الاستيلاء على الحرم المكي

عودة للموسوعة

الاستيلاء على الحرم المكي

الاستيلاء على الحرم المكي

جنود يشقون طريقهم إلى الكعبة المشرفة، الحرم المكي، 1979.
التاريخ 20 نوفمبر – أربعة ديسمبر 1979
المسقط
مكة، السعودية
النتيجة

فوز السعوديين

  • استعادة الجيش السعودي السيطرة على المسجد الحرام من أيدي المتمردين بعد أسبوعين.
  • اعدام جهيمان العتيبي وأتباعه
الخصوم

السعودية

  • الحرس الوطني السعودي
الإخوان
القادة والزعماء
خالد بن عبد العزيز آل سعود
الأمير فهد
الأمير سلطان
الأمير عبد الله
الأمير نايف
بدر بن عبد العزيز
هجري بن فيصل
فالح الظاهري
A. القذيبي  (ج.ف.م)
M. Zuweid al Nefai
Lieutenant پول باريل
جهيمان العتيبي
عبد الله القحطاني  †
محمد فيصل  
محمد إلياس  
القوات
  • عدد غير معروف من الكوماندوز الپاكستانية
  • ~10,000 حرس السواحل السعودي
  • At least ثلاثة GIGN كوماندوز
300–600 مسلحون
الخسائر
  • 127 قتيل
  • 451 جريح
  • (Saudi Arabian)
  • 117 قتيل
  • عدد غير معروف من القتلى
  • 68 تم إعدامه

الاستيلاء على الحرم المكي وقع فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، حين استولى 200 مسلح (مصادر أخرى تقول 500) على الحرم المكي أقدس بقاع العالم عند المسلمين، في محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة العربية السعودية إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز. هزت العملية العالم الإسلامي برمته، فمن حيث موعدها فقد سقطت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها فقد تسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة الكثير من رجال الأمن السعوديين والمسلحين المتحصنين داخل الحرم. حركت الحادثة بسرعة مشاعر الكثير من المسلمين بعضهم شجبها وأنكرها ووقف ضدها وآخرون تضامنوا معها.

خلفية دينية وتاريخية وسياسية

تؤمن بعض المذاهب الإسلامية بقدوم مجدد للدين جميع مئة عام مستندين في ذلك إلى حديث الرسول محمد : "يبعث الله على رأس جميع مائة عام من يجدد لأمتي دينها" كما يؤمن البعض بقدوم المهدي المنتظر والذي ينتسب إلى آل بيت الرسول، وأن اسمهقد يكون "محمد"، واسم أبيه "عبد الله" كما في إحدى الروايات، وأن المهدي سيضطر إلى اللجوء إلى المسجد الحرام هرباً من "أعداء الله". أطراف المعادلة أصبحت كاملة من وجهة نظر جهيمان العتيبي قائد العملية، القرن هجريّ الجديد قادم، وصهره ورفيقه يسمّى "محمد بن عبد الله"، و"الفساد" مستشر، و"البعد" عن الصراط المستقيم ظاهر، إذن، لم يبق إلا بيت الله الحرام ليلوذ إليه "المهدي المنتظر"، وتتحقق البشارة.

وفي سياق آخر كان نشاط التيارات الإسلامية في أوجه، بداية بحركة الإخوان المسلمين في مصر، وبدء تشكل التيارات التكفيرية في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر إبرام معاهدة كامب ديفد، وما يظهر من أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع إسرائيل وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي، وأخيراًً فوز الثورة الإسلامية في إيران الذي ولّد لدى تيارات إسلامية أخرى تصور إمكانية تكرار مشابه لما عمله الخميني في إيران، وتخوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أوجمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطر . ومن الجدير بالذكر حتى أحداث الحرم بدأت بعد 16 يوماً على بدء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران.


مبررات الهجوم

وقد برر جهيمان العتيبي قائد العملية هجومه باعتباره محاولة لتسليم الوضع الذي تسبب به آل سعود، الفاقدين للشرعية، حسب زعمه، بسبب فسادهم وتدميرهم لثقافة البلاد وحضارتها ونهجهم في اتباع الغرب وموالاته. إضافة إلى دعوته إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماماً لهم على أنه المهدي المنتظر.

الأحداث

ساعة الصفر

بعد صلاة الفجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، وقف جهيمان العتيبي وبجانبه محمد عبد الله القحطاني، ليعلن أمام المصلين خروج المهدي، وطلب منهم مبايعة محمد القحطاني باعتباره المهدي المنتظر الواجب اتباعه، وفي هذه الأثناء، قامت مجموعة من الرجال التابعين له " والذين تبين فيما بعد أنهم من 12 دولة مختلفة بينهم أميركيان" باستخراج أسلحة خفيفة من توابيت أدخلت قبل الصلاة باعتبارها تحوي جثامين لموتى للصلاة عليهم في المسجد، لكنها كانت معبأة بالأسلحة والذخيرة بدل ذلك، وتمكن المسلحون من إغلاق الأبواب وسد منافذ الحرم والتحصن داخله، وتمكن عدد من المصلين الذين كانوا داخل الحرم لتأدية صلاة الفجر من الفرار أما الباقون و"يقدر عددهم بمائة ألف" فيبدوحتى الكثير منهم اضطروا بشكل أوبآخر إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني باعتباره المهدي المنتظر.

وعلى الرغم من التخطيط المحكم للعملية، إلا أنها استهلت بمقتل أحد الحراس على يد أحد المسلحين المنعملين، وهوأمر يمثل خرقاً واضحاً وعظيماً لحرمة البيت الحرام. حيث يحرم سفك الدماء. من المؤكد حتى جهيمان ألقى خطبة عبر مآذن الحرم أثناء الحصار، بثتها الإذاعات العربية والعالمية وكانت تحوي على الكثير من الخطب والاتهامات للأسرة الحاكمة السعودية وبعض الإعتراضات على نمط الحياه العامه للناس وكيف إستشرى الفساد وكان صداها يتردد بين جبال مكة وأحياءها في أوقات متفرقة، كما تم توجيه دعوات إلى أهل مكة والقوات السعودية الخاصة التي تحاصر الحرم للتوبة والانضمام إلى المسلحين ومبايعة المهدي.

الحصار

الدخان يتصاعد من الحرم المكي أثناء الهجوم على باحة الصفا والمروة، 1979.

إصدار فتوى تبيح التدخل

وجدت الحكومة السعودية نفسها محرجة ومكبلة في لقاءة العملية، وبدت كما لوأنها مصابة بالشلل. وتحدث بعض المحللين بأنها تعاملت مع حادثة الحرم على أنها محاولة انقلابية تستهدف الإطاحة بالنظام السعودي بأسره، الأمر الذي خلق جواً عاماً من الريبة في جميع أنحاء المملكة. وكان لا بد قبل الشروع في أي عمل عسكري من استصدار فتوى تبيح التدخل بالقوة وإدخال الأسلحة إلى داخل الحرم المكي لإنهاء الحصار، وتمكنت السلطات، حسب بعض المصادر، من الحصول "على أصوات 32 من كبار الفهماء لاستخدام القوة ضد حركة جهيمان.


بدء الهجوم

بعد إصدار فتوى تبيح اقتحام المسجد الحرام بالأسلحة برزت معضلة أكبر، وهي فشل قوات الحرس الوطني السعودي في إنجاز المهمة، وتسببت محاولاتهم ـ المرتجلة على ما يظهر ـ في مقتل 127 شخصاً، دون النجاح في تحقيق الهدف. فالقوات لم تكن تتعامل مع الحادثة بتخطيط أودراسة للعملية، ومع مرور الأيام أخذت تصدر عن جثث القتلى المتفرقة في مختلف أركان المكان روائح منفرة زادت من تأزم الأمر.

وبسبب النتائج المخيبة للآمال، وعلى الرغم من ما يدعيه البعض من تدخل CIA في إدارة العملية الفاشلة؛ تم استنادىء قوات فرنسية للتدخل، ويحيط الكثير من اللغط حول تدخل هذه القوات، ويعود ذلك إلى الحجب الرسمي الذي تم فرضه على دور القوات الفرنسية في العملية، من أجل مراعاة الضوابط الشرعية التي تحرم على غير المسلمين دخول المسجد الحرام. لقد أصيبت العائلة المالكة بالقلق على شرعيتها في العالم الإسلامي، مما أجبرها على عدم ذكر أي دور للقوات الفرنسية في التقارير الرسمية. وتشير بعض الروايات غير الرسمية إلى أنه تم تحويل عناصر قوات مكافحة الإرهاب والكونامندوز الفرنسية عالية التأهيل والتدريب إلى الإسلام في حفل شكلي على يد فقهاء سعوديين كبار قبل مشاركتهم في العملية. وأشارت أنباء أخرى إلى مشاركة قوات باكستانية ومصرية،[بحاجة لمصدر] رغم حتى مشاركة قوات مصرية أمر غير مرجح، فالعلاقات بين مصر السعودية لم تكن بأحسن أحوالها في تلك الفترة بعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية والأجواء العربية المشحونة بالتوتر وتبادل الاتهامات.

اقتحام المسجد والقضاء على المسلحين

في العاشرة صباحأً (حسب بعض المصادر) من يوم الثلاثاء 14 محرم 1400 هـ الموافق أربعة ديسمبر/كانون الأول 1979 وبعد انقضاء أسبوعين على الحصار، بدأ الهجوم واستمر حتى حلول المساء حيث تمكنت قوة مشهجرة يرجح أنها (مصرية ـ سعودية) من الاستيلاء على المسقط وتحرير الرهائن في معركة هجرت وراءها نحو250 قتيلاً وقرابة 600 جريح. الأرقام تختلف كثيراً، حتى تلك الآتية من مصادر رسمية. تحدثت بعض التقارير حتى القوات المصرية داهمت المسجد وأغرقت أرضه بالمياه، ثم وجهت من خلالها صعقات كهربائية لإصابة المسلحين، لكن ذلك يظهر مستبعداً فاللقطات القليلة التي عرضها التلفزيون السعودي للهجوم لم تظهر أي مياه أوبلل ظاهر فلربما كانت هذه إحدى الخطط المقترحة والتي لم يتم الأخذ بها. في حين أشارت تقارير أخرى إلى استخدام غازات تسببت بشلل المسلحين، وهوالأمر الأرجح، ثم تم اقتحام البوابات بعد تفجيرها. يذكر حتى بعض المصادر حصرت الدور الذي لعبته القوات الفرنسية بالدعم الاستشاري فحسب ويذكر في هذا السياق اسم الكابتن بول باريل على أنه قائد أومدير أواستشاري عملية الاقتحام. ويبقى عدد القوات الفرنسية المشاركة مفتوحاً ما بين 30 وحتى 40 عنصر.

إعدام المتبقين

The surviving insurgents under custody of Saudi authorities (c. 1979).
The surviving insurgents under custody of Saudi authorities (c. 1979).

تم أسر من تظل على قيد الحياة ومن بينهم جهيمان العتيبي، في حين كان محمد بن عبد الله القحطاني بين القتلى. ونفذ في الناجين حكم الإعدام فيتسعة يناير/كانون الثاني 1980 بعد حتى قسموا إلى أربع مجموعات أعدم أفرادها في ساحات أربع مدن رئيسية في البلاد.

مزاعم بتورط عائلة بن لادن

زعمت بعض المصادر وجود صلات لعائلة بن لادن في الحادثة، وقد تناقلت الألسن حتى أخاً غير شقيق لأسامة بن لادن يدعى (محروس بن لادن) اعتقل على إثر الحادثة بتهمة التعاطف مع الحركة (مصادر أخرى تقول بأنه شارك في العملية)، لكنه برئ وأطلق سراحه في ما بعد. وذكرت بعض التحاليل حتى محروس من الممكن كان عميلاً مزدوجاً.

وتؤكد مصادر أخرى حتى شركة بن لادن ساعدت الحكومة في عملية المداهمة من خلال تقديم مخططات مفصلة للبناء باعتبارها الشركة التي رعت توسعة المسجد الحرام عام 1973. مما ساعد قوات المداهمة ـ حسب المصادر نفسها ـ على تتبع بعض العناصر المسلحة الذين حاولوا الهروب عبر أقنية المياه، والقيام بضخ المياه في تلك الأقنية لإجبارهم على الخروج منها.

ويذكر حتى أسامة بن لادن علق في أحد خطبه على الحادثة بقوله: "كان يمكن حل تلك الأزمة بغير قتال، كما اتفق العقلاء في ذلك الحين، وإنما كان الموقف يحتاج إلى بعض الوقت وخاصة حتى الموجودين في الحرم بضع عشرات، وأسلحتهم خفيفة، أكثرها بنادق صيد، وذخيرتهم قليلة وهم مُحاصَرون، ولكن عدوالله ... عمل ما لم يعمله الحجاج من قبل، فعاند وخالف الجميع، ودفع بالمجنزرات والمصفحات إلى داخل الحرم، ولا زلتُ أذكرُ أثر المجنزرات على بلاط الحرم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولازال الناس يتذكرون المآذن يكسوها السواد بعد قصفها بالدبابات، إنّا لله وإنا إليه راجعون".


من نتائج الحادثة

صرح آية الله الخميني من إيران بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراء هذه الحادثة، وقد تسببت تلك المزاعم في سريان حالة من الغليان في المنطقة. الجموع الغاضبة اقتحمت مبنى السفارة الأمريكية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد في اليوم التالي لبدء العملية وحطمته تماماً ثم أحرقته، بعد نحوأسبوع من ذلك اقتحمت جموع مماثلة في العاصمة الليبية طرابلس وأحرقت السفارة الأمريكية في 2 ديسمبر 1979.[بحاجة لمصدر]

تبين حتى جهيمان كان عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعودي، وأن بعض عناصر الحرس انضموا إلى "الثوار". وكان لذلك سقط شديد على العائلة الحاكمة باعتبار حتى ضباط الحرس الوطني، على خلاف الجيش السعودي النظامي، هم نخبة يتم اختيارها من الطبقات العليا في المجتمع السعودي التي من المفترض حتى ولاءها مضمون، وقد تم تأسيسه باعتباره الجيش الخاص بولي العهد السعودي، ليكون صمام الأمان ضد أي انقلاب يمكن لقادة الجيش العادي حتى يقوموا به ضد الحكومة. ولضمان الولاء الدائم فقد تم انتقاء عناصر هذا الحرس الوطني من القبائل التي عهد عنها ولاؤها التقليدي لآل سعود والعائلة الحاكمة. . وعلى إثر ذلك إضافة إلى الأداء غير المقنع لقوات الحرس الوطني السعودي أثناء الأزمة، تقرر إنشاء قوات الحرس السعودي الخاص.

أشار مصدر آخر إلى حتى الرئيس المصري الراحل أنور السادات وفي خضم تبادل اتهامات عبر وسائل الإعلام ما بين مصر والسعودية، هدد بنشر نسخ سرية من الإنضمامات الصوتية التي قامت جماعة جهيمان العتيبي المتحصنة في الحرم المكي ببثها عبر مآذن الحرم.[بحاجة لمصدر]

بدأ الغزوالسوفييتي لأفغانستان بعد اقتحام الحرم وانتهاء الحادثة بعشرين يوماً تقريباً، أمر قد يجد البعض له ارتباطاً بالحادثة وعلاقة ما بها. لكن المؤكد حتى السياسة السعودية استفادت من الهجوم السوفييتي على أفغانستان لتفريغ طاقات التيارات الإسلامية في لقاءة عدوخارجي بعيد، فالتقت مصلحة أمريكا في منع السوفييت من الوصول إلى المياه الدافئة مع مصالح الحكومات العربية في تفريغ طاقات التيارات المتشددة في دول الخليج ومصر وغيرها حيث تم دعمهم وتوفير تذاكر طائرة مخفضة ، والسماح للجان التطوع بالعمل وجمع المجاهدين. فتم تصدير الأزمة بطريقة أوبأخرى نحوأفغانستان التي عادت لتصدرها ثانية بعد عشرين سنة مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتمتد فيما بعد نحوالعراق.

خط ياروسلاف تروفيموف كتاباً بعنوان عنوان (حصار مكة، الانتفاضة المنسية في أقدس الأماكن الإسلامية وولاد القاعدة) اعتمد فيه على لقاءات شخصية، ووثائق كانت محظورة وسرية من وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها، وخلص المؤلف فيها إلى حتى الأسلوب الذي تم التعامل به مع «الحركة الجهيمانية» هوالذي أفضى في نهاية الأمر إلى ولادة القاعدة. .

تحليل في ذكرى مرور 30 سنة على الحادث

خبر التعويضات لشهداء الحادث كما ورد في صحيفة الرياض بتاريخ 20 أبريل 1980 بمناسبة الذكرى الثلاثين لحادثة الاعتداء على الحرم المكي من جماعة جهيمان العتيبي التي اقتحتمه في 1/1/1400 هـ أجد من الضروري حتى تعاد قراءة الرواية الرسمية والمحلية عبر بيانات وكالة الأنباء السعودية (واس) ووزاة الداخلية وبعض ما نشرته الصحف السعودية وقتها عن هذا الحدث المحوري في تاريخ المملكة وربما تاريخ العالمين العربي والإسلامي.

في استعادة حادثة الاعتداء على الحرم المكي من جماعة جهيمان العتيبي بعد ثلاثين عاماً على وقوعها، أردت حتى أركز على الرواية الرسمية والمحلية لأسباب عدة منها: إتاحة الفرصة للباحثين لقراءة الخطابين الرسمي والإعلامي والمقارنة مع المصادر الأخرى، وإعادة القارئ إلى الأجواء العاطفية والسياسية لتلك الفترة ومحاولة تعريفه بما جرى، لأن كثيراً من القراء لم يعايشوا تلك الأحداث. وأود بداية حتى أعطي بعض الملاحظات على هذه الرواية، كصحافي لا كؤرخ، قبل حتى أهجرها تنساب للقراء دون أي تدخل مني أوتعليق سوى في أضيق الحدود.

أولى الملاحظات، أنه رغم ضخامة الحدث وأهميته، فإن تغطيته لم تتوازَ أبداً مع هذه الضخامة والأهمية، وسنلاحظ قلة المواد التي حاولت تفصيل ما جرى داخل الحرم وركز جلها على تناول الحدث من خارجه، هذا إذا تغاضينا، من الأصل، عن قلة البيانات التي صدرت عن وزارتي الداخلية والإعلام والتي بررها وزير الإعلام وقتها د. محمد عبده يماني بعدم اعتماد منهج الإثارة والتهويل! كما أننا سنلاحظ ركاكة لغوية ومهنية في بعض البيانات الرسمية والتغطيات الصحافية وتسابق بعض التصريحات والتغطيات على إعلان انتهاء الحادثة مبكراً، إضافة إلى بعض التضارب في تصريحات المسؤولين لعلي أحيله إلى مسببات تنسيقية بالدرجة الأولى.

هذه الملاحظات أضفت غموضاً طبيعياً ومفهوماً، بالنسبة لذلك الوقت، على الرواية السعودية للحادثة. ولكن في اللقاء، يتضح تماماً، مقدار الصرامة الإعلامية التي جرى التعامل بها مع الحدث تمثلت في التأكيد والتكرار والتذكير إلى درجة المبالغة والملل والنادىئية بخروج هذه الفئة الباغية والفاسدة، لا الضالة كما نسمع اليوم، عن الإسلام. ومن وجهة نظري، فإن هذه الصرامة، وهذه المبالغة، ملمح إيجابي يستحق الثناء لأنها تعكس منهج الحزم في التصدي للحادثة والفكر الذي أفرزها، ولعلنا في أمسّ الحاجة هذه الأيام لاستعادة هذا المنهج الصارم في الحرب على الإرهاب داخل المملكة من الناحية الفكرية والإعلامية والثقافية توازياً وتكاملاً مع الصرامة الأمنية والعسكرية التي تنتهج بنجاح.

من جهة أخرى، نلاحظ حرص الرواية الرسمية على التأكيد حتى الملك خالد لم يعط توجيهاته ببدء تحرير الحرم أوتطهيره إلا بعد فتوى شرعية من الفهماء جميعاً. وسنلاحظ حتى الملك ربط بين تطهير الحرم وتحرير القدس تحت تأثير فورة القضية الفلسطينية أونهايات تلك الفورة... كما حتى الملك أدغم فتوى أخرى للفهماء داخل خطابه الذي اعتمد تطبيق أحكام الإعدام، ومن اللافت أيضاً نفي الأمير نايف أي صلة خارجية بـ(جهيمان) ورفاقه، وفي اللقاء رفض مسؤولون آخرون أي بعد اجتماعي أوسياسي داخلي لها! وبالتالي انعكس هذا على التغطية الإعلامية التي عزلت الحادثة عن سياقاتها الدولية والمحلية. والآن، نبدأ بالبيان الأول الذي أصدرته وزارة الداخلية في 1/1/1400هـ: اغتنمت زمرة خارجة على الدين الإسلامي صلاة فجر يوم الثلاثاء 1/1/1400 هـ وتسللت إلى المسجد الحرام ومعهم بعض الأسلحة والذخيرة وقدموا أحدهم إلى جموع المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة لأداء صلاة الفجر، مدعين له بأنه المهدي المنتظر، ونادوا المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام للاعتراف به بهذه الصفة وتحت وطأة السلاح منهم، وقد قامت السلطات المختصة باتخاذ جميع التدابير للسيطرة على الموقف. وبناءً على فتوى من الفهماء جميعاً اتخذت الإجراءات لحماية أرواح المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام. (لم يستقر الخطاب الإعلامي أوالرسمي على وصف جماعة (جهيمان) فهم إما «زمرة» أو«فئة باغية» أو«خوارج» أو«مسلحون» وفي اللقاء كان الحديث عن الجنود مطعماً بالنكهة الدينية فهم «مجاهدون» ويسعون لـ«الشهادة»، وأعتقد حتى هذا مفهوم لسحب المشروعية الدينية من جماعة جهيمان). ❞حرصت الرواية الرسمية على التأكيد حتى الملك خالد لم يعط توجيهاته ببدء تحرير الحرم إلا بعد فتوى شرعية من الفهماء جميعاً.

بيان من وكالة الأنباء السعودية (واس)

مساء 1/1/1400 هـ تحت عنوان (فتوى أصحاب الفضيلة الفهماء) أنقل موجزه الذي نشرته الوكالة في بداية بيانها: في يوم الثلاثاء الأول من الشهر المحرم 1400هـ نادىنا نحن المسقطين أدناه جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود فاجتمعنا لدى جلالته في مخطه في المعذر وأبلغنا حتى جماعة في فجر هذا اليوم بعد صلاة الفجر مباشرة دخلوا في المسجد الحرام مسلحين وأغلقوا أبواب الحرم وجعلوا عليهم حراساً مسلحين منهم وأعربوا طلب البيعة لمن سموه المهدي وبدؤوا مبايعته ومنعوا الناس من الخروج من الحرم وقاتلوا من مانعهم وأطلقوا النار على أناس داخل الحرم وخارجه وقتلوا بعض رجال الدولة وأصابوا غيرهم وأنهم لا يزالون يطلقون النار على الناس خارج المسجد، واستفتانا في شأنهم وما يعمل معهم فأفتيناه بأن الواجب دعوتهم إلى الاستسلام ووضع السلاح، فإن عملوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر في أمرهم شرعاً، فإن امتنعوا وجب اتخاذ جميع الوسائل للقبض عليهم ولوأدى إلى قتالهم وقتل من لم يحصل القبض عليه منهم. (سقط على هذا البيان قرابة الثلاثين عالماً من أبرزهم: الشيخ عبد الله بن حميد، الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ راشد بن صالح بن خنين، الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، الشيخ ناصر بن عبد العزيز الشثري، الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، الشيخ محمد البشر، الشيخ محمد إبراهيم العيسى، والشيخ محمد علوي مالكي.

ووفق رواية شخصية نطقها لي أمير بارز بأن بعض المؤرخين يتهمون الملك خالد ظلماً بضعف الشخصية ولكنهم لوحضروا هذا الاجتماع لتأكد لهم بطلان زعمهم، وانتقد الأمير ــــ وهوعلى حق ــــ تجاهل المؤرخين قرار الملك خالد التاريخي بتطهير الحرم وتحريره من عصابة جهيمان الذي يعد قراراً محورياً وشجاعاً وفاصلاً لمصلحة الوطن العربي السعودي، على صعيد آخر يروي بعض وجهاء مكة بأن الشيخ محمد علوي مالكي اتخذ يومها موقفاً حازماً إزاء بعض المترددين من الحضور سبب له محنة طويلة في ما بعد وصلت إلى درجة تكفيره! ولم تنته هذه المحنة حتى دعوة المالكي لمؤتمر الحوار الوطني سنة 2003 في مكة.

وينفي الأمير نايف (وزير الداخلية) لـ(واس) بتاريخ 3/1/1400 هـ أي علاقة بين الحادثة والولايات المتحدة ويوضح، أيضاً، أنه لم يثبت انتماء هذه المجموعة إلى إيران أوإلى جنسية أخرى، ويعلن حتى قوات الأمن أحكمت سيطرتها التامة على الموقف داخل المسجد الحرام، وأنه بات في حكم المؤكد حتى تنتهي الحادثة المشؤومة صباح اليوم .. ونطق إذا قوات الأمن استطاعت حتى تعالج الموضوع بحكمة بالغة مكنتها من السيطرة على جميع أجزاء المسجد الحرام دون وجود مضاعفات (اتهام الولايات المتحدة سببه حتى وسائل الإعلام الأميركية كانت أول من أعرب عن حادثة الحرم، أما إيران فقد أثنى وزير الداخلية على شجبها المبكر للحادثة في مؤتمره الصحافي الأخير). ويصرح د. محمد عبده يماني وزير الإعلام في 3/1/1400 هـ لـ(واس) حتى الدولة ستستمر في معالجة موضوع المسجد الحرام بالحكمة للانتهاء منه خلال ساعات، وأن الموضوع في سبيله للانتهاء، وأنه قد قُبض على معظم أفراد المجموعة الخارجة ونفى شائعة مقتل الأمير مشعل بن عبد العزيز (الاستعجال في إعلان معالجة الحادثة يستحق التأمل والانتباه!).

وأكد وزير الإعلام في بيان لـ(واس) بتاريخ 4/1/1400هـ حتى الوضع في المسجد الحرام بمكة المكرمة مستتب ويدعوإلى الاطمئنان، حيث إذا قوات الأمن تسيطر سيطرة كاملة الآن على جميع أراتى المسجد وتعتقل فلول تلك الفئة الباغية من الزمرة التي قامت بهذا العمل الإجرامي الشنيع في أطهر بقعة وأقدس مكان على وجه الأرض. وذكر أنه سيجري بإذن الله إنزال الجزاء الصارم بها وفي من تسوّل له نفسه العبث بالأماكن المقدسة وبأمن أبناء هذا البلد وطمأنينتهم.

في 5/1/1400 هـ أدلى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد السبيل للصحافي خالد الحسيني في صحيفة (البلاد) ببعض التفاصيل عن سيرة الاقتحام، يقول (السبيل) الذي قدر المسلمين الموجودين في الحرم وقت الحادثة بمئة ألف: «كان هؤلاء (المسلحون) بعد انتهاء الصلاة يقومون بالدوران ويخترقون الناس بعجلة، وإذا رأوا شخصاً وتبين لهم أنه مواطن نطقوا له امضى وبايع المهدي .. وقد تسلل نفر منهم إلى غرفة مكبرات الصوت واستخدموها في مبايعة من سموه المهدي» ثم روى (السبيل) سيرة هروبه من الحرم: «خرجنا بين التسلل وبين غير ذلك مع الجمهور الذي خرج من النفق بعدما تم إقفال تام للأبواب من قبل هؤلاء المجرمين، وعند خروجي مع مجموعة من الحجاج بعدما هجرت مشلحي (عباءتي) أقبلت على الباب وإذا بي أقف أمامستة مسلحين وخرجت من وسط الناس دون حتى يلاحظوا من أنا وإلا كان الأمر غير ذلك». أما في 6/1/1400 هـ فتفاجئنا صحيفة (الندوة) بنشر الخبر التالي: «استكملت قوى الأمن الليلة الماضية تطهير المسجد الحرام من المقتحمين وسيطرت عليه واعتقلت جميع أفراد المجموعة الشريرة التي انتهكت حرمات المسجد فجر الثلاثاء الماضي» (وهوخبر غير دقيق بالمرة). وصرح وزير الإعلام بتاريخ 7/1/1400 هـ لـ(واس) تصريحاً طويلاً أوجزه بما يلي: لم نصدر بيانات يومية لأن سياستنا الإعلامية تبتعد عن الإثارة والتهويل وتعتمد نشر الحقائق كاملة، وجهات الأمن تسير بالتدرج للقبض على مقتحمي بيت الله الحرام ثم تقديمهم إلى الحكم الشرعي العادل.

وفي اليوم نفسه كانت صحيفة (المدينة) تنشر خبراً غريباً لا يقل في غرابته عن خبر (الندوة) عنوانه: «القبض على رئيس الشرذمة المارقة والبقية الباقية منها» ومما اتى فيه: «فهمت (المدينة) بأنه تم القبض على المهدي المزعوم محمد عبد الله القحطاني والقبض على والدته وزوجته وأخواته، مما يتضح حتى المهدي المزعوم كانت ترافقه عائلته وقد أصدر المقام السامي أوامره للجهات المختصة بالإسراع في إصلاح التلفيات. ومن جهة أخرى قام رجال الأمن بإخراج جميع الرهائن المحتجزين من اليوم الأول داخل المسجد الحرام، وكان المجرمون ينفذون خطة داخل المسجد تتمثل في استخدام الرهائن في نقل العتاد للمقاتلين من المجرمين وكذلك الإعاشة والماء .. وكانت معنويات القوات السعودية مرتفعة جداً. وقد صرح بعض الرهائن الذين أخرجهم رجال الأمن بأنهم قد ولدوا من جديد» (سيتضح لاحقاً حتى هذا الخبر لم يكن دقيقاً هوالآخر!).

نشرت صحيفة (الجزيرة) في 8/1/1400 هـ خبرا مفاده حتى قوات الأمن نجحت في حصر قائدي الخوارج وبقية أفرادهم في الدور السفلي من الحرم. ونطقت الصحيفة إذا المواطنين والحجاج أكدوا لها أنه لم تُخلَ المساكن القريبة من المسجد الحرام والحركة طبيعية (بعض المعاصرين للحادثة يتحفظون على الشق الثاني من الخبر وتحديداً الحركة الطبيعية!). وينفي وزير الإعلام لـ(واس) في 13/1/1400 هـ حدوث أي اضطرابات في المملكة وأن الفتنة اقتصرت على المسجد الحرام (وهذا النفي لم يكن موفقاً لأنه كانت قد بدأت في المنطقة الشرقية احتكاكات بين مجموعات شيعية وقوات الأمن في ما يعهد بـ«انتفاضة 1400» ولمّح الأمير نايف لها في مؤتمره الصحافي الختامي نافياً حتىقد يكون لها أي صلة بحادثة الحرم، ولكن اللافت حتى الحيز الزمني بين الثورة الإسلامية في إيران وحادثة الحرم و«الانتفاضة» لا يتجاوز السنة، وللمزيد عن تفاصيل «الانتفاضة» مراجعة منطقي «الإصلاح والمعارضة في السعودية» بتاريخ 11 حزيران 2009 في الأخبار ).

أعرب وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز في 15/1/1400 هـ لوكالة الأنباء السعودية التصريح التالي: تم بعون الله وتوفيقه في الساعة الواحدة والنصف من صباح هذا اليوم تطهير قبوالمسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة على الدين الإسلامي وقد أسر وقتل جميع من فيه.

❞نفى الأمير نايف أي صلة خارجية بـجهيمان ورفاقه، فيما رفض مسؤولون آخرون أي بعد اجتماعي أوسياسي داخلي للحركة!❝

ونقلت (واس) عن الأمير نايف مساء يوم التطهير أيضاً تصريحاً بعدما سأله مندوب الوكالة عن ارتباط عصابة الحرم بأي دولة إسلامية: «ليس لأي ناس أودولة خارجية صلة بهم»، فسأله عن مصير المهدي المزعوم فأجاب: «الذي نعهده إلى الآن أنه مقتول» (أعرب الأمير نايف في اليوم التالي التعهد على جثة المهدي المزعوم محمد عبد الله القحطاني في أحد أقبية الحرم المكي).

في اليوم التالي، نشرت (الجزيرة) إجابة الأمير نايف عن سؤال لأحد محرريها عن الشائعات التي تناولت عملية التطهير، أجاب الأمير: الشائعات المغرضة نحن نسمعها ولكنها مغرضة ومن جهات غير أمينة في إيراد المعلومات ومعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين. وفي الواقع نحن نقدر جميع التقدير ردود العمل العربية والإسلامية على المستوى الرسمي والشعبي.

(الشائعات التي قصدها الأمير نايف يغلب ظني أنها مشاركة قوات فرنسية في التطهير والتحرير، وهي شائعة لم تكن تخلومن مبالغة لأن السليم هوطلب السلطات السعودية من فرنسا دعماً لوجستياً تمثل في ثلاثة ضباط أقاموا بأحد فنادق الطائف يرأسهم ضابط رابع في باريس من أجل الاستشارات التدريبية والتخطيطية، وسبب اختيار فرنسا عدم الحاجة إلى موافقة البرلمان للحصول على الدعم، ومن الطريف حتى مصدر هذه الشائعة هوالكابتن باريل أحد الضباط الذين أوفدوا إلى الطائف والتفاصيل الكاملة حول هذه النقطة متوافرة في كتاب «حصار مكة» للصحافي ياروسلاف تروفيموف).

ومن الضروري حتى ننبه إلى حتى (واس) في 12/2/1400 هـ أصدرت البيان التالي: صدرت موافقة المقام السامي بقبول استنطقة صاحب السموالملكي الأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة المكرمة لأسباب صحية. وكشف الأمير نايف في 20/2/1400 هـ في ندوة أقامتها جامعة الرياض بأن المهدي المزعوم من أصول مصرية، وصل جده مع غزوالأتراك لعسير وسمي بأسماء القبائل هناك ولا صلة له لا بقريش ولا بنسب الرسول عليه الصلاة والسلام، ونطق أيضا: «المعتدون على حرمة البيت معروفون لدى أجهزة الأمن، وقد تجاوز حتى أوقفوا وقبض عليهم ولكن المشكلة أنهم كانوا يتسترون وراء الدين ويتصرفون باسم الاجتهاد والإرشاد». أقام الأمير نايف مؤتمراً صحافياً ختامياً في 25/2/1400 هـ نطق فيه: «أحب حتى أصحح حدثة وصفت عن هذه الفئة بأنها باغية، فالواقع أنها أكثر من باغية فهي مجرمة وخارجة» ونفى أي صلة بين استنطقة الأمير فواز وحركة التنقلات العسكرية وحادثة الحرم ورفض تهمة الترهل الأمني «فهؤلاء الجماعة لمقد يكونوا مجهولين لدينا .. وإنما المفاجأة لنا حتى الحدث وقع بهذه السرعة فهم لم يقرروا دخول الحرم إلا في 25 ذي الحجة» وأضاف بأنه لم تكن لهم أي مطالب سوى مبايعة المهدي «ولم نسمع أنهم طالبوا بوقف البترول عن أميركا»، وتحدث عن الكويتيين والمصريين من أفراد المجموعة بأنه لم تثبت صلة بين المصريين وجماعة (التكفير والهجرة) ولكن كانت هناك صلة مع الكويتيين وأبلغت السلطات الكويتية بذلك.

وتحدث بتفصيل أكثر عن فكر (جهيمان) ورفاقه: «دعوتهم وأسلوبهم عندما بدأ قبل سنوات كان أسلوباً عادياً ولم يكن عليه خلاف، وكان بعضهم يشهجر في ندوات فهمية في المساجد، وفي السنوات الثلاث الماضية شددوا مما جعل بعض الرجال الذين لهم بهم صلة حتى يبتعدوا عنهم. يريدون فقط مخالفة الجميع ويشككون ليس فقط في فهمائنا، بل في من سبقهم، بل تعرضوا أكثر من ذلك إلى الصحابة والخلفاء الراشدين. ونعترض أنه بما وقع منهم قضي عليهم تماماً وسنجتث جميع جذورهم».

وفي اليوم نفسه كانت (واس) قد نقلت تصريح وزير الإعلام لمجلة (المستقبل) الذي رفض فيه الربط بين حادثة الحرم وجذور اجتماعية وسياسية، ونطق: «إن ما جمع أفراد الفئة الضالة هوانحراف فكري نتج من غلوفي الدين» ونطق وزير الإعلام إذا هناك صلات فردية بين بعض المصريين وجماعة التكفير والهجرة (لا يمكن قراءة حادثة الحرم دون ربطها بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل المملكة والمحطات الإقليمية الكبرى في المنطقة وتأثيرها على جماعات الإسلام السياسي والحركي والتيارات السياسية المتنوعة، أما إصرار الرواية الرسمية على فصلها عن جميع ذلك إذا كان مفهوماً وقتها فإنه ليس مبرراً اليوم).

ونقلت صحيفة (الرياض) يومها محادثة الأمير فهد (ولي العهد وقتها) لصحيفة (السفير) المنشور في 22/2/1400 عن حادثة الحرم، ونطق الأمير فهد واصفاً مقدمات الحادثة: «إن هذا الحدث نعيشه منذستة أوسبعة سنوات ونعهده بالضبط، هناك مجموعة تحاول جعل العقيدة الإسلامية أوالتحدث باسم العقيدة الأساس في التوجه الذي تسير عليه، ويأتي أفرادها إلى المسجد وإلى الناس البسطاء ويحاولون إفهامهم بطريقة أوبأخرى حتى العقيدة بدأت تضعف في المملكة وأنه لا بد للقاعدة الإسلامية حتى تنتبه. وللأمانة أذكر أننا قد اتخذنا في بعض الأحيان إجراءات ضدهم في السابق وتدخل بعض الإخوان للإفراج عنهم عن حسن نية لأن من تدخل كان يعتقد أنهم من الممكنقد يكونون مفيدين في الدعوة. وحول السلاح لا بد من الإشارة إلى حتى جميع بيت في السعودية يمتلك السلاح» وذكر حتى مجموعة (جهيمان) أدخلت السلاح إلى المسجد بعدما دفعت رشوة لأحد بوابي الحرم مقدارها 40 ألف ريال، ونطق إذا هذه المجموعة لديها خط ونشرات طبعت في مطبعة (الطليعة) بالكويت دون فهم السلطات الكويتية، ووصف الأمير فهد رئيس المجموعة: «جهيمان رجل ساذج عادي لا يستطيع ولا يحسن التعبير لا من الناحية اللغوية ولا من ناحية التفكير» ورفض حتى تكون للحادثة أي جذور داخلية أوارتباطات خارجية، ونطق لـ(واس) في اليوم نفسه إذا العنف أصبح ظاهرة عالمية، لكن الدولة لن تسمح بأن يصبح العنف وسيلة للحوار في مجتمعنا، مضيفا: «سنظل نتصل ونختلط ونعطي ونأخذ من العالم حولنا ولكن بالمقدار الذي يتناسب مع بيئتنا. والجريمة التي ارتكبت على أرض المسجد الحرام لن تمر دون حتى نمحصها ونحللها وندرسها دراسة دقيقة ومفصلة» (حديث ولي العهد ووزير الداخلية عن مراقبة جهيمان ورفاقه ومعهدتهم تطرح تساؤلات عدة حول استغلال بعض الجماعات سلطة الخطاب الديني في تمرير أجندات خاصة من دون محاسبتهم لفترة تخلق نتائج تصل إلى حادثة الحرم أوما يشابهها).

وصدر بتاريخ 2/5/1400 هـ القرار الملكي بتعيين الأمير ماجد بن عبد العزيز أميراً لمنطقة مكة خلفاً للأمير فواز لتنتهي المفاعيل الظاهرة لحادثة الحرم وتبدأ محرضاتها الكامنة، التي لم تعالج بجدية وعمق، فيخط تاريخ حديث للمملكة بعدها يختلف تماماً عما قبلها لدرجة أوصلت الكثيرين إلى القول «قتلنا جهيمان وتبينّا فكره» التي تتناقض تماماً مع الصرامة الإعلامية والسياسية المستخدمة في لقاءة جهيمان نفسه، فما الذي غيرته الحادثة أوماذا تغير بعدها أوبصيغة أدق. ما هي دلالتها الرمزية والاجتماعية والثقافية والسياسية؟!

أليس من الضروري نشر أوراق التحقيق مع جهيمان ورفاقه وتعاد رواية السيرة بكل تفاصيلها من حديث على نحوأكثر شمولية ووضوحاً لحق المواطن في الفهم وحق الدارس في المراجعة؟! وهل يعقل ألا نجد في المخطات أي كتاب لباحث سعودي يتصدى لهذه الحادثة بالدرس والتحليل باستثناء كتاب لأحد المعارضين نشره باسم مستعار؟! أليست بعض هذه التصريحات تبدو، أحيانا، وكأنها وليدة اليوم أوملبية لواقع معيش؟! تُرى من يروي .. ومن يستمع .. والأهم .. من يعتبر؟!

حول السّياقات التّاريخيّة لعمليّة اقتحام الحرم المكّيّ سنة 1979

جون فرانسوا ماير - ترجمة: محمّد الحاج سالم الأوان - الجمعة 31 أكتوبر 2008 نشر هذا الموضوع في المجلّة الإلكترونيّة Religioscope 1 في عددها الصّادر يوم 28 فبراير 2008، وهوبقلم عالم الأديان السّويسريّ جان فرانسوا ماير (Jean-François Mayer)، ونحن نقدّمه إلى القارئ العربيّ لما يتضّمنه من تحليل عميق للسّياقات التّاريخيّة التي ساهمت في إنتاج الظّاهرة الإسلامويّة الجهاديّة المعاصرة ممثّلة في تنظيم القاعدة، وإظهار تغذّي هذا التيّار من نسغ التشدّد السّعوديّ الوهّابيّ في مهده الأوّل أي المملكة العربيّة السّعوديّة…

ما تزال حادثة اقتحام المسجد الحرام سنة 1979 من قبل مجموعة من المتمرّدين ممّن آمنوا بظهور المهديّ المنتظر، إحدى القضايا التي لم يخط حولها الكثير في اللّغات الغربيّة. وقد شهدت الفترة الأخيرة بحوثا جديدة من شأنها إلقاء الضّوء على تلك الأحداث وخلفيّاتها، بل وبالخصوص تداعياتها.

قامت مجموعة إسلامويّة يوم 20 نوفمبر 1979 الموافق لمطلع العام الهجريّ 1400 بقيادة الرّقيب المتقاعد من الحرس الوطنيّ السّعوديّ " جهيمان العتيبي" باحتلال الحرم المكيّ، وذلك بعد حتى قدّم صهره "محمّد عبد الله القحطاني" إلى جماعة المؤمنين بوصفه المهديّ المنتظر الذي يأتي في نهاية الزّمان ليملأ الأرض عدلا ويقيم المجتمع الفاضل بعد دحر قوى الشرّ.

ولم تتمكّن القّوات السّعوديّة – مدعومة في ذلك بخبرات مجموعة من قوّات التدخّل التّابعة للحرس الوطني الفرنسيّ (GIGN) – من استعادة السّيطرة على الحرم إلاّ يوم أربعة ديسمبر. وقد اغتال "المهديّ" بعد معاناة طويلة، إذ تمزّق بعض جسمه أثناء محاولته رمي قنبلة باتّجاه المهاجمين الذين تجاوز حتى رموها عليه إذ كان متأكّدا بوصفه "المهديّ" بأنّها لن تتسبّب في موته، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع إيمان بعض المنتمين إلى حركته ولفترة طويلة بعد مقتله بأنّه لا يزال على قيد الحياة. أمّا العتيبي، فقد ضربت رقبته ورقاب 62 من أتباعه ممّن سقطوا في الأسر يومتسعة جانفي 1980 في عدّة مدن سعوديّة، وكانوا 39 سعوديّا و10 مصريّين و5 يمنيّين وبعض الكويتيّين والعراقيّين والسّودانيّين، بينما تمّ إعدام آخرين بصفة سريّة في الأشهر التّالية.

أمّا من لم يبلغ منهم بعد سنّ الرّشد، ولم يشاركوا في القتال، فقد قضّوا سنوات عديدة في السّجن. وقد اغتال أحد السّود الأمريكيّين من أتباع العتيبي خلال المعارك، وأطلق سراح آخر بعد سنوات من السّجن ليعاد مؤخّرا إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فيما تواصل وجود الفرع الكويتيّ لحركة العتيبي إلى نهاية الثمانينات. لكن لما نعود اليوم إلى هذه القصّة،يا ترى؟ أوّلا، بسبب صدور كتاب ومنطق في المدّة الأخيرة عن هذا الموضوع مكّنا من التعرّف بأكثر دقّة على ما سقط خلال تلك الأحداث التي لا توجد سوى قلّة من البحوث الغربيّة بشأنها. وثانيا، لأنّ ما حصل في مكّة عام 1979 لم يكن مجرّد حادث منعزل وعابر، بل هومنخرط ضمن التطوّرات الأوسع لظهور الجهاديّة المعاصرة، ممّا يجعله جزءا من الأحجية التي يحاول الخبراء جاهدين فهم ديناميّاتها.

وفي هذا الإطار يأتي كتاب "حصار مكّة" The Siege of Mecca للصّحفيّ ياروسلاف تروفيموف Yaroslav Trofimov مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال" Wall Street Journal والمختصّ في تغطية أحداث العالم العربيّ منذ سنوات.

وقد اتىت روايته للأحداث على نحوفعّال وبأسلوب صحفيّ تمكّن من تقديم وصف تفصيليّ لأحداث الحرم المكيّ يوما بيوم، محلّلا ظروف معايشتها من قبل السّلطات السّعوديّة خلال محاولة استعادة سيطرتها على الحرم، وظروف معايشتها من قبل الدّبلوماسيّين الأمريكان ومحاولتهم جمع أكثر ما يمكن من المعلومات بشأنها. وقد أدّى إطلاع المؤلّف على بعض الوثائق الأمريكيّة التي حمل عنها الحظر، واستماعه إلى شهود عيان بمن فيهم بعض أعضاء جماعة العتيبي، إلى الحصول على معلومات جديدة أدّى التّدقيق فيها والمقارنة بينها إلى تكوين فكرة أكثر دقّة عمّا وقع بالعمل.

أما بخصوص الموضوع الذي نشر في المجلّة الدّوليّة لدراسات الشّرق الأوسط (International Journal of Middle East Studies)، فهوبقلم الباحثين الشّابيّن النّرويجيّ توماس هيغهامر (Thomas Hegghammer) والفرنسيّ ستيفان لاكروا (Stéphane Lacroix)، وهما يقومان منذ مدّة بإمتاعنا ببحوث متميّزة حول جوانب مختلفة من الإسلام المعاصر. ويتناول منطقهما بالخصوص أصول حركة العتيبي وتأويلاتها وميراثها، مستندين في ذلك إلى العمل الميدانيّ الذي قاما به في المملكة العربيّة السّعوديّة والكويت. لن نعرض هنا تاريخ الحصار، عملى من يريد فهم المزيد حوله بما في ذلك المشاكل التي قابلت السّلطات السّعوديّة والأخطاء التي ارتكبتها، العودة إلى كتاب تروفيموف. لكن ذلك لا يمنع الإشارة إلى أنّ الأمر جدّ قبل ولادة شبكة الإنترنت والهاتف الخليويّ، وبالتّالي فثمّة فرق كبير بين ما مثّله في حينه وما كان يمكن حتى يمثّله اليوم. من ذلك أنّه أمكن للسّلطات السّعوديّة وقتها التّعتيم على الوقائع في خطوة أولى، وأشاعت جملة من التّأويلات (بما في ذلك إمكانيّة وقوف إيران وراء العمليّة، والحال أنّ حركة العتيبي كانت معادية تماما للشّيعة). ونريد هنا بالخصوص، التّركيز على بعض القضايا الأوسع نطاقا، وعلى ما يمكن حتى يفيدنا به هذا الحدث بشأن التطوّر اللاّحق للتّيارات الإسلامويّة.

ولعلّ أوّل تلك الاعتبارات أنّ مجموعة العتيبي لم تنشأ من عدم، فزعيمها نفسه ينتمي إلى إحدى أشدّ القبائل تعلّقا بالوهّابيّة، وهي من القبائل التي قامت بمساعدة الملك عبد العزيز (1876-1953) في الاستيلاء على السّلطة، قبل حتى تتصادم معه في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين حين أراد إيقاف الحروب في البلد والجنوح إلى السّلم مع جيرانه وسمح بإدخال بعض الابتكارات الحديثة مثل الهاتف والبرق والإذاعة والسيّارات إلى المملكة.

فبعد هزيمتها سنة 1929 في لقاءة القوّات الموالية للأسرة السّعوديّة، اضطرّت تلك القبائل إلى موالاة السّلطة، إلاّ أنّها وجدت نفسها بعيدة عن حقول النّفط ومحرومة من الازدهار الذي تنعم به مناطق أخرى. وبذلك لم يكن أمام أبنائها من وسيلة للترقّي الاجتماعيّ إلاّ الانخراط في صفوف جهاز الحرس الوطنيّ السّعوديّ، وهوجهاز يقوم على عقيدة إسلاميّة أرثوذوكسيّة صارمة، بل هوأنشئ أصلا لموازنة جيش غير متجانس قد تستهويه الأفكار الاشتراكيّة؛ ومن هنا اشتراك بعض منتسبيه في التمرّد المسلّح، واستغلال معارفهم العسكريّة في تدريب رفاقهم طوال الأشهر التي سبقت الحدث.

كما تثير حادثة سنة 1979 أيضا مسألة تأثير الأفكار المهدويّة في العالم السنّيّ حيث تتّخذ شكلا شديد الاختلاف عن المقاربة الشّيعيّة، إلاّ أنّها لا تقلّ عنها من حيث تحفيز الآمال. ورغم أنّ دور التّطلّعات المهدويّة داخل مختلف تيّارات الإسلامويّة يبقى محلّ نقاش، فإنّه لا مجال للشكّ في دورها في حالة متمرّدي مكّة، فقد كان العتيبي يربط بين ظهور المهديّ ومطلع القرن الهجريّ الجديد ويرى في الاستيلاء على الحرم المكّي تحقيقا للنّبوءات المتعلّقة بظهور المهديّ. كما يظهر أيضا أنّ حملة القمع التي باشرتها السّلطات السعوديّة سنة 1978 كان لها دور في تعزيز الإيمان بالمهديّ، إذ فهم المتمرّدون استيلاءهم على مكّة بوصفه تحقيقا لمشهد (سيناريو) مهدويّ، وتماثل كلّ من التّاريخ والنّبوءة في أذهانهم. ووفقا لهيغهامر ولاكروا، فإنّه لا مجال للشكّ في الاعتقادات المهدويّة للعتيبي، وذلك رغم عدم تأكّدهما تماما من مشاركة رفاقه له في معتقداته المسيحانيّة، إذ يعتبران حصر مجموعة العتيبي في مجرّد "نحلة مسيحانيّة" من شأنه تجاهل البعد السّياسيّ لخطابها. ومن هنا، يرى المحرران وجوب النّظر إلى الجماعة "بوصفها في آن مسيحانيّة وسياسيّة" (هيغهامر ولاكروا، ص 114)، وهوما نرى أنّه أمر مألوف في الحركات المسيحانيّة..

ومن الجدير بالذّكر هنا أنّ كثيرا من مؤيّدي العتيبي كانت لهم رؤى تؤكّد أنّ "محمّد عبد الله القحطانيّ" هوالمهديّ المنتظر وأنّهم أقسموا الولاء له عند الكعبة (تروفيموف، صص 50-51). وقد أشارت بعض البحوث إلى أهميّة الرّؤى ليس في الإسلام عموما فحسب، بل وبالخصوص عند الجماعات الجهاديّة [2] وثمّة عنصر آخر هامّ قد يساعد على فهم ظهور العتيبي وحركته، وهوالدّور الذي اضطلع به الفقهاء السّعوديّون من ذوي النّفوذ الدّينيّ كعبد العزيز بن باز (1909-1999)، فقد كانوا ينتقدون التّأثيرات الخارجيّة على المملكة وبعض المظاهر المجدّدة والتّحرّريّة فيها، لكنّهم كانوا في ذات الوقت مستعدّين للدّفاع عن النّظام الملكيّ لعدّة مسببات من ضمنها المكاسب التي كانوا يحقّقونها توطيدا لمكانتهم – في لقاءة نظام غير مستعدّ لتقبّل النّقد – وكذلك الخوف من اختفاء النّظام السّعوديّ وحلول تيّارات اشتراكيّة محلّه. وفيما يخصّ العتيبي، فقد تابع منطق قناعاته إلى منتهاه، وتوصّل إلى الحكم بعدم شرعيّة حكّام السّعوديّة وجميع قادة البلدان الإسلاميّة الأخرى، وهوما تولّد عنه الحكم أيضا بعدم شرعيّة خدمة تلك الدول (تروفيموف، ص33). ولقد بيّن هيغهامر ولاكروا كيف من الممكن أن شهدت السّنوات بين 1950 و1960 تطوّر نوعين من الإسلامويّة في المملكة العربيّة السّعوديّة: إسلامويّة "براغماتيّة سياسيّة نخبويّة" ولدت في الجامعات وتأثّرت بفكر الإخوان المسلمين، وإسلامويّة "انعزاليّة تقويّة" مرتبطة بأوساط اجتماعيّة متدنيّة على نمط "السلفيّين الجدد" متشدّدة حيال تقديم أيّ تنازلات، وقد كانت مجموعة العتيبي منتمية إلى التيّار الثّاني. ويشدّد لاكروا وهيغهامر على عدم الخلط بين هذا التيّار والتيّار الجهاديّ الذي يمثّله أسامة بن لادن، إذ يتعلّق الأمر بخصوص جماعة العتيبي بتيّار يحاول التّوفيق بين شواغل الممارسات الطّقسيّة وازدراء السّياسة، مع رفض للدّولة ومؤسّساتها (ص104 ).

لقد انتمى العتيبي لفترة طويلة إلى الأوساط التي كانت تكنّ احتراما عميقا لابن باز. ووفقا لتروفيموف، فقد كانت رسالة المتمرّدين متوافقة في جوهرها مع رسالة رجال الدّين الأكثر نفوذا في المملكة العربيّة السّعوديّة، إذ رغم ابتعاد العتيبي منذ سنة 1977 عن الولاء لفهماء الدّين في المملكة بسبب ما اعتبره خضوعا من قبلهم للسّلطة، فإنّ ابن باز نفسه تدخّل سنة 1978 لإطلاق سراح بعض أتباع العتيبي من سجون السّلطات التي هزّتها أنشطة تلك الشّبكة السرّية المعادية لآل سعود، إذ رأى ابن باز فيهم رجالا حسني النيّة ساعين لإقامة دين الله إلاّ أنّهم لم يحسنوا التّعبير عن ذلك (تروفيموف، صص 41-42). غير أنّ استعراض الأمور بنظرة استرجاعيّة من شأنه توضيح أنّ جماعة العتيبي رغم أخذها ببعض طروحات السّلطات الدّينيّة الرّسميّة إلاّ أنّها عارضتها بحجّة توافقها الكبير مع السّلطة السّياسيّة، وهوما يمثّل عاملا حاسما في فهم انبثاق الإسلامويّة الرّاديكاليّة.

لقد كان اقتحام المسجد الحرام من النّاحية الرّمزيّة عملا ذا أثر حاسم غير مسبوق، لكنّه لم يكن الأمثل لضمان اكتساب الدّعم عبر استخدام القوّة في مكان تحتّم قواعد الإسلام حتىقد يكون آمنا. وحسب تريفيموف، فقد أبلغ الملك خالد فيما بعد بعض زوّاره الأجانب أنّه "لوتمّت مهاجمة قصري، لأصابوا نجاحا أكبر" (ص 116). وبالعمل، فقد شهدت نفس الفترة اضطرابات عنيفة في صفوف السكّان الشّيعة للمناطق النّفطيّة السّعوديّة بتأثير من الثّورة التي قامت حينها في إيران إلى جانب الاحتقار والضّغينة التي يكنّها لهم الوهّابيّون، إلاّ أنّ النّظام السّعوديّ تمكّن من تجاوز المحنة.

وتعزيزا لموقفه بعد هذا الأزمة، قام النّظام السّعوديّ بنفس ما قامت به أنظمة أخرى في العالم الإسلاميّ، ألا وهوالعمل على تفادي الانتقادات من خلال إيلاء أهميّة أكبر للدّين بهدف حيازة مزيد من الشرعيّة. وقد تكرّس هذا التوجّه من خلال التّأييد الذي حصل عليه النّظام السّعوديّ من المجلس الأعلى للفهماء بقيادة ابن باز حين أدان حركة التمرّد، وذلك لقاء سلسلة من التّدابير المضادّة للتحرّر الذي بدأت المملكة تشهد بوادره. وقد أدّت الأحداث، وكذلك الاتّفاق المبرم بين الأسرة المالكة السّعوديّة والزّعماء الدّينيّين، إلى زيادة الدّعم الماليّ المخصّص لرجال الدّين وللتّنظيمات النّاشرة للوهابيّة.

ووفقا لتحليل تروفيموف (الفصل 30)، يظهر استعراض الأحداث كيف من الممكن أن غذّت هذه السّياسة الأفكار التي أنتجت العتيبي وأتباعه، وهي نفس الأفكار التي ستلهم القاعدة في وقت لاحق. ورغم أنّ الأمر يظهر أكثر تعقيدا ممّا نظنّ، فإنّ مثل هذه الملاحظة تستحقّ الاهتمام إذ تذكّرنا بأهميّة الأفكار ومدى تأثيرها. وعلاوة عن ذلك، فإنّ واقعة انضمام بعض أعضاء حركة العتيبي لاحقا لتنظيم القاعدة أمر سليم من النّاحية التّاريخيّة، وهوما لا يؤشّر حتما على أبوّة حركة العتيبي لتنظيم القاعدة، لكنّه يدلّ على تجانسهما وعلى وجود بيئة إيديولوجيّة هي التي سمحت لاحقا بتلاقي الحركتين.. ولمزيد فهم هذه الأفكار، ليس على القرّاء النّاطقين بغير العربيّة إلاّ حتى يأملوا في ترجمة الرّسائل السّبع (إلى جانب أربع رسائل أخرى) التي نشرت سنة 1970 في كتاب من 170 صفحة من العربيّة إلى إحدى اللّغات الغربيّة، ومن ضمنها بالطّبع أربع رسائل بقلم العتيبي نفسه. وقد تمّ نشر هذا الكتاب في الكويت، لا من قبل إسلامويّين، بل من قبل ناشر ذي توجّه بعثيّ موال لصدّام حسين قام بذلك بهدف الإسهام في إضعاف النّظام السّعوديّ (اكتفى لاكروا وهيغهامر من جهتهما بالإشارة إلى انتماء النّاشر إلى اليسار ومساندته حركات التمرّد الشّعبيّ). وقد خصّص العتيبي إحدى رسائله بالكامل لمسألة المهديّ المنتظر، وهي من ضمن الرّسائل التي يشير تروفيموف إلى إعادة طبعها في مصر مرّات متتالية (ص 247).

لقد كان محمّد الإسلامبولي شقيق قاتل الرّئيس السّادات والعضوالحاليّ في شبكة القاعدة، موجودا في مكّة أثناء وقوع الأحداث، وقد حمل معه إلى مصر كتاب العتيبي الذي وزّعت نسخ منه على الحجّاج خلال السّاعات الأولى من الحصار بعد حتى تقطّعت بهم السّبل داخل الحرم المكّي. وبالإضافة إلى ذلك، وكما رأينا، فقد شارك كثير من المصريّين في العمليّة بسبب انتشار رسائل العتيبي السّبع قبل عمليّة اقتحام الحرم في الأوساط الإسلامويّة المصريّة، وخاصة بين أنصار الجماعة الإسلاميّة (تروفيموف، ص 44).

أمّا بالنّسبة لأبي محمّد المقدسيّ (من مواليد سنة 1959)، أحد منظريّ التيّار الجهاديّ، فإنّ عدم موافقته على الإدّعاءات المهدويّة لحركة العتيبي ورميها بغياب رؤية سياسيّة لديها، لا يقلّل من ترحيبه بما قامت به باعتباره محاولة لإيقاظ المسلمين (تروفيموف، ص249). فقد كان المقدسيّ، وهومن أصل فلسطينيّ ونشأ في الكويت، على اتّصال مع فرع جماعة العتيبي في الكويت منذ سنة 1980، أي قبل اجتماعه بالمتعاطفين مع الحركة في المملكة العربيّة السّعوديّة ذاتها حين توجّه إلى المدينة المنوّرة في عام 1981 أو1982 بغرض استكمال تعليمه (هيغهامر ولاكروا، ص 115). ووفقا لتحليل هيغهامر ولاكروا، فقد كان المقدسيّ شديد التأثّر بأفكار العتيبي، إلاّ أنّه كان أكثر منه تطرّفا بخصوص بعض النّقاط، وأهمّها أنّ العتيبي كان ينتقد شرعيّة الحكومة السّعوديّة بشدّة دون حتى يكفّرها، وهوما كان محلّ خلاف بين المقدسيّ منذ سنة 1980 وبين من عاش من أنصار العتيبي بعد الأحداث (ص 116).

وقد شهدت بداية التّسعينات محاولة بعض الشّباب السّعوديّ إحياء تراث العتيبي، إلاّ أنّ الشّقاق دبّ في صفوفهم وانشقّوا إلى عدّة فصائل أكثر تشدّدا في مواقفها من حركة العتيبي ذاتها، وهوما يبرز بالخصوص في مسألة تكفير العائلة المالكة. وقد تورّط بعض قدامى المنتمين إلى هذه الفصائل في الهجمات التي شهدتها الرّياض سنة 1995، وهوما أدّى إلى إيقاف جميع المرتبطين بـ"انبعاث" حركة العتيبي، لتزداد بعد فترة السّجن مواقف بعضهم تشدّدا، فيما غدت مواقف بعضهم الآخر أكثر تحرّرا (هيغهامر ولاكروا، صص 116-117).

إلى غير ذلك بدا الأمر أشبه بحكاية تروى ودون تداعيات تذكر، وذلك رغم الجهود التي بذلتها السّلطات السّعوديّة – التي أحرجتها الأحداث أيّما إحراج – لتفادي القيام بمزيد من البحث حول الموضوع. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تمّت الأحداث في سياق منعطف تاريخيّ حاسم إذ شهد نفس العام 1979 تفجّر الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة مع ما صاحبها من تداعيات في كافّة أراتى العالم الإسلاميّ عموما وداخل العالم الشّيعيّ على وجه الخصوص، إضافة بالطّبع إلى التدخّل السّوفياتيّ في أفغانستان في شهر كانون الأوّل/ديسمبر من نفس السّنة. إلى غير ذلك كانت مسارات التطوّر التي ندرك اليوم تداعياتها بصدد التّقاطع في نفس اللّحظة ودون أيّ وعي من قبل الفاعلين فيها بذلك: هذه هي إحدى مزايا كتاب تروفيموف حين ربط بين تلك الوقائع في سياق تزامنيّ، ومنطق هيغهامر ولاكروا حين وضعا الأمر على "الخريطة الإيديولوجيّة" للإسلامويّة السّعوديّة. ولعلّ ممّا يثير الدّهشة أنّ إخلاف المهديّ موعد ظهوره المنتظر لم يمنع حتى تغدوبداية القرن الخامس عشر للهجرة موعدا لتحوّلات مصيريّة في تاريخ الإسلام.

انظر أيضاً

  • حادثة الحرم المكي الثانية
  • الإخوان المسلمين في السعودية
  • Operation Bluestar
  • [[حصار مسجد لال
  • Waco siege
  • People claiming to be the Mahdi
  • المسجد الحراب
  • ثورة الإخوان
  • قائمة نزاعات الشرق الأوسط الحديثة

المصادر

  1. ^ Da Lage, Olivier (2006). (in French). Complexe. p. 34. ISBN .CS1 maint: unrecognized language (link)
  2. ^ "Attack on Kaba Complete Video". YouTube. 23 July 2011. Retrieved 8 June 2013.
  3. ^ Lacey 2009, p. 13.
  4. ^ "THE SIEGE AT MECCA". 2006. Retrieved 2015. Check date values in: |accessdate= (help)
  5. ^ "Pierre Tristam, "1979 Seizure of the Grand Mosque in Mecca", About.com". Retrieved 1 November 2011.
  6. ^ Riyadh (10 January 1980). "63 Zealots beheaded for seizing Mosque". Pittsburgh Post-Gazette. Retrieved 12 November 2010.
  7. ^ " الجريدة ـ زوايا ورؤى ـ د. غانم النجار http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/PdfPages/AlJarida/25-11-2007/P10_Opinion.pdf
  8. ^ " الجريدة ـ زوايا ورؤى ـ د. غانم النجار http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/PdfPages/AlJarida/25-11-2007/P10_Opinion.pdf
  9. ^ "قضايا الخليج، الدين والدولة في السعودية، محمد فؤاد، http://www.gulfissues.net/mpage/gulfarticles/article0036.htm
  10. ^ [رابط إلى نص الخطبة http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=35872]
  11. ^ http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=90135
  12. ^ " الجريدة ـ زوايا ورؤى ـ د. غانم النجار http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/PdfPages/AlJarida/25-11-2007/P10_Opinion.pdf
  13. ^ أحمد عدنان ( صحافي سعودي) (2010-01-07). "وثائق جهيمان: استعادة أوراق منسيّة". سعودي ويڤ.

المراجع

  • religioscope: مجلّة إلكترونيّة فرنسيّة تنشر معلومات وتحاليل حول الأديان باللّغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة منذ جانفي 2002 تحت إشراف مؤرّخ الأديان السّويسري جون فرانسوا ماير على المسقط:
  • إدغار (إيان ر.): دور الرّؤى اللّيليّة الإلهاميّة في تحفيز الجهاد وتبريره، نوفا ريليجيو، المجلّد 11، العدد 2، تشرين الثاني/نوفمبر 2007 ، صص 59-76.

Iain R. Edgar: The Inspirational Night Dream in the Motivation and Justification for Jihad, Nova Religio, vol. 11, n° 2, nov. 2007, pp. 59-76.

  • International Journal of Middle East Studies, vol. 39, 2007, pp. 103-122
  • Hegghammer (Thomas) & Lacroix (Stéphane) : Rejectionist Islamism in Saudi Arabia: The Story of Juhayman al-’Utaybi Revisited
  • Critique internationale, N° 17, octobre 2002, pp. 35-43
  • Al-Rasheed (Madawi) : Deux prédécesseurs saoudiens de Ben Laden


وصلات خارجية

  • رابط تقرير بطول 45 دقيقة عن الحادثة
  • تكملة الفيلم في الرابط هذا
  • مسقط كتاب "حصار مكة"

Coordinates:

تاريخ النشر: 2020-06-04 17:33:05
التصنيفات: CS1 maint: unrecognized language, CS1 errors: dates, Pages using deprecated image syntax, All articles with unsourced statements, Articles with unsourced statements from November 2015, Articles with invalid date parameter in template, مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر, حوادث إرهاب إسلامي, جرائم 1979 في السعودية, احتجاز رهائن, تاريخ مكة, الإرهاب في السعودية, الحج, حوادث إرهاب في 1979, مذابح في دور عبادة, الحضور العسكري الپاكستاني في بلدان أخرى, قتل جماعي في 1979, نزاعات في 1979, القرن 20 في مكة, إرهاب في السعودية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الغرف التجارية ترحب بقرار المركزي: رسالة طمأنة وتحفيز للمستثمرين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:32
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

استعدادات الفراعنة لانطلاق التصفيات المؤهلة لكأس العالم للسلة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:46
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

سوهاج تعلن تبطين وتأهيل 107 ترعة بالقرى المدرجة ضمن حياة كريمة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:45
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

تنفيذ 10 قرارات إزالة إشغالات في حملة لجهاز 6 أكتوبر الجديدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:31
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

لطلاب التنسيق.. شروط القبول ببرنامج اللغة الهندية بآداب عين شمس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:22:05
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 38%

باكستان تعلن حالة الطوارئ الوطنية بعد مصرع 937 شخصا بسبب الفيضانات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:22:02
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 40%

خطوات ثابتة نحو عودة الريادة للمدينة الباسلة سياحيا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:44
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

محمد الفولي: «عين الصقر» كتاب مليء بالحكايات الغريبة عن كرة القدم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:35
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

اكتشاف ثانى أكسيد الكربون بكوكب يبعد 700سنة ضوئية عن المجموعة الشمسية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:22:08
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 38%

قاتل «نيرة» هو نفسه قاتل «كارمن»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

حزب الجيل الديمقراطي: إلغاء حد الإيداع يحفز على الادخار والاستثمار

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:21:28
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

أسعار الذهب اليوم الجمعة تتراجع 4 جنيهات.. وعيار 21 يسجل 1076 جنيها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:22:04
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 42%

قرعة الدوري الأوروبي .. أرسنال مع أيندهوفن وزيورخ وبودو جيليمت

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-26 15:22:06
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 36%

تحميل تطبيق المنصة العربية