أحمد بن حنبل

عودة للموسوعة

أحمد بن حنبل

أحمد بن محمد بن حنبل
تخطيط لاسم الإمام أحمد بن حنبل ملحوق بنادىء الرضا عنه
شيخ الإسلام، إمام أهل السنة والجماعة، عالم العصر، زاهد الدهر، محدِّث الدنيا، عَلَم السُّنة
الولادة 164هـ / 780م
بغداد، العراق
الوفاة 241هـ / 855م
بغداد، العراق
مبجل(ة) في الإسلام: أهل السنة والجماعة
المقام الرئيسي لا يوجد
النسب أبوه: محمد بن حنبل بن هلال الشيباني الذهلي
أمه: صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك الشيبانية
أولاده الذكور: صالح، وعبد الله، والحسن والحسين (ماتا صغيرين)، والحسن، ومحمد، وسعيد
أولاده الإناث: زينب

أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب الممضى الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بفهمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من الفهماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه "المسند" من أشهر خط الحديث وأوسعها.

وُلد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المتنوعة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب الفهم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من الفهماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي سقطت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة سقطت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ افترض هؤلاء الخلفاء حتى القرآن مخلوق محدَث، وهورأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من الفهماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب، ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً. وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، سقم أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة.

نسبه وأسرته

  • هو: «أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن قاسي بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان». فهومن ولد شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وليس من ولد شيبان بن ثعلبة كما تصور بعض الروايات. فإذا قيل الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة، وإذا قيل الذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة فينبغي حتى ينطق أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق لأنه من ولد ذهل بن ثعلبة. وقد نسبه البخاري إليهما معا فنطق: الشيباني الذهلي.
  • أمه: «صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك بن سوادة بن هند الشيبانية»، كان جدها عبد الملك بن سوادة من وجوه بني شيبان، وكانت قبائل العرب تنزل عليه فيضيفهم.

إن أحمد بن حنبل عربي النسب، فهوذهلي في نسبه لأبيه وشيباني في نسبه لأمه، وشيبان وذهل أخوان من بني بكر بن وائل إحدى قبائل ربيعة العدنانية التي تلتقي مع النبي محمد في نزار بن معد بن عدنان، وقد وُصفت هذه القبيلة بأن فيها همة وإباء وحمية، وكان منها المثنى بن حارثة الشيباني قائد الجيوش الإسلامية الغازية للعراق في عهد أبي بكر الصديق، كما اشتهرت بالهمة والصبر وحسن البلاء في الجاهلية والإسلام، حتى كانت أبرز القبائل الربعية وفخرها، ولقد قيل: «إذا كنت في ربيعة، فكاثر بشيبان وفاخر بشيبان وحارب بشيبان»، فشيبان في الجاهلية والإسلام أكثر القبائل الربعية عدداً، وأعزها نفراً، وأعظمها أثراً. وكانت منازلهم بالبصرة وباديتها، وقد كانت في الجاهلية قريبة المقام من العراق، فلما بنى عمر بن الخطاب البصرة مطلة على الصحراء لينزل بها العرب نزلوا بها فسكنوها وسكنوا في باديتها، وكانت أسرة أحمد بن حنبل وأسرة أمه تنزل بتلك المدينة وبيدائها.

ولأن أصل أسرة أحمد بن حنبل من البصرة فقد عُرف بأنه "البصري"، وُيروى حتى أحمد بن حنبل كان إذا اتى البصرة صلى في مسجد مازن، وهم من بني شيبان، فقيل له في ذلك فنطق: «إنه مسجد آبائي». ولكن مقام أسرة أحمد بن حنبل لم يستمر بالبصرة، بل إذا جده حنبل بن هلال انتقل إلى خراسان، وكان والياً على سرخس في العهد الأموي، ولما لاحت الدعوة العباسية في الأفق عاون نادىتها وانضم إلى صفوفهم حتى أوذي في هذا السبيل. أما أبوأحمد فهومحمد بن حنبل، وقد كان جندياً، وقيل إنه كان قائداً، فقد روي عن الأصمعي أنه نطق: «أبوعبد الله أحمد بن حنبل من ذهل، وكان أبوه قائداً»، وذهل هوذهل بن ثعلبة بن عكابة، ونطق ابن الجزري: «كان أبوه في زي الغزاة».

ويظهر حتى أسرته كانت بعد انتنطقها إلى بغداد تعمل للدولة العباسية، ولم ينبتر اتصالها بها وإن لم يكن منها ولاة، إذ يُروى حتى عم أحمد بن حنبل كان يرسل إلى بعض الولاة بأحوال بغداد ليُفهمَ بها الخليفة إذا كان غائباً عنها، أما أحمد بن حنبل فقد كان يتورع عن المشاركة في ذلك منذ صباه، فقد رُوي حتى الوالي داوود بن بسطام نطق: أبطأتْ علي أخبار بغداد، فوجهت إلى عم أبي عبد الله بن حنبل: «لم تصل إلينا الأخبار اليوم»، وكنت أريد حتى أحررها وأوصلها إلى الخليفة، فنطق لي: «قد بعثت بها مع أحمد ابن أخي»، نطق: فبعث عمُّه، فأحضر أبا عبد الله وهوغلام، فنطق: «أليس بعثتُ معك الأخبار»، نطق: «نعم»، نطق: «فلأي شيء لم توصلها؟»، نطق: «أنا كنت أحمل تلك الأخبار! رميتُ بها في الماء»، فجعل ابن بسطام يسترجع ويقول: «هذا غلام يتورع، فكيف نحن؟».


مولده ونشأته

مولده

وُلد أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول من سنة 164هـ، وهذا هوالمشهور المعروف، وقد ذكر ذلك ابنه صالح وابنه عبد الله، نطق عبد الله: «سمعت أبي يقول: ولدت في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومئة»، ولم يختلف الرواة في زمن ولادته كما اختلفوا في زمن ولادة الإمامين أبي حنيفة ومالك، وذلك لأنه قد ذكر هوتاريخ هذه الولادة وكان على فهم به.

أما موطن ميلاده فقد اختلف فيه المؤرخون، فقيل إنه وُلد بمروفي بلاد فارس حيث كان يعمل أبوه وجده من قبل، وقيل إنه وُلد ببغداد بعد حتى اتىت أمه حاملاً به من مدينة مروالتي كان بها أبوه، وهذا الأخير هوالقول الراجح عند جمهرة المؤرخين، فقد روي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه نطق: سمعت أبي يقول: «قدمت بي أمي حاملاً من خراسان، وولدت سنة أربع وستين ومئة».

نشأته

منظر عام لمدينة بغداد، حيث ولد ابن حنبل ونشأ وترعرع

فقد ابن حنبل أباه وهوطفل صغير، فقد نطق: «لم أرَ جدي ولا أبي»، والمعروف حتى أباه توفي بعد ولادته، ولا بد حتى ذلك كان وهوصغير لا يعي ولا يدرك شيئاً، بدليل أنه نفى رؤيته لأبيه وجده، وقد ذُكر حتى أباه توفي شاباً في الثلاثين من عمره، ولقد قامت أمه بتربيته في ظل مَن بقي من أسرة أبيه، وكان أبوه قد هجر له ببغداد عقاراً يسكنه، وآخر يغل له غلة قليلة تعطيه الكفاف من العيش، فاجتمع له بتلك الغلة الضئيلة مسببات الاستغناء عما في أيدي الناس.

نشأ ابن حنبل في بغداد وتربى بها تربيته الأولى، وقد كانت بغداد تموج بالناس الذين اختلفت مشاربهم، وتخالفت مآربهم، وزخرت بأنواع المعارف والفنون، فيها القراء والمحدثون والمتصوفة وفهماء اللغة والفلاسفة والحكماء، فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي، وقد توافر فيها ما توافر في حواضر العالم من تنوع المسالك وتعدد السبل وتنازع المشارب ومختلف العلوم، وقد اختارت أسرة ابن حنبل له منذ صباه حتىقد يكون عالماً بكل العلوم الممهدة له، من فهم بالقرآن والحديث واللغة ومآثر الصحابة والتابعين وأحوال النبي محمد وسيرته وسيرة أوليائه الأقربين، وقد اتفقت هذه التربية أوهذا التوجيه مع نزوعه النفسي، وما كانت تصبوإليه همته من غايات، فقد وجهته أسرته إلى القرآن الكريم منذ نشأته الأولى فحفظه، وظهرت عليه الألمعية مع الأمانة والتقى، حتى إذا أتم حفظ القرآن الكريم وفهم اللغة، اتجه إلى الديوان ليتمرن على التحرير والكتابة، ولقد نطق في ذلك: «كنت وأنا غُلَيم أختلف إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأنا ابن أربع عشرة سنة».

وكان ابن حنبل وهوصبي محل ثقة الذين يعهدونه من الرجال والنساء، وقد كان نُجبه واستقامته أثرين ملاحظين لكل أترابه وآبائهم، يتخذه الآباء قدوة لأبنائهم، حتى نطق بعض الآباء: «إني أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين لكي يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف من الممكن أن يخرج!»، وجعل يعجب.

أزقابل وأولاده

لم يتزوج أحمد بن حنبل إلا بعد حتى بلغ الأربعين، وقيل حتى ذلك كان بسبب اشتغاله بالفهم، أولأن أمه كانت موجودة بجواره ترعى شؤونه، أولأنه كان يكثر من الرحلات وتطول غيبته عن بلده، فلما حتى بلغ الأربعين وأصبح أقرب إلى الاستقرار من ذي قبل فكر في الزواج، وقد نطق ابن الجوزي في ذلك: «كان رضي الله عنه شديد الإقبال على الفهم، سافر في طلبه السفر البعيد، ووفر على تحصيله الزمان الطويل، ولم يتشاغل بكسب ولا نكاح حتى بلغ منه ما أراد». وكانت أولى زوجاته هي العباسة بنت الفضل، وهي فتاة عربية من ربض بغداد أي من ضواحيها القريبة، وقد عاشت مع أحمد بن حنبل ثلاثين سنة، وأنجبت منه ولدهما صالحاً، وقد نطق المروذي تلميذ أحمد بن حنبل في شأن العباسة: «سمعت أبا عبد الله يقول: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهي في حدثة»، ولما توفيت أم صالح تزوج أحمد زوجته الثانية ريحانة، وأنجبت منه ولداً واحداً هوعبد الله، فلما ماتت أم عبد الله اقتنى جاريةً اسمها حُسْن، فأنجبت له زينب ثم توأمين هما الحسن والحسين، فماتا بعد ولادتهما، ثم وَلدت الحسن ومحمداً، ثم وَلدت بعد ذلك سعيداً. وقد نبغ في الفقه من أولاده صالح وعبد الله، وأما سعيد فقد ولي قضاء الكوفة فيما بعد.


طلبه للحديث النبوي

كان بين يدي أحمد بن حنبل فهمان من علوم الشريعة الإسلامية عليه حتى يختار أحدهما، فهوإما حتى يختار مسلك الفقهاء، وإما حتى يختار حتىقد يكون راوياً من رواة الحديث وحافظاً من حفاظه، فقد ابتدأت الطريقتان تتميزان في عصره، وابتدأ الفهمان ينفصلان، ولقد كان في العراق المنزعان، فقد كان في بغداد فقه العراق، كما كان فيها المحدثون الحفاظ.

اختار أحمد بن حنبل في صدر حياته رجال الحديث ومسلكهم، فاتجه إليهم أول اتجاهه، ويظهر أنه قبل حتى يتجه إلى المحدثين راد طريق الفقهاء الذين جمعوا بين الرأي والحديث، فقد رُوي حتى أول تلقيه كان على القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ولكنه مال بعد ذلك إلى المحدثين الذين انصرفوا بجملتهم للحديث، فقد نطق: «أول من خطت عنه الحديث أبويوسف»، ولكنه لم يدم في الأخذ عنه، فقد انصرف إلى المحدثين انصرافاً لم يبتره عن الاطلاع على ما أنتجته عقول الفقهاء العراقيين من فتاوى وأقضية وتخريج، بل إنه قد اطلع عليها، ولكن همته لم تكن إليها.


في بغداد

طلب أحمد بن حنبل الحديث في فجر شبابه، وكان المحدثون في جميع بقاع الأراضي الإسلامية، وكان لا بد للإمام أحمد حتى يأخذ عن جميع فهماء الحديث في العراق والشام والحجاز وتهامة، ولعله أول محدث قد جمع الأحاديث في جميع الأنطقيم ودوَّنها، وإن مسنده لشاهد على ذلك، فهوقد جمع الحديث الحجازي والشامي والبصري والكوفي جمعاً متناسباً. وقد بدأ اتجاه ابن حنبل إلى الحديث من سنة 179هـ، واستمر مقيماً ببغداد يأخذ من شيوخ الحديث فيها ويخط جميع ما يسمع حتى سنة 186هـ، أي أنه استمر بطلب حديث البغداديين نحوسبع سنين أوأكثر، ثم ابتدأ في هذه السنة رحلته إلى البصرة، وفي العام التالي رحل إلى الحجاز، ثم توالت رحلاته بعد ذلك إلى البصرة والحجاز واليمن وتهامة وغيرها في طلب الحديث.

لازم أحمد بن حنبل منذ حتى بلغ السادسة عشرة من عمره سنة 179هـ إماماً من أئمة الحديث، وهوهُشَيم بن بشير بن أبي حازم الواسطي (المتوفى سنة 183هـ)، واستمر يلازمه نحوأربع سنوات، فلم يهجره حتى بلغ العشرين من عمره، وقد رُوي عن ابن حنبل خبرُ تلك الملازمة ومدتها، فقد نطق: «خطت عن هشيم سنة تسع وسبعين، ولزمناه إلى سنة ثمانين، وإحدى وثمانين، واثنتين وثمانين، وثلاث، ومات في سنة ثلاث وثمانين، خطنا عنه كتاب الحج نحواً من ألف حديث، وبعض التفسير، وكتاب القضاء وخطاً صغاراً»، فسأله ابنه صالح بعد ذلك القول: «يكون ثلاثة آلاف؟»، نطق: «أكثر».

ولم تكن تلك الملازمة تامة، أي أنه لم ينبتر له انقطاعاً تاماً ولم يتصل بغيره مدة أربع سنوات، بل كان يتلقى عن غيره أحياناً، ويحضر بعض مجالس سواه، إذ يُروى أنه سمع من عمير بن عبد الله بن خالد سنة 182هـ قبل موت هشيم، كما سمع في هذه الأثناء من عبد الرحمن بن مهدي، فقد رُوي أنه نطق: «قدم علينا عبد الرحمن بن مهدي سنة ثمانين وقد خضب، وهوابن خمس وأربعين سنة، وكنت أراه في المسجد الجامع»، كما كان يستمع إلى أبي بكر بن عباس ويروي عنه. وبعد موت الشيخ هشيم بن بشير، أخذ أحمد بن حنبل يتلقى الحديث حيثما وجده، ومكث ببغداد نحوثلاث سنوات يأخذ من شيوخها بجد ودأب، ومن غير حتى يخص أحداً بفضل ملازمة دون غيره كما كان شأنه مع شيخه هشيم، إذ كان قد بلغ العشرين عاماً أوقاربها عند موت هشيم، فسار في طلب الحديث في دأب عثر وعزم، وأمه تشجعه وترشده وتدعوه إلى الرفق بنفسه إذا وجدت منه إرهاقاً لنفسه، وقد نطق هوفي ذلك: «كنت من الممكن أردت البكور في الحديث، فتأخذ أمي بثيابي حتى يؤذِّن الناس أوحتى يصبحوا».

رحلته في طلب الحديث

بدأ أحمد بن حنبل رحلاته سنة 186هـ ليتلقى الحديث عن الرجال، فرحل إلى العراق وإلى الحجاز وإلى تهامة وإلى اليمن، وكان يود حتى يرحل إلى الري ليستمع إلى جرير بن عبد الحميد، ولم يكن قد رآه قبل في بغداد، ولكن أقعده عن الرحلة إليه عظيمُ النفقة عليه في هذا السبيل. وتوالت رحلاته ليتلقى عن رجال الحديث شفاهاً، ويخط عن أفواههم ما يقولون، فرحل إلى البصرة خمس مرات، كان يقيم فيها أحياناً ستة أشهر يتلقى عن بعض الشيوخ، وأحياناً دون ذلك وأحياناً أكثر، على حسب مقدار تلقيه من الشيخ الذي رحل إليه.

ورحل إلى الحجاز وتهامة خمس مرات، أولاها سنة 187هـ، والتقى في هذه الرحلة بالإمام الشافعي في مكة المكرمة، وأخذ مع حديث أبي عيينة الذي كان مقصده إليه فقهَ الشافعي وأصوله وبيانه لناسخ القرآن ومنسوخه، وكان لقاؤه بالشافعي بعد ذلك في بغداد عندما اتى الشافعي إليها ومعه فقهه وأصوله محررة مقررة، وكان ابن حنبل قد نضج، حتى كان الشافعي يعول عليه في فهم صحة الأحاديث أحياناً ويقول له: «إذا صح عندكم الحديث فأفهمني به، أمضى إليه حجازياً أوشامياً أوعراقياً أويمنياً». وقد ذكر ابن كثير تفصيل رحلات حجه فنطق: «أول حجة حجها في سنة سبع وثمانين ومئة، ثم سنة إحدى وتسعين، ثم سنة ست وتسعين، وجاور في سنة سبع وتسعين، ثم حج سنة ثمان وتسعين، وجاور إلى سنة تسع وتسعين»، كما نطق ابن حنبل: «حججت خمس حجج، منها ثلاث راجلاً، وأنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً، وقد ضللت في بعضها عن الطريق وأنا ماشٍ، فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني على الطريق، حتى وقفت على الطريق».

كما رحل أحمد بن حنبل إلى الكوفة، ولقي المشقة في هذه الرحلة مع قربها من بغداد، لأن مقامه في الكوفة لم يكن ليناً رقيقاً، فقد رُوي عنه أنه نطق: «خرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لَبِنة فحممت، فرجعت إلى أمي ولم أكن استأذنتها»، ونطق: «لوكان عندي تسعون درهماً كنت رحلت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري، وخرج بعض أصحابنا، ولم يمكنِّي الخروج لأنه لم يكن عندي شيء».

إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
لهَوْنا عن الأيام حتى تتابعت ذنوبٌ على آثارهن ذنوبُ
فيا ليت حتى الله يغفر ما مضى ويأذن لي في توبة فأتوبُ
إذا ما مضى القَرن الذي أنت فيهمُ وخُلِّفتَ في قرن فأنت غريبُ

أحمد بن حنبل

وكان أحمد بن حنبل قد رسم لنفسه حتى يمضى إلى الحج سنة 198هـ، وبعد الحج والمجاورة يمضى إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء اليمن، وقد كاشف بهذه النية رفيقه وصاحبه يحيى بن معين، وقد توافقت رغبتهما في ذلك، فدخلا مكة، وبينما هما يطوفان طواف القدوم إذا عبد الرزاق يطوف، فرآه ابن معين وكان يعهده، فسلم عليه ونطق له: «هذا أحمد بن حنبل أخوك»، فنطق: «حيَّاه الله وثبَّته، فإنه يبلغني عنه كلُّ جميل»، نطق: «نجيء إليك غداً إذا شاء الله حتى نسمع ونخط»، فلما انصرف نطق أحمد معترضاً: «لِمَ أخذت على الشيخ موعداً؟»، نطق: «لنسمع منه، قد أربحك الله مسيرة شهر ورجوع شهر والنفقة»، فنطق أحمد: «ما كان الله يراني وقد نويت نية حتى أفسدها بما تقول، نمضي فنسمع منه»، ثم مضى بعد الحج حتى سمع منه بصنعاء.

سافر ابن حنبل إلى صنعاء، وناله العيش الخشن والمركب الصعب، إذ انبترت به النفقة في الطريق، فأكرى نفسه من بعض الحمالين إلى حتى وافى صنعاء، ولما وصل إلى صنعاء حاول الشيخ عبد الرزاق حتى يعينه، فنطق له: «يا أبا عبد الله، خذ هذا الشيء فانتفع به، فإن أرضنا ليست بأرض متجر ولا مكسب»، ومد إليه بدنانير، فنطق أحمد: «أنا بخير»، ومكث على هذه المشقة سنتين استهان بهما لأنه سمع أحاديث ما كان يفهمها من قبل.

وقد استمر أحمد على الرحلة في طلب الفهم حتى بعد حتى اكتملت رجولته ونضج فهمه، وقد استمر جِده في طلب الحديث وروايته حتى بعد حتى بلغ مبلغ الإمامة، فقد رآه رجل من معاصريه والمحبرة في يده يخط ويستمع، فنطق له: «يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين»، فنطق: «مع المحبرة إلى المقبرة»، وكان يقول: «أنا أطلب الفهم إلى حتى أدخل القبر».

جلوسه للتحديث والفتوى

تخطيط لاسم الإمام أحمد بن حنبل ملحوق بنادىء الرضا عنه

بعد حتى طلب أحمد بن حنبل الحديث من رجاله واستمع إليهم وخط عنهم ما استمع، وطوَّف في الأنطقيم الإسلامية يطلب الحديث، جلس للتحديث والفتيا، ويُروى إنه لم ينصب نفسه للتحديث والفتوى إلا بعد حتى بلغ الأربعين، فقد نطق ابن الجوزي: «إلا حتى الإمام أحمد رضي الله عنه لم يتصدر للحديث والفتوى، ولم يُنصب نفسه لهما حتى تم له أربعون سنة»، ورُوي حتى بعض معاصريه اتى يطلب إليه الحديث سنة 203هـ (أي كان عمره 39 عاماً) فأبى حتى يحدثه، فمضى إلى عبد الرزاق بن همام باليمن ثم عاد إلى بغداد سنة 204هـ فوجد أحمد بن حنبل قد وقع واستوى الناس عليه.

ويظهر حتى أحمد بن حنبل لم يجلس للدرس والإفتاء إلا بعد حتى قصده الناس للسؤال عن الحديث والفقه، فاضطر لأن يجلس لإجابتهم في المسجد، وكانت حياته بعد ذلك تنمِّي هذه الشهرة وتقوِّيها، فلقد عاين الناسُ فضله، ووجدوا تعففه عما عند الولاة والأمراء، ومراعاته لحرمة المسلمين، ثم نزلت المحنة التي صهرت نفسه، وبينت مقدار جَلَده وصبره، وتوالت النوازل، فزاده ذلك علواً وحملة، وزادت مكانته عند الناس. وإذا كان ابن حنبل قد ذاع ذكره في الآفاق الإسلامية قبل حتى يجلس للدرس والإفتاء، فلا بد حتىقد يكون الازدحام على درسه شديداً، ولقد ذكر بعض الروة حتى عدة من كانوا يستمعون إلى درسه نحوخمسة آلاف، وأنه كان يخط منهم نحوخمسمئة، ويدل ذلك على عِظم مكانة أحمد بن حنبل عند البغداديين، وإن كثرة هؤلاء الذين كانوا يحضرون درسه في المسجد كانت سبباً في كثرة رواة فقهه وحديثه، ولم يكن جميع الذين يحضرون الدرس راغبين في فهم ابن حنبل، بل منهم من كان يتيمن به ويريد حتى يتعظ به وينظر إلى هديه وخلقه وأدبه، فقد رُوي عن بعض معاصريه أنه نطق: «اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة، وهويقرأ المسند على أولاده، فما خطت منه حديثاً واحداً، وإنما كنت أميل إلى هديه وأخلاقه وآدابه».

صفة درسه

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

كان للإمام أحمد مجلسان للدرس والتحديث: أحدهما في منزله يُحدِّث فيه خاصةَ تلاميذه وأولاده، والثاني في المسجد يَحضر إليه العامة والتلاميذ، وقد كان وقت درسه في المسجد بعد العصر، أي قبل عتمة الليل وبعد وهج النهار، وقد كان يسود مجلسَه الوقارُ والسكينةُ مع تواضع واطمئنان نفسي، وكان في جميع مجالسه لا يمزح ولا يلهو، وكان مخالطوه لا يمزحون في حضرته، بل إذا شيوخه كانوا لا يمزحون في حضرته، فقد رُوي عن خلف بن سالم أنه نطق: كنا في مجلس يزيد بن هارون، فمزح يزيد مع مستمعيه، فتنحنح أحمد بن حنبل، فضرب بيده على جبينه ونطق: «ألا أفهمتموني حتى أحمد هنا حتى لا أمزح؟»، وقد تجنب ابن حنبل المزاح لأنه كان يرى حتى رواية السُّنة عبادة، ولا مزاح في وقت العبادة.

وكان أحمد بن حنبل لا يُلقي درسه من غير طلب، بل يسأل عن الأحاديث المروية في موضوع فيستحضر الخط التي دوَّن فيها تلك الأحاديث، كما كان إذا نطق حديثاً نبوياً لا يقوله إلا من كتاب حرصاً على جودة النقل، وإبعاداً لمظنة الخطأ ما أمكن، وفي الأحوال النادرة جداً كان يقول الحديث من غير رجوع إلى كتاب، فقد نطق ولده عبد الله: «ما رأيت أبي وقع من حفظه من غير كتاب إلا بأقل من مئة حديث». وقد وصف المروذي صاحب أحمد بن حنبل مجلسه فنطق:

لم أرَ الفقيرَ في مجلس أعزَّ منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلاً إليهم، مقصِّراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حِلم، ولم يكن بالعجول بل كان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس مجلسه بعد العصر لا يتحدث حتى يسأل.

كانت دروس أحمد بن حنبل من حيث موضوعها على قسمين: أحدهما رواية الحديث ونقله، وهذه يمليها على تلاميذه من كتاب ولا يعتمد على حفظه إلا نادراً، وثانيهما فتاويه الفقهية التي كان يضطر إلى استنباطها، وهذه لا يسمح لتلاميذه حتى يدونوها، ولا يسمح لهم حتى ينقلوها عنه، إذ إنه ما كان يستجيز التدوين الرقمي إلا للأحاديث النبوية، وكان أبغض الأمور إليه حتى يرى كتاباً قد دونت فيه فتوى له، فقد بلغه حتى بعض تلاميذه روى عنه مسائل ونشرها بخراسان، فنطق: «اشهدوا أني رجعت عن ذلك كله»، واتى إليه رجل خراساني يخط، فنظر في كتاب من بينها فسقط نظره فوجد كلامه، فغضب ورمى الكتاب من يديه. ولم يكن ذلك بالنسبة لآرائه هوفقط، بل بالنسبة لفقه غيره، فقد كان يَكره وضع الخط التي تشتمل على التفريغ والرأي، ويحب التمسك بالأثر، وقد رُوي عنه أنه نطق لعثمان بن سعيد: «لا تنظر في خط أبي عُبيد ولا فيما وضع إسحاق ولا سفيان ولا الشافعي ولا مالك، وعليك بالأصل».

فقهه وأصول ممضىه

إن أصول الاستنباط التي اتبعها أحمد بن حنبل وبنى فتاويه عليها، ثم صارت أصولاً للممضى الحنبلي وأصحابه من بعده هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وفتوى الصحابي، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، والمصالح، والذرائع. وقد ذكر ابن القيم حتى الأصول التي بنى عليها الإمام أحمد فتاويه خمسة وهي:

  • أولاً: النصوص، فإذا عثر النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولذلك قدم النص على فتاوى الصحابة.
  • ثانياً: ما أفتى به الصحابة ولا يُفهم مخالف فيه، فإذا عثر لبعضهم فتوى ولم يعهد مخالفاً لها لم يهجرها إلى غيرها، ولم يقل إذا في ذلك إجماعاً بل يقول من ورعه في التعبير: «لا أفهم شيئاً يدفعه».
  • ثالثاً: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف ولم يجزم بقول، نطق إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: قيل لأبي عبد الله: «يكون الرجل في قومه فيُسأل عن الشيء فيه اختلاف»، نطق: «يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه».
  • رابعاً: الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهوالذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه. نطق ابن قدامة: مراسيل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة عند الجمهور
  • خامساً: القياس، فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول الصحابة أوواحد منهم، ولا أثر مرسل أوضعيف، مضى إلى القياس، فاستخدمه للضرورة كما نطق ابن القيم، وقد رُوي عن الإمام أحمد أنه نطق: «سألت الشافعي عن القياس فنطق: إنما يُصار إليه عند الضرورة». وقول أحمد بالقياس واعتباره حجة في الأحكام الشرعية يتسار مع منهجه السلفي، واتباع الصحابة رضوان الله عليهم على وجه الخصوص، فقد استخدموا القياس.

محنته

سبب المحنة وأدوارها

سبب المحنة التي سقطت بأحمد بن حنبل هوحتى الخليفة المأمون نادى الفقهاء والمحدثين حتى يقولوا منطقته في خلق القرآن، فيقولوا إذا القرآن مخلوق محدَث، كما يقول أصحابه من المعتزلة الذين اختار منهم وزراءه وصفوته، ولكن أحمد بن حنبل لم يوافق المأمون في رأيه، ولم ينطق بمثل منطقته بل قام بتكفير جميع من يقول بخلق القرآن، حيث نطق أحمد بن حنبل:

«والقرآن كلام الله تكلّم به، ليس بمخلوق، ومن زعم حتى القرآن مخلوق فهوجهمي كافر، ومن زعم حتى القرآن كلام الله ووقف ولم يَقُل ليس بمخلوق فهوأخبث من قول الأول، ومن زعم حتى ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهوجهمي، ومن لم يُكفّر هؤلاء القوم كلهم فهومثلهم.»

وقد أدى ذلك إلى نزول الأذى الشديد به، والذي ابتدأ في عصر المأمون ثم توالى في عصر المعتصم والواثق بوصية من المأمون واتباعاً لمسلكه. واستمر حبسه ثمانية وعشرين شهراً

في عهد المأمون

لما تولى المأمون الخلافة أحاط به المعتزلة، وكان جل حاشيته من رجالهم، وأدناهم إليه وقرَّبهم نحوه وأكرمهم أبلغ الإكرام، والسبب في ذلك الميل أنه كان تلميذاً لأبي الهذيل العلاف في الأديان والموضوعات، وأبوالهذيل من رؤوس المعتزلة. ولما عقد المأمون المجالس للمناظرات والمناقشات في الموضوعات والنحل كان المعتزلة هم السابقين والبارزين على الخصوم، لِما اختصوا به من دراسات عقلية واسعة، فكان لهم أثر كبير في نفس المأمون، يجتبي منهم من يشاء لصحبته، ويختار منهم من يريد لوزارته، وخص منهم أحمد بن أبي دؤاد بالرعاية والعطف والتقريب، حتى إنه أوصى أخاه المعتصم بإشراكه معه في أمره، فقد نطق في وصيته: «وأبوعبد الله بن أبي دؤاد، فلا يفارقك، وأشركه في المشورة في جميع أمرك فإنه موضع لذلك منك».

ولما أحس المعتزلة بهذه المنزلة، زينوا له إعلان قوله في خلق القرآن نشراً لممضىهم وليكتسبوا إجلال العامة واحترامهم، فأعرب ذلك سنة 212هـ، وناظر من يغشى مجلس مناظرته في هذا الشأن، وأدلى فيها بحججه وأدلته، وهجر الناس أحراراً في عقائدهم، لا يُحملون على فكرة لا يرونها، ولا عقيدة لا يستسيغون الخوض في شأنها. ولكن في سنة 218هـ، وهي السنة التي توفي فيها، بدا له حتى يدعوالناس بقوة السلطان إلى اعتناق فكرة خلق القرآن، فأراد حتى يحملهم على ذلك قهراً، فابتدأ ذلك بإرسال خطه وهوبالرقة إلى نائبه في بغداد إسحاق بن إبراهيم يأمره بامتحان الفقهاء والمحدثين، ليحملهم على حتى يقولوا إذا القرآن مخلوق، فقد اتى في أول كتاب أوفده إلى نائبه في بغداد:

«فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق القرآن وإحداثه، وأفهمهم حتى أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ولا واثق فيمن قلده واستحفظه من رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده ويقينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة فمرهم بنص من يحضرهم من الشهود على الناس، ومسألتهم عن فهمهم في القرآن، وهجر شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث ولم يره، والامتناع عن توقيعها عنده، واخط إلى أمير المؤمنين بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك، ثم أشرف عليهم وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدين، والإخلاص للتوحيد.»
سقطت فتنة خلق القرآن في العصر العباسي، وأدَّت إلى إيذاء كثير من الفهماء أشهرهم أحمد بن حنبل

فأحضر إسحاق بن إبراهيم القضاة والمحدثين وكل من تصدى للفتوى والتعليم والإرشاد، فاختبرهم وامتحنهم، وأوفد إجاباتهم عن مسألته في خلق القرآن إلى المأمون، فأوفد المأمون كتاباً يبين سخف هذه الإجابات في نظره، ويجرح المجيبين، ثم ذكر في هذا الكتاب عقوبات لمن لم يقل منطقته، إذ أمر بحمل من لم يقل ذلك إليه موثقاً. وقد سارع إسحاق بن إبراهيم إلى تطبيق رغبته، فأحضر المحدثين والفقهاء والمفتين، وفيهم أحمد بن حنبل، وأنذرهم بالعقوبة الصارمة والعذاب العتيد إذا لم يقروا بما طلب منهم، ويحكموا بالحكم الذي ارتآه المأمون من غير تردد أومراجعة، فنطقوا جميعاً بما طلب منهم وأعربوا اعتناق ذلك الممضى إلا أربعة منهم أصروا على موقفهم إصراراً جريئاً، وهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والقواريري، وسجادة، فشُدوا في الوثاق، وكبلوا بالحديد، وباتوا ليلتهم مصفدين في الأغلال، فلما كان الغد أجاب سجادة إسحاق فيما يدعوإليه، فخلوا عنه وفكوا قيوده، واستمر الباقون على حالهم، وفي اليوم التالي، أعيد السؤال عليهم، وطلب الجواب إليهم، فخارت نفس القواريري وأجابهم إلى ما طلبوا ففكوا قيوده، وبقي اثنان، فسيقا في الحديد ليلتقيا بالمأمون في طرسوس، وقد توفي محمد بن نوح في الطريق. وأما الذين أجابوا فقد طلب منهم حتى يقابلوا المأمون أحراراً، فقدموا كفلاء بأنفسهم ليوافوه بطرسوس.

وبينما هم في الطريق توفي المأمون، ولكنه لم يودِّع الدنيا من غير حتى يوصي أخاه المعتصم بالاستمساك بممضىه في القرآن، ودعوة الناس إليه بقوة السلطان، وبسبب هذه الوصية فإن المحنة لم تنبتر بوفاة المأمون، بل اتسع نطاقها وزادت ويلاتها، وكانت شراً مستطيراً على المتوقفين من الزهاد والفهماء والفقهاء والمحدثين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، فقد بلغ البلاء أشده والمحنة أقصاها في عهد المعتصم، ثم في عهد الواثق.

في عهد المعتصم

لم يكن المعتصم رجل فهم بل كان رجل سيف، فهجر أمر خلق القرآن لأحمد بن أبي دؤاد يدبر الأمر فيه، لينفذ وصية المأمون في ذلك، وأحمد بن أبي دؤاد هذا هوصاحب الفكرة في حمل الناس على ذلك القول بقوة السلطان وعنف الامتحان، وإنزال البلاء والسجن والتقييد ووضع الاغلال.

تبين حتى المأمون قد توفي عندما كان أحمد بن حنبل مقيداً مسوقاً، فأعيد إلى السجن ببغداد حتى يصدر في شأنه أمر، ثم سيق إلى المعتصم، واتُّخذت معه ذرائع الإغراء والإرهاب، فما أجدى في حمله ترغيب ولا ترهيب، فنفذوا الوعيد، فأخذوا يضربونه بالسياط المرة بعد الأخرى، ولم يُهجر في جميع مرة حتى يغمى عليه، وينخس بالسيف فلا يحس، وتكرر ذلك مع حبسه نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، فلما استيئسوا منه وثارت في نفوسهم بعض نوازع الرحمة أطلقوا سراحه وأعادوه إلى بيته وقد أثخنته الجراح، وأثقله الضرب المبرح المتوالي والإلقاء في غيابات السجن. وبعد حتى عاد أحمد بن حنبل إلى بيته استقر فيه، وكان لا يقوى على السير، واستمر منبتراً عن الدرس والتحديث ريثما التأمت جراحه، واستطاع حتى يخرج إلى المسجد، فلما رُدت إليه العافية ومضىت وعثاء هذه المحنة عن جسمه، وإن كانت قد هجرت آثاراً وندوباً فيه وأوجاعاً في بعض أجزائه، مكث يُحدث ويُدرس بالمسجد حتى توفي المعتصم.

في عهد الواثق

لما تولى الواثق الحكم أعاد المحنة على أحمد بن حنبل، ولكنه لم يتناول السوط ويضربه كما عمل المعتصم، إذ رأى حتى ذلك زاده منزلة عند الناس، وزاد فكرته ذيوعاً، ومنع دعوة الخليفة حتى تَذيع وتفشو، فوق ما ترتب على ذلك من سخط العامة ونقمة مَن سماهم ابنُ أبي دؤاد "حشوالأمة"، ولذلك لم يُرِد أحمد بن أبي دؤاد والواثق من بعد المعتصم حتى يعيد الأذى الجسمي، بل منعه فقط من الاجتماع بالناس، ونطق الواثق له: «لا تجمعن إليك أحداً ولا تساكني في بلد أنا فيه»، فأقام ابن حنبل مختفياً لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها، حتى توفي الواثق، وبذلكقد يكون أحمد بن حنبل قد انبتر عن الدراسة مدة تزيد عن خمس سنوات إلى سنة 232هـ، وبعدها عاد إلى الدرس والتحديث مكرماً عزيزاً تحمله عزة التقى وجلال السن والقناعة والزهادة وحسن البلاء.

وينبغي الذكر حتى المحنة لم تكن مقصورة على أحمد بن حنبل وإن كان قد تجاوز غيره إلى الصبر، بل تجاوزته إلى غيره، وكان الفقهاء يساقون من الأمصار إلى بغداد ليُختبروا في هذه المسألة، وممن هبط به من ذلك: يوسف بن يحيى البويطي الفقيه المصري صاحب الإمام الشافعي، فقد حُمل مقيَّداً مغلولاً حتى توفي في أصفاده، ومنهم نعيم بن حماد، فقد توفي في سجن الواثق مقيداً لذلك، وقد رُوي حتى الواثق عاد في آخر حياته عن إنزال المحنة بمن لا يرى هذا الرأي، وذلك بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها حتى الأَولى هجرُ امتحان الناس فيما يعتقدون.

في عهد المتوكل

ولي الخليفة المتوكل بعد الواثق سنة 232هـ، فقام بإنهاء تلك المحنة التي سقطت بأهل السنة القائلين بأن القرآن غير مخلوق، حتى نطق فيه إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة: «الخلفاء ثلاثة: أبوبكر الصديق قاتلَ أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة»، ونطق ابن الجوزي: «أطفأ المتوكل نيران البدعة، وأوقد مصابيح السنة».

ثم بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته بتسيير أحمد بن حنبل إليه، فلما خرج أحمد بن حنبل إلى المتوكل رُدَّ من بعض الطريق، ثم توفي إسحاق بن إبراهيم وولي مكانه ابنه عبد الله بن إسحاق، فنَقل بعض أعداء ابن حنبل إلى المتوكل حتى أحمد بن حنبل كان يُخفي بعض أحفاد علي بن أبي طالب عنده، فخط المتوكل إلى عبد الله بن إسحاق: «أن وجِّه إلى أحمد بن حنبل حتى عندك طلبة أمير المؤمنين (يعني المتآمرين على إسقاطه)»، فحُلِّف أحمد بن حنبل حتى ما عنده أحد من أولئك، وفُتش منزله ومنزل ابنه صالح فلم يجدوا فيها أحداً، فثبتت بذلك براءة أحمد بن حنبل، ثم أوفد إليه المتوكل يُخيِّره بما يعمل بالمحرضين عليه، نطق الإمام أحمد: قد اتىني أبوعلي يحيى بن خاقان فنطق لي: «إن كتاباً اتىه فيه: إذا أمير المؤمنين يُقرئك السلام ويقول لك: لوسَلِم أحد من الناس سَلمتَ أنت، ها هنا رجل قد حمل عليك وهوفي أيدينا محبوس، حمل عليك حتى علوياً قد توجَّه من قِبل خراسان، وقد بعثت برجل من أصحابك يتلقاه وهوذا محبوس، فإن شئتَ ضربتُه، وإن شئتَ حبستُه، وإن شئتَ بعثتُ به إليك»، نطق: «فقلت له: ما أعهد مما نطق شيئاً، أرى حتى تطلقوه ولا تعرضوا له»، فقيل للإمام أحمد: «سفك الله دمه، قد أشاط بدمائكم»، فنطق: «ما أراد إلا استئصالنا ولكن قلت: لعل له والدة أوأخوات أوبنات، أرى حتى تخلوا سبيله ولا تعرضوا له».

ثم بعث علي بن الجهم كتاباً لأحمد بن حنبل يأمره بالخروج إلى يعقوب أحد حجاب المتوكل ليتلقى جائزة من المتوكل، ونصحه بأخذ الجائزة حتى يُبعد الشبهة عن نفسه، فمضى ابن حنبل إلى يعقوب، فنطق يعقوب: «يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد صحَّ عندنا نقاء ساحتك، وقد أحببت حتى آنس بقربك، وأن أتبرك بنادىئك، وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك»، وأخرج بدرة فيها صرة فلم ينظر ابن حنبل إليها، فشدّها يعقوب وبعثها إليه، فوزعها ابن حنبل على أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم حتى لم يبق منها شيء، وخط صاحب البريد أنه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس.

معيشته ومصادر رزقه

عاش أحمد بن حنبل فقيراً مكدوداً محدوداً، ولم يعش مجدوداً ذا مال وفير، وكان يؤثر الخصاصة على حتىقد يكون ذا مال لا يعهد أنه حلال خالص، أوقد يكون فيه منة العطاء، وكثيراً ما كانت تضطره حاله حتى يعمل بيديه ليكسب، أوحتى يؤجر نفسه في عمل يعمله إذا انبتر به الطريق ولم يكن معه مال، وكان يؤثر ذلك على حتى يقبل العطاء. وقد كان الإمام أحمد يعيش من غلة عقار قد هجره له أبوه، ويظهر أنه كانت له دكاكين يؤجرها، وإن كانت لا تجعله في بحبوحة من العيش فإنها تسد خلته وتدفع حاجته، والأخبار متضاربة على أنها لم تكن كبيرة بل كانت ضئيلة، وقد ذكر ابن كثير مقدارها فنطق: «وكانت غلته من ملك له في جميع شهر سبعة عشر درهماً، ينفقها على عياله، ويتقنع بذلك رحمة الله صابراً محتسباً». ويُروى حتى رجلاً سأل الإمام أحمد عن العقار الذي كان يستغله ويسكن داراً منه كيف من الممكن أن سبيله عنه، فنطق له: «هذا شيء قد ورثته عن أبي، فإن اتىني رجل فصحح أنه له خرجت عنه ودفعته إليه».

وكان الإمام أحمد لا يرضى حتى يأخذ من أحد عطاءً، ولا حتى يقبل منه معونةً، ولقد كانت تشتد به الحال أحياناً، إذ لا تكفي تلك الغلة لنفقات عياله، وتنزل به العسرة فكان يتحملها صابراً، وكانت تلك العسرة تشتد وتعلوعن الاحتمال إذا كان في سفر وانبتر منه الزاد، فكان لا يهن ولا يضعف، ويتعب جسمه أيضاً في سبيل راحة نفسه. وقد كان ابن حنبل مع هذه القلة من المال من أسخى الناس بما في يده وما يستطيع، وكان حريصاً متشدداً في حتىقد يكون ماله حلالاً طيباً، وكان عند الزكاة يبالغ في الإيجاب على نفسه فيختار أشد الأقوال، حتى كان يدفع زكاة عن عقاره الذي يغل والذي يسكنه، مستأنساً بفتوى لعمر بن الخطاب عندما فتح سواد العراق.

وكان أحمد بن حنبل يتعفف عن مال الخلفاء، بل كان يبعده عن نفسه إلى درجة النفور منه، فعندما اتى الإمام الشافعي إلى بغداد في المرة الثانية التي أقام فيها ونشر ممضىه بها، كان ابن حنبل قد التزم مجلسه، وما كان يفارقه إلا لطلب حديث في السفر أوالحضر، ولاحظ الشافعي حتى أحمد كان يرحل إلى اليمن لطلب حديث عبد الرزاق بن همام، وكان يلاحظ بعد الشقة وعظم المشقة التي يعانيها الإمام أحمد في هذه الرحلة بسبب قلة المال، وكان الخليفةُ الأمين قد كلَّف الإمام الشافعي حتى يختار قاضياً لليمن، فوجد حتى من التسهيل على الإمام أحمد حتىقد يكون هوقاضي اليمن، ليَسهُل عليه السماع من عبد الرزاق من غير مشقة، فعرض على أحمد فرفض، فكرر العرض، فنطق أحمد للشافعي، وهوشيخه وله منه التجلة والاحترام: «يا أبا عبد الله، إذا سمعتُ منك هذا ثانياً لم ترني عندك». ويُروى أيضاً حتى المأمون دفع إلى شيخ من شيوخ الحديث في عصره مالاً ليقسمه على أصحاب الحديث لأن فيهم ضعفاء أراد حتى يعينهم على ما خصصوا أنفسهم له، فما بقي منهم أحد إلا أخذ ما عدا أحمد بن حنبل. وكان أحمد بن حنبل يرد عطاء الخليفة ولوكان قد أوفده ليوزعه على أهل الحاجة والمعوزين، فقد رُوي حتى الخليفة المتوكل وجه إليه ألف دينار ليوزعها على أهل الحاجة فنطق: «أنا في البيت منبتر عن الناس، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا ما أكره».

سقمه ووفاته

نطق صالح بن أحمد بن حنبل واصفاً سقمَ أبيه قُبيل وفاته:

«لما كان في أول يوم من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومئتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاء، فدخلتُ عليه يوم الأربعاء وهومحموم يتنفس تنفساً شديداً، وكنت قد عهدت علته، وكنت أمرِّضُه إذا اعتل، فقلت له: «يا أبة، علام أفطرت البارحة؟»، نطق: «على ماء باقلَّاء»، ثم أراد القيام فنطق: «خذ بيدي»، فأخذت بيده، فلما صار إلى الخلاء ضعفت رجلاه حتى توكأ علي، وكان يختلف إليه غيرُ متطبب كلهم مسلمون، فوصف له متطبب يُنطق له عبد الرحمن قَرعةً تُشوى ويُسقى ماءها، وهذا يوم الثلاثاء، وتوفي يوم الجمعة، فنطق: «يا صالح»، قلت: «لبيك»، نطق: «لا تُشوى في منزلك ولا منزل عبد الله أخيك». وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده فحجبته، وأتى ابن علي بن الجعد فحجبته، وكثُر الناس، فقلت: «يا أبةِ قد كثر الناس»، نطق: «فأي شيء ترى؟»، قلت: «تأذن لهم فيدعون لك»، نطق: «أستخير الله»، فجعلوا يدخلون عليه أفواجاً حتى تمتلئ الدار، فيسألونه ويدعون له ثم يخرجون ويدخل فوج آخر، وكثر الناس وامتلأ الشارع وأغلقنا باب الزقاق، واتى رجل من جيراننا قد خضب فدخل عليه فنطق: «إني لأرى الرجلَ يُحيي شيئاً من السنة فأفرح به»، فدخل فجعل يدعوله، فجعل يقول: «له ولجميع المسلمين»، واتى رجل فنطق: «تلطَّفْ لي بالإذن عليه، فإني قد حضرت ضربه يوم الدار وأريد حتى أستحله»، فقلت له: «فأمسك»، فلم أزل به حتى نطق: «أدخله»، فأدخلته، فقام بين يديه وجعل يبكي ونطق: «يا أبا عبد الله، أنا كنت ممن جاء ضربك يوم الدار، وقد أتيتك، فإن أحببتَ القِصاص فأنا بين يديك، وإن رأيتَ حتى تُحلَّني عملت»، فنطق: «على حتى لا تعود لمثل ذلك»، نطق: «نعم»، نطق: «قد جعلتك في حل»، فخرج يبكي، وبكى من جاء من الناس، وكان له في خُريقة قُطيعات، فإذا أراد الشيء أعطينا من يشتري له، فنطق لي يوم الثلاثاء وأنا عنده: «انظر في خريقتي شيء؟»، فنظرت فإذا فيها درهم، فنطق: «وجِّه فاقتَضِ بعض السكان»، فوجهت فأعطيت شيئاً، فنطق: «وجِّه فاشتر تمراً وكفِّر عني كفارة يمين»، فوجهت فاشتريت وكفرت عنه كفارة يمين، وبقي ثلاثة دراهم أونحوذلك، فأبلغته فنطق: «الحمد لله»، ونطق: «اقرأ علي الوصية»، فقرأتها عليه فأقرَّها.»

ومات أحمد بن حنبل في وقت الضحى من يوم الجمعة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241هـ، وهوابن سبع وسبعين سنة، ودُفن بعد العصر، نطق عبد الله بن أحمد بن حنبل: «توفي أبي في يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين».

أخلاقه وصفاته

الورع والزهد

كان أحمد بن حنبل ورعاً زاهداً، فقد كان كثير التعبد في محراب الفهم ومحراب الصلاة، دائم الصوم حتى في أيام المحنة، إذ كان يُجلد بالسياط وهوصائم تطوعاً تبتلاً، وكانت صلاته في اليوم ثلاثمئة ركعة، فلما أوذي في المحنة ونزل به من الضرب والجلد ما هبط وبقيت آثار الجلد تؤلمه إلى حتى مات، لم يستطع حتى يحافظ على الركعات الثلاثمئة فأنزلها إلى مئة وخمسين ركعة في اليوم، وكانت له ختمة في جميع سبع ليال.

وكان ابن حنبل يتمثل الموت دائماً، وكان إذا ذكر الموت خنقته العبرة، ويردف قائلاً: «الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب»، كما كان شديد التعلق برسول الإسلام محمد، ولم يكن هذا التعلق بالحب والاهتمام بالحديث النبوي والاحتفال بالسنة النبوية وحسب، وإنما بما يقع تحت يده من آثار النبي محمد، فقد نطق ابنه عبد الله: «رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فمه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغسلها في حُب الماء، ثم استهلك فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه».

غزارة الفهم

مخطوطة تنسب إلى أحمد بن حنبل

ذاع فهم أحمد بن حنبل واشتهر وهوحي يرزق، بل إذا فهمه بالحديث والأثر ذاع وهولا يزال شاباً يتلقى الفهم ويأخذ عن الشيوخ، وقد نطق فيه أحمد بن سعيد الرازي وهوشاب: «ما رأيت أسْودَ الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أفهم بفقهه من أحمد بن حنبل»، ونطق له شيخه الشافعي: «أنت أفهم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان الخبر سليماً فأفهمني حتى أمضى إليه كوفياً كان أومصرياً أوشامياً»، ورُوي عن الإمام الشافعي أيضاً أنه نطق: «ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي»، ونطق معاصره علي بن المديني: «ليس فينا أحفظ من أبي عبد الله بن حنبل»، ونطق أيضاً: «أعهد أبا عبد الله منذ خمسين سنة وهويزداد خيراً».

وينبغي الذكر حتى أحمد بن حنبل كان يعهد اللغة الفارسية ويتحدث بها أحياناً، فقد رُوي أنه قدِم عليه من خراسان ابنُ خالته ونزل عنده، ولما قدَّم له الطعام كان ابن حنبل يسأله عن خراسان وأهلها وما بقي من ذوي أحمد بها، وربما استعجم القول على الضيف، فيحدثه أحمد بالفارسية.

قوة الحفظ

كان أحمد بن حنبل يمتاز بقوة الحافظة، وقد تضافرت الأخبار في ذلك يؤيد بعضها بعضاً، نطق ابن حنبل: «كنت أذاكر وكيعاً بحديث الثوري، فكان إذا صلى العشاء خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة أحاديث أوالعشرة فأحفظها، فإذا ولج نطق لي أصحاب الحديث: أملِ علينا، فأمليها عليهم فيخطونها». كما شهد معاصروه بقوة حفظه وضبطه، فقد قيل لمعاصره أبي غرسة: «من رأيت من المشايخ والمحدثين أحفظ؟»، نطق: «أحمد بن حنبل». ونطق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا غرسة يقول: «كان أحمد بن حنبل يحفظ ألفَ ألفِ حديث»، فقيل له: «وما يدريك؟»، نطق: «ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب».

الصبر

اتصف أحمد بن حنبل بالصبر والجَلَد وقوة الاحتمال، وهذه هي أبرز صفاته، وهي التي أذاعت ذكره ونشرت خبره، وقد كانت هذه الصفة المزاج الذي اختص به الإمام أحمد، فجمع بها بين الفقر والجود والعفة وعزة النفس والإباء، وبين العفوواحتمال الأذى، وهي التي جعلته يحتمل ما يحتمل في طلب الفهم، غير وانٍ ولا راضٍ بالقليل منه، يجوب الأقطار ويبتر الفيافي والقفار، راكباً إذا أسعفته الحال، وماشياً إذا ضاقت النفقة، ولما صار له شأن وتصدى للدرس والإفتاء هبط به البلاء الأكبر والمحنة العظمى، فكانت تلك الصفة هي عهدته، وبها كانت أهبته، فقد صبر وصابر الذين أنزلوا به الأذى، حتى ملوا الأذى ولم يهن ولم يستكن، ولم يستخذلهم ولم يجبهم إلى قولهم.

ومن الأخبار التي تدل على قوة جنانه وثباته أنه ولج على الخليفة في أيام المحنة، بعد حتى هولوا عليه لينطق بما ينجيه ويرضيهم، وكانوا قد ضربوا عنق رجلين في حضرته، ولكنه في وسط ذلك المنظر المروع، سقط نظره على بعض أصحاب الشافعي، فسأله: «وأي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين؟»، فأثار ذلك دهشة الحاضرين، وراعهم ذلك الجنان الثابت، حتى نطق خصمه أحمد بن أبي دؤاد متعجباً: «انظروا لرجل هوذا يُقدم به لضرب عنقه فيناظر في الفقه».

التواضع

كان أحمد بن حنبل متواضعاً متطامناً لعامة الناس، مقيلاً لعثراتهم، وقد حكى عنه تلميذه المروزي فنطق: «لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتحدث حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لا يتصدر، ويقعد حيث انتهى به المجلس».

الهيبة

كان أحمد بن حنبل مهيباً من غير خوف، وموضعاً للإجلال والاحترام من غير رهبة، وكانت له هيبة حتى في نفس أساتذته، فقد كان بعض أساتذته يمزح مع بعض تلاميذه غير عالم بمكان أحمد من المجلس، فلما فهم بمكانه لامهم إذ لم ينبهوه على وجوده حتى لا يمزح وهوفي حضرته. وكانت الشرطة تهابه أيضاً، أما هيبة تلاميذه له فأعظم من ذلك، فقد نطق فيه أحد تلاميذه: «كنا نهاب حتى نرد أحمد في الشيء أونحاجه في شيء من الأمور»، ونطق أحد معاصريه الذين تتلمذوا له: «دخلت على إسحاق بن إبراهيم، وفلان وفلان من السلاطين، فما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أحدثه في شيء فسقطت علي الرعدة حين رأيته من هيبته»، ونطق أبوعبيدة القاسم بن سلام: «جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت أحداً منهم ما هبت أحمد بن حنبل».

صفته الشكلية

كان أحمد بن حنبل يوصف بالحُسن، نطق أحمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيضاء، ورأيته مُعتمَّاً وعليه إزار. ونطق عبد الله بن أحمد بن حنبل: خضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهوابن ثلاث وستين سنة. وكانت تعلوه سكينة ووقار وخشية، وكان نظيفاً في ملبسه، أنيقاً في هيئته في نطاق الحِفاظ على زهده، وقد وصفه تلميذه عبد الملك بن عبد الحميد الميموني بقوله: «ما أفهم أني رأيت أحداً أنظف ثوباً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوباً وشدة بياض من أحمد بن حنبل».

خطه ومؤلفاته

كان أحمد بن حنبل منبتراً إلى الفهم بصفة عامة وللحديث بصفة خاصة، ولذلك فإنه هجر رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث أكثر من اندراجها تحت أي باب آخر من العلوم الدينية، وحتى تلك التي لا يشير اسمها على أنها خط حديث تعتمد أكثر ما تعتمد على الأحاديث النبوية، تأخذ منها مادتها وتنسج منها موضوعاتها.

وأما الخط التي تنسب للإمام أحمد فهي:

  1. المسند، وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمَّنه ثلاثين ألف حديث حسب رواية أبي الحسن بن المناوي، ومضى قوم إلى حتى عدد أحاديث المسند أربعون ألفاً، على حتى أحاديث المسند قد انتقيت من سبعمئة وخمسين ألف حديث رويت من أكثر من سبعمئة صحابي، وكان الإمام أحمد يُملي الأحاديث على خاصته وخصوصاً ولده عبد الله، كما كان يسجل بعضها في كثير من الأحيان بنفسه، ولكنه توفي قبل حتى يُخرج العمل الكبير للناس بنفسه، فقام ابنه عبد الله على إعداده، وإضافة بعض ما سمع من أحاديث سليمة نصَّ على أنه أضافها بعد وفاة أبيه.
  2. العلل وفهم الرجال، برواية ابنه عبد الله.
    يُعد مسند الإمام أحمد من أشهر خط الحديث وأوسعها
  3. الأسامي والكنى.
  4. سؤالات أبي داوود.
  5. العلل وفهم الرجال، برواية المروذي وغيره.
  6. مسائل الإمام أحمد، برواية ابنه عبد الله، وآخر برواية ابنه أبي الفضل صالح، وآخر برواية أبي داود السجستاني.
  7. أصول السنة.
  8. العقيدة، برواية أبي بكر الخلال.
  9. الورع، برواية المروزي.
  10. الرد على الجهمية والزنادقة.
  11. الزهد.
  12. العلل وفهم الرجال، برواية المروذي وغيره.
  13. الأشربة.
  14. فضائل الصحابة.
  15. سؤالات الأثرم لأحمد بن حنبل.
  16. أحكام النساء.

شيوخه

روى أحمد بن حنبل عن كثير من الفهماء والأئمة ورواة الحديث، وقد جمعهم ابن الجوزي في كتاب "مناقب الإمام أحمد بن حنبل" في الباب الخامس "في تسمية من لقي من كبار الفهماء وروى عنهم" وقد رتبهم على الحروف الأبجدية، ومنهم: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أبوإسحاق الزهري، ومحمد بن إدريس أبوعبد الله الشافعي، والمعتمر بن سليمان أبومحمد التيمي، ويحيى بن سعيد أبوسعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي أبوسعيد الأزدي، ووكيع بن الجراح أبوسفيان الرؤاسي، ويزيد بن هارون أبوخالد الواسطي، وعبد الرزاق بن همام، والوليد بن مسلم أبوالعباس الدمشقي، وهشيم بن بشير أبومعاوية الواسطي، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد أبويوسف الزهري، وسفيان بن عيينة أبومحمد الهلالي، وإسماعيل بن إبان أبوإسحاق الورَّاق الأزدي، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبويعقوب الحنظلي المعروف بابن راهويه، وبشر بن السري أبوعمروالبصري، وثابت بن الوليد أبوجبلة الزهري، وعبد العزيز بن أبان أبوخالد الأموي، وعمر بن أيوب أبوحفص العبدي، وعلي بن إبراهيم البناني المروزي، وأحمد بن إبراهيم بن خالد، وإبراهيم بن إسحاق بن عيسى أبوإسحاق الطالقاني.

تلاميذه

إنه من الصعوبة بمكان حتى يُحصى تلاميذ مدرسة أحمد بن حنبل الذين جلسوا إليه وأخذوا عنه، وخطوا حديثه وسجلوا فقهه، وارتحلوا إلى حلقته من مختلف بقاع الأرض الإسلامية، فقد كانت مدرسته في الفقه والحديث واحدة من المدارس الكبرى التي خرَّجت الكثير من الفهماء والفقهاء والمحدثين، ومنهم: عبد الملك الميموني، وأبوبكر المروذي، ومهنأ بن يحيى الشامي، وأبوبكر الأثرم، والوراق أحمد بن محمد بن هاني، وإبراهيم بن هاني، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، وبقيّ بن مخلد، وعبد الوهّاب بن عبد الحكم الوراق، وإسحاق بن منصور التميمي المعروف بأبي يعقوب العوسج، وأبوداوود السجستاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وصالح وعبد الله ابنا الإمام أحمد، وعمه إسحاق، وابن عمه حنبل.

ومن كبار تلاميذ أحمد بن حنبل وأصحابه أيضاً: أحمد بن محمد الكحال، وأبوطالب المشكاتي، وإسماعيل الشاليخي، وبشر بن موسى، والحسن بن ثواب، والحسن بن زياد، ومثنى بن جامع، وأبوالصقر يحيى، وأبوبكر بن محمد بن الحكم، وكثيرون غيرهم.

فضله وثناء الناس عليه

أكثر الفهماء من الثناء على أحمد بن حنبل قديماً وحديثاً، ومن ذلك قول الإمام الشافعي: «ثلاثة من عجائب الزمان، عربي لا يُعرب حدثة، وهوأبوثور، وأعجمي لا يخطئ في حدثة، وهوالحسن الزعفراني، وصغير حدثا نطق شيئاً صدقه الكبار، وهوأحمد بن حنبل»، ونطق أيضاً: «خرجت من بغداد وما خلفت بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل». ونطق الربيع بن سليمان: نطق لنا الشافعي: «أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة».

ونطق قرينه ومعاصره القاسم بن سلام: «انتهى الفهم إلى أربعة: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن شيبة، وأحمد أفقههم فيه»، ونطق أيضاً: «ما رأيت رجلاً أفهم بالسنة منه».

ونطق يحيى بن معين: «والله ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ولا على طريقة أحمد»، ونطق أيضاً: «ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبته خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير».

ونطق عبد الرحمن بن مهدي: «هذا أفهم الناس بحديث سفيان الثوري»، ونطق أيضاً: «ما نظرت إلى أحمد بن حنبل إلا تذكرت به سفيان الثوري».

ونطق إسحاق بن راهويه: «كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأصحابنا، فكنا نتذكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، فأقول: ما مراده،يا ترى؟ ما تفسيره،يا ترى؟ ما فقهه،يا ترى؟ فيقفون كلهم إلا أحمد بن حنبل».

ونطق علي بن المديني: «اتخذت أحمد بن حنبل إماماً فيما بيني وبين الله، ومن يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله؟»، ونطق إبراهيم بن إسماعيل: قدم علينا علي بن المديني، فاجتمعنا عنده فسألناه الحديث، فنطق: «إن سيدي أحمد بن حنبل أمرني ألا أحدِّث إلا من كتاب»، ونطق: «ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدِّث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة حسنة».

ونطق أبوعمير عيسى بن محمد الرملي: «رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره! وبالماضين ما كان أشبهه! وبالصالحين ما كان ألحقه! عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها».

وقد أثنى الشيخ أبوزكريا السلماسي على أحمد بن حنبل فنطق:

أحمد بن محمد بن حنبل هوشيخ الأئمة، ومزكي الأمة، وأوحد الملة، رفيع القدر والهمة، صيرفي الأخبار، وقدوة الفهماء في فهم الآثار، إليه في فنونها الرَّد والقبول، وله في عيونها الغُرر والحجُول، إمام الأنام، مفتي الأمة في الحلال والحرام، في فهم الحديث بحر زخار، وفي فهم الفقه سماء مدرار، وفي الزهد والتقوى الحسن البصري، وفي الرقائق والدقائق ذوالنون المصري، وفي الورع سفيان الثوري، مالك أزمة العلوم في عصره، القائم بإحياء الدين ونصره، عزَّ بمكانه التقى، وتحصَّن في جنابه الهدى، واعتدل ميْل الإسلام برأيه، وانهزم خيل الباطل من حججه وآيه، أقوى من ضُرب في عصره عن بيضة الدين بالحسام المرهف، وأفهم من تمكّن في وقته في شاهق الملة الحنيفية من الشعب الأشرف، مشاهده في الذب عن حريم السنة مشهورة، ومآثره في جمع الحديث مأثورة، وآية صبره في نصره السنة على جبينها مسطورة، تفسيره للقرآن در منظوم، ومسنده للحديث روض مرهوم، وسائر تصانيفه في أنواع العلوم وشيٌ مرقوم، مسائله في الفقه جنة عالية، قطوفها دانية، ورَدُّه على الزنادقة دعوى التناقض على القرآن روضة زاهرة زاهية، ومقاماته في تمهيد قواعد السنة ظاهرة بادية، أبقى لنفسه بذلك ذكراً سائراً وشرفاً شاهراً، سحب بمكانه أذيال الفخر على السحائب، وجاز به أعلى المراتب والمناصب، رضيت حكمته الحكماء، واختص بثمرة قوله "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، سار فضله في البدووالحضر مسير الشمس والقمر، شجرته في النسب خليلية الأصول والأغصان، إسماعيلية الفروع والقضبان، ربيعية الأوراق والأفنان، شيبانية الأعراق والقنوان، ذهلية الأخلاق في جميع الشأن، فهوإمام الأئمة للإسلام بمدينة السلام، عليه أفضل التحية والسلام،
وختمي بالسلام على إمامٍ بنى في قمة العلياء بيتاً
وإني حدثا أَمَّمْت قصداً نجيحاً صُغت في معناه بيتاً

انتشار الممضى الحنبلي عبر التاريخ

قلة انتشاره وأسباب ذلك

أماكن انتشار الممضى الحنبلي (اللون الأخضر الغامق) في العالم

قل المعتنقون لممضى أحمد بن حنبل في جميع البلاد الإسلامية في العصور السابقة، حتى أنهم لم يكثروا في سواد الأمة قط في الماضي، ومع كثرة الفهماء في هذا الممضى ومع قوتهم في الاستنباط والاستدلال وإطلاقهم لأنفسهم الحرية في الاستنباط، وإن تقاصرت الهمم في بعض العصور، كان أتباع الممضى من العامة قليلاً، حتى أنهم لمقد يكونوا سواد شعب من الشعوب في وقت من الأوقات إلا ما كان من أمرهم في نجد في القرن التاسع عشر، ثم في الحجاز وتهامة كلها في القرن العشرين منذ تأسيس المملكة العربية السعودية والتي اعتمدته ممضىاً رسمياً لها.

وأما مسببات قلة انتشار الممضى الحنبلي فقد أثار الباحثون ذلك السؤال وتصدوا للإجابة عنه، فقد نطق ابن خلدون: «وأما أحمد بن حنبل فمقلده قليل، لبعد ممضىه عن الاجتهاد، وأصالته في معاضدة الرواية وللأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها، وهم أكثر الناس حفظاً للسنة ورواية الحديث»، وقد رد عليه الأستاذ محمد أبوزهرة فنطق:

«وإن ذلك لا يصلح تعليلاً لهذه العلة، لأن الأصل غير سليم، فليس ذلك الممضى قليل الاجتهاد، فقد فهمنا أنه الممضى الذي فتح باب الاستنباط على مصراعيه في غير النص، وأن كثرة المتقدمين أوكلهم هم الذين قرروا حتى باب الاجتهاد المطلق لا يغلق قط، ... وإن سلمنا صحة هذه الدعوى التي يدعيها ابن خلدون تسليماً جدلياً، فقررنا حتى الاجتهاد في الممضى الحنبلي قليل، مع حتى جميع الأسباب التي بين أيدينا تناقض ذلك، فلن نسلم حتى العامة يتَّبعون المذاهب لقلة الاجتهاد أوكثرته، إنما العامة يتبعون المذاهب لوجود النادىة إليها، وذوي السلطان المعتنقين لها، وعندئذقد يكون العامة تابعين لهم.»

واقترح بعض الباحثين حتى جملة أمور تضافرت فمنعت الممضى الحنبلي من الذيوع والانتشار بين العامة، ومن هذه الأسباب أنه اتى آخر المذاهب الأربعة وجوداً، وكان الإمام أحمد وأتباعه من بعده لا يقربون السلطان ولا يحبون الولاية ولا يسعون إليها ولا يريدونها، تقليداً لإمامهم واتباعاً لمسلكه، فإذا كان سلطان القضاة قد كان له أثره في نشر الممضى الحنفي بين أهل العراق، والممضى المالكي بالأندلس والمغرب، فإن عدم تولي الحنابلة القضاء قد كان سبباً في قلة ذيوع الممضى الحنبلي بين العامة، وإن كان له فهماء اجتهدوا فيه، وأخلصوا النية في اجتهاده. وقد لاحظ هذا المعنى ابن عقيل الحنبلي فنطق: «هذا الممضى إنما ظلمه أصحابه، لأن أصحاب أبي حنيفة والشافعي إذا برع أحد منهم في الفهم تولى القضاء وغيره من الولايات، فكانت الولاية سبباً لتدريسه واشتغاله بالفهم، فأما أصحاب أحمد فإنه قل منهم من تعلق بطرف من الفهم إلا يخرجه ذلك إلى التعبد والزهد، لغلبة الخير على القوم، فينبترون عن التشاغل بالفهم».

ومن الأسباب في عدم انتشار الممضى الحنبلي حتى البلاد الإسلامية عندما أخذ ذلك الممضى يذيع وينموقد اعتنقت مذاهب مختلفة، فالممضى الحنفي كان في العراق، والشافعي كان في الحجاز وتهامة والشام ومصر، والمالكي كان في المغرب وغير ذلك، وقد اتى الإمام أحمد بعد هؤلاء الأئمة، فاتى ممضىه بعد مذاهبهم، ولكي يسود كان يجب حتى يزيلها من طريقه أويُضعف شأنها، ولم يكن في معتنقيه تلك القوة، ولم يكن من الدولة عون، بل كانت أحوال معتنقيه تُنفِّر الناس والدولة، فاجتمع له ضعف من العامة الذين اعتنقوه، ومحاربة من الناس والسلطان، وعدم وجود فراغ يملؤه.

انتشاره في العراق ثم اندثاره

انتشر الممضى الحنبلي في أول أمره في العراق وبعض بلاد ما وراء النهر، وكانت له في بعض الأوقات غلبة في بغداد، ولكن لم تلبث حتى ضعفت بسبب الفتن التي كان يثيرها تشدد بعض الأتباع من العامة، واتخاذ العنف سبيلاً لإظهار ذلك، ثم قل المقلدون له.

انتشاره في مصر ثم اندثاره

لم يظهر الممضى الحنبلي في مصر إلا في القرن السابع الهجري، ولقد نطق الإمام السيوطي في الحنابلة: «وهم بالديار المصرية قليل جداً، ولم أسمع بخبرهم فيها إلا في القرن السابع وما بعده، وذلك حتى الإمام أحمد رضي الله عنه كان في القرن الثالث، ولم يبرز ممضىه خارج العراق إلا في القرن الرابع، وفي هذا القرن ملك العبيديون مصر، وأفتوا من كان بها من أئمة المذاهب الثلاثة قتلاً ونفياً وتشريداً، وأقاموا ممضى الرفض والشيعة، ولم يزولوا منها إلا في أواخر القرن السادس، فتراجعت إليها الأئمة من سائر المذاهب، وأول من فهمتُ من الحنابلة حلوله بمصر الحافظ عبد الغني المقدسي صاحب العمدة».

ويظهر من هذا حتى الممضى الحنبلي ما جاوز ربوع العراق قبل القرن الرابع الهجري، ولما اتى إلى مصر في ذلك الإبان كانت الدولة الفاطمية تحكمها، ولما زالت تلك الدولة خلفتها الدولة الأيوبية التي كان ملوكها من أتباع الممضى الشافعي، فلم يسمحوا لغيره من المذاهب بالانتشار، إلا ما كان له تأييد من العامة كالممضى المالكي، ولم يكن للممضى الحنبلي ذلك النفوذ من قبل، ولما أخذ نفوذ الدولة الأيوبية يضعف أخذ ذلك الممضى ينتشر في مصر، وقد اتى في كتاب "الخطط المقريزية" أنه لم يكن له وللممضى الحنفي كبير ذكر بمصر في الدولة الأيوبية، ولم يشتهر إلا في آخرها. لكن الممضى الحنبلي يفهم في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر بمصر

وقد كان كثير من فهماء الحنابلة يأوون إلى دمشق وغيرها من الأمصار الإسلامية، وأولئك هم الذين قاموا على ذلك الممضى وخدموه ونقلوه وفسروه وأكثروا من تخريج المسائل عليه.

انتشاره في شبه الجزيرة العربية

شهدت منطقة نجد من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر الهجري انتشار الممضى الحنبلي فيها، وقد شهد القرن العاشر الهجري بروز عدد من الفهماء الحنابلة الذين كان لبعضهم إسهامات فهمية في الفقه الحنبلي، إلا حتى فترة نهضة الممضى الحنبلي في العصر الحديث ارتبطت باسم محمد بن عبدالوهّاب (المتوفى سنة 1206هـ)، وقد قام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى بدعم الدعوة الوهّابية ومناصرتها، حتى أصبح الممضى الحنبلي الممضى الرسميّ للدولة السعودية، وكان من وسائل انتشار الممضى الحنبلي كثرةُ المؤلفات والرسائل التي أعدّها فهماء نجد لبيان ما عليه الدعوة الوهّابية التي خرجت من نجد.

ولم يكن الممضى الحنبلي منتشراً في إقليمي الحجاز وتهامة، وذلك لأن الأماكن الإسلامية المقدسة كانت حقولاً فهميةً مناسبةً لالتقاء جميع المذاهب الإسلامية، ومن المرجّح حتى تكون نجد هي الموطن الأساسي للممضى، ومنها انتشر في جزيرة العرب، ومن المرجّح أيضًا حتى الممضى أخذ شهرته في نجد عن طريق الشام. وقد كانت أجزاء المملكة العربية السعودية في مطلع القرن الرابع عشر الهجري تنتشر فيها المذاهب الفقهية الأربعة، حيث يتّبع أهل الأحساء الممضى المالكي بشكل عام، تبعًا لانتشاره في الخليج العربي، ويوجد الممضى الشافعي في تهامة، وتجتمع المذاهب الأربعة في الحجاز وتهامة حيث الحرمان الشريفان في المدينة ومكة، أما الممضى الحنبلي فيكاد ينحصر في نجد.

كما حتى للحنابلة وجوداً في عُمان، حيث يهجرز وجودهم في منطقة جعلان، وكذلك لهم وجود في بعض قرى البريمي. وقد ولج الممضى الحنبلي إلى الكويت عن طريق الأسر النجدية التي نزحت إلى الكويت، وكذلك بسبب الصلات الفهمية والتجارية.

المصادر

  1. ^ الأئمة الأربعة، الدكتور مصطفى الشكعة، دار الكتاب المصري، القاهرة، ودار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثالثة، 1411هـ-1991م، ج4 ص7
  2. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، أبوالفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الهجري، ص16
  3. ^ طبقات الحنابلة، أبوالحسين ابن أبي يعلى محمد بن محمد، دار الفهم، بيروت، ج1 ص4
  4. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص9
  5. ^ مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور، ص397
  6. ^ تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج4 ص414
  7. ^ تاريخ الإسلام، المضىي، ج18 ص63
  8. ^ تهذيب الكمال، المزي، ج1 ص444
  9. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص14
  10. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص21
  11. ^ ابن حنبل: حياته وعصره - آراؤه وفقهه، الإمام محمد أبوزهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، ص14-15
  12. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص9-14
  13. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص15-16
  14. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص15
  15. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص20-21
  16. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص24
  17. ^ انظر أيضاً: ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص16-17
  18. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص17
  19. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص14
  20. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص12-13
  21. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص7
  22. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص14
  23. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص17-18
  24. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص7-8
  25. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص19-20
  26. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص16
  27. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص20
  28. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص23
  29. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص72
  30. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص89-90
  31. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب الثاني والستون: في ذكر عدد زوجاته، ص402-405، والباب الثالث والستون: في ذكر سراريه، ص406-408، والباب الرابع والستون: في ذكر عدد أولاده، ص409-410
  32. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص21-22
  33. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص22
  34. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص26
  35. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص23-24
  36. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص27
  37. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص24-25
  38. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص22
  39. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص25
  40. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص15، ص24
  41. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص31
  42. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص25-26
  43. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص26
  44. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص27
  45. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص29-30
  46. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص76
  47. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص28
  48. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص28-29
  49. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص21
  50. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص26-46
  51. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص37
  52. ^ انظر أيضاً: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421هـ-2001م، ص38-44
  53. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص35-36
  54. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص81-82
  55. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص257
  56. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص38-39
  57. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص288
  58. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص39-40
  59. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص82
  60. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص40-42
  61. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص42-43
  62. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص263-266
  63. ^ أصول ممضى الإمام أحمد بن حنبل. تاريخ الولوج 14/12/2013
  64. ^ الهجري، عبد الله بن عبد المحسن (1990). أصول ممضى الإمام أحمد: دراسة أصولية مقارنة. مؤسسة الرسالة، بيروت. ثلاثة ص 434
  65. ^ أصول ممضى الإمام أحمد بن حنبل. تاريخ الولوج 14/12/2013
  66. ^ الهجري، عبد الله بن عبد المحسن (1990). أصول ممضى الإمام أحمد: دراسة أصولية مقارنة. مؤسسة الرسالة، بيروت. ثلاثة ص 423
  67. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص237-238
  68. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص217-236
  69. ^ الهجري، عبد الله بن عبد المحسن (1990). أصول ممضى الإمام أحمد: دراسة أصولية مقارنة. مؤسسة الرسالة، بيروت. ثلاثة ص 629
  70. ^ إسلام بلا مذاهب، مصطفى الشكعة، ص468
  71. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص46
  72. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب السادس والستون: في ذكر ابتداء المحنة وسببها، ص416-418
  73. ^ الندوة العالمية للشباب الإسلامي (2003). الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة. المجلد الأول. دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض. طخمسة ص 125
  74. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص46-48
  75. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص48-49
  76. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص49-50
  77. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص123-158
  78. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص50-51
  79. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب السابع والستون: في ذكر قصته مع المأمون، ص419-426
  80. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص71
  81. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص71-72
  82. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب التاسع والستون: في ذكر قصته مع المعتصم، ص431-454
  83. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص72-73
  84. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب الثاني والسبعون: في ذكر قصته مع الواثق، ص472-481
  85. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص482
  86. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب الثالث والسبعون: في ذكر قصته مع المتوكل، ص482-489
  87. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص490-491
  88. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص75-77
  89. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص77
  90. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص80-81
  91. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص81-82
  92. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص80
  93. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص84
  94. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص93
  95. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص86
  96. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب الأربعون: في ذكر ماله ومعاشه، ص306-308، والباب الحادي والأربعون: في ذكر تعففه عن أموال الناس وظلف نفسه عنها وبتر طمعه منها، ص309-323
  97. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب التاسع والسبعون: في ذكر سقمه، ص540-548
  98. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب الثمانون: في تاريخ موته ومبلغ سنه، ص549-552
  99. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص255
  100. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص90
  101. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص88-89
  102. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص78
  103. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص34
  104. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص75
  105. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص91
  106. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص73
  107. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص92-93
  108. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص94
  109. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص433
  110. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص95
  111. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص102-103
  112. ^ انظر أيضاً: الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص88-89
  113. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب السادس والثلاثون: في ذكر هيبته، ص291-292
  114. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص286
  115. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص87-88
  116. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب السابع والثلاثون: في ذكر نظافته وطهارته، ص293
  117. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص242
  118. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص243
  119. ^ أحمد بن حنبل، المسقط الرسمي للمخطة الكاملة
  120. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، الباب السابع والعشرون: في ذكر مصنفاته، ص261-262
  121. ^ انظر أيضاً: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرون، ص47-50
  122. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص40-69
  123. ^ انظر أيضاً: سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد المضىي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ-1985م، ج11 ص180-181
  124. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص251
  125. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 ص252
  126. ^ انظر أيضاً: سير أعلام النبلاء، المضىي، ج11 ص181-183
  127. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص88
  128. ^ طبقات الحنابلة، أبوالحسين ابن أبي يعلى، ج1 ص5
  129. ^ انظر أيضاً: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص143-144
  130. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص89
  131. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص102
  132. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص91-92
  133. ^ مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ص145-147
  134. ^ الأئمة الأربعة، مصطفى الشكعة، ج4 94
  135. ^ منازل الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، أبوزكريا يحيى بن إبراهيم الأزدي السلماسي، مخطة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى، 1422هـ-2002م، ص232-233
  136. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص452-453
  137. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص453-454
  138. ^ ابن حنبل، محمد أبوزهرة، ص454-461
  139. ^ نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة، أحمد بن إسماعيل بن محمد تيمور، دار القادري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ-1990م، ص82
  140. ^ الندوة العالمية للشباب الإسلامي (2003). الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة. المجلد الأول. دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض. طخمسة ص 130
  141. ^ انظر أيضاً: نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة، أحمد تيمور، ص81-84
  142. ^ الممضى الحنبلي في نجد: دراسة تاريخية، عبدالرحمن بن عبدالله الشقير، مجلة الدارة

وصلات خارجية

  • الإمام أحمد بن حنبل - مسقط سيرة الإسلام.
  • الإمام أحمد بن حنبل - مسقط إسلام ويب.
  • أحمد بن حنبل - المسقط الرسمي للمخطة الكاملة.
  • الإمام أحمد بن حنبل مناظراً - مسقط صيد الفوائد.
  • الشيخ الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - مسقط التوحيد.

نطقب:الأئمة الأربعة

اقرأ نصاً ذا علاقة في

أحمد بن حنبل

تاريخ النشر: 2020-06-04 16:43:15
التصنيفات: علماء مسلمون, مقالات مميزة, أهل السنة, حنابلة, رواة الحديث, علماء حديث, علماء دين سنة, كتاب القرن 9, كتاب مسلمون, مواليد 164 هـ, مواليد 780, وفيات 241 هـ, وفيات 855, وفيات 885

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القادمون من حرب الخرطوم.. ذكريات حزينة وواقع مرير

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:23:00
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

وزارة التضامن: تسليم 1.7 مليون بطاقة خدمات متكاملة لذوى الإعاقة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:03
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 39%

المقاومة تعلن أسر مجموعة جديدة من جنود الاحتلال الإسرائيلي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

10 خطوات لتسليم المعلمين الجدد العمل بالمدارس.. اعرف التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:07
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 42%

نقابة المهن التمثيلية تحيل لقاء سويدان وميدو عادل إلى مجلس التأديب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:49
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 48%

هل الوضع في إسرائيل يستدعي إرسال واشنطن حاملة طائرات؟ محللة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:30
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

اليوم الثاني من طوفان الأقصى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:25
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

تعمل بالطاقة النووية.. ماذا نعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:34
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

تظاهرات في أشهر الميادين الأمريكية تأييدا لفلسطين (فيديو)

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:15
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

كتائب القسام: إسرائيل قتلت عددا من جنودها بعدما أسرتهم المقا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:20
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

منتخب مصر يستدعى أحمد نبيل كوكا بدلا من إمام عاشور لمعسكر الإمارات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:53
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 39%

الصحة الفلسطينية: 424 شهيدا و2300 مصاب فى هجمات قوات الاحتلال على غزة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:08
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 39%

حالة الطقس اليوم.. مائل للحرارة نهاراً على القاهرة الكبرى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:48
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 45%

غارة إسرائيلية تستهدف مسجدا في غزة وتدمره بالكامل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:55
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 40%

أخبار 24 ساعة.. حصول 500 طالب مصري على الدرجات النهائية فى اختبارات ACT

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:58
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 50%

غرناطة يحرج برشلونة بتعادل مثير 2-2 في الدوري الإسباني.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:59
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 47%

المقاومة تقصف مطار بن جوريون الإسرائيلي ردًا على استهداف الم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:22:25
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

إمام عاشور يخضع لأشعة عاجلة تثبت إصابته بكدمة في قصبة الساق

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-09 00:21:24
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية