دين ضد الدين
بلال فضل |
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع |
اتفق أواختلف مع المفكر الإيرانى الثورى علي شريعتي ومع الكيفية التى تم إستغلال أفكاره بها من قبل السلطات الإيرانية القمعية، لكن حاول حتى تقرأ محاضرته الشهيرة (دين ضد الدين) وأنت تتأمل كيف من الممكن أن يتم إستخدام الدين في الإبقاء على شبكة المصالح التى كانت قائمة في عهد مبارك ليكون الإخوان حراسا عليها وجناة لثمارها، مع الحرص على إستمرار نهج مبارك في توسيع حجم الفتات الذى تلقيه السلطة للناس لتخف حدة غضبهم ويواصلوا دفع عجلة الإستقرار التى تجعلهم مستقرين في التعاسة وتجعل أصحاب المصالح مستقرين على عرش مصالحهم.
ينبهنا شريعتي في محاضرته إلى حتى الحقائق التاريخية تؤكد حتى الدين لم يكن يقابل إلا بالدين، خلافا للتصور الساذج الذى نحمله عن وجود صراع تاريخى دائم بين الدين والإلحاد، يمكن حتى نصطدم في القرون المتأخرة التى نمت فيها مظاهر المدنية والفكر والفلسفة بوجود أشخاص ينكرون وجود الخالق أوالآخرة، لكنهم لم يحدث في وقت من الأوقات حتى قاموا بتكوين طبقة أوفئة إجتماعية معتد بها. إذا أكثر من أضر بدعوة التوحيد التى حملها سيدنا موسى لم يكن فيلسوفا ماديا أوملحدا دهريا، بل كان بلعم بن باعورا صاحب أعلى مقام دينى في زمانه، ومع ذلك فقد نهض لمعارضة دعوة موسى مستغلا إيمان الناس وثقتهم به. سيدنا عيسى كان من أبرز مسببات معاناته الطويلة «الفريسيين» وهم لمقد يكونوا ماديين ولا زنادقة ولا دهريين بل كانوا أتباع وأنصار الدين القائم في ذلك الزمن. حتى الذين حاربوا نبينا محمد كان شعارهم القضاء على محمد وأتباعه بذريعة إنتهاكهم لحرمة بيت إبراهيم ولأنهم صبأوا عن دين آبائهم وخرقوا الأصول والمقدسات.
يقول شريعتى حتى التاريخ يفهمنا حتى هناك على الدوام صراعا بين نوعين من الدين: الدين الثورى الذى يدعوإلى الإنقياد المطلق لإرادة الله لكنه في الوقت ذاته يدعوإلى الثورة على جميع ما سواه وعدم التسليم للأصنام بمعناها الكامل لكل مايتخذه البشر كآلهة زورا وتزويرا بمعونة جهل الناس وظلم الحاكمين، والدين التبريرى الذى تحمله فئة «تكن العداء للحقيقة والعدالة والحرية والحضارة والرقى وتنشغل بإشباع ولعها وغرائزها المنحرفة في التسلط على رقاب الناس وحرمانهم من أبسط حقوقهم وقد كان أفراد هذه الفئة دائما من المتدينين ولمقد يكونوا من الزنادقة والكافرين». وفى حين يغذى الدين الثورى أتباعه برؤية نقدية لكل مايحيط بهم ويكسبهم شعورا بالمسئولية تجاه الوضع القائم ليسعوا لتغييره، يقوم الدين التبريرى بترويج مبدأ الرضوخ للأمر الواقع، ويقنع الناس بأن وضعهم الراهن هوالوضع الأمثل الذى يجب حتى يرضوا به لأنه المصير المحتوم الذى خطه الله عليهم، ولذلك فقد ساهم «حكام الملك العضوض» في دعم جميع الأفكار القدرية والتبريرية التى تسلب من المسلمين الشعور بالمسئولية وتقتل فيهم روح المبادرة.
يضع شريعتى يده على نقطة مهمة هى حتى مناصرى الدين التبريرى دائماقد يكونون من أصحاب الطبقات الإجتماعية العالية والغنية، وتراهم جميعا مع الهيئة الحاكمة كتفا في كتف، وقد تراهم أحيانا يهيمنون على الهيئة الحاكمة أيضا، هم أولئك الذين عبر عنهم القرآن بـ «الملأ» وهم المترفون الذين يملأون العين ويشغلون المناصب المهمة في مجتمعاتهم، وهم الذين يقابلهم دائما الدين الثورى الذى برغم أنه لم يتمكن من حتى يسيطر على الحكم دائما، لكنه ظل على الدوام في تاريخنا الإسلامى يقابل دين الطاغوت والمترفين ويدعوالناس إلى التمرد على جبهة الملأ لإقرار العدالة ونشرها، ويسعى دائما لأن ينضج الناس ويكون لهم وجدان دينى يقظ ليس وليدا للجهل ولا الخوف، فيقفون ضد جميع من يبرر الجوع ويسببه بإسم الدين، ويصبح شعارهم الدائم قول سيدنا أبي ذر الغفاري أبرز رموز الدين الثورى «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف من الممكن أن لا يخرج على الناس شاهرا سيفه».
الهامش
- ^ "أبوذر يقابل مرسى!". صحيفة الشروق المصرية. 2013-01-08.