التشابه والتجاذب بين الأشخاص

قد لا توجد لغة من اللغات لا تتضمن حكمة أومثلاً بمعنى (( الطيور على أشكالها تقع )) ، والمعنى العام حتى التشابه بين الأفراد يولد التجاذب بينهم , ولكن التشابه في ماذا ،يا ترى؟ وتوجد حكم شائعة توحي بالعكس تماماً ، وهي الحكم التي تقرر حتى (( الأضداد تتشابه )) . أي الحكمتين أصدق ،يا ترى؟ والسؤال الثاني يتعلق بوجه التشابه ، هل هوفي الجسم ، في القدرات العقلية ، في المهارة ، في الاتجاهات ، الخ ،يا ترى؟ وسأركز في هذه الفقرة على علاقة نوعين من التشابه بالتجاذب، وهم التشابه في الاتجاهات والتشابه في القدرة.

الدراسات المبكرة لأثر تشابه اتجاهات الأفراد على تجاذبهم

تصور أنك قمت بمسح اتجاهات مجموعة من الأصدقاء نحوموضوعات مختلفة ، ووجدت حتى درجة التشابه بين اتجاهاتهم كانت عملاً أكثر من درجة التشابه بين اتجاهات عدد من الأفراد الذين ليس بينهم صداقة . هل هذا مرشد على حتى تشابه الاتجاهات يؤثر على التجاذب ،يا ترى؟ لا . فمن الممكن حتى علاقاتهم هي التي أدت إلى تشابههم في الاتجاهات ،يا ترى؟ ومن الممكن أيضاً حتى تكون صداقتهم وتشابه اتجاهاتهم نتيجة لتماثل خبراتهم التعليمية أوالثقافية ،يا ترى؟ وجميع هذه احتمالات واردة ، فما دام أنه ليس هناك تحكم أوعزل لأثر تشابه الاتجاه على التجاذب عن أثر غيره من العوامل ، فمن الصعب الحكم بأن عامل معين يؤثر على ظاهرة معينة . ومن الصعب أيضاً الحكم على وجود هذا التأثير من خلال ما تجده من علاقة بين الصداقة ودرجة تشابه الاتجاهات التي يقررها المفحوصون . ولقد مرت الدراسات في هذا المجال بمراحل عدة حتى وصلت إلى طرق بحثية مكنت من التوصل إلى أحكام أكثر دقة عن علاقة التشابه في اتجاهات الأفراد على تجاذبهم.

نشر نيوكومب في عام 1961 و1956 نتائج دراسة رائدة قدم فيها أدلة تبين وجود علاقة بين تشابه اتجاهات الأفراد وتكون الصداقات بينهم . ولقد بدأ نيوكومب إحدى أشهر دراساته باستئجار بيت للطلاب الجامعيين القادمين من أماكن مختلفة للالتحاق بجامعة ميشيغان ، حيث عرض على جميع واحد منهم السكن المجاني لمدة فصل دراسي تام لقاء اشتراكهم في تجربته كمفحوصين . وجمع نيوكومب ملاحظات عن العلاقات التي نمت بين أفراد المجموعة وعن تغيرات هذه العلاقات . وعثر حتى الأفراد الذين كان بينهم درجة اتفاق عالية في الاتجاهات كونوا جماعة أصدقاء يمكن تمييزها بوضوح عن غيرها . وتوضح نتائج هذه الدراسة نتائج دراسة فيستينغر وزملاءه التي اختبروا فيها أثر الألفة على التجاذب . وتبين حتى العامل المهم بمرور الوقت ليس المسافة المكانية بين الأفراد وإنما عوامل أخرى منها تشابه اتجاهاتهم . ويفسر نيوكومب العلاقة بين تشابه الاتجاهات والتجاذب على أنها نتيجة لما أسماه بالضغط نحوالتجانس ، وهي فكرة مماثلة لفكرة التوازن لهايدر ، والتي هجرز على إدراك الفرد لعلاقات عناصر مثلث ذهني يتكون من ( إنسان ، وموضوع ، وإنسان آخر ) ، وتقترح بأن عدم التوازن بين العناصر الذهنية ، مثلاً / زيد يدرك التالي : ( زيد يحب الكرة ، زيد يحب عمرو، عمرولا يحب الكرة ) ، حالة نفسية غير مرغوبة وسيسعى الفرد إلى إعادة التوازن بتغيير علاقة أي عنصرين بحيثقد يكون المثلث متوازنا .

ولكن هناك اختلافات بين نظرية نيوكومب وجميع نظريات الاتساق التي تفرعت من نظرية التوازن ، أولاً : أكد نيوكومب حتى عدم الاتساق الذهني ليس له أهمية نفسية خارج محيط الاتصال ، ولذلك يقترح حتى عدم الاتفاق مع إنسان مكروه لنقد يكون دافعاً لتغيير الفرد لاتجاهه أولتغيير اتجاه هذا الشخص إلا عندما تكون هناك ظروف تفرض الاتصال معه ، وإذا لم توجد مثل هذه الظروف فإن الفرد ببساطة سيتجنب الاتصال مع هذا الشخص ، وهذا يعني أيضاً حتى الاتفاق مع إنسان غير محبوب أوغير مهم لن يوجد أي ضغط للتغيير ، مع حتى هذا الوضع حسب نظرية التوازن يمثل مثلثاً غير متوازن . ثانياً : اقترح نيوكومب حتى أهمية التوازن بين العناصر الذهنية تنبع من خاصية التعزيز ، على سبيل المثال / اتفاق رأي الفرد حول موضوع مهم مع رأي إنسان مهم ( كالأب مثلا ، أوصديق حميم ) فيه نوع من التعزيز ، لأن إعادة التوازن بين البناءات الذهنية تنبع من أهمية العلاقة بين عناصر هذه البناءات . ولذلك فإن عدم الاتفاق مع صديق حميم يؤدي إلى ضغط أكبر لإعادة التجانس من عدم الاتفاق مع إنسان قابله الفرد منذ يومين فقط . ولكن ككل النظريات التي تعتمد على نظرية التوازن ، لا تخبرنا نظرية نيوكومب عن الشروط التي تمكننا من التنبؤ بأنواع التغييرات التي ستحدث في حالة وجود ضغط كبير نحوالتجانس ، مثلاً / ( هل يغير الشخص اتجاهه نحوموضوع الاتجاه ،يا ترى؟ أم يغير اتجاهه نحوالشخص الآخر أوإدراكه له ،يا ترى؟ أم ينسحب من الاتصال ،يا ترى؟ ) .

الدراسة التجريبية المضبوطة لتأثير تشابه الاتجاه على التجاذب

وعلى الرغم من حتى دراسة نيوكومب كانت أدق في اختبارها للعلاقة بين تشابه الاتجاه والتجاذب من الدراسة المسحية ، إلا حتى نتائجها مفتوحة لتفسيرات أخرى بديلة للفرضية التي نحن بصددها ، وذلك لسببين : غياب التحكم ، وغياب التعريف الدقيق لهذين المتغيرين . على سبيل المثال / عندما يقابل إنسان شخصاً آخر فإن ما يحدث أثناء تفاعلهما ليس مجرد تعهد جميع منهما على اتجاهات الآخر ، وهذا يعني بأن عزل متغير تشابه الاتجاه من غيره من المتغيرات كان محالاً في دراسة نيوكومب. والشيء نفسه يمكن حتى ينطق عن قياس المتغير التابع ( أي التجاذب ) وعن ضرورة عزل أحدهما عن الآخر ، ثم إذا هناك احتمالاً كبيراً للتأثير المتبادل بين الأفراد أثناء التفاعل .

ومن أبرز من أسهموا في تطوير طريقة اختبار تجريبية محكمة لاختبار فرضية تشابه الاتجاه -التجاذب هوبايرن ، وحاول بايرن تحقيق عدد من الشروط في هذا الاختبار ، أهمها عزل المتغير المستقل ( تشابه الاتجاه ) عن أي عامل آخر وضمان التحكم به . ولكي يتحقق ذلك كان لابد من غياب أي فهم أوتجاذب بين الفرد والآخر ، ولابد من ضمان عزل درجة التشابه في الاتجاهات عن محتوى الاتجاهات . وأخيراً كان لابد من قياس درجة انجذاب الفرد للأخر ( المتغير التابع ) بمعزل عن أي نتائج أخرى للتفاعل بين الأفراد ، مثلاً / ( التجاذب نتيجة لدرجة الألفة ) . واتبع بايرن وزملاءه المراحل التالية :

1. قياس اتجاهات مجموعة من الأفراد نحوموضوعات متنوعة ، مثلاً : ( 26 موضوعاً ) .

2. يطلب من جميع مفحوص حتى يصنف هذه الموضوعات في مجموعتين : الأهم ( 13 موضوعاً ) والأقل أهمية ( 13 موضوعاً ) .

3. بعد مضيعشرة إلى 14 يوماً ، يطلب من المفحوصين المشاركة في تجربة على الإدراك الاجتماعي، وتكون مهمتهم التعهد على الخصائص الشخصية لأحد الطلبة من خلال قراءة استجاباته لاستمارة مماثلة لتلك التي استخدمت في قياس اتجاهاتهم ، من طبيعة الحال استجابات الطالب هذه غير حقيقية ، وأعدت بحيث يجدها البعض مطابقة لاستجاباتهم نحوجميع الموضوعات ، والبعض يجدها مناقضة لاستجاباتهم نحوجميع الموضوعات ، والبعض يجدها مماثلة لاستجاباتهم نحوالموضوعات المهمة ومختلفة نحوالموضوعات غير المهمة ، والمجموعة الأخيرة يجدونها مماثلة لاستجاباتهم نحوالموضوعات غير المهمة ومختلفة عن استجاباتهم نحوالموضوعات المهمة .

ولقد بينت النتائج أنه عندما كانت اتجاهات الطالب المجهول مماثلة لاتجاهات المفحوصين كانت درجات تقييمهم لذكائه ، وأخلاقه، ورغبتهم في التعهد عليه ، وتسقطاتهم حول مدى استمتاعهم برفقته أكبر منها عندما كانت اتجاهات هذا الطالب مناقضة لاتجاهاتهم . ووجدت النتيجة نفسها سواء كانت الاتجاهات نحوموضوعات مهمة أوغير مهمة ، ولكن بدرجة أقل وضوحاً. ولقد كانت نتائج دراسات بايرن وزملاءه على درجة عالية من القوة والوضوح مما نادىه إلى صياغة قانون تشابه الاتجاه-التجاذب ، الذي يتسقط حتى هناط علاقة طردية موجبة بين تشابه اتجاهات الأفراد ودرجة تجاذبهم .

مقارنة أثر التشابه في الاتجاهات والتشابه في القدرات

أجرى ميلر وسولز تجارب مماثلة لتجارب بايرن وزملاءه مع إضافة متغير آخر وهوالتشابه في القدرة أوالأداء . وكان هدف هذه التجارب مقارنة تأثير تشابه اتجاهات الأفراد مع تأثير تشابه قدراتهم على تجاذبهم . وأول متطلبات هذه الدراسة التعهد على اتجاهات المفحوصين ، وإعطائهم معلومات عن قدراتهم في مهمات معينة . ولذلك قاس المجرب اتجاهات المفحوصين نحوموضوعات مختلفة ، ثم اختبرهم في معلومات فهم النفس العام ، وبعد أسبوع أعطي جميع مفحوص ملخص لدرجاته في الاختبار ، حيث أبلغ نصف المفحوصين حتى أداءهم كان منخفضاً مقارنة بالمجموعة ، وأبلغ النصف الثاني بأن أداءهم كان مرتفعاً ، ومن طبيعة الحال عكست هذه المعلومات مستوياتهم النسبية في المجموعة ككل ، وبعد ذلك أبلغ المجرب المفحوصين بأنه يفكر في تشكيل جماعات تتكون جميع منها من طالبين ليقدما واجباً منزلياً مشهجراً وهوكتابة منطقة تحلل عدة قضايا معاصرة من الزاوية النفسية ، ثم أبلغهم بأنه يريد حتى يحصل على بعض المعلومات ليستخدمها في تحديد جماعات العمل ، فمنح جميع مفحوص أوراقاً قيل أنها تتضمن معلومات عن أربع أشخاص ، وحتى على المفحوص حتى يقرأها ثم يحدد درجة تفضيله أوعدم تفضيله لكل واحد منهم باستخدام مقياس من سبع درجات أعلاها ( مفضل بقوة :سبعة درجات ) وأقلها ( مرفوض بقوة : درجة واحدة ) . ولقد نظم المجرب المعلومات عن جميع من الأشخاص الأربعة المجهولين بحيثقد يكون :

• الشخص الأول : يشبه المفحوص في الاتجاه ، ويشبهه في القدرة .
• الشخص الثاني : يشبه المفحوص في الاتجاه ، ويختلف عنه في القدرة .
• الشخص الثالث : يختلف عن المفحوص في الاتجاه، ويشبهه في القدرة .
• الشخص الرابع : يختلف عن المفحوص في الاتجاه، ويختلف عنه في القدرة .

هل تأثرت تفضيلات المفحوصين بإدراكهم لتشابه اتجاهات الشخص مع اتجاهاتهم أكثر من تأثرها بإدراكهم لتشابه قدرات الشخص مع قدراتهم ،يا ترى؟ أم حتى تأثير التشابه المدرك في الاتجاه يختلف حسب التشابه في القدرة ،يا ترى؟ أم حتى تفضيلاتهم هذه لن تتأثر بأي من نوعي التشابه ، لأن المفحوص يفهم حتى استجاباته سيترتب عليها تفاعل حقيقي ، وليست مجرد تقييم تنتهي أهميته بانتهاء موقف التجربة ،يا ترى؟

وتبين النتائج حتى تشابه اتجاهات الفرد مع اتجاهات الآخرين ، وتشبه قدراته مع قدراتهم يزيدان درجة تفضيله أورغبته في العمل معهم ، كما يبين حتى تأثير التشابه في الاتجاهات أكبر من تأثير التشابه في القدرات . والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : أيهما أبرز بالنسبة لتفضيل الشخص للآخرين ، حتى يشبهونه في الاتجاهات أم في القدرات ،يا ترى؟ وتنبع أهمية هذا السؤال من إمكانية توضيحه لمدى صحة فرضية المقارنة الاجتماعية ( الفرد ينجذب لمن يشبهونه لأنهم يمثلون مصدر معلومات تؤكد صحة آراءه وتزيد ثقته بنفسه ) ، مقارنة بفرضية التعزيز التي حاول بايرن حتى يدمجها بنظرية المقارنة الاجتماعية . وبغض النظر عن نوع الإجابة على هذا السؤال ، فإنه ليس من الواضح كيف من الممكن أن يمكن حتى يفسر أثر تشابه الاتجاهات على التجاذب بلغة سلوكية . وذلك أولاً : لعدم وضوح الاستجابة التي تعزز ، وثانياً : لعدم وضوح الأسباب التي تجعل فهم الفرد لاتفاق آراء الآخرين مع آرائه مصدراً للتعزيز .

وعلى أية حال بينت نتائج أخرى من دراسة ميلر وسولز حتى أثر تشابه قدرات الفرد مع قدرات الآخرين على درجة انجذابه نحوهم تعتمد على تشابه اتجاهاته مع اتجاهاتهم ، فقدرة الآخرون تكون مؤثرة عندما يدرك الفرد أنهم يشبهونه في الاتجاه فقط .

عندما يدرك الفرد حتى الآخرين يختلفون معه في الاتجاهات فإن قدرتهم لا تؤثر على درجة تفضيله للعمل معهم . ولكن يحدث العكس عندماقد يكون لديهم اتجاهات مماثلة لاتجاهاته ، وهذه نتيجة مهمة جداً لأنها قد تتعارض مع فكرة حتى تفاعل الفرد مع الآخرين توجهه أهدافه النفعية . ولوكان ذلك سليماً لفضل المفحوصون التفاعل مع أشخاص ذوي قدرة عالية لأنهم أقدر على مساعدتهم أوإفادتهم ، من خلال إسهامهم في إنهاء المهمة المشهجرة . ولكن يظهر حتى تفاعل الفرد مع أشخاص يشبهونه في الاتجاهات أبرز من الناحية النفسية من قدرتهم على الإسهام في العمل المشهجر . فقد يحدث بذل المزيد من الجهد أهون على الفرد من تغيير اتجاهاته ، وهذا يدعم بقوة نظرية المقارنة الاجتماعية في تكون العلاقات الشخصية ووظائفها . ومن محاسن التوجهات الحديثة السائدة في وقتنا هذا حتى مفهوم الدافعية استقل تماماً عن مفاهيم كالغريزة والحاجات البيولوجية، إذ ينظر إلى الأهداف الموقفية نظرة أرحب تضم من ضمن أشياء أخرى : الحاجة للذهن ، وأهداف الدقة ، وأهداف تأكيد الذات . ومن نتائج هذه التجربة يظهر حتى مثل هذه الأهداف قد تكون أبرز في مواقف معينة من غيرها . وفي نهاية مناقشتنا للعوامل المؤثرة في التجاذب بين الأفراد علينا حتى نشير إلى نقطة جوهرية وهي حتى الدراسات التي ذكرناها هنا اهتمت أكثر بالتجاذب بين الأفراد في اللقاءات أواللقاءات الأولى ، وهذا يعني أنها تستبعد العلاقات طويلة المدى كالزواج مثلاً .

المرجع

• العنزي ، فلاح محروت البلعاسي (2006) . فهم النفس الاجتماعي . الرياض : فهرسة مخطة الملك فهد الوطنية أثناء النشر .