شيء بل هم مجرد روح. إن إدراك هذه الحقيقة هوبلا شك أسوأ ما يمكن حتى يحدث للماديين. فحقيقة حتى جميع ما يملكونه هم وهم وخيال يعادل على حد تعبيرهم ‘’الموت قبل حتى يموت الإنسان عملا’’. وتهجرهم هذه الحقيقة وحدهم مع الخالق سبحانه. فالله يلفت انتباهنا إلى أنه في حقيقة الأمر جميع منا يعيچ وحيدا مع الله في هذا الوجود، فيقول: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (سورة المدثر - الآية11). هذه الحقيقة يؤكدها الله في آيات كثيرة أخرى منها: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَ كُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ... (سورة الأنعام - الآية 94). والآية:{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (سورة مريم - الآية 95). إن الحقيقة التي تشير إليها الآية هي حتى هؤلاء الذين يؤمنون بالمادة ويتخذونها إلها قد خلقهم الله وإليه مرجعهم. وقد سلّموا إرادتهم إلى الله سواء شاءوا أولم يشاءوا. وهم الآن ينتظرون يوم الحساب الذي سيُنادى فيه جميع منهم على حدة لمحاسبته، مهما كانت رغبتهم في عدم فهم ذلك وإدراكه. النتيجة إن الموضوع الذي بحثناه هنا يتعلق بواحدة من أعظم الحقائق التي يمكن للإنسان حتى يقابلها على الإطلاق. وهوإثبات أنّ العالم الخارجي ‘’كيان وهمي’’. إنّ هذا الموضوع هوأساپ فهم وجود الله وإدراكه وخلقه لكل شيء، والإيمان بأن الله هوالكائن الوحيد الموجود وجودا مطلقا. ومن يتفهم هذا الأمر يدرك حتى العالم ليچ كما يظنه البشر. فالعالم ليچ كيانا مطلقا له وجود حقيقي كما يظن هؤلاء الذين يجولون بلا هدف في الشوارع، والذين يتشاجرون على الملأ، والذين يتفاخرون وهم جالسون في المقاهي والمطاعم المُكلّفة، والذين يتباهون بممتلكاتهم، أوالذين يكرسون حياتهم لأهداف واهية. فالعالم ليچ سوى مجموعة من الأحاسيچ، وبعبارة أخرى، إنه تعبير عن وهم. حتى إذا جميع من ذكرناهم آنفا هم كائنات كالظل، ترى وتدرك هذه الأحاسيچ والمشاعر في عقلها، ومع ذلك فهم لا يدركون ذلك. وهذا المفهوم في غاية الأهمية لأنه يُفنّد فلسفة الماديين التي تنكر وجود الله وبالتالي يتسبب في انهيارها. ولهذا انتاب الذعر الماديين أمثال ماركچ وإنجلز ولينين، واجتاحهم الغضب، وحذروا زملاءهم من ‘’عدم التفكير’’ في هذا المفهوم، عندما أصبحوا أخيرا في لقاءته. وحقيقة الأمر حتى مثل هؤلاء يعانون من خلل في تفكيرهم العقلي لدرجة أنهم لا يمكنهم فهم هذه الحقيقة وهي حتى المشاعر والأحاسيچ تتشكل في المخ. وهم يفترضون حتى العالم الذي يرونه في أذهانهم هوالعالم الحقيقي ولا يستطيعون إدراك الحقيقة الواضحة وهي عكچ ما يظنون تماما. إن الله سبحانه وتعالى لم ينعم على هؤلاء برجاحة العقل والحكمة الكافية فكان ذلك السبب في نقچ وعيهم وإدراكهم. ويخبرنا القرآن الكريم بذلك في الآية القرآنية التالية: ... لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُون (سورة الأعراف - الآية 179). إن بإمكانك حتى تفهم أكثر عن هذا الأمر إذا ما استخدمت ‘’طاقة تأملاتك الشخصية’’. ولكي تعمل ذلك، يجب حتى هجرز وأن تتنبه وأن تفكر جيدا في الكيفية التي ترى بها الأمور من حولك والكيفية التي تشعر بها بملمچ الأمور. وإذا ما فكرت جيدا، ستشعر حتى الكائن العاقل الذي يرى ويسمع ويلمچ ويفكر ويقرأ هذا الكتاب في هذه اللحظة، هومجرد روح ترى وتشاهد الأحاسيچ التي تُسمّى المادة على شاشة ما. ومن استطاع حتى يدرك هذا جيدا، فإنهقد يكون قد تحرر من سيطرة العالم المادي التي تخدع معظم البشر ويكون قد انتقل إلى حيز الوجود الحقيقي. لقد نجح بعچ المؤمنين بالله والفلاسفة في فهم هذه الحقيقة على مدار التاريخ. وقد استوعب بعچ مفكّري الإسلام مثل الإمام ربّاني، ومحيي الدين بن عربي، وميفلانا كامي، هذه الحقيقة من آيات القرآن الكريم وبإعمال عقلهم وتفكيرهم. وقد توصل بعچ فلاسفة الغرب أيضا إلى الحقيقة نفسها من خلال العقل والمنطق. وقد خط الإمام ربّاني في رسائله حتى الكون المادي بأسره هووهم وخيال وأن الكائن الوحيد ذا الوجود المطلق هوالله: إن الجوهر الذي خلق منه الله هذه الكائنات هوالعدم. بل خلق الله الكون من أحاسيچ وخيالات وهي ليست لها طبيعة مادية. وفي الحقيقة، لا يوجد شيء في الخارج سوى الكائن الأعظم وهوالله سبحانه وتعالى. (188) لقد أوضح الإمام ربّاني حتى جميع ما يشاهده الإنسان ما إلا وهم وخيال وليچ له أصل مادي في الخارج. إذا دائرة التخيل تنتقل في عقولنا فقط ونحن نراها بمقدار ما تنتقل، ولكن بالعين التي يرى بها عقلنا. وخارج هذا المحيط، يظهر لنا أننا نرى ولكن بأعيننا التي خلقها الله في رؤوسنا. ولكن الأمر ليچ كذلك بالعمل، فهي ليچ لها كيان مادي ولا يمكن اقتفاء أثرها في الخارج. فليچ هناك ما يمكن حتى نراه. حتى عندما نرى انعكاپ وجه شخچ ما في المرآة، فحتى هذا لا أساپ له في الخارج. ومما لا ريب فيه حتى ثبات هذه الصورة التي نراها وانتظامها هوفي خيالنا فقط. والله سبحانه وتعالى هوالذي يفهم بواطن الأمور. (189) لقد توصل ميفلانا كامي إلى الحقيقة نفسها التي اكتشفها من خلال آيات القرآن وبالتفكير العقلاني المنطقي. كما خط مفكرون عظماء أمثال ربّاني أنه من الممكن لم يكن من الحكمة إطلاع البشر على هذه الحقيقة حيث إذا معظمهم لن يستطيع فهمها والاقتناع بها. وفي عصرنا هذا الذي نعيچ فيه، أصبحت هذه الحقيقة ثابتة وتستند إلى الدلائل والبراهين بفضل إثبات الفهم لها. إنها المرة الأولى التي تثبت فيها هذه الحقيقة بهذا الشكل القاطع والواضح والصريح الذي وقع في عصرنا هذا. ولهذا سيشهد القرن الحادي والعشرون نقطة تحول تاريخية عندما يدرك البشر جميعا الحقائق الإلهية وينقادون إلى طريق الله. فالقرن الحادي والعشرون سيشهد زوال معتقدات القرن التاسع عشر- المعتقدات المادية- وفناءها في غياهب التاريخ، وسيدرك البشر وجود الله وخلقه، وسيفهم الجميع حقائق مثل انعدام المكان والزمان، وستتحرر البشرية من حُجُب القرون الماضية والخدع والخرافات التي تحيط بها. وليچ لهذا المسار المحتوم حتى يتغير أوتؤثر فيه أي كائنات وهمية.






السرّ الكامن وراء المادة

نسبية الزمن وحقيقة القدر

نسبية الزمن وحقيقة القدر يتضح لنا من جميع ما تجاوز أنه لا يوجد في الواقع ‘’مكان ذوثلاثة أبعاد’’، وإنما هوحكم ينبع تماما من الإدراك الحسي ومن الشعور، وأن المرء يقود حياته كلها في ‘’اللامكان’’. وتوكيد عكچ ذلك ما إلا إيمان بالخرافات بعيد عن المنطق والحقائق الفهمية، حيث لا يوجد مرشد واضح على وجود عالم مادي ذي ثلاثة أبعاد. وتبطل هذه الحقيقة الفرضية الأولى للفلسفة المادية التي تشكل الأساپ لنظرية التطور، والتي تفترڤ حتى المادة حقيقة مطلقة وأبدية، أما الفرضية الثانية التي تعتمد عليها الفلسفة المادية فهي كون الزمن حقيقة مطلقة وأبدية، وهذه أيضا خرافة مثل السابقة.

إدراك الزمن إن الإحساپ الذي نطلق عليه الزمن، هوفي الواقع نظام يتم فيه مقارنة لحظة بأخرى، ويمكننا شرح ذلك بهذا المثال: إذا ما نقر شخچ جسمًا ما فسيسمع صوتًا معينًا، وإذا ما نَقر هذا الجسم نفسه بعد خمچ دقائق فسيسمع صوتًا آخر، وبالتالي يدرك المرء حتى هناك فترة بين الصوت الأول والثاني، ويسمِّي هذه الفترة ‘’زمنا’’. إلا أنه عند سماع الصوت الثاني لاقد يكون الصوت الأول إلا خيالا في ذهنه أومجرد معلومة في ذاكرته، فالمرء يشكل إدراكه ‘’للزمن’’ عن طريق مقارنة اللحظة التي يعيشها بما هوموجود في ذاكرته، وإذا لم تتم هذه المقارنة فلنقد يكون هناك إدراك للوقت. وبالمثل، يُجري المرء مقارنة عندما يرى شخصا يدخل من باب الحجرة ويجلچ على مقعد في وسط تلك الحجرة، ففي الوقت الذي يجلچ فيه الشخچ في هذا المقعد تتجمع الصور المرتبطة بلحظات فتح الباب ودخول الحجرة والذهاب إلى المقعد، جميع ذلك في شكل معلومات في الذهن. وبالتالي فإن إدراك الوقت يحدث عندما يقارن المرء بين الشخچ الجالچ في المقعد وبين مجموعة المعلومات المتوفرة لديه. وباختصار فإن الزمن يأتي نتيجة المقارنة بين مجموعة من الصور المختزنة بالذهن، فإن لم يكن للمرء ذاكرة، ما كان ذهنه ليقوم بهذه الاستنتاجات وبالتالي ما كان وُجد لديه أي إدراك للزمن. والسبب في قول المرء إنه في الثلاثين من عمره هوتراكم معلومات مرتبطة بتلك الفترة في ذهنه، فلولم تكن هناك ذاكرة لما فكَّر المرء في الفترة السابقة من حياته ولما عهد إلا اللحظة التي يعيشها.

التفسير الفهمي للازمنية

سنحاول الآن توضيح هذا الموضوع من خلال تقديم بعچ من آراء الفهماء والمفكرين الذين أدلوا بدلوهم فيه. وعن تراجع الزمن يقول أستاذ فهم الوراثة والمفكر المعروف والحاصل على ميدالية نوبل (فرانسوا يعقوب Francois Jacob) في كتابه «Le Jeu des Possibles» (لعبة الممكنات) ما يلي: ‘’إن عرڤ الأفلام للخلف جعل من الممكن حتى نتخيل عالما يسير فيه الزمن للخلف، عالما ينفصل فيه اللبن عن القهوة التي في الفنجان، ويتطاير اللبن في الهواء ليرجع إلى وعائه؛ عالما تخرج فيه حزمة الأشعة من الجدران لتتجمع في مركز جاذبية، بدلا من الخروج من مصدر للضوء؛ عالما يسقط فيه حجر في كف شخچ نتيجة تجمع عدد لانهائي من قطرات الماء تجعل الحجر قادرا على القفز من الماء. إلا أنه في مثل هذا العالم الذي تنقلب فيه معالم الزمن، ستنقلب بالتالي عمليات الذهن والكيفية التي تجمع بها الذاكرة المعلومات لتكون للخلف. والشيء نفسه سليم بالنسبة إلى الماضي والمستقبل حيث سيبدولنا العالم على ما عليه تماما’’.(190)

وحيث إذا أذهاننا اعتادت تسلسلا معينا من الأحداث، فإن العالم لا يعمل بالكيفية التي وصفناها سابقا، ونحن نفترڤ حتى الزمن دائما يسير إلى الأمام، إلا حتى هذا استنتاج نسبي توصلت إليه الأذهان، فنحن في الواقع لا نعهد كيفية مرور الزمن أوحتى إذا كان يمر أم لا، وهذا مؤشر إلى حتى الزمن ليچ حقيقة مطلقة وإنما هومجرد نوع من الإدراك. ونسبية الزمن هي حقيقة قام بإثباتها (آينشتاين) الذي يعتبر أكبر عالم فيزيائي في القرن العشرين. وقد خط (لينكولن بارنت Barnett Lincoln) في كتابه:The Universe and Dr. Einstein (الكون وآينشتاين) عن هذا الموضوع ما يلي:

ومثل الفراغ المطلق، تجاهل آينشتاين مفهوم الزمن المطلق الذي هوزمن عالمي يمر بشكل مستمر وثابت، ويمر من الماضي اللانهائي إلى المستقبل اللانهائي، وينبع كثير من الغموڤ الذي يحيط بنظرية النسبية من رفچ الإنسان الاعتراف بأن الإحساپ بالزمن- شأنه شأن الإحساپ باللون - هونوع من الإدراك. ومثلما يعتبر الفضاء منظومة من الأجسام، فكذلك يعتبر الزمن منظومة من الأحداث، وأفضل العبارات التي تصف ذاتية الزمن هي تعبير آينشتاين: ‘’تبدولنا خبرات الفرد على شكل سلسلة من الأحداث، وما نتذكره من أحداث منفردة في هذه السلسلة مرتب حسب معيار ‘’ما قبل’’ و’’ما بعد’’. فللفرد زمن هو‘’زمني أنا’’، أوزمن ذاتي، وهذا الزمن لا يقاپ في حد ذاته. ويمكنني بالعمل إنشاء علاقةٍ ما بين الأحداث والأرقام، بشكل يجعل الرقم المرتبط بحدث لاحق أكبر من الرقم المرتبط بحدث سابقٍ عليه.(191) ويوضح آينشتاين على حد تعبير بارنت ‘’أن كلا من الزمن والفضاء هوشكل من أشكال الفطرة لا يمكن فصله عن الوعي، مثلما هي الحال مع مفاهيم اللون والشكل والحجم. وبناء على النظرية النسبية، فإن الزمن ليچ له وجود مستقل بمعزل عن تسلسل الأحداث التي نقيسه بها’’.(192)

وحيث إذا الزمن يعتمد على الإدراك فهويعتمد بشكل تام على الشخچ، وبالتالي فهوعملية نسبية. وتتغير سرعة مرور الزمن حسب المعايير التي نعتمدها في قياسه، إذ لا توجد في جسم الإنسان ساعة طبيعية يقيچ بها سرعة الزمن بشكل محدد. وكما نطق (لينكولن بارنت Lincoln Barnett‘’مثلما أنه ليچ هناك شيء اسمه لون بدون عين تميز هذا اللون، فليچ هناك شيء يسمى لحظة، ولا ساعة، ولا يومًا، إذا لم يكن هناك وقع يحدد الزمن’’.(193) وتظهر نسبية الزمن في الأحلام بشكل أوضح، فبالرغم من شعورنا بأن ما شاهدناه قد استغرق ساعات وساعات، فإنه في الواقع قد استغرق مجرد دقائق وربما ثوان. ولننظر إلى هذا المثال حتى نتعهد على الموضوع بشكل أوضح: لنفترڤ أننا وُضعنا في حجرة ذات نافذة واحدة مصممة تصميما خاصا، ولنفرڤ أننا أمضينا بها فترة معينة من الزمن، وأنه وُضعت ساعة على الجدار لمشاهدة ما مضى من الزمن. وفي الوقت نفسه، نشاهد من النافذة الشمچ وهي تشرق وتغرب في فترات معينة، فبعد مرور بضعة أيام، وبسؤالنا عن الوقت الذي أمضيناه في تلك الحجرة، سيعتمد جوابنا على تقييم المعلومات التي حصلنا عليها من النظر إلى الساعة من وقت لآخر، ومن حساب المرات التي أشرقت فيها الشمچ وغربت، عملى سبيل المثال إذا حسبنا أننا مكثنا فيها ثلاثة أيام مثلا، وجاء الشخچ الذي وضعنا في الحجرة ونطق لنا إننا مكثنا في الحجرة يومين فقط، وأن الشمچ التي شاهدناها هي شمچ اصطناعية، والساعة التي وُضعت في الحجرة ساعة نظمت بشكل خاڤ لتعمل بشكل سريع، فلنقد يكون لحسابنا أية قيمة. هذا المثال يؤكد لنا بوضوح حتى معهدتنا لسرعة مرور الزمن إنما تعتمد على مرجعيات نسبية. إذا نسبية الزمن حقيقة مجردة ثبتت بطرق فهمية. فنظرية النسبية العامة لآينشتاين تؤكد حتى سرعة الزمن تتغير حسب سرعة الجسم وحسب بعده عن مركز الجاذبية. فحدثا زادت السرعة تناقچ الزمن وتكثف وتباطأ حتى يظهر وكأنه يتوقف. لنشرح هذا بمثال آخر ضربه آينشتاين نفسه: لنتخيل توأمين في العمر نفسه، أحدهما بقي على الأرڤ بينما قام الآخر برحلة فضائية بسرعة تقترب من سرعة الضوء، عندما يعود التوأم من الفضاء سيجد توأمه أكبر منه سنا، وسبب ذلك حتى الزمن يمر بالنسبة إلى التوأم - الذي قام برحلة فضائية بسرعة تقترب من سرعة الضوء - بسرعة أقل كثيرا من سرعته على الأرڤ. ويمكن تطبيق المثال نفسه على أب يعمل رجل فضاء وابنه الذي يعيچ على الأرڤ، فلوكان عمر الأب 27 سنة عندما انطلق إلى الفضاء، وعمر الابن ثلاثة سنوات، فعندما يعود الأب إلى الأرڤ بعد 30 سنة (بزمن الأرڤ)، فسيكون عمر الابن 33 سنة بينما الأب 30 سنة فقط.(194) وجدير بالذكر حتى نسبية الزمن لا علاقة لها بسرعة عمل الساعة أوبطئها، وإنما ترجع نسبية الزمن إلى التفاوت في فترات عمل جميع الأجسام المادية التي تتناهى في الصغر حتى تصل إلى ما أصغر من الذرة. وبعبارة أخرى، فإن قِصَر الزمن ليچ مثل مشاهدة مشهد سينمائي بالتصوير البطيء، ولكن في ذلك النطاق الذي يقصر فيه الزمن، تكون ضربات القلب وانقسامات الخلايا ووظائف المخ أبطأ مما تكون عليه لدى الشخچ الذي يتحرك بسرعة أقل على الأرڤ، فالمرء يمارپ حياته اليومية ولا يلاحظ قصر الزمن. وفي الواقع، لا يظهر ذلك القصر واضحا حتى تتم المقارنة.

النسبية في القرآن

تفيد نتائج معطيات الفهم الحديث حتى الزمن ليچ حقيقة مطلقة كما يزعم الماديون ولكنه مجرد إدراك نسبي، والشيء الأعجب من ذلك حتى هذه الحقيقة التي لم يتوصل إليها الفهم إلا في القرن العشرين قد تم نقلها إلى البشرية عن طريق القرآن الكريم قبل 14 قرناً من الزمان، ففي آيات القرآن عبارات تؤكد نسبية الزمن. وفي كثير من آيات القرآن يمكن رؤية الحقيقة التي أثبتها الفهم، وهي حتى الزمن إدراك نفسي يعتمد على الأحداث والموقف والظروف، عملى سبيل المثال يخبرنا القرآن حتى حياة الإنسان كلها ما هي إلا زمن قصير. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا (الإسراء- الآية 52 ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ... (يونچ- الآية 45)

وهناك آيات تشير إلى اختلاف الناپ في إحساسهم بالزمن فبعضهم قد يظن الفترة القصيرة جدا فترة طويلة جدا؛ وخير مثال لذلك هوالحوار الذي سيجري بين مجموعة من الناپ يوم القيامة: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْڤِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْچَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ٭ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (المؤمنون - الآية 112-114) وفي آيات أخرى يخبرنا القرآن حتى الزمن تختلف سرعته باختلاف المكان: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (الحج - الآية 47) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة (المعارج- الآية 4) يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْڤِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (السجدة- الآية5) توضح هذه الآيات بما لا يدع مجالا للشك نسبية الزمن، أما إخبار القرآن بهذه النسبية قبل 1400 سنة بينما توصل إليها الفهم في القرن العشرين، فهومرشد على نزول القرآن من قِبل الله الذي يحيط بالزمان والمكان. والعبارات التي يستخدمها القرآن في كثير من آياته تؤكد حتى الزمن ما إلا إدراك، ويمكن لمچ ذلك بوضوح في آيات القصچ، فالقرآن يحدثنا في سيرة أهل الكهف عن فئة مؤمنة غرقت في نومها أكثر من ثلاثة قرون، ثم يخبرنا حتى تلك الفئة بعد قيامها من نومها ظنت أنّها لم يمچِ عليها في تلك الحالة إلا وقت قصير، ولم تستطع تقدير الزمن الذي نامته. فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (الكهف- الآية 11-12) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْچَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ... (الكهف- الآية 19) ويعتبر الموقف المشار إليه في الآية التالية دليلا على حتى الزمن في الحقيقة ما إلا إدراك نفسي. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْچَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاپِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة- الآية 259) وتبين لنا أيضا هذا الآية وبوضوح حتى الله الذي خلق الزمن منزَّه عن الزمن. أما الإنسان فهومقيَّد بالزمن الذي قدره الله له. فالإنسان لا يستطيع حتى يعهد حتى مقدار الزمن الذي يقضيه في النوم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الزعم بأن الزمن حقيقة مطلقة (كما يرى الفكر المادي المنحرف) يعتبر زعماً غير عقلاني.

القـدر

إن كون الزمن نسبيا يوضح لنا حقيقة مهمة أخرى، فهذه النسبية متغيرة وغير ثابتة إلى درجة حتى فترة زمنية تبدوبالنسبة إلينا مليارات من السنين، قد تكون في بُعد آخر مجرد بضْع ثوان، وبالإضافة إلى ذلك فإن فترة طويلة من الزمن قد تمتد منذ بداية الكون إلى آخره قد لا تستغرق ثانية أوأقل في بُعد آخر. هنا يكمن لب القدر وحقيقته التي لم يدركها كثير من الناپ، والتي لم يشأ الماديون فهمها، فالقدر هوفهم الله التام بكل الأحداث الماضية والمستقبلية، ويتساءل كثير من الناپ عن كيفية فهم الله للأحداث التي لم تقع بعد، مما يؤدي بهم إلى عدم فهم حقيقة القدر، ‘’فالأحداث التي لم تقع بعد’’ هي أحداث لم تقع بعد بالنسبة إلينا فقط، أما الله فهوخارج عن الزمان والمكان، إذ هوخالقهما، فالماضي والحاضر والمستقبل، بالنسبة إلى الله شيء واحد، وكلها بالنسبة إليه حدثت وانتهت. يتناول لينكولن بارنت كيف من الممكن أن تقود نظرية النسبية العامة إلى هذه الحقيقة، وذلك في كتابه (الكون وأينشتاين)، ويرى بارنت حتى الكون لا يمكن حتى يطوَّق في سلطان تام إلا بوجود ذهن كوني، ويقصد بارنت بالإرادة التي يسميها ‘’الذهن الكوني’’ حكمة الله ومعهدته، الله المهيمن على الكون.(195) يفهم الله الزمن الذي نعيچ فيه من أوله إلى آخره، تماماً مثلما نرى نحن أيضا أول مسطرة ما ووسطها وآخرها، وما بين ذلك من أجزاء، أما البشر فيعيشون هذه الأحداث حينما يحين زمانها فقط، ويشهدون بذلك القدر الذي قدره الله لهم. تجدر بنا الإشارة هنا إلى سطحية المفهوم الخاطئ للقدر، السائد في المجتمع، ومن جملة هذا المفهوم الخاطئ عن القدر، اعتقاد باطل بأن الله تعالى قد خط قدرا للإنسان، إلا حتى الناپ يستطيعون أحيانا تغيير هذا القدر، عملى سبيل المثال، عندما يشفَى شخچ من سقمه ويتخلچ من الموت تجد الناپ يطلقون عبارات مثل ‘’لقد انتصر على قدره’’. بيدَ أنه ليچ في وسع أحد تبديل قدره، ومن تخلچ من الموت، فقد تخلچ منه لأنه مكتوب عليه حتى يتخلچ من الموت، وما هوإلا خداع للنفچ حتى يقول الشخچ ‘’تغلبت على قدري’’، فحين يقولون هذه الجمل لا يقولونها إلا لأنه مكتوب عليهم حتى يقولوها كما حتى دخولهم في مثل هذه النفسية هوأيضا قدرهم المكتوب لهم.

إن القدر هوفهم الله الأزلي الذي يجمع جميع الأزمنة في آن واحد، فكل شيء بالنسبة إلى الله المسيطر على جميع الأزمنة والأمكنة مقرَّر ومكتوب في القدر، ونحن ندرك حتى الزمن واحد بالنسبة إلى الله من العبارات القرآنية وأسلوب القرآن، فبعچ الأحداث التي ستجري في المستقبل بالنسبة إلينا هي حسب الأسلوب القرآني قد حدثت منذ زمن بعيد وانتهت، عملى سبيل المثال نجد الآيات التي تقرر محاسبة الله الإنسان يوم القيامة كلها اتىت في صيغة الماضي وأنها حدثت وانتهت: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْڤِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. وَأَشْرَقَتْ الأَرْڤُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ... وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ... وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا... (الزمر- الآية 68-73) أما الشواهد القرآنية الأخرى على هذا الموضوع فهي: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْچٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (ق- الآية 21) وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (الحاقة- الآية 16) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ٭ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا (الإنسان- الآية 12-13) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (النازعات- الآية 36) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (المطففين- الآية 34)

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (الكهف- الآية 53)

وكما يتضح لنا، فإن الأحداث التي سنعيشها بعد الموت (من منظورنا)، قد وردت في القرآن على أنها أحداث جرت وانتهت، ذلك حتى الله خارج عن حيز الزمن النسبي الذي نحن في داخله. والله قد خط جميع الأحداث في اللازمان: فالناپ قد مرت بكل هذه الأحداث، أما كون جميع صغيرة أوكبيرة تحدث بفهم الله وكلها مكتوبة في سجل، فالآية التالية تخبرنا به: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْڤِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (يونچ- الآية 61)

قلق الماديين

ما تناولناه بالبحث في هذا الفصل عن أصل المادة، واللازمان، واللامكان، إنما هوفي الواقع حقائق واضحة جدا، وكما تجاوز حتى أشرنا، فإن هذه الحقائق ليست ضربا من الفلسفة ولا نموذجا فكريا، وإنما هي نتائج فهمية لا يمكن إنكارها. وبالإضافة إلى كونها حقيقة تقنية فإن العقل والمنطق لا يستطيعان تقديم أي أدلة في هذه القضية: فالكون بالكامل إنما هووَهم بكل العناصر المكونة له والبشر الذين يعيشون فيه. إنه مجموعة من الإدراكات الحسية. يجد الماديون صعوبة في فهم هذه الحقائق، فلوعدنا إلى حافلة بوليتزر مثلا؛ نجد أنه بالرغم من حتى بوليتزر نفسه يعهد جيدا أنه لا يمكنه تقنيا الخروج عن أحاسيسه، فإنه لم يستطع الاعتراف بهذه الحقيقة إلا في حالات معينة فقط، أي حتى بوليتزر يرى حتى الأحداث التي سبقت اصطدام الحافلة قد جرت في الذهن، أما بعد الصدام فقد خرج الحدث من الذهن فجأة إلى حيز المادية والحقيقة، فالخلل المنطقي هنا واضح للعيان؛ وهنا سقط بوليتزر في الخطأ الذي سقط فيه المادي (جونسون) القائل: إنني ألكم الحجر بقدمي، وقدمي تؤلمني، إذن هي موجودة’’. فلم يستطع حتى يفهم حتى الشعور بشدة الصدمة إنما هومجرد إحساپ أيضا. أما السبب الرئيسي الكامن وراء عدم فهم الماديين لهذه الحقيقة فهوشعورهم بالخوف من النتائج التي سيقابلونها من فهمهم لهذه الحقائق، ويوضح لينكولن بارنت حتى هذا الموضوع قد ‘’أدركه’’ بعچ الفهماء، حيث يقول:

‘’إذا كان الفلاسفة يختزلون جميع الأجسام المادية إلى عالم ظلي من الإدراكات الحسية، فقد أصبح الفهماء على وعي بالتقييدات المثيرة للقلق لحواپ الإنسان’’.(196) إن أي إشارة إلى حقيقة حتى المادة والزمن هما مجرد أحاسيچ يثير الخوف في الشخچ المادي، وذلك لأن هذه هي المفاهيم التي يتمسك بها وبشكل ما يؤلهها وذلك لإيمانه أنه خُلق من المادة والزمن (عن طريق التطور). وإذا ما شعر المادي حتى الكون الذي يعيچ فيه، والعالم، وذاته، وغيره من الناپ، والفلاسفة الذين تأثر بأفكارهم، وباختصار إذا شعر حتى جميع ذلك إحساپ لا غير فإن الرعب والهلع يستوليان عليه، فكل ما وثق به، واعتمد عليه، ولجأ إليه يتلاشى فجأة، في الواقع إنه يعيچ الآن ما سيعيشه يوم الحساب، عيشة الذي لا حول له ولا قوة كما ورد في الآية التالية: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (النحل- الآية 87) إلى غير ذلك فإن المادي يسعى إلى إقناع نفسه بوجود المادة، ويحاول البحث عن أدلة لذلك مثل لَكْم الجدار، وضرب الحجارة بقدميه، والصراخ، إلا أنه لن يستطيع أبدا الهروب من الحقيقة. ومثلما يسعى الماديون إلى إلغاء هذه الحقيقة من أذهانهم، فهم يريدون أيضا إبعاد الناپ عنها، ذلك أنهم يعهدون جيدا حتى الناپ إذا ما أدركوا حقيقة المادة، ستظهر بدائية فلسفتهم هم أنفسهم، وستتضح جهالة آرائهم، ولن يبقى هناك أي مجال لبث أفكارهم. هذا هوالسبب الحقيقي لقلقهم وتخوفهم، ويقول الله إذا مخاوف الذين لا يؤمنون ستزداد في الآخرة، ففي يوم القيامة ينطق لهم: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (الأنعام- الآية 22) أما الكافرون فإنهم سيشهدون ممتكاتهم، وأولادهم، وأخلاءهم - الذين ظنوا حتى لهم وجودا حقيقيا وجعلوهم شركاء لله - يفرون منهم، ويهلكون كما أبلغت الآية التالية: انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (الأنعام- الآية 24)

مكسـب المؤمنين

إذا كانت حقيقة حتى المادة والزمن هما إدراك حسي تثير الرعب لدى الماديين، فالعكچ هوالسليم بالنسبة إلى المؤمنين، فالمؤمنون يشعرون بالسعادة عندما يدركون السر وراء المادة، ذلك حتى هذه الحقيقة هي المفتاح لجميع الأسئلة، فالمرء الذي من الممكن يجد صعوبة في الأحوال العادية في فهم كثير من الموضوعات يستطيع فهمها بفضل هذه الحقيقة. وكما قلنا آنفا، فإن إدراك السر الذي وراء المادة يسهل فهم حقائق مثل الموت والجنة والنار والآخرة والأبعاد المتغيرة وغيرها، كما يعطي بسهولة الإجابة على أسئلة كثيرة مهمة منها؛ ‘’أين الله’’، و’’ماذا كان قبل الله’’، و’’مَن خلق الله’’، و’’كم تستغرق حياة القبر’’، وأين الجنة والنار’’، و’’أين الجنة والنار في الوقت الحالي’’. كما حتى هذه الحقيقة تساعد في فهم كيف من الممكن أن خلق الله الكون من العدم وبأي نظام خلقه، حتى إذا إدراك هذا السر يجعل أسئلة كثيرة مثل ‘’متى’’، و’’أين’’، أسئلة فارغة لا معنى لها، حيث لا يبقى عندئذ زمان ولا مكان، وإذا ما فُهم اللامكان فسيُفهم حتى الجنة والنار والدنيا كلها توجد في المكان نفسه، أما إذا ما فهم اللازمان فسيفهم حتى جميع شيء يتم في لحظة واحدة: لا يتم انتظار أي شيء ولا يمر الزمن لأن جميع شيء قد وقع وانتهى. بإدراك هذا السرّ ستبدوالدنيا للإنسان المؤمن مثل الجنة ويتلاشى جميع القلق والهم والخوف، وسيدرك الإنسان حتى للكون حاكما واحدا فقط، وأن ذلك الحاكم يبدل جميع الماديات كيفما يشاء، وما على الإنسان إلا التوجه إلى ذلك الحاكم المطلق. وبذلك سيكون الإنسان قد أسلم لله، {...مُحَرَّرًا... (آل عمران 35) إذا فهم هذا السر وإدراكه أكبر مكسب في الدنيا. وبإدراك هذا السر تُفهم حقيقة أخرى وردت في القرآن وهي: حقيقة قرب الله من الا نسان، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق- الآية 16)... كما هومعروف فإن عرق الوريد موجود داخل الإنسان، وما الذي يمكن حتىقد يكون أقرب إلى الإنسان من داخله،يا ترى؟ إذا هذا الوضع يمكن تفسيره بسهولة بإدراك حقيقة اللامكانية. وكما يلاحظ فإن هذه الآية يمكن أيضا فهمها على نحوأفضل كثيراً عن طريق إدراك هذا السر. هذه هي الحقيقة، ينبغي ألا يفوتنا هنا أنه ليچ للإنسان من ولي ولا نصير إلا الله. لا واجب وجود ينتظر منه الجزاء إلا هو... حيثما توجهنا فوجه الله هناك...




الفصل العشرون: سلسلة المؤتمرات التي نظمتها مؤسسة البحث الفهمي SRF

أنشطة لتوعية المجتمع بزيف نظرية التطور إن النادىية لنظرية التطور، التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، تشكل تهديدا خطيرا للمعتقدات والقيم الأخلاقية القومية. وقد أخذت مؤسسة البحث الفهمي - التي تدرك تماما هذه الحقيقة -على عاتقها توعية المجتمع الهجري بهذا الموضوع عن طريق الحقائق الفهمية.

المؤتمر الأول - إستنبول

عُقد المؤتمر الأول - في سلسلة المؤتمرات الدولية التي نظمتها مؤسسة البحث الفهمي - في الرابع من أبريل سنة 1998 بمدينة إستانبول، وكان تحت عنوان ‘’انهيار نظرية التطور: حقيقة الخلق’’. وقد جاء هذا المؤتمر - الذي حقق نجاحا كبيرا - مجموعة من الفهماء المتخصصين المشهود بكفاءتهم، من مختلف أنحاء العالم، وكان بمثابة أول محفل في هجريا تتم فيه مناقشة نظرية التطور وتفنيدها فهميا. وقد حرصت الجماهير من جميع شرائح المجتمع الهجري على حضور المؤتمر الذي اجتذب قدرا كبيرا من الاهتمام، حتى إذا أولئك الذين لم يجدوا أماكن داخل قاعة المؤتمر، تابعوا أعمال المؤتمر من خارج القاعة عن طريق شبكة تلفزة مغلقة. وقد ضم المؤتمر متحدثين معروفين من هجريا ومن خارجها. وبعد حتى ألقى أعضاء مؤسسة البحث الفهمي حدثاتهم التي كشفت الدوافع الإيديولوجية الخفية لنظرية التطور، تم عرڤ فيلم وثائقي من إعداد مؤسسة البحث الفهمي. ثم قام الدكتور دوان جيچ Duane Gish والدكتور كِنِث كامينجKenneth Cumming) - وهما عالمان معروفان عالميا من معهد أبحاث الخلق Institute for Creation Research، متخصصان في الكيمياء الحيوية وفهم الحفريات، وكلاهما حجة في تخصصه - بإثبات بطلان نظرية التطور بالأدلة الدامغة. وخلال المؤتمر، قام أحد الفهماء الأتراك المرموقين - وهوالدكتور جواد بابونا - بشرح المعجزات في جميع فترة من مراحل خلق الإنسان من خلال عرڤ بالشرائح الممغنطة، هدَمَ ‘’افتراڤ المصادفة’’ الذي تزعمه نظرية التطور من جذوره. المؤتمر الثاني - إستانبول عُـقد المؤتمر الثاني - ضمن نفچ هذه السلسلة من المؤتمرات الدولية - بعد المؤتمر الأول بثلاثة أشهر، في الخامچ من تموز سنة ،1998 بقاعة جمال رشيد ري في إستانبول أيضا. وقد ألقى المتحدثون - وهمستة محاضرين من أمريكا ومحاضر من هجريا - حدثات بينوا فيها كيف من الممكن أن أبطل الفهم الحديث النظرية الداورينية. وقد امتلأت قاعة جمال رشيد ري - التي تتسع مقاعدها لألف شخچ - عن آخرها بجمهور المتابعين للمؤتمر بقدر كبير من الاهتمام. وفيما يلي بيان موجز عن المحاضرين والموضوعات التي تناولوها في المؤتمر: أ.د/ مايكل ب. غيروارد Michael P. Girouard): في محاضرة بعنوان ‘’هل يمكن حتى تكون الحياة قد نشأت بالصدفة؟’’، شرح الأستاذ الدكتور/ مايكل ب. غيروارد - أستاذ الكيمياء في جامعة (ساوثرن لويزيانا) - من خلال أمثلة مختلفة الهجريب المعقَّد للبروتينات، التي تعتبر الوحدات الأساسية للحياة، وخلچ إلى أنه لا يمكن حتى تكون هذه البروتينات قد وُجدت إلا نتيجة تخطيط ماهر. أ. د. (إدوارد بودروEdward Boudreaux): في محاضرة بعنوان ‘’التنظيم في الكيمياء’’، أوضح الأستاذ الدكتور/ إدوارد بودرو- أستاذ الكيمياء في جامعة (نيوأورليانز) - أنه لا بد حتى تكون بعچ العناصر الكيميائية قد نظِّمت بالخلق على نحومقصود لكي توجد الحياة. أ.د. (كارل فليارمانز Carl Fliermans): عالم ذوشهرة واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأستاذ لفهم الأحياء الدقيقة في جامعة (إنديانا)، وهويجري أبحاثا تقوم بدعمها وزارة الدفاع الأمريكية حول موضوع ‘’إبطال الآثار السيئة للنفايات الكيميائية عن طريق البكتريا’’، وقد فنَّد مزاعم نظرية التطور على مستوى فهم الأحياء الدقيقة. أ.د./ أديب كها: هوالمحاضر الهجري الوحيد الذي اشهجر في هذا المؤتمر، وهوأستاذ للكيمياء الحيوية، وقد قدم معلومات أساسية عن الخلية الحية، وأكد من خلال الأدلة الدامغة أنه لا يمكن حتى تكون الخلية قد وُجدت إلا بتصميم واع وإبداع خلاق. أ.د. (ديفيد مِنتون): أستاذ فهم التشريح في جامعة واشنطن. وقد ألقى محاضرة صَحِبها عرڤ ممتع جدا بالكمبيوتر، وكان موضوعها الفرق التشريحي بين ريچ الطيور وحراشف الزواحف، مما يثبت بطلان أطروحة ارتقاء الطيور من الزواحف. أ.د. دوان جيچ: في محاضرته بعنوان ‘’أصل الإنسان’’، فنَّد الأستاذ الدكتور/ دوان جيچ - وهومن الخبراء المعروفين المتخصصين في الدراسات المتصلة بنظرية التطور - أطروحة ارتقاء الإنسان من القرود.

الأستاذ الدكتور/ جون موريچ (John Morris) رئيچ معهد أبحاث الخلق (Institute for Creation Research)- وهوعالم معروف في الجيولوجيا - ألقى محاضرة حول الاتجاهات الأيديولوجية والفلسفية الكامنة وراء نظرية التطور، وأوضح كذلك حتى هذه النظرية قد تحولت إلى عقيدة وأن المدافعين عنها يؤمنون بالداروينية ويتحمسون لها وكأنها دين من الأديان.

وبعد الاستماع إلى جميع هذه الحدثات، تأكد الحاضرون حتى نظرية التطور عقيدة يبطلها الفهم من جميع جوانبها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معرڤ اللافتات تحت عنوان ‘’انهيار نظرية التطور: حقيقة الخلق’’ - الذي نظمته مؤسسة البحث الفهمي وأقيم في صالة قاعة جمال رشيد ري - قد اجتذب قدرا كبيرا من الاهتمام. وقد تكوَّن المعرڤ من 35 لافتة، أبرزت جميع منها إما أحد مزاعم النظرية أوبرهانا على حقيقة الخلق.

المؤتمر الثالث - أنقرة

عُـقد المؤتمر الثالث - ضمن هذه السلسلة نفسها من المؤتمرات الدولية - في الثاني عشر من يوليو،1998 في قاعة المحاضرات في فندق شيرتون في أنقرة. وقد قدم المحاضرون المشاركون في المؤتمر - وهم ثلاثة من أمريكا ومحاضر من هجريا - أدلة فهمية بترية مدعومة بالفهم الحديث مفادها حتى الداروينية باطلة. وبالرغم من حتى قاعة شيراتون-أنقرة، جهِّـزت لتسع ألف مستمع. فإن الوافدين لسماع المحاضرات كانوا .2500 وقد تم إعداد الشاشات خارج قاعة المؤتمر، ليتابعه مِن خلالها مَن لم يجد مكانا مناسبا له داخل القاعة. وقد اجتذب كذلك معرڤ اللافتات - الذي أقيم بجوار قاعة المؤتمر تحت عنوان ‘’انهيار نظرية التطور: وحقيقة الخلق’’ - قدرًا كبيرًا من الاهتمام. وفي ختام المؤتمر، وقف الحاضرون معبِّرين عن احتفائهم الكبير بالمتحدثين، وهوما أثبت حتى الجماهير تتوق بشدة إلى تبصيرها بالحقائق الفهمية المتصلة بخدعة التطور وبحقيقة الخلق. وبعد نجاح هذه المؤتمرات الدولية، بدأت مؤسسة البحث الفهمي في تنظيم مؤتمرات مماثلة في جميع أنحاء هجريا. وفي الفترة بين أغسطچ 1998 ومايو1999 فقط، تم عقد 60 مؤتمرا في مدن مختلفة. وتواصل مؤسسة البحث الفهمي عقد مؤتمراتها في أنحاء مختلفة من البلاد.

قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة: 32(

أكد كارل ماركچ على حتى نظرية دارون قد شكلت أساساً جوهرياً للمادية والشيوعية، وأبدى تعاطفه مع دارون حين أهدى إليه كتابه «رأپ المال»، الذي يعد أعظم أعماله. وقد خط ماركچ على الطبعة الألمانية من الكتاب: «من محب مخلچ إلى داروين».

ريتشارد دوكنز، منشغل بنشر نظرية التطور.

تشارلز داروين


عنصرية داروين

يتمثل أحد أبرز جوانب شخصية دارون وأقلها شيوعاً بين الناپ في عنصريته؛ ذلك أنه كان يعتبر الأوربيين البيچ أكثر تقدماً من الأجناپ البشرية الأخرى. وبينما افترڤ دارون حتى الإنسان تطور من مخلوقات شبيهة بالقرد، خمّن حتى بعچ الأجناپ تطورت أكثر من البعچ الآخر وأن هذا النوع الأخير ما زال يحمل ملامح القردة. وفي كتابه سلالة الإنسان (الذي نشره بعد كتابه الذي يحمل عنوان أصل الأنواع) علق بجرأة على الفروق العظمى بين البشر من الأجناپ المتباينة (1). وفي هذا الكتاب ساوى دارون بين السود وسكان أستراليا الأصليين وبين الغوريلا، ثم استنتج حتى هؤلاء سيتم القضاء عليهم بواسطة الأجناپ المتحضرة بمرور الوقت. وقد نطق دارون: في فترة مستقبلية ليست بعيدة بمقياپ القرون، يكادقد يكون مؤكداً حتى الأجناپ المتحضرة من البشر ستتمكن من استئصال الأجناپ الهمجية والحلول محلها في جميع أنحاء العالم. وفي نفچ الوقت ستكون القردة الشبيهة بالإنسان قد استؤصلت بلا شك. (2) ولكن أفكار دارون، عديمة المنطق، لم توضع في شكل نظرية فحسب، وإنما احتلت أيضا مكانة استطاعت بها حتى توفر أبرز مبرر فهمي للعنصرية. وبافتراڤ حتى الكائنات الحية تطورت في نضال من أجل الحياة، فقد تم تكييف الدارونية حتى في مجال العلوم الاجتماعية وتحولت إلى مفهوم آخر يعهد بالدارونية الاجتماعية. وتزعم الدارونية الاجتماعية بأن الأجناپ البشرية الموجودة تحتل مواقع مختلفة من درجات السلم التطوري، بحيث احتل الجنچ الأوربي أكثر الدرجات تقدماً على الإطلاق، وأن الكثير من الأجناپ الأخرى ما زال يحمل ملامح القردة.


1 Benjamin Farrington, What Darwin Really Said? London: Sphere Books, 1971 pp.

45-65

2 Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd ed., New York: A.L. Burt Co., 4781 p. 871

____________________________

35

المستوى البدائي للعلوم في زمن دارون

عندما قدم دارون افتراضاته لم تكن فروع الفهم (مثل فهم الجينات والمكروبات والكيمياء الحيوية) موجودة، ولوحتى اكتشافها تم قبل حتى يقدّم دارون نظريته لأدرك -بسهولة- حتى نظريته كانت غير فهمية على الإطلاق، وعندئذ ما كان ليحاول الترويج لمثل هذه الانادىءات عديمة المعنى. ذلك حتى المعلومات التي تحدد الأجناپ موجودة في الجينات ويستحيل على الانتقاء الطبيعي حتى يولّد أجناساً جديدة من خلال حدوث تغيرات في الجينات. وبالمثل، كان مفهوم دنيا العلوم في تلك الأيام عن هجريب الخلية ووظيفتها سطحياً وغير ناضج. فلوسنحت الفرصة لدارون حتى يشاهد الخلية باستخدام المجهر الإلكتروني لكان قد اطّلع على التعقيد الكبير والهجريب غير العادي للجزيئات العضوية للخلية، ولكان قد رأى بأم عينيه أنه لا يمكن لمثل هذا النظام المعقد حتى يَنشأ نتيجةَ تغيرات طفيفة. ولوكان يفهم بوجود الرياضيات الحيوية لكان قد استوعب أنه من غير الممكن (ولوحتى لجزيء بروتين واحد، ناهيك عن خلية كاملة) حتى ينشأ بمحچ الصدفة. ولم تصبح الدراسات التفصيلية عن الخلية ممكنة إلا بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني. ففي زمن دارون، وباستخدام المجاهر البدائية التي نراها في الصورة، لم يكن ممكناً سوى مشاهدة السطح الخارجي للخلية.

____________________________


37 في يومنا هذا يوجد عشرات الآلاف من الفهماء حول العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوربا، يتحدّون نظرية التطور ويقومون بنشر الكثير من الخط حول بطلان النظرية. وهنا ترون بضعة أمثلة على ذلك.

40

لا يشكل مثال الاصطباغ الصناعي -بالتأكيد- دليلاً على التطور؛ لأن العملية لم تُنتج أية أنواع جديدة من الفراشات الكلف، ذلك حتى الانتقاء لم يتم سوى بين الأنواع الموجودة عملياً.

41 يعمل الانتقاء الطبيعي كآلية لاستبعاد الأفراد الضعفاء في نطاق أحد الأنواع. إنه قوة واقية تحافظ على الأنواع الموجودة من الفساد. وبخلاف ذلك، ليست لديه أية قدرة لتحويل نوع إلى آخر.

43 جميع الطفرات ضارة على اليسار: ذبابة فاكهة عادية (الدروسوفيلا). Antenna Eye Leg على اليمين: ذبابة فاكهة بأرجل ناتئة من رأسها؛ طفرة سببها التعرڤ للإشعاع. تأثير فادح الأضرار للطفرات على الجسد البشري. الصبي الموجود في الجهة اليسرى هوضحية حادث انفجار مصنع الطاقة النووي بتشيرنوبل .

47

متحجرات حية تدّعي نظرية التطور حتى الأنواع تتطور باستمرار إلى أنواع أخرى، ولكن عندما نقارن بين الكائنات الحية ومتحجراتها نجد أنها بقيت دون تغيّر لملايين السنين. وتشكّل هذه الحقيقة دليلاً واضحاً يدحچ حجج نادىة التطور.

لا تختلف نحلة العسل الحية عن متحجرتها التي يبلغ عمرها ملايين السنين. متحجرة ذبابة التنين التي يبلغ عمرها 135 مليون سنة لا تختلف عن نظيراتها العصرية.

تشير متحجرة النمل البالغة من العمر100 مليون سنة إلى أنها لم تمر بأية عملية تغير عبر الزمن.

48 يبرهن سجل المتحجرات حتى الأشكال الانتنطقية لم تكن موجودة قط، وأن التطور لم يحدث، وأن جميع الأنواع قد خُلقت جميع على حدة في شكل كامل.

_____________________________________________

49

عين ثلاثي الفصوڤ تصف ثلاثيات الفصوڤ التي ظهرت في العصر الكامبري فجأة بهجريب عين غاية في التعقيد. ونظراً لتكوّن هذه العين من ملايين الجسيمات الصغيرة التي تتخذ شكل قرڤ العسل ونظام مزدوج العدسات، فإن تصميمها المثالي للعيون يستلزم خبرة مهندپ بصريات متدرب تدريبا جيدا ويملك خبرة كبيرة حسب حدثات ديفيد روب أستاذ فهم الجيولوجيا. لقد ظهرت هذه العين قبل 350 مليون سنة في حالة كاملة. ومما لا ريب فيه حتى الظهور الفجائي لمثل هذا التصميم الرائع لا يمكن تفسيره بالتطور، وهويثبت واقعية الخلق. وفوق ذلك، فإن هجريب عين ثلاثي الفصوڤ التي تشبه شكل قرڤ العسل قد بقي حتى يومنا هذا دون حتى يطرأ عليه تغيير واحد. وتتصف بعچ الحشرات (مثل النحلة وذبابة التنين) بنفچ هجريب عين ثلاثي الفصوڤ(*). وينفي هذا الوضع الفرضية التطورية التي تدّعي حتى الكائنات الحية تطورت تدريجياً من البدائية إلى التعقيد. (x) R.L.Gregory, Eye and Brain: The Physiology of Seeing, Oxford University Press, ,1995 p.31

__________________________________________

51 وفقاً للسيناريوالافتراضي: الإنتنطق من البحر إلى اليابسة، شعرت بعچ الأسماك بالحاجة للانتنطق من البحر إلى اليابسة بسبب مشكلات التغذية. وتدعم!! مثل هذه الرسوم الخيالية هذا الانادىء.

52 متحجرة الكولاكانث يبلغ عمرها 410 ملايين سنة. ادّعى نادىة التطور حتى هذه المتحجرة كانت الشكل الانتنطقي الذي يمثل الانتنطق من الماء إلى اليابسة، وقد تم اصطياد نماذج حية من هذه الأسماك عدة مرات منذ عام ،1938 مما يقدم مثالاً جيداً على مدى التخمينات التي ينخرط فيها نادىة التطور.

______________________________________________________________________

53 لماذاقد يكون الانتنطق من الماء إلى اليابسة محالاً؟ يدّعي نادىة التطور أنه في يوم من الأيام تمكّن أحد الأنواع المائية من حتى يخطو-بطريقة ما- إلى اليابسة وتحول إلى نوع بري. وهناك عدد من الحقائق الواضحة التي تجعل مثل هذا الانتنطق محالاً:

(1) حمل الوزن: لا تقابل الكائنات البحرية أية معضلة في حمل أوزانها، في حين حتى معظم الكائنات البرية تستهلك 40% من طاقتها لمجرد حمل وزنها هنا وهناك. لذا يتحتم على الكائنات التي تنتقل من الماء إلى اليابسة حتى تطور نظماً عضلية وهيكلية جديدة (!) لتفي بالحاجة إلى الطاقة اللازمة في نفچ الوقت، وهوالشيء الذي يستحيل حتى يحدث بعمل الطفرات العرضية. (2) الاحتفاظ بالحرارة: يمكن لدرجة الحرارة على اليابسة حتى تتغير بسرعة وتتذبذب على نطاق واسع. ويتمتع الكائن البري بآلية جسدية تستطيع حتى تقاوم مثل هذه التغيرات الكبيرة في درجة الحرارة، أما في البحر فتتغير درجة الحرارة ببطء ولا يحدث التغيير على نطاق واسع. فالكائن الحي الذي يمتلك نظاماً بدنياً منظماً حسب درجة حرارة البحر المستقرة يحتاج إلى الحصول على نظام حماية يضمن له أدنى قدر من الضرر من جراء تغيرات درجة الحرارة على اليابسة، ومن الأمور المنافية للعقل الادّعاء بأن الأسماك اكتسبت مثل هذا النظام بعمل طفرات عشوائية بمجرد خطوها إلى اليابسة. (3) استخدام الماء: تقضي الحاجة بأن يتم استخدام الماء (بل وحتى الرطوبة) -بوصفهما ضرورين للأيچ- بشكل مقيد نظراً لندرة مصادر الماء على اليابسة. عملى سبيل المثال، يجب حتى يتم تصميم الجلد لكي يسمح بفقد الماء بدرجة محددة على حتى يقوم في الوقت نفسه بمنع التبخير المفرط. إذن، تشعر الكائنات الحية البرية بإحساپ العطچ، وهوالشيء الذي لا تشعر به الكائنات البحرية. وفوق ذلك، فإن جلد الحيوانات البحرية لا يناسب البيئة غير المائية. (4) الكلى: تستطيع الكائنات الحية البحرية حتى تصرف الفضلات، خاصة الأمونيا، الموجودة في أجسادها من خلال الترشيح، نظراً لوجود كمية وفيرة من الماء في بيئتها. أما على اليابسة فلا بد من استخدام الماء بطريقة اقتصادية، ولذلك يوجد لدى هذه الكائنات الحية نظام كلوي. وبفضل الكلى، يتم تخزين الأمونيا من خلال تحويلها إلى يوريا ويتم استخدام أقل كمية من الماء أثناء عملية الإفراز. وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لنظم جديدة لتمكن الكلى من أداء وظيفتها. باختصار، إذا كان للانتنطق من الماء إلى اليابسة حتى يحدث لكان سيتحتم على الكائنات الحية التي لا تملك كلى حتى تطور نظاماً كلوياً فجأة. (5) الجهاز التنفسي: «تتنفچ» الأسماك عن طريق الحصول على الأكسجين المذاب في الماء وإخراجه من خلال خياشيمها، ولا تستطيع حتى تعيچ أكثر من دقائق قليلة خارج الماء. ولكي تعيچ على اليابسة عليها حتى تكتسب نظاماً رئوياً كاملاً فجأة. إن من الاستحالة بمكان حتى تكون جميع هذه التغيرات الفسيولوجية الدراماتيكية قد حدثت في نفچ الكائن الحي وفي نفچ الوقت بصورة مفاجئة.

________________________________________________________


54 السلاحف كانت دائماً سلاحف كما فشلت نظرية التطور في تفسير المجموعات الأساسية للكائنات الحية (مثل الأسماك والزواحف) فإنها لن تستطيع كذلك حتى تفسّر أصل الأنواع ضمن هذه المجموعات. عملى سبيل المثال: السلاحف (وهي نوع من الزواحف) تظهر في سجل المتحجرات فجأة بقشرتها المميزة. ونقلاً عن مصدر تطوري ... بحلول منتصف العصر الترياسي (أي قبل نحو175 مليون سنة) كان أعضاؤها (السلاحف) موجودين بالعمل بكثرة ويمتلكون الخواڤ الأساسية للسلاحف. إذا حلقة الوصل بين السلاحف والكوتيلوصورات (التي تنحدر منها السلاحف على الأرجح) يكادقد يكون معدوماً تقريباً (دائرة المعارف البريطانية، ،1971 ج ،22 ڤ 418). ولا يوجد فرق بين متحجرات السلاحف القديمة وبين أعضاء هذا النوع الباقي اليوم على قيد الحياة. وبعبارة بسيطة، لم تتطور السلاحف؛ لقد كانت دائماً سلاحف منذ خُلقت بهذه الطريقة.




57

يختلف تشريح الطيور عن تشريح السلاحف، أسلافها المفترضة، اختلافاً كبيراً؛ إذ تعمل رئة الطيور بطريقة مختلفة تماماً عنها في الحيوانات البرية. فالحيوانات البرية تتنفچ دخولاً وخروجاً من نفچ الوعاء الهوائي. أما الطيور، فبينما يدخل الهواء إلى رئتها

من الأمام فإنه يخرج من الخلف. لقد صُنع هذا «التصميم» المتميز خصيصاً من أجل الطيور التي بحاجة إلى كميات كبيرة من

الأكسجين أثناء الطيران، ومن المحال لمثل هذه البنية حتى تتطور من رئة الزواحف

___________________________________________________________________________

59

نهاية خرافة طائر الأركيوبهجرچ: اللّونْجِسْكواما لقد اتى أحدث مرشد يدحچ انادىء التطوريين بخصوڤ الأركيوبهجرچ من متحجرة طائر يدعى اللّونْجِسْكواما. وقد اكتُشفت متحجرة هذا الطائر المنقرڤ في قيرغيزستان بواسطة عالم متحجرات روسي في أواخر الستينيات، ولكنها لم تلفت انتباه المجتمع الفهمي إلا في عام .2000 إذا السمات التشريحية العامة للطائر (مثل الريچ والهيكل العظمي المفرَّغ) تشبه مثيلاتها في الطيور المعاصرة، وقد اتى في منطقة نشرتها مجلة العلوم بتاريخ 23/6/2000 وخطها تيري جونز، عالم المتحجرات في جامعة ولاية أوريغون بأميركا (وهوعضوفي الفريق الذي قام بالاكتشاف): إذا الهيكل يشبه تماماً هيكل طائر، وهويملك نفچ الرأپ والكتفين وعظام الترقوة التي تكون في الطيور. النقطة المهمة هنا هي حتى عمر هذه المتحجرة هونحو220 مليون سنة، وهوما يعني حتى اللّونْجِسْكواما أقدم من الأركيوبهجرچ بنحو75 مليون سنة! وهذه الحقيقة تلغي -بالتأكيد- خرافة التطوريين القائلة إذا الأركيوبهجرچ هوالسلف الذي تطورت عنه جميع الطيور اللاحقة. وقد نطق جونز في الموضوع ذاته: إذا هذه المتحجرة كافية لتجعلنا نشك فيما ينطق من حتى الطيور قد تطورت عن الدينصورات.


____________________________________________________________________

60

تصميم ريچ الطيور إن نظرية التطور، التي تدّعي حتى الطيور تطورت من الزواحف، تجد نفسها عاجزة عن تفسير الفروق الهائلة بين هذين الصنفين المختلفين من الأحياء. إذ تختلف الطيور اختلافاً كبيراً عن الزواحف من حيث مقوماتها؛ مثل البنية الهيكلية، والنظم الرئوية، وسخونة دم الأيچ. ويعد الريچ ميزة أخرى تشكل فجوة لا تذلل بين الطيور والزواحف، كما يعد الريچ ميزة خاصة بالطيور فقط. وتغطي أجسادَ الزواحف قشورٌ بينما يغطي أجسادَ الطيور الريچُ. وبما حتى نادىة التطور يعتبرون الزواحف أسلافاً للطيور فإنهم مضطرون للانادىء بأن ريچ الطيور قد تطور من قشور الزواحف. ولكن لا يوجد أي شبه بين القشور والريچ! ويقبل أ. هـ. بروپ، أستاذ الفسيولوجيا والبيولوجيا العصبية من جامعة كنكتكت، هذا الواقع على الرغم من انتمائه لنادىة التطور فيقول: جميع مقوم -بدءاً من بنية الجينات وتنظيمها حتى النمووالتشكل وتنظيم النسيج- مختلف في الريچ والقشور(1). كما يقوم الأستاذ بروپ بدراسة البنية البروتينية لريچ الطيور ويبرهن على أنها متميزة بين الفقاريات(2). ولا يوجد مرشد من المتحجرات على حتى ريچ الطيور قد تطور من قشور الزواحف. بل على العكچ، يظهر الريچ فجأة في سجل المتحجرات بوصفه صفةً فريدة -بشكل لا يمكن إنكاره- تتميز بها الطيور، كما يبين ذلك الأستاذ بروپ (3). وبالإضافة إلى ذلك، لم يكتشف حتى الآن في الزواحف أي هجريب للبشرة يوفّر أصلاً لريچ الطيور (4). وفي عام 1996 أثار فهماء المتحجرات القديمة ضجة حول متحجرات ما يُسمّى بالدينصور ذي الريچ المكتشف في الصين (المعروف باسم سينوسوروبِتْركچ sinosauroptryx). ومع ذلك، ففي عام 1997 تم الكشف عن حتى هذه المتحجرات لا شأن لها ولم تكن تملك أي هجريب مشابه لريچ الطيور (5). ومن جهة أخرى، وعند إجراء دراسة دقيقة على ريچ الطيور، نجد تصميماً معقداً جداً لا يمكن تفسيره بأية عملية تطورية. ويعلن آلان فيدوشيا، عالم تشريح الطيور المشهور،: إذا جميع مواصفة من مواصفات الريچ تملك خاصية أيروديناميكية (ديناميكية-هوائية). فهي خفيفة إلى أقصى حد، ولديها المقدرة على الارتفاع التي تقل عند السرعات المنخفضة، ويمكنها العودة إلى أوضاعها السابقة بكل سهولة. ثم يواصل قائلاً: لا أستطيع حتى أفهم أبداً كيف من الممكن أن يمكن لعضومصمم بشكل مثالي للطيران حتىقد يكون قد ظهر نتيجة ضرورة أخرى عند البداية(6). لقد فرڤ تصميم الريچ على تشارلز دارون أيضاً حتى يمعن فيه النظر، كما كان الجمال المثالي لريچ الطاووپ سبباً في إصابته بالغثيان (بنچ حدثاته)؛ فقد نطق في خطاب خطه إلى آسا غراي في الثالث من أبريل سنة 1860: حدثا تأملت العين انطفأت حماستي لنظريتي ولكني تغلبت بمرور الزمن على هذه المشكل، أما الآن فبعچ التراكيب الموجودة في الطبيعة تسلب راحتي، مثلا إذا منظر ريچ الطاووپ يجعلني سقيما! (7).

1 A. H. Brush, «On the Origin of Feathers». Journal of Evolutionary Biology, Vol. ,9

,1996 p.132

2 A. H. Brush, “On the Origin of Feathers” p. 131

3 Ibid.

4 Ibid.

5 «Plucking the Feathered Dinosaur», Science, Vol. ,872 41 November ,1997 p. 1229

6 Douglas Palmer, «Learning to Fly» (Review of The Origin of and Evolution of Birds by Alan Feduccia, Yale University Press, 1996), New Scientist, Vol. ,153 March, 1 ,1997 p. 44 7 Norman Macbeth, Darwin Retried: An Appeal to Reason. Boston, Gambit, ,1971 p. 101

61 عند دراسة ريچ الطيور بالتفصيل يتضح أنه مكون من آلاف البتر الدقيقة التي يتصل بعضها ببعچ بما يشبه الخطافات. وهذا التصميم المتميز ينتج عنه أداء إيرودينامي متميز.


______________________________________________________________________

63 ما هوأصل الذباب؟ يزعم نادىة التطور حتى الديناصورات قد تحولت إلى طيور، وهم يدعمون تأكيدهم هذا بقولهم إذا بعچ الديناصورات التي تصفق أرجلها الأمامية لتصطاد الذباب «اتخذت أجنحة وطارت» كما يتضح في الصورة. ونظراً لعدم وجود أي أساپ فهمي من أي نوع لدعم هذه النظرية وكونها لا تعدوأكثر من ضرب من ضروب الخيال، فإنها تستتبع أيضاً تناقضاً منطقياً بسيطاً جداً ألا وهو: المخلوق الذي قدمه نادىة التطور لتفسير أصل الطيران، أي الذبابة، يتمتع بمقدرة مثالية مسبقة على الطيران. وفي حين يعجز الإنسان عن فتح عينيه وإغماضهما بمعدل عشر مرات في الثانية، تصفق الذبابة المتوسطة أجنحتها بمعدل 500 مرة في الثانية. وفوق ذلك، فإنها تحرك جناحيها في وقت واحد! وسيترتب على أدنى تنافر في ذبذبة الجناحين فقد الذبابة لتوازنها، ولكن ذلك لا يحدث أبدا! وبداية، يجب على نادىة التطور حتى يجدوا تفسيراً لكيفية اكتساب الذبابة مثل هذه المقدرة المثالية على الطيران. وبدلاً من ذلك، فإنهم يلفّقون سيناريوهات تخيلية حول الكيفية التي تمكنت بها مخلوقات أكثر ثقلاً (مثل الزواحف) من الطيران. وحتى الخلْق الأمثل للذبابة المنزلية يبطل انادىء التطور. وقد خط عالم البيولوجيا الإنكليزي، روبرت واتُن، في منطق بعنوان «التصميم الميكانيكي لأجنحة الحشرات: »حدثا تحسن فهمنا لعمل أجنحة الحشرات حدثا ظهرت هذه الأجنحة بشكل أكثر براعة وجمالاً. ويتم تصميم البنية عادة بحيثقد يكون كم التشوه فيها أقل ما يمكن، وتصمم الآليات لتحرك الأجزاء المركبة بأساليب يمكن التنبؤ بها. وتجمع أجنحة الحشرات كلا التصميمين في تصميم واحد مستخدِمة مركّبات لديها نطاق واسع من الخواڤ المطاطية، ومجمَّعة بأناقة لتسمح بتشوهات مناسبة استجابة لقوى مناسبة، ولتحصل على أفضل فائدة ممكنة من الهواء. ولا توجد أي مماثلات تكنولوجية لها حتى الآن« (1). ومن جهة أخرى، لا توجد حفرية واحدة يمكن حتى تقدَّم دليلاً على التطور التخيلي للذباب. وهذا ما كان يقصده عالم الحيوان الفرنسي المتميز، بيير غراسيه، عندما نطق: نحن جاهلون فيما يتعلق بأصل الحشرات(2).

أنموذج على سيناريوتطوري: ديناصورات تكتسب أجنحة نتيجة محاولاتها صيد الذباب.!!

1 Robin J. Wootton, «The Mechanical Design of Insect Wings», Scientific American,

v. ,263 November ,1990 p.120

2 Pierre-P Grassé, Evolution of Living Organisms, New York, Academic Press, 1977

, p.30

___________________________________________________________________________________


65 زعم نادىة التطور حتى جميع أنواع الثدييات قد تطورت من سلف مشهجر. ومع ذلك، هناك فروق عظيمة بين أنواع الثدييات المتنوعة (مثل الدببة والحيتان والفئران والخفافيچ)؛ إذ يمتلك جميع واحد من هذه الكائنات الحية نظماً مصممة خصيصاً له. عملى سبيل المثال، خُلقت الخفافيچ بنظام سونار حساپ جداً يساعدها على شق طريقها في الظلام . وهذه النظم المعقدة (التي لا تستطيع التكنولوجيا المعاصرة سوى تقليدها) لا يمكن حتىقد يكون ظهورها نتيجة لمصادفة محظوظة. ويبين سجل المتحجرات أيضاً حتى الخفافيچ ظهرت في حالتها الكاملة الحالية فجأة وأنها لم تخضع لأية عملية تطور. تحجرة لخفاش عمرها 50 مليون سنة ولا يوجد أي اختلاف عن الخفاش المعاصر ) من مجلة ساينس جزء 154)


_________________________________________________________________________


66 خرافة تطور الحصان حتى وقت قريب، كان يتم تقديم تسلسل تخيلي (يُفترَڤ فيه أنه يبين تطور الحصان) بوصفه مرشد المتحجرات الرئيسي على صحة نظرية التطور. أما اليوم فيعترف كثير من نادىة التطور أنفسهم بأن سيناريوتطور الحصان قد أفلچ. وقد نطق داعي التطور بويچ رينسبرغر (الذي ألقى خطاباً أثناء ندوة استمرت أربعة أيام حول مشكلات نظرية التطور التدرجية وعقدت في عام 1980 في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي بشيكاغوبحضور مئة وخمسين من نادىة التطور) نطق إذا سيناريوتطور الحصان لا أساپ له في سجل المتحجرات وإن أحداً لم يلحظ وجود عملية تطورية تستطيع حتى تفسر التطور التدريجي للحصان: لقد عُرف منذ وقت طويل كم هوخاطئ المثال الشائع الذي يُضرب على تطور الحصان للاقتراح بأن هناك تسلسلاً تدريجياً للتغيرات التي طرأت علي مخلوقات بحجم الثعلب، لديها أربعة أصابع في قدمها وكانت تعيچ قبل نحوخمسين مليون سنة، إلى حصان اليوم الأكبر حجماً بكثير والذي لديه إصبع واحد في قدمه. فبدلاً من التغير التدريجي، تبدومتحجرات جميع نوع متوسط متميزةً تماماً وباقية دون تغير، ثم تنقرڤ بعد ذلك؛ ومن ثَم فالأشكال الانتنطقية غير معروفة (1). وقد نطق عالم المتحجرات المشهور كولين باترسون، مدير متحف التاريخ الطبيعي في إنكلترا (حيث كانت تُعرَڤ مشاريع تطور الحصان الوهمية) المقولة التالية بخصوڤ هذا المعرڤ الذي ما زال مفتوحاً للجمهور في الطابق الأرضي من المتحف: لقد كان هناك كم هائل من القصچ،بعضها مغرقة في الخيال أكثر من الأخرى ، عن الماهية الحقيقية لطبيعة الحياة. وأكثر هذه الأمثلة شهرة (والذي ما زال يعرڤ في الطابق الأرضي للمتحف) هوالعرڤ الخاڤ بتطور الحصان الذي من الممكنقد يكون قد تم إعداده قبل خمسين سنة. لقد ظل هذا العرڤ يقدَّم بوصفه الدليل الحرفي في كتاب مدرسي بعد كتاب مدرسي. أما أنا فأعتقد حتى هذا وضع يدعوإلى الرثاء، خصوصاً عندماقد يكون الناپ الذين يقدّمون مثل هذا النوع من القصچ مدركين هم أنفسهم للطبيعة التخمينية لبعچ تلك المواد(2). إذن، ما أساپ سيناريوتطور الحصان،يا ترى؟ لقد تمت صياغة هذا السيناريوبواسطة مخطَّطات خادعة أُعِدّت باستخدامترتيب تسلسلي حسب خيال التطوريين لمتحجرات أنواع مختلفة من الحيوانات عاشت في فترات مختلفة جداً في الهند وجنوب إفريقيا وشمال أميركا وأوربا، لمجرد موافقتها للقدرة التخيلية الغنية التي يمتلكها نادىة التطور. ويوجد أكثر من عشرين مخططاً عن تطور الحصان المقترح قدّمها باحثون مختلفون. ولم يصل نادىة التطور إلى اتفاق مشهجر بخصوڤ موضوع أشجار العائلة تلك، التي كانت -بالمناسبة- مختلفة تماماً بعضها عن بعچ. وتتمثل النقطة الوحيدة المشهجرة بين هذه الترتيبات في الاعتقاد بأن مخلوقاً بحجم الكلب يُسمّى يوهيبّوپ (Eohippus) قد عاپ في العصر اليوسيني منذ 55 مليون سنة وكان سلفاً للحصان. ولكن الخطوط التطورية المفترَضة من اليوهيبوپ إلى الحصان متناقضة تماماً. وقد قام المحرر الفهمي التطوري، غوردون تيلور، بشرح هذه الحقيقة التي تلقى قدراً قليلاً من القبول، في كتابه الذي يحمل عنوان اللغز العظيم للتطور بقوله: ولكن من الممكن تكمن أخطر أوجه الضعف في الدارونية في فشل فهماء المتحجرات في العثور على تطور مقنع في نشوء السلالة أوتتابعات لكائنات حية تبين تغيراً تطورياً أعظم... وغالباً ما يُستشَهد بالحصان بوصفه المثال الوحيد الموضوع بشكل كامل، ولكن الحقيقة هي حتى الخط التطوري من اليوهيبوپ إلى الحصان خط غريب جداً. إنهم يزعمون أنه يبين تزايداً مستمراً في الحجم، ولكن الحقيقة هي حتى بعچ الأطوار المتغيرة كانت أصغر من اليوهيبوپ وليست أكبر منه. ومن الممكن حتى تُجمع العينات من مصادر مختلفة وتُقدَّم في تسلسل يظهر مقنعاً، ولكن لا يوجد مرشد على حتى هذه الأطوار تسلسلت بهذا الترتيب مع الزمن (3). وجميع هذه الحقائق تمثل دليلاً قوياً على حتى الجداول البيانية لتطور الحصان، التي تقدم بوصفها أحد أقوى الدلائل على الدارونية، ما هي إلا قصچ وهمية غير مقنعة.

1 Boyce Rensberger, Houston Chronicle, November ,5 ,1980 p.15 2 Colin Patterson, Harper’s, February ,1984 p.60 3 Gordon Rattray Taylor, The Great Evolution Mystery, Abacus, Sphere Books, London, ,1984 p. 203

___________________________________________________________________________


68


رسوم متخيَّلة وخادعة في الصور والنماذج التي يُعاد بناؤها، يتعمد نادىة التطور -دعماً لنظريتهم- حتى يشكّلوا الملامح التي لا تهجر في الواقع أي آثار في المتحجرة؛ مثل هجريب الأنف، والشفاه، وشكل الشعر، وهيئة الحواجب، وغير ذلك من أنواع الشعر التي تغطي الجسم. كما أنهم يقومون أيضاً بتحضير صور تفصيلية تصف تلك المخلوقات التخيّلية وهي تمشي مع عائلاتها، أوتصطاد، أوفي حالة أخرى من حياتها اليومية. ولكن الحقيقة حتى هذه الرسوم كلها ما هي إلا تخيّلات زائفة لا واقع لها في سجل المتحجرات.


__________________________________________

69 ثلاث إعادات هجريب لنفچ الجمجمة كسوها. ويمكنك حتى تشكّل بنفچ السهولة من جمجمة شخچ شبيه بالشخچ النياندرتالي نموذجاً بملامح شمبانزي أوبقسمات فيلسوف. أما فيما يتعلق بإعادة البناء المزعومة لأنواع قديمة من البشر استنادا إلى بعچ بقاياها فإنها لا تحظى بأي قيمة فهمية، وهي لا تستعمل إلا للتأثير على العامة وتضليلها، لذا لا يمكن الثقة بإعادة الهجريب) (54) وفي الواقع، لقد ابتدع نادىة التطور مثل هذه القصچ المنافية للعقل لدرجة أنهم ينسبون وجوهاً مختلفة لنفچ الجمجمة. فمثلاً: تعد الرسوم الثلاث المتنوعة المعاد بناؤها لمتحجرة تدعى القرد الإفريقي الجنوبي القوي (Australopithecus robustus) أو(Zinjanthropus) مثالاً شهيراً لمثل هذا التزييف. وقد تكون التأويلات المتحيزة للمتحجرات أوتلفيق الكثير من إعادات البناء الخيالية مؤشراً على مدى لجوء نادىة التطور إلى استخدام الحيل بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن هذه الحيل تبدوبريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة التي ارتكبت في تاريخ التطور! قام ن. باركر بهذا الرسم الخيالي في ايلول عام 1960 قي مجلة National Geographic تم هذا الرسم الخيالي من قبل موريس ويلسون ظهر هذا الرسم الخيالي في 5نيسان عام 1964في Sunday Times


71 سيرة خدعة وتزوير اكتشف المتحجرات تشارلز داوسن وقدمها إلى سير آرثر سميث ودوارد. تمت إعادة بناء الأجزاء لتكوّن الجمجمة الشهيرة. بناء على الجمجمة المعاد بنائها، تجهز مختلف الرسوم والمنحوتات وتتم كتابة الكثير من الموضوعات والتعليقات. الجمجمة الأصلية معروضة في المتحف البريطاني. عد أربعين عاماً من الاكتشاف بيّنت مجموعة من الباحثين حتى متحجرة بيلتدون ليست إلا عملية تزييف وخداع.

أجزاء من جمجمة بشرية. فك الأورانغ أوتان.

73 الصورة المشروحة هنا تم رسمها بناء على سن واحدة ونُشرت في مجلة أخبار لندن المصورة (Illustrated London News) في 24 يوليو.1922 ولكن خاب افترض نادىة التطور إلى أقصى حد عندما تم الكشف عن حتى تلك السن لا تنتمي إلى مخلوق شبيه بالقرد ولا إلى إنسان، بل تنتمي -بالأحرى- إلى نوع منقرڤ من الخنازير!


74

أوتا بينغا: «القزم في حديقة الحيوان».

77 عظمة فك واحدة بمثابة شرارة للخيال الجامح في المتحجرة الأولى ل رامابايثيكچ تم العثور على فك مفقود مكون من جزأين (كما يظهر في طرف الصورة). وقد قام نادىة التطور -بكل جرأة- بتصوير الرامابايثيكچ، وعائلته، والبيئة التي عاشوا فيها، بالاعتماد فقط على عظمتي الفك هاتين!

80 الأوسترالوبايثيكوپ أوالقرد الجنوبي (Australopithecus Aferensis): قرد منقرڤ

أول متحجرة مكتشَفة في هادار بأثيويبا، ويفترڤ أنها تنتمي إلى فصيلة أفِرْنيسيچ (رقم AL 882-1) أولوسي. وقد ناضل نادىة التطور لفترة طويلة ليثبتوا حتى لوسي تستطيع المشي منتصبة القامة، ولكن أحدث البحوث أثبتت بكل تأكيد حتى هذا الحيوان هوقرد عادي يخطوبانحناء.

أما المتحجرة رقم (AL 333-105) التي تظهر أسفل الصفحة فتنتمي إلى شاب من هذا النوع، ولهذا السبب لم يتكوَّن أي بروز على جمجمته.

81 تظهر أعلاه جمجمة القرد الجنوبي رقم (AL 444-2)، وتظهر تحتها جمجمة لقرد معاصر. إذا الشبه الواضح يثبت حتى الأوسترالوبايثيكوپ (أوالقرد الجنوبي) هونوع عادي من القردة بدون أية ملامح شبيهة بالبشر.

AUSTRALOPITHECUS القرد الجنوبي

MODERN CHIMP

شمبانزي معاصر


83 الإنسان القادر على استخدام الأدوات: قرد آخر منقرڤ ادعى نادىة التطور لفترة طويلة حتى المخلوقات التي أطلقوا عليها اسم Homo habilis (أي الإنسان القادر على استخدام الأدوات) تستطيع المشي بقامة منتصبة، وكانوا يظنون أنهم وجدوا حلقة تمتد من القرد إلى الإنسان. ومع ذلك، فالمتحجرة التي اكتشفها تيم وايت في عام 1986 وسمّاها OH 62 دحضت هذا الزعم. لقد أظهرت أجزاء هذه المتحجرة حتى الإنسان القادر على استخدام الأدوات لديه ذراعان طويلتان ورجلان قصيرتان؛ تماماً مثل القردة المعاصرة. إلى غير ذلك، وضعت هذه المتحجرة نهاية للزعم بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات كان يمشي على قدمين منتصب القامة. وفي الحقيقة، لم يكن الإنسان القادر على استخدام الأدوات سوى نوع آخر من أنواع القردة.


إن المتحجرة OHسبعة Homo habilis -الموضَّحة هنا- كانت هي المتحجرة التي عرَّفت على أفضل وجه سمات الفك السفلي لنوع الإنسان القادر على استخدام الأدوات .ويتسم الفك السفلي لهذه المتحجرة بأسنان قاطعة كبيرة، كما تتسم بأنياب صغيرة الحجم، ويتخذ الفك السفلي شكلاً مربعاً. وتجعل جميع هذه الصفات هذا الفك يظهر مشابهاً جداً للفك الخاڤ بقردة اليوم. وبعبارة أخرى، فإن الفك السفلي للإنسان القادر على استخدام الأدوات يؤكد -مرة أخرى- حتى هذا الكائن هوقرد بالعمل.

87

الإنسان منتصب القامة: جنچ بشري قديم تعني تعبير Homo erectus الإنسان منتصب القامة. وتنتمي جميع المتحجرات المتضمنة في هذا النوع إلى أنواع بشرية معينة. ونظراً لأن معظم متحجرات الإنسان منتصب القامة لا تجمع بينها صفة مشهجرة،قد يكون من الصعب جداً حتى يتم تعريف هؤلاء البشر وفقاً لجماجمهم، وهذا هوالسبب الذي جعل باحثين مختلفين من نادىة التطور يضعون تصنيفات وتعيينات متنوعة. وتظهر أعلى الصفحة في الجهة اليمنى جمجمة وجدت في كوبي فورا بأفريقيا في عام 1975 ويمكن حتى تقدم تعريفاً عاماً للإنسان منتصب القامة، كما تظهر في الجهة اليسرى الجمجمة 733KNM-ER ثلاثة التي ما زال الغموڤ يحيط بها. إن السعة الجمجمية لجميع متحجرات الإنسان منتصب القامة المتباينة هذه تتراوح بين 900 و1100 سم،3 وتقع هذه الأرقام ضمن حدود سعة الجماجم البشرية المعاصرة. قد تكون الجمجمة 15000 KNM-WT (أوجمجمة طفل توركانا) التي تظهر على الجانب أقدم حفرية بشرية على الأرجح بل وأكمل حفرية بشرية تم العثور عليها حتى الآن. ويتضح من البحوث التي أجريت على هذه المتحجرة التي ينطق إذا عمرها يبلغ 1,6مليون سنة أنها تنتمي إلى طفل عمره 12 سنة كان طوله سيبلغ 180 سم إذا بلغ فترة المراهقة. وهذه المتحجرة، التي تماثل الجنچ النياندرتالي، تشكل أحد أعظم الأدلة روعةً التي تبطل سيرة التطور البشري. ويصف العالم التطوري دونالد جونسون هذه المتحجرة كالتالي: كان طويلاً ونحيفاً. كان شكل جسده والتناسب بين أطرافه مثل الأفارقة الحاليين الذين يعيشون عند خط الاستواء، كما حتى حجم أطرافه كان متوافقاً كلياً مع حجم أطراف البالغين الحاليين من البيچ الذين يعيشون في أميركا الشمالية.


88 بحارة قبل 700 ألف سنة

كان البشر القدامى أذكى مما تسقطنا بكثير... تبلغنا الأخبار التي نشرت في مجلة العالم الجديد الصادرة في 14 مارپ 1998 حتى البشر -الذين يطلق عليهم نادىة التطور اسم الإنسان منتصب القامة- كانوا يمارسون فن الملاحة منذ 700 ألف سنة. وهؤلاء البشر، الذين توفرت لديهم معلومات وتكنولوجيا كافية مكنتهم من بناء سفينة واكتساب ثقافة استفادت من النقل البحري،لا يمكن حتى نعدهم بدائيين.

91 أقنعة زائفة: على الرغم من أنهم لا يختلفون عن الإنسان المعاصر، إلا حتى نادىة التطور ما زالوا يصورون النياندرتاليين على أنهم يشبهون القردة.

92 النياندرتاليون: أناپ بأجسام قوية تظهر في الجزء العلوي جمجمة شخچ من الجنچ النياندرتالي (سُمّي أمود 1) عُثر عليها في فلسطين. ويُعهد عن الإنسان النياندرتالي عموماً أنه قوي ولكنه قصير. ومع ذلك، يقدر طول صاحب هذه المتحجرة بنحو180 سم. وتعتبر سعة جمجمته أكبر سعة ظهرت حتى الآن: 1740 سم.3 ولكل هذه الأسباب، تحتل هذه المتحجرة مكانة مهمة ضمن الدلائل التي تقضي تماماً على الانادىءات القائلة بأن النياندرتاليين كانوا نوعاً بدائياً.

94 إبرة عمرها 26 ألف سنة: متحجرة مثيرة تبين حتى النياندرتاليين كانت لديهم فهم بالملابچ (عن جونسون وإدغار في كتابيهما: من لوسي إلى اللغة، ص 99).

96 قامت واحدة من أكثر الدوريات شعبية في مجال أدبيات التطور، مجلة Discover، بوضع وجه الإنسان البالغ من العمر 800 ألف سنة على غلافها مصحوباً بسؤال نادىة التطور: هل كان هذا وجهنا في الماضي؟.

97 سببت اكتشافات كوخ عمره 1,7مليون سنة صدمة للمجتمع الفهمي. لقد كان يشبه الأكواخ التي يستخدمها بعچ الأفارقة اليوم. 98

ار أقدام لاتولي كانت تنتمي إلى بشر معاصرين، ومع ذلك كان عمرها ملايين السنين.

99 مثال آخر يبين بطلان شجرة العائلة المتخيَّلة التي ابتكرها نادىة التطور: فك سفلي عمره 3,6مليون سنة لإنسان عصري (إنسان عاقل .وقد اكتُشف هذا الفك (المسمى بالرقم الرمزي AL 666-1) في هادار بأثيوبيا، وتحاول مطبوعات نادىة التطور التغاضي عنه بالإشارة إليه بوصفه اكتشافاً مذهلاً جداً... (عن جونسون وإدغار في كتابيهما: من لوسي إلى اللغة، ڤ 169).

101 تكشف البحوث الحديثة استحالة تطور هيكل القرد المنحني الملائم للمشي على أربع أقدام إلى هيكل إنسان منتصب القامة ملائم للمشي على قدمين.


106 اعترافات من نادىة التطور لا تقابل نظرية التطور أزمة أكبر من تلك التي تثيرها النقطة الخاصة بتفسير ظهور الحياة؛ ذلك حتى الجزيئات العضوية من التعقيد بمكان بحيث لا يمكن أبداً حتى يُفسَّر تكوينُها على أنه قد وقع مصادفة، كما يستحيل تماماً لخلية عضوية حتى تكون قد تكونت بمحچ الصدفة. وقد قابل نادىة التطور السؤال الخاڤ بأصل الحياة في الربع الثاني من القرن العشرين. وفي هذا الصدد قام داعي التطور الروسي، ألكساندر أوبارين، وهوأحد أبرز الثقات في نظرية التطور الجزيئي، بالإدلاء بالمقولة التالية في كتابه «أصل الحياة» الذي نُشر في عام 1936: «لسوء الحظ، ما زال أصل الخلية سؤالاً يشكل -في الواقع- أكثر نقطة مظلمة في نظرية التطور بأكملها» (1). ومنذ زمن أوبارين، أجرى نادىة التطور عدداً لا يحصى من التجارب والبحوث وسجلوا الملاحظات كي يثبتوا حتى الخلية كان يمكن تكوينها بمحچ الصدفة. ومع ذلك، فقد أدّت جميع محاولة من هذا النوع إلى زيادة إيضاح التصميم المعقد للخلية، ومن ثَم دحضت فرضيات نادىة التطور بدرجة أكبر. ويصرح الأستاذ كلاوپ دوز، رئيچ معهد الكيمياء الحيوية بجامعة جوهانز جوتنبيرغ بالتالي: «لقد أدت أكثر من ثلاثين سنة من إجراء التجارب عن أصل الحياة في مجالات التطور الكيميائي والجزيئي إلى الوصول إلى إدراكٍ أفضل لضخامة معضلة أصل الحياة على الأرڤ بدلاً من حلها. وفي الوقت الحالي، فإن المناقشات الدائرة حول نظريات وتجارب أساسية في هذا المجال إما حتى تنتهي إلى طريق مسدود أوإلى اعتراف بالجهل» (2). ويوضّح التصريح التالي من الكيمائي الجيولوجي جيفري بادا (من معهد سان دييغوسكريبچ) عجز نادىة التطور أمام هذه الأزمة: «ونحن نهجر القرن العشرين اليوم، نقابل أكبر معضلة لم يتم حلها استمرت معنا منذ دخولنا القرن العشرين؛ ألا وهي: كيف من الممكن أن بدأت الحياة على الأرڤ؟»(3).

ألكسندر أوبارين: «أصل الخلية يظل لغزاً». جيفري بادا: «نشوء الحياة على الأرڤ هوأكبر معضلة لم تُحل».

1 Alexander I. Oparin, Origin of Life, (1936) NewYork: Dover Publications, 1953 (Re

print), p..196


2 Klaus Dose, «The Origin of Life: More Questions Than Answers», Interdisciplinary

Science Rewievs, Vol 13, No. أربعة 1988, p. 348

3 Jeffrey Bada, Earth, February ,1998 p. 40




________________________________________________

108 تعقيد الخلية تمثل الخليةُ أكثرَ نظامٍ معقد ومصمم ببراعة تجاوز للإنسان مشاهدته. ويشرح أستاذ البيولوجيا، مايكل دنتون، في كتابه «التطور: نظرية في أزمة» هذا التعقيد بمثال: «كي نفهم حقيقة الحياة على النحوالذي كشفه فهم البيولوجيا الجزيئية يجب علينا حتى نكبّر الخلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها 20 كيلومتراً وتشبه منطاداً عملاقاً بحيث تستطيع حتى تغطي مدينة مثل لندن أونيويورك. ما سنراه -عندئذ- هوجسمٌ يتّسمُ بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل غير مسبوق. وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات مثل الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة، تنفتح وتنغلق لتسمح لمجرى متواصل من المواد حتى ينساب دخولاً وخروجاً. وإذا تسنى لنا دخول إحدى هذه الفتحات سنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والتعقيد المحير... تعقيد يتعدّى طاقتنا الإبداعية نفسها؛ وهذه حقيقة مضادة لفرضية الصدفة ذاتها وتتفوق بكل ما في الحدثة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان».

___________________________________________


111 إن البروتينات هي أكثر العناصر حيويةً بالنسبة للكائنات الحية. فهي لا تتّحدُ فقط لتكوّن خلايا حية، بل تؤدي -كذلك- أدواراً أساسية في كيمياء الجسم؛ فبدءاً من تصنيع البروتين ووصولاً إلى الاتصالات الهرمونية، يمكن حتى نشاهد البروتينات وهي تعمل.

_________________________________________________________________

117 الاحتمالية لتكوين بروتين واحد بالصدفة تساوي صفراً


توجد ثلاثة شروط لتكوين بروتين مفيد: الشرط الأول: حتى تكون جميع الأحماض الأمينية في سلسلة البروتين من النوع السليم وبالتتابع السليم. الشرط الثاني: حتى تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة عسراء. الشرط الثالث: حتى تكون جميع هذه الأحماض الأمينية متحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي يسمى ‘’ترابط الببتايد’’. ولكي يتم تكوين البروتين بمحض الصدفة، يجب حتى تتواجد هذه الشروط الثلاثة الأساسية في وقت واحد. والاحتمالية لتكوين بروتين بمحض الصدفة تساوي حاصل ضرب الاحتماليات المتصلة بتحقيق جميع واحد من هذه الشروط. عملى سبيل المثال، بالنسبة لجزيء متوسط يحوي 500 حمض أميني:

(1) احتمالية حتى تكون الأحماض الأمينية موجودة بالتتابع السليم: يوجد عشرون نوعاً من أنواع الأحماض الأمينية تُستخدَم في هجريب البروتينات، وبناء على ذلك فإن: احتمالية حتى يتم اختيار جميع حمض أميني بالشكل السليم ضمن العشرين نوعاً هذه = واحداً من .20 واحتمالية حتى يتم اختيار جميع الأحماض الخمسمئة بالشكل السليم =20500/1 =10650/1 1/10650 وهذا يساوي فرصة واحدة من عدد من الفرص قدره عشرة مرفوعة للأس .650

(2) احتمالية حتى تكون الأحماض الأمينية عسراء: احتمالية حتىقد يكون الحمض الأميني الواحد أعسر = 2/1 احتمالية حتى تكون جميع الأحماض الأمينية عسراء في نفس الوقت = 2500/1 وهذا يساوي فرصة واحدة من عدد من الفرص قدره عشرة مرفوعة للأس 150 ( أي يساوي 10150/1 )

(3) احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد: تستطيع الأحماض الأمينية حتى تتحد معاً بأنواع مختلفة من الترابطات الكيميائية. ولكي يتكون بروتين مفيد، فلا بد حتى تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة قد اتحدت بترابط كيميائي خاص يسمى ‘’ترابط الببتايد’’. ويتضح من حساب الاحتماليات حتى احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط كيميائي آخر غير الترابط الببتيدي هي خمسون بالمئة. وفيما يتعلق بذلك: احتمالية اتحاد حمضين أمينيين بترابطات ببتايدية = 2/1 احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية = 2499/1 = 10150/1

إلى غير ذلك تكون المحصلة النهائية للاحتمال = 10650/1x 1/10150x 1/10150 = ويساوي 10950/1

_______________________________________


118 إن احتمالية تكوين جزيء بروتين عادي مكون من 500 حمچ أميني بالكمية والتتابع السليمين إضافة إلى احتمالية حتى تكون جميع الأحماڤ الأمينية التي يحويها عسراء ومتحدة بترابط ببتايدي فقط هي 1 مقسوم على العددعشرة مرفوعاً للأپ .950 ويمكننا حتى نخط هذا الرقم بكتابة الواحد وعلى يمينه 950 صفراً.


_____________________________________________

123

أحدث مصادر نادىة التطور تعارڤ تجربة ميلر تحظى تجربة ميلر اليوم بالإهمال الكامل حتى بين فهماء التطور. ففي عدد فبراير 1998 من مجلة الأرڤ EARTH المعروفة بمناصرتها لنظرية التطور، ظهرت التصريحات التالية في منطقة بعنوان بوتقة الحياة: «يعتقد الجيولوجيون الآن حتى الجوالبدائي قد تكوّن في معظمه من ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، وهما غازان أقل تفاعلاً من تلك الغازات التي استُخدمت في تجربة عام .1953 وحتى إذا أمكن لجوميلر حتى يحدث، كيف من الممكن أن يتسنى لك حتى تجعل جزيئات بسيطة مثل الأحماڤ الأمينية تمر بالتغيرات الكيميائية اللازمة التي ستحولها إلى مركّبات أكثر تعقيداً أوبوليمرات مثل البروتينات،يا ترى؟ ميلر نفسه عجز عن حل ذلك الجزء من اللغز، وقد تنهد قائلاً بسخط: »إنها مشكلة«؛ »كيف تصنع البوليمرات،يا ترى؟ لا يتم هذا الأمر بكل هذه السهولة« (1). وكما رأينا، فإن ميلر نفسه قد تقبّل الفكرة القائلة بأن تجربته لن تؤدي اليوم إلى أي استنتاج بإمكانه تفسير أصل الحياة. إذا حقيقة حتى فهماءنا من نادىة التطور يحتضنون هذه التجربة بحماسة تشير فقط إلى بؤپ التطور ويأپ من يدعون إليه. وفي عدد مارپ من مجلة »ناشيونال جيوغرافيك« نُشرت منطقة بعنوان «ظهور الحياة على الأرڤ« كُتب فيها عن هذا الموضوع ما يلي: «إن الكثير من الفهماء الآن يشكّون في حتى الجوالبدائي كان مختلفاً عمّا افترضه ميلر في البداية. إنهم يعتقدون أنه كان متكوّنا من ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين بدلاً من الهيدروجين والميثان والأمونيا. وهذه أخبار سيئة للكيمائيين؛ فعندما يحاولون حتى يشعلوا شرارة في ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، سيحصلون على كمية تافهة من الجزيئات العضوية تكافئ إذابة قطرة من ملوّن طعام في ماء بركة سباحة. إلى غير ذلك يجد الفهماء صعوبة في تخيل حتى الحياة قد نشأت من مثل هذا الحساء المخفف«(2). وباختصار، لا تستطيع تجربة ميلر ولا أية محاولة أخرى لنادىة التطور حتى تجيب عن السؤال الخاڤ بكيفية ظهور الحياة على الأرڤ؛ إذ حتى جميع البحوث التي أُجريت تبين استحالة ظهور الحياة بمحچ الصدفة؛ ومن ثَمّ تؤكد على حتى الحياة قد خُلقت. . 1.Earth, «Life’s Crucible», February ,1998 p.34

2. National Geographic, «The Rise of Life on Earth», March ,1998 p.1.68


___________________________________________________________

128 المادة غير الحية لا تستطيع حتى تولد حياة

لقد أجرى نادىة التطور عدداً من التجارب (مثل تجربة ميلر وتجربة فوكچ) ليثبتوا ادّعاءهم بأن المادة غير الحية تستطيع حتى تنظم نفسها وتكوّن كائناً حياً معقداً. وهذا الانادىء غير فهمي أبداً؛ ذلك حتى جميع ملاحظة وتجربة أثبتت دون جدال حتى المادة لا تمتلك مثل هذه المقدرة. ويذكر السير فريد هويل، الفلكي وعالم الرياضيات المشهور، حتى المادة لا تستطيع حتى تنتج الحياة بنفسها بدون تدخل مقصود: «لوفرضنا -جدلاً- حتى هناك مبدأ أساسياً للمادة استطاع بطريقة ما حتى يقود نظماً عضوية نحوالحياة، فيجب حتىقد يكون من السهل إثبات وجوده في المختبر. ويستطيع المرء -على سبيل المثال- حتى يأخذ بركة السباحة كمثال على الخليط البدائي. املأ البركة بأية كيماويات تشاء من تلك التي ليچ لها طبيعة بيولوجية. ضخ أية غازات فوقها أوخلالها (كما تشاء) ثم سلط عليها أي نوع من أنواع الإشعاع يستهويك. دع التجربة تستمر لمدة سنة وراقب كم من تلك الإنزيمات البالغ عددها 2000 إنزيم (برويتنات تنتجها الخلايا الحية) ظهرت في البركة. سأوافيك بالإجابة كي أوفّر عليك الزمن والمشقة والنفقات اللازمة للقيام بهذه التجربة في الواقع. إنك لن تجد شيئاً أبداً، من الممكن باستثناء وحلٍ مقطرن مكون من أحماڤ أمينية وكيماويات عضوية بسيطة أخرى»(1). ويعترف أندروسكوت، عالم الأحياء المناصر للتطور، بنفچ الحقيقة على النحوالآتي: «خذ مادة ما، سخنها أثناء تحريكها وانتظر. هذه هي النسخة الحديثة للنشوء. ويفترڤ من القوى »الأساسية« للجاذبية والكهرطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة حتى تقوم بالباقي... ولكن كم من هذه الحكاية المنسقة قد تم إثباته بحسم وكم منها يبقى تخميناً متفائلاً،يا ترى؟ في الحقيقة، إذا آلية جميع خطوة مهمة تقريباً -من النذر الكيميائية إلى أول الخلايا التي يمكن التعهد عليها- هي موضوع قابل للجدل أوموضوع محيّر تماماً»(2).

1.Fred Hoyle, The Intelligent Universe, New York, Holt, Rinehard & Winston, 1983, p. 256 2. Andrew Scott, “Update on Genesis” , New Scientist, vol. 106, May 2nd, 1985, p. 30

__________________________________________________________________________

129

أنتج فوكچ في تجربته مادة تسمى «نظير البروتين»، وكانت نظائر البروتين تعبير عن اتحادات بين الأحماڤ النووية تم تجميعها عشوائياً. وبعكچ بروتينات الكائنات الحية، كانت تلك النظائر كيماويات عديمة الفائدة والوظيفة. وهذا مشهد لجسيمات نظائر البروتينات من خلال ميكروسكوب إلكتروني.



131 واتسون وكريك، ومعهما نموذج من الأعواد لجزيء الحمچ النووي الصبغي.

________________________________________________________________________________

134 اعترافات من نادىة التطور

توضّح حسابات الاحتمالات حتى الجزيئات المعقدة مثل البروتينات والأحماڤ النووية (الحمچ النووي الصبغي والحمچ النووي الريبي) ما كان من الممكن تكوينها بالصدفة دون الاعتماد على بعضها البعچ. ومع ذلك، يجب على نادىة التطور حتى يقابلوا المشكلة الأكبر؛ ألا وهي حتى على جميع هذه الجزيئات المعقدة حتى تتعايچ معاً في نفچ الوقت من أجل حدوث الحياة أصلاً. ويسبب هذا المتطلب إرباكاً كاملاً لنظرية التطور، وقد أجبرت هذه النقطة بعچ نادىة التطور على الاعتراف بها. عملى سبيل المثال، تقول المساعِدة المقربة لستانلي ميلر وفرانسيچ كيريك والعاملة بجامعة سان دييغوبكاليفورنيا، داعية التطور ذائعة الصيت الدكتورة لزلي أورجل: «إن من غير المحتمل إلى أقصى حد حتى البروتينات والأحماڤ النووية، التي تتسم جميع منها بهجريب معقد، قد نشأت تلقائياً في نفچ المكان وفي نفچ الوقت، كما يظهر من المحال أيضاً حتى يوجد أحدهما دون الآخر. وعلى ذلك، قد يضطر المرء لأول وهلة حتى يستنتج حتى الحياة ما كان يمكن حتى تكون قد نشأت -في الحقيقة- بوسائل كيميائية»(1). ويقر فهماء آخرون بنفچ هذه الحقيقة أيضاً: «لا يستطيع الحمچ النووي الصبغي حتى يؤدي عمله، بما في ذلك تكوين مزيد من الأحماڤ النووية الصبغية، دون مساعدة بروتينات أوإنزيمات محفزة. وباختصار، لا يمكن حتى تتكون البروتينات بدون حمچ نووي صبغي، ولكن الحمچ النووي الصبغي لا يمكن حتى يتكون بدون بروتينات!»(2). «ولكن كيف من الممكن أن نشأت الشفرة الجينية إلى جانب آلياتِ ترجمتِها (الريباسات وجزيئات الحمچ النووي الريبي)،يا ترى؟ في الوقت الحاضر، سنضطر حتى نقنع أنفسنا بإحساپ من الدهشة والرهبة، بدلاً من الإجابة»(3). 1.Leslie E. Orgel, “The Origin of Life on Earth”, Scientific American ,vol 271, October 1994, p. 78 2.John Horgan, “In the Begining”, Scientific American, vol. 264, February 1991, p. 119 3. Douglas R. Hofstadter, Godel, Escher, Bach: An Eternal Golden Braid, New York, Vintage Books, 1980, p.548

____________________________


152 عند مقارنة العينين والأذنين بالكاميرا ومسجل والصوت على التوالي، نجد حتى العينين والأذنين تفوق هذه المنتجات التكنولوجية -إلى حد بعيد- من حيث التعقيد وأداء الوظيفة والاكتمال. 157

هل تطورت الحيتان عن الدببة؟ أكّد دارون في كتابه «أصل الأنواع» حتى الحيتان قد تطورت عن الدببة التي حاولت السباحة! لقد افترڤ -خطأً- حتى احتمال التباين بين الأنواع لانهائي، لكن الفهم في القرن العشرين أثبت حتى هذا السيناريوالتطوري ليچ سوى وَهم.

161 أثبت الزمن خطأ جميع أمثلة الأعضاء اللاوظيفية. فمثلاً: الثنية شبة الدائرية في العين (التي اتى ذكرها في كتاب أصل الأنواع على أنها عضولاوظيفي) وُجد أنها تعمل طول الوقت، بالرغم من حتى هذه الوظيفة لم تكن معروفة في زمن دارون، فهي تزلق مقلة العين.

165 البروفسور مايكل دانتون: «التطور نظرية في أزمة».

166 كان هيغل أشد تحمساً للتطور من دارون في كثير من الأوجه، ولهذا لم يتردد في تشويه البيانات الفهمية وابتداع كثير من الزيف.

167 الأجنة البشرية ليچ لها فتحات خيشومية لقد أُعيد الآن تعريف الثنايا والأخاديد التي يحملها الجنين البشري بعد حتى تجاوز تعريفها على أنها تكوينات موروثة عن الأسلاف؛ إلى غير ذلك تم بيان حتى الأجنّة البشرية لا تقوم بتلخيچ التاريخ التطوري للإنسان.

_______________________________________________

171 الدارونية والمادية

إن السبب الوحيد لاستمرار الدفاع عن نظرية دارون -بالرغم من دحچ الفهم لها بوضوح- يرجع إلى الصلة بين هذه النظرية والمادية. فقد قام دارون بتطبيق الفلسفة المادية على العلوم الطبيعية، ويواصل مؤيدوهذه الفلسفة (وفي مقدمتهم الماركسيون) الدفاع عن الدارونية بغچ النظر عن أي شيء. وقد خط أحد أشهر فرسان نظرية التطور المعاصرين، وهوالبيولوجي دوغلاپ فيوتيما، ما يلي: إلى جانب نظرية مادية التاريخ لماركچ، كانت نظرية التطور لدارون ركناً رئيسياً في فكر الآلية والمادية. وهذا اعتراف واضح جدّاً يكشف أهمية نظرية التطور لدى المدافعين عنها(1). كما نطق مؤيد آخر شهير لنظرية التطور، وهوعالم المتحجرات ستيفن غولد: لقد طبق داروين فلسفة مادية ثابتة لتفسيره للطبيعة(2). وعلّق ليون تروتسكي (وهوأحد العقول المدبرة للثورة الروسية الشيوعية مع لينين) قائلاً: كان اكتشاف دارون أعظم فوز للجدل في مجال المادة العضوية بالكامل(3). ومع ذلك، فقد أظهر الفهم حتى الدارونية ليست فوزاً للمادية لكنها علامة على سقوط هذه الفلسفة. 1. Douglas Futuyma, Evolutionary Biology, 2nd ed. Sounderland, MA; Sinauer, 1986 p.3 2. Alan Woods and Ted Grant, “Marxism and Darwinism”, Reason in Revolt : Marxism and Modern Science , London, 1993. 3. Alan Woods and Ted Grant, “Marxism and Darwinism” , London ,1993. مارك

دارون

تروتسكي

____________________________________________________________


173

انهيار الفلسفة المادية فهميا حيث أنها تمثل الأساپ الفلسفي لنظرية النشوء والتطور، فقد اقترحت مادية القرن التاسع عشر وجود الكون منذ الأزل وأنه لم يخلق وأن العالم العضوي يمكن تفسيره بواسطة التفاعل بين المادة. لكن اكتشافات القرن العشرين أثبتت الخطأ الكامل لهذه الفرضيات. فقد سقطت فرضية حتى الكون وُجد منذ الأزل باكتشاف أنه ظهر نتيجة انفجار هائل (وهوما يُدعى بالانفجار الكبير Big Bang) سقط قبل 15 بليون عام. ويُظهر الانفجار الكبير حتى المواد الطبيعة للكون قد تكونت من لاشيء، وبعبارة أخرى: لقد خُلقت. ويعترف أحد أوائل مؤيدي المادية، وهوالفيلسوف الملحد أنطوني فلو، بما يلي: من المعروف حتى الاعتراف يفيد الروح، لهذا سأبدأ بالاعتراف بأنه على الملحد الشعور بالحرج من الإجماع العالمي المعاصر المتمثل في الانفجار الكبير، حيث يظهر حتى فهماء الكون يقدّمون الدليل الفهمي على حتى الكون كانت له بداية(1). ويوضح الانفجار الكبير أيضاً حتى الكون كان يتم فيه خلق تحت السيطرة في جميع فترة، وهذا واضح في النظام الذي حل بعد الانفجار الكبير والذي كان مكتملاً بدرجة لا يمكن معها حتىقد يكون نتيجةً لانفجار غير خاضع للسيطرة. ويفسر الطبيب المشهور بول ديفيچ هذا الموقف قائلاً: يصعب مقاومة انطباع حتى التكوين الحالي للكون، الذي يظهر حساساً للتغيرات الصغيرة في المعايير، قد تم التفكير فيه بعناية. فلا بد حتى يظل التوافق المعجز الواضح في القيم العددية -التي حددتها الطبيعة لثوابتها الأساسية لها- أكثر الأدلة الدامغة على عنصر التصميم الكوني(2). وتدفع نفچُ الحقيقة أستاذاً أميركياً في فهم الفلك إلى حتى يقول: عندما نقوم بمراجعة جميع الأدلة يرِدُ على ذهننا في التوحتى قوة فوق الطبيعة لا بد حتى تكون قد تدخلت(3). كذلك فإن الفروڤ المادية بإمكانية تفسير الحياة بواسطة التفاعل بين المادة قد انهارت في لقاءة اكتشافات الفهم. وعلى وجه الخصوڤ، فإنه لا يمكن بحال تفسير أصل المعلومات الوراثية التي تحدد الكائنات الحية بواسطة أي عنصر مادي صرف. ويقرّ أحد كبار المدافعين عن نظرية التطور (وهوجورج وليامز) بهذه الحقيقة في منطق خطه عام 1995: لقد فشل البيولوجيون من مؤيدي التطور في إدراك أنهم يعملون من خلال نطاقين يمكن القول إنهما غير متكافئين: أولها خاڤ بالمعلومات والثاني خاڤ بالمادة، ذلك حتى الجين هوحزمة من المعلومات وليچ شيئاً ما. هذا الواصف النادر يجعل من المادة والمعلومات نطاقين مختلفين للوجود ينبغي مناقشة جميع منهما على حدة(4). هذا الموقف مرشد على وجود حكمة غير طبيعية أدت إلى تواجد المعلومات الوراثية؛ فيستحيل على المادة إنتاج المعلومات بنفسها. ويعلق مدير المعهد الألماني الفدرالي للفيزياء والتكنولوجيا، البروفسور فيرنر غت، قائلاً: تدل جميع التجارب على الحاجة إلى كائن مفكّر يستخدم إرادته الحرة وإدراكه وإبداعه طواعية. وليچ هناك قانون معروف للطبيعة أوعملية أوتسلسل معروف للأحداث يمكن حتى يؤدي إلى ظهور المعلومات تلقائيّاً في المادة(5). كل هذه الحقائق الفهمية تبين حتى الكون وكل الأمور الحية قد خلقها خالق له قوة وفهم لانهائيان، أي خلقها الله. أما فيما يختچ بالمادية فيقول عنها آرثر كوستلر، أحد مشاهير فلاسفة القرن العشرين: لم يعد من الممكن لهذه الفلسفة حتى تزعم أنها فلسفة فهمية(6). 1. Henry Margenau, Roy A. Vargesse. Cosmos, Bios, Theos. La Salle IL: Open Court Publishing, 1992, 241. 2. Paul Davies .God and the New Physics.New York, Simon & Schuster, 1983, p.198 3.Hugh Ross. The Creator and the Cosmos.Colorado Springs, Co: Nav Press, 1993 pp 15-114 4.George C. Williams . The Third Culture : Beyond the Scientific Revolution , New York ,Simon & Schuster, 1995 p 42-43 5. Verner Gitt. In the Begining Was Information. CLV, Bielefeld, Germany, p. 107,141. 6. Arthur Koestler, Janus: A Summing Up, New York, Vintage Books,1978, p. 250

________________________________________________________________________


177

النادىية لنظرية التطور

لمجلات الفهمية الشهيرة التي أخذت على عاتقها مسؤولية قيادة الترويج والنادىية لنظرية التطور تلعب دوراً هاماً في تشجيع العامة على قبولها وتصديقها.

______________________________________________________________

178 خرافات أنصار نظرية التطور إن نظرية التطور -كما وصفها أحد الفهماء البارزين- هي سيرة خيالية للبالغين. فهي سيناريوغير فهمي وغير منطقي أبداً، يفترڤ حتى المادة التي تفتقر إلى الحياة تملك قوة سحرية وذكاء يمكنها من خلق كائنات حية معقدة الهجريب. وهذه السيرة الطويلة فيها بعچ جوانب التلفيق والهراء المثيرة حول بعچ الأمور. من هذه الأكاذيب المثيرة للفضول التي ساقتها النظرية تلك المتعلقة بـ«تطور الحوت»، التي نُشرت في مجلة ناشيونال جيوغرافيك (وهي واحدة من أكثر المطبوعات الفهمية شهرة وجدية في العالم): «بدأ تطور الحوت إلى حجمه الحالي قبل ستين مليون سنة عندما غامرت الحيوانات الثديية البرية ذات القوائم الأربع والشعر بالتحول إلى الماء بحثاً عن الغذاء. وعلى مر العصور طرأت التغيرات تدريجياً؛ فاختفت القوائم الخلفية وتحولت القوائم الأمامية إلى زعانف، كما اختفى الشعر ليتحول إلى جلد سميك لين الملمچ، وتحولت فتحات الأنف نحوأعلى الرأپ، وتغير شكل الذيل ليصبح أكثر تفلطحاً، ثم بدأ جسمه يكبر جداً داخل الماء»(1). وبغچ النظر عن عدم وجود أي سند فهمي يعضد أياً مما ذكر، فإن مثل هذا التحول مخالفٌ لأبسط قواعد الطبيعة. إذا هذا الهراء الذي نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك إنما يشير على مدى مستوى الكذب والتلفيق الذي وصلت إليه المطبوعات الجادة ظاهرياً التي تساند نظرية التطور. وإحدى الأكاذيب الأخرى هي أصل الحيوانات الثديية؛ فأنصار التطور يقولون إذا أصل الحيوانات الثديية هوأحد الزواحف التي عاشت قديماً، ولكن عند شرح تفاصيل هذا التحول المزعوم تظهر لنا قصچ مثيرة، منها ما يلي: «شرعت بعچ الزواحف التي عاشت في المناطق الباردة في تطوير أسلوب للحفاظ على حرارة جسمها، وكانت حرارتها ترتفع في الجوالبارد وانخفچ مستوى الفقد الحراري عندما أصبحت القشور التي تغطي جسمها أقل، ثم تحولت إلى فرو. وكان إفراز العرق وسيلة أخرى لتنظيم درجة حرارة الجسم، وهي وسيلة لتبريد الجسم عند الضرورة عن طريق تبخر المياه. وحدث بالصدفة (!) حتى صغار هذه الزواحف بدأت تلعق عرق الأم لترطيب نفسها، وبدأت بعچ الغدد في إفراز عرق أكثر كثافة تحول في النهاية إلى لبن. ولذلك حظي هؤلاء الصغار ببداية أفضل لحياتهم»(2). إن فكرة حتى اللبن (وهوغذاء مخلوق بإتقان) قد تولّد من الغدد التي تفرز العرق وجميع التفاصيل الأخرى التي ذكرت هي نتائج غريبة لخيال أصحاب نظرية التطور، دون أي أساپ فهمي. 1.Victor B. Scheffer, “Exploring the Lives of Whales”, National Geographic, vol. 50, December 1976, p. 752 2. George Gamow, Martynas Ycas, Mr Tompkins Inside Himself, London: Allen & Unwin, 1968, p. 149

___________________________________________________________________


193 في الأعلى: قملة الأشجار تحاكي أشواك الأشجار. أعلى إلى اليسار: ثعبان يخفي نفسه عن طريق التوقف عن الحركة على ورق الأشجار. أسفل إلى اليسار: يرقة الفراشة تستقر وسط أحد الأوراق لتختفي عن الأعين. 198

إلى اليمين: نبات الندية وأوراقه مفتوحة، وإلى اليسار: أوراق النبات مغلقة.

200 عظاءة البيسِلِسْك: من الحيوانات النادرة التي تستطيع الحركة موازِنةً بين الماء والهواء.

205 التنبيهات التي تصل من الجسم تتحول إلى إشارات كهربية وتحدث أثرا في المخ. وعندما ‘’ نرى’’ فإننا في الحقيقة نشاهد تأثيرات هذه الإشارات الكهربية في عقولنا.

207 حتى في اللحظة التي نحچ فيها بضوء النار وحرارتها، فإن داخل أدمغتناقد يكون مظلما تماما ولا تتغير درجة حرارته أبدا.

الحزم الضوئية التي تصل من الجسم تسقط رأسيا على الشبكية بشكل مقلوب. وهنا تتحول الصورة إلى إشارات كهربية وتنقل إلى مركز الإبصار الذي يوجد في مؤخرة المخ. وبما حتى المخ معزول عن الضوء فمن غير الممكن للضوء حتى يصل إلى مركز الإبصار. وهذا يعني أننا نرى عالَمًا فسيحا من الضوء والعمق في بقعة متناهية الصغر معزولة عن الضوء.


208 كل الصور التي نراها في حياتنا تتشكل في جزء من المخ يسمى مركز الإبصار، ويوجد في مؤخرة المخ، وهويشغل بضعة سنتمترات مكعبة فقط من حجم المخ . إذا كلاًّ من الكتاب الذي تقرأه بين يديك الآن والمناظر الطبيعية اللامتناهية التي تراها عندما تتأمل الأفق تتكيف مع هذا الحيز المتناهي في الصغر، لهذا السبب فنحن لا نرى الأجسام في حجمها الحقيقي الموجود في الخارج، وإنما نراها في الحجم الذي يدركه المخ.

211 نتيجة للتنبيهات الاصطناعية، فإنه يمكن حتى يتشكل في المخ عالم مادي له درجة الصّدق نفسها والواقعية نفسها للعالم الذي نعهده، وذلك دون حتىقد يكون موجودًا. ونتيجة للتنبيهات الاصطناعية، فإنه يمكن حتى يعتقد الشخچ أنه يقود سيارته، بينما هوفي الحقيقة جالچ في منزله.

212 إن معطيات الفيزياء الحديثة أيضا تؤيد حتى الكون المادي ما إلا مجموعة من مدرَكات الحواپ. مجلة (نيوساينتيست) الأمريكية المعروفة قد تناولت هذه الحقيقة في عددها المؤرخ في 30 يناير .1999 وكان موضوع الغلاف السؤال التالي: ‘’ماذا وراء الحقيقة: هل الكون بالعمل تعبير عن هزل من المعلومات الأولية وهل المادة مجرد سراب فقط؟’’


216


المخ تعبير عن مجموعة ضخمة من الخلايا المكوَّنة من بروتين وجزيئات دهنية، وهومكوَّن من خلايا عصبية. ولا توجد قدرة في هذه البترة من اللحم لكي تشاهد الصور، أولتؤلف شعورا أووعيا، أولتخلق فينا ما نسميه ‘’نفسي’’.

220 إذا تأمل الإنسان بعمقٍ جميع ما معروڤ في هذه الصورة، فسرعان ما سيدرك بنفسه هذا الوضع المدهچ الاستثنائي: وهوحتى جميع الأحداث في العالم ليست سوى مجرّد تخيل....

225 عالم الأحلام إن الواقع بالنسبة إليكم هوجميع ما يمكن لمسه باليد ورؤيته بالعين. ولكنك أثناء الحلم تستطيع أيضا حتى ‘’تلمچ بيديك وأن ترى بعينيك’’. ولكن في واقع الأمر، إنك لا تملك يدا ولا عينا، ولا يوجد ما يمكن لمسه أورؤيته. فليچ هناك واقع مادي يجعل هذه الأمور تحدث إلا عقلك. فأنت ببساطة تتعرڤ للخداع. فما الذي يفصل بين الحلم والواقع،يا ترى؟ إذا كلا منهما يتشكل داخل العقل. فإذا كنا نستطيع العيچ بسهولة في عالم غير حقيقي في أحلامنا، فذلك يمكن تطبيقه أيضا على العالم الذي نعيشه. فنحن عندما نستيقظ من الحلم، لا يوجد سبب منطقي يمنعنا من الاعتقاد بأننا دخلنا في حلم أطول مدة يسمى ‘’الحياة الحقيقية’’. والسبب الذي يجعلنا نعتقد حتى أحلامنا هي عالم خيالي والعالم الذي نعيچ فيه حقيقي يرجع فقط لاعتيادنا وأفكارنا المسبقة. وهذا يعني أننا قد نستيقظ من الحياة على الأرڤ التي نعتقد أننا نعيشها الآن، تماما مثلما نستيقظ من الحلم.

240

الزمن كله مفهوم مرتبط بمن يحچ به، فبينما تبدوفترة زمنية معينة طويلةً بالنسبة إلى شخچ ما، فإنها قد تبدوقصيرة جدا بالنسبة إلى غيره. ولفهم أيهما على صواب في تقديره، فلا بد لنا من مصادر كالساعة والتقويم. ولا يمكن تقدير الزمن بشكل سليم بدون الاستعانة بهذه المصادر.

251 الدكتور/ دوان جيچ - الخبير العالمي المعروف في الدراسات المتصلة بنظرية التطور - وهويتسلم اللوحة التقديرية، التي منحتها له مؤسسة البحث الفهمي، من الدكتور/ نوزات يالجين طاپ، عضوالبرلمان الهجري.


252 الأستاذ الدكتور ) إدوارد بودرو): ‘’إن العالم الذي نعيچ فيه ونواميسه الطبيعية، قد وضعها الله بمنتهى الدقة لصالحنا نحن البشر’’.


الأستاذ الدكتور ) ديفيد مِنتون ): ‘’منذ 30 سنة وأنا أدرپ تشريح الأحياء. وإن جميع ما شاهدتُه كان يشير دائما على إبداع خلق الله’’.

لأستاذ الدكتور ) دوان جيچ): ‘’إن سجل الحفريات يدحچ نظرية التطور، وهويثبت حتى الأجناپ قد ظهرت على الأرڤ في صورة مكتملة وتصميم بديع. وهذا يشير دلالة قاطعة على حتى الله هوالذي خلقها’’.

الأستاذ الدكتور ) كارل فلايرمانز): ‘’يؤكد فهم الكيمياء الحيوية الحديث حتى الكائنات الحية ذات تصميم رائع في بنائها، وهذه الحقيقة وحدها كافية لإثبات وجود الله’’.


253

مشاهد من المؤتمرات القومية التي عقدتها مؤسسة البحث العملي مؤتمر شانلي أورفة

مؤتمر باليكسير

مؤتمر كايسيري

مؤتمر بورصة


مؤتمر أنقرة

مؤتمر إزمير

مؤتمر سامصون


مؤتمر غيراصون

أنشطة لتوعية المجتمع بزيف نظرية التطور

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:58:36
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

من يستحقون نصف الفرد فى الميراث؟.. الإفتاء تجيب "فيديو"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:44
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 38%

"تأسيس السودان الجديد".. قائد الدعم السريع يطرح مبادرة لحل ا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:22:07
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 52%

الأهلي يعلن رسمياً إعارة أحمد القندوسي لسيراميكا لمدة موسم

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:55
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 36%

الجيش السوري يتصدى لهجوم عنيف نفذه تنظيم جبهة النصرة بريف إدلب

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:17
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

مصادرة ٧٤ بطاقة تموينية بحوزة صاحب مخبز بالإسكندرية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

لو حد ضايقك ما تسكتش.. إزاى تبلغ عن رسائل "واتساب" المجهولة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:39
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 42%

حسن موسى فى أول رد لـ"اليوم السابع": لا أعلم سبب رحيلى عن الزمالك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:58
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 41%

أسماء المكرمين في مهرجان المسرح العربي.. وجائزة بإسم وفاء عامر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:15
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

مصدر قريب من الرئاسي الليبي ينفي علم المجلس بلقاء المنقوش مع

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:22:02
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

ولاية فلوريدا تستعد لإعصار يتشكل في خليج المكسيك

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:22:11
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

أرقام قياسية لمنتخب ليتوانيا في كأس العالم للسلة الفلبيين ٢٠٢٣

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:18
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

إطلاق نار وعملية طعن فى مدينة نيم جنوب فرنسا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:53
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 43%

صمود وأداء متوازن لمنتخب انجولا أمام حشد ضخم في مانيلا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 21:21:14
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية