عائلة أبوعمر انضمت إلى قائمة العائلات الوطنية في مصر بعد مساندتها الثورة العرابية مع العائلات الكبيرة في صعيد مصر مثل «أبوخشبة والسّلينى»، وتنحدر عائلة أبوعمر من قبيلة عريقة ومتشعبة في أنحاء مصر، فهم أحفاد الأمير نجم الدين، مؤسس «النجميين» الذين ينتمون إلى قبيلة بنى حسن. في قرية «الشيخ تمى»، في مركز «أبوقرقاص» بمحافظة المنيا، يزيد تعداد «أبوعمر» على الـ5 آلاف نسمة، غير حتى القبيلة التى يمثل أحد فروعها، تصل إلى حوالى 150 ألف نسمة متمركزة في شمال وجنوب الوجه القبلى، بالإضافة إلى عدد كبير من النجميين يسكن نجع حمادى بقنا، وديرب نجم بالشرقية، وهوما أوضحناه تفصيليًا عندما رصدنا تاريخ عائلة نجم في الشرقية. عائلة أبوعمر متفرعة من «النجميين»، فهم من بنى حسن، التى ينتمى إليها الأمير نجم الدين وإخوانه الثلاثة «غانم ومرنا وكمونة»، المعروفون تاريخيا بالشجاعة والإقدام، في المعارك القبلية التى كانت تخوضها قبيلة «بنى حسن». ونجم الدين هوالجد الخامس عشر لـ«أبوعمر»، اشتهر بطول قامته ومنكبيه العريضين وعضلاته المفتولة، وهذا هوسبب تسميته بالفارس، وربما تجد كثيرا من أبناء العائلات المنحدرة منه يشبهونه إلى حد كبير «جسمانيا».

أبناء «بني حسن» وصلوا من نجد إلى بني سويف والشرقية حيث يوجد عرب الطوايلة والهوارة الشرقيون، ووضعوا رحالهم بالقرب من مدينة بنى سويف لمدة عشرة أعوام، تخطَّوها -بحلوها ومرها- بسلام، وبحكمة أميرهم حسين الجدامى، وعون فارسهم «نجم الدين»، وبوفاة الأمير حسين الجدامى، كان بديهيا حتى يرثه في الإمارة «نجم الدين»، لكن تهور وجشع أبناء الأمير الراحل وطمعهم جعلهم ينازعون «نجم الدين» وعشيرته، وهوما أحدث انتكاسة داخلية بين أبناء قبيلة بنى حسن، فطمعت فيهم «عرب الطوايلة» و«الهوارة» اللتان كانتا تنتظران فرصة تشرذم بنى حسن، التى منذ قدومها وهى غير «مهضومة» بين القبائل التى تسكن هذه المناطق، لأنهم أحسوا بأن «بنى حسن» دخلاء عليهم، وفى اللقاء حشدت «عرب الطوايلة» و«الهوارة» القبائل المجاورة ضد «بنى حسن»، فهاجموا مضاربهم، ودارت معركة طاحنة راح ضحيتها ثلث رجال «بنى حسن»، وهوما أدى إلى استحالة مكوث بنى حسن بين هذه القبائل في مناطقها، خاصة حتى الحلف المعادى كان يلعب على وتيرة طائفية استطاع حتى يجذب بها القبائل حوله، وهى حتى «بنى حسن» أعراب وافدون منذ أمد قريب، وليس بينهم وبين قبائل المنطقة نسب أومصاهرة. أمام هذا كله كان طبيعيا حتى يحتكم الأمير «نجم الدين» إلى العقل، ويرحل هووعشائره عن هذه الديار، لكن أبناء الأمير الراحل خالفوه كالعادة وأصروا على استكمال المعركة -غير المتكافئة-، فرحل نجم الدين مع أتباعه إلى الجنوب الشرقى، حيث حط رحاله في قرية «الشيخ تميم الدارى» أحد صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، التى تم تحريف اسمها للتسهيل وصار يطلق عليها «الشيخ تمى» وذلك في بداية القرن الخامس عشر الميلادى، بينما سقط أبناء الأمير الراحل وتابعوهم، أمام القبائل وانهزموا شر هزيمة وأُسِر عدد كبير منهم.

ووفقا للمراجع والخط، فإن أهل قرية الشيخ تمى، إبان نزول الأمير نجم الدين إليها، كانوا ينقسمون إلى ثلاثة (الأعيان، وهم قلة ممثلة في عائلتى الأحلاف والأخلاف، والفقراء وهم أغلبية مطحونة، والقسم الثالث هم مجموعة من المماليك الذين يجمعون الضرائب ويمتصون دماء البسطاء)، ولم يرض نجم الدين بهذا الظلم الواقع على بسطاء القرية وهم أغلبية فدافع عنهم ودخل في حروب ضد الأعيان والمماليك وهزمهم بمساندة أهل القرية الذين التفوا حوله، فسلبوهم ديارهم وحقولهم وأموالهم، وطردوهم من القرية، وبقى آل نجم وأهل القرية ينعمون بحياة هانئة آمنة.

«أبوعمر»، هوالجد السابع أوالثامن لأبناء العائلة الحاليين، ومسماه «أبوعمر حمد بن محمد»، وهومن سلالة الفرسان التى ورثها عن جده الأكبر «نجم الدين»، تقول كتابات جنرالات الحملة الفرنسية: «عندما توغلت الحملة الفرنسية في الجانب الشرقى للنهر، متجهة جنوبا، لم نجد أى مقاومة تذكر حتى مشارف أواسط بنى سويف، حيث كانت تلك المنطقة تدخل ضمن نفوذ «شيخ العرب أبوعمر»، الذى ناوأ الحملة هوورجاله بطريقة المخاتلة وتضليل الفرق الفرنسية في الصحراء وضربهم في حين غرة، وكان ذلك هوسبب عدم توغل الجيش الفرنسى شرق النهر، لأكثر من مدينة بنى سويف، وقد سبب خسائر جسيمة للحملة قدرت بأكثر مما سببه الجيش المملوكى بقيادة إبراهيم بك».

واتى من بعده نجله الملقب بـ«محمد أبوعمر»، وكان يتقلد منصب شيخ البر الشرقى الممتد من بنى سويف شمالاً وحتى أسيوط جنوبا، وحيث ينتهى فيها نفوذه يبدأ نفوذ أحد أبناء عمومته شيخ العرب همام بن يحيى الذى ينتسب إلى نجم الدين أيضا والذى ينتهى نفوذه في سوهاج، ليبدأ امتداد أبناء عمومتهما النجميين في مدينة نجع حمادى بشرق النهر.

يتفق العمدة الحالى عصام عمر مع خليفة سطوحي، في حتى الخديوعباس ومن بعده الخديوسعيد كانا يستعينان بمحمد أبوعمر ورجاله لإخماد الثورات في صعيد مصر مثلما وقع في قريتي «دير أبوحنس» و«الحوطة» اللتين استعصتا على رجال الخديوية، فقد أخضعهما محمد أبوعمر لما له من هيبة واحترام بين القبائل والعائلات، وكذلك كان من الرجال المقربين من الخديوسعيد، وأيضا نفس الصفات ورثها نجله يوسف بك المقرب من الخديوإسماعيل، والذى كان عضوا في مجلس شورى النواب سنة 1866، ثم هجر المجال لواحد من أبرز رموز العائلة على الإطلاق هوابنه البكر المهنى باشا.

مهنى أبوعمر كان نائبا من مركز ملوى التابع لمديرية أسيوط في ذلك الوقت، وكان من ضمن أصدقائه، صهره، محمد باشا سلطان، رئيس مجلس النواب، وعلى باشا شعراوى عضوالمجلس وحسن بك الشريعى وغيرهم، وشهد الحياة النيابية في عصر إسماعيل ثم في عصر توفيق، وكان من بين الأعضاء البارزين، وقد تم اختياره من بين ثلاثة نواب لوضع اللائحة الانتخابية في مصر، وكان من ضمن الأعضاء الذين أجبروا وزارة شريف على الاستنطقة، وتعيين وزارة محمود سامى البارودى، ومن أبرز أعماله أعطى خط السكك الحديدية من أسيوط إلى وادى حلفا بالسودان بفضل مجهوداته لدى مجلس النواب. ورغم حتى عائلته كانت من ضمن الذين سيضارون من تحديد الملكية الزراعية، لأنه يمتلك أكثر من ثلاثة آلاف فدان؛ فإنه كان ضمن المطالبين به. وكان المهنى من أوائل الوطنيين الذين دعموا وساندوا المقاومة الشعبية الباسلة، وكان من رجال الثورة العرابية ومعه رفيقاه «علي شعراوي» و«أمين بك الشمسي»، ولم يعبأ المهنى مما سيلحقه من ضرر جراء انضمامه إلى الوطنيين، ودفع ثمن ذلك كثيرا، وتم تحديد إقامته في بلدته وغرم بثلاثة آلاف جنيه من المضى، كما تم تجريده من رتبه وألقابه بعد فشل الثورة العرابية.

يقول تام محمود عشيرى 85 سنة، معلقا: المهنى أبوعمر، الذى ساند الثورة العرابية ضد الخديوتوفيق، حكم عليه بالإعدام هووشقيقه الأمين، فمضى والدهما يوسف أبوعمر إلى الخديويطلب تخفيف حكم الإعدام عن نجليه، فأمر بنفيهما وليس بإعدامهما، ثم منح سيجارا إلى يوسف أبوعمر فوضعها في جيب بذلته، فنطق له الخديو: «اشرب السيجارة يا شيخ يوسف»، فرد عليه: «سيجارة الملوك ما تتحرقش»، فرد الخديوقائلاً: « إنت راجل أدوب ياشيخ يوسف بس يا خسارة -يقصد ما عمله ولداه-»، ثم أمسك بالأجندة المكتوب فيها أسماء المحكوم عليهم بالإعدام وعفا عنهما، فخرجا وحددت إقامتهما لمدة ستة أشهر داخل بلدتهما لا يخرجان منها. المهنى يوسف أبوعمر، كان شاعرا فصيحا، حيث خط قصائد مناهضة للخديو، وكان من أصدقائه الشاعر الكبير عبد الله النديم، وعبد الله لهلبة شاعر العامية الأول في مصر في ذلك الوقت، ومحمود سامي البارودي وغيرهم، وقد هجر المهنىعشرة آلاف بيت من الشعر تحكى أحداث الثورة العرابية وأحوال مصر الخديوية، مثل السيرة الهلالية، وقد ذكر ذلك رشدى صالح في كتابيه «الأدب الشعبى» و«فنون الأدب الشعبى».

محمد الفاتح أبوعمر

وهناك وجه آخر حديث من رموز العائلة هواللواء أركان حرب -متقاعد- محمد الفاتح أبوعمر، الذى شارك في حروب 1956، وتم أسره من قبل الاحتلال، وشارك في حرب اليمن وحروب 1967، 1973، 1973، التى انتصرت فيها مصر على العدوالصهيونى، وتقريبا في ثالث أيام الحرب حرر جبل المر في سيناء بـ23 جنديا فأطلق عليه اسم محمد الفاتح، وكان وقتها عقيدا.

العادات والتنطقيد

العادات والتنطقيد في الوقت الحالى متشابهة إلى حد كبير مع عائلات قرى أبوقرقاص وبالتدقيق «الشيخ تمى»، وأفراح «أبوعمر» التى نشأوا عليها في الشيخ تمى، تكون بالطبل البلدى والخيل والتحطيب (أى المبارزة بالعصى). يمزح تام عشيرى (85 سنة) وهويتحدث عن الزواج قديما قائلاً: «يا ولدى ما كناش نشوف نسوانّا إلا ليلة الدخلة.. الجواز كان إما روضة من رياض الجنة أوحفرة من حفر النار!» ويتابع حديثه بلهجته «الصعيدية» عن قدر المهر الذى دفعه في عروسه: «أنا كنت غالى على بوى جوى ودفعت في بت عمى مهر 100 جنيه». ويكشف أبناء العائلة عن أنهم في ثلاثينيات القرن الماضى، كانوا يسجلون بناتهم متوفيات حتى لا يمضىن إلى المدارس، تطبيقا لنظرية «العيب» التى كانت تحكم جميع شىء في العصر ذاته، نتج عن ذلك حتى لديهم إلى الآن سيدات مكتوبات ضمن الوفيات وهن على قيد الحياة، وكانت الأنثى عندما تبلغ سن الرابعة من عمرها لا تخرج من البيت وغير مسموح حتى لابن عمها برؤيتها؛ لكن مع التطور الطبيعى والعصرى للمجتمع فلم يعد لهذه العادات وجود في قواميس العائلة.

المصادر

• محمد الجالي (2009-07-02). "أبوعمر.. العائلة التى ألغى الخديوتوفيق إعدام ابنيها بعد حتى منح أباهما سيجارة فلم يشعلها ونطق: «سيجارة الملوك ما تتحرقش»". صحيفة اليوم السابع.