تفسير ابن كثير (سورة البقرة)

عودة للموسوعة

تفسير ابن كثير (سورة البقرة)

الم (1)

ونطق ابن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن مَعْمَر ، حدثنا الحسن بن علي بن الوليد [الفارسي] (1) حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا عُبيس (2) بن ميمون ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقولوا : سورة البقرة ، ولا سورة آل عمران ، ولا سورة النساء ، وكذا القرآن كله ، ولكن قولوا : السورة التي يذكر فيها البقرة ، والتي يذكر فيها آل عمران ، وكذا القرآن كله " (3).

هذا حديث غريب لا يصح حمله ، وعيسى بن ميمون هذا هوأبوسلمة الخواص ، وهوضعيف الرواية ، لا يحتج به. وقد ثبت في السليمين (4) ، عن ابن مسعود : أنه رمى الجمرة من بطن الوادي ، فجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ثم نطق (5) : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أخرجاه (6).

وروى ابن مَرْدُويه ، من حديث شعبة ، عن عقيل بن طلحة ، عن عتبة بن فرقد (7) نطق : رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرًا (8) ، فنطق : " يا أصحاب سورة البقرة " (9). وأظن هذا كان يوم حنين ، حين ولوا مدبرين أمر العباس فناداهم : " يا أصحاب الشجرة " ، يعني أهل بيعة الرضوان. وفي رواية : " يا أصحاب البقرة (10) " ؛ لينشطهم بذلك ، فجعلوا يقبلون من جميع وجه (11). وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة ، جعل الصحابة يفرون لكثافة حَشْر (12) بني حنيفة ، فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون : يا أصحاب سورة البقرة ، حتى فتح الله عليهم (13). رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الم 1

قد اختلف المفسرون في الحروف المبترة التي في أوائل السور ، فمنهم من نطق : هي مما استأثر الله بفهمه ، فردوا فهمها إلى الله ، ولم يفسروها [حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم به ، ونطقه عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خثيم ، واختاره

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في هـ : "عيسى".

رواه الطبراني في الأوسط برقم (3450) "مجمع البحرين" والبيهقي في شعب الإيمان برقم (2582) من طريق عُبيس بن ميمون ، عن موسى بن أنس به ، ونطق البيهقي : "عُبيس بن ميمون منكر الحديث : وهذا لا يصح ، وإنما روى عن ابن عمر من قوله".

ف جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "السليم".

في و : "يقول".

سليم البخاري برقم (1747) وسليم مسلم برقم (1296).

في هـ : "مربد" وهوخطأ.

في جـ : "تأخرا في أصحابه".

ورواه الطبراني في المعجم الكبير (17/133) من طريق علي بن قتيبة عن شعبة عن عقيل بن أبي طلحة به ، واتى من حديث أنس ، رواه أبويعلى في مسنده (6/289) من طريق عمروبن عاصم عن أبي العوام عن معمر عن الزهري عن أنس رضي الله عنه.

في ب : "سورة البقرة".

اتى من حديث العباس ، رواه مسلم في سليمه برقم (1775) من طريق الزهري ، عن كثير بن عباس عن أبيه العباس رضي الله عنه.

في جـ ، ط ، ب ، و : "حبيش".

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (12/502) من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه نطق : "كان شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم مسيلمة : "يا أصحاب سورة البقرة".

(1/156)

أبوحاتم بن حبان (1) ] (2).

ومنهم من فسَّرها ، واختلف هؤلاء في معناها ، فنطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما هي أسماء السور [نطق العلامة أبوالقاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره : وعليه إطباق الأكثر ، ونقله عن سيبويه أنه نص عليه] (3) ، ويعتضد هذا بما ورد في السليمين ، عن أبي هريرة : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة : الم السجدة ، وهل أتى على الإنسان (4).

ونطق سفيان الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : أنه نطق : الم ، وحم ، والمص ، وص ، فواتح افتتح الله بها القرآن.

وكذا نطق غيره : عن مجاهد. ونطق مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عنه ، أنه نطق : الم ، اسم من أسماء القرآن.

إلى غير ذلك نطق قتادة ، وزيد بن أسلم ، ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد : أنه اسم من أسماء السور (5) ، فإن جميع سورة يطلق عليها اسم القرآن ، فإنه يبعد حتىقد يكون "المص" اسما للقرآن كله ؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول : قرأت "المص" ، إنما ذلك تعبير عن سورة الأعراف ، لا لمجموع القرآن. والله أفهم.

وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى. فنطق الشعبي : فواتح السور من أسماء الله تعالى ، وكذلك نطق سالم بن عبد الله ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، ونطق شعبة عن السدي : بلغني حتى ابن عباس نطق : الم اسم من أسماء الله الأعظم. هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة.

ورواه ابن جرير عن بُنْدَار ، عن ابن مَهْدِي ، عن شعبة ، نطق : سألت السدي عن حم وطس والم ، فنطق : نطق ابن عباس : هي اسم الله الأعظم.

ونطق ابن جرير : وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبوالنعمان ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل السدي ، عن مُرَّة الهمداني نطق : نطق عبد الله ، فذكر نحوه [وحكي مثله عن علي وابن عباس] (6).

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هوقسم أقسم الله به ، وهومن أسماء الله تعالى.

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن عُلية ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة أنه نطق : الم ، قسم.

ورويا (7) - أيضًا - من حديث شريك بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضُّحَى ، عن ابن عباس : الم ، نطق : أنا الله أفهم.

وكذا نطق سعيد بن جبير ، ونطق السُّدِّي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن

__________

تفسير القرطبي (1/154).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

سليم البخاري برقم (891) وسليم مسلم برقم (880).

في ط ، ب ، أ ، و : "السورة".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "وروي".

(1/157)

مرّة الهمذاني عن ابن مسعود. وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : الم. نطق : أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هاتى أسماء الله تعالى.

ونطق أبوجعفر الرّازي ، عن الرّبيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { الم نطق : هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفًا دارت فيها الألسن كلها ، ليس منها حرف إلا وهومفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهومن آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلا وهوفي مدة أقوام وآجالهم. نطق عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وعَجب ، فنطق : وأعْجَب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه ، فكيف يكفرون به ؛ فالألف مفتاح اسم الله ، واللام مفتاح اسمه لطيف (1) والميم مفتاح اسمه مجيد (2) فالألف آلاء الله ، واللام لطف الله ، والميم مجد الله ، والألف (3) سنة ، واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون [سنة] (4). هذا لفظ ابن أبي حاتم. ونحوه رواه ابن جرير ، ثم شرع يوجه جميع واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها ، وأنه لا منافاة بين جميع واحد منها وبين الآخر ، وأن الجمع ممكن ، فهي أسماء السور ، ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور ، فكل حرف منها دَلّ على اسم من أسمائه وصفة من صفاته ، كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه. نطق : ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله ، وعلى صفة من صفاته ، وعلى مدة وغير ذلك ، كما ذكره الرّبيع بن أنس عن أبي العالية ؛ لأن الحدثة الواحدة تطلق على معان كثيرة ، كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين ، كقوله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف : 22 ، 23]. وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله ، كقوله : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل : 120] وتطلق ويراد بها الجماعة ، كقوله : { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [القصص : 23] ، وقوله : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا [النحل : 36] وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف : 45] أي : بعد حين على أصح القولين ، نطق : فكذلك هذا.

هذا حاصل كلامه موجهًا ، ولكن هذا ليس كما ذكره أبوالعالية ، فإن أبا العالية زعم حتى الحرف دل على هذا ، وعلى هذا ، وعلى هذا معًا ، ولفظة الأمة وما أشبهها (5) من الألفاظ المشهجرة في الاصطلاح ، إنما دل في القرآن في جميع موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام ، فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين فهماء الأصول ، ليس هذا (6) موضع البحث فيها ، والله أفهم ؛ ثم إذا لفظ الأمة تدل على جميع (7) معانيه في سياق الكلام بدلالة الوضع ، فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن حتى يشير على اسم آخر من غير حتىقد يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أوالإضمار بوضع ولا بغيره ، فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف ، والمسألة مختلف فيها ، وليس فيها إجماع حتى يحكم به.

__________

في جـ : "اسمه اللطيف" ، وفي أ : "اسم لطيف".

في جـ : "المجيد".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فالألف".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وما أشبهه".

في أ : "هنا".

في ط ، ب : "كل من".

(1/158)

وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الحدثة ، فإن في السياق ما يشير على ما حذف بخلاف هذا ، كما نطق الشاعر :

قلنا قفي لنا فنطقت قاف... لا تَحْسَبِي أنا نَسينا الإيجاف (1)

تعني : وقفت. ونطق الآخر :

ما للظليم عَالَ كَيْفَ لا يا... ينقَدُّ عنه جلده إذا يا (2)

نطق ابن جرير : كأنه أراد حتى يقول : إذا يعمل كذا وكذا ، فاكتفى بالياء من يعمل ، ونطق الآخر :

بالخير خيرات وإن شرًا فا... ولا أريد الشر إلا حتى تا (3)

يقول : وإن شرًا فشر ، ولا أريد الشر إلا حتى تشاء ، فاكتفى بالفاء والتاء من الحدثتين عن بقيتهما ، ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام ، والله أفهم.

[نطق القرطبي : وفي الحديث : "من أعان على اغتال مسلم بشطر حدثة" (4) الحديث. نطق شقيق : هوحتى يقول في اقتل : اق] (5).

ونطق خصيف ، عن مجاهد ، أنه نطق : فواتح السور كلها "ق وص وحم وطسم والر" وغير ذلك هاتى موضوع. ونطق بعض أهل العربية : هي حروف من حروف المعجم ، استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها ، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفًا ، كما يقول القائل : ابني يخط في : ا ب ت ث ، أي : في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغني بذكر بعضها عن مجموعها. حكاه ابن جرير.

قلت : مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفًا ، وهي : ا ل م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن ، يجمعها قولك : نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عددًا ، والمذكور منها أشرف من المتروك ، وبيان ذلك من صناعة التصريف.

[نطق الزمخشري : وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ، ومن الرخوة والشديدة ، ومن المطبقة والمفتوحة ، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم نطق : فسبحان الذي دقت في جميع شيء حكمته ، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها ، وقد فهمت حتى معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله] (6).

__________

البيت في تفسير الطبري (1/212).

البيت في تفسير الطبري (1/213).

البيت في تفسير الطبري (1/213) وينسب إلى القيم بن أوس كما ذكره المحقق الفاضل.

تفسير القرطبي (1/156) والحديث رواه ابن ماجة في السنن برقم (2620) من طريق يزيد بن أبي زياد ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعا ، ونطق البوصيري في الزوائد (2/334) : "هذا إسناد ضعيف ، يزيد بن أبي زياد الدمشقي نطق فيه البخاري وأبوحاتم : منكر الحديث".

تنبيه : سقط في بعض النسخ المساعدة : نطق سفيان ، بدل شقيق ، والذي في تفسير القرطبي موافق لما هاهنا ، وقد روي هذا القول عن سفيان الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (2329).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/159)

ومن هاهنا لحظ (1) بعضهم في هذا المقام كلامًا ، فنطق : لا ريب حتى هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثًا ولا سدى ؛ ومن نطق من الجهلة : إنَّه في القرآن ما تعبد لا معنى له بالكلية ، فقد أخطأ خطأ كبيرًا ، فتعين حتى لها معنى في نفس الأمر ، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به ، وإلا وقفنا حيث وقفنا ، وقلنا : { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران : 7].

ولم يجمع الفهماء فيها على شيء معين ، وإنما اختلفوا ، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل عمليه اتباعه ، وإلا فالوقف حتى يتبين. هذا مقام.

المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ، ما (2) هي ،يا ترى؟ مع بتر النظر عن معانيها في أنفسها. فنطق بعضهم : إنما ذكرت لنعهد بها أوائل السور. حكاه ابن جرير ، وهذا ضعيف ؛ لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه ، وفيما ذكرت فيه بالبسملة تلاوة وكتابة.

ونطق آخرون : بل ابتدئ بها لتُفْتَحَ لاستماعها أسماعُ المشركين - إذ (3) تواصوا بالإعراض عن القرآن - حتى إذا استمعوا له تُلي عليهم المؤلَّف منه. حكاه ابن جرير - أيضًا - ، وهوضعيف أيضًا ؛ لأنه لوكان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا (4)قد يكون في بعضها ، بل غالبها ليس كذلك ، ولوكان كذلك - أيضًا - لانبغى (5) الابتداء بها في أوائل الكلام معهم ، سواء كان افتتاح سورة أوغير ذلك. ثم إذا هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابًا للمشركين ، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.

ونطق آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه [هجرب] (6) من هذه الحروف المبترة التي يتخاطبون بها.

ولهذا جميع سورة افتتحت بالحروف فلا بد حتى يذكر فيها الفوز للقرآن وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء ، وهوالواقع في تسع وعشرين سورة ، ولهذا يقول تعالى : { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة : 1 ، 2]. { الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران : 1 - 3]. { المص * كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف : 1 ، 2]. { الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [إبراهيم : 1]{ الم * تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة : 1 ، 2]. { حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت : 1 ، 2]. { حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الشورى : 1 - 3] ، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما مضى إليه هؤلاء لمن أمعن (7) النظر ، والله أفهم.

__________

في ب ، و : "لخص" ، وفي جـ ، ط : "يخص".

في ط : "وما".

في ط : "إذا".

في ب : "ولا".

في جـ ، ط : "لا ينبغي".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في ط : "أنعم".

(1/160)

وأما من زعم أنها دالة على فهم المدد ، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم ، فقد ادعى ما ليس له ، وطار في غير مطاره ، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ، وهومع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. وهوما رواه محمد بن إسحاق بن يسار ، صاحب المغازي ، حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، نطق : مر أبوياسر (1) بن أخطب ، في رجال من يهود ، برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهويتلوفاتحة سورة البقرة : { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [ هدى للمتقين] (2) [البقرة : 1 ، 2 ] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود ، فنطق : تفهمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلوفيما أنزل الله عليه : { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ فنطق : أنت سمعته ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطق : فسار حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود (3) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنطقوا : يا محمد ، ألم يذكر أنك تتلوفيما أنزل الله عليك : { الم * ذلك الكتاب لا [ريب] (4) ،يا ترى؟ فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بلى". فنطقوا : اتىك (5) بهذا جبريل من عند الله ،يا ترى؟ فنطق : "نعم". نطقوا : لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نفهمه (6) بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام (7) حيي بن أخطب ، وأقبل على من كان معه ، فنطق لهم : الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، أفتدخلون في دين نبي ، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ،يا ترى؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنطق : يا محمد ، هل مع هذا غيره ،يا ترى؟ فنطق : "نعم" ، نطق : ما ذاك ،يا ترى؟ نطق : "المص" ، نطق : هذا أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد سبعون (8) ، فهذه إحدى وثلاثون (9) ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره (10) ،يا ترى؟ نطق : "نعم" نطق : ما ذاك (11) ،يا ترى؟ نطق : "الر". نطق : هذا (12) أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان. فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره ،يا ترى؟ نطق : "نعم" ، نطق : ماذا ،يا ترى؟ نطق : "المر". نطق : فهذه أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان ، فهذه إحدى وسبعون ومائتان ، ثم نطق : لقد لبس علينا أمرك يا محمد ، حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا. ثم نطق : قوموا عنه. ثم نطق أبوياسر (13) لأخيه حيي بن أخطب ، ولمن معه من الأحبار : ما يدريكم ،يا ترى؟ لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون (14) ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع سنين (15). فنطقوا : لقد تشابه علينا أمره ، فيزعمون حتى هؤلاء الآيات نزلت فيهم : { هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران : 7] (16).

__________

في جـ : "أبوإياس".

زيادة من جـ.

في جـ ، ط : "من يهود".

زيادة من ب.

في جـ ، ط : "أاتىك".

في جـ : "ما نفهمهم".

في أ : "فنطق".

في جـ : "تسعون" ، وفي ط ، ب ، أ ، و : "ستون".

في جـ : "إحدى وستون".

في جـ ، أ ، و : "هل مع هذا غيره يا محمد".

في جـ ، ط ، ب ، و : "ماذا".

في جـ ، ط ، ب : "هذه".

في جـ : "أبوإياس".

في جـ : "إحدى وستون".

في جـ : "أربع وثلاثين سنة".

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (2/208) والطبري في تفسيره (1/217) من طريق ابن إسحاق ، وأطنب العلامة أحمد شاكر في الكلام عليه في حاشية تفسير الطبري.

(1/161)

ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)

فهذا مداره على محمد بن السائب الكلبي ، وهوممن لا يحتج بما انفرد به ، ثم كان مقتضى هذا المسلك إذا كان سليمًا حتى يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها ، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة ، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم (1) والله أفهم.

{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)

نطق ابن جُرَيج : نطق ابن عباس : "ذَلِكَ الْكِتَابُ" : هذا الكتاب. وكذا نطق مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسديّ ومقاتل بن حيان ، وزيد بن أسلم ، وابن جريج : حتى ذلك بمعنى هذا ، والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر ، وهذا معروف في كلامهم.

و{ الْكِتَابُ القرآن. ومن نطق : إذا المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل ، كما حكاه ابن جرير وغيره ، فقد أبعد النَّجْعَة وأغْرق (2) في النزع ، وتكلف ما لا فهم له به.

والرّيب : الشك ، نطق السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهَمْدانيّ عن ابن مسعود ، وعن أناس (3) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا رَيْبَ فِيهِ لا ريب فيه.

ونطقه أبوالدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبومالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبوالعالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد. ونطق ابن أبي حاتم : لا أفهم في هذا خلافًا.

[وقد يستعمل الريب في التهمة نطق جميل :

بثينة نطقت يا جميل أربتني... فقلت كلانا يا بثين مريب...

واستخدم - أيضًا - في الحاجة كما نطق بعضهم (4) :

قضينا من تهامة جميع ريب... وخيبر ثم أجمعنا السيوفا] (5)

ومعنى الكلام : حتى هذا الكتاب - وهوالقرآن - لا ريب فيه أنه هبط (6) من عند الله ، كما نطق تعالى في السجدة : { الم * تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة : 1 ، 2]. [ونطق بعضهم : هذا خبر ومعناه النهي ، أي : لا ترتابوا فيه] (7).

ومن القراء من يقف على قوله : { لا رَيْبَ ويبتدئ بقوله : { فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ والوقف على قوله تعالى : { لا رَيْبَ فِيهِ أولى للآية التي ذكرنا ، ولأنه يصير قوله : { هُدًى صفة للقرآن ، وذلك أبلغ من كون : { فِيهِ هُدًى .

و{ هُدًى يحتمل من حيث العربية حتىقد يكون مرفوعًا على النعت ، ومنصوبًا على الحال.

__________

في و : "أطم وأعظم" ، وفي أ : "أعظم وأعظم".

في جـ ، : "أغرب".

في جـ ، ط : "ناس".

هوكعب بن مالك ، والبيت في اللسان ، مادة "ريب".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب : "منزل".

زيادة من جـ ، ط.

(1/162)

وخصّت الهداية للمتَّقين. كما نطق : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت : 44]. { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا [الإسراء : 82] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن ؛ لأنه هوفي نفسه هدى ، ولكن لا يناله إلا الأبرار ، كما نطق : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس : 57].

وقد نطق السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ يعني : نورًا (1) للمتقين.

ونطق الشعبي : هدى من الضلالة. ونطق سعيد بن جبير : تبيان للمتَّقين. وكل ذلك سليم.

ونطق السدي : عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ نطق : هم المؤمنون (2).

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { لِلْمُتَّقِينَ أي : الذين يحذرون من الله عقوبته في هجر ما يعهدون من الهدى ، ويرجون رحمته في التصديق بما اتى به.

ونطق أبورَوْق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { لِلْمُتَّقِينَ نطق : المؤمنين الذين يتَّقون (3) الشرك بي ، ويعملون بطاعتي.

ونطق سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري ، قوله : { لِلْمُتَّقِينَ نطق : اتَّقوا ما حرّم الله عليهم ، وأدوا ما افترض عليهم.

ونطق أبوبكر بن عياش : سألني الأعمش عن المتَّقين ، نطق : فأجبته. فنطق [لي] (4) سل عنها الكلبي ، فسألته فنطق : الذين يجتنبون كبائر الإثم. نطق : فرجعت إلى الأعمش ، فنطق : نرى أنه كذلك. ولم ينكره.

ونطق قتادة { لِلْمُتَّقِينَ هم الذين نعتهم الله بقوله : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الآية والتي بعدها [البقرة : ثلاثة ، 4].

واختار ابن جرير : حتى الآية تَعُمّ ذلك كله ، وهوكما نطق.

وقد روى الترمذي وابن ماجه ، من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل ، عن عبد الله بن يزيد ، عن ربيعة بن يزيد ، وعطية بن قيس ، عن عطية السعدي ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبلغ العبد حتىقد يكون من المتَّقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس (5). ثم نطق الترمذي : حسن غريب (6).

__________

في جـ ، ب : "نور".

في جـ : "يعني نورا للمؤمنين".

في جـ : "يتعوذون".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في ب : "البأس".

سنن الترمذي برقم (2451) وسنن ابن ماجه برقم (4215).

(1/163)

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عمران ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، يعني الرازي ، عن المغيرة بن مسلم ، عن ميمون أبي حمزة ، نطق : كنت جالسًا عند أبي وائل ، فدخل علينا رجل ، ينطق له : أبوعفيف ، من أصحاب معاذ ، فنطق له شقيق بن سلمة : يا أبا عفيف ، ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل ،يا ترى؟ نطق : بلى سمعته يقول : يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد ، فينادي مناد : أين المتَّقون ،يا ترى؟ فيقومون في كَنَفٍ من الرّحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت : من المتَّقون ،يا ترى؟ نطق : قوم اتَّقوا الشرك وعبادة الأوثان ، وأخلصوا لله العبادة ، فيمرون إلى الجنة (1).

وأصل التقوى : التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية. نطق النابغة :

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه... فتناولته واتقتنا باليد...

ونطق الآخر :

فألقت قناعا دونه الشمس واتقت... بأحسن موصولين كف ومعصم...

وقد قيل : إذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سأل أبيّ بن كعب عن التقوى ، فنطق له : أما سلكت طريقًا ذا شوك ،يا ترى؟ نطق : بلى نطق : فما عملت ،يا ترى؟ نطق : شمرت واجتهدت ، نطق : فذلك التقوى.

وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فنطق :

خل الذنوب صغيرها... وكبيرها ذاك التقى...

واصنع كماش فوق أر... ض الشوك يحذر ما يرى...

لا تحقرن صغيرة... إذا الجبال من الحصى...

وأنشد أبوالدرداء يومًا :

يريد المرء حتى يؤتى مناه... ويأبى الله إلا ما أرادا...

يقول المرء فائدتي ومالي... وتقوى الله أفضل ما استفادا...

وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرًا من زوجة صالحة ، إذا نظر إليها سرته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" (2).

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)

نطق أبوجعفر الرازي ، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، نطق : الإيمان التصديق.

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/33) وفي إسناده ميمون القصاب ضعيف.

سنن ابن ماجة برقم (1857) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم ، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، ونطق البوصيري في الزوائد (2/70) : "هذا إسناد فيه علي بن زيد بن جنادىن وهوضعيف ، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه".

(1/164)

ونطق علي بن أبي طلحة وغيره ، عن ابن عباس ، { يُؤْمِنُونَ يصدقون.

ونطق مَعْمَر عن الزهري : الإيمان العمل.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { يُؤْمِنُونَ يخشون.

نطق ابن جرير وغيره : والأولى حتىقد يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادًا وعملا نطق : وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان ، الذي هوتصديق القول بالعمل ، والإيمان حدثة جامعةٌ للإقرار بالله وخطه ورسله ، وتصديق الإقرار بالعمل. قلت : أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض ، وقد يستعمل في القرآن ، والمراد به ذلك ، كما نطق تعالى : { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة : 61] ، وكما نطق إخوة يوسف لأبيهم : { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف : 17] ، وكذلك إذا استخدم مقرونا مع الأعمال ؛ كقوله : { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الإنشقاق : 25 ، والتين : 6] ، فأما إذا استخدم مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لاقد يكون إلا اعتقادًا وقولا وعملا.

هكذا مضى إليه أكثر الأئمة ، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبوعُبَيد وغير واحد إجماعًا : حتى الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أوردنا (1) الكلام فيها في أول شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة.

ومنهم من فسره بالخشية ، لقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الملك : 12] ، وقوله : { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق : 33] ، والخشية خلاصة الإيمان والفهم ، كما نطق تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر : 28].

وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه ، وكلها سليمة ترجع إلى حتى الجميع مراد.

نطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ نطق : يؤمنون بالله وملائكته وخطه ورسله واليوم الآخر ، وجنته وناره ولقائه ، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث ، فهذا غيب كله.

وكذا نطق قتادة بن نادىمة.

ونطق السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي (2) صلى الله عليه وسلم : أما الغَيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة ، وأمر النار ، وما ذكر في القرآن.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عِكْرِمة ، أوعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { بِالْغَيْبِ نطق : بما اتى منه ، يعني : مِنَ الله تعالى.

ونطق سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زِرّ ، نطق : الْغَيْب القرآن.

__________

في جـ ، ط : "وأفردنا".

في جـ ، ط : "رسول الله".

(1/165)

ونطق عطاء بن أبي رباح : من آمن بالله فقد آمن بالغيب.

ونطق إسماعيل بن أبي خالد : { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ نطق : بغيب الإسلام.

ونطق زيد بن أسلم : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ نطق : بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد ؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به.

ونطق سعيد بن منصور : حدثنا أبومعاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد (1) نطق : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا ، فذكرنا أصحَاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به ، نطق : فنطق عبد الله : إذا أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ : { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إلى قوله : { الْمُفْلِحُونَ [البقرة : 1 - 5] (2).

إلى غير ذلك رواه ابن أبي حاتم ، وابن مَرْدُويه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق ، عن الأعمش ، به (3).

ونطق الحاكم : سليم على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.

وفي معنى هذا الحديث الذي رواه [الإمام] (4) أحمد ، حدثنا أبوالمغيرة ، أبلغنا الأوزاعي ، حدثني أسيد (5) بن عبد الرحمن ، عن خالد بن دُرَيك ، عن ابن مُحَيريز ، نطق : قلت لأبي جمعة : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : نعم ، أحدثك حديثًا جيدًا : تغدينا (6) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبوعبيدة بن الجراح ، فنطق : يا رسول الله ، هل أحد (7) خير منا ،يا ترى؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك. نطق : "نعم" ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" (8).

طريق أخرى : نطق أبوبكر بن مَرْدُويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن صالح بن جُبَيْر ، نطق : قدم علينا أبوجمعة الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ، ليصلي فيه ، ومعنا يومئذ راتى بن حيوة ، فلما انصرف (9) خرجنا نشيعه ، فلما أراد الانصراف نطق : إذا لكم جائزة وحقا ؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلنا : هات رحمك الله نطق : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة ، فقلنا : يا رسول الله ، هل من قوم أعظم أجرًا منا ،يا ترى؟ آمنا بك واتبعناك ، نطق :

__________

في أ : "زيد".

سنن سعيد بن منصور برقم (180) تحقيق د. الحميد.

تفسير ابن أبي حاتم (1/34) والمستدرك (2/260).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في هـ : "أسد".

في جـ : "فعدنا".

في جـ : "أأحد".

المسند (4/106) نطق الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/33) : "واختلف فيه على الأوزاعي ، فنطق الأكثر : عن أسيد عن خالد بن دريك عن ابن محيريز. ونطق ابن شماسة : عن الأوزاعي عن أسيد عن صالح بن محمد حدثني أبوجمعة به" ونطق في فتح الباري (7/6) : "إسناده حسن".

في جـ : "انصرفنا".

(1/166)

"ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء ، بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا" مرتين (1).

ثم رواه من حديث ضَمْرَة بن ربيعة ، عن مرزوق بن نافع ، عن صالح بن جبير ، عن أبي جمعة ، بنحوه (2).

وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوِجَادة التي اختلف فيها أهل الحديث ، كما قررته في أول شرح البخاري ؛ لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرًا من هذه الحيثية لا مطلقا.

وكذا الحديث الآخر الذي رواه الحسن بن عهدة العبدي : حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن المغيرة بن قيس التميمي ، عن عمروبن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أي الخلق أحب إليكم إيمانا ؟". نطقوا : الملائكة. نطق : "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟". نطقوا : فالنبيون. نطق : "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟". نطقوا : فنحن. نطق : "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟". نطق : فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا إذا أحب الخلق إليّ إيمانا لَقَوْمٌقد يكونون من بعدكم يَجدونَ صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها" (3).

نطق أبوحاتم الرازي : المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث.

قلت : ولكن قد روى أبويعلى في مسنده ، وابن مردويه في تفسيره ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن أبي حميد ، وفيه ضعف ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله أونحوه. ونطق الحاكم : سليم الإسناد ، ولم يخرجاه (4) وقد روي نحوه عن أنس بن مالك مرفوعًا (5) ، والله أفهم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، أبلغني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاري ، أبلغني جعفر بن محمود ، عن جدته تويلة (6) بنت أسلم ، نطقت : صليت الظهر أوالعصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء (7) ، فصلينا سجدتين ، ثم اتىنا من يخبرنا : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت (8) الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون (9) البيت الحرام.

نطق إبراهيم : فحدثني رجال من بني حارثة : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك نطق : "أولئك قوم

__________

ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/23) عن بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح به.

ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/23) من طريق ضمرة بن ربيعة به.

جزء الحسن بن عهدة برقم (19).

مسند أبي يعلى (1/147) والمستدرك (4/85) وتعقب المضىي الحاكم فنطق : "بل ضعفوه".

رواه البزار في مسنده (2840) "كشف الأستار" من طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، ونطق : "غريب من حديث أنس".

في هـ : "نويلة".

في جـ : "المسجد الأقصى".

في جـ ، ط : "بيت الله".

في طـ ، ب ، أ ، و : "مستقبلوا".

(1/167)

آمنوا بالغيب" (1).

هذا حديث غريب من هذا الوجه.

{ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومما رزقناهم ينفقون ثلاثة

نطق ابن عباس : أي : يقيمون الصلاة بفروضها.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : إقامة (2) الصلاة إتمام (3) الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها.

ونطق قتادة : إقامة (4) الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها ، وركوعها وسجودها.

ونطق مقاتل بن حيان : إقامتها : المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها (5) وتمام ركوعها وسجودها (6) وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا إقامتها.

ونطق علي بن أبي طلحة ، وغيره عن ابن عباس : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ نطق : زكاة أموالهم.

ونطق السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله (7) صلى الله عليه وسلم { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ نطق : هي نفقة الرجل على أهله ، وهذا قبل حتى تنزل الزكاة.

ونطق جُوَيْبر ، عن الضحاك : كانت النفقات قربات (8) يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات : سبعُ آيات في سورة براءة ، مما يذكر فيهن الصدقات ، هن الناسخات المُثْبَتَات.

ونطق قتادة : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فأنفقوا مما أعطاكم الله ، هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم ، يوشك حتى تفارقها.

واختار ابن جرير حتى الآية عامة في الزكاة والنفقات ، فإنه نطق : وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم : حتىقد يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مُؤَدّين ، زكاة كان ذلك أونفقة مَنْ لزمته نفقته ، من أهل أوعيال وغيرهم ، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك ؛ لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك ، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه.

قلت : كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال ، فإن الصلاة حق الله وعبادته ، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه ، وتمجيده والابتهال إليه ، ونادىئه والتوكل عليه ؛ والإنفاق هو

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/36) وفي إسناده إسحاق بن إدريس نطق البخاري : "هجره الناس". ونطق ابن معين : "يضع الحديث". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (24/207) من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري ، عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه به نحوه.

في جـ ، ط : "إقام".

في جـ ، ط ، ب : "تمام".

في طـ : "إقام".

في جـ : "لها".

في جـ : "وإتمام الركوع والسجود".

في جـ : "النبي".

في جـ ، ط ، ب : "قربانا".

(1/168)

الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم ، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ، ثم الأجانب ، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ولهذا ثبت في السليمين عن ابن عمر : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "بُنِيَ الإسلام على خمس : شهادة حتى لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت" (1). والأحاديث في هذا كثيرة.

وأصل الصلاة في كلام العرب النادىء ، نطق الأعشى :

لها حارس لا يبرحُ الدهرَ بَيْتَها... وإن ذُبحَتْ صلى عليها وزَمْزَما (2)

ونطق أيضًا (3) وقابلها الريح في دَنّها... وصلى على دَنّها وارتسم (4)

أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك.

ونطق الآخر - وهوالأعشى أيضًا - :

تقول بنتي وقد قَرَّبتُ مرتحلا... يا رب جنب أبي الأوصابَ والوَجَعَا...

عليكِ مثلُ الذي صليتِ فاغتمضي... نوما فإن لِجَنب المرء مُضْطجعا...

يقول : عليك من النادىء مثل الذي دعيته لي. وهذا ظاهر ، ثم استخدمت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة ، بشروطها المعروفة ، وصفاتها ، وأنواعها [المشروعة] (5) المشهورة.

ونطق ابن جرير : وأرى حتى الصلاة المفروضة سميت صلاة ؛ لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبتَه من ثواب الله بعمله ، مع ما يسأل ربه من (6) حاجته (7).

[وقيل : هي مشتقة من الصلَوَيْن إذا تحركا في الصلاة عند (8) الركوع ، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا (9) عجب الذنب ، ومنه سمي المصلي ؛ وهوالثاني للسابق في حلبة الخيل ، وفيه نظر ، وقيل : هي مشتقة من الصلى ، وهوالملازمة للشيء من قوله : { لا يَصْلاهَا أي : يلزمها ويدوم فيها { إِلا الأشْقَى [الليل : 15] وقيل : مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوّم ، كما حتى المصلي يقوّم عوجه بالصلاة : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت : 45] واشتقاقها من النادىء أصح وأشهر ، والله أفهم] (10).

وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه ، إذا شاء الله.

__________

سليم البخاري برقم (8) وسليم مسلم برقم (16).

البيت في تفسير الطبري (1/242).

في ب : "الآخر".

البيت في تفسير الطبري (1/242).

زيادة من ط.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فيها".

في أ ، و : "حاجاته".

في أ : "في".

في أ : "يكشفا".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/169)

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

نطق ابن عباس : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ أي : يصدقون بما جئت به من الله ، وما اتى به مَنْ قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم { وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي : بالبعث والقيامة ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والميزان.

وإنما سميت الآخرة لأنها بعد الدنيا ، وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هاهنا : هل هم الموصوفون بما تقدم من قوله تعالى : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة : 3] ومن هم ،يا ترى؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير :

أحدهما (1) : حتى الموصوفين أوّلا هم الموصوفون ثانيًا ، وهم جميع مؤمن ، مؤمنوالعرب ومؤمنوأهل الكتاب وغيرهم ، نطقه مجاهد ، وأبوالعالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة.

والثاني : هما واحد ، وهم مؤمنوأهل الكتاب ، وعلى هذين تكون الواوعاطفة صفات على صفات ، كما نطق تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى : 1 - 5] وكما نطق الشاعر :

إلى الملك القَرْم وابن الهُمام... وليثِ الكتيبة في المُزْدَحَم...

فعطف الصفات بعضها على بعض ، والموصوف واحد.

والثالث : حتى الموصوفين أولا مؤمنوالعرب ، والموصوفون ثانيا بقوله : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ الآية مؤمنو(2) أهل الكتاب ، نقله السدي في تفسيره ، عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة ، واختاره ابن جرير ، ويستشهد لما نطق بقوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ الآية [آل عمران : 199] ، وبقوله تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [القصص : 52 - 54]. وثبت في السليمين ، من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها" (3).

وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما نطق إلا بمناسبة ، وهي حتى الله وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين ، فكما أنه صنف الكافرين إلى صنفين : منافق وكافر ، فكذلك المؤمنون صنفهم إلى عربي وكتابي.

قلت : والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد. ورواه غير واحد ، عن

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أحدها".

في جـ ، ط ، ب : "لمؤمني".

سليم البخاري برقم (97) وسليم مسلم برقم (154).

(1/170)

أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أنه نطق : أربع آيات من أول سورة البقرة في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة في المنافقين ، فهذه الآيات الأربع عامة في جميع مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي ، وكتابي من إنسي وجني ، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى ، بل جميع واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها ، فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والزكاة إلا مع الإيمان بما اتى به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما اتى به مَنْ قبله من الرسل والإيقان بالآخرة ، كما حتى هذا لا يصح إلا بذاك ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بذلك ، كما نطق : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ الآية [النساء : 136]. ونطق : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ الآية [العنكبوت : 46]. ونطق تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ [النساء : 47] ونطق تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [المائدة : 68] وأبلغ تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك ، فنطق تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ الآية [البقرة : 285] ونطق : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ [النساء : 152] وغير ذلك من الآيات الدالة على أمْر جميع المؤمنين بالإيمان بالله ورسله وخطه. لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية ، وذلك أنهم مؤمنون بما بأيديهم (1) مفصلا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلا كان لهم على ذلك الأجر مرتين ، وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان ، بما تقدم مجملا كما اتى في السليم : "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، ولكن قولوا : آمنا بالذي (2) أنزل إلينا وأنزل إليكم" (3) ولكن قد يحدث إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أتم وأكمل وأعم وأضم من إيمان من ولج منهم في الإسلام ، فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية ، فغيرهم [قد] (4) يحصل له من التصديق ما يُنيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم ، والله أفهم.

{ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

يقول الله تعالى : { أُولَئِكَ أي : المتصفون بما تقدم : من الإيمان بالغيب ، وإقام الصلاة ، والإنفاق من الذي رزقهم الله ، والإيمان بما أنزل الله إلى الرسول ومَنْ قبله من الرسل ، والإيقان بالدار الآخرة ، وهويستلزم الاستعداد لها من العمل بالصالحات وهجر المحرمات.

{ عَلَى هُدًى أي : نور وبيان وبصيرة من الله تعالى. { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي : في الدنيا والآخرة.

__________

في جـ : "بما في أيديهم".

في طـ ، ب ، أ ، و : "بما".

سليم البخاري برقم (4485 ، 7362) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

زيادة من طـ ، ب.

(1/171)

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عِكْرِمة أوسعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي : على نور من ربهم ، واستقامة على ما اتىهم ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي : الذين أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شر ما منه هربوا.

ونطق ابن جرير : وأما معنى قوله : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ فإن معنى ذلك : أنهم على نور من ربهم ، وبرهان واستقامة وسداد ، بتسديد الله إياهم ، وتوفيقه لهم وتأويل قوله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي المُنْجِحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وخطه ورسله ، من الفوز بالثواب ، والخلود في الجنات ، والنجاة مما أعد الله لأعدائه من العقاب (1).

وقد حكى ابن جرير قولا عن بعضهم أنه أعاد اسم الإشارة في قوله تعالى : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إلى مؤمني أهل الكتاب الموصوفين بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ الآية ، على ما تقدم من الخلاف. [نطق] (2) وعلى هذا فيجوز حتىقد يكون قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ منبترا (3) مما قبله ، وأنقد يكون مرفوعًا على الابتداء وخبره { [ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَ] أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (4) واختار أنه عائد إلى جميع من تقدم ذكره من مؤمني العرب وأهل الكتاب ، لما رواه السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب ، فهم المؤمنون من العرب ، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هم المؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقين فنطق : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقد تقدم من الترجيح حتى ذلك صفة للمؤمنين عامة ، والإشارة عائدة عليهم ، والله أفهم. وقد نقل هذا عن مجاهد ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، رحمهم الله.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثني عبيد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم ومسماه سليمان بن عبد ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له : يا رسول الله ، إنا نقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ من القرآن فنكاد حتى نيأس ، أوكما نطق. نطق : فنطق : "أفلا أقول لكم عن أهل الجنة وأهل النار ؟". نطقوا : بلى يا رسول الله. نطق : " { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ " إلى قوله تعالى : { الْمُفْلِحُونَ هؤلاء أهل الجنة". نطقوا : إنا نرجوحتى نكون هؤلاء. ثم نطق : " { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ " إلى قوله : { عَظِيمٌ هؤلاء أهل النار". نطقوا : لسنا هم يا رسول الله. نطق : "أجل " (5).

__________

تفسير الطبري (1/249).

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "مقتطعا".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

تفسير ابن أبي حاتم (1/40).

(1/172)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)

يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي : غَطوا الحق وستروه ، وقد خط الله تعالى عليهم ذلك ، سواء عليهم إنذارك وعدمه ، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ [يونس : 96 ، 97] ونطق في حق المعاندين من أهل الكتاب : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ الآية [البقرة : 145] أي : إذا من (1) خط الله عليه الشقاوة فلا مُسْعِد له ، ومن أضلَّه فلا هادي له ، فلا تمضى نفسك عليهم حسرات ، وبلّغهم الرّسالة ، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر ، ومن تولى فلا تحزن عليهم ولا يُهْمِدَنَّك ذلك ؛ { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد : 40] ، و{ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [هود : 12].

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ نطق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصُ حتى يؤمن جميع النَّاس ويُتَابعوه على الهدى ، فأبلغه الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من تجاوز له من الله السعادةُ في الذكر الأوّل ، ولا يضل إلا من تجاوز له من الله الشقاوة في الذكر الأوّل.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي : بما أنزل إليك ، وإن نطقوا : إنَّا قد آمنا بما اتىنا قبلك { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي : إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق ، فقد (2) كفروا بما اتىك ، وبما عندهم مما اتىهم به غيرك ، فكيف يسمعون منك إنذارًا وتحذيرًا ، وقد كفروا بما عندهم من فهمك ؟!

ونطق أبوجعفر الرّازي ، عن الرّبيع بن أنس ، عن أبي العالية ، نطق : نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب ، وهم الذين نطق الله فيهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا [إبراهيم : 28 ، 29].

والمعنى الذي ذكرناه أوّلا وهوالمروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة ، أظهر ، ويفسر (3) ببقية الآيات التي في معناها ، والله أفهم.

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا ، فنطق : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثني عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الهيثم (4) عن عبد الله بن عمرو، نطق : قيل : يا رسول الله ، إنَّا نقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ فنكاد حتى نيأس ، فنطق : "ألا أقول لكم" ، ثم نطق : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ هؤلاء أهل النار". نطقوا : لسنا منهم يا رسول الله ،يا ترى؟ نطق : "أجل" (5).

__________

في جـ : "إلا أنه من".

في جـ ، ط ، ب : "وقد".

في جـ : "وتفسيره" ، وفي طـ ، ب : "ويفسره".

في جـ : "القسم".

تفسير ابن أبي حاتم (1/42).

(1/173)

خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)

[وقوله : { لا يُؤْمِنُونَ محله من الإعراب أنه جملة مؤكدة للتي قبلها : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي هم كفار في كلا الحالين ؛ فلهذا أكد ذلك بقوله : { لا يُؤْمِنُونَ ويحتمل حتىقد يكون { لا يُؤْمِنُونَ خبرًا لأن تقديره : إذا الذين كفروا لا يؤمنون ، ويكون قوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ جملة معترضة ، والله أفهم] (1).

{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)

نطق السّدي : { خَتَمَ اللَّهُ أي : طبع الله ، ونطق قتادة في هذه الآية : استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه ؛ فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ، فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون.

ونطق ابن جُرَيْج : نطق مجاهد : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ نطق : نبئت حتى الذنوب على القلب تحف به (2) من جميع نواحيه حتى تلتقي عليه ، فالتقاؤها عليه الطبع ، والطبع الختم ، نطق ابن جريج : الختم على القلب والسمع.

نطق ابن جُرَيْج : وحدثني عبد الله بن كَثير ، أنه سمع مجاهدًا يقول : الرّانُ أيسر من الطبع ، والطبع أيسر من الأقفال ، والأقفال أشد من ذلك كله.

ونطق الأعمش : أرانا مجاهد بيده فنطق : كانوا يرون حتى القلب في مثل هذه (3) - يعني : الكف - فإذا أذنب العبد ذنبًا ضُمَّ منه ، ونطق بأصبعه الخنصر هكذا ، فإذا أذنب ضَمّ. ونطق بأصبع أخرى ، فإذا أذنب ضُمّ. ونطق بأصبع أخرى إلى غير ذلك ، حتى ضم أصابعه كلها ، ثم نطق (4) : يطبع عليه بطابع.

ونطق مجاهد : كانوا (5) يرون حتى ذلك : الرين.

ورواه ابن جرير : عن أبي كُرَيْب ، عن وَكِيع ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، بنحوه.

نطق ابن جرير : ونطق بعضهم : إنما معنى قوله : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ إخبار من الله عن تكبرهم ، وإعراضهم عن الاستماع لما دُعُوا إليه من الحق ، كما ينطق : إذا فلانًا لأصَمّ عن هذا الكلام ، إذا امتنع من سماعه ، وحمل (6) نفسه عن تفهمه تكبرًا.

نطق : وهذا لا يصح ؛ لأن الله قد أبلغ أنه هوالذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.

(قلت) : وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدًا ، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله ؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده - تعالى الله عنه في اعتقاده - ولوفهم قوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وقوله { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاءً وفاقًا على تماديهم في الباطل وهجرهم الحق ، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح ، فلوأحاط فهمًا بهذا لما نطق ما نطق ، والله أفهم.

نطق القرطبي : وأجمعت الأمة على حتى الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما نطق : { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ وذكر حديث تقليب القلوب : "ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" ، وذكر حديث حذيفة الذي في السليم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ونطق : الطبع ينبت الذنوب على القلب فحفت به".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "هذا".

في طـ ، ب : "نطق : ثم".

في جـ ، ط ، ب : "وكانوا".

في جـ : "يحمل".

(1/174)

نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين : على أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيًا لا يعهد معروفًا ولا ينكر منكرًا" الحديث.

نطق (1) والحق عندي في ذلك ما صَحّ بنظيره (2) الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهوما حدثنا به محمد بن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا ابن عَجْلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا كانت نُكْتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزعَ واستعتب صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلوقلبه ، فذلك الران الذي نطق الله تعالى : { كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين : 14] (3).

وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي ، عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان ، به (4).

ونطق الترمذي : حسن سليم.

ثم نطق ابن جرير : فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع ، فلاقد يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر عنها (5) مخلص ، فذلك (6) هوالختم والطبع الذي ذكر (7) في قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف ، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض (8) ذلك عنها ثم حلها ، فكذلك (9) لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحَلّه رباطه [عنها] (10).

وافهم حتى الوقف التام على قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ، وقوله { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ جملة تامة ، فإن الطبعقد يكون على القلب وعلى السمع ، والغشاوة - وهي الغطاء - تكون على البصر ، كما نطق السدي في تفسيره عن أبي مالك ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة الهَمْداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله (11) صلى الله عليه وسلم في قوله : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ يقول : فلا يعقلون ولا يسمعون ، ويقول : وجعل على أبصارهم غشاوة ، يقول : على أعينهم فلا يبصرون.

نطق (12) ابن جرير : حدثني محمد بن سعد (13) حدثنا أبي ، حدثني عمي الحسين بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ والغشاوة على أبصارهم.

ونطق : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، يعني ابن داود ، وهوسُنَيد ، حدثني حجاج ، وهوابن محمد الأعور ، حدثني ابن جريج نطق : الختم على القلب والسمع ، والغشاوة على البصر ، نطق الله تعالى : { فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ [الشورى : 24] ، ونطق { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثية : 23] (14).

__________

في جـ ، ط : "نطق ابن جرير"

في جـ : "ما صح به بنظره".

تفسير الطبري (1/260).

سنن الترمذي برقم (3334) وسنن النسائي الكبرى برقم (11658) وسنن ابن ماجة برقم (4244).

في أ ، و : "منها".

في جـ : "فلذلك".

في و : "ذكره الله".

في جـ : "إلى نقض".

في جـ : "فلذلك".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط : "النبي".

في جـ ، ط : "ونطق".

في أ : "سفيان".

تفسير الطبري (1/265).

(1/175)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

نطق (1) ابن جرير : ومن نصب غشاوة من قوله تعالى : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ يحتمل (2) أنه نصبها بإضمار عمل ، تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ، ويحتمل حتىقد يكون نصبها على الإتباع ، على محل { وَعَلَى سَمْعِهِمْ كقوله تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة : 22] ، وقول الشاعر :

عَلَفْتُها تبنًا وماء باردًا... حتى شَتتْ هَمَّالَةً عيناها (3)

ونطق الآخر :

ورأيت زَوْجَك في الوغى... متقلِّدًا سيفًا ورُمْحًا (4)

تقديره : وسقيتها ماء باردًا ، ومعتَقِلا رمحًا.

لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ، ثم عرّف حال الكافرين بهاتين الآيتين ، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة ، جميع منها نفاق ، كما أنزل (5) سورة براءة فيهم ، وسورة المنافقين فيهم ، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور ، تعريفا لأحوالهم لتجتنب ، ويجتنب من تلبس (6) بها أيضًا ، فنطق تعالى :

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

النفاق : هوإظهار الخير وإسرار الشر ، وهوأنواع : اعتقادي ، وهوالذي يخلد صاحبه في النار ، وعملي وهومن أكبر الذنوب ، كما سيأتي تفصيله (7) في موضعه ، إذا شاء الله تعالى ، وهذا كما نطق ابن جريج : المنافق يخالف قَوْلُه فِعْلَهُ ، وسِرّه علانيته ، ومدخله مخرجه ، ومشهده مَغِيبه.

وإنما نزلت صفات المنافقين في السّور المدنية ؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق ، بل كان خلافه ، من الناس من كان يظهر الكفر مُسْتَكْرَها ، وهوفي الباطن مؤمن ، فلمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج ، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام ، على طريقة مشركي العرب ، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم ، وكانوا ثلاث قبائل : بنوقَيْنُقَاع حلفاء الخزرج ، وبنوالنَّضِير ، وبنوقُرَيْظَة حلفاء الأوس ، فلمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وأسلم من أسلم

__________

في جـ : "ونطق".

في جـ ، ط : "فيحتمل".

البيت في تفسير الطبري (1/264).

البيت في تفسير الطبري (1/265) وهوللحارث المخزومي.

في جـ : "كما أنزلت".

في جـ : "يتلبس".

في جـ : "تفسيره".

(1/176)

من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج ، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سَلام ، رضي الله عنه ، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا ؛ لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف ، بل قد كان ، عليه الصلاة والسلام ، وَادَعَ اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة ، فلما كانت سقطة بدر العظمى وأظهر الله حدثته ، وأعلى الإسلام وأهله ، نطق عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وكان رأسا في المدينة ، وهومن الخزرج ، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية ، وكانوا قد عزموا على حتى يملّكوه عليهم ، فاتىهم الخير وأسلموا ، واشتغلوا عنه ، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله ، فلما كانت سقطة بدر نطق : هذا أمر قد تَوَجَّه فأظهر الدخول في الإسلام ، ودخل معه طوائف ممن هوعلى طريقته ونحلته ، وآخرون من أهل الكتاب ، فمن ثَمّ وُجِد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد ، لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرَهًا ، بل يهاجر ويهجر ماله ، وولده ، وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة.

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكْرِمة ، أوسعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يعني : المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم.

وكذا فسَّرها بالمنافقين أبوالعالية ، والحسن ، وقتادة ، والسدي.

ولهذا نبَّه الله ، سبحانه ، على صفات المنافقين لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر ، وهذا من المحذورات الكبار ، حتى يظن بأهل الفجور خَيْر ، فنطق تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ أي : يقولون ذلك قولا ليس وراءه شيء آخر ، كما نطق تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون : 1] أي : إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط ، لا في نفس الأمر ؛ ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها ؛ كما أكَّدوا قولهم : { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وليس الأمر كذلك ، كما أكْذبهم الله في شهادتهم ، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم ، بقوله : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون : 1] ، وبقوله { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ

وقوله تعالى : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أي : بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر ، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين ، كما نطق تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة : 18] ؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ يقول : وما يَغُرُّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون بذلك من أنفسهم ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء : 142].

ومن القراء من قرأ : "وَمَا يُخَادِعُونَ (1) إِلا أَنفُسَهُمْ" ، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد.

__________

في جـ ، ط ، ب : "يخدعون".

(1/177)

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)

نطق ابن جرير : فإن نطق قائل : كيف من الممكن أنقد يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعًا ، وهولا يظهر بلسانه خلاف ما له معتقد إلا تقية ؟

قيل : لا تمتنع (1) العرب حتى تسمي من منح بلسانه غير الذي في ضميره تقية ، لينجومما هوله خائف ، مخانادى ، فكذلك المنافق ، سمي مخانادى لله وللمؤمنين ، بإظهاره ما أظهر (2) بلسانه تقية ، مما تخلص به من القتل والسباء (3) والعذاب العاجل ، وهولغير ما أظهر ، مستبطن ، وذلك من عملِه - وإن كان خداعًا للمؤمنين في عاجل الدنيا - فهولنفسه بذلك من عمله خادع ، لأنه يُظْهِر لها بعمله ذلك بها أنَّه يعطيها أمنيّتها ، ويُسقيها كأس (4) سرورها ، وهوموردها حياض عطبها ، ومُجرّعها بها كأس عذابها ، ومُزيرُها (5) من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبَلَ لها به ، فذلك خديعته نفسه ، ظنًا منه - مع إساءته إليها في أمر معادها - أنه إليها محسن ، كما نطق تعالى : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ إعلامًا منه عِبَادَه المؤمنين أنّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسْخَاطهم (6) عليها ربهم بكفرهم ، وشكهم وتكذيبهم ، غير شاعرين ولا دارين ، ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون (7).

ونطق ابن أبي حاتم : أنبأنا عليّ بن المبارك ، فيما خط إليّ ، حدثنا زيد بن المبارك ، حدثنا محمد بن ثور ، عن ابن جُرَيْج ، في قوله تعالى : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ نطق : يظهرون "لا إله إلا الله" يريدون حتى يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم ، وفي أنفسهم غير ذلك (8).

ونطق سعيد ، عن قتادة : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ نعت المنافق عند كثير : خَنعُ الأخلاق يصدّق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله ، يصبح على حال ويمسي على غيره ، ويمسي على حال ويصبح على غيره ، ويتكفأ تكفأ السفينة حدثا هبَّت ريح هبّ معها.

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)

نطق السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نطق : شَكٌّ ، { فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا نطق : شكًّا.

ونطق [محمد] (9) بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عِكْرِمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس [في قوله] (10) { : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نطق : شك.

__________

في جـ : "لا تمنع".

في أ ، و : "ما أظهره".

في أ : "السبي".

في جـ : "بكأس".

في أ : "ويزيدها".

في جـ : "بإسخاطهم".

تفسير الطبري (1/273).

تفسير ابن أبي حاتم (1/46).

زيادة من و.

زيادة من جـ.

(1/178)

وكذلك نطق مجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وأبوالعالية ، والرّبيع بن أنس ، وقتادة.

وعن عكرمة ، وطاوس : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني : الرياء.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نطق : نفاق { فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا نطق : نفاقا ، وهذا كالأول.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نطق : هذا سقم في الدين ، وليس سقمًا في الأجساد ، وهم المنافقون. والسقم : الشك الذي دخلهم في الإسلام { فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا نطق : زادهم رجسًا ، وقرأ : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة : 124 ، 125] نطق : شرًا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم.

وهذا الذي نطقه عبد الرحمن ، رحمه الله ، حسن ، وهوالجزاء من جنس العمل ، وكذلك نطقه الأولون ، وهونظير قوله تعالى أيضًا : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد : 17].

وقوله { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وقرئ : "يكذّبون" ، وقد كانوا متصفين بهذا وهذا ، فإنهم كانوا كذبة يكذبون بالحق يجمعون بين هذا وهذا. وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه ، عليه السلام ، عن اغتال المنافقين مع فهمه بأعيان بعضهم ، وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في السليمين : أنه نطق لعمر : "أكره حتى يتحدث العرب حتى محمدًا يقتل أصحابه" (1) ومعنى هذا خشية حتى يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يفهمون حكمة قتله لهم ، وأن قتله إياهم إنما هوعلى الكفر ، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون : إذا محمدًا يقتل أصحابه ، نطق القرطبي : وهذا قول فهمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم مع فهمه بشر اعتقادهم. نطق ابن عطية : وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وابن الماجشون. ومنها : ما نطق مالك ، رحمه الله : إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته حتى الحاكم لا يحكم بفهمه.

نطق القرطبي : وقد اتفق الفهماء عن بكرة أبيهم على حتى القاضي لا يقتل بفهمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام ، نطق : ومنها ما نطق الشافعي : إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتال المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع الفهم بنفاقهم ؛ لأن ما يظهرونه يجبّ ما قبله. ويؤيد هذا قوله ، عليه الصلاة والسلام ، في الحديث المجمع على صحته في السليمين وغيرهما : "أمرت حتى أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا نطقوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ، عز وجل" (2). ومعنى هذا : حتى من نطقها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرًا ، فإن كان يعتقدها عثر ثواب ذلك في الدار الآخرة ، وإن لم يعتقدها لم ينفعه في الآخرة جريان الحكم عليه في الدنيا ، وكونه كان

__________

سليم البخاري برقم (4902) وسليم مسلم برقم (3314).

سليم البخاري برقم (25) وسليم مسلم برقم (22) من حديث ابن عمرورضي الله عنهما.

(1/179)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)

خليط أهل الإيمان { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ الآية [الحديد : 14] ، فهم يخالطونهم في بعض المحشر ، فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ : 54] ولم يمكنهم حتى يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث ، ومنها ما نطقه بعضهم : أنه إنما لم يقتلهم لأنه كان يخاف من شرهم مع وجوده ، عليه السلام ، بين أظهرهم يتلوعليهم آيات الله مبينات ، فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وفهمه المسلمون ، نطق مالك : المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هوالزنديق اليوم. قلت : وقد اختلف الفهماء في اغتال الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا. أويفرق بين حتىقد يكون داعية أم لا أويتكرر منه ارتداده أم لا أوقد يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أوبعد حتى ظهر عليه ،يا ترى؟ على أقوال موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام.

(تنبيه) قول من نطق : كان عليه الصلاة والسلام يفهم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقًا في غزوة تبوك الذين هموا حتى يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك ؛ عزموا على حتى ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة. ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أولغيرها والله أفهم.

فأما غير هؤلاء فقد نطق تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ الآية ، ونطق تعالى : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ففيها مرشد على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كانت تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما نطق تعالى : { وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي تجاوز في صفات المنافقين ومع هذا لما توفي [صلى عليه] صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يعمل ببقية المسلمين ، وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فنطق : "إني أكره حتى تتحدث العرب حتى محمدًا يقتل أصحابه" وفي رواية في السليم "إني خيرت فاخترت" وفي رواية "لوأني أفهم لوزدت على السبعين يغفر الله له لزدت".

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرّة الطيب الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس (1) من أصحاب رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أما لا تفسدوا في الأرض ، نطق : الفساد هوالكفر ، والعمل بالمعصية.

ونطق أبوجعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ نطق : يعني : لا تعصُوا في الأرض ، وكان فسادهم ذلك معصية الله ؛ لأنه من عصى الله في الأرض أوأمر بمعصية الله ، فقد أفسد في الأرض ؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطَّاعة.

إلى غير ذلك نطق الربيع بن أنس ، وقتادة.

ونطق ابن جُرَيْج ، عن مجاهد : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ نطق : إذا ركبوا معصية الله ، فقيل لهم : لا تعملوا كذا وكذا ، نطقوا : إنما نحن على الهدى ، مصلحون.

__________

في طـ ، ب : "ناس".

في أ : "النبي".

(1/180)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

وقد نطق وَكِيع ، وعيسى بن يونس ، وعثَّام بن علي ، عن الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن سلمان الفارسي : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ نطق سلمان : لم يجئ أهل هذه الآية بعد.

ونطق ابن جرير : حدثني أحمد بن عثمان بن حَكيم ، حدثنا عبد الرحمن بن شَريك ، حدثني أبي ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب وغيره ، عن سلمان ، في هذه الآية ، نطق : ما اتى هؤلاء بَعْدُ (1).

نطق ابن جرير : يحتمل حتى سلمان أراد بهذا حتى الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادًا من الذين كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد (2).

نطق ابن جرير : فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم ، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه ، وتضييعهم فرائضه ، وشكّهم في دينه الذي لا يُقْبَلُ من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته ، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وخطه ورسله على أولياء الله ، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في الأرض ، وهم يحسبون أنهم بعملهم ذلك مصلحون فيها (3).

وهذا الذي نطقه حسن ، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ، كما نطق تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال : 73] فبتر الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما نطق : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء : 144] ثم نطق : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء : 145] فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين ، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل ؛ لأنه هوالذي غَرّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ، ووالى الكافرين على المؤمنين ، ولوأنه استمر على حالته (4) الأولى لكان شرّه أخف ، ولوأخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح ؛ ولهذا نطق تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أي : نريد حتى نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء ، كما نطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أي : إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. يقول الله : { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ يقول : ألا إذا هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هوعين الفساد ، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)

يقول [الله] (5) تعالى : وإذا قيل للمنافقين : { آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ أي : كإيمان الناس بالله وملائكته

__________

تفسير الطبري (1/288).

تفسير الطبري (1/289).

تفسير الطبري (1/289).

في أ ، و : "لحاله".

زيادة من (أ).

(1/181)

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)

وخطه ورسله والبعث بعد الموت والجنَّة والنَّار وغير ذلك ، مما أبلغ المؤمنين به وعنه ، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وهجر الزواجر { قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ يعنون - لعنهم الله - أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم ، نطقه أبوالعالية والسدي في تفسيره ، بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة ، وبه يقول الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ، يقولون : أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء!!

والسفهاء : جمع سفيه ، كما حتى الحكماء جمع حكيم [والحلماء جمع حليم] (1) والسفيه : هوالجاهل الضعيف الرّأي القليل الفهم بمواضع المصالح والمضار ؛ ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء ، في قوله تعالى : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء : 5] نطق عامة فهماء السلف : هم النساء والصبيان.

وقد تولى الله ، سبحانه ، جوابهم في هذه المواطن كلها ، فنطق (2) { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ فأكد وحصر السفاهة فيهم.

{ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ يعني : ومن تمام جهلهم أنهم لا يفهمون بحالهم في الضلالة والجهل ، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى ، والبعد عن الهدى.

{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)

يقول [الله] (3) تعالى : وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين نطقوا : { آمَنَّا أي : أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة ، غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية ، ولِيَشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم ، { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ يعني : وإذا انصرفوا ومضىوا وخلصوا (4) إلى شياطينهم. فضمن { خَلَوْا معنى انصرفوا ؛ لتعديته بإلى ، ليدل على العمل المضمر والعمل الملفوظ (5) به. ومنهم من نطق : "إلى" هنا بمعنى "مع" ، والأول أحسن ، وعليه يدور كلام ابن جرير.

ونطق السدي عن أبي مالك : { خَلَوْا يعني : مضوا ، و{ شَيَاطِينِهِمْ يعني : سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين.

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة عن ابن مسعود ، عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ يعني : هم رؤوسهم من الكفر.

ونطق الضحاك عن ابن عباس : وإذا خلوا إلى أصحابهم ، وهم شياطينهم.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عِكْرِمة أوسعيد بن جُبَيْر ، عن ابن

__________

زيادة من طـ ، ب ، و.

في أ : "كما نطق".

زيادة من أ.

في أ ، و : "أومضىوا أوخلصوا".

في طـ ، ب ، أ ، و : "الملفوظ".

(1/182)

عباس : { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما اتى به الرسول.

ونطق مجاهد : { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين.

ونطق قتادة : { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ نطق : إلى رؤوسهم ، وقادتهم في الشرك ، والشر.

وبنحوذلك فسَّره أبومالك ، وأبوالعالية والسدي ، والرّبيع بن أنس.

نطق ابن جرير : وشياطين جميع شيء مَرَدَتُه ، وتكون الشياطين من الإنس والجن ، كما نطق تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام : 112].

وفي المسند عن أبي ذر نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن". فقلت : يا رسول الله ، وللإنس شياطين ،يا ترى؟ نطق : "نعم" (1).

وقوله تعالى : { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ نطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أي إنا على مثل ما أنتم عليه { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ أي : إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : نطقوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وكذلك نطق الرّبيع بن أنس ، وقتادة.

وقوله تعالى جوابًا لهم ولقاءة على صنيعهم : { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

ونطق (2) ابن جرير : أبلغ الله تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة ، في قوله : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ الآية [الحديد : 13] ، وقوله تعالى : { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران : 178]. نطق : فهذا وما أشبهه ، من استهزاء الله ، تعالى ذكره ، وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين ، وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ، ومتأول هذا التأويل.

نطق : ونطق آخرون : بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه ، والكفر به.

نطق : ونطق آخرون : هذا وأمثاله على سبيل الجواب ، كقول الرّجل لمن يخدعه إذا ظفر به : أنا الذي خدعتك. ولم تكن منه خديعة ، ولكن نطق ذلك إذ صار الأمر إليه ، نطقوا : وكذلك قوله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران : 54] و{ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على الجواب ، والله

__________

المسند (5/178).

في طـ ، ب : "ونطق".

(1/183)

لاقد يكون منه المكر ولا الهزء ، والمعنى : حتى المكر والهُزْء حَاق بهم.

ونطق آخرون : قوله : { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وقوله { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء : 142] ، وقوله { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة : 79] و{ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة : 67] وما أشبه ذلك ، إخبار من الله تعالى أنه يجازيهم (1) جَزَاءَ الاستهزاء ، ويعاقبهم (2) عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مُخرج خبره عن عملهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ ، وإن اختلف المعنيان كما نطق تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى : 40] وقوله تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة : 194] ، فالأول ظلم ، والثاني عدل ، فهما وإن اتفق لفظاهما فقد اختلف معناهما.

نطق : وإلى هذا المعنى وَجَّهوا جميع ما في القرآن من نظائر ذلك.

نطق : ونطق آخرون : إذا معنى ذلك : أنّ الله أبلغ عن المنافقين أنهم إذا خَلَوا إلى مَرَدَتِهم نطقوا : إنا معكم على دينكم ، في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما اتى به ، وإنما نحن بما يظهر لهم - من قولنا لهم : صدقنا بمحمد ، عليه السلام ، وما اتى به مستهزئون ؛ فأبلغ الله تعالى أنه يستهزئ بهم ، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا ، يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة ، يعني من العذاب والنكال (3).

ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره ؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله ، عز وجل ، بالإجماع ، وأما على وجه الانتقام واللقاءة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك.

نطق : وبنحوما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس : حدثنا أبوكُرَيْب ، حدثنا عثمان ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ نطق : يسخر بهم للنقمة منهم.

وقوله تعالى : { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ نطق السدي : عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس (4) من الصحابة [نطقوا] (5) يَمدهم : يملي لهم.

ونطق مجاهد : يزيدهم.

نطق ابن جرير : والصواب يزيدهم على وجه الإملاء والهجر لهم في عُتُوّهم وتَمَرّدهم ، كما نطق : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام : 110].

__________

في طـ ، أ ، و : "مجازيهم".

في طـ ، ب ، أ ، و : "ومعاقبهم".

تفسير الطبري (1/303).

في جـ ، ط ، ب : "ناس".

زيادة من ب ، و.

(1/184)

أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

والطغيان : هوالمجاوزة في الشيء. كما نطق : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة : 11] ، ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ في كفرهم يترددون.

وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة ، وبه يقول أبوالعالية ، وقتادة ، والرّبيع بن أنس ، ومجاهد ، وأبومالك ، وعبد الرحمن بن زيد : في كفرهم وضلالتهم.

نطق ابن جرير : والعَمَه : الضلال ، ينطق : عمه فلان يَعْمَه عَمَهًا وعُمُوهًا : إذا ضل.

نطق : وقوله : { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ في ضلالهم (1) وكفرهم الذي غمرهم دَنَسُه ، وعَلاهم رجْسه ، يترددون [حيارى] (2) ضُلالا (3) لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا ؛ لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم وختم عليها ، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها ، فلا يبصرون رُشْدًا ، ولا يهتدون سبيلا.

[ونطق بعضهم : العمى في العين ، والعمه في القلب ، وقد يستعمل العمى في القلب - أيضا - : نطق الله تعالى : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج : 46] وينطق : عمه الرجل يعمه عموها فهوعمه وعامه ، وجمعه عمّه ، ومضىت إبله العمهاء : إذا لم يدر أين مضىت (4).

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى نطق : أخذوا الضلالة وهجروا الهدى.

ونطق [محمد] (5) بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى أي : الكفر بالإيمان.

ونطق مجاهد : آمنوا ثمّ كفروا.

ونطق قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى [أي : الكفر بالإيمان] (6). وهذا الذي نطقه قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت : 17] (7).

وحاصل قول المفسرين فيما تقدم : حتى المنافقين عَدَلوا عن الهدى إلى الضلال ، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة ، وهومعنى قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة ، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم عاد عنه إلى الكفر ، كما نطق

__________

في ب ، أ ، و : "ضلالتهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "ضلال".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ.

زيادة من طـ.

في هـ : "فأما" وهوخطأ.

(1/185)

تعالى فيهم : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [المنافقون : 3] ، أوأنهم استحبوا الضلالة على الهدى ، كماقد يكون (1) حال فريق آخر منهم ، فإنهم أنواع وأقسام ؛ ولهذا نطق تعالى : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ أي : ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة ، { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ أي : راشدين في صنيعهم ذلك.

نطق (2) ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ قد - والله - رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة. إلى غير ذلك رواه ابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن زُرَيْع ، عن سعيد ، عن قتادة ، بمثله سواء.

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "كما قد يحدث".

في ط : "ونطق".

(1/186)

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)

[ينطق : مثل ومثل ومثيل - أيضا - والجمع أمثال ، نطق الله تعالى : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت : 43] (1).

وتقدير هذا المثل : حتى الله سبحانه ، شبَّههم في اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى ، بمن استوقد نارًا ، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله ، وتَأنَّس بها فبينا هوكذلك إذْ طفئت ناره ، وصار في ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدي ، وهومع ذلك أصم لا يسمع ، أبكم لا ينطق ، أعمى لوكان ضياء لما أبصر ؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك ، فكذلك هؤلاء (2) المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضًا عن الهدى ، واستحبابهم الغَيّ على الرّشَد. وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، كما أبلغ عنهم تعالى في غير هذا الموضع ، والله أفهم.

وقد حكى هذا الذي قلناه فخر الدين الرازي في تفسيره عن السدي ثم نطق : والتشبيه هاهنا في غاية الصحة ؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيًا أبطلوا ذلك النور فسقطوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.

وزعم ابن جرير حتى المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات ، واحتج بقوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة : 8].

والصواب : حتى هذا إخبار عنهم طالما نفاقهم وكفرهم ، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ، ثم سُلبوه وطبع على قلوبهم ، ولم يستحضر ابن جرير ، رحمه الله ، هذه الآية هاهنا وهي

__________

زيادة من جـ ، ط.

في جـ : "هم".

(1/186)

قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون : 3] ؛ فلهذا وجه [ابن جرير] (1) هذا المثل بأنهم استضاؤوا بما أظهروه من حدثة الإيمان ، أي في الدنيا ، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.

نطق : وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد ، كما نطق : { رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب : 19] أي : كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت ، ونطق تعالى : { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان : 28] ونطق تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة : 5] ، ونطق بعضهم : تقدير الكلام : مثل قصتهم كسيرة الذي استوقد نارا. ونطق بعضهم : المستوقد واحد لجماعة معه. ونطق آخرون : الذي هاهنا بمعنى الذين كما نطق الشاعر :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم... هم القوم جميع القوم يا أم خالد (2)

قلت : وقد التفت في أثناء المثل من الواحد (3) إلى الجمع ، في قوله تعالى : { فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ وهذا أفصح في الكلام ، وأبلغ في النظام ، وقوله تعالى : { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ أي : مضى عنهم ما ينفعهم ، وهوالنور ، وأبقى لهم ما يضرهم ، وهوالإحراق والدخان { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ وهوما هم فيه من الشك والكفر والنفاق ، { لا يُبْصِرُونَ لا يهتدون إلى سبل (4) خير ولا يعهدونها ، وهم مع ذلك { صُمٌّ لا يسمعون خيرا { بُكْمٌ لا يتحدثون بما ينفعهم { عُمْيٌ في ضلالة وعماية البصيرة ، كما نطق تعالى : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج : 46] فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.

ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحوما ذكرناه :

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، في قوله تعالى : { فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ زعم حتى ناسًا دخلوا في الإسلام مَقْدَم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ثم إنهم نافقوا ، فكان مثلهم كمثل رجُل كان في ظلمة ، فأوقد نارًا ، فأضاءت ما حوله من قذى ، أوأذى ، فأبصره حتى عهد ما يتقي منه (5) فبينا (6) هوكذلك إذ طفئت ناره ، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى ، فكذلك المنافق : كان في ظلمة الشرك فأسلم ، فعهد الحلال والحرام ، و[عهد] (7) الخير والشر ، فبينا (8) هوكذلك إذ كفر ، فصار لا يعهد الحلال من

__________

زيادة من و.

البيت للأشهب بن رميلة ، كما في اللسان ، مادة "فلج".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "الوحدة".

في طـ ، ب : "سبيل".

في جـ ، ط ، ب : "منها".

في أ ، و : "فبينما".

زيادة من جـ.

في أ ، و : "فبينما".

(1/187)

الحرام ، ولا الخير من الشر.

ونطق مجاهد : { فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ (1) أما إضاءة النار فإقبالهم (2) إلى المؤمنين ، والهدى.

ونطق عطاء الخرساني في قوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا نطق : هذا مثل المنافق ، يبصر أحيانًا ويعهد أحيانًا ، ثم يدركه عمى القلب.

ونطق ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة ، والحسن والسدي ، والرّبيع بن أنس نحوقول عطاء الخرساني.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا إلى آخر الآية ، نطق : هذه صفة المنافقين. كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم ، كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا (3) ثم كفروا فمضى الله بنورهم فانتزعه ، كما مضى بضوء هذه النار فهجرهم في ظلمات لا يبصرون.

ونطق العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية ، نطق : أما النور : فهوإيمانهم الذي كانوا يتحدثون به ، وأمَّا الظلمة : فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتحدثون به ، وهم قوم كانوا على هدى ، ثمّ نزع منهم ، فعتوا بعد ذلك.

وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا نطق : هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام ، فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العِزّ ، كما سُلِب صاحب النار ضَوءه.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الرّبيع بن أنس ، عن أبي العالية : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فإنما ضوء النار ما أوقدتها ، فإذا خمدت مضى نورها ، وكذلك المنافق ، حدثا تحدث بحدثة الإخلاص ، بلا إله إلا الله ، أضاء له ، فإذا شك سقط في الظلمة.

ونطق الضحاك [في قوله] (4) { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ أما نورهم فهوإيمانهم الذي تحدثوا به.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ فهي (5) لا إله إلا الله ؛ أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وأمنوا في الدنيا ، ونكحوا النساء ، وحقنوا دماءهم ، حتى إذا ماتوا مضى الله بنورهم وهجرهم في ظلمات لا يبصرون.

ونطق سعيد ، عن قتادة في هذه الآية : إذا المعنى : حتى المنافق تحدث بلا إله إلا الله فأضاءت له الدنيا ، فناكح بها المسلمين ، وغازاهم بها ، ووارثهم بها ، وحقن بها دمه وماله ، فلما كان عند الموت ،

__________

في جـ : "ما حوله مضى الله بنورهم".

في جـ ، ط ، ب : "فإقباله".

في جـ : "استوقد نارا".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ : "فهو".

(1/188)

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

سلبها المنافق ؛ لأنه (1) لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله (2).

{ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ نطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ يقول : في عذاب إذا ماتوا.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عِكْرِمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ أي يبصرون الحق ويقولون به ، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم (3) ونفاقهم فيه ، فهجرهم الله في ظلمات الكفر ، فهم لا يبصرون هدى ، ولا يستقيمون على حق.

ونطق السدي في تفسيره بسنده : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ فكانت الظلمة نفاقهم.

ونطق الحسن البصري : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ فذلك (4) حين يموت المنافق ، فيظلم عليه عمله عمل السوء ، فلا يجد له عملا من خير عمل به يصدق (5) به قول : لا إله إلا الله (6).

{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ نطق السدي بسنده : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم خرس عمي (7).

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ يقول : لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه ، وكذا نطق أبوالعالية ، وقتادة بن نادىمة.

{ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ نطق ابن عباس : أي لا يرجعون إلى هدى ، وكذلك (8) نطق الرّبيع بن أنس.

ونطق السدي بسنده : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الإسلام.

ونطق قتادة : { فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أي لا يتوبون (9) ولا هم يذكرون.

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ، ويشكّون تارة أخرى ، فقلوبهم طالما شكهم وكفرهم وترددهم { كَصَيِّبٍ والصيب : المطر ، نطقه ابن مسعود ، وابن عباس ، وناس من الصحابة ، وأبوالعالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ،

__________

في جـ : "لأنها".

في جـ : "فهمه".

في جـ : "طعنوا بكفرهم به".

في جـ : "فبذلك".

في جـ : "يصدقه".

في طـ ، ب ، و : "إلا هو".

في جـ : "عمي خرس".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "وكذا".

في جـ : "لا يؤمنون".

(1/189)

والحسن البصري ، وقتادة ، وعطية العَوْفِي ، وعطاء الخراساني ، والسُّدي ، والرّبيع بن أنس.

ونطق الضحاك : هوالسحاب.

والأشهر هوالمطر هبط من السماء طالما ظلمات ، وهي الشكوك والكفر والنفاق. { وَرَعْدٌ وهوما يزعج القلوب من الخوف ، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ، كما نطق تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [ هُمُ الْعَدُوُّ ] (1) [المنافقون : 4] ونطق : { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة : 56 ، 57].

والبرق : هوما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان ، من نور الإيمان ؛ ولهذا نطق : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ أي : ولا يُجْدي عنهم حذرهم شيئًا ؛ لأن الله محيط [بهم] (2) بقدرته ، وهم تحت مشيئته وإرادته ، كما نطق : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج : 17 - 20].

[والصواعق : جمع صاعقة ، وهي نار تنزل من السماء وقت الرعد الشديد ، وحكى الخليل بن أحمد عن بعضهم صاعقة ، وحكى بعضهم صاعقة وصعقة وصاقعة ، ونقل عن الحسن البصري أنه : قرأ "من الصواقع حذر الموت" بتقديم القاف وأنشدوا لأبي النجم :

يحكوك بالمثقولة القواطع... شفق البرق عن الصواقع (3)

نطق النحاس : وهي لغة بني تميم وبعض بني ربيعة ، حكى ذلك.

ثم نطق : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ أي : لشدته وقوته في نفسه ، وضعف بصائرهم ، وعدم ثباتها للإيمان.

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ يقول : يكاد مُحْكَمُ القرآن يشير على عورات المنافقين.

ونطق ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ أي لشدة ضوء الحق ، { حدثا أضاء لهم مشوا فيه وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا أي حدثا ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا (4) به واتبعوه ، وتارة تعْرِض لهم الشكوك أظلمت قلوبَهم فوقفوا حائرين.

__________

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط ، ب.

البيت في اللسان ، مادة "صقع" وهوفيه : يحكون بالمصقولة القواطع... تشقق البرق عن الصواقع

في أ : "استضاءوا".

(1/190)

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ يقول : حدثا أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر ، كقوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ] (1) الآية [الحج : 11].

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا أي : يعهدون الحق ويتحدثون به ، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه (2) إلى الكفر { قَامُوا أي : متحيرين.

إلى غير ذلك نطق أبوالعالية ، والحسن البصري ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي بسنده ، عن الصحابة وهوأصح وأظهر. والله أفهم.

إلى غير ذلكقد يكونون (3) يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم ، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ ، وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ، ومنهم من يطْفَأ نوره تارة ويضيء له أخرى ، فيمشي (4) على الصراط تارة ويقف أخرى. ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين ، الذين نطق تعالى (5) فيهم : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد : 13] ونطق في حق المؤمنين : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ الآية [الحديد : 12] ، ونطق تعالى : { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم : 8].

ذكر الحديث الوارد في ذلك :

نطق سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة في قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الآية [الحديد : 12] ، ذكر لنا حتى النبي (6) صلى الله عليه وسلم كان يقول : "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن ، أوبين (7) صنعاء ودون ذلك ، حتى إذا من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه". رواه ابن جرير.

ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن دَاوَر (8) القطان ، عن قتادة ، بنحوه.

وهذا كما نطق المِنْهَال بن عمرو، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود ، نطق : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يرى (9) نوره كالنخلة ، ومنهم من يرى (10) نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورًا على إبهامه يطفأ مرة ويَقِد (11) مرة.

__________

زيادة من جـ.

في أ : "فيه".

في جـ : "يكذبون" ، وفي أ : "يكون".

في أ ، و : "ومنهم من يمشي".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "الله".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أن نبي الله".

في جـ ، ط ، ب ، "أبين و".

في أ : "داود".

في و : "يؤتى".

في أ ، و : "يؤتى".

في جـ : "ويتقد".

(1/191)

إلى غير ذلك رواه ابن جرير ، عن ابن مُثَنَّى ، عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن المنهال.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافسي (1) حدثنا ابن إدريس ، سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود : { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [التحريم : 8] نطق : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نورًا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى.

ونطق ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا أبويحيى الحِمَّاني ، حدثنا عُتْبَةُ (2) بن اليقظان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورًا يوم القيامة ، فأما المنافق فيطفأ نوره ، فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين ، فهم يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا.

ونطق الضحاك بن مزاحم : يعطى جميع من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورًا ؛ فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا ، فنطقوا : " ربنا أتمم لنا نورنا ".

فإذا تقرر هذا صار الناس أقسامًا : مؤمنون خُلّص ، وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة ، وكفار خلص ، وهم الموصوفون بالآيتين بعدها ، ومنافقون ، وهم قسمان : خلص ، وهم المضروب لهم المثل الناري ، ومنافقون يترددون ، تارة يظهر لهم لُمَعٌ من الإيمان وتارة يخبو(3) وهم أصحاب المثل المائي ، وهم أخف حالا من الذين قبلهم.

وهذا المقام يشبه (4) من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور ، من ضرب مثل المؤمن (5) وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور ، بالمصباح (6) في الزجاجة التي كأنها كوكب دُرّي ، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط ، كما سيأتي تقريره في موضعه إذا شاء الله.

ثم ضرب مثل العُبّاد من الكفار ، الذين يعتقدون أنهم على شيء ، وليسوا على شيء ، وهم أصحاب الجهل المركب ، في قوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا الآية [النور : 39].

ثم ضرب مثل الكفار الجُهَّال الجَهْلَ البسيط ، وهم الذين نطق [الله] (7) فيهم : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور : 40] فقسم الكفار هاهنا إلى قسمين : داعية ومقلد ، كما ذكرهما في أول سورة الحج : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج : 3]

__________

في جـ : "الطيالسي".

في جـ : "عتيبة".

في أ : "تحير".

في جـ : "وهذا شبه".

في جـ : "المؤمنين".

في جـ : "بالمصباح الذي".

زيادة من جـ ، ط.

(1/192)

ونطق بعده : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج : 8] (1) وقد قسم الله (2) المؤمنين في أول الواقعة وآخرها (3) وفي سورة الإنسان ، إلى قسمين : سابقون وهم المقربون ، وأصحاب يمين وهم الأبرار.

فتلخص (4) من مجموع هذه الآيات الكريمات : حتى المؤمنين صنفان : مقربون وأبرار ، وأن الكافرين صنفان : نادىة ومقلدون ، وأن المنافقين - أيضًا - صنفان : منافق خالص ، ومنافق فيه شعبة من نفاق ، كما اتى في السليمين ، عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها : من إذا حَدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان" (5).

استدلوا به على حتى الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان ، وشعبة من نفاق. إما عَمَلي لهذا الحديث ، أواعتقادي ، كما دلت عليه الآية ، كما مضى إليه طائفة من السلف وبعض الفهماء ، كما تقدم ، وكما سيأتي ، إذا شاء الله. نطق الإمام أحمد : حدثنا أبوالنضر ، حدثنا أبومعاوية يعني شيبان ، عن ليث ، عن عمروبن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "القلوب أربعة : قلب أجرد ، فيه مثل السراج يُزْهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مُصَفَّح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن ، سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص ، عهد ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة ، يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدّها القيح والدم ، فأي المدّتين (6) غلبت على الأخرى غلبت عليه" (7). وهذا إسناد جيد حسن.

وقوله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن عِكْرِمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ نطق : لِمَا هجروا من الحق بعد معهدته.

{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ نطق ابن عباس (8) أي إنّ الله على جميع ما أراد بعباده من نقمة ، أوعفو، قدير.

ونطق ابن جرير : إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على جميع شيء في هذا الموضع ؛ لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأبلغهم أنه بهم محيط ، و[أنه] (9) على إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ، ومعنى { قَدِيرٌ قادر ، كما حتى معنى { عَلِيمٌ عالم.

__________

في جـ ، ب : قدم الآية الثامنة على الآية الثالثة من سورة الحج.

في جـ ، ب ، أ ، و : "تعالى".

في أ : "في أول البقرة وآخرها" ، وفي جـ : "في أول سورة الواقعة وفي آخرها".

في جـ : "فلخص".

سليم البخاري برقم (34) وسليم مسلم برقم (58) ولفظه : "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا - والرابعة - وإذا خاصم فجر".

في جـ : "المددين".

المسند (3/17).

في جـ ، ط ، ب ، و : "ابن إسحاق".

زيادة من جـ.

(1/193)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

[ومضى ابن جرير الطبري ومن تبعه من كثير من المفسرين حتى هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون "أو" في قوله تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ بمعنى الواو، كقوله تعالى : { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان : 24] ، أوتكون للتخبير ، أي : اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا ، نطقه القرطبي. أوللتساوي مثل جالس الحسن أوابن سيرين ، على ما وجهه الزمخشري : حتى كلا منهما مساوللآخر في إباحة الجلوس إليه ، ويكون معناه على قوله : سواء ضربت لهم مثلا بهذا أوبهذا فهومطابق لحالهم.

قلت : وهذاقد يكون باعتبار جنس المنافقين ، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال ، فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم ، والله أفهم ، كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار النادىة والمقلدين في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ إلى حتى نطق : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ الآية [النور : 39 ، 40] ، فالأول للنادىة الذين هم في جهل مركب ، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين ، والله أفهم بالصواب] (1).

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته ، بأنه تعالى هوالمنعم على عَبيده ، بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعمَ الظاهرة والباطنة ، بأن جعل لهم الأرض فراشا ، أي : مهدا كالفراش مُقَرّرَة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات ، { وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وهوالسقف ، كما نطق في الآية الأخرى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء : 32] وأنزل لهم من السماء ماء - والمراد به السحاب هاهنا - في وقته عند احتياجهم إليه ، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما مشاهد ؛ رزقًا لهم ولأنعامهم ، كما قرر هذا في غير موضع (2) من القرآن. ومنْ أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا (3) وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [غافر : 64] ومضمونه : أنه الخالق الرازق مالك الدار ، وساكنيها ، ورازقهم ، فبهذا يستحق حتى يعبد وحده ولا يُشْرَك به غَيره ؛ ولهذا نطق : { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي السليمين عن ابن مسعود ، نطق : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ،يا ترى؟ نطق : "أن تجعل لله ندا ، وهوخلقك" الحديث (4). وكذا حديث معاذ :

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "غير هذا الموضع".

في جـ : "فراشا" وهوخطأ.

سليم البخاري برقم (4761) وسليم مسلم برقم (68).

(1/194)

"أتدري ما حق الله على عباده ،يا ترى؟ حتى يعبدوه لا (1) يشركوا به شيئًا" الحديث (2) وفي الحديث الآخر : "لا يقولن أحدكم : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن ليقل (3) ما شاء الله ، ثم شاء فلان" (4).

ونطق حماد بن سلمة : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن رِبْعيِّ بن حِرَاش ، عن الطفيل بن سَخْبَرَة ، أخى عائشة أم المؤمنين لأمها ، نطق : رأيت فيما يرى النائم ، كأني أتيت على نفر من اليهود ، فقلت : من أنتم ،يا ترى؟ فنطقوا : نحن اليهود ، قلت : إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : عُزَير ابن الله. نطقوا : وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد. نطق : ثم مررت بنفر من النصارى ، فقلت : من أنتم ،يا ترى؟ نطقوا : نحن النصارى. قلت : إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله. نطقوا : وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أبلغت بها مَنْ أبلغت ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأبلغته ، فنطق : "هل أبلغت بها أحدًا ؟" فقلت : نعم. فقام ، فحمد الله وأثنى عليه ثم نطق : "أما بعد ، فإن طُفيلا رأى رؤيا أبلغ بها من أبلغ منكم ، وإنكم قلتم حدثة كان يمنعني كذا وكذا حتى أنهاكم عنها ، فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده". هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث حماد بن سلمة ، به (5). وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر ، عن عبد الملك بن عمير به ، بنحوه (6).

ونطق سفيان بن سعيد الثوري ، عن الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس ، نطق : نطق رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت. فنطق : "أجعلتني لله ندا (7) ،يا ترى؟ قل : ما شاء الله وحده". رواه ابن مردويه ، وأخرجه النسائي ، وابن ماجه من حديث عيسى بن يونس ، عن الأجلح ، به (8).

وهذا كله صيانة ، وحماية لجناب التوحيد ، والله أفهم.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ للفريقين جميعًا من الكفار والمنافقين ، أي : وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم.

وبه عن ابن عباس : { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي : لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تفهمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد فهمتم حتى الذي يدعوكم إليه

__________

في جـ : "ولا".

رواه البخاري في سليمه برقم (7373) ومسلم في سليمه برقم (30).

في جـ : "ليقول".

رواه أبوداود في السنن برقم (4980) من حديث حذيفة رضي الله عنه.

ورواه الإمام أحمد في المسند (5/72) من طريق بهز وعفان عن حماد بن سلمة به.

رواه ابن ماجة في السنن برقم (2118) عن هشام بن عمار ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير به ، ونطق البوصيري في الزوائد (2/151) : "هذا إسناد رجاله ثقات على شرط البخاري لكنه منبتر بين سفيان وبين عبد الملك بن عمير".

في جـ : "أندادا".

سنن النسائي الكبرى برقم (10825) وسنن ابن ماجة برقم (2117) ونطق البوصيري في الزوائد (1/150) : "هذا فيه الأجلح بن عبد الله ، مختلف فيه".

(1/195)

الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده هوالحق الذي لا ريب فيه. إلى غير ذلك نطق قتادة.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عمروبن أبي عاصم ، حدثنا أبي عمرو، حدثنا أبي الضحاك بن مخلد أبوعاصم ، حدثنا شبيب بن بشر ، حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله ، عز وجل (1) { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (2) نطق : الأنداد هوالشرك ، أخفى من دبيب النمل على صَفَاة سوداء في ظلمة الليل ، وهوحتى يقول : والله وحياتك يا فلان ، وحياتي ، ويقول : لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص ، ولولا البطّ في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئتَ ، وقول الرجل : لولا الله وفلان. لا تجعل فيها "فلان". هذا (3) كله به شرك.

وفي الحديث : حتى رجلا نطق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ، فنطق : "أجعلتني لله ندا". وفي الحديث الآخر : "نعم القوم أنتم ، لولا أنكم تنددون ، تقولون : ما شاء الله ، وشاء فلان".

نطق (4) أبوالعالية : { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أي عدلاء شركاء. إلى غير ذلك نطق الربيع بن أنس ، وقتادة ، والسُّدي ، وأبومالك : وإسماعيل بن أبي خالد.

ونطق مجاهد : { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ نطق : تفهمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.

ذكر حديث في معنى هذه الآية الكريمة :

نطق الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبوخلف موسى بن خلف ، وكان يُعَد من البُدَلاء ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن سلام ، عن جده ممطور ، عن الحارث الأشعري ، حتى نبي الله صلى الله عليه وسلم نطق : "إن الله عز وجل ، أمر يحيى بن زكريا ، عليه السلام ، بخمس حدثات حتى يعمل بهن ، وأن يأمر بني إسرائيل حتى يعملوا بهن ، وكان يبطئ بها ، فنطق له عيسى ، عليه السلام : إنك قد أمرت بخمس حدثات حتى تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل حتى يعملوا بهن ، فإما حتى تبلغهن ، وإما حتى أبلغهن. فنطق : يا أخي ، إني أخشى إذا سبقتني حتى أعذب أويخسف بي". نطق : "فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس ، حتى امتلأ المسجد ، فقعد على الشرف ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم نطق : إذا الله أمرني بخمس حدثات حتى أعمل بهن ، وآمركم حتى تعملوا بهن ، وأولهن : حتى تعبدوا الله (5) لا تشركوا به شيئًا ، فإن مثل ذلك مَثَل رجل اقتنى عبدًا من خالص ماله بوَرِق أومضى ، فجعل يعمل ويؤدي غلته (6) إلى غير سيده فأيكم يسره (7) حتىقد يكون عبده كذلك ،يا ترى؟ وأن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأمركم بالصلاة ؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا. وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة ، كلهم يجد ريح المسك. وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب (8) من ريح المسك. وأمركم بالصدقة ؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يديه إلى عنقه ، وقدموه ليضربوا عنقه ، فنطق لهم : هل لكم حتى أفتدي

__________

في جـ : "تعالى".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ : "لأن هذا".

في جـ : "ونطق".

في جـ : "الله وحده".

في جـ ، أ : "عمله".

في جـ : "سره".

في ب : "أطيب عند الله".

(1/196)

نفسي (1) ،يا ترى؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وأمركم بذكر الله كثيرًا ؛ وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدوسِراعا في أثره ، فأتى حصنا حصينًا فتحصن فيه ، وإن العبد أحصن ماقد يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله".

نطق : ونطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : الجماعة ، والسمع ، والطاعة ، والهجرة ، والجهاد في سبيل الله ؛ فإنه من خرج من الجماعة قيدَ شِبْر فقد خلع رِبْقة الإسلام من عنقه ، إلا حتى يراجع ومن نادى بدعوى جاهلية فهومن جِثِيِّ جهنم". نطقوا : يا رسول الله ، وإن صام وصلى (2) ،يا ترى؟ فنطق : "وإن صلى وصام (3) وزعم أنه مسلم ؛ فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم (4) الله عز وجل : المسلمين المؤمنين عباد الله" (5).

هذا حديث حسن ، والشاهد منه في هذه الآية قوله : "وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا".

وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له ، وقد استدل به كثير من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع فنطق : وهي دالة على ذلك بطريق الأولى ، فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة ، فهم قدرة خالقها وحكمته وفهمه وإتقانه وعظيم سلطانه ، كما نطق بعض الأعراب ، وقد سئل : ما الدليل على وجود الرب تعالى ،يا ترى؟ فنطق : يا سبحان الله ، إذا البعرة لتدل على البعير ، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ،يا ترى؟ ألا يشير ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟

وحكى فخر الدين عن الإمام مالك حتى الرشيد سأله عن ذلك فاستدل باختلاف اللغات والأصوات والنغمات ، وعن أبي حنيفة حتى بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى ، فنطق لهم : دعوني فإني مفكر في أمر قد أبلغت عنه ذكروا لي حتى سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها ، وهي مع ذلك تمضى وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها ، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير حتى يسوقها أحد. فنطقوا : هذا شيء لا يقوله عاقل ، فنطق : ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأمور المحكمة ليس لها صانع!! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.

وعن الشافعي : أنه سئل عن وجود الصانع ، فنطق : هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم ، وتأكله النحل فيخرج منه العسل ، وتأكله الشاة والبعير والأنعام فتلقيه بعرًا وروثا ، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهوشيء واحد.

وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فنطق : هاهنا حصن حصين أملس ، ليس له باب

__________

في جـ ، ب ، أ ، و : "نفسي منكم".

في جـ : "وصلى وزعم أنه مسلم".

في أ : "وإن صلى وإن صام".

في جـ ، ط : "بل بما سماهم".

المسند (4/130).

(1/197)

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)

ولا منفذ ، ظاهره كالفضة البيضاء ، وباطنه كالمضى الإبريز ، فبينا هوكذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذوشكل حسن وصوت مليح ، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة.

وسئل أبونواس عن ذلك فأنشد :

تأمل في نبات الأرض وانظر... إلى آثار ما خلق المليك...

عيون من لجين شاخصات... بأحداق هي المضى السبيك...

على قضب الزبرجد شاهدات... بأن الله ليس له شريك...

ونطق ابن المعتز :

فيا عجبًا كيف من الممكن أن يعصى الإله... أم كيف من الممكن أن يجحده الجاحد...

وفي جميع شيء له آية... تدل على أنه واحد...

ونطق آخرون : من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار المنيرة من السيارة ومن الثوابت ، وشاهدها كيف من الممكن أن تدور مع الفلك العظيم في جميع يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها ، ونظر إلى البحار الملتفة للأرض من جميع جانب ، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما نطق : { وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر : 27 ، 28] وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر لمنافع العباد وما زرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييح والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء ، فهم وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه ، عليه توكلت وإليه أنيب ، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدًا.

{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)

ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد حتى قرر أنه (1) لا إله إلا هو، فنطق مخاطبًا للكافرين : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم { فَأْتُوا بِسُورَةٍ من مثل ما اتى به إذا زعمتم أنه من عند غير الله ، فعارضوه بمثل ما اتى به ، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله ، فإنكم لا تستطيعون ذلك.

__________

في أ : "بأن".

(1/198)

نطق ابن عباس : { شُهَدَاءَكُمْ أعوانكم [أي : قومًا آخرين يساعدونكم على ذلك] (1).

ونطق السدي ، عن أبي مالك : شركاءكم [أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم] (2).

ونطق مجاهد : { وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ نطق : ناس يشهدون به [يعني : حكام الفصحاء] (3).

وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن ، فنطق في سورة القصص : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [القصص : 49] ونطق في سورة سبحان : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء : 88] ونطق في سورة هود : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود : 13] ، ونطق في سورة يونس : { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس : 37 ، 38] وكل هذه الآيات مكية.

ثم تحداهم [الله تعالى] (4) بذلك - أيضًا - في المدينة ، فنطق في هذه الآية : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي : [في] (5) شك { مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم. { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعني : من مثل [هذا] (6) القرآن ؛ نطقه مجاهد وقتادة ، واختاره ابن جرير. بدليل قوله : { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود : 13] وقوله : { لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء : 88] ونطق بعضهم : من مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، يعني : من رجل أمي مثله. والسليم الأول ؛ لأن التحدي عام لهم كلهم ، مع أنهم أفصح الأمم ، وقد (7) تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة ، مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ، ومع هذا عجزوا عن ذلك ؛ ولهذا نطق تعالى : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا "ولن" : لنفي التأبيد (8) أي : ولن تعملوا ذلك أبدًا. وهذه - أيضًا - معجزة أخرى ، وهوأنه أبلغ حتى هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدا (9) وكذلك سقط الأمر ، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن ، وَأنَّى يَتَأتَّى ذلك لأحد ، والقرآن كلام الله خالق جميع شيء ،يا ترى؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين ؟!

ومن تدبر القرآن عثر فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى ، نطق الله تعالى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود : 1] ، فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أوبالعكس على الخلاف ، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يجارى ولا يدانى ، فقد أبلغ عن مغيبات ماضية وآتية كانت وسقطت طبق ما أبلغ سواء بسواء ، وأمر بكل خير ، ونهى عن جميع شر كما نطق : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [الأنعام : 115] أي : صدقًا في الأخبار وعدلا في الأحكام ، فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء ،

__________

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من أ ، و.

في أ : "وهوقد".

في جـ ، ب ، أ ، و : "التأبيد في المستقبل".

في جـ ، ط ، أ : "أبد الآبدين ودهر الداهرين".

(1/199)

كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها ، كما قيل في الشعر : إذا أعذبه أكذبه ، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استخدم غالبها في وصف النساء أوالخيل أوالخمر ، أوفي مدح إنسان معين أوفرس أوناقة أوحرب أوكائنة أومخافة أوسبع ، أوشيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئًا إلا قدرة المتحدث المعبر على التعبير على الشيء الخفي أوالدقيق أوإبرازه إلى الشيء الواضح ، ثم تجد له فيها بيتًا أوبيتين أوأكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته.

وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعهد ذلك تفصيلا وإجمالا ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير ، فإنه إذا تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة ، سواء كانت مبسوطة أووجيزة ، وسواء تكررت أم لا وحدثا تكرر حلا وعلا لا يَخلق عن كثرة الرد ، ولا يمل منه الفهماء ، وإن أخذ في الوعيد والتهديد اتى منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات ، فما ظنك بالقلوب الفاهمات ، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان ، ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن ، كما نطق في الترغيب : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة : 17] ونطق : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف : 71] ، ونطق في الترهيب : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ [الإسراء : 68] ، { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك : 16 ، 17] ونطق في الزجر : { فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت : 40] ، ونطق في الوعظ : { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء : 205 - 207] إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة ، وإن اتىت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي ، اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب ، والنهي عن جميع قبيح رذيل دنيء ؛ كما نطق ابن مسعود وغيره من السلف : إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأوعها سمعك فإنه خير ما يأمر به أوشر ينهى عنه. ولهذا نطق تعالى : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الآية [الأعراف : 157] ، وإن اتىت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم ، بشرت به وحذرت وأنذرت ؛ ودعت إلى عمل الخيرات واجتناب المنكرات ، وزهدت في الدنيا ورغبت في الأخرى ، وثبتت على الطريقة المثلى ، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم ، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.

ولهذا ثبت في السليمين عن أبي هريرة رضي الله عنه : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نطق : "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعْطِيَ من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله

(1/200)

إليَّ ، فأرجوحتى أكون أكثرهم تابعًا (1) يوم القيامة" لفظ (2) مسلم. وقوله : "وإنما كان الذي أوتيته وحيًا" أي : الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز (3) للبشر حتى يعارضوه ، بخلاف غيره من الخط الإلهية ، فإنها ليست معجزة [عند كثير من الفهماء] (4) والله أفهم. وله عليه الصلاة والسلام من الآيات الدالة على نبوته ، وصدقه فيما اتى به ما لا يدخل تحت حصر ، ولله الحمد والمنة.

[وقد قرر بعض المتحدثين الإعجاز بطريق يضم قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصوفية ، فنطق : إذا كان هذا القرآن معجزًا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته ، فقد حصل المدعى وهوالمطلوب ، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يعملوا ذلك مع شدة عداوتهم له ، كان ذلك دليلا على أنه من عند الله ؛ لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك ، وهذه الطريقة وإن لم تكن سقمية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته ، كما قررنا ، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب فخر الدين في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر و{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ] (5).

وقوله تعالى : { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ أما الوَقُود ، بفتح الواو، فهوما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه ، كما نطق : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن : 15] ونطق تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء : 98].

والمراد بالحجارة هاهنا : هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة ، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت ، أجارنا الله منها.

نطق عبد الملك بن ميسرة الزرّاد (6) عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عمروبن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله تعالى : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ نطق : هي حجارة من كبريت ، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا ، يعدها للكافرين. رواه ابن جرير ، وهذا لفظه. وابن أبي حاتم ، والحاكم في مستدركه ونطق : على شرط الشيخين (7).

ونطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أما الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود ، يعذبون به مع النار.

ونطق مجاهد : حجارة من كبريت أنتن من الجيفة. ونطق أبوجعفر محمد بن علي : [هي] (8) حجارة من كبريت. ونطق ابن جريج : حجارة من كبريت أسود في النار ، ونطق لي عمروبن دينار :

__________

في جـ : "تبعا".

سليم البخاري برقم (4981) ، وسليم مسلم برقم (152).

في ط : "المفهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ : "الرزاز".

تفسير الطبري (1/381) وتفسير ابن أبي حاتم (1/85) والمستدرك (2/61).

زيادة من جـ.

(1/201)

أصلب من هذه الحجارة وأعظم.

[وقيل : المراد بها : حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما نطق : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الآية [الأنبياء : 98] ، حكاه القرطبي وفخر الدين ورجحه على الأول ؛ نطق : لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمنكر فجعلها هذه الحجارة أولى ، وهذا الذي نطقه ليس بقوي ، ؛ وذلك حتى النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها ، ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك ، ثم إذا أخذ النار في هذه الحجارة - أيضا - مشاهد ، وهذا الجصقد يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها. وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها ، وشدة ضرامها وقوة لهبها كما نطق : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء : 97]. إلى غير ذلك رجح القرطبي حتى المراد بها الحجارة التي تثمن بها النار لتحمى ويشتد لهبها نطق : ليكون ذلك أشد عذابًا لأهلها ، نطق : وقد اتى في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نطق : "كل مؤذ في النار" وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف (1) ثم نطق القرطبي : وقد فسر بمعنيين ، أحدهما : حتى جميع من آذى الناس ولج النار (2) ، والآخر : جميع ما يؤذي فهوفي النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك] (3).

وقوله تعالى : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ الأظهر أنّ الضمير في { أُعِدَّتْ عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة ، ويحتمل عوده على الحجارة ، كما نطق ابن مسعود ، ولا منافاة بين القولين في المعنى ؛ لأنهما متلازمان.

و{ أُعِدَّتْ أي : أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله ، كما نطق [محمد] (4) بن إسحاق ، عن محمد ، عن عكرمة ، أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ أي : لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.

وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على حتى النار موجودة الآن لقوله : { أُعِدَّتْ أي : أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها : "تحاجت الجنة والنار" ومنها : "استأذنت النار ربها فنطقت : رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف" ، وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه ،يا ترى؟ فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها" وهوعند مسلم (5) وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.

__________

رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/299) من طريق المفيد عن الأشج ، عن علي رضي الله عنه به مرفوعًا.

في أ : "عذب في النار".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

سليم مسلم برقم (2844).

(1/202)

تنبيه ينبغي الوقوف عليه :

قوله : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وقوله في سورة يونس : { بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس : 38] يعم جميع سورة في القرآن طويلة كانت أوقصيرة ؛ لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عند المحققين من الأصوليين كما هومقرر في موضعه ، فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها ، وهذا ما أفهم فيه نزاعًا بين الناس سلفًا وخلفًا ، وقد نطق الإمام العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره : فإن قيل : قوله : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يتناول سورة الكوثر وسورة العصر ، و{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ونحن نفهم بالضرورة حتى الإتيان بمثله أوبما يقرب منه ممكن. فإن قلتم : إذا الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدور البشر كان مكابرة ، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة (1) إلى الدين : قلنا : فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني ، وقلنا : إذا بلغت هذه السورة في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود ، وإن لم يكن كذلك ، كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى تهوين أمره معجزًا (2) ، عملى التقديرين يحصل المعجز (3) ، هذا لفظه بحروفه. والصواب : حتى جميع سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أوقصيرة.

نطق الشافعي ، رحمه الله : لوتدبر الناس هذه السورة لكفتهم : { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر]. وقد روينا عن عمروبن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل حتى يسلم ، فنطق له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين ،يا ترى؟ فنطق له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فنطق : وما هي ،يا ترى؟ فنطق : { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ففكر ساعة ثم حمل رأسه فنطق : ولقد أنزل عليَّ مثلها ، فنطق : وما هو،يا ترى؟ فنطق : يا وبْر يا وبْر ، إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حقر فقر ، ثم نطق : كيف من الممكن أن ترى يا عمرو،يا ترى؟ فنطق له عمرو : والله إنك لتفهم أني لأفهم إنك تكذب (4).

__________

في أ : "الفهم".

في أ : "معجز".

في أ : "العجز".

سيأتي الكلام على هذه السيرة عند تفسير سورة العصر.

(1/203)

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)

{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)

لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به (1) وبرسله من العذاب والنكال ، عَطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به (2) وبرسله ، الذين صَدَّقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ، وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصح أقوال (3) الفهماء ، كما سنبسطه في موضعه ، وهوحتى يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر ، أوعكسه ، أوحال السعداء ثم الأشقياء ، أوعكسه. وحاصله ذكر الشيء ولقاءه. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه ، كما سنوضحه إذا شاء الله ؛ فلهذا نطق تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ فوصفها بأنها تجري من تحتها

__________

في جـ : "بالله تعالى".

في جـ : "بالله تعالى".

في جـ : "قولي".

(1/203)

الأنهار ، كما وصف النار بأن وقودها الناس والحجارة ، ومعنى { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أي : من تحت أشجارها وغرفها ، وقد اتى في الحديث : حتى أنهارها تجري من (1) غير أخدود ، واتى في الكوثر حتى حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف ، ولا منافاة بينهما ، وطينها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر ، نسأل الله من فضله [وكرمه] (2) إنه هوالبر الرحيم.

ونطق ابن أبي حاتم : قرئ على الربيع بن سليمان : حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن ثوبان ، عن عطاء بن قرّة ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنهار الجنة تُفَجَّر من تحت تلال - أومن تحت جبال - المسك" (3).

ونطق أيضا : حدثنا أبوسعيد ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، نطق : نطق عبد الله : أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.

وقوله تعالى : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مُرّة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ نطق : إنهم أتوا بالثمرة في الجنة ، فلما نظروا إليها نطقوا : هذا الذي رزقنا من قبل في [دار] (4) الدنيا.

إلى غير ذلك نطق قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ونصره ابن جرير.

ونطق عكرمة : { قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ نطق : معناه : مثل الذي كان بالأمس ، وكذا نطق الربيع بن أنس. ونطق مجاهد : يقولون : ما أشبهه به.

نطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا (5) لشدة مماثلة بعضه بعضًا ، لقوله تعالى : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا نطق سُنَيْد بن داود : حدثنا شيخ من أهل المِصِّيصة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، نطق : يؤتى أحدهم بالصحفة (6) من الشيء ، فيأكل منها ثم يؤتى (7) بأخرى فيقول : هذا الذي أوتينا به من قبل. فتقول الملائكة : كُلْ ، فاللون واحد ، والطعم مختلف.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عامر (8) بن يَسَاف ، عن يحيى بن أبي كثير نطق : عشب الجنة الزعفران ، وكثبانها المسك ، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها (9) ثم يؤتون بمثلها ، فيقول لهم أهل الجنة : هذا الذي أتيتمونا آنفا به ، فيقول لهم الولدان : كلوا ، فإن اللون واحد ، والطعم مختلف. وهوقول الله تعالى : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا نطق : يشبه

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "في".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

تفسير ابن أبي حاتم (1/87) ورواه أبونعيم في صفة الجنة برقم (313) من طريق الربيع بن سليمان به ، ورواه ابن حبان في سليمه برقم (2622) "موارد" من طريق القراطيسي عن أسد بن موسى عن ابن ثوبان به.

زيادة من جـ.

في جـ : "هذه".

في جـ ، ب : "بالصحيفة".

في جـ : "يأتي".

في أ : "عباس".

في جـ : "فيأكلون".

(1/204)

بعضه بعضًا ، ويختلف في الطعم.

ونطق ابن أبي حاتم : ورُوي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، والسدي نحوذلك.

ونطق ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مُرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، في قوله تعالى : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا يعني : في اللون والمرأى ، وليس يشتبه (1) في الطعم.

وهذا اختيار ابن جرير.

ونطق عكرمة : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا نطق : يشبه ثمر الدنيا ، غير حتى ثمر الجنة أطيب.

ونطق سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي ظِبْيان ، عن ابن عباس ، لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء ، وفي رواية : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. رواه ابن جرير ، من رواية الثوري ، وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش ، به.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا نطق : يعهدون أسماءه كما كانوا في الدنيا : التفاح بالتفاح ، والرمان بالرمان ، نطقوا في الجنة : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ، وأتوا به متشابها ، يعهدونه وليس هومثله في الطعم.

وقوله تعالى : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ نطق ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : مطهرة من القذر والأذى.

ونطق مجاهد : من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد.

ونطق قتادة : مطهرة من الأذى والمأثم. وفي رواية عنه : لا حيض ولا كلف. وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحوذلك.

ونطق ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، نطق : المطهرة التي لا تحيض. نطق : وكذلك خلقت حواء ، عليها السلام ، حتى عصت ، فلما عصت نطق الله تعالى : إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة. وهذا غريب.

ونطق الحافظ أبوبكر بن مردويه : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثني جعفر بن محمد بن حرب ، وأحمد بن محمد الجُوري (2) نطقا حدثنا محمد بن عبيد الكندي ، حدثنا عبد الرزاق بن عمر البَزيعيّ ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ نطق : "من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق" (3).

هذا حديث غريب. وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسن بن علي بن عفان ، عن محمد بن عبيد ، به ، ونطق : سليم على شرط الشيخين.

__________

في جـ : "يشبه".

في جـ ، ط ، ب : "الجواري".

ورواه أبونعيم في صفة الجنة برقم (363) من طريق عبد الله بن محمد بن يعقوب عن محمد بن عبيد به.

(1/205)

إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)

وهذا الذي انادىه فيه نظر ؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي (1) هذا نطق فيه أبوحاتم بن حبان البُسْتي : لا يجوز الاحتجاج به (2).

قلت : والأظهر حتى هذا من كلام قتادة ، كما تقدم ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ هذا (3) هوتمام السعادة ، فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء ، بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام ، والله المسؤول حتى يحشرنا في زمرتهم ، إنه جواد كريم ، بر رحيم.

{ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين ، يعني قوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة : 17] وقوله { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة : 19] الآيات الثلاث ، نطق المنافقون : الله أعلى وأجل من حتى يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله : { هُمُ الْخَاسِرُونَ

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : لما ذكر الله العنكبوت والذباب ، نطق المشركون : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ،يا ترى؟ فأنزل الله [تعالى هذه الآية] (4) { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (5).

ونطق سعيد ، عن قتادة : أي إذا الله لا يستحيي من الحق حتى يذكر شيئا ما ، قل أوكثر ، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت نطق أهل الضلالة : ما أراد الله من ذكر هذا ،يا ترى؟ فأنزل الله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا

قلت : العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار حتى هذه الآية مكية ، وليس كذلك ، وعبارة رواية سعيد ، عن قتادة أقرب والله أفهم. وروى ابن جُرَيج عن مجاهد نحوهذا الثاني عن قتادة.

ونطق ابن أبي حاتم : روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحوقول السدي وقتادة.

ونطق أبوجعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية نطق : هذا مثل ضربه الله للدنيا ؛ إذ

__________

في أ : "الربعي".

المجروحين (2/160).

في جـ ، ط : "وهذا".

زيادة من ط.

تفسير عبد الرزاق (1/64).

(1/206)

البعوضة تحيا ما جاعت ، فإذا سمنت ماتت. وكذلك مثل هؤلاء (1) القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن ، إذا امتلؤوا من الدنيا ريا أخذهم الله تعالى عند ذلك ، ثم تلا { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام : 44].

هكذا رواه ابن جرير ، ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، بنحوه ، فالله أفهم.

فهذا اختلافهم في سبب النزول ، وقد اختار ابن جرير ما حكاه السُّدي ؛ لأنه أمس بالسورة ، وهومناسب ، ومعنى الآية : أنه تعالى أبلغ أنه لا يستحيي ، أي : لا يستنكف ، وقيل : لا يخشى حتى يضرب مثلا ما ، أي : أيّ مثل كان ، بأي شيء كان ، صغيرًا كان أوكبيرًا.

و"ما" هاهنا للتقليل (2) وتكون { بَعُوضَةً منصوبة على البدل ، كما تقول : لأضربن ضربًا ما ، فيصدق بأدنى شيء [أوتكون "ما" نكرة موصوفة ببعوضة] (3). واختار ابن جرير حتى ما موصولة ، و{ بَعُوضَةً معربة بإعرابها ، نطق : وذلك سائغ (4) في كلام العرب ، أنهم يعربون صلة ما ومن بإعرابهما لأنهماقد يكونان فهم تارة ، ونكرة أخرى ، كما نطق حسان بن ثابت :

وَكَفَى (5) بِنَا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنَا... حُب (6) النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إيَّانَا (7)

نطق : ويجوز حتى تكون { بَعُوضَةً منصوبة بحذف الجار ، وتقدير الكلام : إذا الله لا يستحيي حتى يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها.

[وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء. وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورويت "بعوضة" بالحمل ، نطق ابن جني : وتكون صلة لما وحذف العائد كما في قوله : { تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام : 154] أي : على الذي أحسن هوأحسن ، وحكى سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي : يعني بالذي هوقائل لك شيئًا] (8).

وقوله : { فَمَا فَوْقَهَا فيه قولان : أحدهما : فما دونها في الصغر ، والحقارة ، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح ، فيقول السامع (9) : نعم ، وهوفوق ذلك ، يعني فيما وصفت. وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة ، نطق الرازي : وأكثر المحققين ، وفي الحديث : "لوحتى الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" (10). والثاني : فما فوقها : فما هوأكبر منها ؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة. وهذا [قول قتادة بن نادىمة و] (11) اختيار ابن جرير.

__________

في أ : "هذا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "للتقليل زائدة".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، أ ، و : "شائع".

في جـ ، ب ، أ ، و : "يكفي".

في جـ : "حث".

البيت في تفسير الطبري (1/404).

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ : "القابل".

رواه الترمذي في السنن برقم (2320) من طريق عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه به مرفوعا ، وفيه عبد الحميد بن سليمان ضعيف.

زيادة من جـ ، ط.

(1/207)

[ويؤيده ما رواه مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا خطت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" (1) ] (2).

فأبلغ أنه لا يستصغر (3) شيئًا يَضْرب به مثلا ولوكان في الحقارة والصغر كالبعوضة ، كما [لم يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من] (4) ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج : 73] ، ونطق : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت : 41] ونطق تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم : 24 - 27] ، ونطق تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا] (5) الآية [النحل : 75] ، ثم نطق : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ [هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ] (6) الآية [النحل : 76] ، كما نطق : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ الآية [الروم : 28]. ونطق : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ [وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ] (7) الآية [الزمر : 29] ، وقد نطق تعالى : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت : 43] وفي القرآن أمثال كثيرة.

نطق بعض السلف : إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي ؛ لأن الله تعالى يقول : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ

ونطق مجاهد قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويفهمون أنها الحق من ربهم ، ويهديهم الله بها.

ونطق قتادة : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي : يفهمون أنه كلام الرحمن ، وأنه من عند الله.

وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحوذلك.

ونطق أبوالعالية : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني : هذا المثل : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كما نطق في سورة المدثر : { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ [المدثر : 31] ،

__________

سليم مسلم برقم (2572)

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "لا يستنكف".

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

زيادة من جـ.

(1/208)

وكذلك نطق هاهنا : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ

نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا يعني : المنافقين ، { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا يعني المؤمنين ، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالهم (1) لتكذيبهم بما قد فهموه حقًا يقينًا ، من المثل الذي ضربه الله بما ضربه لهم (2) وأنه لما ضربه له موافق ، فذلك (3) إضلال الله إياهم به { وَيَهْدِي بِهِ يعني بالمثل كثيرًا من أهل الإيمان والتصديق ، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانًا إلى إيمانهم ، لتصديقهم بما قد فهموه حقًا يقينًا أنه موافق ما (4) ضربه الله له مثلا وإقرارهم به ، وذلك هداية من الله لهم به { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ نطق : هم المنافقون (5).

ونطق أبوالعالية : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ نطق : هم أهل النفاق. وكذا نطق الربيع بن أنس.

ونطق ابن جريج عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ يقول : يعهده الكافرون فيكفرون به.

ونطق قتادة : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ فسقوا ، فأضلهم الله على فسقهم.

ونطق ابن أبي حاتم : حُدّثتُ عن إسحاق بن سليمان ، عن أبي سِنان ، عن عمروبن مرة ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا يعني الخوارج.

ونطق شعبة ، عن عمروبن مرة ، عن مصعب بن سعد ، نطق : سألت أبي فقلت : قوله تعالى : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ إلى آخر الآية ، فنطق : هم الحرورية. وهذا الإسناد إذا صح عن سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه ، فهوتفسير على المعنى ، لا حتى (6) الآية أريد منها التنصيص على الخوارج ، الذين خرجوا على عليٍّ بالنهروان ، فإن أولئك لمقد يكونوا حال نزول الآية ، وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من ولج ؛ لأنهم سموا خوارج لخروجهم على (7) طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام.

والفاسق في اللغة : هوالخارج عن الطاعة أيضًا. وتقول العرب : فسقت الرطبة : إذا خرجت من قشرتها (8) ؛ ولهذا ينطق للفأرة : فويسقة ، لخروجها عن جُحْرها للفساد. وثبت في السليمين ، عن عائشة حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "خمس فواسق يُقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور" (9).

__________

في جـ ، ط ، ب : "ضلالتهم".

في جـ ، ط ، أ : "لما ضربه له".

في جـ : "فوافق ذلك".

في جـ ، ط : "لما".

في أ : "أهل النفاق".

في جـ : "لأن" ، وفي ط : "إلا أن".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "عن".

في أ : "قشرها".

سليم البخاري برقم (3314) وسليم مسلم برقم (1198).

(1/209)

فالفاسق يضم (1) الكافر والعاصي ، ولكن فسْق الكافر أشد وأفحش ، والمراد من الآية الفاسق الكافر ، والله أفهم ، بدليل (2) أنه وصفهم بقوله : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين ، كما نطق تعالى في سورة الرعد : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوالألْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ الآيات ، إلى حتى نطق : { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد : 19 - 25].

وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه ، فنطق بعضهم : هووصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في خطه ، وعلى لسان رسله ، ونقضهم (3) ذلك هوهجرهم العمل به.

ونطق آخرون : بل هي (4) في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم ، وعهد الله الذي نقضوه هوما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به ، وبما اتى به من عند ربهم ، ونقضهم ذلك هوجحودهم به بعد معهدتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك ، وكتمانهم فهم ذلك [عن] (5) الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه ، فأبلغ تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنًا قليلا. وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وقول مقاتل بن حيان.

ونطق آخرون : بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق. وعهده إلى جميعهم في توحيده : ما وضع لهم (6) من الأدلة الدالة على ربوبيته ، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم حتى يأتي بمثلها (7) الشاهدة لهم على صدقهم ، نطقوا : ونقضهم ذلك : هجرهم (8) الإقرار بما ثبتت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والخط مع فهمهم حتى ما أتوا به حق ، وروي أيضًا عن مقاتل بن حيان (9) نحوهذا ، وهوحسن ، [وإليه مال الزمخشري ، فإنه نطق : فإن قلت : فما المراد بعهد الله ،يا ترى؟ قلت : ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد ، كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهومعنى قوله : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف : 172] إذ أخذ الميثاق عليهم في الخط المنزلة عليهم لقوله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة : 40] (10).

ونطق آخرون : العهد الذي ذكره [الله] (11) تعالى هوالعهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من

__________

في جـ : "ضم".

في طـ : "الدليل".

في جـ : "وبغضهم".

في جـ : "هو".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط : "إليهم".

في و : "بمثله".

في جـ : "عدم".

في جـ ، ط ، أ ، و : "بن حيان أيضا".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ.

(1/210)

صلب آدم الذي وصف في قوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [شَهِدْنَا] (1) الآيتين [الأعراف : 172 ، 173] ونقضهم (2) ذلك هجرهم الوفاء به. إلى غير ذلك روي عن مقاتل بن حيان أيضًا ، حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ إلى قوله : { الْخَاسِرُونَ نطق : هي ست خصال من (3) المنافقين إذا كانت فيهم الظَّهْرَة (4) على الناس أظهروا هذه الخصال : إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وبتروا ما أمر الله به حتى يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، وإذا كانت الظَّهْرَةُ (5) عليهم أظهروا الخصال (6) الثلاث : إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا.

وكذا (7) نطق الربيع بن أنس أيضًا. ونطق السدي في تفسيره بإسناده ، قوله تعالى : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ نطق : هوما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه.

وقوله : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ قيل : المراد به صلة الأرحام والقرابات ، كما فسره قتادة كقوله تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد : 22] ورجحه ابن جرير. وقيل : المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وعمله بتروه وهجروه.

ونطق مقاتل بن حيان في قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ نطق (8) في الآخرة ، وهذا كما نطق تعالى : { أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد : 25].

ونطق الضحاك عن ابن عباس : جميع شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر ، فإنما يعني به الكفر ، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب.

ونطق ابن جرير في قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ الخاسرون : جمع خاسر ، وهم الناقصون أنفسهم [و] (9) حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته ، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه ، وكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته ، ينطق منه : خسر الرجل يخسر خَسْرًا وخُسْرانًا وخَسارًا ، كما نطق جرير بن عطية (10) إذا سَلِيطًا في الخَسَارِ إنَّه... أولادُ قَومٍ خُلقُوا أقِنَّه (11)

__________

زيادة من جـ.

في جـ : "وبغضهم".

في جـ ، ط : "في".

في جـ : "الظهيرة".

في جـ : "الظهيرة".

في جـ : "أخفوا هذه الخصال".

في جـ : "ونطق".

في أ : "أي".

زيادة من جـ.

في أ : "خطيئة".

اليت في تفسير الطبري (1/417).

(1/211)

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)

يقول تعالى محتجًا على وجوده وقدرته ، وأنه الخالق المتصرف في عباده : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ أي : كيف من الممكن أن تجحدون وجوده أوتعبدون معه غيره! { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ أي : قد كنتم عدمًا فأخرجكم إلى الوجود ، كما نطق تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور : 35 ، 36] ، ونطق { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان : 1] والآيات في هذا كثيرة.

ونطق سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غافر : 11] نطق : هي التي في البقرة : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ

ونطق ابن جُريج (1) ، عن عطاء ، عن ابن عباس : { كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ أمواتا في أصلاب آبائكم ، لم تكونوا شيئًا حتى خلقكم ، ثم يميتكم موتة الحق ، ثم يحييكم حين يبعثكم. نطق : وهي مثل قوله : { [رَبَّنَا] (2) أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ .

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ نطق : كنتم ترابًا قبل حتى يخلقكم (3) ، فهذه ميتة ، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى. فهذه ميتتان وحياتان ، فهوكقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ

إلى غير ذلك روي عن السدي بسنده ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة - وعن أبي العالية والحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نَحْوُ ذلك.

ونطق الثوري ، عن السدي عن أبي صالح : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ نطق : يحييكم (4) في القبر (5) ، ثم يميتكم.

ونطق ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ خلقهم في (6) ظهر آدم ثم أخذ (7) عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقول الله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ

__________

في جـ ، ط : "جرير".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "أخلفكم".

في أ : "يحيهم".

في جـ : "القبور".

في جـ ، ط : "من".

في جـ ، ط : "فأخذ".

(1/212)

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)

وهذا غريب والذي قبله. والسليم ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس ، وأولئك الجماعة من التابعين ، وهوكقوله تعالى : { قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية : 26].

[وعبر عن الحال قبل الوجود بالموت بجامع ما يشهجران فيه من عدم الإحساس ، كما نطق في الأصنام : { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ [النحل : 21] ، ونطق { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [يس : 33] (1).

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)

لما ذكر تعالى دلالةً مِنْ خَلْقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ، ذكر دليلا آخر مما يشاهدونه مِنْ خَلْق السماوات والأرض ، فنطق : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أي : قصد إلى السماء ، والاستواء هاهنا تَضَمَّن (2) معنى القصد والإقبال ؛ لأنه عدي بإلى { فَسَوَّاهُنَّ أي : فخلق السماء سبعًا ، والسماء هاهنا اسم جنس ، فلهذا نطق : { فَسَوَّاهُنَّ . { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي : وفهمه محيط بجميع ما خلق (3). كما نطق : { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الملك : 14] وتفصيل هذه الآية في سورة حم السجدة وهوقوله : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت :تسعة - 12].

ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعًا ، وهذا شأن البناء حتى يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك ، وقد صرح المفسرون بذلك ، كما سنذكره بعد هذا إذا شاء الله. فأما قوله تعالى : { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات : 27 - 32] فقد قيل : إذا { ثُمَّ هاهنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر ، لا لعطف العمل على العمل ، كما نطق الشاعر :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه... ثم قد ساد قبل ذلك جده (4)

وقيل : إذا الدَّحْىَ كان بعد خلق السماوات ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس.

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ط : "مضمن".

في جـ : "وفهمه محيط بجميع الخلق" ، وفي ط : "وفهمه محيط بالأمور بجميع ما خلق".

البيت في مغني اللبيب لابن هشام غير منسوب. أ. هـ. مستفادا من حاشية الشعب.

(1/213)

وقد نطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك - وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مُرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (1) نطق : إذا الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء. فلما أراد حتى يخلق الخلق ، أخرج من الماء دخانًا ، فارتفع فوق الماء فسما عليه ، فسماه سماء. ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين ، فخلق الأرض على حوت ، والحوتُ هوالنون الذي ذكره الله في القرآن : { ن وَالْقَلَمِ (2) والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر مَلَك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكر (3) لقمان - ليست في السماء ولا في الأرض ، فتحرك الحوت فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسى عليها الجبال فَقَرّت ، فالجبال تفخر على الأرض ، فذلك قوله تعالى : { وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ (4) [النحل : 15]. وخلق الجبال فيها ، وأقواتَ أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء ، وذلك حين يقول : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا [فصلت :تسعة ، 10]. يقول : أنبت شجرها { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا يقول : أقواتها لأهلها { فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت : 10] يقول : من سأل فهكذا الأمر. { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت : 11] وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين ، في الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، { وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فضلت : 12] نطق : خلق الله في جميع سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي (5) فيها ، من البحار وجبال البَرَد وما لا نفهم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظًا (6) تُحْفَظُ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش ، فذلك حين يقول : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف : 54] ويقول { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء : 30].

ونطق ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني أبومعشر عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عبد الله بن سلام أنه نطق : إذا الله بدأ الخلق يوم الأحد ، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين ، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء ، وخلق السماوات في الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر (7) ساعة من يوم الجمعة ، فخلق فيها آدم على عَجَل ، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة.

ونطق مجاهد في قوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا نطق : خلق الله الأرض قبل السماء ، فلما خلق الأرض ثار منها دخان ، فذلك حين يقول : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ

__________

زيادة من جـ.

في جـ : "والقلم وما يسطرون".

في ب : "ذكرها"

في جـ : "وجعل لها رواسي من فوقها حتى تميد بكم" ، وفي ط : "وجعل لها رواسي حتى تميد بكم" ، وفي ب : "وجعلنا في الأرض رواسي حتى تميد بكم".

في جـ ، ط : "الذين".

في أ : "وحفظها".

في جـ : "وأخر".

(1/214)

{ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ نطق : بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين ، يعني بعضهن تحت بعض.

وهذه الآية دالة على حتى الأرض خلقت قبل السماء ، كما نطق في آية السجدة : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت :تسعة - 12] فهذه وهذه دالتان على حتى الأرض خلقت قبل السماء ، وهذا ما لا أفهم فيه نزاعًا بين الفهماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة : أنه زعم حتى السماء خلقت قبل الأرض ، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى : { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات : 27 - 31] نطقوا : فذكر خلق السماء قبل الأرض. وفي سليم البخاري (1) : حتى ابن عباس سئل عن هذا بعينه ، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء ، وكذلك أجاب غير واحد من فهماء التفسير قديمًا وحديثًا ، وقد قررنا ذلك في تفسير سورة النازعات ، وحاصل ذلك حتى الدحي مفسر بقوله : { وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات : 30 - 32] ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعًا فيها بالقوة إلى العمل لما اكتملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض ، فأخرجت ما كان مودعًا فيها من المياه ، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها ، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة ، والله سبحانه وتعالى أفهم.

وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير - أيضًا - من رواية ابن جُرَيج نطق : أبلغني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، نطق : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فنطق : "خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل" (2).

وهذا الحديث من غرائب سليم مسلم ، وقد تحدث عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار ، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه (3) مرفوعا ، وقد حرر ذلك البيهقي (4).

__________

سليم البخاري (8/555) "فتح".

تفسير ابن أبي حاتم (1/103) وسليم مسلم برقم (2789) وسنن النسائي الكبرى برقم (11010).

في جـ ، ط ، ب : "فجعله".

الأسماء والصفات (ص276) وللعلامة عبد الرحمن المفهمي كلام متين في تسليم هذا الحديث ورد الشبه عنه في كتابه "الأنوار الكاشفة" (ص185 - 190) فليراجع فإنه مهم.

(1/215)

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30)

يخبر (1) تعالى بامتنانه على بني آدم ، بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم ، فنطق تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ أي : واذكر يا محمد إذ نطق ربك للملائكة ، واقصص على قومك ذلك. وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية [وهوأبوعبيدة] (2) أنه زعم حتى "إذ" هاهنا زائدة ، وأن تقدير الكلام : ونطق ربك. ورده ابن جرير.

نطق القرطبي : وكذا رده جميع المفسرين حتى نطق الزجاج : هذا اجتراء (3) من أبي عبيدة.

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً أي : قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل ، كما نطق تعالى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ [الأنعام : 165] ونطق { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ [النمل : 62]. ونطق { وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف : 60]. ونطق { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم : 59]. [وقرئ في الشاذ : "إني جاعل في الأرض خليقة" حكاه الزمخشري وغيره ونقلها القرطبي عن زيد بن علي] (4). وليس المراد هاهنا بالخليفة آدم ، عليه السلام ، فقط ، كما يقوله طائفة من المفسرين ، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل ، وفي ذلك نظر ، بل الخلاف في ذلك كثير ، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره ، والظاهر أنه لم يرد آدم عينًا إذ لوكان كذلك لما حسن قول الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ فإنهم (5) إنما أرادوا حتى من هذا الجنس من يعمل ذلك ، وكأنهم فهموا ذلك بفهم خاص ، أوبما فهموه من الطبيعة البشرية فإنه أبلغهم أنه يخلق هذا الصنف من صَلْصَال من حمإ مسنون [أوفهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ويقع بينهم من المظالم ويرد عنهم المحارم والمآثم ، نطقه القرطبي] (6) أوأنهم قاسوهم على من تجاوز ، كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك.

وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم ، كما قد يتوهمه بعض المفسرين [وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول ، أي : لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه وهاهنا لما أفهمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقًا. نطق قتادة : وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فنطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا الآية] (7) وإنما هوسؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ، يقولون : يا ربنا ، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع حتى منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، فإن كان المراد عبادتك ، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، أي : نصلي لك كما سيأتي ، أي : ولا يصدر منا شيء من ذلك ، وهلا سقط الاقتصار علينا ،يا ترى؟ نطق الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ أي : إني أفهم من المصلحة (8) الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها (9) ما لا تفهمون أنتم ؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء ، وأوفد فيهم الرسل ، ويوجد فيهم

__________

في جـ : "أبلغ".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في أ : "إجرام".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ب : "فإن الله".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "بالمصلحة".

في جـ : "الذي ذكروها".

(1/216)

الصديقون والشهداء ، والصالحون والعباد ، والزهاد والأولياء ، والأبرار والمقربون ، والفهماء العاملون والخاشعون ، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم.

وقد ثبت في السليم (1) : حتى الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده سألهم وهوأفهم : كيف من الممكن أن هجرتم عبادي ،يا ترى؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون وهجرناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيمكث هؤلاء ويصعد أولئك بالأعمال كما نطق عليه السلام : "يحمل إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل" فقولهم : أتيناهم وهم يصلون وهجرناهم وهم يصلون من تفسير قوله : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ وقيل : معنى قوله جوابًا لهم : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ حتى لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تفهمونها ، وقيل : إنه جواب لقولهم : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ فنطق : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ أي : من وجود إبليس بينكم وليس هوكما وصفتم أنفسكم به. وقيل : بل تضمن قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ طلبًا منهم حتى يسكنوا الأرض بدل بني آدم ، فنطق الله تعالى لهم : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ من حتى بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها فخر الدين مع غيرها من الأجوبة ، والله أفهم.

ذكر أقوال المفسرين ببسط ما ذكرناه :

نطق ابن جرير : حدثني القاسم بن الحسن نطق : حدثنا الحسين نطق : حدثني الحجاج ، عن جرير بن حازم ، ومبارك ، عن الحسن وأبي بكر ، عن الحسن وقتادة ، نطقوا : نطق الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً نطق لهم : إني فاعل. وهذا معناه أنه أبلغهم بذلك.

ونطق السدي : استشار الملائكة في خلق آدم. رواه ابن أبي حاتم ، نطق (2) : وروي عن قتادة نحوه. وهذه العبارة إذا لم ترجع إلى معنى الإخبار ففيها تساهل ، وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جرير أحسن ، والله أفهم.

{ فِي الأرْضِ نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبوسلمة ، حدثنا حماد (3) حدثنا عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن سابط حتى رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم نطق : "دُحِيت الأرض من مكة ، وأول من طاف بالبيت الملائكة ، فنطق الله : إني جاعل في الأرض خليفة ، يعني مكة" (5).

وهذا مرسل ، وفي سنده ضعف ، وفيه مُدْرَج ، وهوحتى المراد بالأرض مكة ، والله أفهم ، فإن الظاهر حتى المراد بالأرض أعم من ذلك.

{ خَلِيفَةً نطق السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة حتى الله تعالى نطق للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً

__________

سليم مسلم برقم (632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

في جـ ، ط : "ونطق".

في جـ : "أحمد".

في جـ ، ط ، ب : "النبي".

تفسير ابن أبي حاتم (1/108).

(1/217)

نطقوا (1) : ربنا وماقد يكون ذلك الخليفة ،يا ترى؟ نطق :قد يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا.

نطق ابن جرير : فكان تأويل الآية على هذا : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً مني ، يخلفني في الحكم بين خلقي ، وإن ذلك الخليفة هوآدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم (2) بالعدل بين خلقه. وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها (3) فمن غير خلفائه.

نطق ابن جرير : وإنما [كان تأويل الآية على هذا] (4) معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرنا.

نطق : والخليفة العملية من قولك ، خلف فلان فلانا في هذا الأمر : إذا قام مقامه فيه بعده ، كما نطق تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس : 14]. ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم : خليفة ؛ لأنه خلف الذي كان قبله ، فقام بالأمر مقامه ، فكان منه خَلَفًا.

نطق : وكان محمد بن إسحاق يقول في قوله تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً يقول : ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلفا ليس منكم.

نطق ابن جرير : وحدثنا أبوكُرَيْب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، نطق : أول من سكن الأرض الجنُّ ، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء ، وقتل بعضهم بعضا. نطق : فبعث الله إليهم إبليس ، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم (5) بجزائر البحور وأطراف الجبال. ثم خلق آدم وأسكنه إياها ، فلذلك نطق : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً (6).

ونطق سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن ابن سابط : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ نطق : يعنون [به] (7) بني آدم.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : نطق الله للملائكة : إني أريد حتى أخلق في الأرض خلقا وأجعل فيها خليفة وليس لله ، عز وجل ، خلق إلا الملائكة ، والأرض ليس فيها خلق ، نطقوا : أتجعل فيها من يفسد فيها [ويسفك الدماء] (8) ؟!

وقد تقدم ما رواه السدي ، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة : حتى الله أفهم الملائكة بما يعمل ذرّية آدم ، فنطقت الملائكة ذلك. وتقدم آنفا (9) ما رواه الضحاك ، عن ابن عباس : حتى الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم ، فنطقت الملائكة ذلك ، فقاسوا هؤلاء بأولئك.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسي ، حدثنا أبومعاوية ، حدثنا

__________

في جـ : "فنطقوا".

في جـ : "وحكم".

في جـ ، ط ، أ : "حقها".

زيادة من جـ.

في جـ : "ألحقوهم".

تفسير الطبري (1/450).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

في جـ ، ط : "أيضا".

(1/218)

الأعمش ، عن بُكَير (1) بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو، نطق : كان الجن بنوالجان في الأرض قبل حتى يخلق آدم بألفي سنة ، فأفسدوا في الأرض ، وسفكوا الدماء ، فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم ، حتى ألحقوهم بجزائر البحور ، فنطق الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً نطقوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ،يا ترى؟ نطق : إني أفهم ما لا تفهمون (2).

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً إلى قوله : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة : 33] نطق : خلق الله الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ؛ فكفر قوم من الجن ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ، فكانت الدماء بينهم ، وكان الفساد في الأرض ، فمن ثم نطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا كما أفسدت الجن { وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ كما سَفَكُوا.

نطق ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا مبارك بن فضالة ، حدثنا الحسن ، نطق : نطق الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً نطق لهم : إني فاعل. فآمنوا بربهم (3) ، عملمهم فهمًا وطوى عنهم فهمًا فهمه ولم يفهموه ، فنطقوا بالفهم الذي فهمهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ،يا ترى؟ { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ

نطق الحسن : إذا الجن كانوا في الأرض يفسدون (4) ويسفكون الدماء ، ولكن جعل الله في قلوبهم حتى ذلك سيكون فنطقوا بالقول الذي عَلَّمهم.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا كان [الله] (5) أفهمهم أنه إذا كان في الأرض خَلْق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فذلك حين نطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا (6).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام الرازي ، حدثنا ابن المبارك ، عن معروف ، يعني ابن خَرّبوذ المكي ، عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول : السّجِلّ ملك ، وكان هاروت وماروت من أعوانه ، وكان له في جميع يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب ، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور ، فأسَر ذلك إلى هاروت وماروت ، وكانا من أعوانه ، فلما نطق تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ نطقا ذلك استطالة على الملائكة.

وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر ، فهونقله عن أهل الكتاب ، وفيه نكارة توجب رده ، والله أفهم. ومقتضاه حتى الذين نطقوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط ،

__________

في أ : "بكر".

تفسير ابن أبي حاتم (1/109).

في أ ، و : "أفأمنوا برأيهم".

في جـ : "يفسدون في الأرض".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

تفسير عبد الرزاق (1/65).

(1/219)

وهوخلاف السياق.

وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم - أيضًا - حيث نطق : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن أبي عَبْد الله ، حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير ، نطق : سمعت أبي يقول : إذا الملائكة الذين نطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ كانوا عشرة آلاف ، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.

وهذا - أيضًا - إسرائيلي منكر كالذي قبله ، والله أفهم.

نطق ابن جريج : إنما تحدثوا بما أفهمهم الله أنه كائن من خلق آدم ، فنطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ

ونطق ابن جرير : ونطق بعضهم : إنما نطقت الملائكة ما نطقت : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؛ لأن الله أذن لهم (1) في السؤال عن ذلك ، بعد ما أبلغهم (2) حتى ذلك كائن من بني آدم ، فسألته الملائكة ، فنطقت على التعجب منها : وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم! ،يا ترى؟ فأجابهم ربهم : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ يعني : حتى ذلك كائن منهم ، وإن لم تفهموه أنتم ومن بعض من ترونه لي طائعا.

نطق : ونطق بعضهم : ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يفهموا من ذلك ، فكأنهم نطقوا : يا رب خبرنا ، مسألة [الملائكة] (3) استخبار منهم ، لا على وجه الإنكار ، واختاره ابن جرير.

ونطق سعيد عن قتادة قوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً فاستشار الملائكة في خلق آدم ، فنطقوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وقد فهمت الملائكة من فهم الله أنه لا شيء أكره إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ فكان في فهم الله أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوالجنة ، نطق : وذكر لنا عن ابن عباس أنه كان يقول : إذا الله لما أخذ في خلق آدم نطقت الملائكة : ما الله خالق خلقا أكرم عليه منا ولا أفهم منا ، فابتلوا بخلق آدم ، وكل خلق مبتلى كما ابتليت السماوات والأرض بالطاعة فنطق : { اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت : 11].

وقوله تعالى : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ نطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : التسبيحُ : التسبيحُ ، والتقديس : الصلاة (4).

ونطق السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرّة ، عن ابن مسعود - وعن ناس من الصحابة : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ نطق : يقولون : نصلي لك.

ونطق مجاهد : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ نطق : نعظمك ونكبرك.

__________

في أ ، و : "لها".

في أ ، و : "ما أبلغها".

زيادة من جـ.

تفسير عبد الرزاق (1/65).

(1/220)

ونطق الضحاك : التقديس : التطهير.

ونطق محمد بن إسحاق : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ نطق : لا نعصي ولا نأتي شيئًا تكرهه.

ونطق ابن جرير : التقديس : هوالتعظيم والتطهير ، ومنه قولهم : سُبُّوح قُدُّوس ، يعني بقولهم : سُبوح ، تنزيه له ، وبقولهم : قدوس ، طهارة وتعظيم له. ولذلك قيل للأرض : أرض مقدسة ، يعني بذلك المطهرة. فمعنى قول الملائكة إذًا : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهلُ الشرك بك { وَنُقَدِّسُ لَكَ ننسبك إلى ما من صفاتك ، من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك.

[وفي سليم مسلم عن أبي ذر حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الكلام أفضل ،يا ترى؟ نطق : "ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده" (1) وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن قرط حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحًا في السماوات العلا "سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى" (2) ] (3).

{ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ نطق قتادة : فكان في فهم الله أنه سيكون في تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوالجنة ، وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقوال في حكمة قوله تعالى : { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ

وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما يختلفون فيه ، ويبتر تنازعهم ، وينتصر لمظلومهم من ظالمهم ، ويقيم الحدود ، ويزجر عن تعاطي الفواحش ، إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام ، وما لا يتم الواجب إلا به فهوواجب.

والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر ، أوبالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم ، أوباستخلاف الخليفة آخر بعده كما عمل الصديق بعمر بن الخطاب ، أوبهجره شورى في جماعة صالحين كذلك كما عمله عمر ، أوباجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أوبمبايعة واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور وحكى على ذلك (4) إمام الحرمين الإجماع ، والله أفهم ، أوبقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف ، وقد نص عليه الشافعي.

وهل يجب الإشهاد على عقد الإمامة ،يا ترى؟ فيه خلاف ، فمنهم من نطق : لا يشترط ، وقيل : بلى ويكفي شاهدان. ونطق الجبائي : يجب أربعة وعاقد ومعقود له ، كما هجر عمر رضي الله عنه ، الأمر شورى بين ستة ، فسقط الأمر على عاقد وهوعبد الرحمن بن عوف ، ومعقود له وهوعثمان ، واستنبط

__________

سليم مسلم برقم (2731).

ورواه أبونعيم في الحلية (2/7) من طريق مسكين بن ميمون عن عروة بن رويم ، عن عبد الرحمن بن قرط رضي الله عنه به مرفوعا وسيأتي من رواية الطبراني عند تفسير الآية : 44 من سورة الإسراء.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

في أ : "تلك".

(1/221)

وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)

وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين ، وفي هذا نظر ، والله أفهم.

ويجب حتىقد يكون ذكرًا حرًا بالغًا عاقلا مسلمًا عدلا مجتهدًا بصيرًا سليم الأعضاء خبيرًا بالحروب والآراء قرشيًا على السليم ، ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافًا للغلاة الروافض ، ولوفسق الإمام هل ينعزل أم لا ،يا ترى؟ فيه خلاف ، والسليم أنه لا ينعزل لقوله عليه الصلاة والسلام : "إلا حتى تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان" (1) وهل له حتى يعزل نفسه ،يا ترى؟ فيه خلاف ، وقد عزل الحسن بن علي نفسه وسلم الأمر إلى معاوية لكن هذا لعذر وقد مدح على ذلك.

فأما نصب إمامين في الأرض أوأكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام : "من اتىكم وأمركم جميع يريد حتى يفرق بينكم فاقتلوه كائنًا من كان" (2). وهذا قول الجمهور ، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، منهم إمام الحرمين ، ونطقت الكرامية : يجوز نصب إمامين فأكثر كما كان علي ومعاوية إمامين واجبي الطاعة ، نطقوا : وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمامة ؛ لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف ، وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأنطقيم بينهما ، وتردد إمام الحرمين في ذلك ، قلت : وهذا يشبه حال خلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب.

{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)

هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة ، بما اختصه به من عِلم أسماء كلّ شيء دونهم ، وهذا كان بعد سجودهم له ، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك ، لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم فهمهم بحكمة خلق الخليفة ، حين سألوا عن ذلك ، فأبلغهم [الله] (3) تعالى بأنه يفهم ما لا يفهمون ؛ ولهذا ذكر تعالى (4) هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في الفهم ، فنطق تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا

ونطق السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا نطق : عرض عليه أسماء ولده إنسانًا إنسانًا ، والدواب ، فقيل : هذا الحمار ، هذا الجمل ، هذا الفرس.

ونطق الضحاك عن ابن عباس : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا نطق : هي هذه الأسماء التي يتعارف

__________

رواه البخاري في سليمه برقم (7055) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

رواه مسلم في سليمه برقم (1852) من حديث عهدجة رضي الله عنه.

زيادة من جـ.

في جـ : "ذكر تبارك وتعالى" ، وفي ب : "ذكر الله تعالى".

(1/222)

بها الناس : إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل (1) ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث عاصم بن كليب ، عن سعيد بن معبد ، عن ابن عباس : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا نطق : فهمه اسم الصحفة والقِدر ، نطق : نعم حتى الفسوة والفُسَيَّة (2).

ونطق مجاهد : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا نطق : فهمه اسم جميع دابة ، وكل طير ، وكل شيء.

وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف : أنه فهمه أسماء جميع شيء ، ونطق الربيع في رواية عنه : أسماء الملائكة. ونطق حميد الشامي : أسماء النجوم. ونطق عبد الرحمن بن زيد : فهمه أسماء ذريته كلهم.

واختار ابن جرير أنه فهمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية ؛ لأنه نطق : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ وهذا تعبير عما يعقل. وهذا الذي رجح به ليس بلازم ، فإنه لا ينفي حتى يدخل معهم غيرهم ، ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب. كما نطق : { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور : 45].

[وقد قرأ عبد الله بن مسعود : "ثم عرضهن" وقرأ أبي بن كعب : "ثم عرضها" أي : السماوات] (3).

والسليم أنه فهمه أسماء الأمور كلها : ذواتها وأفعالها ؛ كما نطق ابن عباس حتى الفسوة والفُسَية. يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر ؛ ولهذا نطق البخاري في تفسير هذه الآية من كتاب التفسير من سليمه : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا مسلم ، حدثنا هشام ، حدثنا قتادة ، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونطق لي خليفة : حدثنا يزيد بن زُرَيع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق - : "يجتمع المؤمنون يوم القيامة ، فيقولون : لواستشفعنا إلى ربنا ،يا ترى؟ فيأتون آدم فيقولون : أنت أبوالناس ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وفهمك أسماء جميع شيء ، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ، فيقول : لَسْتُ هُنَاكُمْ ، ويذكر ذنبه فيستحي ؛ ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، فيأتونه فيقول : لست هُنَاكُم. ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به فهم فيستحي. فيقول : ائتوا خليل الرحمن ، فيأتونه ، فيقول : لست هُنَاكم ؛ فيقول : ائتوا موسى عَبْدًا كَلمه الله ، وأعطاه التوراة ، فيأتونه ، فيقول : لست هُنَاكُمْ ، ويذكر قَتْلَ النفس بغير نفس ، فيستحي من ربه ؛ فيقول : ائتوا عيسى عَبْدَ الله ورسولَه وكَلِمةَ الله وروحه ، فيأتونه ، فيقول : لست هُنَاكُم ، ائتوا محمدًا عبدًا غَفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتوني ، فأنطلق حتى أستأذن على ربي ، فيُؤذن لي ، فإذا رأيت ربي سقطتُ ساجدًا ، فيدعني ما شاء الله ، ثم ينطق : احمل رأسك ، وسل تعطه ، وقل

__________

في جـ ، ط ، ب : "وجبل".

في جـ : "الفشوة والفشية".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

(1/223)

يُسْمَع ، واشفع تُشَفَّع ، فأحمل رأسي ، فأحمده بتحميد (1) يفهمُنيه ، ثم أشفع فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة ، ثم أعود إليه ، وإذا رأيت ربي مثله (2) ، ثم أشفع فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة (3) ، ثم أعود الرابعة فأقول : ما بقي في النار إلا مَنْ حبسه القرآن ووجب عليه الخلود" (4).

هكذا ساق البخاري هذا الحديث هاهنا. وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام ، وهوابن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي ، عن قتادة ، به (5). وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سعيد ، وهوابن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة (6). ووجه إيراده هاهنا والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام : "فيأتون آدم فيقولون : أنت أبوالناس خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وفهمك أسماء جميع شيء" ، فدل هذا على أنه فهمه أسماء جميع المخلوقات ؛ ولهذا نطق : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ يعني : المسميات ؛ كما نطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة نطق : ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

ونطق السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثم عرض الخَلْق على الملائكة.

ونطق ابن جريج ، عن مجاهد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عرض أصحاب الأسماء على الملائكة.

ونطق ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني الحجاج ، عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة ، عن الحسن - وأبي بكر ، عن الحسن وقتادة - نطقا فهمه اسم جميع شيء ، وجعل يسمي جميع شيء باسمه ، وعرضت عليه أمة أمة.

وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إني لم أخلق خلقًا إلا كنتم أفهم منه ، فأبلغوني بأسماء هؤلاء إذا كنتم صادقين.

ونطق الضحاك عن ابن عباس : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إذا كنتم تفهمون (7) لم أجعل في الأرض خليفة.

ونطق السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : إذا كنتم صادقين حتى بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.

ونطق ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن نطق بقوله ، ومعنى ذلك فنطق : أنبئوني بأسماء من عَرَضْتُه عليكم أيها الملائكة القائلون : أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك

__________

في جـ : "تحميدا".

في جـ : "فإذا رأيته عملت مثله".

في جـ ، ط : "فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه ، فإذا رأيت ربي عملت مثله ، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة".

سليم البخاري برقم (4476).

سليم مسلم برقم (193) وسنن النسائي الكبرى برقم (10984).

سليم مسلم برقم (193) وسنن النسائي الكبرى برقم (11243) وسنن ابن ماجة برقم (4312).

في جـ : "إن كنتم عالمين".

(1/224)

الدماء ، من غيرنا أم منا ، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ،يا ترى؟ إذا كنتم صادقين في قيلكم : إني إذا جعلتُ خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء ، وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس ، فإذا كنتم لا تفهمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم ، فأنتم بما هوغير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى حتى تكونوا غير عالمين.

[وقوله] (1) { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى حتى يحيط أحد بشيء من فهمه إلا بما شاء ، وأن يفهموا شيئا إلا ما فهمهم الله تعالى ، ولهذا نطقوا : { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ أي : العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك من تشاء ومنعك من تشاء ، لك الحكمة في ذلك ، والعدل التام.

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن ابن عباس : سبحان الله ، نطق : تنزيه الله نفسه عن السوء. [نطق] (2) ثم نطق عمر لعلي وأصحابه عنده : لا إله إلا الله ، قد عهدناها (3) فما سبحان الله ،يا ترى؟ فنطق له علي : حدثة أحبها الله لنفسه ، ورضيها ، وأحب حتى تنطق (4).

نطق : وحدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا النضر بن عربي نطق : سأل رجل ميمون بن مِهْرَان عن "سبحان الله" ، فنطق : اسم يُعَظَّمُ الله به ، ويُحَاشَى به من السوء.

وقوله تعالى : { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ نطق زيد بن أسلم. نطق : أنت جبريل ، أنت ميكائيل ، أنت إسرافيل ، حتى عدد الأسماء كلها ، حتى بلغ الغراب.

ونطق مجاهد في قول الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ نطق : اسم الحمامة ، والغراب ، واسم جميع شيء.

وروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، نحوذلك.

فلما ظهر فضل آدم ، عليه السلام ، على الملائكة ، عليهم السلام ، في سرده ما فهمه الله تعالى من أسماء الأمور ، نطق الله تعالى للملائكة : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ أي : ألم أتقدم إليكم أني أفهم الغيب الظاهر والخفي ، كما نطق [الله] (5) تعالى : { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وكما نطق تعالى إخبارا عن الهدهد أنه نطق

__________

زيادة من أ.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ط : "عهدناه".

تفسير ابن أبي حاتم (1/117).

زيادة من أ.

(1/225)

لسليمان : { أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ .

وقيل في [معنى] (1) قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ غيرُ ما ذكرناه ؛ فروى الضحاك ، عن ابن عباس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ نطق : يقول : أفهم السر كما أفهم العلانية ، يعني : ما كَتَم إبليس في نفسه من الكِبْر والاغترار.

ونطق السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، نطق : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فهذا الذي أبدوا { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.

وكذلك نطق سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، والضحاك ، والثوري. واختار ذلك ابن جرير.

ونطق أبوالعالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة : هوقولهم : لم يخلق ربنا خلقا إلا كنا أفهم منه وأكرم.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فكان الذي أبدوا قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وكان الذي كتموا بينهم قولهم : لن (2) يخلق ربنا خلقا إلا كنا أفهم منه وأكرم. فعهدوا حتى الله فضل عليهم آدم في الفهم ، والكرم.

ونطق ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في سيرة الملائكة وآدم : فنطق الله للملائكة : كما لم تفهموا هذه الأسماء فلا يناسبكم فهم ، إنما أردت حتى أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد فهمته ؛ ولذلك (3) أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، نطق : وسَبَقَ من الله { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ نطق : ولم تفهم الملائكة ذلك ولم يدروه نطق : ولما (4) رأوا ما منح الله آدم من الفهم أقروا له بالفضل (5).

ونطق ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قولُ ابن عباس ، وهوحتى معنى قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وأفهم - مع فهمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون (6) في أنفسكم ، فلا يخفى عَلَيَّ شيء ، سواء عندي سرائركم ، وعلانيتكم.

والذي أظهروه بألسنتهم قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطويا إبليس من الخلاف على الله في أوامره (7) ، والتكبر عن طاعته.

__________

زيادة من جـ ، أ ، و.

في جـ : "لم".

في جـ ، ب : "فلذلك".

في جـ ، ط : "فلما".

تفسير الطبري (1/497).

في أ ، و : "تخفونه".

في جـ ، ط ، ب : "في أمره".

(1/226)

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

نطق : وصح ذلك كما تقول العرب : قُتِل الجيش وهُزموا ، وإنما اغتال الواحد أوالبعض ، وهزم الواحد أوالبعض ، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ [الحجرات : أربعة ] ذكر حتى الذي نادى إنما كان واحدا من بني تميم ، نطق : وكذلك قوله : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) .

وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته ، حيث أبلغ أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم. وقد دل على ذلك أحاديث - أيضا - كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى ، عليه السلام : "رَبِّ ، أرني آدم الذي أخرجنا ونفسَه من الجنة" ، فلما اجتمع به نطق : "أنت آدم الذي خلقه (1) الله بيده ، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته". نطق... وذكر الحديث كما سيأتي.

ونطق ابن جرير : حدثنا أبوكُرَيب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشْر بن عُمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس نطق : كان إبليس من حَيّ من أحياء الملائكة ينطق لهم : الجِنّ ، خلقوا من نار السموم ، من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، نطق : وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، نطق : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، [وهولسان النار الذيقد يكون في طرفها إذا لهبت نطق : وخلق الإنسان من طين] (2). فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا. نطق : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي ينطق لهم : الجنّ - فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما عمل إبليس ذلك اغتَرّ في نفسه ، فنطق : قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد. نطق : فاطلع الله على ذلك من قلبه ، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه ، فنطق الله تعالى للملائكة الذين معه : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً فنطقت الملائكة مجيبين له : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثتنا عليهم (3) لذلك ،يا ترى؟ فنطق : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ يقول : إني قد اطلعت من (4) قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ، نطق : ثم أمر بتربة آدم فحملت ، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب : اللزج الصلب (5) من حمإ مسنون منتن ، وإنما كان حَمَأ مسنونا بعد التراب. فخلق منه آدم بيده ، نطق : فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى. فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل ، أي فيصوت. نطق : فهوقول الله تعالى : { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ يقول : كالشيء المنفرج الذي ليس [ الرحمن : 14 ]

__________

في ب ، أ ، و : "خلقك".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "إليهم".

في جـ : "على".

في ب ، أ ، و : "الطيب".

(1/227)

بمُصْمَت. نطق : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من (1) دبره ، ويخرج من فيه. ثم يقول : لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت ، ولئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنك ، ولئن سُلِّطْتُ علي لأعْصيَنَّك. نطق : فلما نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودمًا ، فلما انتهت النفخة إلى سُرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده ، فمضى لينهض فلم يقدر ، فهوقول الله تعالى : { وَكَانَ (2) الإنْسَانُ عَجُولا نطق : ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء. نطق : فلما تمت النفخة في جسده عطس ، فنطق : "الحمد لله رب العالمين" بإلهام الله. فنطق [الله] (3) له : "يرحمك الله يا آدم (4) ". نطق ثم نطق [الله] (5) تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات : اسجدوا لآدم. فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر ، لما كان وقع نفسه من الكبر والاغترار. فنطق : لا أسجد له ، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا ، خلقتني (6) من نار وخلقته من طين. يقول : إذا النار أقوى من الطين. نطق : فلما أبى إبليس حتى يسجد أبلسه الله ، أي : آيسه من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عُقُوبة لمعصيته ، ثم عَلَّم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني : الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم ، ونطق لهم : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ يقول : أبلغوني بأسماء هؤلاء { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إذا كنتم تفهمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة. نطق : فلما فهمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تحدثوا به من فهم الغيب ، الذي لا يفهمه غيره ، الذي ليس لهم به فهم نطقوا : سبحانك ، تنزيها لله من حتىقد يكون أحد يفهم الغيب غيره ، وتبنا إليك { لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا تبريا منهم من فهم الغيب ، إلا ما فهمتنا كما فهمت آدم ، فنطق : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ يقول : أبلغهم بأسمائهم { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ [يقول : أبلغهم] (7) { بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ أيها الملائكة خاصة { إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ولا يفهم غيري { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ يقول : ما تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يقول : أفهم السر كما أفهم العلانية ، يعني : ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار (8).

هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر ، يطول مناقشتها ، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور.

ونطق السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرّة ، عن ابن

__________

في ب : "في".

في هـ : "وخلق" ، والمثبت من باقي النسخ ، وهوالصواب.

زيادة من أ ، و :

في جـ : "يرحمك يا آدم ربك".

زيادة من جـ.

في جـ : "فخلقتني".

زيادة من أ ، و.

تفسير الطبري (1/455).

(1/228)

مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي (1) صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على مُلْك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة ينطق لهم : الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع مُلْكه خازنا ، فسقط في صدره كبر ونطق : ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة. فلما سقط ذلك الكبر في نفسه (2) اطلع الله على ذلك منه. فنطق الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً نطقوا (3) : ربنا ، وماقد يكون ذلك الخليفة ،يا ترى؟ نطق :قد يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. نطقوا : ربنا ، { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ يعني : من شأن إبليس. فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فنطقت الأرض : إني أعوذ بالله منك حتى تَقْبض (4) مني أوتشينني فرجع ولم يأخذ ، ونطق : رب مني (5) عاذت بك فأعذتُها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فنطق كما نطق جبريل ، فبعث مَلَك الموت فعاذت منه. فنطق : وأنا أعوذ بالله حتى أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخَلَطَ ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنوآدم مختلفين ، فَصعِد به فَبَلَّ التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب : هوالذي يلتزق بعضه ببعض - ثم نطق للملائكة : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص : 71 ، 72 ] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له : تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه. فخلقه (6) بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم فزعا منه (7) إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة. فذلك حين يقول : { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [ الرحمن : 14 ] ويقول : لأمر ما خُلقت. ودخل من فيه فخرج من دبره ، ونطق للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم صَمَدٌ وهذا أجوف. لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل حتى ينفخ فيه الروح ، نطق للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه ، عَطِسَ ، فنطقت الملائكة : قل : الحمد لله. فنطق : الحمد لله ، فنطق له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة. فلما ولج الروح في (8) جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل حتى تبلغ (9) الروح رجليه عجلان (10) إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول تعالى : { خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء : 37 ]{ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر : 30 ، 31 ] أبى واستكبر وكان من الكافرين. نطق الله له : ما منعك حتى تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ،يا ترى؟ نطق : أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لمن (11) خلقته من طين. نطق الله له : اخرج منها فماقد يكون لك ، يعني : ما ينبغي لك { أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ

__________

في جـ ، ط ، ب : "رسول الله".

في جـ : "في صدره".

في طـ ، ب : "فنطقوا".

في أ ، و : "تنقص".

في جـ ، ط ، ب : "رب إنها".

في جـ ، ط : "بخلقه".

في جـ ، ب ، ط : "أشدهم منه فزعا".

في جـ : "إلى".

في جـ : "أن يدخل".

في جـ : "عجلا".

في جـ ، ب : "لبشر".

(1/229)

[الأعراف : 13] والصغار : هوالذل. نطق : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثم عرض الخلق على الملائكة { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ حتى بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فنطقوا (1) { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ نطق الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ نطق : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فهذا الذي أبدوا "وأفهم ما تكتمون" يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.

فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السُّدِّي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مُدْرَج (2) ليس من كلام الصحابة ، أوأنهم أخذوه من بعض الخط المتقدمة. والله أفهم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء ، ويقول : [هو] (3) على شرط البخاري.

والغرض حتى الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم ولج إبليس في خطابهم ؛ لأنه - وإن لم يكن من عُنْصرهم - إلا أنه كان قد (4) تشَبَّه بهم وتوسم بأفعالهم ؛ فلهذا ولج في الخطاب لهم ، وذم في مخالفة الأمر. وسنبسط المسألة إذا - شاء الله تعالى - عند قوله : { إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [ الكهف : 50 ].

ولهذا نطق : محمد بن إسحاق ، عن خلاد ، عن (5) عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس نطق : كان إبليس قبل حتى يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل (6) ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا ، وأكثرهم فهما ؛ فذلك نادىه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جِنًّا.

وفي رواية عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس - أومجاهد - عن ابن عباس ، أوغيره ، بنحوه.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد (7) بن سليمان ، حدثنا عباد - يعني : ابن العوام - عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس نطق : كان إبليس اسمه عزازيل (8) ، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد.

ونطق سُنَيْد (9) ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، نطق : نطق ابن عباس : كان (10) إبليس من أشراف (11) الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض.

إلى غير ذلك روى الضحاك وغيره عن ابن عباس ، سواء.

ونطق صالح مولى التَّوْأمة ، عن ابن عباس : إذا من الملائكة قَبيلا ينطق لهم : الجن ، وكان إبليس

__________

في أ ، و : "فنطقوا له".

في ب : "مدرجا".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "قد كان".

في جـ ، ط ، ب : "خلاد بن".

في جـ ، ط ، ب : "عزرائيل".

في ب : "سعد".

في جـ : "عزرائيل".

في جـ : "سعيد".

في جـ : "وكان".

في جـ : "من أشرف".

(1/230)

منهم ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما. رواه ابن جرير.

ونطق قتادة عن سعيد بن المسيب : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عدي بن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، نطق : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قَط ، وإنه لأصل الجن ، كما حتى آدم أصل الإنس. وهذا إسناد سليم عن الحسن. إلى غير ذلك نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء.

ونطق شَهْر بن حَوْشَب : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فمضى به إلى السماء ، رواه ابن جرير.

ونطق سُنَيْد بن داود : حدثنا هُشَيم ، أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن تام ، عن سعد (1) بن مسعود ، نطق : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة ، فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا ، فأبى إبليس. فلذلك نطق تعالى : { إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف : 50 ].

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا أبوعاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : إذا الله خلق خلقا ، فنطق : اسجدوا لآدم. فنطقوا : لا نعمل. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فنطق : "إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم. نطق : فأبوا. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق هؤلاء ، فنطق : اسجدوا لآدم ، نطقوا : نعم. وكان إبليس من أولئك الذين أبوا حتى يسجدوا لآدم (2). وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده ، فإن فيه رجلا مبهما ، ومثله لا يحتج به ، والله أفهم.

ونطق قتادة في قوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فكانت الطاعة لله ، والسجدة أكر الله آدم بها حتى أسجد له ملائكته.

ونطق في قوله تعالى : { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ حسد عدوالله إبليسُ آدمَ ، عليه السلام ، على ما أعطاه الله من الكرامة ، ونطق : أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ ، وكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدوُّ الله حتى يسجد لآدم ، عليه السلام.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا أبوأسامة ، حدثنا صالح بن حيان ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة : قوله تعالى : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ من الذين أبوا ، فأحرقتهم النار.

ونطق أبوجعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ يعني : من العاصين.

ونطق السدي : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ الذين لم يخلقهم الله يومئذقد يكونون بعد.

__________

في جـ "سعيد".

تفسير الطبري (1/508).

(1/231)

ونطق محمد بن كعب القُرَظِيُّ : ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره إلى ما أبدى عليه خلقه من الكفر ، نطق الله تعالى : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ

ونطق بعض الناس : كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام ، كما نطق تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [ يوسف : 100] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، نطق معاذ (1) : قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وفهمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق حتى يسجد لك ، فنطق : "لا لوكنت آمرا بشرا حتى يسجد لبشر لأمرت المرأة حتى تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" (2) ورجحه الرازي ، ونطق بعضهم : بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما نطق : { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء : 78 ] وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر حتى القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وسلامًا ، وهي طاعة لله ، عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر : حتى المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهوضعيف كما نطق.

قلت : وقد ثبت في السليم : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثنطق حبة خردل من كبر" (3) وقد كان في قلب إبليس من الكبر - والكفر - والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس ؛ نطق بعض المعربين : وكان من الكافرين أي : وصار من الكافرين بسبب امتناعه ، كما نطق : { فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [ هود : 43] ونطق { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [ البقرة : 35 ] ونطق الشاعر :

بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها...

أي : قد صارت ، ونطق ابن فورك : تقديره : وقد كان في فهم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي ، وذكر هاهنا مسألة فنطق : نطق فهماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه. ثم استدل على ما نطق : بأنا لا نبتر بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافي الله بالإيمان ، وهولا يبتر لنفسه بذلك ، يعني والولي الذي يبتر له بذلك في نفس الأمر.

قلت : وقد استدل بعضهم على حتى الخارق قد يحدث على يدي غير الولي ، بل قد يحدث على يد الفاجر والكافر ، أيضا ، بما ثبت عن ابن صياد أنه نطق : هوالدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان :عشرة ] ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بماقد يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء حتى تمطر فتمطر ، والأرض حتى تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض

__________

في و : "معاوية".

رواه أحمد في المسند (5/227).

سليم مسلم برقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(1/232)

وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وقد نطق يونس بن عبد الأعلى الصدفي : قلت للشافعي : كان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فنطق الشافعي : قصر الليث ، رحمه الله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، وقد حكى فخر الدين وغيره قولين للفهماء : هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض ، أوعام بملائكة السماوات والأرض ، وقد رجح كلا من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم : { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ [ الحجر : 30 ، 31 ، ص : 73 ، 74 ] ، فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أفهم.

{ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

يقول الله تعالى إخبارا عما أكرم به آدم : بعد حتى أمر الملائكة (1) بالسجود له ، فسجدوا إلا إبليس : إنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ، ويأكل منها ما شاء (2) رَغَدًا ، أي : هنيئًا واسعًا طيبًا.

وروى الحافظ أبوبكر بن مَرْدُوَيه ، من حديث محمد بن عيسى الدامغاني ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ميكائيل ، عن ليث ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر : نطق : قلت : يا رسول الله ؛ أريت آدم ، أنبيًّا كان ،يا ترى؟ نطق : "نعم ، نبيا رسولا حدثه الله قِبَلا فنطق : { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ " (3).

وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم ، أهي في السماء أم في الأرض ،يا ترى؟ والأكثرون على الأول [وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض] (4) ، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف ، إذا شاء الله تعالى ، وسياق الآية يقتضي حتى حواء خلقت قبل دخول آدم (5) الجنة ، وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق ، حيث نطق : لما فرغ الله من معاتبة إبليس ، أقبل على آدم وقد عَلَّمه الأسماء كلها ، فنطق : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ إلى قوله : { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (6) نطق : ثم ألقيت السِّنَةُ على آدم - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل الفهم ، عن ابن عباس وغيره - ثم أخذ ضِلعًا من أضلاعه من شِقه الأيسر ، ولأم مكانه لحما ، وآدم نائم لم يهب من

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أمر ملائكته".

في جـ ، ط : "ما يشاء".

ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/10) من طريق أبي عمر الشامي ، عن عبيد الخشخاش ، عن أبي ذر بنحوه ، ورواه أبوالشيخ في العظمة برقم (1016) من طريق جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي ذر بنحوه ، ورواه أحمد في المسند(5/265) من طريق علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا بنحوه.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في ب ، و : "آدم إلى".

في أ : "وما كنتم تكتمون".

(1/233)

نومه ، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء ، فسواها امرأة ليسكن إليها. فلما كُشِفَ عنه السِّنَة وهبَّ من نومه ، رآها إلى جنبه ، فنطق - فيما يزعمون والله أفهم - : لحمي ودمي وروحي (1). فسكن إليها. فلما زوَّجَه الله ، وجعل له سكنا من نفسه ، نطق له قِبَلا { يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ

وينطق : إذا خلق حواء كان بعد دخوله الجنة ، كما نطق السدي في تفسيره (2) ، ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : أخرج إبليس من الجنة ، وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليه ، فنام نومة فاستيقظ ، وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : ما أنت ،يا ترى؟ نطقت : امرأة. نطق : ولم خلقت ،يا ترى؟ نطقت : لتسكن إلي. نطقت له الملائكة - ينظرون ما بلغ من فهمه - : ما اسمها يا آدم ،يا ترى؟ نطق : حواء. نطقوا : ولم سميت حواء ،يا ترى؟ نطق : إنها خلقت من شيء حي. نطق الله : { يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا

وأما قوله : { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فهواختبار من الله تعالى وامتحان لآدم. وقد اختلف في هذه الشجرة : ما هي ؟

فنطق السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : الشجرة التي نهي عنها آدم ، عليه السلام ، هي الكَرْم. وكذا نطق سعيد بن جبير ، والسدي ، والشعبي ، وجَعْدة بن هُبَيرة ، ومحمد بن قيس.

ونطق السدي - أيضا - في خبر ذكره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ هي الكرم. وتزعم يهود أنها الحنطة.

ونطق ابن جرير وابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، حدثنا أبويحيى الحِمَّاني ، حدثنا النضر أبوعمر الخراز ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، نطق : الشجرة التي نُهِي عنها آدم ، عليه السلام ، هي السنبلة.

ونطق عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : هي السنبلة.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن رجل من أهل الفهم ، عن حجاج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، نطق : هي البر.

ونطق ابن جرير : وحدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا القاسم ، حدثني

__________

في جـ ، ب ، أ ، و : "وزوجتي".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "في خبر".

(1/234)

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)

رجل من بني تميم ، حتى ابن عباس خط إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها آدم. فخط إليه أبوالجلد : سألتني عن الشجرة التي نُهِي عنها آدم ، عليه السلام ، وهي السنبلة ، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة (1).

وكذلك فسره الحسن البصري ، ووهب بن مُنَبَّه ، وعطية العَوفي ، وأبومالك ، ومحارب (2) بن دِثَار ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل اليمن ، عن وهب بن منبه : أنه كان يقول : هي البُر ، ولكن الحبة منها في الجنة ككُلَى البقر ، ألين من الزبد وأحلى من العسل.

ونطق سفيان الثوري ، عن حصين ، عن أبي مالك : { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ نطق : النخلة.

ونطق ابن جرير ، عن مجاهد : { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ نطق : تينة. وبه نطق قتادة وابن جريج.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : كانت الشجرة من أكل منها أحدث ، ولا ينبغي حتىقد يكون في الجنة حَدَثٌ ، ونطق عبد الرزاق : حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهْرِب (3) نطق : سمعت وهب بن منبه يقول : لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ، ونهاه عن أكل الشجرة ، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من (4) بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ، وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.

فهذه أقوال ستة في تفسير (5) هذه الشجرة.

نطق الإمام العلامة أبوجعفر بن جرير ، رحمه الله (6) : والصواب في ذلك حتى ينطق : إذا الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة ، دون سائر أشجارها (7) ، فأكلا منها ، ولا فهم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين ،يا ترى؟ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة السليمة. وقد قيل : كانت شجرة البر. وقيل : كانت شجرة العنب ، وقيل : كانت شجرة التين. وجائز حتى تكون واحدة منها ، وذلك عِلْمٌ ، إذا فهم ينفع العالمَ به فهمُه ، وإن جهله جاهلٌ لم يضرَّه جهله به ، والله أفهم. [وكذلك رجح الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره ، وهوالصواب] (8).

{ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)

وقوله تعالى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا يصح حتىقد يكون الضمير في قوله : { عَنْهَا عائدا إلى

__________

تفسير الطبري (1/517).

في جـ : "مجاهد".

في جـ : "مهدي".

في جـ ، ط ، ب : "في".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "تعيين".

تفسير الطبري (1/520 ، 521).

في جـ : "سائر الأشجار".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

(1/235)

الجنة ، فيكون معنى الكلام كما نطق (1) [حمزة و] (2) عاصم بن بَهْدلَة ، وهوابن أبي النَّجُود ، فأزالهما ، أي : فنجَّاهما. ويصح حتىقد يكون عائدا على أقرب المذكورين ، وهوالشجرة ، فيكون معنى الكلام كما نطق الحسن وقتادةُ { فأزلهما أي : من قبيل (3) الزلل ، عملى هذاقد يكون تقدير الكلام { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا أي : بسببها ، كما نطق تعالى : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات :تسعة ] أي : يصرف بسببه من هومأفوك ؛ ولهذا نطق تعالى : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ أي : من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة.

{ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ أي : قرار وأرزاق وآجال { إِلَى حِينٍ أي : إلى وقت مؤقت ومقدار معين ، ثم تقوم القيامة.

وقد ذكر المفسرون من السلف كالسُّدِّي بأسانيده ، وأبي العالية ، ووهب بن مُنَبِّه وغيرهم ، هاهنا أخبارا إسرائيلية عن سيرة الحَيَّة ، وإبليس ، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته ، وسنبسط ذلك إذا شاء الله ، في سورة الأعراف ، فهناك السيرة أبسط منها هاهنا ، والله الموفق.

وقد نطق ابن أبي حاتم هاهنا : حدثنا علي بن الحسن بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم رجلا طُوَالا كثير شعر الرأس ، كأنه نخلة سَحُوق ، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته ، فلما نظر إلى عورته جعل يَشْتَد (4) في الجنة ، فأخذت شَعْرَه شجرةٌ ، فنازعها ، فناداه الرحمن : يا آدم ، مني تَفِرُّ! فلما سمع كلام الرحمن نطق : يا رب ، لا ولكن استحياء" (5).

نطق : وحدثني جعفر بن أحمد بن الحكم القومشي (6) سنة أربع وخمسين ومائتين ، حدثنا سليم (7) بن منصور بن عمار ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي بن كعب ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما ذاق آدم من الشجرة فَرَّ هاربا ؛ فتعلقت شجرة بشعره ، فنودي : يا آدم ، أفِرارًا مني ،يا ترى؟ نطق : بل حَيَاء منك ، نطق : يا آدم اخرج من جواري ؛ فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني ، ولوخلقت مِثْلَك ملء الأرض خَلْقًا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين" (8).

هذا حديث غريب ، وفيه انقطاع ، بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب ، رضي الله عنهما (9).

ونطق الحاكم : حدثنا أبوبكر بن بَالُويه (10) ، عن محمد بن أحمد بن النضر ، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة ، عن عَمَّار بن معاوية البَجَلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : ما أسكن

__________

في جـ ، ط : "كما قرأ".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط ، ب : "من قبل".

في جـ : "يستدير".

تفسير ابن أبي حاتم (1/129).

في هـ : "القرشي".

في هـ : "سليمان".

تفسير ابن أبي حاتم (1/130).

في جـ ، ب ، و : "عنه".

في جـ : "مالويه".

(1/236)

آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. ثم نطق : سليم على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.

ونطق عبد بن حميد في تفسيره : حدثنا رَوح ، عن هشام ، عن الحسن ، نطق : لبث آدم في الجنة ساعة من نهار ، تلك الساعة ثلاثون ومائة سنة من أيام الدنيا.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، نطق : خرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أوالعاشرة ، فأخرج آدم معه غصنًا من شجر الجنة ، على رأسه تاج من شجر الجنة وهوالإكليل من ورق الجنة.

ونطق السدي : نطق الله تعالى : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فهبطوا فنزل آدم بالهند ، ونزل معه الحجر الأسود ، وقبضة (1) من ورق الجنة فبثه بالهند ، فنبتت شجرة الطيب ، فإنما أصل ما ياتى به من الهند من الطيب من قبضة الورق التي هبط بها آدم ، وإنما قبضها آدم أسفا على الجنة حين أخرج منها (2).

ونطق عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : أهبط آدم من الجنة بِدَحْنا ، أرض الهند.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوزُرْعَة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد عن ابن عباس نطق : أهبط آدم ، عليه السلام ، إلى أرض ينطق لها : دَحْنا ، بين مكة والطائف.

وعن الحسن البصري نطق : أهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدَسْتُمِيسان (3) من البصرة على أميال ، وأهبطت الحية بأصبهان. رواه ابن أبي حاتم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا عمروبن أبي قيس ، عن ابن عدي (4) ، عن ابن عمر ، نطق : أهبط آدم بالصفا ، وحواء بالمروة

ونطق راتى بن سلمة : أهبط آدم ، عليه السلام ، يداه على ركبتيه مطأطئًا رأسه ، وأهبط إبليس مشبكا بين صابعه رافعا رأسه إلى السماء.

ونطق عبد الرزاق : نطق مَعْمَر : أبلغني عَوْف عن قَسَامة بن زهير ، عن أبي موسى ، نطق : إذا الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض ، عَلَّمه صنعة جميع شيء ، وزوده من ثمار الجنة ، فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير حتى هذه تتغير وتلك لا تتغير (5).

ونطق الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم :

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فأنزل معه بالحجر الأسود ويقبضه".

في جـ ، ط ، ب : "وإنما قبضها آدم حين أخرج من الجنة أسفا على الجنة حين أخرج منها".

في و : "بدسمت ميسان".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "عمروبن أبي قيس عن الزبير عن ابن عدي".

تفسير عبد الرزاق (1/66).

(1/237)

فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها" رواه مسلم والنسائي (1).

ونطق فخر الدين : افهم حتى في هذه الآيات تهديدًا عظيما عن جميع المعاصي من وجوه : الأول : حتى من تصور ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة كان على وجل شديد من المعاصي ، نطق الشاعر :

يا ناظرا يرنوبعيني راقد ومشاهدا للأمر غير مشاهد...

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي... درج الجنان ونيل فوز العابد...

أنسيت ربك حين أخرج آدما... منها إلى الدنيا بذنب واحد...

نطق فخر الدين عن فتح الموصلي أنه نطق : كنا قوما من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا ، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها. فإن قيل : فإذا كانت جنة آدم التي أسكنها في السماء كما يقوله الجمهور من الفهماء ، فكيف يمكن إبليس من دخول الجنة ، وقد طرد من هنالك طردًا قدريًّا ، والقدري لا يخالف ولا يمانع ،يا ترى؟ فالجواب : حتى هذا بعينه استدل به من يقول : إذا الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء ، وقد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية ، وأجاب الجمهور بأجوبة ، أحدها : أنه منع من دخول الجنة مكرما ، فأما على وجه الردع والإهانة ، فلا يمتنع ؛ ولهذا نطق بعضهم : كما اتى في التوراة أنه ولج في فم الحية إلى الجنة ، وقد نطق بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهوخارج باب الجنة ، ونطق بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهوفي الأرض ، وهما في السماء ، ذكرها الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي هاهنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك ، فأجاد وأفاد (2).

{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

قيل : إذا هذه (3) الحدثات مفسرة بقوله تعالى : { قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ الأعراف : 23 ] روي هذا عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب القُرَظي ، وخالد بن مَعْدان ، وعطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ونطق أبوإسحاق السَّبِيعي ، عن رجل من بني تميم ، نطق : أتيت ابن عباس ، فسألته : [قلت] (4) : ما الحدثات التي تلقى آدم من ربه ،يا ترى؟ نطق : عُلم [آدم] (5) شَأنَ الحج.

__________

سليم مسلم برقم (854) وسنن النسائي (3/89).

تفسير القرطبي (1/313 - 317).

في جـ ، ط : "هؤلاء.

زيادة من طـ ، ب ، و.

زيادة من جـ.

(1/238)

ونطق سفيان الثوري ، عن عبد العزيز بن (1) رُفَيع ، أبلغني من سمع عبيد بن عُمَير ، وفي رواية : [نطق] (2) : أبلغني مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، أنه نطق : نطق آدم : يا رب ، خطيئتي التي أخطأت شيء خطتُه علي قبل حتى تخلقني ، أوشيء ابتدعته من قبل نفسي ،يا ترى؟ نطق : بل شيء خطته عليك قبل حتى أخلقك. نطق : فكما خطته علي فاغفر (3) لي. نطق : فذلك قوله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ

ونطق السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : فتلقى آدم من ربه حدثات ، نطق : نطق آدم ، عليه السلام : يا رب ، ألم تخلقني بيدك ،يا ترى؟ قيل (4) له : بلى. ونفخت في من روحك ،يا ترى؟ قيل (5) له : بلى. وعَطستُ فقلتَ : يرحمك الله ، وسبقت رحمتُك غَضبَك ،يا ترى؟ قيل (6) له : بلى ، وخطت عليّ حتى أعمل هذا ،يا ترى؟ قيل (7) له : بلى. نطق : أفرأيت إذا تبتُ هل أنت راجعي إلى الجنة ،يا ترى؟ نطق : نعم.

إلى غير ذلك رواه العوفي ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن مَعْبَد ، عن ابن عباس ، بنحوه. ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، ونطق : سليم الإسناد ، ولم يخرجاه (8) إلى غير ذلك فسره السدي وعطية العَوْفي.

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا شبيهًا بهذا فنطق : حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نطق آدم ، عليه السلام : أرأيت يا رب إذا تبتُ ورجعتُ ، أعائدي إلى الجنة ،يا ترى؟ نطق : نعم. فذلك قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ (9).

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ نطق : إذا آدم لما أصاب الخطيئة نطق : يا رب ، أرأيت إذا تبت وأصلحت ،يا ترى؟ نطق الله : إذن أرجعك إلى الجنة فهي من الحدثات. ومن الحدثات أيضا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف : 23].

ونطق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أنه كان يقول في قول الله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ نطق : الحدثات : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فارحمني ، إنك (10) خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فتب علي ، إنك أنت التواب الرحيم.

__________

في جـ : "عن".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ ، ب : "فاغفره".

في جـ : "نطق".

في جـ : "نطق".

في جـ : "نطق".

في جـ : "نطق".

المستدرك (2/545).

تفسير ابن أبي حاتم (1/135).

في جـ : "فاغفر لي أنت".

(1/239)

@ 1 - 240

وقوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أي : إنه يتوب على من تاب إليه وأناب ، كقوله : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [ التوبة : 104] وقوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء : 11] ، وقوله : { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [ الفرقان : 71 ] وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى يغفر الذنوب ويتوب على من يتوب وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده ، لا إله إلا هوالتواب الرحيم.

وذكرنا في المسند الكبير من طريق سليمان بن سليم عن ابن بريدة وهوسليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، ثم نطق : اللهم إنك تفهم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتفهم حاجتي فأعطني سؤلي ، وتفهم ما عندي فاغفر ذنوبي ، أسألك إيمانا يباشر قلبي ، ويقينا صادقا حتى أفهم أنه لن يصيبني إلا ما خطت لي. نطق فأوحى الله إليه إنك قد دعوتني بنادىء أستجيب لك فيه ولمن يدعوني به ، وفرجت همومه وغمومه ، ونزعت فقره من بين عينيه ، وأجرت له من وراء جميع تاجر زينة الدنيا وهي حدثات عهد وإن لم يزدها" رواه الطبراني في معجمه الكبير (1).

__________

جامع المسانيد والسنن برقم (742) ولم أقع عليه في المطبوع من المعجم الكبير.

(1/240)

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)

{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)

يقول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حتى (1) أهبطهم من الجنة ، والمراد الذرية : أنه سينزل الخط ، ويبعث الأنبياء والرسل ؛ كما نطق أبوالعالية : الهُدَى الأنبياء والرسل والبيان ، ونطق مقاتل بن حَيَّان : الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. ونطق الحسن : الهدى القرآن. وهذان القولان سليمان ، وقول أبي العالية أعَمّ.

{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ أي : من أقبل على ما أنزلت به الخط وأوفدت به الرسل { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي : فيما يستقبلونه من أمر الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من أمور الدنيا ، كما نطق في سورة طه : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه : 123 ] نطق ابن عباس : فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه : 124 ] كما نطق هاهنا : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي : مخلدون فيها ، لا محيد لهم عنها ، ولا محيص.

وقد أورد ابن جرير ، رحمه الله ، هاهنا حديثا ساقه من طريقين ، عن أبي مَسْلَمة سعيد بن يزيد ،

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "حين".

(1/240)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)

عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطْعَة (1) عن أبي سعيد - ومسماه سعد بن مالك بن سِنَان الخُدْري - نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، لكن أقواماً أصابتهم النار بخطاياهم ، أوبذنوبهم فأماتتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحماً أذنَ في الشفاعة". وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة به (2).

[وذكر هذا الإهباط الثاني لما تعلق به ما بعده من المعنى المغاير للأول ، وزعم بعضهم أنه تأكيد وتكرير ، كما تقول : قم قم ، ونطق آخرون : بل الإهباط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا ، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض ، والسليم الأول ، والله تعالى أفهم بأسرار كتابه] (3).

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)

يقول تعالى آمرا بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ، ومُهَيجًا لهم بذكر أبيهم إسرائيل ، وهونبي الله يعقوب ، عليه السلام ، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، اعمل كذا. يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب الفهم ونحوذلك.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء : 3] فإسرائيل هويعقوب عليه السلام ، بدليل ما رواه أبوداود الطيالسي : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حَوشب ، نطق : حدثني عبد الله بن عباس نطق : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فنطق لهم : "هل تفهمون حتى إسرائيل يعقوب ؟". نطقوا : اللهم نعم. فنطق النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم اشهد (4) " (5) ونطق الأعمش ، عن إسماعيل بن راتى ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس ؛ حتى إسرائيل كقولك : عبد الله.

وقوله تعالى : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ نطق مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سِوَى ذلك ، فَجَّر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون.

__________

في جـ : "قصعة".

تفسير الطبري (1/552) وسليم مسلم برقم (185).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "اللهم فاشهد".

رواه أحمد في المسند (1/273) عن حسين ، عن عبد الحميد بن بهرام به.

(1/241)

ونطق أبوالعالية : نعمته حتى جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الخط.

قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم : { يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة : 20] يعني في زمانهم.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي : بلائي عندكم وعند آبائكم لِمَا كان نجاهم به من فرعون وقومه { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ نطق : بعهدي الذي أخذت في (1) أَعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اتىكم. { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي : أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم.

[ونطق الحسن البصري : هوقوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ الآية [المائدة : 12]. ونطق آخرون : هوالذي أخذه الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبيًا عظيما يطيعه جميع الشعوب والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غُفر له ذنبه وأدخل الجنة وجعل له أجران. وقد أورد فخر الدين الرازي هاهنا بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم] (2).

ونطق أبوالعالية : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي نطق : عهده إلى عباده : دينه الإسلام حتى يتبعوه.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ نطق : أرْض عنكم وأدخلكم الجنة.

وكذا نطق السدي ، والضحاك ، وأبوالعالية ، والربيع بن أنس.

وقوله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ أي : فاخشون ؛ نطقه أبوالعالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة.

ونطق ابن عباس في قوله تعالى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ أي أنزل بكم ما أنزل (3) بمن كان قبلكم من آبائكم من النَّقِمَات التي قد عهدتم من المسخ وغيره.

وهذا انتنطق من الترغيب إلى الترهيب ، فنادىهم إليه بالرغبة والرهبة ، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره ، وامتثال أوامره ، وتصديق أخباره ، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم ؛ ولهذا (4) نطق : { وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ [ { مُصَدِّقًا ماضيًا منصوبًا على الحال من { بِمَا أي : بالذي أنزلت مصدقًا أومن الضمير المحذوف من قولهم : بما أنزلته مصدقًا ، ويجوز حتىقد يكون مصدرًا من غير العمل وهوقوله : { بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِقًا ] (5) يعني به : القرآن الذي أنزله على محمد النبي الأمي العربي بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا مشتملا على الحق من الله

__________

في جـ ، ط ، ب : "من".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب : "ما أنزلت".

في جـ : "فلهذا".

زيادة من جـ ، ب ، و.

(1/242)

تعالى ، مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

نطق أبوالعالية ، رحمه الله ، في قوله : { وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم يقول : لأنهم يجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحوذلك.

وقوله : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ [نطق بعض المفسرين : أول فريق كافر به ونحوذلك] (1). نطق ابن عباس : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وعندكم فيه من الفهم ما ليس عند غيركم.

ونطق أبوالعالية : يقول : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ [كَافِرٍ بِهِ أول] (2) من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم [يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعهم بمحمد وبمبعثه] (3).

وكذا نطق الحسن ، والسدي ، والربيع بن أنس.

واختار ابن جرير حتى الضمير في قوله : { بِهِ عائد على القرآن ، الذي تقدم ذكره في قوله : { بِمَا أَنزلْتُ

وكلا القولين سليم ؛ لأنهما متلازمان ، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن.

وأما قوله : { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل ؛ لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بَشر كثير ، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم.

وقوله : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، كما نطق عبد الله بن المبارك : أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن هارون بن زيد (4) نطق : سُئِل الحسن ، يعني البصري ، عن قوله تعالى : { ثَمَنًا قَلِيلا نطق : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها.

ونطق ابن لَهِيعة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وإن آياته : كتابه الذي أنزله (5) إليهم ، وإن الثمن القليل : الدنيا وشهواتها.

ونطق السدي : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا يقول : لا تأخذوا طمعًا قليلا ولا تكتموا (6) اسم

__________

زيادة من جـ ، ب ، و.

زيادة من جـ.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بن يزيد".

في جـ : "آياته التي أنزل".

في جـ ، ب : "وتكتموا".

(1/243)

الله لذلك الطمع وهوالثمن.

ونطق أبوجعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا يقول : لا تأخذوا عليه أجرًا. نطق : وهومكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم عَلِّم مَجَّانا كما عُلِّمت مَجَّانا.

وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر الفهم النافع في الناس بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب ، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تفهم فهمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتفهمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة" (1) وأما تعليم الفهم بأجرة ، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز حتى يأخذ عليه أجرة ، ويجوز حتى يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله ، فإن لم يحصل له منه شيء وبتره التعليم عن التكسب ، فهوكما لم يتعين عليه ، وإذا لم يتعين عليه ، فإنه يجوز حتى يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور الفهماء ، كما في سليم البخاري عن أبي سعيد في سيرة اللديغ : "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" (2) وقوله في سيرة المخطوبة : "زوجتكها بما معك من القرآن" (3) فأما حديث عبادة بن الصامت ، أنه فهم رجلا من أهل الصفة شيئًا من القرآن فأهدى له قوسًا ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق : "إن أحببت حتى تطوق بقوس من نار فاقبله" فهجره ، رواه أبوداود (4) وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعًا (5) فإن صح إسناده فهومحمول عند كثير من الفهماء منهم : أبوعمر بن عبد البر على أنه لما فهمه الله لم يجز بعد هذا حتى يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس ، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة ، والله أفهم.

{ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوعمر الدوري ، حدثنا أبوإسماعيل المؤدب ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية ، عن طلق بن حبيب ، نطق : التقوى حتى تعمل بطاعة الله راتى رحمة الله على نور من الله ، والتقوى حتى تهجر معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله.

ومعنى قوله : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه (6) ومخالفتهم الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه.

__________

سنن أبي داود برقم (3664).

سليم البخاري برقم (5007) وهذا اللفظ هولفظ حديث ابن عباس.

رواه البخاري في سليمه برقم (5149) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

سنن أبي داود برقم (3416).

رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/125) من طريق عبد الرحمن بن أبي مسلم ، عن عطية بن قيس ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه به مرفوعا ، وهومنبتر.

في أ : "وإظهاره الباطل".

(1/244)

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)

{ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)

يقول تعالى ناهيًا لليهود عما كانوا يتعمدونه ، من تلبيس (1) الحق بالباطل ، وتمويهه به (2) وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3) فنهاهم عن الشيئين معًا ، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به ؛ ولهذا نطق الضحاك ، عن ابن عباس { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب.

ونطق أبوالعالية : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ يقول : ولا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ويروى (4) عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس ، نحوه.

ونطق قتادة : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [نطق] (5) ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ؛ إذا دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله.

وروي عن الحسن البصري نحوذلك.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي : لا تكتموا ما عندكم من الفهم برسولي وبما اتى به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تفهمون من الخط التي بأيديكم. وروي عن أبي العالية نحوذلك.

ونطق مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم.

[قلت : { وَتَكْتُمُوا يحتمل حتىقد يكون مجزومًا ، ويجوز حتىقد يكون منصوبًا ، أي : لا تجمعوا بين هذا وهذا كما ينطق : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. نطق الزمخشري : وفي مصحف ابن مسعود : "وتكتمون الحق" أي : طالما كتمانكم الحق وأنتم تفهمون حال أيضًا ، ومعناه : وأنتم تفهمون الحق ، ويجوز حتىقد يكون المعنى : وأنتم تفهمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى حتى سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروّجوه عليهم ، والبيان الإيضاح وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل] (6).

{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ نطق مقاتل : قوله تعالى لأهل الكتاب : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أمرهم حتى يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم { وَآتُوا الزَّكَاةَ أمرهم حتى يؤتوا الزكاة ، أي : يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أمرهم حتى يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

__________

في جـ ، ط ، ب : "تلبيسهم".

في جـ ، ب : "تمويههم".

في جـ : "وتكتمون" وهوخطأ.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وروي".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/245)

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)

يقول : كونوا منهم ومعهم.

ونطق علي بن طلحة ، عن ابن عباس : [ { وَآتُوا الزَّكَاةَ ] (1) يعني بالزكاة : طاعة الله والإخلاص.

ونطق وَكِيع ، عن أبي جَنَاب ، عن عِكْرِمة عن ابن عباس ، في قوله : { وَآتُوا الزَّكَاةَ نطق : ما يوجب الزكاة ،يا ترى؟ نطق : مائتان فصاعدا.

ونطق مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله تعالى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ نطق : فريضة واجبة ، لا تنفع الأعمال إلا بها وبالصلاة.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوزُرْعَة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن أبي حيان [العجمي] (2) التيمي ، عن الحارث العُكلي في قوله : { وَآتُوا الزَّكَاةَ نطق : صدقة الفطر.

وقوله تعالى : { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أي : وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم ، ومن أخص ذلك وأكمله (3) الصلاة.

[وقد استدل كثير من الفهماء بهذه الآية على وجوب الجماعة ، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إذا شاء الله ، وقد تحدث القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد] (4).

{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)

يقول تعالى : كيف من الممكن أن يليق بكم - يا معشر أهل الكتاب ، وأنتم تأمرون الناس بالبر ، وهوجماع الخير - حتى تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به ، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب ، وتفهمون ما فيه على من قَصر في أوامر الله ،يا ترى؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم ؛ فتنتبهوا من رَقدتكم ، وتتبصروا من عمايتكم. وهذا كما نطق عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن قتادة في قوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ نطق : كان بنوإسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه ، وبالبر ، ويخالفون ، فَعَيّرهم الله ، عز وجل. وكذلك نطق السدي.

ونطق ابن جريج : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أي : تهجرون أنفسكم { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ أي : تنهون الناس عن الكفر بما

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب.

زيادة من جـ.

في أ ، و : "وأجمله".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/246)

عندكم من النبوة والعَهْد من التوراة ، وتهجرون أنفسكم ، أي : وأنتم (1) تكفرون بما فيها من عَهْدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تفهمون (2) من كتابي.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس في هذه الآية ، يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما أمرتم (3) به من إقام الصلاة ، وتنسون أنفسكم.

ونطق أبوجعفر بن جرير : حدثني علي بن الحسن ، حدثنا مُسلم الجَرْمي ، حدثنا مَخْلَد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قِلابة في قول الله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ نطق : نطق أبوالدرداء : لا يفقه الرجل جميع الفقه حتى يمقُت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتًا.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية : هؤلاء اليهود إذا اتى الرجل يسألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق ، فنطق الله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ

والغرض حتى الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم (4) في حق أنفسهم ، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يعملونه ، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع هجرهم له ، بل على هجرهم له ، فإن الأمر بالمعروف [معروف] (5) وهوواجب على العالم ، ولكن [الواجب و] (6) الأولى بالعالم حتى يعمله مع أمرهم به ، ولا يتخلف عنهم ، كما نطق شعيب ، عليه السلام : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود : 88]. فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وعمله واجب ، لا يسقط أحدهما بهجر الآخر على أصح قولي الفهماء من السلف والخلف. ومضى بعضهم إلى حتى مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف ، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية ؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والسليم حتى العالم يأمر بالمعروف ، وإن لم يعمله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، [نطق مالك عن ربيعة : سمعت سعيد بن جبير يقول له : لوكان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لاقد يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. ونطق مالك : وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ،يا ترى؟ قلت] (7) ولكنه - والحالة هذه - مذموم على هجر (8) الطاعة وعمله المعصية ، لفهمه بها ومخالفته على بصيرة ، فإنه ليس من يفهم كمن لا يفهم ؛ ولهذا اتىت الأحاديث في الوعيد على ذلك ، كما نطق الإمام أبوالقاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي المعمري ، نطقا حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا علي

__________

في جـ : "أي أنتم".

في جـ : "بما تعملون".

في جـ : "مما أمرتكم".

في جـ : "خطاياهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، أ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ب : "على هجره".

(1/247)

بن سليمان الكلبي ، حدثنا الأعمش ، عن أبي تَميمة الهُجَيمي ، عن جندب بن (1) عبد الله ، رضي الله عنه ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل العالم الذي يفهم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه" (2).

هذا حديث غريب من هذا الوجه.

حديث آخر : نطق الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا وَكِيع ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد هوابن جنادىن ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تُقْرَض بمقاريض (3) من نار. نطق : قلت : من هؤلاء ؟" نطقوا : خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ،يا ترى؟ (4).

ورواه عبد بن حميد في مسنده ، وتفسيره ، عن الحسن بن موسى ، عن حماد بن سلمة به.

ورواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث يونس بن محمد المؤدب ، والحجاج بن مِنْهَال ، كلاهما عن حماد بن سلمة ، به.

وكذا رواه يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة به.

ثم نطق ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم التستري ببلخ ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عمر بن قيس ، عن علي بن زيد (5) عن ثمامة ، عن أنس ، نطق : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار. قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟" نطق : هؤلاء خطباء أمتك ، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

وأخرجه ابن حبان في سليمه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه - أيضًا - من حديث هشام الدَّستَوائيّ ، عن المغيرة - يعني ابن حبيب - ختن مالك بن دينار ، عن مالك بن دينار ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك ، نطق : لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم تُقْرض شفاههم (6) ، فنطق : "يا جبريل ، من هؤلاء ؟" نطق : هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ؛ أفلا يعقلون ،يا ترى؟ (7).

حديث آخر : نطق الإمام أحمد : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، نطق : قيل لأسامة - وأنا رديفه - : ألا تحدث عثمان ،يا ترى؟ فنطق : إنكم تُرَون أني لا أحدثه إلا أسمعكم. إني لا أحدثه فيما بيني وبينه ما دون حتى أفتتح أمرًا - لا أحب حتى أكون أول من افتتحه ، والله لا أقول لرجل

__________

في جـ : "عن".

المعجم الكبير (2/165) ونطق الهيثمي في المجمع (1/185) : "رجاله موثقون".

في جـ ، ب : "تقرض شفاههم بمقاريض".

المسند (3/120).

في أ : "بن يزيد".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "تقرض من شفاههم".

سليم ابن حبان برقم (35) "موارد" وتفسير ابن أبي حاتم (1/151).

(1/248)

إنك خير الناس. وإن كان عليّ أميرًا - بعد حتى (1) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، نطقوا : وما سمعته يقول ،يا ترى؟ نطق : سمعته يقول : "يُجَاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق به أقتابه (2) ، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهلُ النار ، فيقولون : يا فلان ما أصابك ،يا ترى؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ،يا ترى؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (3).

ورواه البخاري ومسلم ، من حديث سليمان بن مِهْرَان الأعمش ، به نحوه (4).

[ونطق أحمد : حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي الفهماء" (5). وقد ورد في بعض الآثار : أنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة ، ليس من يفهم كمن لا يفهم. ونطق تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوالألْبَابِ [الزمر : 9]. وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "إن أناسًا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون : بم دخلتم النار ،يا ترى؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تفهمنا منكم ، فيقولون : إنا كنا نقول ولا نعمل" (6) رواه من حديث الطبراني عن أحمد بن يحيى بن حيان (7) الرقي عن زهير بن عباد الرواسي عن أبي بكر الداهري (8) عن عبد الله بن حكيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الوليد بن عقبة فذكره] (9).

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : إنه اتىه رجل ، فنطق : يا ابن عباس ، إني أريد حتى آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، نطق : أوبلغت ذلك ،يا ترى؟ نطق : أرجو. نطق : إذا لم تخش حتى تفْتَضَح بثلاث آيات من كتاب الله فاعمل. نطق : وما هن ،يا ترى؟ نطق : قوله عز وجل (10) { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أحكمت هذه ،يا ترى؟ نطق : لا. نطق : فالحرف الثاني. نطق : قوله تعالى : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف : 2 ، 3] أحكمت هذه ،يا ترى؟ نطق : لا. نطق : فالحرفَ الثالث. نطق : قول العبد الصالح شعيب ، عليه السلام : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود : 88] أحكمت هذه الآية ،يا ترى؟ نطق : لا. نطق : فابدأ بنفسك.

رواه ابن مردويه في تفسيره.

ونطق الطبراني (11) حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا زيد بن الحريش ، حدثنا عبد الله بن خِرَاش ، عن العوام بن حوشب ، عن [سعيد بن] (12) المسيب بن رافع ، عن ابن عمر ، نطق : نطق رسول الله

__________

في جـ ، ب : "إذ".

في جـ : "شفتاه".

المسند (5/205).

سليم البخاري برقم (3267) وسليم مسلم برقم (2989).

ورواه أبونعيم في الحلية (2/7) من طريق الإمام أحمد ونطق : "هذا حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر ، ولم نخطه إلا من حديث أحمد بن حنبل". ونطق عبد الله بن أحمد : "هذا حديث منكر حدثني به أبي ، وما حدثني به إلا مرة".

انظر : مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (26/336).

في جـ : "حماد" ، والصواب ما أثبتناه.

في جـ : "الزاهري" ، والصواب ما أثبتناه.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "قوله تعالى".

في أ : "القرطبي".

زيادة من ط ، أ ، و.

(1/249)

صلى الله عليه وسلم : "من نادى الناس إلى قول أوعمل ولم يعمل هوبه لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أويعمل ما نطق ، أونادى إليه" (1).

إسناده فيه ضعف ، ونطق إبراهيم النخعي : إني لأكره القصص لثلاث آيات قوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف : 2 ، 3] وقوله إخبارا عن شعيب : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود : 88].

وما أحسن ما نطق مسلم بن عمرو :

ما أقبح التزهيد من واعظ... يزهد الناس ولا يزهد...

لوكان في تزهيده صادقا... أضحى وأمسى بيته المسجد...

إن رفض الناس فما باله... يستفتح الناس ويسترقد...

الرزق مقسوم على من ترى... يسقى له الأبيض والأسود...

ونطق بعضهم : جلس أبوعثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فأطال السكوت ، ثم أنشأ يقول :

وغير تقي يأمر الناس بالتقى... طبيب يداوي والطبيب مريض...

نطق : فضج الناس بالبكاء. ونطق أبوالعتاهية الشاعر :

وصفت التقى حتى كأنك ذوتقى... وريح الخطايا من شأنك تبتر...

ونطق أبوالأسود الدؤلي :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا عملت عظيم...

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم...

فهناك يقبل إذا وعظت ويقتدى... بالقول منك وينفع التعليم...

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصري العابد الواعظ نطق : دعوت الله حتى يريني رفيقي في الجنة ، فقيل لي في المنام : هي امرأة في الكوفة ينطق لها : ميمونة السوداء ، فقصدت الكوفة لأراها. فقيل لي : هي ترعى غنما بواد هناك ، فجئت إليها فإذا هي قائمة تصلي والغنم ترعى

__________

ورواه أبونعيم في الحلية (2/7) من طريق الطبراني ، ونطق الهيثمي في المجمع (7/276) : "فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان ونطق : يخطئ ، وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله ثقات".

(1/250)

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُورَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)

حولها وبينهن الذئاب لا ينفرن منه ، ولا يسطوالذئاب عليهن. فلما سلمت نطقت : يا ابن زيد ، ليس الموعد هنا إنما الموعد ثَمّ ، فسألتها عن شأن الذئاب والغنم. فنطقت : إني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح ما بين الذئاب والغنم. فقلت لها : عظيني. فنطقت : يا عجبا من واعظ يوعظ ، ثم نطقت : يا ابن زيد ، إنك لووضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها ، يا ابن زيد ، إنه بلغني ما من عبد منح من الدنيا شيئا فابتغى إليه تائبا إلا سلبه الله حب الخلوة وبدله بَعْدَ القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثم أنشأت تقول :

يا واعظًا قام لا حساب... يزجر قوما عن الذنوب...

تنه عنه وأنت السقيم حقا... هذا من المنكر العجيب...

تنه عن الغي والتمادي... وأنت في النهي كالمريب...

لوكنت أصلحت قبل هذا... غيك أوتبت من قريب...

كان لما قلت يا حبيبي... موضع صدق من القلوب (1)

{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُورَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)

يقول تعالى (2) آمرًا عبيده ، فيما يؤمّلون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ، كما نطق مقاتل بن حَيَّان في تفسير هذه الآية : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة.

فأما الصبر فقيل : إنه الصيام ، نص عليه مجاهد.

[نطق القرطبي وغيره : ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث] (3).

ونطق سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن جُرَيّ بن كُليب ، عن رجل من بني سليم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "الصوم نصف الصبر".

وقيل : المراد بالصبر الكف عن المعاصي ؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها : عمل الصلاة.

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سِنان ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، نطق : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله.

__________

انظر : مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (15/253).

في جـ : "تعالى مخبرا".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/251)

[نطق] (1) وروي عن الحسن البصري نحوقول عمر.

ونطق ابن المبارك عن ابن لَهِيعة عن مالك بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، نطق : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه ، واحتسابه عند الله وراتى ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهويتجلد ، لا يرى (2) منه إلا الصبر.

ونطق أبوالعالية في قوله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ على سقماة الله ، وافهموا أنها من طاعة الله.

وأما قوله : { وَالصَّلاةِ فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما نطق تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ الآية [العنكبوت : 45].

ونطق الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، نطق : نطق عبد العزيز أخوحذيفة ، نطق حذيفة ، يعني ابن اليمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. ورواه أبوداود [عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي (3) ] (4).

وقد رواه ابن جرير ، من حديث ابن جُرَيج ، عن عِكْرِمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة ، نطق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (5).

[ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة ؛ وينطق : أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ونطق محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا سهل بن عثمان أبومسعود (6) العسكري ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نطق : نطق عكرمة بن عمار : نطق محمد بن عبد الله الدؤلي : نطق عبد العزيز : نطق حذيفة : رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهومشتمل في ضمة يصلي ، وكان إذا حزبه أمر صلى (7). وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا يقول : لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعوحتى أصبح (8) ] (9).

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ : "فلا يرى".

المسند (5/388) وسنن أبي داود برقم (1319).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

المسند (5/26).

في ط : "ابن مسعود" ، والصواب ما أثبتناه.

تعظيم قدر الصلاة برقم (212).

تعظيم قدر الصلاة برقم (213).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/252)

نطق ابن جرير : وروي عنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنه مر بأبي هريرة ، وهومنبطح على بطنه ، فنطق له : "اشكنب درد" [نطق : نعم] (1) نطق : "قم فصل فإن الصلاة شفاء" (2) [ومعناه : أيوجعك بطنك ،يا ترى؟ نطق : نعم] (3). نطق ابن جرير : وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم ، نطقا حدثنا ابن عُلَيَّة ، حدثنا عُيَينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : حتى ابن عباس نُعي إليه أخوه قُثَم وهوفي سفر ، فاسترجع ، ثم تنحَّى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهويقول : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (4).

ونطق سُنَيد ، عن حجاج ، عن ابن جرير : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ نطق : إنهما مَعُونتان على رحمة الله.

والضمير في قوله : { وَإِنَّهَا عائد إلى الصلاة ، نص عليه مجاهد ، واختاره ابن جرير.

ويحتمل حتىقد يكون عائدا على ما يشير عليه الكلام ، وهوالوصية بذلك ، كقوله تعالى في سيرة قارون : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ [القصص : 80] ونطق تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُوحَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت : 34 ، 35]أي : وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا { وَمَا يُلَقَّاهَا أي : يؤتاها ويلهمها { إِلا ذُوحَظٍّ عَظِيمٍ

وعلى جميع تقدير ، فقوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين. نطق ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المصدّقين بما أنزل الله. ونطق مجاهد : المؤمنين حقا. ونطق أبوالعالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، ونطق مقاتل بن حيان : إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين. ونطق الضحاك : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ نطق : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين (5) لطاعته ، الخائفين سَطَواته ، المصدقين بوعده ووعيده.

وهذا يشبه ما اتى في الحديث : "لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه" (6).

ونطق ابن جرير : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب ، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من رضا الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته.

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

تفسير الطبري (2/13) وانظر ما خطه المحقق الفاضل عن معنى : "اشكنب درد".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

تفسير الطبري (2/14).

في جـ : "الخاشعين".

رواه أحمد في المسند (5/231) من حديث معاذ رضي الله عنه.

(1/253)

هكذا نطق ، والظاهر حتى الآية وإن كانت خطابًا في سياق إنذار بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ، ولغيرهم. والله أفهم.

وقوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُورَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أوالوَصَاة (1) لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوربهم ، أي : [يفهمون أنهم] (2) محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سَهُل عليهم عملُ الطاعات وهجر المنكرات.

فأما قوله : { يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُورَبِّهِمْ نطق (3) ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنًا ، نظير تسميتهم الظلمة سُدْفة ، والضياء سُدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخًا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضدّه ، كما نطق دُرَيد بن الصِّمَّة :

فقلت لهم ظُنُّوا بألفي مُدَجَّجٍ... سَرَاتُهُم في الفَارسِيِّ المُسَرَّدِ (4)

يعني بذلك تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، ونطق عَمِيرة بن طارق :

بِأنْ يَعْتَزُوا (5) قومي وأقعُدَ فيكم... وأجعلَ مني الظنَّ غيبا مرجمّا (6)

يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، نطق : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على حتى الظن في معنى اليقين ، أكثر من حتى تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف : 53].

ثم نطق ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبوعاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، نطق : جميع افترض في القرآن يقين ، أي : ظننت وظَنوا.

وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبوداود الحَفَرِيّ ، عن سفيان عن ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد ، نطق : جميع افترض في القرآن فهوفهم. وهذا سند سليم.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُورَبِّهِمْ نطق : الظن هاهنا يقين.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحوقول أبي العالية.

__________

في أ : "الوصية".

زيادة من جـ ، ب ، أ.

في طـ ، ب : "فنطق".

البيت في تفسير الطبري (2/18).

في جـ : "نصروا" ، وفي ب ، أ : "تعيروا".

البيت في تفسير الطبري (2/18).

(1/254)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)

ونطق سُنَيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُورَبِّهِمْ فهموا أنهم ملاقوربهم ، كقوله : { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة : 20] يقول : فهمت.

وكذا نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

قلت : وفي السليم : "أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ،يا ترى؟ فيقول : بلى. فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ،يا ترى؟ فيقول : لا. فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني". وسيأتي مبسوطا عند قوله : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة : 67] إذا شاء الله ، والله تعالى أفهم.

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)

يذكرهم تعالى سَالفَ نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فَضَّلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الخط عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما نطق تعالى : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان : 32] ، ونطق تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة : 20].

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ نطق : بما أعطوا من الملك والرسل والخط على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما.

ورُوي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحوُ ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [آل عمران : 110] وفي المسانيد والسنن (1) عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنتم تُوفُونَ سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله". والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

[وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقًا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر. وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن { الْعَالَمِينَ عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهوأفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهوأفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين] (2).

__________

في جـ ، أ ، و : "وفي السنن والمسانيد".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/255)

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)

{ وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)

لما ذكرهم [الله] (1) تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حُلُول نقمه بهم يوم القيامة فنطق : { وَاتَّقُوا يَوْمًا يعني : يوم القيامة { لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا أي : لا يغني أحد عن أحد كما نطق : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام : 164] ، ونطق : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس : 37 ] ، ونطق { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان : 33] ، فهذه (2) أبلغ المقامات : حتى كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : { وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ يعني عن الكافرين ، كما نطق : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر : 48] ، وكما نطق عن أهل النار : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء : 110 ، 111] ، وقوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ أي : لا يقبل منها فداء ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آل عمران : 91 ] ونطق : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة : 36 ] ونطق تعالى : { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا [الأنعام : 70 ] ، ونطق : { فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية [الحديد : 15] ، فأبلغ تعالى أنهم إذا لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولوبملء الأرض مضىا ، كما نطق تعالى : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة : 254] ، ونطق { لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم : 31 ].

[ونطق سنيد : حدثني حجاج ، حدثني ابن جريج ، نطق : نطق مجاهد : نطق ابن عباس : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ نطق : بدل ، والبدل : الفدية ، ونطق السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لواتىت بملء الأرض مضىا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] (3). ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ يعني : فداء.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوذلك.

ونطق عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن علي ، رضي الله عنه ، في حديث طويل ، نطق : والصرف والعدل : التطوع والفريضة.

وكذا نطق الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة (4) ، عن عمير بن هانئ.

__________

زيادة من و.

في جـ ، ط ، ب : "فهذا".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، أ : "العالية".

(1/256)

وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهوما نطق ابن جرير : حدثني نَجِيح بن إبراهيم ، حدثنا علي بن حكيم ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عَمْروبن قيس الملائي (1) ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - نطق : قيل : يا رسول الله ، ما العدل ،يا ترى؟ نطق : "العدل الفدية" (2).

وقوله تعالى : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذوقرابة ولا ذوجاه ولا يقبل منهم فداء. هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما نطق : { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق :عشرة ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فِدْيَة ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما نطق تعالى : { وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون : 88 ]. ونطق { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر : 25 26 ] ، ونطق { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات : 25 ، 26 ] ، ونطق { فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ الآية [الأحقاف : 28].

ونطق الضحاك عن ابن عباس في قوله : { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ما لكم اليوم لا تمانعون منا ،يا ترى؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم.

نطق (3) ابن جرير : وتأويل قوله : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يعني : أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بَطَلت هنالك (4) المحاباة واضمحلت الرَّشى والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل (5) الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة (6) أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ* مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ* بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [ الصافات : 24 - 26 ]

__________

في جـ : "الملا".

تفسير الطبري (2/34).

في جـ : "ونطق".

في جـ : "هنا".

في جـ ، ط ، ب : "العدل".

في جـ : "فيجزي بالسيئة مثلها والحسنة".

(1/257)

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)

{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)

يقول تعالى (1) واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم "إِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ" أي :

__________

في جـ : "يقول الله تبارك وتعالى".

(1/257)

خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة (1) موسى ، عليه السلام ، وقد كانوا يسومونكم ، أي : يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب. وذلك حتى فرعون - لعنه الله - كان قد رأى رؤيا هالته ، رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت دور القبط ببلاد مصر ، إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها حتى زوال ملكهقد يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ، وينطق : بل تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتسقطون خروج رجل منهم ،قد يكون لهم به دولة وحملة ، إلى غير ذلك اتى في حديث الفُتُون ، كما سيأتي في موضعه [في سورة طه] (2) إذا شاء الله ، فعند ذلك أمر فرعون - لعنه الله - بقتل جميع [ذي] (3) ذَكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تهجر البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأراذلها.

وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء ، وفي سورة إبراهيم عطف عليه ، كما نطق : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [إبراهيم ] وسيأتي تفسير (4) ذلك في أول سورة القصص ، إذا شاء الله تعالى ، وبه الثقة والمعونة والتأييد.

ومعنى { يَسُومُونَكُمْ أي : يولونكم ، نطقه أبوعبيدة ، كما ينطق سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ، نطق عمروبن كلثوم :

إذا ما الملك سام الناس خسفا... أبينا حتى نقر الخسف فينا...

وقيل : معناه : يديمون عذابكم ، كما ينطق : سائمة الغنم من إدامتها الرعي ، نقله القرطبي ، وإنما نطق هاهنا : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ثم فسره بهذا لقوله هاهنا { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأما في سورة إبراهيم فلما نطق : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم : 5] ، أي : بأياديه ونعمه عليهم فناسب حتى يقول هناك : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي.

وفرعون فهم على جميع مَنْ مَلَكَ مصر ، كافرًا من العماليق (5) وغيرهم ، كما حتى قيصر فهم على جميع من ملك الروم مع الشام كافرًا ، وكسرى لكل من ملك الفرس ، وتُبَّع لمن ملك اليمن كافرا [والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك الهند] (6) وينطق : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى ، عليه السلام ، الوليد بن مصعب بن الريان ، وقيل : مصعب بن الريان ، أيا ما كان عمليه لعنة الله ، [وكان من سلالة عمليق بن داود بن إرم بن سام بن نوح ، وكنيته أبومرة ، وأصله فارسي من استخر] (7).

__________

في جـ : "بصحبة".

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

في جـ ، ط : "تفصيل".

في جـ : "العمالقة".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

(1/258)

وقوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ نطق ابن جرير : وفي الذي عملنا بكم من إنجائنا إياكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم. أي : نعمة عظيمة عليكم في ذلك (1).

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [في] (2) قوله : { بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ نطق : نعمة. ونطق مجاهد : { بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ نطق : نعمة من ربكم عظيمة. وكذا نطق أبوالعالية ، وأبومالك ، والسدي ، وغيرهم.

وأصل البلاء : الاختبار ، وقد يحدث بالخير والشر ، كما نطق تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء : 25] ، ونطق : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ [الأعراف : 168].

نطق ابن جرير : وأكثر ما ينطق في الشر : بلوته أبلوه بَلاءً ، وفي الخير : أبليه إبلاء وبلاء ، نطق زهير بن أبي سلمى :

جزى الله بالإحسان ما فَعَلا بكُم... وأبلاهما خَيْرَ البلاءِ الذي يَبْلُو(3)

نطق : فجمع بين اللغتين ؛ لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يَخْتَبر بها عباده.

[وقيل : المراد بقوله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء ؛ نطق القرطبي : وهذا قول الجمهور ولفظه بعدما حكى القول الأول ، ثم نطق : ونطق الجمهور : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء هاهنا في الشر ، والمعنى في الذبح مكروه وامتحان] (4).

وقوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ معناه : وبعد حتى أنقذناكم من آل فرعون ، وخرجتم مع موسى ، عليه السلام ، خرج (5) فرعون في طلبكم ، ففرقنا بكم البحر ، كما أبلغ تعالى عن ذلك مفصلا (6) كما سيأتي في مواضعه (7) ومن أبسطها في سورة الشعراء إذا شاء الله.

{ فَأَنْجَيْنَاكُمْ أي : خلصناكم منهم ، وحجزنا بينكم وبينهم ، وأغرقناهم وأنتم تنظرون ؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم ، وأبلغ في إهانة عدوكم.

نطق (8) عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمر ، عن أبي إسحاق الهَمْداني ، عن عمروبن ميمون الأودي في قوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ إلى قوله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ نطق : لما خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون فنطق : لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة. نطق : فوالله ما صاح ليلتئذ ديك

__________

في جـ : "أي نعمة عليكم عظيمة في ذلك".

زيادة من جـ ، أ.

البيت في تفسير الطبري (2/49).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "وخرج".

في جـ : "مفصلا عن ذلك".

في جـ : "مفصلا".

في جـ ، ط : "ونطق".

(1/259)

حتى أصبحوا ؛ فنادى بشاة فَذُبحت ، ثم نطق : لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إليَّ ستمائة ألف من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط ثم سار ، فلما أتى موسى البحر ، نطق له رجل من أصحابه ، ينطق له : يوشع بن نون : أين أمَرَ ربك ،يا ترى؟ نطق : أمامك ، يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسَه في البحر حتى بلغ الغَمْرَ ، فمضى به الغمر ، ثم رجع. فنطق : أين أمَرَ ربك يا موسى ،يا ترى؟ فوالله ما كذبت ولا كُذبت (1). عمل ذلك ثلاث مرات ، ثم أوحى الله إلى موسى : { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فضربه { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء : 63 ] ، يقول : مثل الجبل. ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم ، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك نطق : { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (2).

وكذلك نطق غير واحد من السلف ، كما سيأتي بيانه في موضعه (3). وقد ورد حتى هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما نطق الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، نطق : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فنطق : "ما هذا اليوم الذي تصومون ؟". نطقوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم (4) ، فصامه موسى ، عليه السلام ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا أحق بموسى منكم". فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بصومه.

وروى هذا الحديث البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق ، عن أيوب السختياني ، به (5) نحوما تقدم.

ونطق أبويعلى الموصلي : حدثنا أبوالربيع ، حدثنا سلام - يعني ابن سليم - عن زيد العَمِّيّ عن يزيد الرقاشي عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : " فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء " (6).

وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العَمِّيّ فيه ضعف ، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه.

__________

في جـ : "ولا كذبت" ، وفي ط : "وكذبت".

تفسير عبد الرزاق (1/67).

في أ : "كما سيأتي في موضعه إذا شاء الله".

في جـ : "من الغرق ، وفي ط : "من غرقهم".

المسند (1/291) وسليم البخاري برقم (2004) وسليم مسلم برقم (1130).

مسند أبي يعلى (7/133).

(1/260)

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)

{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لَمَّا عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه ، عند انقضاء أمَد المواعدة ، وكانت أربعين يومًا ، وهي المذكورة في الأعراف ، في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ [الأعراف : 142] قيل : إنها ذوالقعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر.

{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)

وقوله : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ يعني : التوراة { وَالْفُرْقَانَ وهوما يَفْرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وكان ذلك - أيضا - بعد خروجهم من البحر ، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف. ولقوله (1) تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص : 43].

وقيل : الواوزائدة ، والمعنى : ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان وهذا غريب ، وقيل : عطف عليه وإن كان المعنى واحدًا ، كما في قول الشاعر :

وقدمت الأديم لراقشيه... فألفى قولها كذبًا ومينا...

ونطق الآخر :

ألا حبذا هند وأرض بها هند... وهند أتى من دونها النأي والبعد...

فالكذب هوالمين ، والنأي : هوالبعد. ونطق عنترة :

حييت من طلل تقادم عهده... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم...

فعطف الإقفار على الإقواء وهوهو.

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) .

هذه صفَةُ توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل ، نطق الحسن البصري ، رحمه الله ، في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فنطق : ذلك حين سقط في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما سقط حين نطق الله تعالى : { وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا الآية [الأعراف : 149].

نطق : فذلك حين يقول موسى : { يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ

ونطق أبوالعالية ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ أي إلى خالقكم.

قلت : وفي قوله هاهنا : { إِلَى بَارِئِكُمْ تنبيه على عظم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره.

__________

في جـ : " "وكقوله".

(1/261)

وروى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن هارون ، عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق الله تعالى : إذا توبتهم حتى يقتل جميع واحد منهم جميع من لقي من ولد ووالد (1) فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من اغتال في ذلك الموطن. فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله من ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وعملوا ما أمروا به فغفر الله تعالى للقاتل والمقتول. وهذا (2) بترة من حديث الفُتُون ، وسيأتي في تفسير سورة طه بكماله ، إذا شاء الله (3).

ونطق ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن بَشَّار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، نطق : نطق أبوسعيد : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : نطق موسى لقومه : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ نطق : أمر موسى قومه - من أمر ربه عز وجل - حتى يقتلوا أنفسهم نطق : واحتبى الذين عبدوا (4) العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظُلَّة (5) شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلَّة (6) عنهم ، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، جميع من اغتال منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة.

ونطق ابن جُرَيْج : أبلغني القاسم بن أبي بَزَّة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدًا يقولان في قوله تعالى : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ نطقا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر فقتل بعضهم بعضًا ، لا يحنورجل على قريب ولا بعيد ، حتى ألوى موسى بثوبه ، فطرحوا ما بأيديهم ، فكُشِفَ عن سبعين ألف قتيل. وإن الله أوحى إلى موسى : حتى حَسْبي ، فقد اكتفيت ، فذلك حين ألوى موسى بثوبه ، [وروي عن علي رضي الله عنه نحوذلك] (7).

ونطق قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة.

ونطق الحسن البصري : أصابتهم ظلمة حنْدس ، فقتل بعضهم بعضا [نقمة] (8) ثم انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك.

ونطق السدي في قوله : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ نطق : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قُتِل من الفريقين شهيدًا ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا حتى يهلكوا ، حتى اغتال بينهم (9) سبعون ألفًا ، وحتى نادى موسى وهارون : ربنا أهلكت بني إسرائيل ، ربنا البقيةَ البقيةَ ،

__________

في ط : "أووالد".

في جـ : "وهذه".

وهوفي سنن النسائي الكبرى برقم (11326) وسيأتي عند الموضع الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير.

في جـ ، ط ، ب : "عكفوا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ظلمة".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "الظلمة".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، وفي أ ، و : "وروي عن علي رحمة الله عليه نحوذلك".

زيادة من أ.

في جـ ، ط ، ب : "منهم".

(1/262)

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)

فأمرهم حتى يضعوا السلاح وتاب عليهم ، فكان من اغتال منهم من الفريقين شهيدًا ، ومن بقي مُكَفّرا عنه ؛ فذلك قوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

ونطق الزهري : لما أمرت بنوإسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم (1) ، نطقوا : يا نبي الله ، ادع الله لنا. وأخذوا بعضُديه يسندون يديه ، فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم ، بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنوإسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله ، جل ثناؤه ، إلى موسى : ما يحزنك ،يا ترى؟ أما من اغتال منكم فحي عندي يرزقون ، وأما من بقي فقد قبلت توبته. فسُرّ بذلك موسى ، وبنوإسرائيل.

رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه.

ونطق ابن إسحاق : لما عاد موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذَرّاه في اليم ، خرج إلى ربه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثم بُعثوا ، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل. فنطق : لا إلا حتى يقتلوا أنفسهم نطق : فبلغني أنهم نطقوا لموسى : نَصبر لأمر الله. فأمر موسى من لم يكن عبد العجل حتى يَقْتُل من عبده. فجلسوا بالأفنية وأصْلَتَ عليهم القومُ السيوف ، فجعلوا يقتلونهم ، وبكى موسى ، وَبَهَش إليه النساء والصبيان ، يطلبون العفوعنهم ، فتاب الله عليهم ، وعفا عنهم وأمر موسى حتى تحمل عنهم السيوف.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما عاد موسى إلى قومه ، وكان (2) سبعون (3) رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه. فنطق لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم. فنطقوا : يا موسى ، ما من (4) توبة ،يا ترى؟ نطق : بلى ، { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ الآية ، فاخترطوا السيوف والجرزَة والخناجر والسكاكين. نطق : وبعث عليهم ضبابة. نطق : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضًا. نطق : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري. نطق : ويتنادون [فيها] (5) : رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه ، نطق : فقتلاهم شهداء ، وتيب على أحيائهم ، ثم قرأ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا

__________

في جـ ، أ : "بعضهم بعضا".

في جـ : "وكانوا".

في أ : "سبعين".

في أ : "هل من".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

(1/263)

مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق ، إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانًا ، مما لا يستطاع (1) لكم ولا لأمثالكم ، كما نطق ابن جريج ، نطق ابن عباس في هذه الآية : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً نطق : علانية.

وكذا نطق إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق ، عن أبي الحويرث ، عن ابن عباس ، أنه نطق في قول الله تعالى : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً أي علانية ، أي حتى نرى الله.

ونطق قتادة ، والربيع بن أنس : { حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً أي عيانا.

ونطق أبوجعفر عن الربيع بن أنس : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه. نطق : فسمعوا كلاما ، فنطقوا : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً نطق : فسمعوا صوتًا فصعقوا ، يقول : ماتوا.

ونطق مروان بن الحكم ، فيما خطب به على منبر مكة : الصاعقة : صيحة من السماء.

ونطق السدي في قوله : { فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ الصاعقة : نار.

ونطق عروة بن رويم في قوله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ نطق : فصعق بعضهم وبعض ينظرون (2) ، ثم بعث هؤلاء وصعق هؤلاء.

ونطق السدي : { فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ فماتوا ، فقام موسى يبكي ويدعوالله ، ويقول : رب ، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا [الأعراف : 155]. فأوحى الله إلى موسى حتى هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل ، ثم إذا الله أحياهم فقاموا وعاشوا (3) رجلٌ رجلٌ ، ينظر (4) بعضهم إلى بعض : كيف من الممكن أن يحيون ،يا ترى؟ نطق : فذلك قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

ونطق الربيع بن أنس : كان موتهم عقوبة لهم ، فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم. وكذا نطق قتادة.

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، نطق : لما عاد موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل ، ونطق لأخيه وللسامري ما نطق ، وحَرّق العجل وذَرّاه في اليم ، اختار موسى منهم سبعين (5) رجلا الخَيِّرَ فالخير ، ونطق : انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم وسلوه التوبة على من هجرتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء (6) لميقات وقَّتَه له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعِلْم ، فنطق له السبعون ، فيما ذكر لي ، حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله ، نطقوا : يا موسى ، اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا ، فنطق : أعمل. فلما دنا موسى من الجبل ، سقط عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، ونطق للقوم : ادنوا. وكان موسى إذا حدثه الله (7) سقط على جبهته نور ساطع ،

__________

في جـ : "يتطلع".

في جـ : "ينظر".

في جـ ، ط ، ب : "وعاش".

في جـ ، ط ، ب : "فنظر".

في جـ : "سبعون" وهوخطأ.

في جـ : "الطور سينين".

في جـ : "حدثه ربه".

(1/264)

لا يستطيع أحد من بني آدم حتى ينظر إليه ، فضرب دونه (1) بالحجاب ، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام سقطوا سجودا (2) فسمعوه وهويحدث موسى يأمره وينهاه : اعمل ولا تعمل. فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام ، فأقبل إليهم ، فنطقوا لموسى : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأخذتهم الرجفة (3) ، وهي الصاعقة ، فماتوا جميعًا. وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ [وَإِيَّايَ ] (4) [الأعراف : 155] قد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يعمل السفهاء منا ،يا ترى؟ أي : إذا هذا لهم هلاك. اخترتُ منهم سبعين رجلا الخَيِّر فالخير ، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد! فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا ،يا ترى؟ { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف : 156] فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ، ويطلب إليه حتى ردّ إليهم أرواحهم ، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فنطق : لا ؛ إلا حتى يقتلوا أنفسهم (5).

هذا سياق محمد بن إسحاق.

ونطق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير : لما تابت بنوإسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله موسى حتى يأتيه في جميع أناس من بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موسى ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عَينه ، ثم مضى بهم ليعتذروا. وساق البقية.

[وهذا السياق يقتضي حتى الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً والمراد السبعون المختارون منهم ، ولم يحك كثير من المفسرين سواه ، وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في سيرة هؤلاء السبعين : أنهم بعد إحيائهم نطقوا : يا موسى ، إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك ، فادعه حتى يجعلنا أنبياء ، فنادى بذلك فأجاب الله دعوته ، وهذا غريب جدا ، إذ لا يعهد في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون ، وقد غلط أهل الكتاب أيضًا في دعواهم حتى هؤلاء رأوا الله عز وجل ، فإن موسى الكليم ، عليه السلام ، قد سأل ذلك فمنع منه فكيف يناله هؤلاء السبعون ؟

القول الثاني في الآية] (6) نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية : نطق لهم موسى - لما عاد من عند ربه بالألواح ، قد خط فيها التوراة ، فوجدهم يعبدون العجل ، فأمرهم بقتل أنفسهم ، فعملوا ، فتاب الله عليهم ، فنطق : إذا هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه (7) أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه. فنطقوا : ومن يأخذه بقولك أنت ،يا ترى؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى

__________

في جـ : "دونهما".

في جـ : "سجدا".

في ط : "الصاعقة".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

تفسير الطبري (2/77).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "فيها كتاب الله الذي".

(1/265)

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يحدثنا كما يحدثك أنت يا موسى! وقرأ قول الله : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً نطق : فاتىت غضبة من الله ، فاتىتهم صاعقة بعد التوبة ، فصعقتهم فماتوا أجمعون. نطق : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فنطق لهم موسى : خذوا كتاب الله. فنطقوا : لا فنطق : أي شيء أصابكم ،يا ترى؟ فنطقوا : أصابنا أنا متنا ثم حَيِينا. نطق (1) : خذوا كتاب الله. نطقوا : لا. فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم.

[وهذا السياق يشير على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا. وقد حكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أنه سقط التكليف عنهم لمعاينتهم الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق ؛ والثاني : أنهم مكلفون لئلا يخلوعاقل من تكليف ، نطق القرطبي : وهذا هوالسليم لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم ؛ لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورًا عظامًا من خوارق العادات ، وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح ، والله أفهم] (2).

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم - أيضا - بما أسبغ عليهم من النعم ، فنطق : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وهوجمع غمامة ، سمي بذلك لأنه يَغُمّ السماء ، أي : يواريها ويسترها. وهوالسحاب الأبيض ، ظُلِّلوا به في التيه ليقيهم حر الشمس. كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفُتُون ، نطق : ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر ، والربيع بن أنس ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والسدي ، نحوقول ابن عباس.

ونطق الحسن وقتادة : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ [نطق] (3) كان هذا في البرية (4) ظلل عليهم الغمام من الشمس.

ونطق ابن جرير (5) نطق آخرون : وهوغمام أبرد من هذا ، وأطيب.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبوحذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ (6) نطق : ليس بالسحاب ، هوالغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن إلا لهم.

إلى غير ذلك رواه ابن جرير ، عن المثنى بن إبراهيم ، عن أبي حذيفة.

__________

في جـ : "فنطق".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط.

في أ : "في التيه".

في جـ ، ط : "ابن جريج".

في جـ ، ط : "عليهم" وهوخطأ.

(1/266)

وكذا رواه الثوري ، وغيره ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وكأنه يريد ، والله أفهم ، أنه ليس من زِيّ هذا السحاب ، بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا ، كما نطق سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج نطق : نطق ابن عباس : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ نطق : غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهوالذي يأتي الله فيه في قوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة : 210] وهوالذي اتىت فيه الملائكة يوم بدر. نطق ابن عباس : وكان معهم في التيه.

وقوله : { وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ اختلفت عبارات المفسرين في المن : ما ،يا ترى؟ فنطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كان المن ينزل عليهم على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا.

ونطق مجاهد : المن : صمغة. ونطق عكرمة : المن : شيء أنزله الله عليهم مثل الطل ، شبه الرِّبِ الغليظ.

ونطق السدي : نطقوا : يا موسى ، كيف من الممكن أن لنا بما هاهنا ،يا ترى؟ أين الطعام ،يا ترى؟ فأنزل الله عليهم المن ، فكان يسقط على شجر (1) الزنجبيل.

ونطق قتادة : كان المن ينزل عليهم في محلتهم (2) سقوط الثلج ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك ؛ فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق ، حتى إذا كان يوم سادسه ، ليوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء ، وهذا كله في البرية.

ونطق الربيع بن أنس : المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه.

ونطق وهب بن منبه - وسئل عن المن - فنطق : خبز الرقاق مثل الذرة أومثل النَقيِّ.

ونطق أبوجعفر بن جرير : حدثني أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبوأحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وهوالشعبي ، نطق : عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن.

وكذا نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه العسل.

وسقط في شعر أمية بن أبي الصلت ، حيث نطق :

فرأى الله أنهم بمضيع... لا بذي مغرس ولا مثمورا...

فسناها عليهم غاديات... وترى مزنهم خلايا وخورا...

عسلا ناطفا وماء فراتا... وحليبا ذا بهجة مرمورا (3)

__________

في ط : "الشجرة" ، وفي ب : "الشجر".

في أ : "في نخلتهم".

الأبيات في تفسير الطبري (2/94 ، 95).

(1/267)

فالناطف : هوالسائل ، والحليب المرمور : الصافي منه.

والغرض حتى عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن ، فمنهم من فسره بالطعام ، ومنهم من فسره بالشراب ، والظاهر ، والله أفهم ، أنه (1) جميع ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب (2) ، وغير ذلك ، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد ، فالمن المشهور إذا أكل وحده كان طعاما وحلاوة ، وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا ، وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر ، ولكن ليس هوالمراد من الآية وحده ؛ والدليل على ذلك قول البخاري :

حدثنا أبونعيم ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك ، عن عمر بن حريث (3) عن سعيد (4) بن زيد ، رضي الله عنه ، نطق : نطق النبي صلى الله عليه وسلم : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين".

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك ، وهوابن عمير ، به (5).

وأخرجه الجماعة في خطهم ، إلا أبا داود ، من طرق عن عبد الملك ، وهوابن عمير ، به (6). ونطق الترمذي : حسن سليم ، ورواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية الحكم ، عن الحسن العُرَني ، عن عمروبن حريث ، به (7).

ونطق الترمذي : حدثنا أبوعبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غَيْلان ، نطقا حدثنا سعيد بن عامر ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم ، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" (8).

تفرد بإخراجه الترمذي ، ثم نطق : هذا حديث حسن غريب ، لا نعهده إلا من حديث محمد بن عمرو، وإلا من حديث سعيد (9) بن عامر ، عنه ، وفي الباب عن سعيد بن زيد ، وأبي سعيد وجابر.

كذا نطق ، وقد رواه الحافظ أبوبكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق آخر ، عن أبي هريرة ، فنطق : حدثنا أحمد بن الحسن (10) بن أحمد البصري ، حدثنا أسلم بن سهل ، حدثنا القاسم بن عيسى ، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن ، عن قتادة (11) عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين".

وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي ، يكنى بأبي

__________

في جـ : "أن".

في جـ : "أوشراب".

في جـ : "حوشب".

في جـ : "سفيان".

سليم البخاري برقم (4478) والمسند (1/187).

سليم البخاري برقم (4639) وسليم مسلم برقم (2049) وسنن الترمذي برقم (2067) وسنن النسائي الكبرى برقم (6667).

سليم البخاري برقم (5708) وسليم مسلم برقم (2049) وسنن النسائي الكبرى برقم (10988).

سنن الترمذي برقم (3013).

في جـ : "محمد".

في جـ ، أ ، و : "الحسين".

في جـ : "عبادة".

(1/268)

محمد ، وقيل : أبوسليمان المؤدب نطق فيه الحافظ أبوأحمد بن عدي : روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها (1).

ثم نطق [الترمذي] (2) حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة : حتى ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نطقوا : الكمأة جدري الأرض ، فنطق نبي الله صلى الله عليه وسلم : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم".

وهذا الحديث قد رواه النسائي ، عن محمد بن بشار ، به (3). وعنه ، عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، به (4). وعن محمد بن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن شهر بن حوشب. بسيرة الكمأة فقط (5).

وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار ، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن مطر الوراق ، عن شهر : بسيرة العجوة عند النسائي ، وبالقصتين عند ابن ماجه (6).

وهذه الطريق منبترة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه (7) منه ، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه ، عن علي بن الحسين الدرهمي (8) عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم ، عن أبي هريرة ، نطق : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة ، وبعضهم يقول (9) جدري الأرض ، فنطق : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين" (10).

وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر ، كما نطق الإمام أحمد :

حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ، نطقا نطق

__________

الكامل لابن عدي (4/114).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

هوفي سنن النسائي الكبرى برقم (6671) عن نصير بن الفرج ، عن معاذ بن هشام به ، ولم أقع عليه عن محمد بن بشار ، وقد ذكره المزي عن محمد بن بشار في تحفة الأشراف (10/112).

سنن النسائي الكبرى برقم (6673).

سنن النسائي الكبرى برقم (6672).

سنن ابن ماجة برقم (3400).

في جـ : "لم يسمع".

في جـ : "الدهرمي".

في جـ : "وبعضهم يذكرون".

سنن النسائي الكبرى برقم (6670).

(1/269)

رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم" (1).

نطق (2) النسائي في الوليمة أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد وجابر ، رضي الله عنهما ، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين" (3). ثم رواه - أيضا - ، وابن ماجه من طرق ، عن الأعمش ، عن أبي بشر ، عن شهر ، عنهما ، به (4).

وقد رويا (5) - أعني النسائي (6) وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم (7) كلاهما عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، زاد النسائي : [وحديث] (8) جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين" (9).

ورواه ابن مردويه ، عن أحمد بن عثمان ، عن عباس الدوري ، عن لاحق بن صواب (10) عن عمار بن رزيق (11) عن الأعمش ، كابن ماجه.

ونطق ابن مردويه أيضا : حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا عباس الدوري ، حدثنا الحسن (12) بن الربيع ، حدثنا أبوالأحوص ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي سعيد الخدري ، نطق : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت ، فنطق : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين".

وأخرجه النسائي ، عن عمروبن منصور ، عن الحسن بن الربيع (13) ثم [رواه] (14) ابن مردويه. رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام ، عن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان (15) عن الأعمش به ، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن عبيد الله بن موسى [به] (16) (17).

وقد روى من حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه كما نطق ابن مردويه :

حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا حمدون بن أحمد ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا حماد ، عن شعيب بن الحبحاب (18) عن أنس : حتى أصحاب رسول الله (19) صلى الله عليه وسلم تدارؤوا (20) في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، فنطق بعضهم : نحسبه الكمأة. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم" (21).

__________

المسند (3/48).

في جـ ، ط : "ونطق".

لم أقع عليه في المطبوع من سنن النسائي الكبرى.

سنن ابن ماجة برقم (3453) ولم أقع عليه في سنن النسائي الكبرى المطبوعة.

في جـ : "وقد روياه".

في جـ ، و : "النسائي من حديث جرير".

في جـ : "مسلمة".

زيادة من جـ ، و.

سنن النسائي الكبرى برقم (6676 ، 6677) وسنن ابن ماجة برقم (3453) لكن سقط في سنن النسائي عن جرير عن الأعمش والله أفهم.

في جـ : "صوان".

في جـ : "زريق".

في جـ : "الحسين".

لم أقع عليه في المطبوع من سنن النسائي الكبرى.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "سفيان".

زيادة من جـ ، ط ، أ.

سنن النسائي الكبرى برقم (6678).

في جـ : "ابن الحجاب" ، وفي أ : "ابن الحجاج".

في جـ : "أصحاب النبي".

ف جـ : "تذاكروا".

ورواه ابن عدي في الكامل (2/370) من طريق حسان بن سياه عن ثابت عن أنس بنحوه.

(1/270)

وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة. وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئاً من هذا ، والله أفهم (1) (2).

[وقد] (3) روي عن شهر ، عن ابن عباس ، كما رواه النسائي - أيضًا - في الوليمة ، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد ، عن عبد الله بن عون الخَرّاز ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن عبد الجليل بن عطية ، عن شهر ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نطق : "الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين" (4).

فقد اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب ، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها ، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم ، فإن الأسانيد إليه جيدة ، وهولا يتعمد الكذب ، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد.

وأما السلوى فنطق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : السلوى طائر شبيه بالسُّمَّانى ، كانوا يأكلون منه.

ونطق السدي في خَبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس (5) من الصحابة : السلوى : طائر يشبه السُّمَّانَى.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا قرّة بن خالد ، عن جهضم ، عن ابن عباس ، نطق : السلوى : هوالسمَّانى.

وكذا نطق مجاهد ، والشعبي ، والضحاك ، والحسن ، وعكرمة ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله.

وعن عكرمة : أما السلوى فطير (6) كطيرقد يكون بالجنة (7) أكبر من العصفور ، أونحوذلك.

ونطق قتادة : السلوى من طير إلى الحمرة ، تحشُرها عليهم الريحُ الجنَوبُ. وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته (8) أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه.

ونطق وهب بن منبه : السلوى : طير سمين مثل الحمام ، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت. وفي رواية عن وهب ، نطق : سألَتْ بنوإسرائيل موسى عليه السلام ، اللحم ، فنطق الله : لأطعمنهم من أقل لحم يفهم في الأرض ، فأوفد عليهم ريحًا ، فأذرت عند مساكنهم السلوى ، وهوالسمانى (9) مثل ميل في ميل قيدَ رمح إلى (10) السماء فخبَّؤوا للغد فنتن اللحم وخنز الخبز.

__________

في جـ : "والله تبارك أفهم".

سنن الترمذي برقم (3119) وسنن النسائي الكبرى برقم (11262).

زيادة من ط.

سنن النسائي الكبرى برقم (6669).

في جـ ، ط : "وعن أناس".

في جـ : "فيطير".

في و : "في الجنة".

في جـ : "جمعة".

في جـ : "السمان".

في جـ : "في".

(1/271)

ونطق السدي : لما ولج بنوإسرائيل التيه ، نطقوا لموسى ، عليه السلام : كيف من الممكن أن لنا بما هاهنا ،يا ترى؟ أين الطعام ،يا ترى؟ فأنزل الله عليهم الَمنّ فكان يسقط على الشجر (1) الزنجبيل ، والسلوى وهوطائر يشبه السمانى أكبر منه ، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، فإن كان سمينا ذبحه وإلا أوفده ، فإذا سمن أتاه ، فنطقوا : هذا الطعام فأين الشراب ،يا ترى؟ فَأُمِر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت (2) منه اثنتا عشرة عينًا ، فشرب جميع سبط من عين ، فنطقوا : هذا الشراب ، فأين الظل ،يا ترى؟ فَظَلَّل عليهم الغمام. فنطقوا : هذا الظل ، فأين اللباس ،يا ترى؟ فكانت ثيابهم (3) تطول معهم كما يطول الصبيان ، ولا يَنْخرق لهم ثوب ، فذلك قوله تعالى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وقوله { وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة : 60].

وروي عن وهب بن منبه ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوما نطقه السدي.

ونطق سُنَيْد ، عن حجاج ، عن ابن جُرَيْج ، نطق : نطق ابن عباس : خُلق لهم في التيه ثياب لا تخرق (4) ولا تدرن ، نطق ابن جريج : فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدًا.

[نطق ابن عطية : السلوى : طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي في قوله : إنه العسل ، وأنشد في ذلك مستشهدًا :

وقاسمها بالله جهدًا لأنتم... ألذ من السلوى إذا ما أشورها...

نطق : فظن حتى السلوى عسلا (5) نطق القرطبي : دعوى الإجماع لا تصح ؛ لأن المؤرخ أحد فهماء اللغة والتفسير نطق : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي هذا ، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة ؛ لأنه يسلى به ومنه عين سلوان ، ونطق الجوهري : السلوى العسل ، واستشهد ببيت الهذلي - أيضا - ، والسلوانة بالضم خرزة ، كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا نطق الشاعر :

شربت على سلوانة ماء مزنة... فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو...

واسم ذلك الماء السلوان ، ونطق بعضهم : السلوان دواء يشفي الحزين فيسلووالأطباء يسمونه(مُفَرِّح) ، نطقوا : والسلوى جمع بلفظ - الواحد - أيضًا ، كما ينطق : سمانى للمفرد والجمع ودِفْلَى كذلك ، ونطق الخليل واحده سلواة ، وأنشد :

وإني لتعروني لذكراك هزة... كما انتفض السلواة من بلل القطر...

__________

في جـ : "على شجر".

في جـ ، ب : "فانفجر".

في جـ : "لباسهم".

في جـ : "لا تخلق".

المحرر الوجيز لابن عطية (1/229).

(1/272)

ونطق الكسائي : السلوى واحدة وجمعه سلاوي ، نقله كله القرطبي (1) ] (2).

وقوله تعالى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أمر إباحة وإرشاد وامتنان. وقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة : 57] ، أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا ، كما نطق : { كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ [سبأ : 15] فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (3) ورضي عنهم ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع حتى ذلك كان سهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم ، فاتى قدر مَبْرك الشاة ، فنادى [الله] (4) فيه ، وأمرهم فملؤوا جميع وعاء معهم ، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فاتىت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملؤوا أسقيتهم. ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر. فهذا هوالأكمل في الاتباع : المشي مع قدر الله ، مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

__________

تفسير القرطبي (1/408).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في ط : "صلوات الله وسلامه عليه.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/273)

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)

{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)

يقول تعالى لائمًا لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول (1) الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى ، عليه السلام ، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ؛ ولهذا كان أصح القولين حتى هذه البلدة هي بيت المقدس ، كما نص على ذلك السدي ، والرّبيع بن أنس ، وقتادة ، [وأبومسلم الأصفهاني وغير واحد وقد نطق الله تعالى : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ الآيات] (2).[المائدة : 21 - 24]

ونطق آخرون : هي أريحا [ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد] (3) وهذا بعيد ؛ لأنها ليست على طريقهم ، وهوقاصدون بيت المقدس لا أريحا [وأبعد من ذلك قول من مضى أنها مصر ، حكاه فخر الدين في تفسيره ، والسليم هوالأول ؛ لأنها بيت المقدس] (4). وهذا كان لما خرجوا من

__________

في ب : "عن دخولهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/273)

التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون ، عليه السلام ، وفتحها الله عليهم عشية جمعة ، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ، وأما أريحا فقرية ليست مقصودة لبني إسرائيل ، ولما فتحوها أمروا حتى يدخلوا الباب - باب البلد - { سُجَّدًا أي : شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ، وردّ بلدهم (1) إليهم وإنقاذهم من التيه والضلال.

نطق العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا أي ركعا.

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبوأحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو، وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نطق : ركعا (2) من باب صغير.

رواه الحاكم من حديث سفيان ، به. ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان ، وهوالثوري ، به (3). وزاد : فدخلوا من قبل أستاههم.

[ونطق الحسن البصري : أمروا حتى يسجدوا على وجوههم حال دخولهم ، واستبعده الرازي ، وحكى عن بعضهم : حتى المراد بالسجود هاهنا الخضوع لتعذر حمله على حقيقته] (4).

ونطق خصيف : نطق عكرمة ، نطق ابن عباس : كان الباب قبل القبلة.

ونطق [ابن عباس و] (5) مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك : هوباب الحطة من باب إيلياء ببيت المقدس ، [وحكى الرازي عن بعضهم أنه عن باب جهة من جهات القرية] (6).

ونطق خَصِيف : نطق عكرمة : نطق ابن عباس : فدخلوا على شق ، ونطق السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنُود ، عن عبد الله بن مسعود : وقيل لهم ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا مقنعي رؤوسهم ، أي : رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا.

وقوله : { وَقُولُوا حِطَّةٌ نطق الثوري عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ نطق : مغفرة ، استغفروا.

وروي عن عطاء ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه.

ونطق الضحاك عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ نطق : قولوا : هذا الأمر حق ، كما قيل لكم.

ونطق عكرمة : قولوا : لا إله إلا الله.

ونطق الأوزاعي : خط ابن عباس إلى رجل قد سماه يسأله عن قوله تعالى : { وَقُولُوا حِطَّةٌ

__________

في جـ : "بلادهم".

في جـ : "أي ركعا".

تفسير الطبري (2/113) والمستدرك (2/262) وتفسير ابن أبي حاتم (1/182).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/274)

فخط إليه : حتى أقروا بالذنب.

ونطق الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا.

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ هذا جواب الأمر ، أي : إذا عملتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات.

وحاصل الأمر : أنهم أمروا حتى يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالعمل والقول ، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ، والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب لله تعالى ، كما نطق تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [سورة النصر] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر ، وفسره ابن عباس بأنه نُعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها ، وأقره على ذلك عمر [بن الخطاب] (1) رضي الله عنه. ولا منافاة بين حتىقد يكون قد أمر بذلك عند ذلك ، ونعي إليه روحه الكريمة أيضًا ؛ ولهذا كان عليه السلام يظهر عليه الخضوع جدًا عند النصر ، كما روي أنه كان يوم الفتح - فتح مكة - داخلا إليها من الثنية العليا ، وإنَّه الخاضع لربه حتى إذا عُثْنونه ليمس مَوْرِك رحله ، يشكر الله على ذلك. ثم لما ولج البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضُحى ، فنطق بعضهم : هذه صلاة الضحى ، ونطق آخرون : بل هي صلاة الفتح ، فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا حتى يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله ، كما عمل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما ولج إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات ، والسليم أنه يفصل بين جميع ركعتين بتسليم ؛ وقيل : يصليها كلها بتسليم واحد ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ نطق البخاري : حدثني محمد ، حدثنا (2) عبد الرحمن بن مَهْدي ، عن ابن المبارك ، عن مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبّه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "قيل لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ فدخلوا يزحفون على أستاههم ، فبدّلوا ونطقوا : حطة : حبة في شعرة" (3).

ورواه النسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن (4) عبد الرحمن بن مهدي به موقوفا (5) وعن محمد بن عبيد بن محمد ، عن ابن المبارك ببعضه مسندًا ، في قوله تعالى : { حِطَّةٌ نطق : فبدلوا. فنطقوا : حبة (6) (7).

__________

زيادة من جـ.

في جـ : "حدثني محمد بن".

سليم البخاري برقم (4479).

في جـ ، ط : "بن".

سنن النسائي الكبرى برقم (10989).

في جـ : "فنطق حنطة".

سنن النسائي الكبرى برقم (10990).

(1/275)

ونطق عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن هَمَّام بن مُنَبه أنه سمع أبا هريرة يقول : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نطق الله لبني إسرائيل : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ فبدلوا ، ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم ، فنطقوا : حبة في شعرة (1) ".

وهذا حديث سليم ، رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ، ومسلم عن محمد بن رافع. والترمذي عن عبد بن حميد ، كلهم عن عبد الرزاق ، به (2). ونطق الترمذي : حسن سليم.

ونطق محمد بن إسحاق : كان تبديلهم (3) كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "دخلوا الباب - الذي أمروا حتى يدخلوا فيه سجدًا - يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة" (4).

ونطق أبوداود : حدثنا أحمد بن صالح ، وحدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "نطق الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ثم نطق أبوداود : حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، مثله (5) (6).

هكذا رواه منفردًا به في كتاب الحروف مختصرًا.

ونطق ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القَزّاز ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن (7) هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، نطق : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل ، أجَزْنا في ثنية (8) ينطق لها : ذات الحنظل ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي نطق الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ (9).

ونطق سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ [البقرة : 142] نطق اليهود : قيل لهم : ادخلوا الباب سجدًا ، نطق : ركعًا ، وقولوا : حطة : أي مغفرة ، فدخلوا على

__________

في جـ ، ط : "شعيرة".

سليم البخاري برقم (4641) وسليم مسلم برقم (3015) وسنن الترمذي برقم (2956).

في جـ ، ط : "يتذيلهم".

ورواه الطبراني في تفسيره (2/112) عن محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن أبي هريرة ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أوعكرمة عن ابن عباس.

في جـ : "بمثله".

سنن أبي داود برقم (4006).

في جـ : "حدثنا".

في جـ : "ضربة".

ورواه البزار في مسنده برقم (1812) عن إسحاق بن بهلول ، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به نحوه ، ونطق الهيثمي في المجمع (6/144) : "رجاله ثقات".

(1/276)

أستاههم ، وجعلوا يقولون : حنطة حمراء فيها شعيرة (1) ، فذلك قول الله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ .

ونطق الثوري ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي ، عن أبي الكَنود ، عن ابن مسعود : { وَقُولُوا حِطَّةٌ فنطقوا : حنطة حبة حمراء فيها شعيرة (2) ، فأنزل الله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

ونطق أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه نطق : إنهم نطقوا : "هُطِّي سمعاتا أزبة مزبا" فهي بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة (3) فيها شعرة سوداء ، فذلك قوله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

ونطق الثوري ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ركعًا من باب صغير ، فدخلوا (4) من قبل أستاههم ، ونطقوا : حنطة ، فهوقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

إلى غير ذلك روي عن عطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن رافع.

وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر (5) الله لهم من الخضوع بالقول والعمل ، فأمروا حتى يدخلوا سجدًا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم ، وأمروا حتى يقولوا : حطة ، أي : احطط عنا ذنوبنا ، فاستهزؤوا فنطقوا : حنطة في شعرة (6). وهذا في غاية ماقد يكون من المخالفة والمعاندة ؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم ، وهوخروجهم عن طاعته ؛ ولهذا نطق : { فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ

ونطق الضحاك عن ابن عباس : جميع شيء في كتاب الله من "الرِّجْز" يعني به العذاب.

إلى غير ذلك روي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، أنه العذاب. ونطق أبوالعالية : الرجز الغضب. ونطق الشعبي : الرجز : إما الطاعون ، وإما البرد. ونطق سعيد بن جبير : هوالطاعون.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا وَكِيع ، عن (7) سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن سعد - يعني ابن أبي وقاص - عن سعد بن مالك ، وأسامة بن زيد ، وخزيمة بن ثابت ، رضي الله عنهم ، نطقوا : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الطاعون رجْز عذاب عُذِّب (8) به من كان

__________

في جـ : "شعرة".

في جـ : "شعرة".

في جـ : "منقوشة".

في جـ : "يدخلون".

في جـ : "بدلوا ما أمر".

في جـ ، أ : "شعيرة".

في جـ : "حدثنا".

في أ : "عذب الله".

(1/277)

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

قبلكم" (1).

إلى غير ذلك رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به (2). وأصل الحديث في السليمين من حديث حبيب بن أبي ثابت : "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها" الحديث (3).

نطق (4) ابن جرير : أبلغني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، نطق : أبلغني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نطق : "إن هذا الوجع والسقم رجْز عُذِّب به بعض الأمم قبلكم" (5). وهذا الحديث أصله مخرَّج في السليمين ، من حديث الزهري ، ومن حديث مالك ، عن محمد بن المُنكَدِر ، وسالم أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، بنحوه (6).

{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى ، عليه السلام ، حين استسقاني لكم ، وتيسيري لكم الماء ، وإخراجه لكم من حَجَر يُحمل معكم ، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينًا لكل سبط من أسباطكم عين قد عهدوها ، فكلوا من المن والسلوى ، واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد ، واعبدوا الذي سخر لكم ذلك. { وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها. وقد بسطه المفسرون في كلامهم ، كما نطق ابن عباس : وجُعِل بين ظهرانيهم حجر مربَّع وأمر موسى ، عليه السلام ، فضربه بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا ، في جميع ناحية منه ثلاث (7) عيون ، وأفهم جميع سبط عينهم ، يشربون منها لا يرتحلون من مَنْقَلَة إلا وجدوا ذلك معهم (8) بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول.

وهذا بترة من الحديث الذي رواه النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وهوحديث الفتون الطويل (9).

ونطق عطية العوفي : وجُعل لهم حجر مثل رأس الثور يحمل على ثور ، فإذا نزلوا منزلا وضعوه فضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا ، فإذا ساروا حملوه على ثور ، فاستمسك الماء.

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/186).

سنن النسائي الكبرى برقم (7523).

سليم البخاري برقم (5728) وسليم مسلم برقم (2218).

في جـ : "ونطق".

تفسير الطبري (2/116).

سليم البخاري برقم (3473 ، 6974) وسليم مسلم برقم (2218).

في جـ : "ثلاثة".

في جـ : "ذلك منهم".

سيأتي بطوله في تفسير سورة طه.

(1/278)

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)

ونطق عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه : كان لبني إسرائيل حجر ، فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا.

ونطق قتادة : كان حجرًا طوريًا ، من الطور ، يحملونه معهم حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه.

[ونطق الزمخشري : وقيل : كان من رخام وكان ذراعًا في ذراع ، وقيل : مثل رأس الإنسان ، وقيل : كان من أسس الجنة طوله عشرة أذرع على طول موسى. وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على حمار ، نطق : وقيل : أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه ، حتى سقط إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا ، وقيل : هوالحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل ، فنطق له جبريل : احمل هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته. نطق الزمخشري : ويحتمل حتى تكون اللام للجنس لا للعهد ، أي اضرب الشيء الذي ينطق له الحجر ، وعن الحسن لم يأمره حتى يضرب حجرًا بعينه ، نطق : وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثم يضربه فييبس ، فنطقوا : إذا فقد موسى هذا الحجر عطشنا ، فأوحى الله إليه حتى يحدث الحجارة فتنفجر ولا يمسها بالعصا لعلهم يقرون] (1).

ونطق يحيى بن النضر : قلت لجويبر : كيف من الممكن أن فهم جميع أناس مشربهم ،يا ترى؟ نطق : كان موسى يضع الحجر ، ويقوم من جميع سبط رجل ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا فينضح من جميع عين على رجل ، فيدعوذلك الرجل سبطه إلى تلك العين.

ونطق الضحاك : نطق ابن عباس : لما كان بنوإسرائيل في التيه شق لهم من الحجر أنهارًا.

ونطق سفيان الثوري ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : ذلك في التيه ، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه (2) اثنتا عشرة عينًا من ماء ، لكل سِبْط منهم عين يشربون منها.

ونطق مجاهد نحوقول ابن عباس.

وهذه السيرة شبيهة بالسيرة المذكورة في سورة الأعراف ، ولكن تلك مكية ، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب ؛ لأن الله تعالى يقص ذلك (3) على رسوله صلى الله عليه وسلم عما عمل بهم. وأما في هذه السورة ، وهي البقرة فهي (4) مدنية ؛ فلهذا كان الخطاب فيها متوجهًا إليهم. وأبلغ هناك بقوله : { فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [الأعراف : 160] وهوأول الانفجار ، وأبلغ هاهنا بما آل إليه الأمر (5) آخرًا وهوالانفجار فناسب ذكر الانفجار (6) هاهنا ، وذاك هناك ، والله أفهم.

وبين السياقين تباين من عشرة أوجه لفظية ومعنوية قد سأل عنها الرازي في تفسيره وأجاب عنها بما عنده ، والأمر في ذلك قريب والله تبارك وتعالى أفهم بأسرار كتابه.

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "منه".

في جـ : "نص هنالك".

في و : "فإنها".

في جـ ، و : "الحال".

في جـ : "ذكر هذا".

(1/279)

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى ، طعامًا طيبًا نافعًا هنيئًا سهلا واذكروا دَبَرَكم وضجركم مما رزَقتكم (1) وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيّة من البقول ونحوها مما سألتم. ونطق الحسن البصري رحمه الله : فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم (2) الذي كانوا فيه ، وكانوا قومًا أهل أعداس وبصل وبقل وفوم ، فنطقوا : { يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا [وهم يأكلون المن والسلوى ، لأنه لا يتبدل ولا يتغير جميع يوم فهوكأكل واحد] (3). فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة. وأما "الفوم" فقد اختلف السلف في معناه فسقط في قراءة ابن مسعود "وثومها" بالثاء ، وكذلك فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم ، عنه ، بالثوم. وكذا الربيع بن أنس ، وسعيد بن جبير.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمروبن رافع ، حدثنا أبوعمارة يعقوب بن إسحاق البصري ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : { وَفُومِهَا نطق : نطق ابن عباس : الثوم.

نطقوا : وفي اللغة القديمة : فَوِّمُوا لنا بمعنى : اختبزوا. ونطق ابن جرير : فإن كان ذلك سليمًا ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : سقطوا في "عاثُور شَرّ ، وعافور شر ، وأثافي وأثاثي ، ومغافير ومغاثير". وأشباه (4) ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما ، والله أفهم.

ونطق آخرون : الفوم الحنطة ، وهوالبر الذي يعمل منه الخبز.

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب قراءة ، حدثني نافع بن أبي نعيم : حتى ابن عباس سئِل عن قول الله : { وَفُومِهَا ما فومها ،يا ترى؟ نطق : الحنطة. نطق ابن عباس : أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهويقول :

قد كنتُ أغنى الناس شخصًا واحدًا... وَرَدَ المدينة عن زرَاعة فُوم (5)

ونطق ابن جرير : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجرمي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كُرَيْب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قول الله تعالى : { وَفُومِهَا نطق : الفوم الحنطة بلسان بني هاشم.

__________

في جـ : "مما رزقناكم".

في جـ : "شيمهم".

زيادة من جـ.

في و : "وما أشبه".

البيت في تفسير الطبري (2/129).

(1/280)

وكذا نطق علي بن أبي طلحة ، والضحاك (1) وعكرمة عن ابن عباس حتى الفوم : الحنطة.

ونطق سفيان الثوري ، عن ابن جُرَيْج ، عن مجاهد وعطاء : { وَفُومِهَا نطقا وخبزها.

ونطق هُشَيْم عن يونس ، عن الحسن ، وحصين ، عن أبي مالك : { وَفُومِهَا نطق : الحنطة.

وهوقول عكرمة ، والسدي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم ، والله أفهم (2).

[ونطق الجوهري : الفوم : الحنطة. ونطق ابن دريد : الفوم : السنبلة ، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة حتى الفوم جميع حب يختبز. نطق : ونطق بعضهم : هوالحمص لغة شامية ، ومنه ينطق لبائعه : فامي مغير عن فومي] (3).

ونطق البخاري : ونطق بعضهم : الحبوب التي تؤكل كلها فوم.

وقوله تعالى : { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ فيه تقريع لهم وتوبيخ (4) على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيّة مع ما هم فيه من العيش الرغيد ، والطعام الهنيء الطيب النافع.

وقوله : { اهْبِطُوا مِصْرًا هكذا هومنون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهوقراءة الجمهور بالصرف.

نطق ابن جرير : ولا أستجيز (5) القراءة بغير ذلك ؛ لإجماع المصاحف على ذلك.

ونطق ابن عباس : { اهْبِطُوا مِصْرًا نطق : مصرًا من الأمصار ، رواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعيد (6) البنطق سعيد بن المرزبان ، عن عكرمة ، عنه.

نطق : وروي عن السدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس نحوذلك.

ونطق ابن جرير : سقط في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود : "اهبطوا مصر" من غير إجراء يعني من غير صرف. ثم روى عن أبي العالية ، والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون.

وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية ، وعن الأعمش أيضًا.

ونطق ابن جرير : ويحتمل حتىقد يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضًا. ويكون ذلك من باب الاتباع لكتابة المصحف ، كما في قوله تعالى : { قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا [الإنسان : 15 ، 16]. ثم توقف في المراد ما ،يا ترى؟ أمصر فرعون أم مصر من الأمصار ؟

وهذا الذي نطقه فيه نظر ، والحق حتى المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره ،

__________

في ط : "عن الضحاك".

في جـ ، ط ، أ ، و : "فالله أفهم".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "وتوبيخ لهم".

في أ : "ولا أستحسن".

في جـ : "أبي سعد".

(1/281)

والمعنى على ذلك لأن موسى ، عليه السلام يقول لهم : هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هوكثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه ، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار حتى أسأل الله فيه ؛ ولهذا نطق : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ أي : ما طلبتم ، ولما كان سؤالهم (1) هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه ، لم يجابوا إليه ، والله أفهم

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)

يقول تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي : وضعت عليهم وألزموا بها شَرْعًا وقدرًا ، أي : لا يزالون مستذلين ، من وجدهم استذلهم وأهانهم ، وضرب عليهم الصغار ، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون (2).

نطق الضحاك عن ابن عباس في قوله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ نطق : هم أصحاب النيالات (3) يعني أصحاب الجزية.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ نطق : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون (4) ، ونطق الضحاك : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ نطق : الذل. ونطق الحسن : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية.

ونطق أبوالعالية والربيع بن أنس والسدي : المسكنة الفاقة. ونطق عطية العوفي : الخراج. ونطق الضحاك : الجزية.

وقوله تعالى : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ نطق الضحاك : استحقوا الغضب من الله ، ونطق الربيع بن أنس : فحدَثَ عليهم غضب من الله. ونطق سعيد بن جبير : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يقول : استوجبوا سخطًا ، ونطق ابن جرير : يعني بقوله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ انصرفوا ورجعوا ، ولا ينطق : باؤوا إلا موصولا إما بخير وإما بشر ، ينطق منه : باء فلان بذنبه يبوء به بَوْءًا وبواء. ومنه قوله تعالى : { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ [المائدة : 29] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذًا : فرجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم من الله سخط.

وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ يقول تعالى :

__________

في جـ ، ط : "كان سألهم".

في جـ : "مستذلين" ، وفي ط ، أ ، و : "مستكينين".

في جـ ، طـ ، و : "القبالات" ، وفي أ : "السالات".

تفسير عبد الرزاق (1/ 69).

(1/282)

هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة ، وإحلال الغضب بهم (1) بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى (2) حتى أفضى بهم الحال إلى حتى قتلوهم ، فلا كبْر أعظم من هذا ، أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ؛ ولهذا اتى في الحديث المتفق على صحته حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "الكبر بَطَر الحق ، وغَمْط الناس" (3).

ونطق الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن عمروبن سعيد ، عن حميد بن عبد الرحمن ، نطق : نطق ابن مسعود : كنت لا أحجب عن النَّجْوى ، ولا عن كذا ولا عن كذا نطق : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي ، فأدركته (4) من آخر حديثه ، وهويقول : يا رسول الله ، قد قسم لي من الجمال ما ترى ، فما أحب حتى أحدًا من الناس فَضَلني بشراكين فما فوقهما أفليس ذلك هوالبغي ،يا ترى؟ فنطق : "لا ليس ذلك من البغي ، ولكن البغي مَنْ بطر - أونطق : سفه الحق - وغَمط الناس". يعني : رد الحق وانتقاص الناس ، والازدراء بهم والتعاظم عليهم. ولهذا لما ارتكب بنوإسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتل أنبيائهم ، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقًا (5).

نطق أبوداود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، نطق : كانت بنوإسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار.

وقد نطق الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبان ، حدثنا عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود - حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي ، أواغتال نبيًا ، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين" (6).

وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به ، أنهم كانوا يعصون ويعتدون ، فالعصيان عمل المناهي ، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه أوالمأمور به. والله أفهم.

__________

في جـ : "عليهم".

في جـ ، ط ، أ ، و : "حتى".

رواه مسلم في سليمه برقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

في جـ ، ط : "نطق فأدركت".

المسند (1/385).

المسند (1/407).

(1/283)

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)

لما بين [الله] (1) تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره ، وتعدى في عمل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم ، وما أحلّ بهم من النكال ، نبه تعالى على حتى مَنْ أحسن من الأمم السالفة وأطاع ، فإن له جزاء الحسنى ، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة ؛ كُلّ من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ، ولا هُمْ يحزنون على ما يهجرونه ويخلفونه ، كما نطق تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس : 62] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت : 30].

نطق (2) ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العَدني ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، نطق : نطق سلمان : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم ، فذكرتُ من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ إلى آخر الآية.

ونطق السدي : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية : نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، بينا هويحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذْ ذكر أصحابه ، فأبلغه خبرهم ، فنطق : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ، ويشهدون (3) أنك ستبعث نبيًا ، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ، نطق له نبي الله صلى الله عليه وسلم : "يا سلمان ، هم من أهل النار". فاشتد ذلك على سلمان ، فأنزل الله هذه الآية ، فكان إيمان اليهود : أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ، عليه السلام ؛ حتى اتى عيسى. فلما اتى عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى ، فلم يدعها ولم يتبع عيسى ، كان هالكًا. وإيمان النصارى حتى (4) من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولا منه حتى اتى محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبعْ محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم ويَدَعْ (5) ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل - كان هالكا.

ونطق ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير نحوهذا.

قلت : وهذا لا ينافي ما روى عَليّ بن (6) أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ الآية فأنزل الله بعد ذلك : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85].

__________

زيادة من أ.

في جـ : "ونطق".

في جـ : "ويشهدوا".

في أ : "أنه".

في أ : "ولم يدع".

في جـ : "عن ابن".

(1/284)

فإن هذا الذي نطقه [ابن عباس] (1) إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد حتى بعثه [الله] (2) بما بعثه به ، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهوعلى هدى وسبيل ونجاة ، فاليهود أتباع موسى ، عليه السلام ، الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.

واليهود من الهوادة وهي المودة أوالتهود وهي التوبة ؛ كقول موسى ، عليه السلام : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف : 156] أي : تبنا ، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض.

[وقيل : لنسبتهم إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام ، ونطق أبوعمروبن العلاء : لأنهم يتهودون ، أي : يتحركون عند قراءة التوراة] (3).

فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم (4) وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له ، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى ، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم ، وقد ينطق لهم : أنصار أيضًا ، كما نطق عيسى ، عليه السلام : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران : 52] وقيل : إنهم إنما سُمّوا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضًا ينطق لها ناصرة ، نطقه قتادة وابن جُرَيج ، وروي عن ابن عباس أيضًا ، والله أفهم.

والنصارى : جمع نصران (5) كنشاوى جمع نشوان ، وسكارى جمع سكران ، وينطق للمرأة : نصرانة ، نطق الشاعر :

نصرانة لم تَحَنَّفِ (6)

فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتمًا للنبيين ، ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق ، وجب عليهم تصديقُه فيما أبلغ ، وطاعته فيما أمر ، والانكفاف عما عنه زجر. وهؤلاء هم المؤمنون [حقا] (7). وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. وأما الصابئون فقد اختلف فيهم ؛ فنطق سفيان الثوري ، عن ليث بن أبي سليم ، عن

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من أ.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "عليه السلام".

في جـ : "نصراني".

البيت في تفسير الطبري (2/144) وهولأبي الأخز الحماني ، وهذا جزء منه وهوبتمامه : فكلتاهما خرت وأسجد رأسها... كما سجدت نصرانة لم تحنف

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

(1/285)

مجاهد ، نطق : الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ، ليس لهم دين. وكذا رواه ابن أبي نجيح ، عنه وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحوذلك.

ونطق أبوالعالية والربيع بن أنس ، والسدي ، وأبوالشعثاء جابر بن زيد ، والضحاك [وإسحاق بن راهويه] (1) الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور.

[ولهذا نطق أبوحنيفة وإسحاق : لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم] (2).

ونطق هشيم عن مطرف : كنا عند الحكم بن عتيبة (3) فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين : إنهم كالمجوس ، فنطق الحكم : ألم أقول لكم بذلك.

ونطق عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن عبد الكريم : سمعت الحسن ذكر الصابئين ، فنطق : هم قوم يعبدون الملائكة.

[ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، عن الحسن نطق : أبلغ زياد حتى الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس. نطق : فأراد حتى يضع عنهم الجزية. نطق : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة] (4).

ونطق أبوجعفر الرازي : بلغني حتى الصابئين قوم يعبدون الملائكة ، ويقرؤون الزبور ، ويصلون إلى القبلة.

وكذا نطق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أبلغنا ابن وهب ، أبلغني ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، نطق : الصابئون قوم مما يلي العراق ، وهم بكوثى ، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ، ويصومون من جميع سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمن جميع يوم خمس صلوات.

وسئل وهب بن منبه عن الصابئين ، فنطق : الذي يعهد الله وحده ، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرًا.

ونطق عبد الله بن وهب : نطق عبد الرحمن بن زيد : الصابئون أهل دين من الأديان ، كانوا بجزيرة الموصل يقولون : لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول : لا إله إلا الله ، نطق : ولم يؤمنوا برسول ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : هؤلاء الصابئون ، يشبهونهم بهم ، يعني في قول : لا إله إلا الله.

ونطق الخليل (5) هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ، إلا حتى قبلتهم نحومهب الجنوب ، يزعمون

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "عيينة".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في أ : "الخدري".

(1/286)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)

أنهم على دين نوح ، عليه السلام. وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن أبي نجيح : أنهم قوم هجرب دينهم بين اليهود والمجوس ، ولا تؤكل ذبائحهم ، نطق ابن عباس : ولا تنكح نساؤهم. نطق القرطبي : والذي تحصل من ممضىهم فيما ذكره بعض الفهماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم ، وأنهم فاعلة ؛ ولهذا أفتى أبوسعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم ، واختار فخر الدين الرازي حتى الصابئين قوم يعبدون الكواكب ؛ بمعنى حتى الله جعلها قبلة للعبادة والنادىء ، أوبمعنى حتى الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها ، نطق : وهذا القول هوالمنسوب إلى الكشرانيين الذين اتىهم إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، رادًا عليهم ومبطلا لقولهم.

وأظهر الأقوال ، والله أفهم ، قول مجاهد ومتابعيه ، ووهب بن منبه : أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين ، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه ؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي ، أي : أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك.

ونطق بعض الفهماء : الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، والله أفهم.

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)

يقول تعالى مذكرًا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتباع رسله ، وأبلغ تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق حمل الجبل على رؤوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه ، ويأخذوه (1) بقوة وحزم وهمة وامتثال (2) كما نطق تعالى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف : 171] الطور هوالجبل ، كما فسره بآية (3) الأعراف ، ونص على ذلك ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس ، وغير واحد ، وهذا ظاهر (4).

وفي رواية عن ابن عباس : الطور ما أنبت من الجبال ، وما لم ينبت فليس بطور.

وفي حديث الفتون : عن ابن عباس : أنهم لما امتنعوا عن الطاعة حمل عليهم الجبل ليسمعوا [فسجدوا] (5).

ونطق السدي : فلما أبوا حتى يسجدوا أمر الله الجبل حتى يقع عليهم ، فنظروا إليه وقد غشيهم ،

__________

في جـ ، ط : "فأخذوه".

في أ : "امتثال أمر".

في جـ ، ط : "فسرنا به آية".

في ط : "وهذا الظاهر".

زيادة من جـ.

(1/287)

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

فسقطوا سجدًا [فسجدوا] (1) على شق ، ونظروا بالشق الآخر ، فرحمهم الله فكشفه عنهم ، فنطقوا (2) والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم ، فهم يسجدون كذلك ، وذلك قوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ (3) الطُّورَ .

ونطق الحسن في قوله : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ يعني التوراة.

ونطق أبوالعالية ، والربيع بن أنس : { بِقُوَّةٍ أي بطاعة. ونطق مجاهد : بقوة : بعمل بما فيه. ونطق قتادة { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ القوة : الجد وإلا قذفته (4) عليكم.

نطق : فأقروا بذلك : أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة. ومعنى قوله : وإلا قذفته عليكم ، أي (5) أسقطه عليكم ، يعني الجبل.

ونطق أبوالعالية والربيع : { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ يقول : اقرؤوا ما في التوراة واعملوا به.

وقوله تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يقول تعالى : ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه { فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي : توبته (6) عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم { لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة.

{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

يقول تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ يا معشر اليهود ، ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره ، إذ كان مشروعًا لهم ، فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت ، بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت ، فلما اتىت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل ، فلم تخلص منها يومها ذلك ، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت. فلما عملوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة ، وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل (7) الظاهر وليست بإنسان حقيقة. فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لما كانت مماثلة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن ، كان جزاؤهم من جنس عملهم. وهذه السيرة مبسوطة في سورة الأعراف ، حيث يقول تعالى : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف : 163 ] السيرة بكمالها.

__________

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

في جـ : "فنطق".

في جـ : "فوقهم" وهوخطأ.

في جـ ، ب ، أ ، و : "دفنته".

في جـ ، ب ، أ ، و : "دفنته إلا".

في جـ ، ط ، أ ، و : "أي بتوبته".

في جـ : "بالأناسي والشكل".

(1/288)

ونطق السدي : أهل هذه القرية هم أهل "أيلة". وكذا نطق قتادة ، وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إذا شاء الله وبه الثقة (1).

وقوله : { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبوحذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ نطق : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنما هومثل ضربه الله { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة : 5].

ورواه ابن جرير ، عن المثنى ، عن أبي (2) حذيفة. وعن محمد بن عمرو(3) الباهلي ، عن أبي عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، به.

وهذا سند جيد عن مجاهد ، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره ، نطق الله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ الآية [المائدة : 60].

ونطق العوفي في تفسيره عن ابن عباس : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فجعل [الله] (4) منهم القردة والخنازير. فزعم حتى شباب القوم صاروا قردة والمشيخة صاروا خنازير.

ونطق شيبان النحوي ، عن قتادة : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فصار القوم قرودًا تعاوى لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء.

ونطق عطاء الخراساني : نودوا : يا أهل القرية ، { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون : يا فلان ، ألم ننهكم ،يا ترى؟ فيقولون برؤوسهم ، أي بلى.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين (5) حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة بالمصيصة ، حدثنا محمد بن مسلم - يعني الطائفي - عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، نطق : إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فُوَاقا ثم هلكوا. ما كان للمسخ (6) نسل (7).

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، يقول : إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام ، نطق : ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة أيام التي ذكرها الله (8) في كتابه ، فمسخ [الله] (9) هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يعمل بمن يشاء كما يشاء. ويحوله كما يشاء.

ونطق أبوجعفر الرازي عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ نطق : يعني

__________

في أ : "وبه الثقة والإعانة".

في جـ : "عن أبو" وهوخطأ.

في جـ ، ب : "بن عمر".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب : "الحسن".

في جـ : "للمسيخ".

تفسير ابن أبي حاتم (1/209).

في جـ ، ط ، ب : "التي ذكر الله".

زيادة من أ.

(1/289)

أذلة صاغرين. وروي عن مجاهد ، وقتادة والربيع ، وأبي مالك ، نحوه.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، نطق : نطق ابن عباس : إذا الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - فخالفوا إلى (1) السبت فعظموه ، وهجروا ما أمروا به. فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه ، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره. وكانوا في قرية بين أيلة والطور ، ينطق لها : "مدين" ؛ فحرم الله عليهم في السبت الحيتان : صيدها وأكلها. وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعًا إلى ساحل بحرهم ، حتى إذا مضى السبت مضىن ، فلم يروا حوتًا صغيرًا ولا كبيرًا. حتى إذا كان يوم السبت أتين شرعًا ، حتى إذا مضى السبت مضىن ، فكانوا كذلك ، حتى إذا طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان ، عمد رجل (2) منهم فأخذ حوتًا سرًا يوم السبت ، فخزمه بخيط ، ثم أوفده في الماء ، وأوتد له وتدًا في الساحل فأوثقه ، ثم هجره. حتى إذا كان الغد اتى فأخذه ، أي : إني لم آخذه في يوم السبت ثم انطلق به فأكله. حتى إذا كان يوم السبت الآخر ، عاد لمثل ذلك ، ووجد الناس ريح الحيتان ، فنطق أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان ، ثم عثروا على صنيع (3) ذلك الرجل. نطق : فعملوا كما عمل ، وصنعوا (4) سرًا زمانًا طويلا لم يعجل الله عليهم العقوبة (5) حتى صادوها علانية وباعوها في بالأسواق (6). فنطقت طائفة منهم من أهل البقية : ويحكم ، اتقوا الله. ونهوهم عما يصنعون. فنطقت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ، ولم تنه القوم عما صنعوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ لسخطنا أعمالهم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف : 164].

نطق ابن عباس : فبينما هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم وفقدوا الناس فلم يرونهم نطق : فنطق بعضهم لبعض : إذا للناس لشأنًا! فانظروا ما هو. فمضىوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوها ليلا فغلقوها على أنفسهم ، كما يغلق الناس على أنفسهم فأصبحوا فيها قردة ، وإنهم ليعهدون الرجل بعينه وإنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة ، والصبي بعينه وإنه لقرد. نطق : يقول ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء لقلنا (7) أهلك الجميع منهم ، نطق : وهي القرية التي نطق الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ الآية [الأعراف : 163]. وروى الضحاك عن ابن عباس نحوًا من هذا.

نطق (8) السدي في قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ نطق : فهم أهل "أيلة" ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر ، فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود حتى يعملوا (9) في السبت شيئًا - لم يبق في البحر حوت إلا خرج ،

__________

في جـ ، ط : "إلي يوم".

في جـ : "عمد رجلا" وهوخطًا.

في جـ : "على صنع".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وأكلوا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بعقوبة".

في جـ : "في الأسواق".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "لقد".

في جـ ، ط ، ب : "ونطق".

في جـ ، ط : "أن تعمل".

(1/290)

حتى يخرجن خراطيمهن من الماء ، فإذا كان يوم الأحد لزمن مقل البحر ، فلم ير منهن شيء (1) حتىقد يكون يوم السبت ، فذلك قوله تعالى : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ] (2) . فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ، ويجعل لها نهرًا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت حتى يخرج ، فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر ، فيمكث فإذا كان يوم الأحد اتى فأخذه ، فجعل الرجل يشوي السمك فيجد جاره ريحه فيسأله فيخبره ، فيصنع مثل ما خلق جاره ، حتى فشا فيهم أكل السمك ، فنطق لهم فهماؤهم : ويحكم! إنما تصطادون يوم السبت ، وهولا يحل لكم ، فنطقوا : إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه. فنطق الفهماء (3) لا ولكنكم صدتموه يوم فتحكم (4) الماء فدخل ، نطق : وغلبوا حتى ينتهوا. فنطق بعض (5) الذين نهوهم لبعض : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا يقول : لم تعظوهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم ،يا ترى؟ فنطق بعضهم : { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف : 164] فلما أبوا نطق المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة. فقسموا القرية بجدار ، ففتح المسلمون بابًا والمعتدون في السبت بابًا ، ولعنهم داود ، عليه السلام ، فجعل المسلمون يخرجون من بابهم ، والكفار من بابهم ، فخرج المسلمون ذات يوم ، ولم يفتح الكفار بابهم ، فلما أبطأوا عليهم تسور المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم ، فمضىوا في الأرض ، فذلك قول الله تعالى : { فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف : 166 ] وذلك حين يقول : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة : 78 ]. فهم القردة.

قلت : والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة بيان خلاف ما مضى إليه مجاهد ، رحمه الله ، من حتى مسخهم إنما كان معنويًا لا صوريًا بل السليم أنه معنوي صوري ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ نطق بعضهم : الضمير في { فَجَعَلْنَاهَا عائد على القردة ، وقيل : على الحيتان ، وقيل : على العقوبة ، وقيل : على القرية ؛ حكاها ابن جرير.

والسليم حتى الضمير عائد على القرية ، أي : فجعل الله هذه القرية ، والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم { نَكَالا أي : عاقبناهم عقوبة ، فجعلناها (6). عبرة ، كما نطق الله عن فرعون : { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى [النازعات : 25].

__________

في جـ : "شيئًا" وهوخطأ.

زيادة من جـ.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "الفقهاء".

في أ ، و : "فتحتم له".

في أ : "فنطق بعضهم".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فجعلناهم".

(1/291)

وقوله : { لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا أي من القرى. نطق (1) ابن عباس : يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى. كما نطق تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف : 27] ، ومنه قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا الآية [الرعد : 41 ] ، على أحد الأقوال ، فالمراد : لما بين يديها وما خلفها في المكان ، كما نطق محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى. وكذا نطق سعيد بن جبير { لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا [نطق] (2) من بحضرتها من الناس يومئذ.

وروي عن إسماعيل بن أبي خالد ، وقتادة ، وعطية العوفي : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْها [وَمَا خَلْفَهَا] (3) نطق : ما [كان] (4) قبلها من الماضين في شأن السبت.

ونطق أبوالعالية والربيع وعطية : { وَمَا خَلْفَهَا لما (5) بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل حتى يعملوا مثل عملهم.

وكان هؤلاء يقولون : المراد بما بين يديها وما خلفها في الزمان.

وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس حتىقد يكون أهل تلك القرية عبرة لهم ، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام حتى تفسر الآية به وهوحتىقد يكون عبرة لمن سبقهم ،يا ترى؟ هذا لعل أحدًا من الناس لا يقوله بعد تصوره ، فتعين حتى المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان ، وهوما حولها من القرى ؛ كما نطقه ابن عباس وسعيد بن جبير ، والله أفهم.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا أي : عقوبة لما خلا من ذنوبهم.

ونطق ابن أبي حاتم (6) وروى عن عكرمة ، ومجاهد ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوذلك.

وحكى القرطبي ، عن ابن عباس والسدي ، والفراء ، وابن عطية { لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا بين ذنوب القوم { وَمَا خَلْفَهَا لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب ، وحكى فخر الدين ثلاثة أقوال :

أحدها : حتى المراد بما بين يديها وما خلفها : من تقدمها من القرى ، بما عندهم من الفهم بخبرها ، بالخط المتقدمة ومن بعدها.

الثاني : المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم.

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "نطقه".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "لمن".

في أ : "ونطق ابن أبي جرير".

(1/292)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)

والثالث : أنه جعلها تعالى عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا العمل وما بعده ، نطق : وهذا قول الحسن. قلت : وأرجح الأقوال حتى المراد بما بين يديها وما خلفها : من بحضرتها من القرى التي يبلغهم خبرها ، وما حل بها ، كما نطق : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف : 27] ونطق تعالى : { وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ [الرعد : 31] ، ونطق { أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء : 44 ] ، فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم ، وعبرة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم ، ولهذا نطق : { وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

وقوله تعالى : { وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ نطق محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ الذين من بعدهم إلى يوم القيامة.

ونطق الحسن وقتادة : { وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ بعدهم ، فيتقون نقمة الله ، ويحذرونها.

ونطق السدي ، وعطية العوفي : { وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ نطق : أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قلت : المراد بالموعظة هاهنا الزاجر ، أي : جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في لقاءة ما ارتكبوه من محارم الله ، وما تحيلوا به من الحيل ، فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم ، كما نطق الإمام أبوعبد الله بن بطة : حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو[عن أبي سلمة] (1) عن أبي هريرة : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "لا ترتكبوا ما ارتكب (2) اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" (3).

وهذا إسناد جيد ، وأحمد بن محمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبوبكر الخطيب البغدادي ، وباقي رجاله مشهورون على شرط السليم. والله أفهم.

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)

يقول تعالى : واذكروا - يا بني إسرائيل - نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة ، وبيان القاتل من هوبسببها وإحياء الله المقتول ، ونصه على من قتله منهم. [مسألة الإبل تنحر والغنم تذبح واختلفوا في البقر فقيل : تذبح ، وقيل : تنحر ، والذبح أولى لنص القرآن ولقرب منحرها من مذبحها. نطق ابن المنذر : ولا أفهم خلافا سليمًا بين ما ينحر أونحر ما يذبح ، غير حتى مالكا كره ذلك. وقد يكره الإنسان ما لا يحرم ، ونطق أبوعبد الله : أفهم حتى نزول سيرة البقرة على موسى ،

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ما ارتكبت".

جزء الخلع وإبطال الحيل لابن بطة (ص24).

(1/293)

عليه السلام ، في أمر القتيل قبل نزول القسامة في التوراة.

بسط السيرة] (1) - كما نطق ابن أبي حاتم - :

حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن (2) عبيدة السلماني ، نطق : كان رجل من بني إسرائيل عقيمًا لا يولد له ، وكان له مال كثير ، وكان (3) ابن أخيه وارثه ، فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا ، وركب بعضهم إلى (4) بعض ، فنطق ذووالرأي منهم والنهى : علام يقتل بعضكم بعضًا وهذا رسول الله فيكم ،يا ترى؟ فأتوا موسى ، عليه السلام ، فذكروا ذلك له ، فنطق : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ نطق : فلولم يعترضوا [البقر] (5) لأجزأت عنهم أدنى بقرة ، ولكنهم (6) شددوا فشدد عليهم ، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها ، فنطق : والله لا أنقصها من ملء جلدها مضىا ، فأخذوها بملء جلدها مضىًا فذبحوها ، فضربوه ببعضها فقام فنطقوا : من قتلك ،يا ترى؟ فنطق : هذا ، لابن أخيه. ثم مال ميتًا ، فلم يعط من ماله شيئًا ، فلم يورث قاتل بعد.

ورواه ابن جرير من حديث أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة (7) بنحومن ذلك (8) والله أفهم.

ورواه عبد بن حميد في تفسيره : أنبأنا يزيد بن هارون ، به.

ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره ، عن أبي جعفر - هوالرازي - عن هشام بن حسان ، به. ونطق آدم بن أبي إياس في تفسيره : أنبأنا أبوجعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً نطق : كان رجل من بني إسرائيل ، وكان غنيًا ، ولم يكن له ولد ، وكان له قريب وكان وارثه ، فقتله ليرثه ، ثم ألقاه على مجمع الطريق ، وأتى موسى ، عليه السلام ، فنطق له : إذا قريبي اغتال وإني إلى أمر عظيم ، وإني لا أجد أحدًا يبين [لي] (9) من قتله غيرك يا نبي الله. نطق : فنادى موسى في الناس ، فنطق : أنشد الله من كان عنده من هذا فهم إلا بينه لنا ، [نطق] (10) : فلم يكن عندهم فهم ، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام ، فنطق له : أنت نبي الله فاسأل لنا ربك حتى يبين لنا ، فسأل ربه فأوحى الله إليه : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فعجبوا من

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

في جـ : "بن".

في ط ، ب : "وكان له".

في جـ : "على".

زيادة من ب.

في جـ : "ولكن".

في جـ : "عبدة".

تفسير ابن أبي حاتم (1/214) وتفسير الطبري (1/337).

زيادة من ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من أ.

(1/294)

ذلك ، فنطقوا : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ يعني : لا هرمة { وَلا بِكْرٌ يعني : ولا صغيرة { عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ أي : نصف بين البكر والهرمة { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا أي : صاف لونها { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أي : تعجب الناظرين { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ أي : لم يذللها (1) العمل { تُثِيرُ الأرْضَ يعني : وليست بذلول تثير الأرض { وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ يقول : ولا تعمل في الحرث { مُسَلَّمَةٌ يعني : مسلمة من العيوب { لا شِيَةَ فِيهَا يقول : لا بياض فيها { قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ نطق : ولوحتى القوم حين أمروا حتى يذبحوا بقرة ، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، ولولا حتى القوم استثنوا فنطقوا : { وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ لما هدوا إليها أبدًا. فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى ، وهي القيمة عليهم ، فلما فهمت أنه لا يزكولهم (2) غيرها ، أضعفت عليهم الثمن. فأتوا موسى فأبلغوه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة ، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها. فنطق لهم موسى : إذا الله قد كان خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها. فعملوا ، واشتروها (3) فذبحوها ، فأمرهم موسى ، عليه السلام ، حتى يأخذوا عظمًا (4) منها فيضربوا به القتيل ، فعملوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتًا كما كان ، فأخذ قاتله - وهوالذي كان أتى موسى فشكا إليه [مقتله] (5) - فقتله الله على أسوأ (6) عمله.

ونطق محمد بن جرير : حدثني ابن سعد (7) حدثني أبي ، حدثني عمي ، حدثني أبي ، عن أبيه [عن جده] (8) عن ابن عباس ، في قوله في شأن البقرة : وذلك حتى شيخًا من بني إسرائيل على عهد موسى ، عليه السلام ، كان مكثرًا من المال ، وكان بنوأخيه فقراء لا مال لهم ، وكان الشيخ لا ولد له وبنوأخيه ورثته فنطقوا : ليت (9) عمنا قد توفي فورثنا ماله ، وإنه لما تطاول عليهم ألا يموت عمهم ، أتاهم الشيطان فنطق لهم : هل لكم إلى حتى تقتلوا عمكم ، فترثوا ماله ، وَتُغْرِمُوا أهل المدينة التي لستم بها ديته ، وذلك أنهما كانتا مدينتين ، كانوا في إحداهما وكان القتيل إذا اغتال فطرح بين المدينتين (10) قيس ما بين القتيل والقريتين فأيهما (11) كانت أقرب إليه غرمت الدية ، وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك ، وتطاول عليهم ألا يموت عمهم عمدوا إليه فقتلوه ، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها. فلما أصبح أهل المدينة اتى بنوأخي الشيخ ، فنطقوا : عمنا اغتال على باب مدينتكم ، فوالله

__________

في ب ، أ ، و : "لم يذلها".

في أ : "أنهم لا يهجروا".

في ط : "واشتروا".

في جـ : "عظمها".

زيادة من و.

في جـ : "أشر" ، وفي أ : "سوء".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ابن أبي سعيد".

زيادة من أ ، و.

في جـ : "يا ليت".

في ب : "القريتين".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فأيتهما".

(1/295)

لتغرمن لنا دية عمنا. نطق أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا فهمنا (1) قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا. وإنهم عمدوا إلى موسى ، عليه السلام ، فلما أتوه نطق بنوأخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم. ونطق أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا ، وإنه جبريل (2) اتى بأمر (3) السميع العليم إلى موسى ، عليه السلام ، فنطق : قل لهم : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فتضربوه ببعضها.

ونطق السدي : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً نطق : كان رجل من بني إسرائيل مكثرًا من المال وكانت له ابنة ، وكان له ابن أخ محتاج ، فخطب إليه ابن أخيه ابنته ، فأبى حتى يزوجه ، فغضب الفتى ، ونطق : والله لأقتلن عمي ، ولآخذن ماله ، ولأنكحن ابنته ، ولآكلن ديته. فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل ، فنطق : يا عم (4) انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم ، لعلي حتى أصيب منها (5) فإنهم إذا رأوك معي أعطوني. فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ، ثم عاد إلى أهله. فلما أصبح اتى كأنه يطلب عمه ، كأنه لا يدري أين هو، فلم يجده. فانطلق نحوه ، فإذا هوبذلك السبط مجتمعين عليه ، فأخذهم ونطق : قتلتم عمي ، فأدوا إليّ ديته فجعل يبكي ويحثوالتراب على رأسه ، وينادي : واعماه. فحملهم إلى موسى ، فقضى عليهم بالدية ، فنطقوا له : يا رسول الله ، ادع الله لنا (6) حتى يبين لنا من صاحبه ، فيؤخذ صاحب الجريمة (7) فوالله إذا ديته علينا لهينة ، ولكنا نستحيي حتى نعير به فذلك حين يقول الله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فنطق لهم موسى ، عليه السلام : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً نطقوا : نسألك عن القتيل وعمن قتله ، وتقول : اذبحوا بقرة. أتهزأ بنا! { قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ نطق ابن عباس : فلواعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا وتعنتوا [على] (8) موسى فشدد الله عليهم. فنطقوا : { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ والفارض : الهرمة التي لا تلد ، والبكر التي لم تلد إلا ولدًا واحدًا. والعوان : النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها { فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا نطق : نقي لونها { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ نطق : تعجب الناظرين { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ* قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا من بياض ولا سواد ولا حمرة { قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فطلبوها فلم يقدروا عليها.

__________

في جـ : "ما قتلناه ولا فهمناه".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وإن جبريل".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بأمر ربه".

في جـ : "يا عمي".

في جـ : "فيها".

في ب ، أ ، و : "ادع لنا الله".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "الفرصة".

زيادة من جـ ، أ.

(1/296)

وكان رجل في (1) بني إسرائيل ، من أبر الناس بأبيه ، وإن رجلا مر به معه لؤلؤ يبيعه ، وكان أبوه نائمًا تحت رأسه المفتاح ، فنطق له الرجل : تشتري (2) مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفًا ،يا ترى؟ فنطق له الفتى : كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفًا. فنطق الآخر : أيقظ أباك وهولك بستين ألفًا ، فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفًا ، وزاد الآخر على حتى ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف ، فلما أكثر عليه نطق : والله لا أشتريه منك بشيء أبدًا ، وأبى حتى يوقظ أباه ، فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ حتى جعل له تلك البقرة ، فمرت به بنوإسرائيل يطلبون البقرة وأبصروا البقرة عنده ، فسألوه حتى يبيعهم إياها بقرة ببقرة ، فأبى ، فأعطوه ثنتين فأبى ، فزادوه حتى بلغوا عشرا ، فأبى ، فنطقوا : والله لا نهجرك حتى نأخذها منك. فانطلقوا به إلى موسى ، عليه السلام ، فنطقوا : يا نبي الله ، إنا وجدناها عند هذا فأبى حتى يعطيناها وقد أعطيناه ثمنًا فنطق له موسى : أعطهم بقرتك. فنطق : يا رسول الله ، أنا أحق بمالي. فنطق : صدقت. ونطق للقوم : أرضوا صاحبكم ، فأعطوه وزنها مضىًا ، فأبى ، فأضعفوا (3) له مثل ما أعطوه وزنها ، حتى أعطوه وزنها عشر مرات مضىًا ، فباعهم إياها وأخذ ثمنها ، فذبحوها. نطق : اضربوه ببعضها ، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين ، فعاش ، فسألوه : من قتلك ،يا ترى؟ فنطق لهم : ابن أخي ، نطق : أقْتُلُهُ ، فآخذُ مالَه ، وأنكح ابنتَه. فأخذوا الغلام فقتلوه (4).

ونطق سنيد : حدثنا حجاج ، هوابن محمد ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، وحجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - ولج حديث بعضهم في حديث بعض - نطقوا : إذا سبطًا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس ، بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس ، فكانوا إذا أمسوا لم يهجروا أحدًا منهم خارجًا إلا أدخلوه ، وإذا افتتحوا (5) قام رئيسهم فنظر وأشرف ، فإذا لم ير شيئًا فتح المدينة ، فكانوا مع الناس حتى يمسوا. نطق : وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ، ولم يكن له وارث غير أخيه ، فطال عليه حياته فقتله ليرثه ، ثم حمله فوضعه على باب المدينة ، ثم كمن في مكان هووأصحابه. نطق : فأشرف (6) رئيس المدينة على باب المدينة فنظر ، فلم ير شيئًا ففتح الباب ، فلما رأى القتيل رد الباب ، فناداه أخوالمقتول وأصحابه : هيهات! قتلتموه ثم تردون الباب. وكان موسى لما رأى القتل كثيرًا في أصحابه بني إسرائيل ، كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذهم ، فكادقد يكون بين أخى المقتول وبين أهل المدينة قتال ، حتى لبس الفريقان السلاح ، ثم كف بعضهم عن بعض ، فأتوا موسى فذكروا له شأنهم. نطقوا : يا رسول الله ، إذا هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب ، ونطق أهل المدينة : يا رسول الله قد عهدت اعتزالنا الشرور (7) وبنينا مدينة ، كما رأيت ، نعتزل شرور الناس ، والله ما قتلنا ولا فهمنا قاتلا. فأوحى الله تعالى إليه حتى يذبحوا بقرة فنطق لهم موسى :

__________

في جـ : "من".

في أ : "اقتنى".

في جـ ، ط ، ب : "فأضعفوه".

تفسير الطبري (2/185).

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وإذا أصبحوا".

في و : "فتشرف".

في جـ : "اعتزالنا عن الناس الشرور".

(1/297)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (1).

وهذه السياقات [كلها] (2) عن عبيدة (3) وأبي العالية والسدي وغيرهم ، فيها اختلاف ما ، والظاهر أنها مأخوذة من خط بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها (4) ولكن لا نصدق ولا نكذب (5) فلهذا لا نعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا ، والله أفهم.

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)

أبلغ تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم. ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق عليهم ، ولوأنهم ذبحوا أي بقرة كانت لسقطت المسقط عنهم ، كما نطق ابن عباس وعبيدة وغير واحد ، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ، فنطقوا : { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ما هذه البقرة ،يا ترى؟ وأي شيء صفتها ؟

نطق (6) ابن جرير : حدثنا أبوكريب ، حدثنا عثام (7) بن علي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : لوأخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم (8).

إسناد سليم ، وقد رواه غير واحد عن ابن عباس. وكذا نطق عبيدة ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبوالعالية وغير واحد.

ونطق ابن جريج : نطق [لي] (9) عطاء : لوأخذوا أدنى بقرة كفتهم. نطق ابن جريج : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ؛ وايم الله لوأنهم لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد" (10).

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ أي : لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها (11)

__________

ورواه الطبري في تفسيره (2/188) من طريق سنيد.

زيادة من جـ.

في أ : "أبي عبيدة".

في أ : "عمله".

في ط ، ب : "لا تصدق ولا تكذب".

في ط : "ونطق".

في جـ : "هشام".

تفسير الطبري (2/204).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

رواه الطبري في تفسيره (2/205).

في جـ ، ط : "يلقحها" ، وفي أ : "ينكحها".

(1/298)

الفحل ، كما نطقه أبوالعالية ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطية العوفي ، وعطاء الخراساني (1) ووهب بن منبه ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، ونطقه ابن عباس أيضًا.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس { عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [يقول : نصف] (2) بين الكبيرة والصغيرة ، وهي أقوى ماقد يكون من الدواب والبقر وأحسن ما تكون. وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، وعطاء الخراساني ، والضحاك نحوذلك.

ونطق السدي : العوان : النصف التي بين ذلك التي ولدت ، وولد ولدها.

ونطق هشيم ، عن جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في البقرة : كانت بقرة وحشية.

ونطق ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها ، وذلك قوله (3) تعالى : { صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ وكذا نطق مجاهد ، ووهب بن منبه أنها كانت صفراء.

وعن ابن عمر : كانت صفراء الظلف. وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا نوح بن قيس ، أنبأنا أبوراتى ، عن الحسن في قوله : { بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا نطق : سوداء شديدة السواد.

وهذا غريب ، والسليم الأول ، ولهذا أكد صفرتها بأنه { فَاقِعٌ لَوْنُهَا

ونطق عطية العوفي : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا تكاد تسود من صفرتها.

ونطق سعيد بن جبير : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا نطق : صافية اللون. وروى عن أبي العالية ، والربيع بن أنس ، والسدي ، والحسن ، وقتادة نحوه.

ونطق شريك ، عن مَغْراء (4) عن ابن عمر : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا نطق : صاف (5).

ونطق العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض.

ونطق السدي : { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أي : تعجب الناظرين (6) وكذا نطق أبوالعالية ، وقتادة ، والربيع بن أنس.

[وفي التوراة : أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب أوكما نطق الأول : إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد ، والله أفهم] (7).

__________

في جـ : "الخراساني وسيأتي".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ب : "قول الله تعالى" ، وفي ط : "قول الله.

في أ : "عن ابن عباس".

في جـ ، ط ، ب : "صافي".

في جـ : "أي تعجبهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

(1/299)

ونطق وهب بن منبه : إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك حتى شعاع الشمس يخرج من جلدها.

(1/300)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)

وقوله : { إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أي : لكثرتها ، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحِلَّها لنا { وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إذا بينتها لنا { لَمُهْتَدُونَ إليها.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن يحيى الأودي (1) الصوفي ، حدثنا أبوسعيد أحمد بن داود الحداد ، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي ، ابن أخي منصور بن زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا حتى بني إسرائيل نطقوا : { وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ لما أعطوا ، ولكن استثنوا" (2).

ورواه الحافظ أبوبكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر ، عن سرور بن المغيرة ، عن (3) زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن حديث أبي رافع ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا حتى بني إسرائيل نطقوا : { وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ما أعطوا أبدًا ، ولوأنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوا لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا ، فشدد الله عليهم" (4).

وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله حتىقد يكون من كلام أبي هريرة ، كما تقدم مثله (5) عن السدي ، والله أفهم.

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي : إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في السانية ، بل هي مكرمة حسنة صبيحة { مُسَلَّمَةٌ سليمة لا عيب فيها { لا شِيَةَ فِيهَا أي : ليس فيها لون غير لونها.

ونطق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة { مُسَلَّمَةٌ يقول : لا عيب فيها ، وكذا نطق أبوالعالية والربيع ، ونطق مجاهد { مُسَلَّمَةٌ من الشية.

ونطق عطاء الخراساني : { مُسَلَّمَةٌ القوائم والخلق { لا شِيَةَ فِيهَا نطق مجاهد : لا بياض ولا سواد. ونطق أبوالعالية والربيع ، والحسن وقتادة : ليس فيها بياض. ونطق عطاء الخراساني : { لا شِيَةَ فِيهَا نطق : لونها واحد بهيم. وروي عن عطية العوفي ، ووهب بن منبه ، وإسماعيل بن أبي خالد ، نحوذلك. ونطق السدي : { لا شِيَةَ فِيهَا من بياض ولا سواد ولا حمرة ، وكل هذه الأقوال متقاربة [في المعنى ، وقد زعم بعضهم حتى المعنى في ذلك قوله تعالى : { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ ليست بمذللة بالعمل ثم استأنف فنطق : { تُثِيرُ الأرْضَ أي : يعمل عليها بالحراثة لكنها لا تسقي الحرث ، وهذا ضعيف ؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرره القرطبي وغيره] (6)

__________

في جـ ، ط : "الأزدي".

تفسير ابن أبي حاتم (1/223).

في جـ ، ط ، ب : "بن".

نطق الحافظ ابن حجر : "فيه عباد بن منصور وهوضعيف".

في جـ ، ط : "نقله".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

(1/300)

{ قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ نطق قتادة : الآن بَيَّنْتَ لنا ، ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وقبل ذلك - والله (1) - قد اتىهم الحق.

{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ نطق الضحاك ، عن ابن عباس : كادوا ألا يعملوا ، ولم يكن ذلك الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا ألا يذبحوها.

يعني أنَّهم مع هذا البيان (2) وهذه الأسئلة ، والأجوبة ، والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد ، وفي هذا ذم لهم ، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت ، فلهذا ما كادوا يذبحونها.

ونطق محمد بن كعب ، ومحمد بن قيس : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ لكثرة ثمنها.

وفي هذا نظر ؛ لأن كثرة ثمنها لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل ، كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس. ونطق عبيدة ، ومجاهد ، ووهب بن منبه ، وأبوالعالية ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنهم اشتروها بمال كثير (3) وفيه اختلاف ، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك. ونطق عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة ، أبلغني محمد بن سوقة ، عن عكرمة ، نطق : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير (4) وهذا إسناد جيد عن عكرمة ، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضًا.

ونطق ابن جرير : ونطق آخرون : لم يكادوا حتى يعملوا ذلك خوف الفضيحة ، إذا اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه.

ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار حتى الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يعملوا ذلك لغلاء ثمنها ، وللفضيحة. وفي هذا نظر ، بل الصواب - والله أفهم - ما تقدم من رواية الضحاك ، عن ابن عباس ، على ما وجهناه. وبالله التوفيق.

مسألة : استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أوتم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان كما هوممضى مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور الفهماء سلفًا وخلفًا بدليل ما ثبت في السليمين عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تنعت المرأةُ المرأةَ لزوجها كأنه ينظر إليها" (5). وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم إبل الدية في اغتال الخطأ وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث ، ونطق أبوحنيفة والثوري والكوفيون : لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله ، وحكى مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.

__________

في جـ ، ط : "والله أفهم".

في جـ : "الشأن".

في ب : "بثمن كثير".

تفسير عبد الرزاق (1/71).

سليم البخاري برقم (5241).

(1/301)

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)

{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)

نطق البخاري : { فَادَّارَأْتُمْ اختلفتم. إلى غير ذلك نطق مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي حذيفة ، عن شبْل عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، أنه نطق في قوله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا اختلفتم.

ونطق عطاء الخراساني ، والضحاك : اختصمتم فيها. ونطق ابن جريج { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا نطق : نطق بعضهم أنتم قتلتموه.

ونطق آخرون : بل أنتم قتلتموه. وكذا نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

{ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ نطق مجاهد : ما تُغَيبُون. ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا عمروبن مسلم البصري ، حدثنا محمد بن الطفيل العبدي ، حدثنا صدقة بن رستم ، سمعت المسيب بن رافع يقول : ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وتصديق ذلك في كلام الله : { وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا هذا البعض أيُّ شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به.

وخرق العادة به كائن ، وقد كان معينا في نفس الأمر ، فلوكان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أوالدنيا لبينه الله تعالى لنا ، ولكن أبهمه ، ولم يجئ من طريق سليم عن معصوم بيانه (1) فنحن نبهمه كما أبهمه الله.

ولهذا نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عفَّان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : إذا أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له ، وكانت بقرة تعجبه ، نطق : فجعلوا يعطونه بها فيأبى ، حتى أعطوه ملء مَسْكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه - يعني القتيل - بعضومنها ، فقام تَشْخُب أوداجه دمًا [فسألوه] (2) فنطقوا له : من قتلك ،يا ترى؟ نطق : (3) قتلني فلان (4).

وكذا نطق الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه ضرب ببعضها.

وفي رواية عن ابن عباس : إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف.

ونطق عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، نطق : نطق أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا القتيل ببعض لحمها. ونطق معمر : نطق قتادة : فضربوه بلحم فخذها فعاش ، فنطق : قتلني فلان.

ونطق أبوأسامة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [نطق] (5) فضرب

__________

في جـ : "عن معصوم حدثنا به".

زيادة من جـ.

في جـ : "فنطق".

تفسير ابن أبي حاتم (1/229).

زيادة من جـ ، أ ، و.

(1/302)

بفخذها فقام ، فنطق : قتلني فلان.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وقتادة ، نحوذلك.

ونطق السدي : فضربوه بالبَضْعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه ، فنطق : قتلني ابن أخي.

ونطق أبوالعالية : أمرهم موسى ، عليه السلام ، حتى يأخذوا عظمًا من عظامها ، فيضربوا به القتيل ، فعملوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فضربوه ببعض آرابها [وقيل : بلسانها ، وقيل : بعجب ذنبها] (1).

وقوله : { كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى أي : فضربوه فحيى. ونَبَّه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل : جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد ، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والفساد (2) ، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في (3) إحياء الموتى ، في خمسة مواضع : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة : 56]. وهذه السيرة ، وسيرة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وسيرة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، وسيرة إبراهيم والطيور الأربعة.

ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها (4) رميما ، كما نطق أبوداود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أبلغني يعلى بن عطاء ، نطق : سمعت وَكِيع بن عُدُس ، يحدث عن أبي رَزِين العُقَيلي ، نطق : قلت : يا رسول الله ، كيف من الممكن أن يحيي الله الموتى ،يا ترى؟ نطق : "أما مررت بواد مُمْحِل ، ثم مررت به خَضِرًا ؟" نطق : بلى. نطق : "كذلك النشور". أونطق : "كذلك يحيي الله الموتى" (5). وشاهد هذا قوله تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ* وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُون* لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس : 33 - 35].

مسألة : استدل لممضى مالك في كون قول الجريح : فلان قتلني لوثًا بهذه السيرة ؛ لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فنطق : قتلني فلان ، فكان ذلك مقبولا منه ؛ لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ، ولا يتهم والحالة هذه ، ورجحوا ذلك بحديث أنس : حتى يهوديًا اغتال جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بين حجرين فقيل : من عمل بك هذا ،يا ترى؟ أفلان ،يا ترى؟ أفلان ،يا ترى؟ حتى ذكر اليهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرد رأسه بين حجرين (6) وعند مالك : إذا كان لوثًا حلف أولياء القتيل قسامة ، وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل في

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "والعناد".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "من".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بعد صيرورتها".

مسند الطيالسي برقم (1089).

رواه البخاري في سليمه برقم (6885).

(1/303)

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

ذلك لوثًا.

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

يقول تعالى توبيخًا لبني إسرائيل ، وتقريعًا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى ، وإحيائه الموتى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ كله { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ التي لا تلين أبدًا. ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فنطق : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16].

ونطق العوفي ، في تفسيره ، عن ابن عباس : لما ضُرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط ، فقيل له : من قتلك ،يا ترى؟ فنطق : بنوأخي قتلوني. ثم قبض. فنطق بنوأخيه حين قبض : والله ما قتلناه ، فكذبوا بالحق بعد إذا رأوا (1). فنطق (2) الله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يعني : بني (3) أخي الشيخ { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً فصارت قلوب بني (4) إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أوأشد قسوة من الحجارة ، فإن من الحجارة ما تتفجر منها العيون الجارية بالأنهار ، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن لم يكن جاريا ، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله ، وفيه إدراك لذلك بحسبه ، كما نطق : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء : 44].

ونطق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أنه كان يقول : جميع حجر يتفجر منه الماء ، أويتشقق عن ماء ، أويتردى من رأس جبل ، لمن خشية الله ، هبط بذلك القرآن.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عَمَّا تدعون إليه من الحق { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

[ونطق أبوعلي الجبائي في تفسيره : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ هوسقوط البرد من

__________

في أ ، و"إذ رأوه".

في جـ : "ثم نطق".

في أ ، و : "يعني ابن".

في جـ : "قلوب بنوا" وهوخطأ.

(1/304)

السحاب. نطق القاضي الباقلاني : وهذا تأويل بعيد وتبعه في استبعاده فخر الدين الرازي وهوكما نطقا ؛ فإن هذا خروج عن ظاهر اللفظ بلا مرشد ، والله أفهم] (1).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الحكم بن هشام الثقفي ، حدثني يحيى بن أبي طالب - يعني يحيى بن يعقوب - في قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ نطق : هوكثرة البكاء { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ نطق : قليل البكاء { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ نطق : بكاء القلب ، من غير دموع العين.

وقد زعم بعضهم حتى هذا من باب المجاز ؛ وهوإسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله : { يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ نطق الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة : ولا حاجة إلى هذا فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا الآية ، ونطق : { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ و{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ الآية ، { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ { لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ الآية ، { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الآية ، وفي السليم : "هذا جبل يحبنا ونحبه" ، وكحنين الجذع المتواتر خبره ، وفي سليم مسلم : "إني لأعهد حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل حتى أبعث إني لأعهده الآن" وفي صفة الحجر الأسود أنه يشهد لمن استلمه بحق يوم القيامة ، وغير ذلك مما في معناه. وحكى القرطبي قولا أنها للتخيير ؛ أي مثلا لهذا وهذا وهذا مثل جالس الحسن أوابن سيرين.. وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر : إنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب كقول القائل أكلت خبزًا أوتمرًا ، وهويفهم أيهما أكل ، ونطق آخر : إنها بمعنى قول القائل جميع حلوًا أوحامضًا ؛ أي لا يخرج عن واحد منهما ؛ أي وقلوبكم صارت كالحجارة أوأشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين. والله أفهم.

تنبيه :

اختلف فهماء العربية في معنى قوله تعالى : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً بعد الإجماع على استحالة كونها للشك ، فنطق بعضهم : "أو" هاهنا بمعنى الواو، تقديره : فهي كالحجارة وأشد قسوة كقوله تعالى : { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان : 24] ، وكما نطق النابغة الذبياني :

نطقت ألا ليتما هذا الحمامُ لنا... إلى حَمامتنا أونِصفُه فَقدِ (2)

تريد : ونصفه ، نطقه ابن جرير. ونطق جرير بن عطية :

نال الخِلافَةَ أوكانت له قدرًا... كما أتى ربَّه مُوسى على قَدَرِ (3)

نطق ابن جرير : يعني نال الخلافة ، وكانت له قدرًا.

وحكى القرطبي قولا أنها للتخيير في مفهومها بهذا أوبهذا مثل جالس الحسن أوابن سيرين ، وكذا حكاه فخر الدين في تفسيره وزاد قولا آخر وهو : أنها للإبهام وبالنسبة إلى المخاطب ، كقول القائل : أكلت خبزًا أوتمرا وهويفهم أيهما أكل ، وقولا آخر وهوأنها بمعنى قول القائل : أكلي حلوأوحامض ، أي : لا يخرج عن واحد منهما ، أي : وقلوبكم صارت في قسوتها كالحجارة أوأشد قسوة منها لا يخرج عن واحد من هذين الشيئين والله أفهم.

ونطق آخرون : "أو" هاهنا بمعنى بل ، تقديره (4) فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، وكقوله : { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء : 77]{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات : 147]{ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم : 9] ونطق آخرون : معنى (5) ذلك { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً عندكم. حكاه ابن جرير.

ونطق آخرون : المراد بذلك الإبهام على المخاطب ، كما نطق أبوالأسود :

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

البيت في تفسير الطبري (2/236).

البيت في تفسير الطبري (2/236).

في جـ ، ط ، ب : "فتقديره".

في جـ : "بمعنى".

(1/305)

أحبّ محمدًا حُبا شديدًا... وعبَّاسا وحمزةَ والوصيا (1)

فإن يك حُبّهم رشدا أصبه... ولست (2) بمخطئ إذا كان غيّا (3)

نطق ابن جرير : نطقوا : ولا شك حتى أبا الأسود لم يكن شاكًّا في حتى حُبّ من سَمَّى رَشَدٌ ، ولكنه أبهم على من خاطبه ، نطق : وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما نطق هذه الأبيات قيل له : شككت ،يا ترى؟ فنطق : كلا والله. ثم انتزع بقول الله تعالى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فنطق : أوَ كان شاكًّا من أبلغ بهذا في الهادي منهم من الضلال (4) ؟

ونطق بعضهم : معنى ذلك : فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين ، إما حتى تكون مثل الحجارة في القسوة وإما حتى تكون أشد منها قسوة.

نطق ابن جرير : ومعنى ذلك على هذا التأويل : فبعضها كالحجارة قسوة ، وبعضها أشد قسوة من الحجارة. وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره.

قلت : وهذا القول الأخير يبقى شبيها بقوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة : 17] مع قوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة : 19] وكقوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور : 39] مع قوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور : 40] ، الآية أي : إذا منهم من هوهكذا ، ومنهم من هوهكذا ، والله أفهم.

نطق الحافظ أبوبكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي".

رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه ، عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، صاحب الإمام أحمد ، به. ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب ، به ، ونطق : غريب لا نعهده إلا من حديث إبراهيم (5).

[وروى البزار عن أنس مرفوعا : "أربع من الشقاء : جمود العين ، وقسي القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا" (6) ]. (7).

__________

في جـ ، ط ، ب : "أوعليا".

في جـ ، ط ، ب : "وليس".

البيتان في تفسير الطبري (2/235 ، 236).

في جـ ، ط ، ب ، و : "من الضال".

سنن الترمذي برقم (2411) وأورده الإمام مالك في الموطأ (2/986) بلاغًا عن عيس عليه السلام.

مسند البزار برقم (3230) من طريق هانئ بن المتوكل ، عن عبد الله بن سليمان وأبان عن أنس به مرفوعًا ، ونطق البزار : "عبد الله بن سليمان وقع بأحاديث لم يتابع عليها" ، ونطق الهيثمي في المجمع (10/226) : "وفيه هانئ بن المتوكل ، وهوضعيف".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/306)

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)

(1/307)

أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)

{ أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)

يقول تعالى : { أَفَتَطْمَعُونَ أيها المؤمنون { أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أي : ينقاد (1) لكم بالطاعة ، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود ، الذين شاهد آباؤهم (2) من الآيات البينات ما شاهدوه (3) ثم قست قلوبهم من بعد ذلك { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ أي : يتأولونه على غير تأويله { مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أي : فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة { وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم مخطئون فيما مضىوا إليه من تحريفه وتأويله ،يا ترى؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة : 13]. (4).

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه نطق : ثم نطق الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ وليس قوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ يسمعون التوراة. كلهم قد سمعها. ولكن الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.

نطق محمد بن إسحاق : فيما حدثني بعض أهل الفهم أنهم نطقوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله تعالى ، فأسمعنا كلامه حين يحدثك. فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى فنطق : نعم ، مُرْهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ويصوموا فعملوا ، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى حتى يسجدوا ، فسقطوا سجودًا ، وحدثه ربه تعالى ، فسمعوا (5) كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا. ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما اتىوهم حَرَّف فريق منهم ما أمرهم به ، ونطقوا حين نطق موسى لبني إسرائيل : إذا الله قد أمركم بكذا وكذا. نطق ذلك الفريق الذين ذكرهم الله : إنما نطق كذا وكذا خلافًا لما نطق الله عز وجل لهم ، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.

ونطق السدي : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ نطق : هي التوراة ، حرفوها.

وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق ، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق. فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله حتىقد يكون منه (6) كما سمعه الكليم موسى بن

__________

في جـ ، ط : "ينقادوا".

في جـ : "ما آتاهم".

في ط : "مما شاهدوه".

في أ : "من بعد" وهوخطأ.

في جـ ، ط ، ب : "فلما سمعوا".

في جـ : "لمنقد يكون منه" ، وفي ط : "لمن تكون منه".

(1/307)

عمران ، عليه الصلاة والسلام (1) ، وقد نطق الله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة : 6] ، أي : مبلَّغًا إليه ؛ ولهذا نطق قتادة في قوله : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ نطق : هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه.

ونطق مجاهد : الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم الفهماء منهم.

ونطق أبوالعالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم ، من نعت (2) محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه.

ونطق السدي : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي أنهم أذنبوا. ونطق ابن وهب : نطق ابن زيد في قوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ نطق : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حرامًا ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقًا ؛ إذا اتىهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا اتىهم المبطل (3) برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهوفيه محق ، وإن اتىهم أحد يسألهم شيئًا ليس فيه حق ، ولا رشوة ، ولا شيء ، أمروه بالحق ، فنطق الله لهم : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة : 44].

وقوله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا الآية.

نطق محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة. { وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم. فأنزل الله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أي : تقرون بأنه نبي ، وقد فهمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهويخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا. اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى : { أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ .

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نطقوا : آمنا.

ونطق السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا. وكذا نطق الربيع بن أنس ، وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه ابن وهب عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نطق : "لا يدخلن (4) علينا قصبة المدينة إلا مؤمن". فنطق رؤساؤهم (5) من أهل الكفر والنفاق : امضىوا فقولوا : آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبُكَر ، ويرجعون إليهم بعد العصر. وقرأ قول الله تعالى : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران : 72]

__________

في جـ : "كما سمعه الكليم عليه السلام" ، وفي ط : "كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام".

في جـ ، ط : "من نص".

في جـ : "الباطل".

في جـ : "لا يدخل".

في جـ : "فنطق رؤسائهم" وهوخطأ.

(1/308)

وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون. ليفهموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره. فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر. فلما أبلغ الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتر ذلك عنهم فلمقد يكونوا يدخلون. وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون (1) فيقولون : أليس قد نطق الله لكم كذا وكذا ،يا ترى؟ فيقولون : بلى. فإذا رجعوا إلى قومهم [يعني الرؤساء] (2) نطقوا : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الآية (3).

ونطق أبوالعالية : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني : بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت (4) محمد صلى الله عليه وسلم.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ نطق : كانوا يقولون : سيكون نبي. فخلا بعضهم ببعض (5) فنطقوا : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (6).

قول آخر في المراد بالفتح : نطق ابن جُرَيج : حدثني القاسم بن أبي بَزَّة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ نطق : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فنطق : "يا إخوان (7) القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت" ، فنطقوا : من أبلغ بهذا (8) الأمر محمدًا ،يا ترى؟ ما خرج هذا القول (9) إلا منكم { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم. نطق ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أوفد إليهم عليا (10) فآذوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.

ونطق السدي : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من العذاب { لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عُذِّبوا به. فنطق بعضهم لبعض : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم.

ونطق عطاء الخراساني : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني : بما قضى [الله] (11) لكم وعليكم.

ونطق الحسن البصري : هؤلاء اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا نطقوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، نطق بعضهم : لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم (12) به عند ربكم ، فيخصموكم.

__________

في جـ : "أنهم يؤمنون".

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

رواه الطبري في تفسيره (2/254) عن يونس عن ابن وهب به.

في أ : "من بعث".

في جـ ، ط ، ب : "فخلا بعضهم ببعض".

تفسير عبد الرزاق (1/71).

في جـ : "أيا إخوان".

في جـ ، ط ، ب : "من أبلغ هذا".

في أ ، و : "هذا الأمر".

في جـ : "حين أوفد عليًا إليهم".

زيادة من جـ ، أ.

في جـ ، ط ، ب : "ليحاجوكم".

(1/309)

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)

وقوله : { أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ نطق أبوالعالية : يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وهو(1) يجدونه مكتوبًا عندهم. وكذا نطق قتادة.

ونطق الحسن : { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ نطق : كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض ، تناهوا حتى يخبر أحد (2) منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم ، خشيةَ حتى يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند (3) ربهم. { وَمَا يُعْلِنُونَ يعني : حين نطقوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : آمنا. وكذا نطق أبوالعالية ، والربيع ، وقتادة.

{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)

يقول تعالى : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ أي : ومن أهل الكتاب ، نطقه مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، نطقه أبوالعالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغير واحد (4) وهوظاهر في قوله تعالى : { لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ [إِلا أَمَانِيَّ] (5) أي : لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي ؛ لأنه لم يكن يحسن الكتابة ، كما نطق تعالى : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُومِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت : 48] ونطق عليه الصلاة والسلام : "إنا أمة أمية ، لا نخط ولا نحسب ، الشهر هكذا إلى غير ذلك إلى غير ذلك" الحديث. أي : لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب ونطق تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ [الجمعة : 2].

ونطق ابن جرير : نسبت العرب من لا يخط ولا يَخُط من الرجال إلى أمِّه في جهله بالكتاب دون أبيه ، نطق : وقد روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما (6) قول خلاف هذا ، وهوما حدثنا به أبوكُرَيب : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ نطق : الأميون قوم لم يصدِّقوا رسولا أوفده الله ، ولا كتابًا أنزله الله ، فخطوا كتابًا بأيديهم ، ثم نطقوا لقوم سَفلة جُهَّال : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ونطق : قد أبلغ أنهم يخطون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم خط الله ورسله. ثم نطق ابن جرير : وهذا التأويل (7) على خلاف ما يعهد من كلام العرب المستفيض بينهم. وذلك حتى الأمي عند العرب : الذي لا يخط (8).

قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس ، بهذا الإسناد ، نظر. والله أفهم.

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وهم".

في جـ : "يخبروا واحدًا" ، وفي أ : "يخبروا أحد".

في جـ : "وعند".

في أ : "وإبراهيم النخغي وغيرهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في ط : "رضي الله عنه".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وهذا التأويل تأويل".

تفسير الطبري (2/259).

(1/310)

قوله (1) تعالى : { إِلا أَمَانِيَّ نطق ابن أبي طلحة عن ابن عباس : { إِلا أَمَانِيَّ إلا أحاديث.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : { إِلا أَمَانِيَّ يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبًا. ونطق مجاهد : إلا كذبًا. ونطق سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج عن مجاهد : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ نطق : أنَاس من يهود لمقد يكونوا يفهمون من الكتاب شيئًا ، وكانوا يتحدثون بالظن (2) بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هومن الكتاب ، أمانيّ يتمنونها. وعن الحسن البصري ، نحوه.

ونطق أبوالعالية ، والربيع وقتادة : { إِلا أَمَانِيَّ يتمنون على الله ما ليس لهم.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { إِلا أَمَانِيَّ نطق : تمنوا فنطقوا : نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم.

نطق ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس ، ونطق مجاهد : إذا الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب - الذي أنزل (3) الله على موسى - شيئًا ، ولكنهم يَتَخَرَّصُون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبًا وزورًا. والتمني في هذا الموضع هوتخلق الكذب وتخرصه. ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : "ما تغنيت ولا تمنيت". يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب (4).

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون (5) نبوتك بالظن.

ونطق مجاهد : { وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ يكذبون.

ونطق قتادة : وأبوالعالية ، والربيع : يظنون الظنون بغير الحق.

وقوله : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا الآية : هؤلاء صنف (6) آخر من اليهود ، وهم النادىة إلى الضلال بالزور والكذب على الله ، وأكل أموال الناس بالباطل.

والويل : الهلاك والدمار ، وهي حدثة مشهورة في اللغة. ونطق سفيان الثوري ، عن زياد بن فياض : سمعت أبا عياض يقول : ويل : صديد في أصل جهنم.

ونطق عطاء بن يسار. الويل : واد في جهنم لوسيرت فيه الجبال لماعت.

__________

في جـ ، ط : "وقوله".

في جـ : "يتحدثون الظن".

في جـ ، ط ، ب : "الذي أنزله".

تفسير الطبري (1/262).

في أ ، و : "وهم يجدون".

في جـ : "هوصنف".

(1/311)

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أبلغنا ابن وهب ، أبلغني عمروبن الحارث ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نطق : "ويل واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل حتى يبلغ قعره".

ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن الحسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، به (1). ونطق : هذا حديث غريب لا نعهده إلا من حديث ابن لهيعة.

قلت : لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ، ولكن الآفة ممن بعده ، وهذا الحديث بهذا الإسناد - مرفوعًا - منكر ، والله أفهم.

ونطق ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح العشيري (2) حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ نطق : "الويل جبل في النار. وهوالذي أنزل في اليهود ؛ لأنهم حَرَّفوا التوراة ، زادوا فيها ما أحبوا ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. ولذلك غضب الله عليهم ، فحمل بعض التوراة ، فنطق : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (3).

وهذا غريب أيضا جدًا.

[وعن ابن عباس : الويل : السعير من العذاب ، ونطق الخليل بن أحمد : الويل : شدة الشر ، ونطق سيبويه : ويل : لمن سقط في الهلكة ، وويح لمن أشرف عليها ، ونطق الأصمعي : الويل : تفجع والويل ترحم ، ونطق غيره : الويل الحزن (4). ونطق الخليل : وفي معنى ويل : ويح وويش وويه وويك وويب ، ومنهم من فرق بينها ، ونطق بعض النحاة : إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة ؛ لأن فيها معنى النادىء ، ومنهم من جوز نصبها ، بمعنى : ألزمهم ويلا. قلت : لكن لم يقرأ بذلك أحد] (5).

وعن عكرمة ، عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ نطق : هم أحبار اليهود. وكذا نطق سعيد ، عن قتادة : هم اليهود.

ونطق سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن علقمة : سألت ابن عباس عن قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ نطق : نزلت في المشركين وأهل الكتاب.

ونطق السدي : كان ناس من اليهود خطوا كتابًا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا (6) به ثمنًا قليلا.

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/243) وسنن الترمذي برقم (3164).

في جـ : "العيري".

تفسير الطبري (2/268).

في أ : "الخوف".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ ، ط ، ب : "فيأخذوا".

(1/312)

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)

ونطق الزهري : أبلغني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه نطق : يا معشر المسلمين ، كيف من الممكن أن تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه ، أحدث أخبار الله تقرؤونه (1) محضًا (2) لم يشب ،يا ترى؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى حتى أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه ، وخطوا بأيديهم الكتاب ، ونطقوا : هومن عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلا ؛ أفلا (3) ينهاكم ما اتىكم من الفهم عن مُسَاءلتهم ،يا ترى؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم. رواه البخاري (4) من طرق عن الزهري.

ونطق الحسن بن أبي الحسن البصري : الثمن القليل : الدنيا بحذافيرها.

وقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ أي : فويل لهم مما خطوا بأيديهم من الكذب (5) والبهتان ، والافتراء ، وويل لهم مما أكلوا به من السحت ، كما نطق الضحاك عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لَهُمْ يقول : فالعذاب عليهم ، من الذي خطوا بأيديهم من ذلك الكذب ، { وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.

{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80)

يقول تعالى إخبارًا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أيامًا معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا (6) أي : بذلك ،يا ترى؟ فإن كان قد سقط عهد فهولا يُخْلِف عهده (7).

ولكن هذا ما جرى ولا كان. ولهذا أتى بـ"أم" التي بمعنى : بل ، أي : بل تقولون على الله ما لا تفهمون من الكذب والافتراء عليه.

نطق (8) محمد بن إسحاق ، عن سيف بن سليمان (9) عن مجاهد ، عن ابن عباس : حتى اليهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نُعَذَّب بكل ألف سنة يومًا في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة (10). فأنزل الله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً إلى قوله : { خَالِدُونَ [البقرة : 82].

ثم رواه عن محمد ، عن سعيد - أوعكرمة - عن ابن عباس ، بنحوه.

ونطق العوفي عن ابن عباس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً اليهود نطقوا (11) : لن

__________

في ط : "يعهدونه" ، وفي و : "تعهدونه".

في جـ ، ط ، و : "غضًا".

في جـ : "أفلم".

سليم البخاري برقم (2685 ، 7363 ، 7523).

في جـ : "من الخط".

بعدها في جـ : "فلن يخلف الله عهده".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وعده".

في جـ ، ط : "ونطق".

في جـ : "سلمان".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أيام معدودات".

في جـ : "ونطقوا".

(1/313)

تمسنا النار إلا أربعين ليلة ، [زاد غيره : هي مدة عبادتهم العجل ، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة] (1).

ونطق الضحاك : نطق ابن عباس : زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبًا : حتى ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى حتى ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، التي هي نابتة في أصل الجحيم. ونطق أعداء الله : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتمضى جهنم وتهلك. فذلك قوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً يعني : الأيام التي عبدنا فيها العجل (2).

ونطق عكرمة : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) فنطقوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا إليها (4) قوم آخرون ، يعنون (5) محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم : "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم إليها أحد". فأنزل الله : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً الآية.

ونطق الحافظ أبوبكر بن مردويه رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبوعبد الرحمن المقرئ ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، نطق : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فنطق (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا" فنطق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أبوكم ؟" نطقوا : فلان (7). نطق : "كذبتم ، بل أبوكم فلان". فنطقوا : صدقت وبَرِرْت ، ثم نطق لهم : "هل أنتم صادقيّ عن شيء إذا سألتكم عنه ؟". نطقوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عهدت كذبنا كما عهدته في أبينا. فنطق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أهل النار ؟" فنطقوا : نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا فيها. فنطق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اخسأوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدًا". ثم نطق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل أنتم صادقيّ عن شيء إذا سألتكم عنه ؟". نطقوا : نعم يا أبا القاسم. فنطق : "هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا ؟". فنطقوا : نعم. نطق (8) : "فما حملكم على ذلك ؟". فنطقوا : أردنا إذا كنت كاذبًا حتى نستريح منك ، وإن كنت نبيًا لم يضرك.

ورواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، من حديث الليث بن سعد ، بنحوه (9).

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

تفسير عبد الرزاق (1/71 ، 72).

في جـ : "رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه".

في جـ : "فيها".

في جـ ، ط ، أ ، و : "يعني" ، وفي ب : "تعني".

في ط ، ب : "فنطق لهم".

في جـ : "نطقوا : أبونا فلان".

في جـ ، ط ، ب : "فنطق".

المسند (2/451) وسليم البخاري برقم (3161 ، 4249) وسنن النسائي الكبرى برقم (11355).

(1/314)

بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)

{ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)

يقول تعالى : ليس الأمر كما تمنيتم ، ولا كما تشتهون ، بل الأمر : أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته ، وهومن وافى يوم القيامة وليس له حسنة ، بل جميع عمله سيئات ، فهذا من أهل النار ، والذين آمنوا بالله ورسوله (1) وعملوا الصالحات - من العمل الموافق للشريعة - فهم (2) من أهل الجنة. وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا* وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء : 123 ، 124].

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد - أوعكرمة - عن ابن عباس : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً أي : عمل مثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، حتى يحيط به كفره (3) فما له من حسنة.

وفي رواية عن ابن عباس ، نطق : الشرك.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن أبي وائل ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه (4).

ونطق الحسن - أيضًا - والسدي : السيئة : الكبيرة من الكبائر.

ونطق ابن جريج ، عن مجاهد : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ نطق : بقلبه.

ونطق أبوهريرة ، وأبووائل ، وعطاء ، والحسن : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ نطقوا : أحاط به شركه.

ونطق الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خُثَيم : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ نطق : الذي يموت على خطايا (5) من قبل حتى يتوب. وعن السدي ، وأبي رزين ، نحوه.

ونطق أبوالعالية ، ومجاهد ، والحسن ، في رواية عنهما ، وقتادة ، والربيع بن أنس : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ الكبيرة الموجبة.

وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى ، والله أفهم. ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث نطق :

حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمروبن قتادة (6) عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله

__________

في أ : "ورسله".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فهو".

في جـ : "فمتى يحيط عمله".

في جـ : "بنحوه".

في أ ، و : "على خطاياه".

في أ : "عن عمر بن صادق".

(1/315)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)

بن مسعود : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "إيَّاكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه". وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهُنَّ مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادًا (1) ، وأججوا نارًا ، فأنضجوا ما قذفوا فيها (2).

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد ، عن سعيد - أوعكرمة - عن ابن عباس : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما هجرتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها. يخبرهم حتى الثواب بالخير والشرّ مقيم على أهله ، لا انقطاع له أبدًا (3).

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)

يُذكّر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر ، وأخذ ميثاقهم على ذلك ، وأنهم تولوا عن ذلك كله ، وأعرضوا قصدًا وعمدًا ، وهم يعهدونه ويذكرونه ، فأمرهم حتى يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. وبهذا أمر جميع خلقه ، ولذلك خلقهم كما نطق تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25] ونطق تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل : 36] وهذا هوأعلى الحقوق وأعظمها ، وهوحق الله تعالى ، حتى يعبد وحده لا شريك له ، ثم بعده حق المخلوقين ، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين ، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين ، كما نطق تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان : 14] ونطق تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا الآية إلى حتى نطق : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ [الإسراء : 23 - 26] وفي السليمين ، عن ابن مسعود ، قلت : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ،يا ترى؟ نطق : "الصلاة على وقتها". قلت : ثم أي ،يا ترى؟ نطق : "بر الوالدين". قلت : ثم أيّ ،يا ترى؟ نطق : "الجهاد في سبيل الله" (4). ولهذا اتى في الحديث السليم : حتى رجلا نطق : يا رسول الله ، من أبر ،يا ترى؟ نطق : "أمك". نطق : ثم من (5) ،يا ترى؟ نطق : "أمك". نطق : ثم من ،يا ترى؟ نطق : "أباك. ثم أدناك أدناك" (6).

__________

في جـ : "جمعوا أعوادًا".

المسند (1/402).

في جـ ، ط ، ب : "أبدًا لا انقطاع له".

سليم البخاري برقم (527 ، 5970 ، 7534) وسليم مسلم برقم (85).

في ط : "ثم نطق من".

اتى من حديث معاوية بن حيدة ، رواه أبوداود في السنن برقم (5139) ، ومن حديث كليب بن منفعة عن أبيه عن جده ، رواه أبوداود في السنن برقم (5140).

(1/316)

[وقوله : { لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ نطق الزمخشري : خبر بمعنى الطلب ، وهوآكد. وقيل : كان أصله : ألا تعبدوا كما قرأها بعض السلف (1) فحذفت حتى فارتفع ، وحكي عن أبي وابن مسعود ، رضي الله عنهما ، أنهما قرآها : "لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّه". وقيل : { لا تَعْبُدُونَ مرفوع على أنه قسم ، أي : والله لا تعبدون إلا الله ، ونقل هذا التوجيه القرطبي في تفسيره عن سيبويه. ونطق : اختاره المبرد والكسائي والفراء] (2).

نطق : { وَالْيَتَامَى وهم : الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء. [ونطق أهل اللغة : اليتيم في بني آدم من الآباء ، وفي البهائم من الأم ، وحكى الماوردي حتى اليتيم أطلق في بني آدم من الأم أيضا] (3) { وَالْمَسَاكِينَ الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم ، وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النساء ، التي أمرنا الله تعالى بها صريحًا في قوله : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا الآية [النساء : 36].

وقوله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا أي : حدثوهم طيبًا ، ولينُوا لهم جانبًا ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف ، كما نطق الحسن البصري في قوله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا فالحُسْن من القول : يأمُر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحلم ، ويعفو، ويصفح ، ويقول للناس حسنًا كما نطق الله ، وهوجميع خُلُق حسن رضيه الله.

ونطق الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا أبوعامر الخَزَّاز ، عن أبي عمران الجَوْني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نطق : "لا تحقرن من المعروف شيئًا ، وإن لم تجد فَالْقَ أخاك بوجه منطلق (4) ".

وأخرجه مسلم في سليمه ، والترمذي [وصححه] (5) من حديث أبي عامر الخزّاز ، ومسماه صالح بن رستم ، به (6).

وناسب حتى يأمرهم بأن يقولوا للناس حسنًا ، بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالعمل ، فجمع بين طرفي الإحسان العملي والقولي. ثم أكد الأمر بعبادته والإحسان إلى الناس بالمُعيّن (7) من ذلك ، وهوالصلاة والزكاة ، فنطق : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وأبلغ أنهم تولوا عن ذلك كله ، أي : هجروه وراء ظهورهم ، وأعرضوا عنه على عمد بعد الفهم به ، إلا القليل منهم ، وقد أمر تعالى هذه الأمة بنظير ذلك في سورة النساء ، بقوله : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا [النساء : 36]

__________

في أ : "كما قرأها من قرأها من السلف".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

في ط : "بوجه طلق".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

المسند (5/173) وسليم مسلم برقم (2626) وسنن الترمذي برقم (1833).

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بالمتعين".

(1/317)

فقامت هذه الأمة من ذلك بما لم تقم به أمة من الأمم قبلها ، ولله الحمد والمنة.

ومن النقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره :

حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا عبد الله بن يوسف - يعني التِّنِّيسِي - حدثنا خالد بن صَبِيح ، عن حميد بن عقبة ، عن أسد بن وَدَاعة : أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديًا ولا نصرانيًا إلا سلم عليه ، فقيل له : ما شأنك ،يا ترى؟ تسلم على اليهودي والنصراني. فنطق : إذا الله يقول : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وهو : السلام. نطق : وروي عن عطاء الخراساني ، نحوه.

قلت : وقد ثبت في السنة أنهم لا يبدؤون بالسلام ، والله أفهم (1).

__________

أخرجه مسلم في سليمه برقم (2166) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".

(1/318)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)

يقول ، تبارك وتعالى ، منكرًا على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج ، وذلك حتى الأوس والخزرج ، وهم الأنصار ، كانوا في الجاهلية عُبَّاد أصنام ، وكانت بينهم حروب كثيرة ، وكانت يهود المدينة ثلاثَ قبائل : بنوقينقاع. وبنوالنضير حلفاء الخزرج. وبنوقريظة حلفاء الأوس. فكانت الحرب إذا نشبت (1) بينهم قاتل جميع فريق مع حلفائه ، فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهوديّ الآخرُ من الفريق الآخر ، وذلك حرام عليهم في دينه ونص كتابه ، ويخرجونهم من بيوتهم وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب ، عملا بحكم التوراة ؛ ولهذا نطق تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ولهذا نطق تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أي : لا يقتل بعضكم بعضًا ، ولا يخرجه من منزله ، ولا يظاهر عليه ، كما نطق تعالى : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ [البقرة : 54]

__________

في أ : "نشئت".

(1/318)

وذلك حتى أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة ، كما نطق عليه الصلاة والسلام : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضوتداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

[وقوله] (1) { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ أي : ثم أقررتم بفهم هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به.

{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ نطق محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير - أوعكرمة - عن ابن عباس : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ الآية ، نطق : أنبهم الله (2) من عملهم ، وقد حرّم عليهم في التوراة سفك دمائهم (3) وافترض عليهم فيها فدَاء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم بنوقينقاع وإنهم (4) حلفاء الخزرج ، والنضير ، وقريظة وإنهم (5) حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنوقينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر (6) جميع واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعهدون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، ولا يعهدون جنة ولا نارًا ، ولا بعثًا ولا قيامة ، ولا كتابًا ، ولا حلالا ولا حرامًا ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم ، تصديقًا لما في التوراة ، وأخذًا به ؛ بعضهم من بعض ، يفتدي بنوقينقاع ما كان من أسراهم في أيدي (7) الأوس ، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي (8) الخزرج منهم ، ويطلبون (9) ما أصابوا من دمائهم (10) وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره حيث أَنَّبهم (11) بذلك : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي : يفاديه بحكم التوراة ويقتله ، وفي حكم التوراة ألا يعمل ، ولا يُخرج (12) من داره ، ولا يُظَاهَر عليه من يُشْرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عرض الدنيا. ففي ذلك من عملهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه السيرة (13).

ونطق أسباط عن السدي : كانت قريظة حلفاء الأوس ، وكانت النضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سُمَير ، فيقاتل بنوقريظة مع حلفائها النضيرَ وحلفاءهم ، وكانت النضير تقاتل قريظة

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أنبأهم الله بذلك".

في جـ : "سفك الدماء".

في جـ : "وهم".

في جـ : "وهم".

في جـ ، ط ، ب : "فظاهر".

في جـ : "يدي".

في جـ : "يدي".

في جـ ، ط ، أ : "يطلبون".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "من الدماء وقتلوا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "حين أنبأهم".

في جـ ، ط ، ب : "ويخرجه".

انظر : السيرة النبوية لابن هشام (1/540) وتفسير الطبري (2/305).

(1/319)

وحلفاءها ، ويغلبونهم ، فيخربون ديارهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى يفدوه. فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف من الممكن أن تقاتلونهم وتفدونهم ،يا ترى؟ نطقوا : إنا أمرنا حتى نفديهم ، وحرّم علينا قتالهم ، نطقوا : فلم تقاتلونهم ،يا ترى؟ نطقوا : إنَّا نستحيى حتى تُسْتَذلّ حلفاؤنا (1). فذلك حين عيَّرهم الله ، فنطق : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ

ونطق شعبة ، عن السدي : نزلت هذه الآية في قيس بن الخَطيم : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ

ونطق أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير ، نطق : غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهلي بَلَنْجَر (2) فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واقتنى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة ، فلما مرّ برأس الجالوت هبط به ، فنطق له عبد الله : يا رأس الجالوت ، هل لك في عجوز هاهنا من أهل دينك ، تشتريها مني ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطق : أخذتها بسبعمائة درهم. نطق : فإني أرْبحُك سبعمائة أخرى. نطق : فإني قد حلفت ألا أنقصها من أربعة آلاف. نطق : لا حاجة لي فيها ، نطق : والله لتشترينها مني ، أولتكفرن بدينك الذي أنت عليه. نطق : ادن مني ، فدنا منه ، فقرأ في أذنه التي في التوراة : إنك لا تجد مملوكًا من بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ نطق : أنت عبد الله بن سلام ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطق : فاتى بأربعة آلاف ، فأخذ عبد الله ألفين ، ورد عليه ألفين.

ونطق آدم بن أبي إياس في تفسيره : حدثنا أبوجعفر يعني الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، أبلغنا أبوالعالية : حتى عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة ، وهويفادي من النساء من لم يقع عليها العرب ، ولا يفادي من سقط عليها العرب ، فنطق (3) عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك حتى تفاديهن كلهن.

والذي أرشدت إليه الآية الكريمة ، وهذا السياق ، ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ، ومخالفة شرعها ، مع معهدتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة ، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ، ولا يصدقون فيما يكتمونه من صفة رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم ونعته ، ومبعثه ومخرجه ، ومهاجره ، وغير ذلك من شؤونه ، التي قد أبلغت بها الأنبياء قبله. واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ، ولهذا نطق تعالى { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي : بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ جزاء على ما كتموه من كتاب الله الذي بأيديهم { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ أي : استحبوها على الآخرة واختاروها { فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ أي : لا يفتر عنهم ساعة واحدة { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ

__________

في أ ، و : "نستذل بحلفائنا".

في جـ : "بكنجر".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فنطق له".

في جـ : "صفة محمد".

(1/320)

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)

أي : وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ، ولا يجيرهم منه.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)

ينعت ، تبارك وتعالى ، بني إسرائيل بالعتووالعناد والمخالفة ، والاستكبار على الأنبياء ، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم ، فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب - وهوالتوراة - فحرفوها وبدلوها ، وخالفوا أوامرها وأولوها. وأوفد الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته ، كما نطق تعالى : { إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ الآية [المائدة : 44] ، ولهذا نطق : { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ نطق السدي ، عن أبي مالك : أتبعنا. ونطق غيره : أردفنا. والكل قريب ، كما نطق تعالى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا [المؤمنون : 44] حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم ، فاتى بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ، ولهذا أعطاه الله من البينات ، وهي : المعجزات. نطق ابن عباس : من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله ، وإبرائه الأسقام ، وإخباره بالغيوب ، وتأييده بروح القدس ، وهوجبريل عليه السلام - ما يدلهم (1) على صدقه فيما اتىهم به. فاشتد تكذيب بني إسرائيل له وحَسَدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض ، كما نطق تعالى إخبارًا عن عيسى : { وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الآية [آل عمران : 50]. فكانت بنوإسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السلام (2) أسوأ المعاملة ، ففريقًا يكذبونه. وفريقًا يقتلونه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها ، فلهذا كان يشق ذلك عليهم ، فيكذبونهم ، وربما قتلوا بعضهم ؛ ولهذا نطق تعالى : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ

والدليل على حتى روح القدس هوجبريل ، كما نص عليه ابن مسعود في تفسير هذه الآية ، وتابعه على ذلك [ابن عباس و] (3) محمد بن كعب القرظي ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة مع قوله تعالى : { نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] (4) [الشعراء : 193 - 195] ما نطق البخاري : ونطق ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان بن ثابت منْبرًا في المسجد ، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنطق : رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك" (5). وهذا من

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "يدلهم به".

في جـ : "عليهم الصلاة والسلام".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "عن نبيه".

(1/321)

البخاري تعليق (1).

وقد رواه أبوداود في سننه ، عن لُوَين ، والترمذي ، عن علي بن حجر ، وإسماعيل بن موسى الفزاري ، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه وهشام بن عروة ، كلاهما عن عروة ، عن عائشة به (2). ونطق الترمذي : حسن سليم ، وهوحديث أبي الزناد (3).

وفي السليمين من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : حتى عمر مر بحسان ، وهوينشد الشعر في المسجد (4) فلحظ إليه ، فنطق : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هوخير منك. ثم التفت إلى أبي هريرة ، فنطق : أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس" ؟. فنطق : اللَّهُمَّ نعم (5).

وفي بعض الروايات : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق لحسان : "أهجهم - أو : هاجهم - وجبريل معك".

[وفي شعر حسان قوله :

وجبريل رسول الله ينادي... وروح القدس ليس به خفاء] (6)

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ، عن شهر بن حوشب الأشعري : حتى نفرًا من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطقوا : أبلغنا عن الروح. فنطق : "أنشدكم بالله وبأيامه (7) عند بني إسرائيل ، هل تفهمون أنه جبريل ،يا ترى؟ وهوالذي يأتيني ؟" نطقوا : نعم (8).

[وفي سليم ابن حبان أظنه عن ابن مسعود حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "إن روح القدس نفخ (9) في روعي : إذا نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (10) ] (11).

أقوال أخر :

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوزُرْعَة ، حدثنا منْجاب بن الحارث ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { بِرُوحِ الْقُدُسِ نطق : هوالاسم الأعظم الذي كان عيسى يُحيي به

__________

وكذا عزاه المزي في تحفة الأشراف (12/10) للبخاري ، ونطق الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" : "لم أر هذا الموضع في سليم البخاري ، وقد وصله أحمد والطبراني وصححه الحاكم".

سنن أبي داود برقم (5015) وسنن الترمذي برقم (2846).

في ط ، ب ، أ ، و : "وهوحديث ابن أبي الزناد".

في جـ : "وهوفي المسجد ينشد".

سليم البخاري برقم (3212) وسليم مسلم برقم (2485).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ.

في جـ ، أ : "وبآياته".

ورواه الطبري في تفسيره (2/320) من طريق سلمة عن ابن إسحاق به.

في و : "نفث".

ورواه البغوي في شرح السنة (14/304) من طريق أبي عبيد عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي ، عمن أبلغه ، عن ابن مسعود به مرفوعًا.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

(1/322)

الموتى. ونطق ابن جرير : حُدثت عن المنجاب. فذكره. نطق ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير نحوذلك. [ونقله القرطبي عن عبيد بن عمير - أيضا - نطق : وهوالاسم الأعظم] (1).

ونطق ابن أبي نَجِيح : الروح هوحفظة على الملائكة.

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : القدس هوالرب تبارك وتعالى. وهوقول كعب. ونطق السدي : القدس : البركة. ونطق العوفي ، عن ابن عباس : القدس : الطهر.

[وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما نطقا القدس : هوالله تعالى ، وروحه : جبريل ، عملى هذاقد يكون القول الأول] (2).

ونطق ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب نطق : نطق ابن زيد (3) في قوله تعالى : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ نطق : أيد الله عيسى بالإنجيل روحًا كما جعل القرآن روحًا ، كلاهما روح من الله ، كما نطق تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى : 52].

ثم نطق ابن جرير : وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قولُ من نطق : الروح في هذا الموضع جبريل ، لأن الله ، عز وجل ، أبلغ أنه أيد عيسى به ، كما أبلغ في قوله : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ الآية [المائدة : 110]. فذكر أنه أيده به ، فلوكان الروح الذي أيده به هوالإنجيل ، لكان قوله : { إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ تكرير قول لا معنى له ، والله أعز حتى يخاطب عباده بما لا يفيدهم به.

قلت : ومن الدليل على أنه جبريل ما تقدم في أول السياق ؛ ولله الحمد (4).

ونطق الزمخشري { بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدسة ، كما يقول : حاتم الجود ورجل صدق ووصفها بالقدس كما نطق : { وَرُوحٌ مِنْهُ فوصفه بالاختصاص والتقريب تكرمة ، وقيل : لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث ، وقيل : بجبريل ، وقيل : بالإنجيل ، كما نطق في القرآن : { رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى : 52] وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره ، وتضمن كلامه قولا آخر وهوحتى المراد روح عيسى نفسه المقدسة المطهرة.

ونطق الزمخشري في قوله : { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ إنما لم يقل : وفريقًا قتلتم ؛ لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل - أيضًا - لأنهم حاولوا اغتال النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر ، وقد نطق ، عليه السلام ، في سقم موته : "ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري" ، وهذا الحديث في سليم البخاري وغيره (5).

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "نطق ابن أبي زيد".

في جـ ، ط : "ولله الحمد والمنة".

سليم البخاري برقم (2617) وسليم مسلم برقم (2190).

(1/323)

وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)

{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ (88)

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ أي : في أكنة.

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ أي : لا تفقه.

ونطق العوفي ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [نطق] (1) هي القلوب المطبوع عليها.

ونطق مجاهد : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ عليها غشاوة.

ونطق عكرمة : عليها طابع. ونطق أبوالعالية : أي لا تفقه. ونطق السدي : يقولون : عليها غلاف ، وهوالغطاء.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ هوكقوله : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ [فصلت : 5].

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قوله : { غُلْفٌ نطق : يقول : قلبي في غلاف فلا يَخْلُص إليه ما تقول ، قرأ (2) { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ

وهذا هوالذي رجحه ابن جرير ، واستشهد مما روي من حديث عمروبن مُرّة الجملي ، عن أبي البختري ، عن حذيفة ، نطق : القلوب أربعة. فذكر منها : وقلب أغلف مَغْضُوب عليه ، وذاك قلب الكافر.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العَرْزَمي ، أنبأنا أبي ، عن جدي ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { قُلُوبُنَا غُلْفٌ نطق : لم تختن.

هذا (3) القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم ، وأنها بعيدة من الخير.

قول آخر :

نطق الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ نطق نطقوا : قلوبنا مملوءة فهمًا لا بحاجة إلى فهم محمد ، ولا غيره.

ونطق عطية العوفي : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ أي : أوعية للفهم.

وعلى هذا المعنى اتىت قراءة بعض الأنصار (4) فيما حكاه ابن جرير : "ونطقوا قلوبنا غُلُف" بضم اللام ، أي : جمع غلاف ، أي : أوعية ، بمعنى أنهم ادعوا (5) حتى قلوبهم مملوءة بفهم لا يحتاجون معه إلى فهم آخر. كما كانوا يَمُنُّون (6) بفهم التوراة. ولهذا نطق تعالى : { بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ ، أي : ليس الأمر كما ادعوا بل

__________

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط ، ب : "وقرأ".

في جـ ، ط ، ب : "وهذا".

في أ ، و : "بعض الأمصار".

ف جـ : "أنهم زعموا".

في أ : "كما كانوا يكتمون".

(1/324)

قلوبهم ملعونة مطبوع عليها ، كما نطق في سورة النساء : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا [النساء : 155]. وقد اختلفوا في معنى قوله : { فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ وقوله : { فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ، فنطق بعضهم : فقليل من يؤمن منهم [واختاره فخر الدين الرازي وحكاه عن قتادة والأصم وأبي مسلم الأصبهاني] وقيل : فقليل إيمانهم. بمعنى أنهم يؤمنون بما اتىهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ، ولكنه إيمان لا ينفعهم ، لأنه مغمور بما كفروا به من الذي اتىهم به محمد صلى الله عليه وسلم.

ونطق بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما نطق : { فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : قلما رأيت مثل هذا قط. تريد : ما رأيت مثل هذا قط. [ونطق الكسائي : تقول العرب : من زنى بأرض قلما تنبت ، أي : لا تنبت شيئًا]. (1).

حكاه (2) ابن جرير ، والله أفهم.

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب : "حكاها".

(1/325)

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)

يقول تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ يعني اليهود { كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وهو : القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم { مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ يعني : من التوراة ، وقوله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أي : وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون : إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه اغتال عاد وإرم ، كما نطق محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عُمَر عن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم نطق : نطقوا : فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار - وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم ، نزلت هذه السيرة يعني : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ نطقوا (1) كنا قد علوناهم دهرًا في الجاهلية ، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب ، فكانوا يقولون : إذا نبيًا من [الأنبياء] (2) يبعث الآن نتبعه ، قد أظل زمانه ، نقتلكم معه اغتال عاد وإرم. فلما بعث الله رسوله من قريش [واتبعناه] (3) كفروا به. يقول الله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [النساء : 155].

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا نطق : يستظهرون يقولون : نحن نعين محمدًا عليهم ، وليسوا كذلك ، يكذبون.

__________

في جـ ، ط ، ب : "نطق".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/325)

ونطق محمد بن إسحاق : أبلغني محمد بن أبي محمد ، أبلغني عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى يَهود (1) كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فنطق لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن مَعْرُور ، أخوبني سلمة (2) يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا بأنه مبعوث ، وتصفُونه لنا بصفته. فنطق سَلام بن مِشْكم أخوبني النضير : ما اتىنا بشيء نعهده ، وما هوبالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (3)

ونطق العوفي ، عن ابن عباس : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه.

ونطق أبوالعالية : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبًا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم. فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ، ورأوا أنه (4) من غيرهم ، كفروا به حسدًا للعرب ، وهم يفهمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق الله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ

ونطق قتادة : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا نطق : كانوا يقولون : إنه سيأتي نبي. { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ

ونطق مجاهد : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ نطق : هم اليهود.

ونطق الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمود بن لبيد ، أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان من أهل بدر نطق : كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل نطق : فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل. نطق سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنًّا على بردة مضطجعًا فيها بفناءٍ أصلي. فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنة والنار. نطق ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون بعثًا كائنًا بعد الموت ، فنطقوا له : ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا حتى الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم ،يا ترى؟ فنطق : نعم ، والذي يحلف به ، لود حتى له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجومن تلك النار غدًا. نطقوا له : ويحك وما آية ذلك ،يا ترى؟ نطق : نبي

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "أن يهودًا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وداود بن سلمة".

انظر : السيرة النبوية لابن هشام (1/547) وتفسير الطبري (2/233).

في جـ : "ورأوه".

(1/326)

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)

يبعث من نحوهذه البلاد ، وأشار بيده نحومكة واليمن. نطقوا : ومتى نراه ،يا ترى؟ نطق : فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنًّا ، فنطق : إذا يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه. نطق سلمة : فوالله ما مضى الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهوبين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا.

فقلنا : ويلك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا ،يا ترى؟ نطق : بلى وليس به. تفرد به أحمد (1).

وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : حتى يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ، فنادى اليهود عند ذلك ، فنطقوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم. نطق : فنصروا عليهم. نطق : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم. نطق الله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم "كَفَرُوا به" فلعنة الله على الكافرين.

{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)

نطق مجاهد : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ يهودُ شَرَوُا الحقَّ بالباطل ، وكتمانَ مَا اتىَ به مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بأن يبينوه.

ونطق السدي : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ يقول : باعوا به أنفسهم ، يعني : بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته] (2).

وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية { أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ولا حسد أعظم من هذا.

نطق ابن إسحاق عن محمد ، عن عكرمة أوسعيد ، عن ابن عباس : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أي : إذا الله جعله من غيرهم { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ نطق ابن عباس : فالغضب على الغضب ، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم.

قلت : ومعنى { بَاءُوا استوجبوا ، واستحقوا ، واستقروا بغضب على غضب. ونطق أبوالعالية : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ، ثم غضب عليهم بكفرهم بمحمد ، وبالقرآن (3) عليهما السلام ، [وعن عكرمة وقتادة مثله] (4).

__________

المسند (3/467).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بكفرهم بمحمد والقرآن".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/327)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)

نطق السدي : أما الغضب الأول فهوحين غضب عليهم في العِجْل ، وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم [وعن ابن عباس مثله] (1).

وقوله : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ لما كان كفرهم سببه البغي والحسد ، ومنشأ ذلك التكبر ، قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر : 60] ، [أي : صاغرين حقيرين ذليلين راغمين] (2).

وقد نطق الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا ابن عَجْلان ، عن عمروبن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم جميع شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنًا في جهنم ، ينطق له : بُولَس فيعلوهم نار الأنيار يسقون (3) من طينة الخبال : عصارة أهل النار" (4).

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)

يقول تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أي : لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب { آمِنُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ [أي] (5) : على محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه { قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا أي : يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ، { وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ يعنى : بما بعده { وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ أي : وهم يفهمون حتى ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الحق (6) { مُصَدِّقًا (7) منصوب على الحال ، أي طالما تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل ، فالحجة قائمة عليهم بذلك ، كما نطق تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة : 146] ثم نطق تعالى : { [قُلْ] (8) فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي : إذا كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم ، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها ، وأنتم تفهمون صدقهم ،يا ترى؟ قتلتموهم بغيًا [وحسدًا] (9) وعنادًا واستكبارًا على رسل الله ، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء ، والآراء والتشهي (10) كما نطق تعالى { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة : 87].

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط : "ويسقون".

المسند (2/179).

زيادة من ط ، ب ، و.

في و : "هوالحق".

في جـ : "مصدقا لما معهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

زيادة من جـ.

في جـ : "والشهوة".

(1/328)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)

ونطق السدي : في هذه الآية يعيرهم الله تعالى : { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

ونطق أبوجعفر بن جرير : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل - [الذين] (1) إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله نطقوا : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا - : لم تقتلون (2) - إذا كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم - أنبياءه وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم ، وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا وتعيير لهم.

{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ أي : بالآيات الواضحات (3) والدلائل القاطعة (4) على أنه رسول الله ، وأنه لا إله إلا الله. والبينات هي : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، وفَلْق البحر ، وتظليلهم بالغمام ، والمن والسلوى ، والحجر ، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها { ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ أي : معبودًا من دون الله في زمان موسى وآياته. وقوله { مِنْ بَعْدِهِ أي : من بعد ما مضى عنكم إلى الطور لمناجاة الله كما نطق تعالى : { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ [الأعراف : 148] ، { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [أي وأنتم ظالمون] (5) في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل ، وأنتم تفهمون أنه لا إله إلا الله ، كما نطق تعالى : { وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف : 149].

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)

يعدد ، تبارك وتعالى ، عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوهم وإعراضهم عنه ، حتى حمل الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه ؛ ولهذا نطق : { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وقد تقدم تفسير ذلك.

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ نطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [بِكُفْرِهِمْ] (6) نطق : أشربوا [في قلوبهم] (7) حبه ، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. وكذا نطق أبوالعالية ، والربيع بن أنس.

ونطق الإمام أحمد : حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبوبكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن خالد بن محمد الثقفي ، عن بلال بن أبي الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "حُبُّك

__________

زيادة من ب.

في جـ ، ط : "تقتلون أنبياء الله من قبل".

في جـ ، ط ، ب : "الواضحة".

في أ : "القاطعات".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

(1/329)

الشيء يُعْمِي ويُصم".

ورواه أبوداود عن حيوة بن شريح عن بَقِيَّة ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به (1) ونطق السدي : أخذ موسى ، عليه السلام ، العجل فذبحه ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في البحر ، فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا سقط فيه شيء منه ، ثم نطق لهم موسى : اشربوا منه. فشربوا ، فمن كان يحبه خرج على شاربيه المضى. فذلك حين يقول الله تعالى : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن راتى ، حدثنا إسرائيل (2) عن أبي إسحاق ، عن عمارة بن عبد (3) وأبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، نطق : عمد موسى إلى العجل ، فوضع عليه المبارد ، فبرده بها ، وهوعلى شاطئ نهر ، فما استهلك أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل المضى (4).

ونطق سعيد بن جبير : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ نطق : لما أحرق العجل بُرِدَ ثم نسف ، فحسوا الماء حتى عادت وجوههم كالزعفران.

وحكى القرطبي عن كتاب القشيري : أنه ما استهلك منه أحد ممن عبد العجل إلا جنَّ [ثم نطق القرطبي] (5) وهذا شيء غير ما هاهنا ؛ لأن المقصود من هذا السياق ، أنه ظهر النقير على شفاههم ووجوههم ، والمذكور هاهنا : أنهم أشربوا في قلوبهم حب العجل ، يعني : طالما عبادتهم له ، ثم أنشد قول النابغة في زوجته عثمة :

تغلغل حب عثمة في فؤادي... فباديه مع الخافي يسير...

تغلغل حيث لم يبلغ شراب... ولا حزن ولم يبلغ سرور...

أكاد إذا ذكرت العهد منها... أطير لوحتى إنسانا يطير...

وقوله : { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي : بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه ، من كفركم بآيات الله ومخالفتكم الأنبياء ، ثم اعتمادكم في كفركم بمحمد صلى الله عليه وسلم - وهذا أكبر ذنوبكم ، وأشد الأمور عليكم - إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين ، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد عملتم هذه الأفاعيل القبيحة ، من نقضكم المواثيق ، وكفركم بآيات الله ، وعبادتكم العجل ؟!

__________

المسند (5/194) وسنن أبي داود برقم (5130).

في أ : "حدثنا إسماعيل".

في هـ : "عبد الله" وهوخطأ.

تفسير ابن أبي حاتم (1/282).

زيادة من أ ، و.

(1/330)

قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب. فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أي : بِعِلْمِهِم بما عندهم من الفهم بك ، والكفر بذلك ، ولوتمنوه يوم نطق لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ فسلوا الموت.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، قوله : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ نطق : نطق ابن عباس : لوتمنى اليهود الموت لماتوا.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسِي ، حدثنا عثام ، سمعت الأعمش - نطق : لا أظنه إلا عن المِنْهال ، عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس ، نطق : لوتمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.

وهذه أسانيد سليمة إلى ابن عباس.

ونطق ابن جرير في تفسيره : وبلغنا حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "لوحتى اليهود تمنوا الموت لماتوا. ولرأوا مقاعدهم من النار. ولوخرج الذين يُباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون (1) أهلا ولا مالا". حدثنا بذلك أبوكُرَيْب ، حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله (2) بن عمرو، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد (3) الرقي [أبي يزيد] (4) حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ، به (5).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أحمد [نطق] (6) : حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار ،

__________

في جـ : "ولا يجدون".

في أ : "عبد الله".

في جـ : "عن إسماعيل عن زيد" ، وفي أ ، و : "عن إسماعيل بن يزيد".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

تفسير الطبري (2/362) والمسند (1/248).

زيادة من جـ.

(1/331)

حدثنا سرور بن المغيرة ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، نطق : قول الله ما كانوا ليتمنوه بما قدمت أيديهم. قلت : أرأيتك لوأنهم أحبوا الموت حين قيل لهم : تمنوا ، أتراهم كانوا ميتين ،يا ترى؟ نطق : لا والله ما كانوا ليموتوا ولوتمنوا الموت ، وما كانوا ليتمنوه ، وقد نطق الله ما سمعت : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ

وهذا غريب عن الحسن. ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية هوالمتعين ، وهوالنادىء على أي الفريقين أكذب منهم أومن المسلمين على وجه المباهلة ، ونقله (1) ابن جرير عن قتادة ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله.

ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة :ستة - 8] فهم - عليهم لعائن الله - لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، ونطقوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أونصارى ، دعوا إلى المباهلة والنادىء على أكذب الطائفتين منهم ، أومن المسلمين. فلما نكلوا عن ذلك فهم جميع أحد (2) أنهم ظالمون ؛ لأنهم لوكانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك ، فلما تأخروا فهم كذبهم. وهذا (3) كما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة ، وعتوّهم وعنادهم إلى المباهلة ، فنطق تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران : 61] فلما رأوا ذلك نطق بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبيّ لا يبقى منكم عين تطرف. فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فضربها عليهم. وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه ، أمينًا. ومثل هذا المعنى أوقريب منه قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى يقول للمشركين : { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [مريم : 75] ، أي : من كان في الضلالة منا أومنكم ، فزاده الله مما هوفيه ومَدّ له ، واستدرجه ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، إذا شاء الله (4).

فأما من فسر الآية على معنى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي : إذا كنتم صادقين في دعواكم ، فتمنوا الآن الموت. ولم يتعرض هؤلاء للمباهلة كما قرره طائفة من المتحدثين وغيرهم ، ومال إليه ابن جرير بعد ما قارب القول الأول ؛ فإنه نطق : القول في تفسير (5) قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وهذه الآية مما احتج الله به لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا

__________

في جـ : "ونقل".

في أ : "واحد".

في جـ : "إلى غير ذلك".

في جـ : "إن شاء الله وبه الثقة".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "في تأويله".

(1/332)

بين ظهراني مُهَاجَره ، وفضح بها أحبارهم وفهماءهم ؛ وذلك حتى الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف ، كما أمره حتى يدعوالفريق الآخر من النصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وجادلوه فيه ، إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. فنطق لفريق [من] (1) اليهود : إذا كنتم محقين فتمنوا الموت ، فإن ذلك غير ضار بكم (2) إذا كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله ، بل أعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم ، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها ، والفوز بجوار الله في جناته (3) إذا كان الأمر كما تزعمون : من حتى الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها فهم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا ، وانكشف أمرنا وأمركم لهم فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لفهمها (4) أنها إذا تمنت الموت هلكت ، فمضىت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها ، كما امتنع فريق [من] (5) النصارى.

فهذا الكلام منه أوله حسن ، وأما آخره فيه نظر ؛ وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل ، إذ ينطق : إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنوا الموت فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت ، وكم من صالح لا يتمنى الموت ، بل يود حتى يعمر ليزداد خيرًا وترتفع درجته في الجنة ، كما اتى في الحديث : "خيركم من طال عمره وحسن عمله" (6). [واتى في السليم النهي عن تمني الموت ، وفي بعض ألفاظه : "لا يتمنين أحدكم الموت لضر هبط به إما محسنًا فلعله حتى يزداد ، وإما مسيئًا فلعله حتى يستعتب" (7) ] (8). ولهم مع ذلك حتى يقولوا على هذا : فها أنتم تعتقدون - أيها المسلمون - أنكم أصحاب الجنة ، وأنتم لا تتمنون طالما الصحة الموت ؛ فكيف تلزمونا بما لا نُلزمكم ؟

وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى ، فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك ، بل قيل لهم كلام نَصَف : إذا كنتم تعتقدون أنكم (9) أولياء الله من دون الناس ، وأنكم أبناء الله وأحبّاؤه ، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم [من] (10) أهل النار ، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أومن غيركم ، وافهموا حتى المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة. فلما تيقَّنوا ذلك وعهدوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يفهمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته ، وهم يعهدونه كما يعهدون أبناءهم ويتحققونه. عملم جميع أحد باطلهم ، وخزيهم ، وضلالهم وعنادهم

__________

زيادة من جـ.

في أ ، و : "غير ضايركم".

في جـ : "وجنانه".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "لفهمهم".

زيادة من جـ.

اتى من حديث عبد الله بن يسر ، وأبي بكرة ، وأبي هريرة رضي الله عنهم ، فأما حديث عبد الله بن بسر ، فرواه الترمذي في السنن برقم (2329) ونطق : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأما حديث أبي بكرة ، فرواه الترمذي في السنن برقم (2330) ونطق : "هذا حديث حسن سليم" ، وأما حديث أبي هريرة ، فرواه أحمد في المسند (2/235).

سليم البخاري برقم (5671) وسليم مسلم برقم (2680) من حديث أنس رضي الله عنه.

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

في و : "أنهم".

زيادة من أ.

(1/333)

عليهم لعائن الله المتتابعة (1) إلى يوم القيامة.

[وسميت هذه المباهلة تمنيًا ؛ لأن جميع محق يود لوأهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له فيها بيان حقه وظهوره ، وكانت المباهلة بالموت ؛ لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يفهمون من سوء مآلهم بعد الموت] (2).

ولهذا نطق تعالى : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ  : أي : [أحرص الخلق على حياة أي] (3) : على طول عُمْر ، لما يفهمون من مآلهم السيئ وعاقبتهم عند الله الخاسرة ؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فهم يودون لوتأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم. وما يحذرون (4) واقع بهم لا محالة ، حتى وهم أحرص [الناس] (5) من المشركين الذين لا كتاب لهم. وهذا من باب عطف الخاص على العام.

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا نطق : الأعاجم.

ورواه الحاكم في مستدركه من حديث الثوري ، ونطق : سليم على شرطهما ، ولم يخرجاه. نطق : وقد اتفقا على سند تفسير الصحابي (6). ونطق الحسن البصري : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ نطق : المنافق أحرص الناس على حياة ، وهوأحرص على الحياة من المشرك { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أي : أحد اليهود كما يشير عليه نظم السياق.

ونطق أبوالعالية : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ يعني : المجوس ، وهويرجع إلى الأول.

{ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ نطق الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ نطق : هوكقول الفارسي : "زه هزارسال" يقول : عشرة آلاف سنة. وكذا روي عن سعيد بن جبير نفسه أيضًا.

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق نطق : سمعت أبي يقول : حدثنا أبوحمزة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ نطق : هوالأعاجم : "هزارسال نوروزر مهرجان".

ونطق مجاهد : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ نطق : حببت إليهم الخطيئة طول العمر.

__________

في جـ ، ط ، ب : "التابعة" ، وفي أ : "البالغة".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

في أ : "وما يجدون".

زيادة من ط.

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 286) والمستدرك (2/ 263).

(1/334)

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد أوعكرمة ، عن ابن عباس : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ أي : ما بمنجيه من العذاب. وذلك حتى المشرك لا يرجوبعثًا بعد الموت ، فهويحب طول الحياة (1) وأن اليهودي قد عهد ما له في الآخرة من الخزي بما خلق (2) بما عنده من الفهم.

ونطق العوفي ، عن ابن عباس : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ نطق : هم الذين عادوا جبريل.

ونطق أبوالعالية وابن عمر (3) فما ذاك بمغيثه (4) من العذاب ولا منجيه منه.

ونطق عبد الرحمن بن زيد (5) بن أسلم [في هذه الآية] (6) يهود أحرص على [هذه] (7) الحياة من هؤلاء ، وقد ود هؤلاء حتى (8) يعمر أحدهم ألف سنة ، وليس ذلك بمزحزحه من العذاب لوعمر ، كما عمر إبليس لم ينفعه إذ كان كافرًا.

{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ أي : خبير بما يعمل عباده من خير وشر ، وسيجازي جميع عامل بعمله.

{ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)

نطق الإمام أبوجعفر بن جرير الطبري رحمه الله : أجمع أهل الفهم بالتأويل جميعًا [على] (9) حتى هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا حتى جبريل عدولهم ، وأن ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله نطقوا ذلك. فنطق بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جَرَت بينَهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في (10) أمر نبوته. ذكر من نطق ذلك

حدثنا أبوكُرَيْب ، حدثنا يونس بن بُكَيْر ، عن عبد الحميد بن بَهرام ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن ابن عباس أنه نطق : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنطقوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يفهمهن إلا نبي ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي

__________

في أ : "طول العمر".

في ب : "بما ضيع".

في جـ ، ط ، ب : "وإن عمر".

في جـ : "لا ذاك بمغنيه".

في جـ : "بز يزيد".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

زيادة من جـ.

في ط ، ب ، أ ، و : "هؤلاء لو".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط ، ب ، أ : "من".

(1/335)

ذمة وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئًا فعهدتموه لتتابِعُنِّي على الإسلام". فنطقوا : ذلك لك. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سلوني عما شئتم". فنطقوا : أبلغنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أبلغنا أيّ الطعام حرم (1) إسرائيل على نفسه من قبل حتى تنزل التوراة ،يا ترى؟ وأبلغنا كيف من الممكن أن ماء (2) المرأة وماء الرجل ،يا ترى؟ وكيفقد يكون الذكر منه والأنثى ،يا ترى؟ وأبلغنا بهذا النبي الأمي في النوم (3) ووليه من الملائكة ،يا ترى؟ فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنِّي ؟" فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق. فنطق : "نشدتكم (4) بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تفهمون حتى إسرائيل يعقوب سقم سقمًا شديدًا فطال سقمه منه ، فنذر لله نذرًا لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحوم (5) الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها ؟". فنطقوا : اللهم نعم. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم اشهد (6) عليهم. وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تفهمون حتى ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله ؟". نطقوا : اللهم نعم. نطق : "اللهم اشهد". نطق : "وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تفهمون حتى هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟". نطقوا : اللهم نعم. نطق : "اللهم اشهد". نطقوا : أنت الآن ، فحدثنا من وليك من الملائكة ، فعندها نجامعك أونفارقك. نطق : "فإن وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهووليُّه". نطقوا : فعندها نفارقك ، لوكان وليّك سواه من الملائكة تابعناك (7) وصدقناك. نطق : "فما مَنَعكم حتى تصدقوه ؟" نطقوا : إنه عدونا. فأنزل الله عز وجل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ إلى قوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة : 103] فعندها باؤوا بغضب على غضب (8).

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد بن حميد في تفسيره ، عن أحمد بن يونس ، كلاهما عن عبد الحميد بن بَهرام ، به (9).

ورواه الإمام أحمد - أيضاً - عن الحسين بن محمد المروزي ، عن عبد الحميد ، بنحوه [به] (10) (11).

وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، فذكره مرسلا وزاد فيه : نطقوا : فأبلغنا عن الروح نطق : "أنشدكم بالله وبآياته (12)

__________

في جـ ، ط : "الذي حرم".

في جـ : "كيفقد يكون ماء".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "في التوراة".

في جـ : "أنشدكم".

في جـ : "لحم" ، وفي ط ، ب ، أ ، و : "لحمان".

في جـ : "اللهم أشهدك".

في جـ : "لتابعناك" وفي ط : : "بايعناك".

تفسير الطبري (2/377).

المسند (1/278).

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

المسند (1/273).

في ط ، ب : "وبأيامه".

(1/336)

عند بني إسرائيل ، هل تفهمون أنه جبريل ، وهوالذي يأتيني ؟" نطقوا : نعم ، ولكنه لنا عدو، وهوملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك (1). فأنزل الله فيهم : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إلى قوله : { كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة : 101].

ونطق الإمام أحمد : حدثنا أبوأحمد (2) حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي ، عن بكير بن شهاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطقوا : يا أبا القاسم ، إنا نسألك عن خمسة أشياء ، فإن أنبأتنا بهن عهدنا أنك نبي واتبعناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ نطق : { اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [يوسف : 66] نطق : "هاتوا". نطقوا : أبلغنا عن علامة النبي. نطق : "تنام عيناه ولا ينام قلبه". نطقوا : أبلغنا كيف من الممكن أن تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل ،يا ترى؟ نطق : "يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت" ، نطقوا : أبلغنا ما (3) حرّم إسرائيل على نفسه. نطق : "كان يشتكي عِرْق النَّساء ، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا" - نطق أحمد : نطق بعضهم : يعني الإبل ، فحرم لحومها - نطقوا : صدقت. نطقوا : أبلغنا ما هذا الرعد ،يا ترى؟ نطق "ملك من ملائكة الله ، عز وجل ، موكل بالسحاب بيديه - أوفي يده - مِخْراق من نار يزجر به السحاب ، يسوقه حيث أمره الله عز وجل". نطقوا : فما هذا الصوت الذي نسمعه ،يا ترى؟ نطق : "صوته". نطقوا : صدقت. إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إذا أبلغتنا (4) إنه ليس من نبي إلا وله مَلَك يأتيه بالخبر ، فأبلغنا من صاحبك ،يا ترى؟ نطق : "جبريل عليه السلام" ، نطقوا : جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا ، لوقلت : ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان (5) فأنزل الله عز وجل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ إلي آخر الآية.

ورواه الترمذي ، والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد ، به (6). ونطق الترمذي : حسن غريب.

ونطق سُنَيْد في تفسيره ، عن حجاج بن محمد ، عن ابن جُرَيْج : أبلغني القاسم بن أبي بَزَّة حتى يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل (7) عليه بالوحي. نطق : "جبريل". نطقوا : فإنه لنا عدو، ولا يأتي إلا بالشدة والحرب والقتال. فنزل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الآية. نطق ابن جريج : ونطق مجاهد : نطقت يهود : يا محمد ، ما ينزل (8) جبريل إلا بشدة وحرب وقتال ، وإنه لنا عدو. فنزل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الآية.

ونطق البخاري : قوله : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ نطق عكرمة : جبر ، وميك ، وإسراف : عبد. وإيل : الله. حدثنا عبد الله بن مُنير (9) سَمِع عبد الله بن بكر (10) حدثنا حُمَيد ، عن أنس بن مالك ،

__________

في جـ : "لتبعناك".

في جـ : "أبوعمر".

في جـ ، ط : "أبلغنا عما".

في ب "أبلغتنا بها".

في جـ : "لكنا تابعناك".

المسند (1/274) وسنن الترمذي برقم (3117) وسنن النسائي الكبرى برقم (9072).

في أ : "نزل".

في جـ ، ط ، أ : "ما نزل".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بن نمير".

في أ : "بن بكير".

(1/337)

نطق : سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوفي أرض يخترف. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فنطق : إني سائلك عن ثلاث لا يفهمهن (1) إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ،يا ترى؟ وما أول طعام أهل الجنة ،يا ترى؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أوإلى أمه ،يا ترى؟ نطق : "أبلغني بِهن جبريل آنفًا". نطق : جبريل ،يا ترى؟ نطق : "نعم". نطق : ذاك عدواليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وإذا تجاوز ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا تجاوز ماء المرأة [ماء الرجل] (2) نزعت". نطق : أشهد حتى لا إله إلا الله وأشهد أنك (3) رسول الله. يا رسول الله ، إذا اليهود قوم بُهُت ، وإنهم إذا يفهموا بإسلامي قبل حتى تسألهم يبهتوني (4). فاتىت اليهود فنطق النبي صلى الله عليه وسلم : "أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟" نطقوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا. نطق : "أرأيتم إذا أسلم عبد الله بن سلام". فنطقوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فنطق : أشهد حتى لا إله إلا الله وأشهد حتى محمدًا رسول الله. فنطقوا : شرنا وابن شرنا. فانتقصوه.

نطق (5) هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.

انفرد به البخاري من هذا الوجه (6) وقد أخرجه من وجه آخر ، عن أنس بنحوه (7) وفي سليم مسلم ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق (8) كما سيأتي في موضعه (9).

وحكاية البخاري عن عكرمة هوالمشهور حتى "إيل" هوالله. وقد رواه سفيان الثوري ، عن خَصِيف ، عن عكرمة.

ورواه عبد بن حميد ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن أبيه ، عن عكرمة ، ورواه ابن جرير ، عن الحسين بن يزيد الطحان ، عن إسحاق بن منصور ، عن قيس ، عن عاصم ، عن عكرمة ، أنه نطق : إذا جبريل اسمه عبد الله وميكائيل : عبيد الله. إيل : الله.

ورواه يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله سواء. وكذا نطق غير واحد من السلف ، كما سيأتي قريبا.

__________

في أ : "لا يعهدهن".

زيادة من جـ.

في جـ ، ط : "وأن محمدًا".

في جـ : "بهتوني".

في جـ : "فنطق".

سليم البخاري برقم (4480).

سليم البخاري برقم (3329) من طريق مروان بن معاوية عن حميد ، عن أنس ، وسليم البخاري برقم (3938) من طريق بشر ابن المفضل ، عن حميد ، عن أنس.

سليم مسلم برقم (315).

في جـ : "كما سيأتي في موضعه إذا شاء الله".

(1/338)

[ونطق الإمام أحمد في أثناء حديث سمرة بن جندب : حدثنا محمد بن سلمة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عمروبن عطاء نطق : نطق لي علي بن الحسين : اسم جبريل عبد الله ، واسم ميكائيل : عبيد الله] (1).

ومن الناس من يقول : "إيل" تعبير عن عبد ، والحدثة الأخرى هي اسم الله ؛ لأن حدثة "إيل" لا تتغير في الجميع ، فوزانه : عبد الله ، عبد الرحمن ، عبد الملك ، عبد القدوس ، عبد السلام ، عبد الكافي ، عبد الجليل. فعبد موجودة في هذا كله ، واختلفت الأسماء المضاف إليها ، وكذلك جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ونحوذلك ، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف ، والله أفهم.

ثم نطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب وبينهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر من نطق ذلك :

حدثني محمد بن المثنى ، حدثني ربعي بن عُلَيّة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، نطق : هبط عمر الروحاء ، فرأى رجالا يبتدرون أحجارًا يصلون إليها ، فنطق : ما بال هؤلاء ،يا ترى؟ نطقوا : يزعمون حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى هاهنا. نطق : فكفر ذلك. ونطق : إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل ، فهجره. ثم أنشأ يحدثهم ، فنطق : كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم (2) فأعجب من التوراة كيف من الممكن أن تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف من الممكن أن يصدق التوراة ،يا ترى؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم ، نطقوا : يا ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت : ولم ذلك ،يا ترى؟ نطقوا : إنك تغشانا وتأتينا. فقلت : إني آتيكم فأعجب من الفرقان (3) كيف من الممكن أن يصدق التوراة ، ومن التوراة كيف من الممكن أن تصدق الفرقان. نطق : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطقوا : يا ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به ، نطق : فقلت لهم عند ذلك : نشدتكم (4) بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه : أتفهمون أنه رسول الله ،يا ترى؟ نطق : فسكتوا. فنطق لهم عالمهم وكبيرهم : إنه قد غَلَّظ عليكم فأجيبوه. فنطقوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت. نطق : أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نفهم أنه رسول الله ، نطق : قلت : ويحكم فأنَّي هلكتم ؟! نطقوا (5) إنا لم نهلك (6) [نطق] (7) : قلت : كيف من الممكن أن ذلك وأنتم تفهمون أنه رسول الله [ثم] (8) ولا تتبعونه ولا تصدقونه ،يا ترى؟ نطقوا : إذا لنا عدوا من الملائكة وسِلْمًا من الملائكة ، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة. نطق : قلت : ومن عدوكم ومن سلمكم ،يا ترى؟ نطقوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل. نطق : قلت : وفيم عاديتم جبريل ، وفيم سالمتم ميكائيل ،يا ترى؟ نطقوا : إذا جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحوهذا ، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحوهذا.

__________

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، أ : "يوم مدارستهم".

في أ ، و : "القرآن".

في أ : "أنشدكم".

في جـ : "فنطقوا".

في جـ ، ط : "إياكم يهلك".

زيادة من أ.

زيادة من ط.

(1/339)

نطق : قلت : وما منزلتهما من ربهما عز وجل ،يا ترى؟ نطقوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. نطق : قلت : فو[الله] (1) الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدولمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل حتى يسالم عدوميكائيل وما ينبغي لميكائيل حتى يسالم عدوجبريل. ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهوخارج من خَوْخة لبني فلان ، فنطق : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلن (2) قبل ؟" فقرأ عليّ : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ حتى قرأ هذه الآيات. نطق : قلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد حتى أقول لك ، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر (3).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا أبوأسامة ، عن مجالد ، أنبأنا عامر ، نطق : انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود ، فنطق : أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى : هل تجدون محمدًا في خطكم ،يا ترى؟ نطقوا : نعم. نطق : فما يمنعكم حتى تتبعوه ،يا ترى؟ نطقوا : إذا الله لم يبعث رسولا (4) إلا جعل له من الملائكة كفْلا وإن جبريل كَفَل محمَّدًا ، وهوالذي يأتيه ، وهوعدونا من الملائكة ، وميكائيل سلمنا ؛ لوكان ميكائيل هوالذي يأتيه أسلمنا. نطق : فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى : ما منزلتهما من رب العالمين ،يا ترى؟ نطقوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله. نطق عمر. وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله ، وما كان ميكائيل ليسالم عدوجبريل ، وما كان جبريل ليسالم عدوميكائيل. فبينما هوعندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فنطقوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب : فقام إليه عمر ، فأتاه ، وقد أنزل الله ، عز وجل ، عليه : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (5).

وهذان الإسنادان يدلان على حتى الشعبي وقع به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر ، فإنه لم يدرك وفاته (6) ، والله أفهم.

ونطق ابن جرير : حدثنا بشر (7) حدثنا يزيد بن زُرَيع ، عن سعيد ، عن قتادة ، نطق : ذُكر لنا حتى عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود. فلما أبصروه (8) رحبوا به ، فنطق لهم عمر : أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه. فنطقوا : من صاحب صاحبكم (9) ،يا ترى؟ فنطق لهم : جبريل. فنطقوا : ذاك عدونا من أهل السماء ، يُطلع محمدًا على سرنا ، وإذا اتى اتى الحرب والسَّنَة ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا اتى اتى الخصب والسلم. فنطق لهم عمر : هل تعهدون جبريل وتنكرون محمدًا صلى الله عليه وسلم ،يا ترى؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحوالنبي صلى الله عليه وسلم ،

__________

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

في جـ : "نزلت".

تفسير الطبري (2/ 382).

في جـ : "نبيا رسولا".

تفسير ابن أبي حاتم (1/290).

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "زمانه".

في أ : "محمد بن بشر".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فلما انصرف".

في أ ، و : "صاحبكم".

(1/340)

ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ (1).

ثم نطق : حدثني المثنى ، حدثنا آدم ، حدثنا أبوجعفر عن قتادة ، نطق : بلغنا حتى عمر أقبل إلى اليهود يومًا ، فذكر نحوه. وهذا - أيضًا - منبتر ، وكذلك رواه أسباط ، عن السدي ، عن عمر مثل هذا أونحوه ، وهو(2) منبتر أيضًا.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن - يعني الدَّشْتَكي - حدثنا أبوجعفر ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى يهوديا أتي (3) عمر بن الخطاب ، فنطق : إذا جبريل الذي يذكر صاحبكم عدولنا. فنطق عمر : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ نطق : فنزلت على لسان عمر ، رضي الله عنه (4).

ونطق ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أبلغنا حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى في قوله : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ نطق : نطقت اليهود للمسلمين : لوحتى ميكائيل كان الذي ينزل عليكم اتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة ، فإنه لنا عدو(5) نطق : فنزلت هذه الآية.

حدثني يعقوب نطق : حدثنا هُشَيْم ، أبلغنا عبد الملك ، عن عطاء ، بنحوه. ونطق عبد الرزاق : أبلغنا مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ نطق : نطقت اليهود : إذا جبريل عدونا ، لأنه ينزل بالشدة والسَّنَة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ، فجبريل عدونا. فنطق الله تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [الآية] (6).

وأما تفسير الآية فقوله تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ أي : من عادى جبريل فليفهم أنه الروح الأمين الذي هبط بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك ، فهورسول من رسل الله مَلَكي [عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السلام] (7) ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل ، كما حتى من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل ، وكما حتى من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء : 150 ، 151] فحكم عليهم بالكفر المحقّق ، إذْ آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم (8) وكذلك من عادى جبريل فإنه عدولله ؛

__________

تفسير الطبري (2/383).

في أ : "وهذا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "لقي".

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 291) وهذا منبتر ، ابن أبي ليلي لم يدرك عمر.

في جـ : "فإنه عدونا".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ.

في أ : "وكفروا ببعض".

(1/341)

لأن جبريل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه ، وإنما ينزل بأمر ربه كما نطق : { وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم : 64] ونطق تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء : 192 - 194] وقد روى البخاري في سليمه ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب" (1). ولهذا غضب الله لجبريل على من عاداه ، فنطق : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أي : مِنَ الخط المتقدمة { وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ أي : هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلا للمؤمنين. كما نطق تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت : 44] ، ونطق تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا [الإسراء : 82].

ثم نطق تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ يقول تعالى : من عاداني وملائكتي ورسلي - ورسله تضم رسله من الملائكة والبشر ، كما نطق تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ [الحج : 75].

{ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ (2) وهذا من باب عطف الخاص على العام ، فإنهما دخلا في الملائكة ، ثم (3) عموم الرسل ، ثم خصصا بالذكر ؛ لأن السياق في الفوز لجبريل وهوالسفير بين الله وأنبيائه ، وقرن معه ميكائيل في اللفظ ؛ لأن اليهود زعموا حتى جبريل عدوهم وميكائيل وليهم ، فأفهمهم أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضًا ؛ لأنه - أيضًا - ينزل على الأنبياء بعض الأحيان ، كما قُرن (4) برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبريل أكثر ، وهي وظيفته ، وميكائيل موكل بالقطر والنبات ، هذاك بالهدى وهذا بالرزق ، كما حتى إسرافيل موكل بالصور للنفخ للبعث يوم (5) القيامة ؛ ولهذا اتى في السليم : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول (6) "اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل (7) ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" (8). وقد تقدم ما حكاه البخاري ، ورواه ابن جرير (9) عن عكرمة أنه نطق : جبر ، وميك ، وإسراف : عُبَيد. وإيل : الله.

__________

سليم البخاري برقم (6502).

في جـ ، ط ، ب : "وميكائيل".

في أ : "في".

في أ : "كما مر".

في ط ، ب : "ليوم".

في جـ ، ط : "نطق".

في جـ ، ط ، ب : "رب جبريل وميكائيل وإسرافيل".

سليم مسلم برقم (770) من حديث عائشة رضي الله عنها.

في ب : "وغيره".

(1/342)

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن راتى ، عن عمير (1) مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، نطق : إنما قوله : "جبريل" كقوله : "عبد الله" و"عبد الرحمن". وقيل (2) جبر : عبد. وإيل : الله.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، نطق : أتدرون (3) ما اسم جبرائيل (4) من أسمائكم ،يا ترى؟ قلنا : لا. نطق : اسمه عبد الله ، نطق : فتدرون ما اسم ميكائيل من أسمائكم ،يا ترى؟ قلنا : لا. نطق : اسمه عبيد الله (5). وكل اسم مرجعه إلى "يل" (6) فهوإلى الله.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد وعكرمة والضحاك ويحيى بن يعمر نحوذلك. ثم نطق : حدثني أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحَوَارِي ، حدثني عبد العزيز بن عمير نطق : اسم جبريل في الملائكة خادم الله. نطق : فحدثت (7) به أبا سليمان الداراني ، فانتفض ونطق : لهذا الحديث أحبّ إليَّ من جميع شيء [وخطه] (8) في دفتر كان بين يديه.

وفي جبريل وميكائيل لغات وقراءات ، تذكر في خط اللغة والقراءات ، ولم نطوّل كتابنا هذا بسَرد ذلك إلا حتى يدور فهم المعنى عليه ، أويرجع الحكم في ذلك إليه ، وبالله الثقة ، وهوالمستعان.

وقوله تعالى : { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل : فإنه عدوللكافرين. نطق : { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ كما نطق الشاعر :

لا أرى الموتَ يسبق (9) الموتَ شيء... نَغَّص (10) الموتُ ذا الغنى والفقيرا...

ونطق آخر :

ليتَ الغرابَ غداة ينعَبُ (11) دائبا... كان الغرابُ مقطَّع الأوداج (12)

وإنما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره ، وإعلامهم حتى من عادى أولياء الله فقد عادى الله ، ومن عادى الله فإن الله عدوله ، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة ، كما تقدم الحديث : "من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب". وفي الحديث الآخر : "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب". وفي الحديث السليم : "وَمَن كنتُ خَصْمَه خَصَمْتُه".

__________

في أ : "عمر".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ونطق".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "تدرون".

في جـ ، ط ، ب : "جبريل".

في جـ : "عبد الله".

في أ ، و : "إيل".

في جـ : "فحدث".

زيادة من جـ.

في جـ : "سوى".

في جـ ، ط ، ب : "سبق" ، وفي أ : "مسبق" وفي و : "يسبق".

في جـ : "ينعق".

البيت في تفسير الطبري (2/396) وهولجرير بن عطية.

(1/343)

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)

{ وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)

(1/344)

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)

نطق الإمام أبوجعفر بن جرير في قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ أي : أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات [دلالات] (1) على نبوتك ، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود ، ومكنونات سرائر أخبارهم ، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل ، والنبأ عما تضمنته خطهم التي لم يكن يفهمها إلا أحبارُهم وفهماؤهم ، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم ، التي كانت في التوراة. فأطلع الله في كتابه الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه ، ولم يَدْعُه إلى هلاكها الحسد (2) والبغي ، إذ كان في فطرة جميع ذي فطرة سليمة تصديقُ من أتى بمثل (3) ما اتى به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وَصَفَ ، من غير تعلُّم تعلَّمه من بَشَريٍّ (4) ولا أخذ شيئًا (5) منه عن آدمي. كما نطق الضحاك ، عن ابن عباس : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية ، وبين ذلك ، وأنت عندهم أمي لا تقرأ (6) كتابًا ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله : في ذلك لهم عبرة وبيان ، وعليهم حجة لوكانوا يفهمون.

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق ابن صُوريا الفطْيُوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعهده ، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك. فأنزل الله في ذلك من قوله : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "هلاكه بالحسد".

في جـ : "تصديق ذلك من حتى يمثل".

في جـ : "من بشر".

في جـ ، ط ، ب : "شيء" وهوخطأ.

في جـ ، ط ، ب : "لم تقرأ".

(1/344)

ونطق مالك بن الصيف - حين بُعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم (1) ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم (2) والله ما عَهِد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم ولا أخذ [له] (3) علينا ميثاقًا. فأنزل الله : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ

ونطق الحسن البصري في قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ نطق : نَعَم ، ليس في الأرض عَهْدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه ، يعاهدون اليوم ، وينقضون غدًا.

ونطق السدي : لا يؤمنون بما اتى به محمد صلى الله عليه وسلم. ونطق قتادة : { نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي : نقضه فريق منهم.

ونطق ابن جرير : أصل النبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط : منبوذًا ، ومنه سمي النبيذ ، وهوالتمر والزبيب إذا طرحا في الماء. نطق أبوالأسود الدؤلي :

نظرتُ إلى عنوانه فنبذْتُه كنبذك نَعْلا أخْلقَتْ من نعَالكا (4)

قلت : فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم اللهُ إليهم في التمسك بها والقيام بحقها. ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، الذي في خطهم نعتُه وصفتُه وأخبارُه ، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ومناصرته ، كما نطق : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ الآية [الأعراف : 157] ، ونطق هاهنا : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي : اطَّرَحَ طائفة منهم كتاب الله الذي بأيديهم ، مما فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم ، أي : هجروها ، كأنهم لا يفهمون ما فيها ، وأقبلوا على تفهم السحر واتباعه. ولهذا أرادوا كيْدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسَحَروه في مُشْط ومُشَاقة وجُفّ طَلْعَة ذَكر ، تحت راعوثة بئر ذي أروان. وكان الذي تولى ذلك منهم رجل ، ينطق له : لبيد بن الأعصم ، لعنه الله ، فأطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ، وشفاه منه وأنقذه ، كما ثبت ذلك مبسوطًا في السليمين عن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، كما سيأتي بيانه (5) نطق (6) السدي : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نطق : لما اتىهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فخاصموه بها ، فاتفقت التوراة والقرآن ، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت ، فلم يوافق القرآن ، فذلك قوله : { كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ

ونطق قتادة في قوله : { كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ نطق : إذا القوم كانوا يفهمون ، ولكنهم نبذوا فهمهم ، وكتموه وجحدوا به.

__________

في أ : "وما ذكر لهم".

في أ : "وما عهد الله إليهم فيه".

زيادة من أ.

البيت في تفسير الطبري (2/401).

في جـ : "كما سيأتي بيانه إذا شاء الله وبه الثقة" ، وفي أ : "كما سيأتي بيانه إذا شاء اله تعالى".

في جـ ، ط : "ونطق".

(1/345)

ونطق العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا وكان حين مضى مُلْكُ سليمان ارتد فِئَامٌ من الجن والإنس واتبعوا الشهوات ، فلما عاد (1) اللهُ إلى سليمان ملكَه ، وقام الناس على الدين كما كان أوان سليمان ، ظهر على خطهم فدفنها تحت كرسيه ، وتوفي سليمان ، عليه السلام ، حدثان ذلك ، فظهر الإنس والجن على الخط بعد وفاة سليمان ، ونطقوا : هذا كتاب من الله هبط (2) على سليمان وأخفاه عنا فأخذوا به فجعلوه دينًا. فأنزل الله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ واتبعوا الشهوات ، [أي] : (3) التي كانت [تتلوالشياطين] (4) وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا أبوأسامة ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : كان آصف محرر سليمان ، وكان يفهم الاسم "الأعظم" ، وكان يخط جميع شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما توفي سليمان أخرجه (5) الشياطين ، فخطوا بين جميع سطرين سحرًا وكفرًا ، ونطقوا : هذا الذي كان سليمان يعمل بها (6). نطق : فأكفره جُهَّالُ الناس وسبّوه ، ووقف فهماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه ، حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا (7).

ونطق ابن جرير : حدثني أبوالسائب سلم (8) بن جنادة السوائي ، حدثنا أبومعاوية ، حدثنا عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : كان سليمان ، عليه السلام ، إذا أراد حتى يدخل الخلاء ، أويأتي شيئًا من نسائه ، منح الجرادة - وهي امرأة - خاتمه. فلما أراد الله حتى يبتلي سليمان ، عليه السلام ، بالذي ابتلاه به ، منح الجرادة ذات يوم خاتَمه ، فاتى (9) الشيطان في صورة سليمان فنطق لها : هاتي خاتمي. فأخذه فلبسه. فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس. نطق : فاتىها سليمان ، فنطق : هاتي خاتمي فنطقت : كذبت ، لست سليمان. نطق : فعهد سليمان أنه بلاء ابتلي به. نطق : فانطلقت الشياطين فخطت في تلك الأيام خطًا فيها سحر وكفر. ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها وقرؤوها (10) على الناس ، ونطقوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الخط. نطق : فبرئ الناس من سليمان ، عليه السلام ، وأكفروه حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

ثم نطق ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران ،

__________

في جـ : "فلما أرجع".

في جـ : "أنزل".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، أ ، و : "أخرجته".

في هـ : "به" ، والصواب ما أثبتناه من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

تفسير ابن أبي حاتم (1/297).

في جـ ، ط ، ب : "مسلم".

في جـ : "فاتىها".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "فقرؤوها".

(1/346)

وهوابن الحارث نطق : بينا نحن عند ابن عباس - رضي الله عنهما (1) - إذ اتى (2) رجل فنطق له : مِنْ أين جئت ،يا ترى؟ نطق : من العراق. نطق : من أيِّه ،يا ترى؟ نطق : من الكوفة. نطق : فما الخبر ،يا ترى؟ نطق : هجرتهم يتحدثون حتى عليا خارج إليهم. ففزع ثم نطق : ما تقول ،يا ترى؟ لا أبا لك! لوشعرنا ما نكحنا نساءه ، ولا قسمنا ميراثه ، أما إني سأحدثكم (3) عن ذلك : إنه كانت الشياطين يسترقون السمع من السماء ، فيجيء أحدهم بحدثة حق قد سمعها ، فإذا جُرِّبَ منه صدق كذب معها سبعين كذْبة ، نطق : فَتَشْرَبُها قلوب الناس. فأطلع الله عليها سليمان. عليه السلام ، فدفنها تحت كرسيه. فلما توفي سليمان ، عليه السلام ، قام شيطانُ الطريق ، فنطق : أفلا أدلكم على كنزه الممنَّع (4) الذي لا كنز له مثله ،يا ترى؟ تحت الكرسي. فأخرجوه ، فنطقوا هذا سحره (5) فتناسخا الأمم - حتى بقاياها ما يتحدث به أهل العراق - وأنزل الله عز وجل (6) { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

ورواه الحاكم في مستدركه ، عن أبي زكريا العَنْبري ، عن محمد بن عبد السلام ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن جرير ، به (7).

ونطق السدي في قوله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أي : على عهد سليمان. نطق : كانت الشياطين تصعد إلى السماء ، فتقعد منها مقاعد للسمع ، فيستمعون من كلام الملائكة مماقد يكون في الأرض من موت أوغيب (8) أوأمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم. فتحدِّث الكهنة الناسَ فيجدونه كما نطقوا. حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم. وأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع جميع حدثة سبعين حدثة ، فاكتتب الناسُ ذلك الحديثَ في الخط ، وفشا في بني إسرائيل حتى الجن تفهم الغيب. فبُعث سليمانُ في الناس فجمع تلك الخط فجعلها في صندوق. ثم دفنها تحت كرسيه. ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع حتى يدنومن الكرسي إلا احترق. ونطق : لا أسمع أحدًا يذكر حتى الشياطين يفهمون الغيب إلا ضربت عنقه. فلما توفي سليمان ، عليه السلام ، ومضىت الفهماء الذين كانوا يعهدون أمر سليمان ، وخلف من بعد ذلك خَلْف تمثل شيطان في صورة إنسان ، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل ، فنطق لهم : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا ،يا ترى؟ نطقوا : نعم. نطق : فاحفروا تحت الكرسي. ومضى معهم وأراهم المكان ، وقام ناحية ، فنطقوا له : فَادْنُ. نطق (9) لا ولكنني هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الخط. فلما أخرجوها نطق الشيطان : إذا سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين (10) والطير بهذا السحر. ثم طار ومضى. وفشا في الناس حتى سليمان كان

__________

في ط : "عنه".

في ط ، ب ، أ ، و : "إذ اتىه".

في جـ ، ط : "سأحدثك"

في جـ : "الممتنع".

في ب ، أ ، و : "هذا سحر".

في جـ : "الله تعالى".

تفسير الطبري (2/ 415) والمستدرك (2/ 265).

في جـ : "أوعبس".

في جـ : "فنطق".

في جـ : "والجن".

(1/347)

ساحرًا. واتخذت بنوإسرائيل تلك الخط ، فلما اتى محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها (1) ؛ فذلك حين يقول الله تعالى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

ونطق الربيع بن أنس : إذا اليهود سألوا محمدًا صلى الله عليه وسلم زمانًا عن أمور من التوراة ، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله تعالى عليه ما سألوه عنه ، فيخصمهم (2) ، فلما رأوا ذلك نطقوا : هذا أفهم بما أنزل الله إلينا منا. وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به ، فأنزل الله عز وجل : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وإن الشياطين عَمَدوا إلى كتاب فخطوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك ، فدفنوه تحت مجلس سليمان ، وكان [سليمان] (3) عليه السلام ، لا يفهم الغيب. فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا الناس ، ونطقوا : هذا فهم كان سليمان يكتمه ويحسد (4) الناس عليه. فأبلغهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فرجعوا من عنده وقد حزنوا ، وأدحض الله حجتهم.

ونطق مجاهد في قوله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ نطق : كانت الشياطين تنصت (5) الوحي فما سمعوا من حدثة [إلا] (6) زادوا فيها مائتين مثلها. فأرسِل سليمان ، عليه السلام ، إلى ما خطوا من ذلك. فلما توفي سليمان وجدته الشياطين عملمته الناس [به] (7) وهوالسحر.

ونطق سعيد بن جبير : كان سليمان ، عليه السلام ، يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم ، فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته ، فلم يقدر الشياطين حتى يصلوا إليه ، فدبَّت (8) إلى الإنس ، فنطقوا لهم : أتدرون ما الفهم (9) الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك ،يا ترى؟ نطقوا : نعم. نطقوا : فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه. فاستثار به (10) الإنسُ واستخرجوه فعملوا (11) بها. فنطق أهل الحجا : كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر. فأنزل الله تعالى على [لسان] (12) نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام ، فنطق : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

ونطق محمد بن إسحاق بن يسار (13) عمدت الشياطين حين عهدت موت سليمان بن داود ، عليه السلام (14) فخطوا أصناف السحر : "من كان يحب حتى يبلغ كذا وكذا فليقل كذا وكذا". حتى إذا صنفوا أصناف السحر جعلوه في كتاب. ثم ختموا بخاتم على نقش خاتم سليمان ، وخطوا في

__________

في جـ : "بهذا".

في جـ : "فيخصهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "ويحشر" ، وفي ط : "ففسد".

في جـ ، ط ، أ ، و : "تسمع".

زيادة من أ.

زيادة من ط.

في جـ ، ب ، أ ، و : "فدنت".

في جـ : "أن الفهم".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فاستثارته".

في جـ : "عملموا".

زيادة من جـ ، ط ، ، أ ، و.

في جـ ، ط : "بشار".

في جـ ، ب : "عليهما السلام".

(1/348)

عُنْوانه : "هذا ما خط آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود ، عليهما السلام (1) من ذخائر كنوز الفهم". ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته (2) بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا. فلما عثروا عليه نطقوا : والله ما كان سليمان بن داود إلا بهذا. فأفشوا السحر في الناس [وتفهموه وفهموه] (3). وليس هوفي أحد أكثر (4) منه في اليهود لعنهم الله. فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما هبط عليه من الله ، سليمان بن داود ، وعده فيمن عَدَّه من المرسلين ، نطق من كان بالمدينة من يهود : ألا تعجبون من محمد! يزعم حتى ابن داود كان نبيًا ، والله ما كان إلا ساحرًا. وأنزل الله [في] (5) ذلك من قولهم : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا الآية.

ونطق ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا حسين ، حدثنا الحجاج (6) عن أبي بكر ، عن شَهْر بن حَوشب ، نطق : لما سلب سليمان ، عليه السلام ، ملكه ، كانت الشياطين تخط السحر في غيبة سليمان. فخطت : "من أراد حتى يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس ، وليقل كذا وكذا (7) ومن أراد حتى يعمل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا. فخطته وجعلت عنوانه : هذا ما خط آصف بن برخيا للملك سليمان [بن داود] (8) من ذخائر كنوز الفهم". ثم دفنته تحت كرسيه. فلما توفي سليمان ، عليه السلام ، قام إبليس ، لعنه الله ، خطيبًا ، [ثم] (9) نطق : يا أيها الناس ، إذا سليمان لم يكن نَبيًّا ، إنما كان ساحرًا ، فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته. ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه. فنطقوا : والله لقد كان سليمان ساحرًا! هذا (10) سحره ، بهذا تَعَبدنا ، وبهذا قهرنا. ونطق المؤمنون : بل كان نبيًا مؤمنًا. فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان. فنطقت اليهود [لعنهم الله] (11) انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل. يذكر سليمان مع الأنبياء. إنما كان ساحرًا يركب الريح ، فأنزل الله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ الآية.

ونطق ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، نطق : حدثنا المعتمر بن سليمان ، نطق : سمعت عمران بن حُدَير ، عن أبي مِجْلَز ، نطق : أخذ سليمان ، عليه السلام ، من جميع دابة عهدًا ، فإذا أصيب رجل فسأل بذلك العهد ، خلى عنه. فزاد الناس السجع والسحر ، ونطقوا : هذا يعمل به

__________

في ط : "عليه السلام".

في ط : "واستخرجه".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "اكبر".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "حجاج".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "كذا وكذا".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

في جـ : "وهذا".

زيادة من جـ.

(1/349)

سليمان. فنطق الله تعالى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (1).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا عصام بن رَوّاد ، حدثنا آدم ، حدثنا المسعودي ، عن زياد مولى ابن مصعب ، عن الحسن : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ نطق : ثلث الشعر ، وثلث السحر ، وثلث الكهانة.

ونطق : حدثنا الحسن بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي ، حدثني سُرور بن المغيرة ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ واتبعته اليهود على ملكه. وكان السحر قبل ذلك في الأرض لم يزل بها ، ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان.

فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام ، ولا يخفى ملخص السيرة والجمع بين أطرافها ، وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفَهِم ، والله الهادي. وقوله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أي : واتبعت اليهود - الذين أوتوا الكتاب بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم ومخالفتهم الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ما تتلوه (2) الشياطين ، أي : ما ترويه وتخبر به وتُحدثه الشياطين على ملك سليمان. وعداه بعلى ؛ لأنه تضمن تتلو : تكذب. ونطق ابن جرير : "على" (3) هاهنا بمعنى "في" ، أي : تتلوفي ملك سليمان. ونقله عن ابن جُرَيج ، وابن إسحاق.

قلت : والتضمن أحسن وأولى ، والله أفهم.

وقول الحسن البصري ، رحمه الله : "قد كان السحر قبل زمان (4) سليمان بن داود" سليم لا ريب فيه ؛ لأن السحرة كانوا في زمان (5) موسى ، عليه السلام ، وسليمان بن داود بعده ، كما نطق تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية [البقرة : 246] ، ثم ذكر السيرة بعدها ، وفيها : { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة : 251]. ونطق قوم صالح - وهم قبل إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، لنبيهم صالح : { إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء : 153] أي : [من] (6) المسحورين على المشهور.

وقوله تعالى : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ اختلف الناس في هذا المقام ، فمضى بعضهم إلى حتى "ما" نافية ، أعني التي في قوله : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ نطق القرطبي : "ما" نافية ومعطوفة على قوله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ثم نطق : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزلَ أي : السحر { عَلَى الْمَلَكَيْنِ وذلك حتى اليهود - لعنهم الله - كانوا يزعمون أنه نزل

__________

تفسير الطبري (2/ 414).

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "ما تتلوه".

في جـ ، ط ، : "وعلي".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "قبل زمن".

في جـ : "زمن".

زيادة من جـ ، ط.

(1/350)

به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله في ذلك وجعل قوله : { هَارُوتَ وَمَارُوتَ بدلا من : { الشياطين نطق : وصح ذلك ، إما لأن الجمع قد يطلق على الاثنين كما في قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء : 11] أوقد يكون لهما أتباع ، أوذكرا من بينهم لتمردهما ، فتقدير الكلام عنده : تفهمون الناس السحر ببابل ، هاروت وماروت. ثم نطق : وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ولا يلتفت إلى ما سواه.

وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ يقول : لم ينزل الله السحر. وبإسناده ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ نطق : ما أنزل الله عليهما السحر.

نطق ابن جرير : فتأويل الآية على هذا : واتبعوا ما تتلوالشياطين على ملك سليمان من السحر ، وما كفر سليمان ، ولا أنزل الله السحر على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يفهمون الناس السحر ببابل ، هاروت وماروت. فيكون قوله : { بِبَابِلَ هَارُوتَ [وَمَارُوت (1) ] من المؤخر الذي معناه المقدم. نطق : فإن نطق لنا قائل : وكيف وجه تقديم ذلك ،يا ترى؟ قيل : وجه تقديمه حتى ينطق : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوالشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ - "من السحر" - { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وما أنزل الله "السحر" على الملكين ، { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ببابل وهاروت وماروت فيكون معنيا بالملكين : جبريل وميكائيل ، عليهما السلام ؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم حتى الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك ، وأبلغ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر ، وبرأ سليمان ، عليه السلام ، مما نحلوه من السحر ، وأبلغهم حتى السحر من عمل الشياطين ، وأنها تفهم الناس ذلك ببابل ، وأن الذين يفهمونهم ذلك رجلان ، اسم أحدهما هاروت ، واسم الآخر ماروت ، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس ، وردًا عليهم.

هذا لفظه بحروفه (2).

وقد نطق ابن أبي حاتم : حُدّثت عن عُبَيد الله بن موسى ، أبلغنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ نطق : ما أنزل الله على جبريل وميكائيل السحر.

حدثنا (3) الفضل بن شاذان ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا يعلى - يعني ابن أسد - حدثنا بكر (4) - يعني ابن مصعب - حدثنا الحسن بن أبي جعفر : حتى عبد الرحمن بن أبزى كان يقرؤها : "وما أنزل على الملكين داود وسليمان".

ونطق أبوالعالية : لم ينزل عليهما السحر ، يقول : فهما الإيمان والكفر ، فالسحر من الكفر ، فهما ينهيان عنه أشد النهي. رواه ابن أبي حاتم.

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

تفسير الطبري (2/ 419 ، 420).

في و : "ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا".

في جـ ، ط ، ب : "بكير".

(1/351)

ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول ، وأن "ما" بمعنى الذي ، وأطال القول في ذلك ، وادعى (1) حتى هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض ، وأذن لهما في تعليم السحر اختبارًا لعباده وامتحانًا ، بعد حتى بين لعباده حتى ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل ، وادعى حتى هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك ؛ لأنهما امتثلا ما أمرا به.

وهذا الذي سلكه غريب جدًا! وأغرب منه قول من زعم حتى هاروت وماروت قبيلان من الجن [كما زعمه ابن حزم] (2) !

وروى ابن أبي حاتم بإسناده. عن الضحاك بن مزاحم : أنه كان يقرؤها : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ويقول : هما علجان من أهل بابل.

وَوَجَّه أصحابُ هذا القول الإنزال بمعنى الخَلْق ، لا بمعنى الإيحاء ، في قوله : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ كما نطق تعالى : { وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر : 6] ، { وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد : 25] ، { وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا [غافر : 13]. وفي الحديث : "ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء". وكما ينطق : أنزل الله الخير والشر.

[وحكى القرطبي عن ابن عباس وابن أبزى والضحاك والحسن البصري : أنهم قرؤوا : "وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ" بكسر اللام. نطق ابن أبزى : وهما داود وسليمان. نطق القرطبي : عملى هذا تكون "ما" نافية أيضًا] (3).

ومضى آخرون إلى الوقف على قوله : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [و"ما" نافية] (4) نطق ابن جرير : حدثني يونس ، أبلغنا ابن وهب ، أبلغنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، وسأله رجل عن قول الله تعالى : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ نطق الرجل : يفهمان الناس السحر ، ما أنزل عليهما (5) أويفهمان الناس ما لم ينزل عليهما ،يا ترى؟ فنطق القاسم : ما أبالي أيتهما كانت.

ثم روى عن يونس ، عن أنس بن عياض ، عن بعض أصحابه : حتى القاسم نطق في هذه السيرة : لا أبالي أيّ ذلك كان ، إني آمنت به.

ومضى كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء ، وأنهما أنزلا إلى الأرض ، فكان من أمرهما ما كان. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده كما سنورده إذا شاء الله تعالى. وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ثبت من الدلائل على عصمة الملائكة حتى هذين تجاوز في فهم الله لهما هذا ، فيكون تخصيصًا لهما ، فلا تعارض حينئذ ، كما تجاوز في فهمه من أمر إبليس

__________

في جـ : "وادعى على".

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، و.

في جـ : "إليهما".

(1/352)

ما تجاوز ، وفي قول : إنه كان من الملائكة ، لقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى [طه : 116] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. مع حتى شأن هاروت وماروت - على ما ذكر - أخف مما سقط من إبليس لعنه الله.

[وقد حكاه القرطبي عن على ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وكعب الأحبار ، والسدي ، والكلبي] (1).

ذكر الحديث الوارد في ذلك - إذا صح سنده وحمله - وبيان الكلام عليه :

نطق الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في مسنده : حدثنا يحيى بن [أبي] (2) بكير ، حدثنا زهير بن محمد ، عن موسى بن جبير ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر : أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن آدم - عليه السلام - لما أهبطه الله إلى الأرض نطقت الملائكة : أي رب (3) { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة : 30] ، نطقوا : ربنا ، نحن أطوع لك من بني آدم. نطق الله تعالى للملائكة : هَلُموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض ، فننظر كيف من الممكن أن يعملان ،يا ترى؟ نطقوا : برَبِّنا ، هاروتَ وماروتَ. فأهبطا إلى الأرض ومثُلت لهما (4) الزُّهَرة امرأة من أحسن البشر ، فاتىتهما ، فسألاها نفسها. فنطقت : لا والله حتى تتحدثا بهذه الحدثة من الإشراك. فنطقا والله (5) لا نشرك بالله شيئًا أبدًا. فمضىت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله ، فسألاها نفسها. فنطقت : لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فنطقا لا والله لا نقتله أبدًا. ثم مضىت فرجعت (6) بقَدَح خَمْر تحمله ، فسألاها نفسها. فنطقت : لا والله حتى تشربا هذا الخمر. فشربا فسكرا ، فسقطا عليها ، وقتلا الصبي. فلما أفاقا نطقت المرأة : والله ما هجرتما شيئًا أبيتماه عليّ إلا قد (7) عملتماه حين سكرتما. فخيرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا".

إلى غير ذلك رواه أبوحاتم بن حبان في سليمه ، عن الحسن عن سفيان ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن بكير ، به (8).

وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ورجاله كلهم ثقات من رجال السليمين ، إلا موسى بن جبير هذا ، وهوالأنصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء ، رَوَى عن ابن عباس وأبي أمامة بن سهل بن حنيف ، ونافع ، وعبد الله بن كعب بن مالك. وروى عنه ابنه عبد السلام ، وبكر بن مضر ، وزهير بن محمد ، وسعيد بن سلمة ، وعبد الله بن لَهِيعة ، وعمروبن الحارث ، ويحيى بن أيوب. وروى له أبوداود ، وابن ماجه ، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ، ولم يحك فيه شيئًا

__________

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من ط.

في جـ : "يا رب".

في جـ : "لهم".

في جـ ، ط : "لا والله".

في ج ، ط ، ب : "فمضىت ثم رجعت".

في جـ : "وقد".

المسند (2/ 134) وسليم ابن حبان برقم (1717) "موارد" ونطق أبوحاتم في العلل (2/ 69) : "هذا حديث منكر".

(1/353)

من هذا ولا هذا ، فهومستور الحال (1) وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي له متابع من وجه آخر عن نافع ، كما نطق ابن مَرْدُويه : حدثنا دَعْلَجُ بن أحمد ، حدثنا هشام [بن علي بن هشام] (2) حدثنا عبد الله بن راتى ، حدثنا سعيد بن سلمة ، حدثنا موسى بن سَرْجِس ، عن نافع ، عن ابن عمر : سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره بطوله.

ونطق أبوجعفر بن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين - وهوسنيد بن داود صاحب التفسير - حدثنا الفرج بن فضالة ، عن معاوية بن صالح ، عن نافع ، نطق : سافرت مع ابن عمر ، فلما كان من آخر الليل نطق : يا نافع ، انظر ، طلعت الحمراء ،يا ترى؟ قلت : لا - مرتين أوثلاثًا - ثم قلت : قد طلعت. نطق : لا مرحبًا بها ولا أهلا ،يا ترى؟ قلت : سبحان الله! نجم مسخر سامع مطيع. نطق : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أونطق : نطق لي رسول الله صلى الله عليه وسلم - : "إن الملائكة نطقت : يا رب ، كيف من الممكن أن صبرك على بني آدم في الخطايا (3) والذنوب ،يا ترى؟ نطق : إني ابتليتهم وعافيتكم. نطقوا : لوكنا مكانهم ما عصيناك. نطق : فاختاروا ملكين منكم. نطق : فلم يألوا جهدًا حتى يختاروا ، فاختاروا هاروت وماروت" (4).

وهذان - أيضاً - غريبان جدًّا. وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر ، عن كعب الأحبار ، لا عن النبي (5) صلى الله عليه وسلم ، كما نطق عبد الرزاق في تفسيره ، عن الثوري ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن كعب ، نطق (6) ذكرت الملائكة أعمال بني آدم ، وما يأتون من الذنوب ، فقيل لهم : اختاروا منكم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت. فنطق (7) لهما : إني أوفد إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسول ، انزلا لا تشركا بي شيئًا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. نطق كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه.

ورواه ابن جرير من طريقين ، عن عبد الرزاق ، به (8).

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن عصام ، عن مُؤَمَّل ، عن سفيان الثوري ، به (9).

ورواه ابن جرير أيضًا : حدثني المثنى ، حدثنا المعلى - وهوابن أسد - حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن موسى بن عقبة ، حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث ، عن كعب الأحبار ، فذكره (10).

فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين ، وسالم أثبت في أبيه من مولاه

__________

الجرح والتعديل (8/ 139) وذكره ابن حبان في الثقات (7/451) ونطق : "يخطئ ويخالف".

زيادة من جـ ، ط ، و.

في ط ، ب : "الخطأ".

تفسير الطبري (2/433).

في جـ : "رسول الله".

في ط : "ونطق".

في جـ ، ط ، ب ، و : "فقيل".

تفسير عبد الرزاق (1/ 73 ، 74). وتفسير الطبري (2/429).

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 306).

تفسير الطبري (2/ 430).

(1/354)

نافع. فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار ، عن خط بني إسرائيل ، والله أفهم.

ذكر الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين :

نطق ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج (1) حدثنا حماد ، عن خالد الحذاء ، عن عمير بن سعيد ، نطق : سمعت عليًا ، رضي الله عنه ، يقول : كانت الزُّهَرة امرأة جميلة من أهل فارس ، وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت ، فراوداها (2) عن نفسها ، فأبت عليهما إلا حتى يفهماها الكلام الذي إذا تكَلَّم [المتحدث] (3) به يُعْرج به إلى السماء. عملماها فتحدثت به فعرجت إلى السماء. فمسخت كوكبًا!

وهذا الإسناد [جيد و] (4) رجاله ثقات ، وهوغريب جداً.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا الفضل بن شاذان ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا أبومعاوية ، عن [ابن أبي] (5) خالد ، عن عمير بن سعيد ، عن علي نطق : هما ملكان من ملائكة السماء. يعني : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ (6).

ورواه الحافظ أبوبكر بن مَرْدُويه في تفسيره بسنده ، عن مغيث ، عن مولاه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي - مرفوعًا. وهذا لا يثبت من هذا الوجه.

ثم رواه من طريقين آخرين ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الزّهَرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت". وهذا أيضًا لا يصح (7) وهومنكر جدًا. والله أفهم.

ونطق ابن جرير : حدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا الحجاج بن مِنْهال ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود وابن عباس أنهما نطقا جميعًا : لما كثر (8) بنوآدم وعصوا ، دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال ربنا لا تهلكهم (9) فأوحى الله إلى الملائكة : إني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ، ولونزلتم لعملتم أيضًا. نطق : فحدثوا أنفسهم حتى لوابتلوا اعتصموا ، فأوحى الله إليهم حتى اختاروا ملكين من أفضلكم. فاختاروا هاروت وماروت. فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت الزُّهَرة إليهما في صورة (10) امرأة من أهل فارس يسمونها بيذخت. نطق : فسقطا بالخطيَّة (11). فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر : 7]

__________

في جـ : "المثنى بن الحجاج".

في جـ : "فراودوها".

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

زيادة من ط ، ب ، و.

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 303).

ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (654) من طريق عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر عن أبي الطفيل عن علي به.

في جـ : "كثر سواد".

في جـ ، ط : "تمهلهم".

في جـ : "في أحسن صورة".

في جـ : "بالخطيئة".

(1/355)

فلما سقطا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض ألا إذا الله هوالغفور الرحيم. فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختاروا (1) عذاب الدنيا (2).

ونطق : ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، أبلغنا عبيد الله - يعني ابن عمرو- عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المِنْهال بن عمروويونس بن خباب ، عن مجاهد ، نطق : كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر ، فلما كان (3) ذات ليلة نطق لغلامه : انظر ، هل طلعت الحمراء ، لا مرحبًا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين. نطقت الملائكة : يا رب ، كيف من الممكن أن تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض! نطق : إني ابتليتهم ، عملَّ (4) إذا ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به عملتم كالذي يعملون. نطقوا : لا. نطق : فاختاروا من خياركم اثنين. فاختاروا هاروت وماروت. فنطق لهما : إني مهبطكما إلى الأرض ، وعاهد إليكما ألا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا. فأهبطا إلى الأرض وألقي عليهما الشَّبَق ، وأهبطت لهما الزُّهَرة في أحسن صورة امرأة ، فتعرضت لهما ، فراوداها (5) عن نفسها. فنطقت : إني على دين لا يصح (6) لأحد حتى يأتيني إلا من كان على مثله. نطقا وما دينك ،يا ترى؟ نطقت : المجوسية. نطقا الشرك! هذا شيء لا نقر به. فمكثت عنهما ما شاء الله. ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها. فنطقت : ما شئتما ، غير حتى لي زوجًا ، وأنا أكره حتى يطلع على هذا مني فأفتضح ، فإن أقررتما لي بديني ، وشرطتما لي حتى تصعدا بي إلى السماء عملت. فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ، ثم صعدا بها إلى السماء. فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما ، وبترت أجنحتهما (7) فسقطا خائفين نادمين يبكيان ، وفي الأرض نبي يدعوبين الجمعتين ، فإذا كان يوم الجمعة أجيب. فنطقا لوأتينا فلانًا فسألناه فطلب (8) لنا التوبة فأتياه ، فنطق : رحمكما الله (9) كيف من الممكن أن يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء! نطقا إنا قد ابتلينا. نطق : ائتياني (10) يوم الجمعة. فأتياه ، فنطق : ما أجبت فيكما بشيء ، ائتياني في الجمعة الثانية. فأتياه ، فنطق : اختارا ، فقد خيرتما ، إذا أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة ، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله. فنطق أحدهما : إذا الدنيا لم يمض منها إلا القليل. ونطق الآخر : ويحك ،يا ترى؟ إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن ، إذا عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. وإننا يوم القيامة على حكم الله ، فأخاف حتى يعذبنا. نطق : لا إني أرجوإذا فهم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما علينا. نطق : فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلا في بكرات من حديد في قَلِيب مملوءة من نار ، عَاليهُمَا

__________

في جـ ، ط ، ب : "فاختارا".

تفسير الطبري (2/ 428)

في جـ : "فلما كانت".

في جـ : "بعمل".

في جـ : "فأراداها".

في جـ ، ط ، ب : "لا يصلح".

في جـ : "أجنحتها".

في جـ ، ط ، ب : "يطلب".

في جـ : "ما رحمكم الله".

في جـ : "فأتياني".

(1/356)

سافلَهما (1).

وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر. وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالح ، عن نافع ، عنه حمله. وهذا أثبت وأصح إسنادًا. ثم هو- والله أفهم - من رواية ابن عمر عن كعب ، كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه. وقوله : إذا الزُّهَرة نزلت في صورة امرأة حسناء ، وكذا في المروي عن علي ، فيه غرابة جدًا.

وأقرب ما ورد في ذلك ما نطق ابن أبي حاتم : حدثنا عصام بن روّاد ، حدثنا آدم ، حدثنا أبوجعفر ، حدثنا الربيع بن أنس ، عن قيس بن عباد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما (2) نطق : لما سقط الناس من بعد آدم ، عليه السلام ، فيما سقطوا فيه من المعاصي والكفر بالله ، نطقت الملائكة في السماء : يا رب ، هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك ، قد سقطوا فيما سقطوا فيه وركبوا الكفر وقتل النفس وأكل المال الحرام ، والزنا والسرقة وشرب الخمر. فجعلوا يدعون عليهم ، ولا يعذرونهم ، فقيل : إنهم في غَيْب. فلم يعذروهم. فقيل لهم : اختاروا منكم من أفضلكم ملكين ، آمرهما وأنهاهما. فاختاروا هاروت وماروت. فأهبطا إلى الأرض ، وجعل لهما شهوات بني آدم ، وأمرهما الله حتى يعبداه ولا يشركا به شيئًا ، ونهيا عن اغتال النفس الحرام وأكل المال الحرام ، وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر. فلبثا في الأرض زمانًا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس عليه السلام. وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزُّهَرة في سائر الكواكب ، وأنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها على نفسها فأبت إلا حتىقد يكونا على أمرها وعلى دينها ، فسألاها (3) عن دينها ، فأخرجت لهما صنمًا فنطقت : هذا أعبده. فنطقا لا حاجة لنا في عبادة هذا. فمضىا فغَبَرا ما شاء الله. ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها ، فعملت مثل ذلك. فمضىا ، ثم أتيا عليها فراوداها (4) على نفسها ، فلما رأت أنهما قد أبيا حتى يعبدا الصنم نطقت لهما : اختارا إحدى الخلال الثلاث : إما حتى تعبدا هذا الصنم ، وإما حتى تقتلا هذه النفس ، وإما حتى تشربا هذا الخمر. فنطقا جميع هذا لا ينبغي ، وأهون هذا استهلك الخمر. فشربا الخمر فأخذت فيهما فواقعا (5) المرأة ، فخشيا حتى يخبر الإنسان عنهما فقتلاه (6) فلما مضى عنهما السكر وفهما ما سقطا فيه من الخطيئة أرادا حتى يصعدا إلى السماء ، فلم يستطيعا ، وحيل بينهما وبين ذلك ، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء ، فنظرت الملائكة إلى ما سقطا فيه ، فعجبوا جميع العجب ، وعَرَفوا أنه من كان في غيب فهوأقل خشية ، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض ، فنزل في ذلك : { وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ [الشورى : 5] فقيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أوعذاب الآخرة فنطقا أما عذاب الدنيا فإنه ينبتر

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 306 ، 307).

في جـ ، ط : "عنه".

في جـ ، ط ، ب : "فسألا".

في جـ ، ط ، ب : "فأراداها".

في جـ : "فسقطا".

في جـ : "فقتلاها".

(1/357)

ويمضى ، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له. فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلا ببابل ، فهما يعذبان (1).

وقد رواه الحاكم في مستدركه مطولا عن أبي زكريا العنبري ، عن محمد بن عبد السلام ، عن إسحاق بن راهويه ، عن حكام بن سلم (2) الرازي ، وكان ثقة ، عن أبي جعفر الرازي ، به. ثم نطق : سليم الإسناد ، ولم يخرجاه. فهذا أقرب ما روي في شأن الزُّهَرة ، والله أفهم (3).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسلم ، حدثنا القاسم بن الفضل الحُدَّاني (4) حدثنا يزيد - يعني الفارسي - عن ابن عباس [نطق] (5) حتى أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون المعاصي (6) فنطقوا : يا رب أهل الأرض كانوا يعملون بالمعاصي! فنطق الله : أنتم معي ، وهم غُيَّب عني. فقيل لهم : اختاروا منكم ثلاثة ، فاختاروا منهم ثلاثة على حتى يهبطوا إلى الأرض ، على حتى يحكموا بين أهل الأرض ، وجعل فيهم شهوة الآدميين ، فأمروا ألا يشربوا خمرًا ولا يقتلوا نفسا ، ولا يزنوا ، ولا يسجدوا لوثن. فاستنطق منهم واحد ، فأقيل. فأهبط اثنان إلى الأرض ، فأتتهما امرأة من أحسن الناس (7) ينطق لها : مناهية (8). فَهَويَاها جميعًا ، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها ، فأراداها فنطقت لهما : لا حتى تشربا خمري ، وتقتلا ابن جاري ، وتسجدا لوثني. فنطقا لا نسجد. ثم شربا من الخمر ، ثم قتلا ثم سجدا. فأشرف أهل السماء عليهما. فنطقت (9) لهما : أبلغاني بالحدثة التي إذا قلتماها طرتما. فأبلغاها فطارت فمسخت جمرة. وهي هذه الزهَرة. وأما هما فأوفد إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا. فهما مناطان بين السماء والأرض (10).

وهذا السياق فيه زيادات كثيرة وإغراب ونكارة ، والله أفهم بالصواب.

ونطق عبد الرزاق : نطق مَعْمَر : نطق قتادة والزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله : { وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ كانا ملكين من الملائكة ، فأهبطا ليحكما بين الناس. وذلك حتى الملائكة سخروا من حكام بني آدم ، فحاكمت إليهما امرأة ، فحافا لها. ثم مضىا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك ، ثم خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا. ونطق مَعْمَر : نطق قتادة : فكانا يفهمان الناس السحر ، فأخذ عليهما ألا يفهما أحدا حتى يقولا { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ (11).

ونطق أسباط عن السدي أنه نطق : كان من أمر هاروت وماروت أنهما طعنا على أهل الأرض في

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 305).

في و : "بن سالم".

وقد أبطل الإمام ابن حزم سيرة هاروت وماروت ورد على من ادعى شربهما الخمر وارتكابهما الزنا والقتل في كتابه الفصل (3 / 303 - 308 ، 4/ 61 - 65).

في جـ : "الحراني".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ط ، أ ، و : "بالمعاصي".

في جـ : "النساء".

في أ : "أناهيد".

في جـ ، ط ، ب ، : "ونطقت.

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 308).

تفسير عبد الرزاق (1/ 73).

(1/358)

أحكامهم ، فقيل لهما : إني أعطيت بني آدم عشرًا من الشهوات ، فبها (1) يعصونني. نطق هاروت وماروت : ربنا ، لوأعطيتنا تلك الشهوات ثم نزلنا لحكمنا بالعدل. فنطق لهما : انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات العشر ، فاحكما بين الناس. فنزلا ببابل دَنْباوَند ، فكانا يحكمان ، حتى إذا أمسيا عرجا ، فإذا أصبحا هبطا ، فلم يزالا كذلك حتى أتتهما امرأة تخاصم زوجها ، فأعجبهما (2) حسنها - واسمها بالعربية "الزّهَرة" ، وبالنبطية "بيذخت" وبالفارسية "أناهيد" - فنطق أحدهما لصاحبه : إنها لتعجبني. نطق الآخر : قد أردت حتى أذكر لك فاستحييت منك. فنطق الآخر : هل لك حتى أذكرها لنفسها ،يا ترى؟ نطق : نعم ولكن كيف من الممكن أن لنا بعذاب الله ،يا ترى؟ نطق الآخر : إنا لنرجورحمة الله. فلما اتىت تخاصم زوجها ذكرا إليها نفسها ، فنطقت : لا حتى تقضيا لي على زوجي. فقضيا لها على زوجها ، ثم واعدتهما خَربة من الخَرِب يأتيانها فيها ، فأتياها لذلك. فلما أراد الذي يواقعها نطقت : ما أنا بالذي أعمل حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء ، وبأي كلام تنزلان منها ،يا ترى؟ فأبلغاها ، فتحدثت فصعدت ، فأنساها الله ما تنزل به ، فبقيت (3) مكانها ، وجعلها (4) الله كوكبًا. فكان عبد الله بن عمر حدثا رآها لعنها ، فنطق : هذه التي فتنت هاروت وماروت ، فلما كان الليل أرادا حتى يصعدا فلم يطيقا ، فعهدا الهلكة فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا ، عملقا ببابل ، وجعلا يحدثان الناس كلامهما وهوالسحر.

ونطق ابن أبي نَجِيح (5) عن مجاهد : أما شأن هاروت وماروت ، فإن الملائكة عجبت من ظلم بني آدم ، وقد اتىتهم الرسل والخط والبينات ، فنطق لهم ربهم تعالى : اختاروا منكم ملكين أنزلهما يحكمان في الأرض بين بنى آدم فاختاروا فلم يألوا [إلا] (6) هاروت وماروت ، فنطق لهما حين أنزلهما : أعجبتما (7) من بني آدم من ظلمهم ومن معصيتهم ، وإنما تأتيهم الرسل والخط [والبينات] (8) من وَرَاء وَرَاء ، وأنتما ليس بيني وبينكما رسول ، فاعملا كذا وكذا ، ونادى كذا وكذا ، فأمرهما بأمر ونهاهما ، ثم نزلا على ذلك ليس أحد أطوع لله منهما ، فحكما فعدلا. فكانا يحكمان في النهار بين بني آدم ، فإذا أمسيا عرجا فكانا مع الملائكة ، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان ، حتى أنزلت عليهما الزهرة في أحسن صورة امرأة تُخَاصم ، فقضيا عليها. فلما قامت عثر جميع واحد منهما في نفسه ، فنطق أحدهما لصاحبه : وجدتَ مثل الذي وجدتُ ،يا ترى؟ نطق : نعم. فبعثا إليها حتى ائتيانا نقض لك. فلما رجعت نطقا وقضيا لها ، فأتتهما فتكشفا لها عن عورتيهما ، وإنما كانت شهوتهما (9) في أنفسهما ، ولمقد يكونا كبني آدم في شهوة النساء ولذتها. فلما بلغا ذلك واستحلا افتُتنا ، فطارت الزهرة فرجعت حيث كانت. فلما أمسيا عَرَجا فزُجرا فلم يؤذن لهما ، ولم تحملهما أجنحتهما. فاستغاثا برجل من بني آدم

__________

في ط ، ب : "فما".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فأعجبهما من ".

في ب ، أ ، و : "فثبتت".

في أ : "وخلقها".

في ط : "جريج".

زيادة من جـ.

في جـ ، ط ، ب : "أعجبتم".

زيادة من جـ.

في أ ، و : "سوآتهما".

(1/359)

فأتياه ، فنطقا ادع لنا ربك. فنطق : كيف من الممكن أن يشفع أهل الأرض لأهل السماء ،يا ترى؟ نطقا سمعنا ربك يذكرك بخير في السماء. فوعدهما يومًا ، وغدا يدعولهما ، فنادى لهما ، فاستجيب له ، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فنظر أحدهما إلى صاحبه ، فنطق : ألا تفهم حتى أفواج عذاب الله في الآخرة كذا وكذا في الخلد ، وفي الدنيا تسع مرات مثلها ،يا ترى؟ فأمرا حتى ينزلا ببابل ، فثَمَّ عذابهما. وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان ، يصفقان بأجنحتهما.

وقد روى في سيرة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين ، كمجاهد والسدي والحسن [البصري] (1) وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع سليم متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال السيرة من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أفهم بحقيقة الحال.

وقد ورد في ذلك أثر غريب وسياق عجيب في ذلك أحببنا حتى ننبه عليه ، نطق : الإمام أبوجعفر بن جرير ، رحمه الله : حدثنا الربيع بن سليمان ، أبلغنا ابن وهب ، أبلغني ابن أبي الزناد ، حدثني هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم [رضي الله عنها وعن أبيها] (2) أنها نطقت : قدمت امرأة عليَّ من أهل دومة الجندل ، اتىت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حَدَاثة ذلك ، تسأله عن شيء (3) دخلت فيه من أمر السحر ، ولم تعمل به. نطقت عائشة ، رضي الله عنها ، لعُرْوَة : يا ابن أختي ، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها كانت تبكي حتى إني لأرحمها ، وتقول : إني أخاف حتى أكون قد هلكت. كان لي زوج فغاب عني ، فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها ، فنطقت : إذا عملت ما آمرك به فأجعله يأتيك. فلما كان الليل اتىتني بكلبين أسودين ، فركبتُ أحدهما (4) وركبت الآخر ، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل ، وإذا برجلين معلقين بأرجلهما. فنطقا ما اتى بك ،يا ترى؟ فقلتُ : أتفهم (5) السحر. فنطقا إنما نحن فتنة فلا تكفري ، فارجعي. فأبيت وقلت : لا. نطقا فامضىي (6) إلى ذلك التنور ، فبولي فيه. فمضىت ففزعتُ ولم أعمل ، فرجعت إليهما ، فنطقا أعملت ،يا ترى؟ فقلت : نعم. فنطقا هل رأيت شيئًا ،يا ترى؟ فقلت : لم أر شيئًا. فنطقا لم تعملي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري [فإنك على رأس أمري] (7). فأرْبَبْت وأبيت (8). فنطقا امضىي إلى ذلك التنور فبولي فيه. فمضىت فاقشعررت [وخفت] (9) ثم رجعت إليهما فقلت : قد عملت. فنطقا فما رأيت ،يا ترى؟ فقلت : لم

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ.

في أ ، و : "عن أشياء".

في جـ : "فركبت إحداهما".

في جـ ، ب ، أ ، و : "فقلنا نتفهم".

في أ : "فنطقا فامضىا".

زيادة من جـ.

في جـ : "فأبت وأبيت".

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و.

(1/360)

أر شيئًا. فنطقا كذبت ، لم تعملي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري (1) ؛ فإنك على رأس أمرك. فأرببتُ وأبيتُ. فنطقا امضىي إلى ذلك التنور ، فبولي فيه. فمضىت إليه فبلت فيه ، فرأيت فارسًا مقنعًا (2) بحديد خَرَج مني ، فمضى في السماء وغاب [عني] (3) حتى ما أراه ، فجئتهما فقلت : قد عملت. فنطقا فما رأيت ،يا ترى؟ قلت : رأيت فارسًا مقنعًا خرج مني فمضى في السماء ، حتى ما أراه. فنطقا صدقت ، ذلك إيمانك خرج منك ، امضىي. فقلت للمرأة : والله ما أفهم شيئًا وما نطقا لي شيئًا. فنطقت : بلى ، لم تريدي شيئًا إلا كان ، خذي هذا القمح فابذري ، فبذرت ، وقلت : أطلعي (4) فأطلعت (5) وقلت : أحقلي فأحقلت (6) ثم قلت : أفْركي فأفرَكَتْ. ثم قلت : أيبسي فأيبست (7). ثم قلت : أطحني فأطحنت (8). ثم قلت : أخبزي فأخبزت (9). فلما رأيتُ أني لا أريد شيئًا إلا كان ، سقط في يدي وندمت - والله - يا أم المؤمنين والله ما عملت شيئًا قط ولا أعمله أبدًا (10).

ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان ، به مطولا كما تقدم (11). وزاد بعد قولها : ولا أعمله أبدًا : فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يومئذ متوافرون ، فما دَرَوا ما يقولون لها ، وكلهم هاب وخاف حتى يفتيها بما لا يفهمه ، إلا أنه قد نطق لها ابن عباس - أوبعض من كان عنده - : لوكان أبواك حيين أوأحدهما [لكان يكفيانك] (12).

نطق هشام : فلواتىتنا أفتيناها بالضمان [نطق] (13) : نطق ابن أبي الزناد : وكان هشام يقول : إنهم كانوا أهل الورع والخشية (14) من الله. ثم يقول هشام : لواتىتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير فهم.

فهذا إسناد جيد إلى عائشة ، رضي الله عنها.

وقد استدل بهذا الأثر من مضى إلى حتى (15) الساحر له تمكن في قلب الأعيان ؛ لأن هذه المرأة بذرت واستغلت في الحال.

ونطق آخرون : بل ليس له قدرة إلا على التخييل ، كما نطق [الله] (16) تعالى : { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف : 116] ونطق تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه : 66]

__________

في جـ : "ولم تكفري".

في جـ : "معلقا".

زيادة من أ.

في جـ ، ط : "اطلع فطلع".

في جـ : "احقل فأحقل" ، وفي أ ، و : "فطلعت".

في ط : "احقلى فأجعلت".

في جـ : "أيبس فيبس".

في جـ : "اطحن فطحن".

في جـ : "اختبز فاختبز".

تفسير الطبري (2/ 439 - 441).

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 312) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 137) من طريق الربيع بن سليمان به مطولا ، وهذه الزيادة لم ترد في المطبوع من تفسير ابن أبي حاتم ، وقد نبه إلى ذلك المحقق الفاضل ، جزاه الله خيرًا.

زيادة من أ.

زيادة من أ.

في جـ : "وأهل خشية".

في أ : "من مضى بأن".

زيادة من أ.

(1/361)

واستدل به على حتى بابل المذكورة في القرآن هي بابل العراق ، لا بابل دُنْباوَنْد (1) كما نطقه السدي وغيره. ثم الدليل على أنها بابل العراق ما نطق (2) ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثني ابن وهب ، حدثني ابن لَهِيعة ويحيى بن أزهر ، عن عمار بن سعد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري حتى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه [مر ببابل وهويسير ، فاتى المؤذن يُؤْذنه بصلاة العصر ، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة ، فلما فرغ] نطق : إذا حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني حتى أصلي [بأرض المقبرة ، ونهاني حتى أصلي] ببابل فإنها ملعونة (3).

ونطق أبوداود : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا ابن وهب ، حدثني ابن لَهِيعة ويحيى بن أزهر ، عن عمار بن سعد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري : حتى عليا مر ببابل ، وهويسير ، فاتىه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر ، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ نطق : إذا حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني حتى أصلي في المقبرة ، ونهاني حتى أصلي بأرض بابل ، فإنها ملعونة.

حدثنا أحمد بن صالح : حدثنا ابن وهب ، أبلغني يحيى بن أزهر وابن لهيعة ، عن الحجاج بن شداد ، عن أبي صالح الغفاري ، عن علي ، بمعنى حديث سليمان بن داود ، نطق : فلما "خرج" مكان "برز" (4).

وهذا الحديث حسن عند الإمام أبي داود ، لأنه رواه وسكت عنه (5) ؛ ففيه من الفقه كراهية الصلاة بأرض بابل ، كما تكره بديار ثمود الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى منازلهم ، إلا حتىقد يكونوا باكين.

نطق أصحاب الهيئة : وبُعْدُ ما بين بابل ، وهي من إقليم العراق ، عن البحر المحيط الغربي ، وينطق له : أوْقيانُوس (6) سبعون درجة ، ويسمون هذا طولا وأما عرضها وهوبعد ما بينها وبين وسط الأرض من ناحية الجنوب ، وهوالمسامت لخط الاستواء ، اثنان (7) وثلاثون درجة ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ نطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن قيس (8) بن عباد ، عن ابن عباس ، نطق : فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي ، ونطقا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، وذلك أنهما فهما الخير والشر والكفر والإيمان ، فعهدا حتى السحر من الكفر (9). [نطق] (10) فإذا أبى عليهما أمراه حتى يأتي مكان كذا وكذا ، فإذا أتاه عاين الشيطان فَفهمه ، فإذا تفهم خرج منه النور ، فنظر (11) إليه ساطعًا في السماء ، فيقول : يا حسرتاه!

__________

في ط ، ب ، أ ، و : "ديناوند".

في أ : "ما نطقه".

تفسير ابن أبي حاتم (1/ 304) ، وما بين المعقوفين ليس في تفسير ابن أبي حاتم.

سنن أبي داود برقم (490 ، 491).

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وسكت عليه".

في ب : "أوليانوس".

في ب ، أ ، و : "ثنتان".

في أ : "عن بشر".

في ب : "أن الكفر من السحر".

زيادة من جـ ، أ ، و.

في أ : "فينظر".

(1/362)

يا ويله! ماذا أصنع (1) ؟.

وعن الحسن البصري أنه نطق في تفسير هذه الآية : نعم ، أنزل الملكان بالسحر ، ليفهما (2) الناس البلاء الذي أراد الله حتى يبتلي به الناس ، فأخذ عليهما الميثاق حتى لا يفهما أحدًا حتى يقولا { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ رواه ابن أبي حاتم ، ونطق قتادة : كان أخذ عليهما ألا يفهما أحدًا حتى يقولا { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ - أي : بلاء ابتلينا به - { فَلا تَكْفُرْ

ونطق [قتادة و] (3) السدي : إذا أتاهما إنسان يريد السحر ، وعظاه ، ونطقا له : لا تكفر ، إنما نحن فتنة. فإذا أبى نطقا له : ائت هذا الرماد ، فبُلْ عليه. فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء ، وذلك الإيمان. وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكلِّ شيء [منه] (4). وذلك غضب الله. فإذا أبلغهما بذلك فهماه السحر ، فذلك قول الله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ الآية.

ونطق سُنَيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج في هذه الآية : لا يجترئ على السحر إلا كافر.

وأما الفتنة فهي المحنة والاختبار ، ومنه قول الشاعر :

وقد فُتن النَّاسُ في دينهم... وخَلَّى ابنُ عفان شرًا طويلا (5)

وكذلك (6) قولُه تعالى إخبارًا عن موسى ، عليه السلام ، حيث نطق : { إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ أي : ابتلاؤك واختبارك وامتحانك { تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ [الأعراف : 155] (7).

وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تفهم السحر ، ويُستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبوبكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبومعاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن عبد الله ، نطق : من أتى كاهنًا أوساحرًا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد جيد (8) وله شواهد أخر.

وقوله تعالى : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أي : فيتفهم الناس من هاروت وماروت من فهم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون فيه من الأفاعيل المذمومة ، ما إنهم ليفَرِّقُون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف. وهذا من صنيع الشياطين ، كما رواه مسلم في سليمه ، من حديث الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله

__________

في أ ، و : "ماذا صنع".

في أ ، و : "ليفهموا" وهوخطأ.

زيادة من و.

زيادة من أ ، و.

البيت في تفسير الطبري (2/ 444) وانظر هناك الاختلاف في قائله.

في ط ، ب ، أ ، و : "وكذا".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وتهدي من تشاء الآية".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "إسناد سليم".

(1/363)

عنه (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نطق : "إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه في الناس ، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة ، يجيء أحدهم فيقول : ما زلت بفلان حتى هجرته وهويقول كذا وكذا. فيقول إبليس : لا والله ما صنعت شيئًا. ويجيء أحدهم فيقول : ما هجرته حتى فرقت بينه وبين أهله (2) نطق : فيقربه ويدنيه ويلتزمه ، ويقول : نِعْم أنت (3).

وسبب التفرق بين الزوجين بالسحر : ما يخيل إلى الرجل أوالمرأة من الآخر من سوء منظر ، أوخلق أونحوذلك أوعَقد أوبَغْضه ، أونحوذلك من الأسباب المقتضية للفرقة.

والمرء تعبير عن الرجل ، وتأنيثه امرأة ، ويثنى جميع منهما ولا يجمعان ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ نطق سفيان الثوري : إلا بقضاء الله. ونطق محمد بن إسحاق إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد. ونطق الحسن البصري : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ نطق : نَعَم ، من شاء الله سلطهم عليه ، ومن لم يشأ الله لم يسلط ، ولا يستطيعون ضر أحد إلا بإذن الله ، كما نطق الله تعالى ، وفي رواية عن الحسن أنه نطق : لا يضر هذا السحر إلا من ولج فيه.

وقوله تعالى : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ أي : يضرهم في دينهم ، وليس له نفع يوازي ضرره.

{ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي : ولقد فهم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول (4) صلى الله عليه وسلم لمن عمل عملهم ذلك ، أنه ما له في الآخرة من خلاق.

نطق ابن عباس ومجاهد والسدي : من نصيب. ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : ما له في الآخرة من جهة عند الله (5) ونطق : ونطق الحسن : ليس له دين.

ونطق سعد (6) عن قتادة : { مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ نطق : ولقد فهم أهل الكتاب فيما عهد الله إليهم حتى الساحر لا خلاق له في الآخرة.

وقوله تعالى : { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يقول تعالى : { ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن الإيمان ، ومتابعة الرسل (7) لوكان لهم فهم بما وعظوا به { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ أي : ولوأنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم ، لكان مثوبة الله على ذلك خيرا لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به ، كما نطق تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ [القصص : 80].

__________

في ب : "عنهما".

في جـ : "وبين زوجه".

سليم مسلم برقم (2813).

في أ : "متابعة الرسل".

في أ : "ما له في الآخرة من خلاق".

في ط ، ب ، و : "سعيد".

في أ : "الرسول".

(1/364)

وقد استدل بقوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا من مضى إلى تكفير الساحر ، كما هورواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف. وقيل : بل لا يكفر ، ولكن حَده ضَرْبُ عنقه ، لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل ، رحمهما الله : أبلغنا سفيان ، عن عمروبن دينار ، أنه سمع بجالة بن عَبَدَةَ يقول : خط [أمير المؤمنين] (1) عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حتى اقتلوا جميع ساحر وساحرة. نطق : فقتلنا ثلاث سواحر (2). وقد أخرجه البخاري في سليمه أيضًا (3). إلى غير ذلك صح حتى حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها ، فأمرت بها فقتلت (4). نطق أحمد بن حنبل : صح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [أذنوا] (5) في اغتال الساحر.

وروى الترمذي من حديث إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن جندب الأزدي أنه نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حد الساحر ضَرْبُه بالسيف" (6).

ثم نطق : لا نعهده مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وإسماعيل بن مسلم يُضعَّف في الحديث ، والسليم : عن الحسن عن جُنْدُب موقوفًا.

قلت : قد رواه الطبراني من وجه آخر ، عن الحسن ، عن جندب ، مرفوعًا (7). والله أفهم.

وقد روي من طرق متعددة حتى الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه ، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه ، فنطق الناس : سبحان الله! يحيي الموتى! ورآه رجل من صالحي المهاجرين ، فلما كان الغد اتى مشتملا على سيفه ، ومضى يلعب لعبه ذلك ، فاخترط الرجل سيفه فضرب (8) عنق الساحر ، ونطق : إذا كان صادقا (9) فليحي نفسه. وتلا قوله تعالى : { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء : 3] فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه ، (10) والله أفهم.

ونطق (11) أبوبكر الخلال : أبلغنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثني أبوإسحاق ، عن حارثة نطق : كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فاتى جندب مشتملا

__________

زيادة من جـ.

رواه عبد الله بن أحمد في مسائل أبيه ، ط. المخط الإسلامي برقم (1542) عن أبيه عن سفيان به.

سليم البخاري برقم (3156).

رواه عبد الله بن أحمد في مسائل أبيه ، ط. المخط الإسلامي برقم (1543) عن أبيه عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : حتى حفصة سحرتها جاريتها ، فذكره.

زيادة من جـ.

سنن الترمذي برقم (1460).

المعجم الكبير (2/ 161) من طريق محمد بن الحسن بن سيار ، عن خالد العبد عن الحسن عن سمرة به.

في جـ : "وضرب".

في أ ، و : "إن كان ساحرًا".

الرجل الذي قتله هوجندب بن كعب ، انظر السيرة في : أسد الغابة لابن الأثير في ترجمة جندب بن كعب (1 /361) وفي الإصابة للحافظ ابن حجر (1/ 251).

في و : "ونطق الإمام".

(1/365)

على سيفه فقتله ، فنطق : أراه كان ساحرًا ، وحمل الشافعي ، رحمه الله ، سيرة عمر ، وحفصة (1) على سِحْرقد يكون شركا. والله أفهم. فصل

حكى أبوعبد الله الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر ، نطق : وربما كفروا من افترض وجوده. نطق : وأما أهل السنة فقد جَوَّزُوا حتى يقدر الساحر حتى يطير في الهواء ، ويقلب الإنسان حمارًا ، والحمار إنسانًا ، إلا أنهم نطقوا : إذا الله يخلق الأمور عندما يقول الساحر تلك الرقى و[تلك] (2) الحدثات المُعَيَّنة ، فأما حتىقد يكون المؤثر في ذلك هوالفلك والنجوم فلا خلافًا للفلاسفة والمنجمين الصابئة ، ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله تعالى ، بقوله تعالى : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر ، وأن السحر عَمِل فيه ، وبسيرة تلك المرأة مع عائشة ، رضي الله عنها ، وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتفهمها السحر ، نطق : وبما يذكر (3) في هذا الباب من الحكايات الكثيرة ، ثم نطق بعد هذا :

المسألة الخامسة في حتى الفهم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور : اتفق المحققون على ذلك ؛ لأن (4) الفهم لذاته شريف وأيضًا لعموم قوله تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر : 9] ؛ ولأن السحر لولم يكن يفهم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة ، والفهم بكون المعجز مُعْجِزًا واجب ، وما يتوقف الواجب عليه فهوواجب ؛ فهذا يقتضي حتىقد يكون تحصيل الفهم بالسحر واجبًا ، وماقد يكون واجبًا فكيفقد يكون حرامًا وقبيحًا ؟!

هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة ، وهذا الكلام فيه نظر من وجوه ، أحدها : قولُهُ : "الفهم بالسحر ليس بقبيح". إذا عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا (5) وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعًا ، ففي هذه الآية الكريمة تبشيع (6) لتفهم السحر ، وفي السليم : "من أتى عرافًا أوكاهنًا ، فقد كفر بما أنزل على محمد" (7). وفي السنن : "من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر" (8). وقوله : ولا محظور اتفق المحققون على ذلك". كيف من الممكن أن لاقد يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث ؟! واتفاق المحققين (9) يقتضي حتىقد يكون قد نص على هذه المسألة أئمة الفهماء أوأكثرهم ، وأين نصوصهم على ذلك ،يا ترى؟ ثم إدخاله [فهم] (10) السحر في عموم قوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فيه نظر ؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين بالفهم الشرعي ، ولم

__________

في جـ : "في سيرة حفصة وعمر".

زيادة من جـ.

في جـ : "وما يذكر".

في جـ ، ط : "فإن".

في جـ : "ذلك".

في أ : "متسع".

سليم مسلم برقم (2230) من حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه : "كاهنًا" والعراف من جملة أنواع الكهان.

رواه النسائي في السنن (7/ 112) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

في أ : "المحدثين".

زيادة من جـ ، ب ، أ ، و. وفي ط "تفهم".

(1/366)

قلتَ إذا هذا منه ،يا ترى؟ ثم تَرَقيه (1) إلى وجوب تفهمه بأنه لا يحصل الفهم بالمعجز إلا به ، ضعيف بل فاسد ؛ لأن معظم (2) معجزات رسولنا ، عليه الصلاة والسلام (3) هي القرآن العظيم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ثم إذا الفهم بأنه معجز لا يتوقف على فهم السحر أصلا ثم من المعلوم بالضرورة حتى الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم ، كانوا يفهمون المعجز ، ويفرّقُون بينه وبين غيره ، ولمقد يكونوا يفهمون السحر ولا تفهموه ولا فهموه ، والله أفهم.

ثم قد ذكر أبوعبد الله الرازي حتى أنواع السحر ثمانية :

الأول : سحر الكلُدْانيين والكُشْدانيين ، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة ، وهي السيارة ، وكانوا يعتقدون أنها مُدَبّرة العالم (4) وأنها تأتي بالخير والشر ، وهم الذين بَعث (5) إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلا لمنطقتهم ورادا لممضىهم (6) وقد استقصى في "كتاب السر المكتوم ، في محاورة الشمس والنجوم" المنسوب إليه فيما (7) ذكره القاضي ابن خلكان وغيره (8) وينطق : إنه تاب منه. وقيل (9) إنه (10) صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد. وهذا هوالمظنون به ، إلا أنه ذكر فيه طرائقهم في محاورة جميع من هذه الكواكب السبعة ، وكيفية ما يعملون وما يلبسونه ، وما يتنسكون به.

نطق : والنوع الثاني : سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، ثم استدلّ على حتى الوهم له تأثير ، بأن الإنسان يمكنه حتى يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض ، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدودًا على نهر أونحوه. نطق : وكما أجمعت الأطباء على نهي المَرْعُوف (11) عن النظر إلى الأمور الحُمْر ، والمصروع إلى الأمور القوية اللمعان أوالدوران ، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مُطِيعة (12) للأوهام.

نطق : وقد اتفق العقلاء على حتى الإصابة بالعين حق.

وله حتى يستدل على ذلك بما ثبت في السليم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نطق : "العين حَقّ ، ولوكان شيء سَابِقَ القدر لسبقته العين" (13).

نطق : فإذا عهدت هذا ، فنقول : النفس التي تعمل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدًا ، فتستغني في هذه الأفاعيل (14) عن الاستعانة بالآلات والأدوات ، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه

__________

في أ : "فرقته".

في جـ ، ب ، أ ، و : "لأن أعظم".

في جـ : "صلى الله عليه وسلم".

في جـ : "مدبرة للعالم".

في جـ ، ب ، أ : "بعث الله".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "لمذاهبهم".

في ب : "كما".

وفيات الأعيان (3/ 381).

في جـ ، ط : "وينطق".

في جـ ، ط ، ب : "بل".

في جـ : "المرفوع" ، وفي ط : "الموضوع".

في جـ ، ط ، ب ، و : "منطبعة" ، وفي أ : "منطبقة".

سليم مسلم برقم (2188) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "هذه الأفعال".

(1/367)

الآلات. وتحقيقه حتى النفس إذا كانت مستعلية (1) على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات ، صارت كأنها رُوح من الأرواح السماوية ، فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم. وإذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه الذات (2) البدنية ، فحينئذ لاقد يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن. ثم أرشد إلى مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء ، والانقطاع عن الناس والرياء (3).

قلت : وهذا الذي يشير إليه هوالتصرف بالحال ، وهوعلى قسمين : تارة تكون حالا سليمة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويهجر ما نهى الله عنه ورسوله ، وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة ، ولا يسمى هذا سحرًا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتصرف بها في ذلك. فهذه (4) حال الأشقياء المخالفين للشريعة ، ولا يشير إعطاء الله (5) إيَّاهم هذه الأحوال على محبته لهم ، كما حتى الدجَّال - لعنه الله - له من الخوارق العادات (6) ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة ، مع أنه مذموم شرعًا لعنه الله. وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وبسط هذا يطول جدًا ، وليس هذا موضعه.

نطق : النوع الثالث من السحر : الاستعانة بالأرواح الأرضية ، وهم الجن ، خلافًا للفلاسفة والمعتزلة : وهم على قسمين : مؤمنون ، وكفار ، وهم الشياطينُ. نطق : واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية ، لما بينهما من المناسبة (7) والقرب ، ثم إذا أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا حتى الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخل (8) والتجريد. وهذا النوع هوالمسمى بالعزائم وعمل التسخير (9).

النوع الرابع من السحر : التخيلات ، والأخذ بالعيون والشعبذة ، ومبناه [على] (10) حتى البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره ، ألا ترى حتى المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ، ويأخذ عيونهم إليه ، حتى إذا استفرغهم (11) الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه ، عمل شيئًا آخر عَمَلا بسرعة شديدة ، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه. فيتعجَّبون منه جدًا ، ولوأنه سكت ولم يتحدث بما (12) يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد حتى يعمله ، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه ، لفطن الناظرون لكل ما يعمله.

نطق : وحدثا كانت الأحوال تفيد حسن البصر نوعًا من أنواع الخلل (13) أشد ، كان العمل

__________

في جـ ، ط ، ب ، و : "مشتغلة" ، وفي أ : "مستقبلة".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "اللذات".

في جـ ، ط ، ب ، و : "والرياضة".

في جـ : "فهذا".

في جـ : "أعطاهم الله" ، وفي أ : "على عطاء الله".

في جـ : "والعادات".

في جـ : "من المناسب".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "والدخن".

في ط ، ب ، أ ، و : "وعمل تسخير".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "إذا استقر".

في ط : "مما".

في جـ : "الخلال".

(1/368)

أحسنَ ، مثل حتى يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدًا ، أومظلم ، فلا تقف القوة الناظرة (1) على أحوالها بكلالها (2) والحالة هذه.

قلت : وقد نطق بعض المفسرين : إذا سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة ، ولهذا نطق تعالى : { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف : 116] ونطق تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه : 66] نطقوا : ولم تكن تسعى في نفس الأمر. والله أفهم.

النوع الخامس من السحر : الأعمال العجيبة التي تظهر من هجريب الآلات المركبة من النسب الهندسية ، كفارس على فرس في يده بوق ، حدثا مضت ساعة من النهار ضرب (3) بالبوق ، من غير حتى يمسه أحد. ومنها الصور التي تُصَوِّرها الرومُ والهند ، حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان ، حتى يصورونها ضاحكة وباكية.

إلى حتى نطق : فهذه الوجوه من لطيف أمور المخاييل. نطق : وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل.

قلت : يعني ما نطقه بعض المفسرين : أنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي ، فحشوها زئبقًا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق ، فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها.

نطق الرازي : ومن هذا الباب هجريب صندوق الساعات ، ويندرج في هذا الباب فهم جَرِّ الأثنطق بالآلات الخفيفة.

نطق : وهذا في الحقيقة لا ينبغي حتى يعد من باب السحر ؛ لأن لها أسبابًا (4) معلومة يقينية (5) من اطلع عليها قدر عليها.

قلت : ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم ، بما يُرُونَهم إياه من الأنوار ، كقضية قُمَامة الكنيسة التي لهم ببلد (6) المقدس ، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة ، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على العوام (7) [منهم] (8) وأما الخواص فهم يعترفون بذلك ، ولكن يتأولون أنهم يجمعون ضم أصحابهم على دينهم ، فيرون ذلك سائغًا لهم. وفيه شبه (9) للجهلة الأغبياء من متعبدي (10) الكَرّامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب ، فيدخلون في عداد من نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم (11) : "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من

__________

في جـ ، ط ، ب : "الباصرة".

في جـ ، ط ، ب : "لكلالها" وفي أ : "بكمالها".

في جـ ، ط : "ضرب مرة".

في أ : "أنسابًا".

في ط ، أ : "متيقنة".

في جـ : "ببيت" وفي و : "بالبلد".

في جـ ، ط ، ب : "الطعام".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

في جـ : "وفيه شبهة" ، في أ : "وفيهم شبه".

في أ : "متعدي".

في جـ : "من نطق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(1/369)

النار (1) ". وقوله : "حدثوا عني ولا تكذبوا عَلَيّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار" (2).

ثم ذكر ههنا حكاية عن بعض الرهبان ، وهوأنه سمع صوت طائر حزين (3) الصوت ضعيف الحركة ، فإذا سمعته الطيور تَرِقّ له فتمضى فتلقي في وَكْره من ثمر الزيتون ، ليتبلغ (4) به ، فعَمَد هذا الراهبُ إلى صنعة طائر على شكله ، وتوصل إلى حتى جعله أجوف ، فإذا دخلته الريح يسمع له (5) صوت كصوت ذلك الطائر ، وانبتر في صومعة ابتناها ، وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم ، وعلق ذلك الطائر في مكان منها ، فإذا كان زمان الزيتون فتح بابًا من ناحيه ، فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة ، فَيُسْمَعُ صوتها كذلك الطائر في شكله أيضًا ، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئًا كثيرًا فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ، ولا يدرون ما سببه ،يا ترى؟ ففتنهم بذلك ، وأوهم (6) حتى هذا من كرامات صاحب هذا القبر ، عليهم لعائن الله المتتابعة (7) إلى يوم القيامة.

نطق الرازي : النوع السادس من السحر : الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات (8). نطق : وافهم حتى لا سبيل إلى إنكار الخواص ، فإن أثر المغناطيس مشاهد.

قلت : يدخل في هذا القبيل كثير ممن يَدّعي الفقر ويتخيل على جهلة الناس بهذه الخواص ، مدعيًا أنها أحوال له (9) من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات.

نطق : النوع السابع من السحر : تعليق (10) القلب ، وهوحتى يدعي الساحرُ أنه عهد الاسم الأعظم ، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور ، فإذا اتفق حتىقد يكون ذلك السامع لذلك ضعيف العقل (11) قليل التمييز افترض أنه حق ، وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرهب والمخافة ، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة (12) فحينئذ يتمكن الساحر حتى يعمل ما يشاء.

قلت : هذا النمط ينطق له التنبلة ، وإنما يروج على الضعفاء العقول من بني آدم. وفي فهم الفراسة ما يرشد إلى فهم تام العقل من ناقصه ، فإذا كان المُتَنْبِلُ حاذقًا في فهم الفراسة عهد من ينقاد له مِنَ الناس مِنْ غيره.

نطق : النوع الثامن من السحر : السعي بالنميمة والتضريب (13) من وجوه خفيفة لطيفة ، وذلك رائج في الناس.

__________

هذا الحديث رواه جمع من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم عدهم الإمام الطبراني في جزء له فأوصلهم فوق الستين ، وانظره في : سليم البخاري برقم (107) من حديث الزبير رضي الله عنه ، وفي مقدمة سليم مسلم برقم (2 - 4) من حديث أنس وأبي هريرة والمغيرة رضي الله عنهم".

رواه مسلم في مقدمة سليمه برقم (1) من حديث علي رضي الله عنه.

في أ ، وك : "حنين".

في جـ ، أ : "ليبتلع".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "يسمع منه".

في جـ : "وأوهمهم".

في جـ ، ط ، ب : "التابعة" ، وفي أ : "البالغة".

في جـ : "في الأطعمة والدهان".

في جـ : "أنها أحواله".

في جـ : "تعلق".

في ب ، أ ، و : "القلب".

في جـ : "القوى الحسية".

في ب : "التضرب".

(1/370)

قلت : النميمة على قسمين ، تارة تكون على وجه التحريش [بين الناس] (1) وتفريق قلوب المؤمنين ، فهذا حرام متفق عليه. فأما إذا (2) كانت على وجه الإصلاح [بين الناس] (3) وائتلاف حدثة المسلمين ، كما اتى في الحديث : "ليس بالكذاب من يَنمّ خيرًا" أوقد يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة" فهذا أمر مطلوب ، كما اتى في الحديث : "الحرب خدعة". وكما عمل نعيم بن مسعود (4) في تفريقه بين حدثة الأحزاب وبين (5) قريظة ، واتى إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا ، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر ، ثم لأم بين ذلك ، فتناكرت النفوس وافترقت. وإنما يحذوعلى مثل هذا الذكاء والبصيرة النافذة. والله المستعان.

ثم نطق الرازي : فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه.

قلت : وإنما أدخل كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فَنّ السحر ، للطافة مداركها ؛ لأن السحر في اللغة : تعبير عما لطُف وخفي سببه. ولهذا اتى في الحديث : "إن من البيان لسحرًا (6). وسمي السحور لكونه يقع خفيًا آخر الليل (7) والسَّحْر : الرئة ، وهي محل الغذاء ، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه ، كما نطق أبوجهل يوم بدر لعتبة : انتفخ سحرك (8) أي : انتفخت رئته من الخوف. ونطقت عائشة ، رضي الله عنها : توفي رسول صلى الله عليه وسلم بين سَحْري ونَحْري. ونطق : { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أي : أخفوا عنهم عملهم ، والله أفهم (9).

[فصل] (10) وقد ذكر الوزير أبوالمظفر يحيى بن هَبيرة بن محمد بن هبيرة في كتابه : "الإشراف على مذاهب الأشراف" بابًا في السحر ، فنطق : أجمعوا على حتى السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة ، فإنه نطق : لا حقيقة له عنده. واختلفوا فيمن يتفهم السحر ويستعمله ، فنطق أبوحنيفة ومالك وأحمد : يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي حنيفة من نطق : إذا تفهمه ليتقيه أوليجتنبه فلا يكفر ، ومن تفهمه معتقدًا جوازه أوأنه ينفعه كَفَر. وكذا من افترض حتى الشياطين تعمل له ما يشاء فهوكافر. ونطق الشافعي ، رحمه الله : إذا تفهم السحر قلنا له : صف لنا سحرك. فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة ، وأنها تعمل ما يلتمس منها ، فهوكافر. وإن كان لا يوجب الكفر فإن افترض إباحته فهوكافر.

نطق ابن هبيرة : وهل يقتل بمجرد عمله واستعماله ،يا ترى؟ فنطق مالك وأحمد : نعم. ونطق الشافعي وأبوحنيفة : لا. فأما إذا اغتال بسحره إنسانا فإنه يُقْتل عند مالك والشافعي وأحمد. ونطق أبوحنيفة : لا

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فأما إن".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ : "ابن الأسود".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "وبني".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "سحرًا".

في جـ : "الليلة".

في جـ ، ب ، أ ، و : "سحره".

في جـ : "والله تبارك وتعالى أفهم".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

(1/371)

يقتل حتى يتكرر منه ذلك (1) أويقر بذلك في حَقّ إنسان (2) معين. وإذا قُتل فإنه يُقْتَل حدًا عندهم إلا الشافعي ، فإنه نطق : يقتل - والحالة هذه - قصاصًا.

نطق : وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته ،يا ترى؟ فنطق مالك ، وأبوحنيفة وأحمد في المشهور عنهما : لا تقبل. ونطق الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى : تقبل. وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل ، كما يقتل الساحر المسلم. ونطق مالك والشافعي وأحمد : لا يقتل. يعني لسيرة لبيد بن أعصم (3).

واختلفوا في المسلمة الساحرة ، فعند أبي حنيفة (4) لا تقتل ، ولكن تحبس. ونطق الثلاثة : حكمها حكم الرجل ، والله أفهم.

ونطق أبوبكر الخلال : أبلغنا أبوبكر المروزي ، نطق : قَرَأ على أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عُمَرُ بن هارون ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، نطق : يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها.

وقد نقل القرطبي عن مالك ، رحمه الله ، أنه نطق في الذمي إذا سحر يقتل إذا اغتال سحره ، وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر : إحداهما : أنه يستتاب فإن أسلم وإلا اغتال ، والثانية : أنه يقتل وإن أسلم ، وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفرًا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى : " وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ". لكن نطق مالك : إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق ، فإن تاب قبل حتى يظهر عليه واتىنا تائبًا قبلناه ولم نقتله ، فإن اغتال سحره قتل. نطق الشافعي : فإن نطق : لم أتعمد القتل فهومخطئ تجب عليه الدية.

مسألة : وهل يسأل الساحر حل سحره ،يا ترى؟ فأجاز سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري ، ونطق عامر الشعبي : لا بأس بالنشرة ، وكره ذلك الحسن البصري ، وفي السليم عن عائشة : أنها نطقت : يا رسول الله ، هلا تنشرت ، فنطق : "أما الله فقد شفاني ، وخشيت حتى أفتح على الناس شرًا" (5). وحكى القرطبي عن وهب : أنه نطق : يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم يغتسل بباقيه فإنه يمضى ما به ، وهوجيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته.

قلت : أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في إذهاب ذلك وهما المعوذتان ، وفي الحديث : "لم يتعوذ المتعوذون بمثلهما" (6) وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان. ونطق أبوعبد الله القرطبي : وعندنا حتى السحر حق ، وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء.

__________

في جـ : "منه العمل".

في أ : "في حق رجل".

في أ : "لقضية لبيد بن الأعصم".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "فعند أبي حنيفة أنها".

سليم البخاري برقم (5766) وسليم مسلم برقم (2189).

رواه النسائي في السنن (8/ 251) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

(1/372)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)

خلافًا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث نطقوا : إنه تمويه وتخيل. نطق : ومن السحر ماقد يكون بخفة اليد كالشعوذة والشعوذي البريد ؛ لخفة سيره. نطق ابن فارس : هذه الحدثة من كلام أهل البادية. نطق القرطبي : ومنه ماقد يكون كلامًا يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى ، وقد يحدث من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك. نطق : وقوله ، عليه السلام : "إن من البيان لسحرا" (1) يحتمل حتىقد يكون مدحًا كما تقوله طائفة ، ويحتمل حتىقد يكون ذمًا للبلاغة. نطق : وهذا الأصح. نطق : لأنها تصوب الباطل حين يوهم السامع أنه حق كما نطق : "فلعل بعضكم حتىقد يكون ألحن لحجته من بعض" فاقتضى له ، الحديث.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)

نهى الله تعالى المؤمنين حتى يتشبهوا بالكافرين في منطقهم وفعالهم ، وذلك حتى اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص - عليهم لعائن الله - فإذا أرادوا حتى يقولوا : اسمع لنا يقولون : راعنا. يورون (2) بالرعونة ، كما نطق تعالى : { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا [النساء : 46] وكذلك اتىت الأحاديث بالإخبار عنهم ، بأنهم كانوا إذا سَلَّموا إنما يقولون : السامُ عليكم. والسام هو : الموت. ولهذا (3) أمرنا حتى نرد عليهم بـ "وعليكم". وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا.

والغرض : حتى الله تعالى نهى المؤمنين عن مماثلة الكافرين قولا وعملا. فنطق : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ

ونطق الإمام أحمد : حدثنا أبوالنضر ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي مُنيب الجُرَشي ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصَّغارُ على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهومنهم".

وروى أبوداود ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به (4) "من تشبه بقوم فهومنهم"

__________

رواه أبوداود في السنن برقم (5011) والترمذي في السنن برقم (2845) من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، ورواه أبوداود في السنن برقم (5012) من حديث بريده رضي الله عنه.

في جـ ، ط ، ب : "ويورون" ، وفي أ : "ويرون".

في جـ : "ولقد".

المسند (2/92) وسنن أبي دواد برقم (4031).

(1/373)

ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد ، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ، ولباسهم وأعيادهم ، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مِسْعَر ، عن مَعْن وعَوْن - أوأحدهما - حتى رجلا أتى عبد الله بن مسعود ، فنطق : اعهد إلي. فنطق : إذا سمعت الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سَمْعك ، فإنه خير يأمر به أوشر ينهى عنه (1).

ونطق الأعمش ، عن خيثمة ، نطق : ما تقرؤون في القرآن : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فإنه في التوراة : "يا أيها المساكين".

ونطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أوعكرمة ، عن ابن عباس : { راعنا أي : أرعنا (2) سمعك.

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا نطق : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أرعنا سمعك. وإنما { راعنا كقولك : عاطنا.

ونطق ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، وأبي مالك ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة ، نحوذلك.

ونطق مجاهد : { لا تَقُولُوا رَاعِنَا لا تقولوا خلافا. وفي رواية : لا تقولوا : اسمع منا ونسمع منك.

ونطق عطاء : { لا تَقُولُوا رَاعِنَا كانت لُغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها.

ونطق الحسن : { لا تَقُولُوا رَاعِنَا نطق : الراعن من القول السخري منه. نهاهم الله حتى يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم ، وما يدعوهم إليه من الإسلام. وكذا روي عن ابن جُرَيج أنه نطق مثله.

ونطق أبوصخر : { لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا نطق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فيقول : أرعنا (3) سمعك. فأعظم الله رسوله صلى الله عليه وسلم حتى ينطق ذلك له (4).

ونطق السدي : كان رجل من اليهود من بني قينقاع ، يدعى رفاعة بن زيد (5) يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا لقيه فحدثه نطق : أرعني سمعك واسمع غير مُسْمع. وكان المسلمون يحسبون حتى الأنبياء كانت تُفَخم بهذا ، فكان ناس منهم يقولون : اسمع غير مسمع : غَيْرَ صاغر. وهي كالتي (6) في سورة النساء. فتقدم الله إلى المؤمنين حتى لا يقولوا : راعنا.

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/317).

في أ : "أى راعنا".

في أ : "فيقول راعنا".

في جـ : "أن ينطق له ذلك".

في جـ : "بن يزيد".

في جـ : "هي التي".

(1/374)

وكذا نطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، بنحومن هذا.

نطق ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا : حتى الله نهى المؤمنين حتى يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم : راعنا ؛ لأنها حدثة كرهها الله تعالى حتى يقولها لنبيه صلى الله عليه وسلم ، نظير الذي ذكر عن النبي نطق : "لا تقولوا للعنب الكرم ، ولكن قولوا : الحَبَلَة. ولا تقولوا : عبدي ، ولكن قولوا : فتاي". وما أشبه ذلك.

وقوله تعالى : { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ يبين بذلك تعالى شدة عداوة (1) الكافرين من أهل الكتاب والمشركين ، الذين حذر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين ؛ ليبتر المودة بينهم وبينهم. وينبِّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل ، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول تعالى : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ

__________

في أ : "شدة عداوته".

(1/375)

مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107)

نطق ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ما نبدل من آية.

ونطق ابن جُرَيج ، عن مجاهد : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أي : ما نمح من آية.

ونطق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ نطق : نثبت خطها ونبدل حكمها. حَدَّث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود.

ونطق ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحوذلك.

ونطق الضحاك : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ما نُنْسِكَ. ونطق عطاء : أما { مَا نَنْسَخْ فما نهجر (1) من القرآن. ونطق ابن أبي حاتم : يعني : تُرِكَ فلم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

ونطق السدي : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ نسخها : قبضها. ونطق ابن أبي حاتم : يعني : قبضها : حملها ، مثل قوله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. وقوله : "لوكان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثًا".

ونطق ابن جرير : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك حتى يُحوَّل الحلالُ حرامًا والحرام حلالا والمباح محظورًا ، والمحظور مباحًا. ولاقد يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة. فأما الأخبار فلاقد يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. وأصل النسخ من نسخ الكتاب ، وهونقله من نسخة أخرى إلى غيرها ، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره ،

__________

في أ : "فما هجر".

(1/375)

إنما هوتحويله ونقل عبَادَة إلى غيرها. وسواء نسخ حكمها أوخطها ، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة. وأما فهماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ ، والأمر في ذلك قريب ؛ لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند الفهماء ولخَّص (1) بعضهم أنه حمل الحكم بدليل شرعي متأخر. فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ، وعكسه ، والنسخ لا إلى بدل. وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فَنِّ أصول الفقه.

ونطق الطبراني : حدثنا أبوشبيل (2) عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، نطق : قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها ، فقاما ذات ليلة يصليان ، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها مما نسخ وأنسي ، فالهوا عنها". فكان الزهري يقرؤها : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا (3) بضم النون خفيفة (4). سليمان بن أرقم ضعيف.

[وقد روى أبوبكر بن الأنباري ، عن أبيه ، عن نصر بن داود ، عن أبي عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس وعبيد وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعًا ، ذكره القرطبي (5) ] (6).

وقوله تعالى : { أَوْ نُنْسِهَا (7) فقرئ على وجهين : "ننسأها ونُنْسها". فأما من قرأها : "نَنسأها" - بفتح النون والهمزة بعد السين - فمعناه : نؤخرها. نطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسئهَا يقول : ما نبدل من آية ، أونهجرها لا نبدلها.

ونطق مجاهد عن أصحاب ابن مسعود : { أَوْ نُنسِئَهَا نثبت خطها ونبدل حكمها. ونطق (8) عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء : { أَوْ نُنسِئَهَا نؤخرها ونرجئها. ونطق عطية العوفي : { أَوْ نُنسِئَهَا نؤخرها فلا ننسخها. ونطق السدي مثله أيضا ، وكذا [نطق] (9) الربيع بن أنس. ونطق الضحاك : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا يعني : الناسخ من المنسوخ. ونطق أبوالعالية : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا أي : نؤخرها عندنا.

ونطق ابن حاتم : حدثنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي ، حدثنا خلف ، حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل - يعني ابن مسلم - عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نطق :

__________

في ط : "ويخص".

في هـ : "أبوسنبل" وهوخطأ.

في ط : "أوننسيها".

المعجم الكبير (12/288).

ورواه الطحاوى في مأزق الآثار برقم (2034) من طريق ابن وهب ، عن يونس عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة به ، وبرقم (2035) من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي أمامة به.

زيادة من جـ ، ط.

في ط ، ب ، أ : "أوننساها".

في جـ ، ط ، أ : "وكما نطق".

زيادة من أ.

(1/376)

خطبنا عمر ، رضي الله عنه ، فنطق : يقول الله عز وجل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا أي : نؤخرها.

وأما على قراءة : { أَوْ نُنْسِهَا فنطق عبد الرزاق ، عن قتادة في قوله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نطق : كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء.

ونطق ابن جرير : حدثنا سواد (1) بن عبد الله ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عوف ، عن الحسن أنه نطق في قوله : { أَوْ نُنْسِهَا (2) نطق : إذا نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نُفَيل ، حدثنا محمد بن الزبير الحراني ، عن الحجاج - يعني الجزري (3) - عن عِكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله ، عز وجل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا

نطق أبوحاتم : نطق لي أبوجعفر بن نفيل : ليس هوالحجاج بن أرطاة ، هوشيخ لنا جَزَري.

ونطق عبيد بن عمير : { أَوْ نُنْسِهَا نحملها من عندكم.

ونطق ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هُشَيْم ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة نطق : سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ : " ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوتَنْسَهَا" نطق : قلت له : فإن سعيد بن المسيَّب يقرأ : "أَوتُنْسَأها". نطق : فنطق (4) سعد : إذا القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، نطق الله ، جل ثناؤه : { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى [الأعلى : 6]{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف : 24]. (5).

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن هشيم (6) وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي ، عن آدم ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به. ونطق : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن محمد بن كعب ، وقتادة وعكرمة ، نحوقول سعيد.

ونطق الإمام أحمد : أبلغنا يحيى ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق عمر : عليٌّ أقضانا ، وأُبيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أُبيُّ ، وأبيّ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فلن أدعه لشيء. والله يقول : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا .

نطق البخاري : حدثنا عمروبن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق عمر : أقرؤنا أُبيٌّ ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبيّ ، وذلك أن

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "حدثنا سوار".

في جـ ، ب ، أ : "أوننسئها".

في جـ : "الجوزي".

في جـ : "فنطق نطق".

تفسير الطبري (2/475).

تفسير عبد الرزاق (1/75).

(1/377)

أبيا يقول : لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نطق الله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا (1)

وقوله : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أي : في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين ، كما نطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم.

ونطق أبوالعالية : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ فلا نعمل بها ، { أَوْ نُنسئهَا أي : نرجئها (2) عندنا ، نأت بها أونظيرها.

ونطق السدي : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا يقول : نأت بخير من الذي نسخناه ، أومثل الذي هجرناه.

ونطق قتادة : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي.

وقوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، فله الخلق والأمر وهوالمتصرف ، فكما خلقهم كما يشاء ، ويسعد من يشاء ، ويشقي من يشاء ، ويصح من يشاء ، ويسقم من يشاء ، ويوفق من يشاء ، ويخذل من يشاء ، كذلك يحكم في عباده بما يشاء ، فيحل ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ويبيح ما يشاء ، ويحظر ما يشاء ، وهوالذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه. ولا يسأل عما يعمل وهم يسألون. ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يفهمها تعالى ، ثم ينهى عنه لما يفهمه تعالى.. فالطاعة جميع الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أبلغوا. وامتثال ما أمروا. وهجر ما عنه زجروا. وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر (3) اليهود وتزييف شبهتهم - لعنهم الله (4) - في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا ، ً وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا.

نطق الإمام أبوجعفر بن جرير ، رحمه الله : فتأويل الآية : ألم تفهم يا محمد حتى لي ملك السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري ، أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء ، وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء ، وأنهى عما أشاء ، وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي ما أشاء إذا أشاء ، وأقر فيهما ما أشاء.

ثم نطق : وهذا الخبر وإن كان من الله تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه الخبر عن عظمته ، فإنه منه تكذيب لليهود الذين أنكروا نَسْخَ أحكام التوراة ، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة

__________

سليم البخاري برقم (4481).

في جـ : "نؤخرها" ، وفي أ : "نركثها".

في أ : "لكفار".

في أ : "لعنة الله عليهم".

(1/378)

والسلام ، لمجيئهما (1) بما اتىا به من عند الله بتغير ما غير الله من حكم التوراة. فأبلغهم الله حتى له ملك السماوات والأرض وسلطانهما ، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه ، وأن له أمرهم بما يشاء ، ونهيهم عما يشاء ، ونسخ ما يشاء ، وإقرار ما يشاء ، وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه.

[وأمر إبراهيم ، عليه السلام ، بذبح ولده ، ثم نسخه قبل العمل ، وأمر جمهور بنى إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم ، ثم حمل عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل (2) ].

قلت : الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ ، إنما هوالكفر والعناد ، فإنه ليس في العقل ما يشير على امتناع النسخ في أحكام الله تعالى ؛ لأنه يحكم ما يشاء كما أنه يعمل ما يريد ، مع أنه قد سقط ذلك في خطه المتقدمة وشرائعه الماضية ، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ، ثم حرم ذلك ، وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ، ثم نسخ حِلُّ بعضها ، وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه ، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها. وأشياء كثيرة يطول ذكرها ، وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه. وما يجاب به عن هذه الأدلة بأجوبة لفظية ، فلا تصرف الدلالة في المعنى ، إذ هوالمقصود ، وكما في خطهم مشهورا من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه ، فإنه يفيد وجوب متابعته ، عليه والسلام ، وأنه لا يقبل عمل إلا على شريعته. وسواء قيل إذا الشرائع المتقدمة مُغَيَّاة إلى بعثته ، عليه السلام ، فلا يسمى ذلك نسخًا كقوله : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة : 187] ، وقيل : إنها مطلقة ، وإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسختها ، عملى جميع تقدير فوجوب اتباعه معين (3) لأنه اتى بكتاب هوآخر (4) الخط عهدا بالله تبارك وتعالى.

ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ ، ردا على اليهود ، عليهم لعائن الله ، حيث نطق تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ الآية ، فكما حتى له الملك بلا منازع ، فكذلك له الحكم بما يشاء ، { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ [الأعراف : 54] وقرئ في سورة آل عمران ، التي هبط صدرها خطابًا مع أهل الكتاب ، وقوع النسخ عند اليهود في وقوله تعالى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ الآية [آل عمران : 93] كما سيأتي تفسيرها ، والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى ، لما له في ذلك من الحكم البالغة ، وكلهم نطق بوقوعه. ونطق أبومسلم الأصبهاني المفسر : لم يقع شيء من ذلك في القرآن ، وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. وقد تعسف في الأجوبة عما سقط من النسخ ، فمن ذلك قضية العدة بأربعة أشهر وعشرا بعد الحول لم يجب على ذلك بكلام مقبول ، وقضية تحويل القبلة إلى الكعبة ، عن بيت المقدس لم يجب

__________

في جـ ، ط : "بمجيئها".

زيادة من جـ ، ط.

في ط ، ب : "متعين".

في ط : "هوأحدث".

(1/379)

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)

بشيء ، ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرة من الكفرة إلى مصابرة الاثنين ، ومن ذلك نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ، والله أفهم.

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)

نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة ، عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور قبل كونها ، كما نطق تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ [المائدة : 101] أي : وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم ، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه ؛ فلعله حتى يحرم من أجل تلك المسألة. ولهذا اتى في السليم : "إن أعظم المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته" (1). ولما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلا فإن تحدث تحدث بأمر عظيم ، وإن سكتَ سكتَ على مثل ذلك ؛ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها. ثم أنزل الله حكم الملاعنة (2). ولهذا ثبت في السليمين من حديث المغيرة بن شعبة : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل ونطق ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال (3) وفي سليم مسلم : "ذروني ما هجرتكم ، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإن (4) نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (5). وهذا إنما نطقه بعد ما أبلغهم حتى الله خط عليهم الحج. فنطق رجل : أكُل عام يا رسول الله ،يا ترى؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا. ثم نطق ، عليه السلام : "لا ولوقلت : نعم لتحتمتْ ، ولووَجَبَتْ لما استطعتم". ثم نطق : "ذروني ما هجرتكم" الحديث. إلى غير ذلك نطق أنس بن مالك : نُهينا حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا حتى يأتي (6) الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع (7).

ونطق الحافظ أبويعلى الموصلي في مسنده : حدثنا أبوكُرَيب ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، نطق : إذا كان ليأتي علَيَّ السنة أريد حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فأتهيب منه ، وإن كنا لنتمنى الأعراب.

ونطق البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه إلا عن ثنْتَي

__________

سليم البخاري برقم (7289) وسليم مسلم برقم (2358) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

رواه البخاري في سليمه برقم (5308 ، 5259) ومسلم في سليمه برقم (1492) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

سليم البخاري برقم (1477) وسليم مسلم برقم (593).

في ط ، ب ، أ ، و : "وإذا".

سليم مسلم برقم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

في جـ : "أن يجيء".

رواه مسلم في سليمه برقم (12).

(1/380)

عشرة مسألة ، كلها في القرآن : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة : 219] ، و{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة : 217] ، و{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة : 220] يعني : هذا وأشباهه (1).

وقوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ أي : بل تريدون. أوهي (2) على بابها في الاستفهام ، وهوإنكاري ، وهويعم المؤمنين والكافرين ، فإنه ، عليه السلام ، رسول الله إلى الجميع ، كما نطق تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ [النساء : 153].

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد [بن جبير] (3) عن ابن عباس ، نطق : نطق رافع بن حُرَيْمَلة - أووهب بن زيد - : يا محمد ، ائتنا بكتاب تُنزلُه علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك. فأنزل الله من قولهم : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (4) نطق : نطق رجل : يا رسول الله ، لوكانت كَفَّاراتنا كَفَّارات (5) بني إسرائيل! فنطق النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا نبغيها - ثلاثًا - ما أعطاكم الله خَيْر مما منح بني إسرائيل ، كانت (6) بنوإسرائيل إذا أصاب أحدُهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفَّارتها ، فإن كفرها كانت له خزْيًا في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزيًا في الآخرة. فما أعطاكم الله خير مما منح بني إسرائيل". نطق : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء : 110] ، ونطق : "الصلوات الخمس من الجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن". ونطق : "من هم بسيئة فلم يعملها لم تخط عليه ، وإن عملها خطت سيئة واحدة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها خطت له حسنة واحدة ، وإن عملها خطت له عشر أمثالها ، ولا يهلك على الله إلا هالك". فأنزل الله : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ

ونطق مجاهد : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ حتى يريهم الله جهرة ، نطق : سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم حتى يجعل لهم الصَّفَا مضىًا. نطق : "نعم وهولكم كالمائدة لبني إسرائيل إذا كفرتم" ، فأبوا ورجعوا.

وعن السدي وقتادة نحوهذا ، والله أفهم.

والمراد حتى الله ذمَّ من سأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم عن شَيء ، على وجه التعنُّت والاقتراح ، كما سألت بنوإسرائيل موسى ، عليه السلام ، تعنتًا وتكذيبًا وعنادًا ، نطق الله تعالى : { وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ أي :

__________

ورواه الطبراني في المعجم الكبير (11/454) من طريق عبد الله بن عمر بن أبان ، عن محمد بن فضيل به مطولاً.

في جـ : "وقيل بل هي".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط.

في أ ، و : "ككفارات".

في جـ : "نطق : كانت".

(1/381)

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)

من يَشْتَر الكفر بالإيمان { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ أي : فقد خرج عن (1) الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال إلى غير ذلك حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد لهم ، إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها ، على وجه التعنت والكفر ، كما نطق تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم : 28 ، 29].

ونطق أبوالعالية : يتبدل الشدة بالرخاء.

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)

يحذر تعالى (2) عباده المؤمنين عن سلوك طَرَائق الكفار من أهل الكتاب ، ويفهمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين ، مع فهمهم بفضلهم وفضل نبيهم. ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفووالاحتمال ، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح. ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه ، كما نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أوعكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : كان حُيَيُّ بن أخطب وأبوياسر بن أخطب من أشد يهودَ للعرب حسدًا ، إذْ خَصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم وكانا جَاهدَين في ردِّ الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ الآية.

ونطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر عن الزهري ، في قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نطق : هوكعب بن الأشرف.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبواليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أبلغني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه : حتى كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرًا ، وكان يهجوالنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه (3) أنزل الله : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ إلى قوله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا

ونطق الضحاك ، عن ابن عباس : حتى رسولا أميا يخبرهم بما في أيديهم من الخط والرسل (4) والآيات ، ثم يصدق بذلك كله مثل تصديقهم ، ولكنهم جحدوا ذلك كفرًا وحسدًا وبغيًا ؛ ولذلك نطق

__________

في أ : "من".

في جـ : "يحذر تبارك وتعالى".

في ط ، ب : "وفيهم".

في جـ ، ط ، ب : "من الرسل والخط".

(1/382)

الله تعالى : { كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ يقول : من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئا ، ولكن الحسد حملهم على الجحود ، فعيرَّهم ووبخهم ولامهم أشدَّ الملامة ، وشرع لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل (1) عليهم وما أنزل من قبلهم ، بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته لهم.

ونطق الربيع بن أنس : { مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ من قبل أنفسهم. ونطق أبوالعالية : { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ من بعد ما تبين [لهم] (2) حتى محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، فكفروا به حسدا وبغيًا ؛ إذ كان من غيرهم. وكذا نطق قتادة والربيع والسدي.

وقوله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مثل قوله تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ [آل عمران : 186].

نطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ نسخ ذلك قوله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ إلى قوله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29] فنسخ هذا عفوه عن المشركين. وكذا نطق أبوالعالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي : إنها منسوخة بآية السيف ، ويرشد إلى ذلك أيضًا قوله : { حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبواليمان (3) أبلغنا شعيب ، عن الزهري ، أبلغني عُرْوَة بن الزبير : حتى أسامة بن زيد أبلغه ، نطق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب ، كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، نطق الله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوَّل من العفوما أمره الله به ، حتى أذن الله فيهم بقتل ، فقتل الله به من اغتال من صناديد قريش (4).

وهذا إسناده (5) سليم ، ولم أره في شيء من الخط الستة [ولكن له أصل في السليمين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما] (6).

وقوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ يَحُثُّ (7) تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتَعُودُ عليهم عاقبتُه يوم القيامة ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ،

__________

في جـ ، ط ، أ ، و : "أنزل الله".

زيادة من ب ، أ ، و.

في أ : "أبوالوليد".

تفسير ابن أبي حاتم (1/333).

في ط ، ب : "وهذا إسناد".

زيادة من جـ ، ط.

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "يحثهم".

(1/383)

وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)

حتى يمكن لهم الله (1) النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر : 52] ؛ ولهذا نطق تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعني : أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل ، ولا يضيع لديه ، سواء كان خيرًا أوشرًا ، فإنه سيجازي جميع عامل بعمله.

ونطق أبوجعفر بن جرير في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وهذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين ، أنهم مهما عملوا من خير أوشر ، سرا أوعلانية ، فهوبه بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا ، وبالإساءة مثلها. وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا. وذلك أنه أعْلَم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مُدَّخرًا (2) لهم عنده ، حتى يثيبهم عليه ، كما نطق : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ وليحذروا معصيته.

نطق : وأما قوله : { بصير فإنه مبصر صرف إلى "بصير" كما صرف مبدع إلى "بديع" ، ومؤلم إلى "أليم" ، والله أفهم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوزُرْعَة ، حدثنا ابن بُكَير ، حدثني ابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، نطق : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر (3) في هذه الآية { سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول : بكل شيء بصير (4).

{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)

__________

في جـ ، ط ، ب : "يمكن الله لهم".

في ب ، أ ، و : "مذخورا".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "يقرأ" ، وفي و : "يقترئ".

تفسير ابن أبي حاتم (1/336).

(1/384)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه ، حيث ادعت جميع طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها ، كما أبلغ الله عنهم في سورة المائدة أنهم نطقوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة : 18]. فأكذبهم الله تعالى بما أبلغهم أنه معذبهم بذنوبهم ، ولوكانوا كما ادعوا لما كان الأمر كذلك ، وكما تقدم من (1) دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينتقلون إلى الجنة. وردَّ عليهم تعالى في ذلك ، إلى غير ذلك نطق لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا مرشد ولا حجة

__________

في جـ ، ط : "في".

(1/384)

ولا بينة ، فنطق { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ

ونطق أبوالعالية : أماني تمنوها على الله بغير حق. وكذا نطق قتادة والربيع بن أنس.

ثم نطق : { قُلْ أي : يا محمد ، { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ

ونطق أبوالعالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس : حجتكم. ونطق قتادة : بينتكم على ذلك. { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ كما تدعونه (1).

ثم نطق تعالى : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ أي : من أخلص العمل لله وحده لا شريك له ، كما نطق تعالى : { فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ الآية [آل عمران : 20].

ونطق أبوالعالية والربيع : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يقول : من أخلص لله.

ونطق سعيد بن جبير : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ أخلص ، { وَجْهَهُ نطق : دينه ، { وَهُوَ مُحْسِنٌ أي : متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل (2) المتقبل شرطين ، أحدهما : حتىقد يكون خالصًا لله وحده والآخر : حتىقد يكون صوابًا موافقا للشريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبل ؛ ولهذا نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهورد". رواه مسلم من حديث عائشة ، عنه ، عليه السلام.

فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم ، حتىقد يكون ذلك متابعًا للرسول [محمد] (3) صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، وفيهم وأمثالهم ، نطق الله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان : 23] ، ونطق تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور : 39].

وروي عن أمير المؤمنين عمر أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي.

وأما إذا كان العمل موافقًا للشريعة في الصورة الظاهرة ، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهوأيضًا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا [النساء : 142] ، ونطق تعالى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون : أربعة - 7] ، ولهذا نطق تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُولِقَاَءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف : 110]. ونطق في هذه الآية الكريمة : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ

وقوله : { فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور ، وآمنهم مما يخافونه من المحذور فـ { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلونه ، { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما مضى مما يهجرونه ، كما نطق سعيد بن جبير : فـ { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يعني : في الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ

__________

في جـ ، ط ، ب ، و : "أي فيما تدعونه" ، وفي أ : "أي مما تدعونه".

في أ : "في العمل".

زيادة من جـ ، ط ، ب.

(1/385)

[يعني : لا يحزنون] (1) للموت.

وقوله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ يبين به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم. كما نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنطق رافع بن حُرَيْملة (2) ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى وبالإنجيل. ونطق رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء. وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة. فأنزل الله في ذلك من قولهما (3) { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ نطق : إذا كلا يتلوفي كتابه تصديق من كفر به ، أي : يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة ، فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى ، وفي الإنجيل ما اتى به عيسى بتصديق موسى ، وما اتى (4) من التوراة من عند الله ، وكل يكفر بما في يد (5) صاحبه.

ونطق مجاهد في تفسير هذه الآية : قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء.

ونطق قتادة : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ نطق : بلى ، قد كانت أوائل النصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا. { وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ نطق : بلى قد كانت أوائل اليهود على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا.

وعنه رواية أخرى كقول أبي العالية ، والربيع بن أنس في تفسير (6) هذه الآية : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا القول يقتضي حتى كلا من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى. ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما نطقوه ، مع فهمهم بخلاف ذلك ؛ ولهذا نطق تعالى : { وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أي : وهم يفهمون شريعة التوراة والإنجيل ، جميع منهما قد كانت مشروعة في وقت ، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عنادًا وكفرًا (7) ولقاءة للفاسد بالفاسد ، كما تقدم عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة في الرواية الأولى عنه في تفسيرها ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ يُبَيِّن بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا من القول ، وهذا من باب الإيماء والإشارة. وقد اختلف فيما عنى بقوله تعالى : { الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ

__________

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في أ : "بن خزيمة".

في جـ : "من قوله".

في أ ، و : "اتى به".

في جـ ، ط ، ب : "بما في يدي".

في أ ، و : "في تفسيره".

في جـ : "كفرا وعنادا".

(1/386)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)

فنطق الربيع بن أنس وقتادة : { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ نطقا ونطقت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم. ونطق ابن جُرَيج : قلت لعطاء : من هؤلاء الذين لا يفهمون ،يا ترى؟ نطق : أمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل. ونطق السدي : { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فهم : العرب ، نطقوا : ليس محمد على شيء.

واختار أبوجعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع ، وليس ثمَّ مرشد قاطع يعين واحدًا من هذه الأقوال ، فالحمل على الجميع أولى ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي : أنه تعالى يجمع (1) بينهم يوم المعاد ، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثنطق ذرة. وهذا كقوله تعالى في سورة الحج : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [الحج : 17] ، وكما نطق تعالى : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [ سبأ : 26].

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)

اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله (2) وسَعَوا في خرابها على قولين :

أحدهما : ما رواه العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ نطق : هم النصارى. ونطق مجاهد : هم النصاري ، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس حتى يصلوا فيه.

ونطق عبد الرزاق : أبلغنا مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { وَسَعَى فِي خَرَابِهَا هوبُخْتَنَصَّر وأصحابه ، خَرَّب بيت المقدس ، وأعانه على ذلك النصارى.

ونطق سعيد ، عن قتادة : نطق : أولئك أعداء الله النصارى ، حملهم بغض اليهود على حتى أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس.

ونطق السدي : كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه ، وأمر به حتى تطرح فيه الجيف ، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل حتى بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا. وروي نحوه عن الحسن البصري.

القول الثاني : ما رواه ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب نطق : نطق ابن

__________

في أ : "يحكم".

في جـ : "مساجد الله حتى يذكر فيها اسمه".

(1/387)

زيد في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا نطق : هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وبين حتى يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طُوَى وهادنهم ، ونطق لهم : ما كان أحد يَصُد عن هذا البيت ، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده. فنطقوا : لا يدخل علينا مَنْ اغتال آباءنا يوم بدر وفينا باق.

وفي قوله : { وَسَعَى فِي خَرَابِهَا نطق : إذ بتروا من يَعْمُرُها بذكره ويأتيها للحج والعمرة.

ونطق ابن أبي حاتم : ذكر عن سلمة نطق : نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى قُرَيشًا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام ، فأنزل الله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

ثم اختار ابن جرير القول الأول ، واحتج بأن قريشًا لم تسع في خراب الكعبة. وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.

قلت : الذي (1) يظهر - والله أفهم - القول الثاني ، كما نطقه ابن زيد ، وروي عن ابن عباس ؛ لأن النصارى إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس ، كأن دينهم أقوم من دين اليهود ، وكانوا أقرب منهم ، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولا إذ ذاك ؛ لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. وأيضا فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى ، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام ، وأما اعتماده على حتى قريشا لم تسع في خراب الكعبة ، فأي خراب أعظم مما عملوا ،يا ترى؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم ، كما نطق تعالى : { وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنفال : 34] ، ونطق تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ* إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة : 17 ، 18] ، ونطق تعالى : { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فتَصُيِبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح : 25] ، فنطق تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ [التوبة : 18] ، فإذا كان من هوكذلك مطرودًا منها مصدودًا عنها ، فأي خراب لها أعظم من ذلك ،يا ترى؟ وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط ، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ، وحملها عن الدنس والشرك.

__________

في ط ، ب : "قلت والذي".

(1/388)

وقوله تعالى : { أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ هذا خبر معناه الطلب ، أي لا تُمَكِّنوا هؤلاء - إذا قَدَرُتم عليهم - من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية. ولهذا لما فتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع حتى ينادى برحاب منى : "ألا لا يَحُجَّن (1) بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عُريان ، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته". وهذا كان تصديقًا وعملا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا الآية [التوبة : 28] ، ونطق بعضهم : ما كان ينبغي لهم حتى يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب ، وارتعاد الفرائص من المؤمنين حتى يبطشوا بهم ، فضلا حتى يستولوا عليها ويمنعوا (2) المؤمنين منها. والمعنى : ما كان الحق والواجب إلا ذلك ، لولا ظلم الكفرة وغيرهم.

وقيل : إذا هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيُظْهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفا ، يخاف حتى يؤخذ فيعاقب أويقتل إذا لم يسلم. وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام ، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى بجزيرة العرب دينان ، وأن تجلى اليهود والنصارى منها ، ولله الحمد والمنة. وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام وتطهير البقعة [المباركة] (3) التي بعث [الله] (4) فيها رسوله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا صلوات الله وسلامه عليه (5). وهذا هوالخزي لهم في الدنيا ؛ لأن الجزاء من جنس العمل. فكما صدوا المؤمنين (6) عن المسجد الحرام ، صُدوا عنه ، وكما أجلوهم من مكة أجلوا منها { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ على ما انتهكوا من حرمة البيت ، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله ، والنادىء إلى غير الله عنده والطواف به عريا ، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله.

وأما من فَسَّر بيت (7) المقدس ، فنطق كعب الأحبار : إذا النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه (8) فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ الآية ، فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفا.

ونطق السدي : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهوخائف حتى يُضْرَب (9) عُنُقُه ، أوقد أخيف بأداء الجزية فهويؤديها.

__________

في ب ، و : "ألا لا يحج" ، وفي أ : "أن لا يحج".

في جـ ، ط ، ب : "ويمنعوا".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في جـ ، ب ، و : "صلوات الله وسلامه عليه".

في أ : "المسلمين".

في ط ، ب : "ببيت".

في أ : حرقوه".

في جـ ، ط ، ب : "أن تضرب".

(1/389)

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)

ونطق قتادة : لا يدخلون المساجد إلا مسارقة.

قلت : وهذا لا ينفي حتىقد يكون داخلا في معنى عموم الآية فإن النصارى ما ظلموا بيت المقدس ، بامتهان الصخرة التي كانت يصلي (1) إليها اليهود ، عوقبوا شرعًا وقَدَرا بالذلة فيه ، إلا في أحيان من الدهر امتحن (2) بهم بيت المقدس وكذلك اليهودُ لما عَصَوا الله فيه أيضا أعظم من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظم والله أفهم.

وفسر هؤلاء الخزي من الدنيا ، بخروج المهدي عند السدي ، وعكرمة ، ووائل بن داود. وفسره قتادة بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون.

والسليم حتى الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله ، وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة كما نطق الإمام أحمد : حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن حَلبس (3) سمعت أبي يحدث ، عن بُسْر (4) بن أرطاة ، نطق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" (5).

وهذا حديث حسن ، وليس في شيء من الخط الستة ، وليس لصحابيه وهوبسر (6) بن أرطاة - وينطق : ابن أبي أرطاة - حديث سواه ، وسوى [حديث] (7) "لا تبتر الأيدي في الغزو".

{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)

وهذا - والله أفهم - فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه

الذين أخرجوا (8) من مكة وفارقوا مسجدهم ومُصَلاهم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكةَ إلى بيت المقدس والكعبةُ بين يديه. فلما قدم المدينة وُجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا ، أوسبعة عشر شهرًا ، ثم صرفه الله إلى الكعبة بعدُ ، ولهذا يقول (9) تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

نطق أبوعبيد القاسم بن سلام ، في كتاب الناسخ والمنسوخ : أبلغنا حجاج بن محمد ، أبلغنا ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، نطق : أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا - والله أفهم - شأنُ القبلة : نطق (10) تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فاستقبل

__________

في جـ ، ب ، و : "كانت تصلى" ، وفي أ : "كانت تصل".

في أ : "سخر".

في جـ ، ط ، ب : "بن حابس".

في أ : "عن بشر".

المسند (4/181).

في أ : "وهوبشر".

زيادة من جـ ، ط ، ب ، أ ، و.

في أ : "الذين خرجوا".

في جـ : "يقول الله".

في جـ ، ب ، و : "نطق الله".

(1/390)

رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحوبيت المقدس ، وهجر البيت العتيق ، ثم صرفه إلى بيته (1) العتيق ونسخها ، فنطق : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (2).

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس نطق : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك حتى رسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة - وكان أهلُها اليهودَ - أمره الله حتى يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعووينظر إلى السماء ، فأنزل الله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا] (3) إلى قوله : { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فارتاب من ذلك اليهود ، ونطقوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فأنزل الله : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] (4) ونطق : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

ونطق عكرمة عن ابن عباس : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ نطق : قبلة الله أينما توجهت شرقًا أوغربًا. ونطق مجاهد : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [نطق : قبلة الله] (5) حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها : الكعبة.

ونطق ابن أبي حاتم بعد روايته الأثر المتقدم ، عن ابن عباس ، في نسخ القبلة ، عن عطاء ، عنه : وروي عن أبي العالية ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، نحوذلك.

ونطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل حتى يفرض التوجه إلى الكعبة ، وإنما أنزلها (6) تعالى ليفهم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى لهم التوجه بوجوههم للصلاة ، حيث شاؤوا من نواحي المشرق والمغرب ؛ لأنهم لا يوجهون وجوههم وجهًا من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه (7) وتلك الناحية ؛ لأن له تعالى المشارق والمغارب ، وأنه لا يخلومنه مكان ، كما نطق تعالى : { وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة : 7] نطقوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فَرَضَ عليهم التوجُّهَ إلى المسجد الحرام.

هكذا نطق ، وفي قوله : "وإنه تعالى لا يخلومنه مكان" : إذا أراد فهمه تعالى فسليم ؛ فإن فهمه تعالى محيط بجميع المعلومات ، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه ، تعالى الله

__________

في جـ ، أ ، و : "البيت".

ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/346) من طريق حجاج بن محمد به ، ورواه الحاكم في المستدرك (2/267) من طريق ابن جريج عن عطاء به ونطق : "هذا حديث سليم على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق".

زيادة من جـ.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

في جـ : "أنزلها الله".

في أ : "التوجيه".

(1/391)

عن ذلك علوًا كبيرًا.

نطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذنا من الله حتى يصلي التطوع حيث توجه من شرق أوغرب ، في مسيره في سفره ، وفي حال المسايفة وشدة الخوف.

حدثنا أبوكُرَيْب ، حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عبد الملك - هوابن أبي سليمان - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر : أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته. ويذكر حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعمل ذلك ، ويتأول هذه الآية : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مَرْدُوَيه ، من طرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، به (1). وأصله في السليمين من حديث ابن عمر وعامر بن ربيعة ، من غير ذكر الآية.

وفي سليم البخاري من حديث نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها. ثم نطق : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.

نطق نافع : ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).

مسألة : ولم يفرق الشافعي في المشهور عنه ، بين سفر المسافة وسفر العدوي ، فالجميع عنه يجوز التطوع فيه على الراحلة ، وهوقول أبي حنيفة خلافا لمالك وجماعته ، واختار أبويوسف وأبوسعيد الإصطخري ، التطوع على الدابة في المصر ، وحكاه أبويوسف عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، واختاره أبوجعفر الطبري ، حتى للماشي أيضا.

نطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل نزلت هذه الآية في قوم عُمِّيتْ عليهم القبلة ، فلم يعهدوا شَطرها ، فصلوا على أنحاء مختلفة ، فنطق الله (3) لي المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهنالك وجهي ، وهوقبلتكم فيفهمكم بذلك حتى صلاتكم ماضية.

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، حدثنا أبوأحمد الزبيري ، حدثنا أبوالربيع السمان ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، نطق : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة ، فنزلنا منزلا فجعل الرَّجل يأخذُ الأحجارَ فيعمل مسجدا يصلي فيه. فلما [أن] (4) أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة. فقلنا : يا رسول الله ، لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة ،يا ترى؟ فأنزل الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الآية.

__________

تفسير الطبري (2/530) وسليم مسلم برقم (700) وسنن الترمذي برقم (2958) وسنن النسائي (1/244) وتفسير ابن أبي حاتم (1/344).

سليم البخاري برقم (4535).

في أ : "فنطق الله لهم".

زيادة من ط.

(1/392)

ثم رواه عن سفيان بن وَكِيع ، عن أبيه ، عن أبي الربيع السمان ، بنحوه (1).

ورواه الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن وَكِيع. وابن ماجه ، عن يحيى بن حكيم ، عن أبي داود ، عن أبي الربيع السمان (2).

ورواه ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن محمد بن الصباح ، عن سعيد (3) بن سليمان ، عن أبي الربيع السمان (4) - ومسماه أشعث بن سعيد البصري - وهوضعيف الحديث.

ونطق الترمذي : هذا حديث حسن. ليس إسناده بذاك ، ولا نعهده إلا من حديث أشعث السمان ، وأشعث يُضَعَّف في الحديث.

قلت : وشيخه عاصم أيضًا ضعيف (5).

نطق البخاري : منكر الحديث. ونطق ابن معين : ضعيف لا يحتج به. ونطق ابن حبان : متروك ، والله أفهم.

وقد روي من طرق أخرى ، عن جابر.

ونطق الحافظ أبوبكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية : حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن علي بن شبيب ، حدثني أحمد بن عبيد الله (6) بن الحسن ، نطق : وجدت في كتاب أبي : حدثنا عبد الملك العرزمي ، عن عطاء ، عن جابر ، نطق : بَعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعهد القبلة ، فنطقت طائفة منا : قد عهدنا القبلة ، هي هاهنا قبل السماك (7). فصلُّوا وخطُّوا خطوطًا ، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قفلنا من سفرنا (8) سألنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فسكت ، وأنزل الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

ثم رواه من حديث محمد بن عبيد الله العَرْزَمي ، عن عطاء ، عن جابر ، به (9).

ونطق الدارقطني : قرئ على عبد الله بن عبد العزيز - وأنا أسمع - حدثكم داود بن عمرو، حدثنا محمد بن يزيد (10) الواسطي ، عن محمد بن سالم ، عن عطاء ، عن جابر ، نطق : كنا مع رسول الله

__________

تفسير الطبري (2/ 531 ، 532).

سنن الترمذي برقم (345) وسنن ابن ماجة برقم (1020).

في و : "عن سعد".

تفسير ابن أبي حاتم (1/344).

في أ : "ضعيف الحديث".

في هـ : "عبد الله".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "قبل الشمال".

في أ : "سيرنا".

ورواه الدارقطني في السنن (1/271) من طريق إسماعيل بن علي عن الحسن بن علي بن شبيب به ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/12) من طريق محمد بن الحارث عن أحمد بن عبيد الله نطق : وجدت في كتاب أبي فذكر مثله ، ورواه أيضا (2/10) من طريق محمد بن يزيد الواسطي ، عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء به.

في جـ : "بن زيد".

(1/393)

صلى الله عليه وسلم في مسير فأصابنا غيم ، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة ، فصلى جميع (1) منا على حدة ، وجعل أحدنا يخط بين يديه لنفهم أمكنتنا ، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة ، ونطق : "قد أجزأت صلاتكم".

ثم نطق الدارقطني : كذا نطق : عن محمد بن سالم ، ونطق غيره : عن محمد بن عبد الله العرزمي ، عن عطاء ، وهما ضعيفان (2).

ثم رواه ابن مَرْدُويه أيضا من حديث الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرِيَّة فأخذتهم ضبابة ، فلم يهتدوا إلى القبلة ، فصلوا لغير القبلة. ثم استبان لهم بعد طلوع (3) الشمس أنهم صلوا لغير القبلة. فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثُوه ، فأنزل الله عز وجل ، هذه الآية : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

وهذه الأسانيد فيها ضعف ، ولعله يشد بعضها بعضا. وأما إعادة الصلاة لمن تبين له خطؤه ففيها قولان للفهماء ، وهذه دلائل على عدم القضاء ، والله أفهم.

نطق ابن جرير : ونطق آخرون : بل نزلت هذه الآية في سبب النجاشي ، كما حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا هشام بن معاذ (4) حدثني أبي ، عن قتادة : حتى النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "إن أخا لكم قد توفي فصلوا عليه". نطقوا : نصلي على رجل ليس بمسلم ،يا ترى؟ نطق : فنزلت : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [آل عمران : 199] نطق قتادة : فنطقوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة. فأنزل الله : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (5).

وهذا غريب والله أفهم.

وقد قيل : إنه كان يصلي إلى بيت المقدس قبل حتى يبلغه الناسخ إلى الكعبة ، كما حكاه القرطبي عن قتادة ، وذكر القرطبي أنه لما توفي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بذلك من مضى إلى الصلاة على الغائب ، نطق : وهذا خاص عند أصحابنا من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه عليه السلام ، شاهده حين صلى عليه طويت له الأرض. الثاني : أنه لما لم يكن عنده من يصلي عليه صلى عليه ، واختاره ابن العربي ، نطق القرطبي : ويبعد حتىقد يكون ملك مسلم ليس عنده أحد من قومه على دينه ، وقد أجاب ابن العربي عن هذا لعلهم لم يكن عندهم شرعية الصلاة على الميت. وهذا جواب جيد. الثالث : أنه عليه الصلاة والسلام إنما صلى عليه ليكون ذلك كالتأليف لبقية الملوك ، والله أفهم.

__________

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "كل رجل".

سنن الدارقطني (1/271) ورواه الحاكم في المستدرك (1/206) من طريق داود بن عمروبه ، ونطق : "هذا حديث سليم رواته كلهم ثقات غير محمد بن سالم فإني لا أعهده بعدالة ولا جرح". نطق المضىي : قلت : "هوأبوسهل واه".

في جـ ، ط ، ب ، أ ، و : "بعدما طلعت".

في جـ ، ط ، ب ، أ : "معاذ بن هشام".

تفسير الطبري (2/532).

(1/394)

وقد أورد الحافظ أبوبكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية من حديث أبي معشر ، عن محمد بن عمروبن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بين المشرق والمغرب قبْلَة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق".

وله مناسبة هاهنا ، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي معشر ، ومسماه (1) نَجِيح بن عبد الرحمن السَّندي المدني ، به (2) "ما بين المشرق والمغرب قبلة".

ونطق الترمذي : وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. وتحدث بعض أهل الفهم في أبي معشر من قبل حفظه ، ثم نطق الترمذي : حدثني الحسن بن [أبي] (3) بكر المروزي ، حدثنا المعلى بن منصور ، حدثنا عبد الله بن جعفر المخزومي ، عن عثمان بن محمد الأخنسي ، عن سعيد (4) المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "ما بين المشرق والمغرب قبلة" (5).

ثم نطق الترمذي : هذا حديث حسن سليم.

وحكى عن البخاري أنه نطق : هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح. نطق الترمذي : وقد روي عن غير واحد من الصحابة : ما بين المشرق والمغرب قبلة - منهم عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن عباس.

ونطق ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك ، فما بينهما قبلة ، إذا استقبلت القبلة.

ثم نطق ابن مَرْدُويه : حدثنا علي بن أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا يعقوب بن يونس مولى بني هاشم ، حدثنا شعيب بن أيوب ، حدثنا ابن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نطق : "ما بين المشرق والمغرب قبلة".

وقد رواه الدارقطني والبيهقي (6) ونطق المشهور : عن ابن عمر ، عن عمر ، قوله.

نطق ابن جرير : ويحتمل : فأينما تولوا وجوهكم في نادىئكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم نادىءكم ، كما حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، نطق : نطق ابن جُرَيج : نطق مجاهد : لما نزلت : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر : 60] نطقوا : إلى أين ،يا ترى؟ فنزلت : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

__________

في و : "وابن".

سنن الترمذي برقم (342) وسنن ابن ماجة برقم (1011).

زيادة من جـ.

في أ : "عن شعبة".

سنن الترمذي برقم (344).

سنن الدارقطني (1/270) وسنن البيهقي (2/9) وهومعلول والصواب وقفه. نطق ابن أبي حاتم في العلل (1/184) : "سئل أبوغرسة عن حديث رواه يزيد بن هارون ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ما بين المشرق والمغرب قبلة" نطق أبوغرسة : "هذا وهم ، الحديث حديث ابن عمر موقوف".

(1/395)

وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)

نطق ابن جرير : ويعني قوله : { إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يسع خلقه كلهم بالكفاية ، والإفضال والجود (1).

وأما قوله : { عليم فإنه يعني : عليم بأعمالهم ، ما يغيب عنه منها شيء ، ولا يعزب عن فهمه ، بل هوبجميعها عليم.

{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)

اشتملت هذه الآية الكريمة ، والتي تليها على الرد على النصارى - عليهم لعائن الله - وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ، ممن (2) جعل الملائكة بنات الله ، فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم : إذا لله ولدا. فنطق تعالى : { سُبْحَانَهُ أي : تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوًا كبيرًا { بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أي : ليس الأمر كما افتروا ، وإنما له ملك السماوات والأرض ، وهوالمتصرف فيهم ، وهوخالقهم ورازقهم ، ومُقَدِّرهم ومسخرهم ، ومسيرهم ومصرفهم ، كما يشاء ، والجميع عبيد (3) له وملك له ، فكيفقد يكون له ولد منهم ، والولد إنماقد يكون متولدًا من شيئين متناسبين ، وهوتبارك وتعالى ليس له نظير ، ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له ، فكيفقد يكون له ولد! كما نطق تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام : 101] ونطق تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم : 88 - 95] ونطق تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [سورة الإخلاص].

فقرر (4) تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم ، الذي لا نظير له ولا شبيه له ، وأن جميع الأمور غيره مخلوقة له مربوبة ، فكيفقد يكون له منها ولد! ولهذا نطق البخاري في تفسير هذه الآية من البقرة : أبلغنا أبواليمان ، أبلغنا شعيب ، عن عبد الله بن أبي حُسَين ، حدثنا نافع بن جبير - هوابن مطعم - عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "نطق الله تعالى : كَذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إيَّاي فيزعم أني لا أقدر حتى أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله : لي ولد. فسبحاني (5) حتى أتخذ صاحبة أوولدا".

__________

في ط : "بالكفاية والجود والإفضال" ، وفي ب : "بالكفاية والأفضال والجود والإفضال".

في ب ، أ : "من".

في ط : "والجميع عبد".

في أ ، و : "يقرر".

في ط : "سبحاني".

(1/396)

انفرد به البخاري من هذا الوجه (1).

ونطق ابن مَرْدُويه : حدثنا أحمد بن تام ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن محمد الفَرْوي ، حدثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم ينبغ له حتى يكذبني ، وشتمني ولم ينبغ له حتى يشتمني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته (2). وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا. وأنا الله الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد" (3).

وفي السليمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نطق : "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ؛ إنهم يجعلون له ولدا ، وهويرزقهم ويعافيهم" (4).

وقوله : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ نطق ابن أبي حاتم : أبلغنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا أسباط ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، نطق : { قَانِتينَ مصلين.

ونطق عكرمة وأبومالك : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ مُقرُّون له بالعبودية. ونطق سعيد بن جبير : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ يقول : الإخلاص. ونطق الربيع بن أنس : يقول جميع له قائم يوم القيامة. ونطق السدي : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ يقول : له مطيعون يوم القيامة.

ونطق خَصيف ، عن مجاهد : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ نطق : مطيعون ، كن إنسانًا فكان ، ونطق : كن حمارًا فكان.

ونطق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ مطيعون ، يقول : طاعة الكافر في سجود ظله وهوكاره.

وهذا القول عن مجاهد - وهواختيار ابن جرير - يجمع الأقوال كلها ، وهوحتى القنوت : هوالطاعة والاستكانة إلى الله ، وذلك شرعي وقَدري ، كما نطق تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد : 15].

وقد وَرَد حديث فيه بيان القنوت في القرآن ما المراد به ، كما نطق ابن أبي حاتم : حدثنا يونُس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أبلغني عمروبن الحارث : حتى دَرَّاجًا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو

__________

سليم البخاري برقم (4482).

في أ : "بإعادته".

الحديث رواه البخاري في سليمه برقم (4974) من طريق شعيب عن أبي الزناد به ، وفيه : "ولم يكن لي كفوا أحد".

سليم البخاري برقم (6099) وسليم مسلم برقم (2804) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(1/397)

الطاعة".

وكذا رواه الإمام أحمد ، عن حسن بن موسى ، عن ابن لَهِيعة ، عن دَرّاج بإسناده ، مثله (1).

ولكن هذا الإسناد ضعيف لا يعتمد عليه. وحمل هذا الحديث منكر ، وقد يحدث من كلام الصحابي أومَنْ دونه ، والله أفهم. وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نَكَارَة ، فلا يغتر بها ، فإن السند ضعيف ، والله أفهم.

وقوله تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أي : خالقهما على غير مثال تجاوز ، نطق مجاهد والسدي : وهومقتضى اللغة ، ومنه ينطق للشيء المحدث : بدعة. كما اتى في السليم لمسلم : "فإن جميع محدثة بدعة [وكل بدعة ضلالة] (2) " (3). والبدعة على قسمين : تارة تكون بدعة شرعية ، كقوله : فإن جميع محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة. وتارة تكون بدعة لغوية ، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم : نعْمَتْ البدعةُ هذه.

ونطق ابن جرير : وبديع السماوات والأرض : مبدعهما. وإنما هومُفْعِل فصرف إلى فَعيل ، كما صرف المؤلم إلى الأليم ، والمسمع إلى السميع. ومعنى المبدع : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء (4) مثله وإحداثه أحد.

نطق : ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعًا ؛ لإحداثه فيه ما لم يسبق (5) إليه غيره ، وكذلك جميع محدث عملا أوقولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتنادى. ومن ذلك قول أعشى (6) ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحَنفِي :

يُرعى إلى قَوْل سادات الرّجال إذا... أبدَوْا له الحزْمَ أوما شاءه ابتدَعا (7)

أي : يحدث ما شاء.

نطق ابن جرير : فمعنى الكلام : فسبحان الله أنىقد يكون لله ولد ، وهومالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوَحْدانيّة ، وتقر له بالطاعة ، وهوبارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه. وهذا إعلام من الله عباده حتى ممن يشهد له بذلك المسيح ، الذي أضافوا إلى الله بُنُوَّته ، وإخبار منه لهم حتى الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هوالذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته.

__________

تفسير ابن أبي حاتم (1/348) والمسند (3/75).

زيادة من ط.

في سليم مسلم برقم (867) من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ : "وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة".

في أ : "إلى أشباه".

في أ : "ما لم يسبقه".

في و : "بن".

البيت في تفسير الطبري (2/540).

(1/398)

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)

وهذا من ابن جرير ، رحمه الله ، كلام جيد وعبارة سليمة.

وقوله تعالى : { وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه ، وأنه إذا قَدَّر أمرًا وأراد كونه ، فإنما يقول له : كن. أي : مرة واحدة ، فيكون ، أي : فيوجد على وفق ما أراد ، كما نطق تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس : 82] ونطق تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل : 40] ونطق تعالى : { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر : 50] ، ونطق الشاعر :

إذا ما أراد الله أمرًا فإنَّما... يقول له كن قولة فيكونُ...

ونبه تعالى بذلك أيضا على حتى خلق عيسى بحدثة : كن ، فكان كما أمره الله ، نطق [الله] (1) تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران : 59].

{ وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)

نطق محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أوسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نطق : نطق رافع بن حُرَيملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، إذا كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فَلْيُكَلمْنا حتى نسمع كلامه. فأنزل الله في ذلك من قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ

ونطق مجاهد [في قوله] (2) { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ نطق : النصارى تقوله.

وهواختيار ابن جرير ، نطق : لأن السياق فيهم. وفي ذلك نظر.

[وحكى القرطبي { لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أي : لويخاطبنا بنبوتك يا محمد ، قلت : وظاهر السياق أعم ، والله أفهم] (3).

ونطق أبوالعالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي في تفسير هذه الآية : هذا قول كفار العرب { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ [مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ] (4) نطقوا : هم اليهود والنصارى. ويؤيد هذا القول ، وأن القائلين ذلك هم مشركوالعرب ، قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام : 123].

__________

زيادة من أ ، و.

زيادة من أ.

زيادة من جـ ، ط.

زيادة من جـ.

(1/399)

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)

وقوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا* أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا [الإسراء : 90 - 93] ، وقوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [الفرقان : 21] ، وقوله : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً [المدثر : 52] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به ، إنما هوالكفر والمعاندة ، كما نطق من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم ، كما نطق تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء : 153] ونطق تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة : 55].

وقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ أي : أشبهت قُلُوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو، كما نطق تعالى : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات : 52 ، 53].

وقوله : { قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي : قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى ، لمن أيقن (1) وصدق واتبع الرسل ، وفهم ما جاؤوا به عن الله تبارك وتعالى. وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين نطق الله تعالى فيهم : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ [يونس : 96 ، 97].

[قوله تعالى] (2)

{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)

نطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الفزاري عن شيبان النحوي ، أبلغني قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "أنزلت علي : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا نطق : "بشيرًا بالجنة ، ونذيرًا من النار" (3).

وقوله : { وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ قراءة أكثرهم (4) { وَلا تُسْأَلُ بضم التاء على الخبر. وفي قراءة أبي بن كعب : "وما تسأل" وفي قراءة ابن مسعود : "ولن تسأل عن أصحاب الجحيم"

__________

في أ : "لمن اتقى".

زيادة من ط.

تفسير ابن أبي حاتم (1/354).

في ب ، أ ، و : "قراءة بعضهم".

(1/400)

نقلهما (1) ابن جرير ، أي : لا نسألك عن كفر من كفر بك ، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد : 40] وكقوله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمصَيْطِرٍ الآية [ الغاشية : 21 ، 22 ] وكقوله تعالى : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ ق : 45 ] وأشباه ذلك من الآيات.

وقرأ آخرون (2) "ولا تَسْأَلْ عن أصحاب الجحيم" بفتح التاء على النهي ، أي : لا تسأل عن حالهم ، كما نطق عبد الرزاق :

أبلغنا الثوري ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليت شعري ما عمل أبواي ، ليت شعري ما عمل أبواي ، ليت شعري ما عمل أبواي ؟". فنزلت : { وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ فما ذكرهما (3) حتى توفاه الله ، عز وجل.

ورواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيب ، عن وَكِيع ، عن موسى بن عبيدة ، [وقد تحدثوا فيه عن محمد بن كعب] (4) بمثله (5) وقد حكاه القرطبي عن ابن عباس ومحمد بن كعب نطق القرطبي : وهذا كما ينطق لا تسأل عن فلان ؛ أي : قد بلغ فوق ما تحسب ، وقد ذكرنا في التذكرة حتى الله أحيا له أبويه حتى آمنا ، وأجبنا عن قوله : (إن أبي وأباك في النار).(قلت) : والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الخط الستة ولا غيرها ، وإسناده ضعيف والله أفهم.

ثم نطق [ابن جرير] (6) وحدثني القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، أبلغني داود بن أبي عاصم : حتى النبي صلى الله عليه وسلم نطق ذات يوم : "أين أبواي ؟". فنزلت : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (7).

وهذا مرسل كالذي قبله. وقد رد ابن جرير هذا القول المروي عن محمد بن كعب [القرظي] (8) وغيره في ذلك ، لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه. واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر ، لاحتمال حتى هذا كان طالما استغفاره لأبويه قبل حتى يفهم أمرهما ، فلما فهم ذلك تبرأ منهما ، وأبلغ عنهما أنهما من أهل النار [كما ثبت ذلك في السليم] (9) ولهذا أشباه كثيرة ونظائر ، ولا يلزم ما ذكر (10) ابن جرير. والله أفهم.

ونطق الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا فُلَيح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، نطق : لقيت عبد الله بن عَمْروبن العاص ، فقلت : أبلغني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. فنطق : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أوفدناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا ، وحرزًا للأميين ، وأنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لا فظٍّ ولا غليظ ولا

__________

في ب ، ط : "نقلهما".

في أ : "وقرأ البصريون".

في أ : "فما ذكره".

تفسير عبد الرزاق (2/78) وتفسير الطبري (2/558) وموسى بن عبيدة ضعيف جدا.

زيادة من ط ، أ.

زيادة من ط ، أ.

تفسير الطبري (2/559).

زيادة من ط.

زيادة من أ.

في أ ، و : "ما ذكره".

(1/401)

سَخَّاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفوويغفر ، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العواتى ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله. فيفتح به أعينا عُمْيًا ، وآذانًا صُمًّا ، وقلوبا غُلْفًا.

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في البيوع عن محمد بن سنان ، عن فُلَيح ، به (1). ونطق : تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال. ونطق سعيد : عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن سلام. ورواه في التفسير عن عبد الله ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن عمروبن العاص ، به (2). فذكر نحوه ، فعبد الله هذا هوابن صالح ، كما صرح به في كتاب الأدب. وزعم أبومسعود الدمشقي أنه عبد الله بن راتى.

وقد رواه الحافظ أبوبكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية من البقرة ، عن أحمد بن الحسن بن أيوب ، عن محمد بن أحمد بن البراء ، عن المعافَى بن سليمان ، عن فليح ، به. وزاد : نطق عطاء : ثم لقيت كعب الأحبار ، فسألته فما اختلفا في حرف ، إلا حتى كعبًا نطق بلُغَتِهِ : أعينًا عمومى ، وآذانًا صمومى ، وقلوبًا غلوفًا (3)

__________

المسند (2/174) وسليم البخاري برقم (2125).

سليم البخاري برقم (4838).

في ط : "وقلوبا غلفى".

(1/402)

وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)

{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)

نطق ابن جرير : يعني بقوله (1) جل ثناؤه : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وليست اليهود - يا محمد - ولا النصارى براضية عنك أبدًا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في نادىئهم إلى ما بعثك الله به من الحق.

وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى أي : قل يا محمد : إذا هدى الله الذي بعثني به هوالهدى ، يعني : هوالدين المستقيم السليم الكامل الكامل.

نطق قتادة في قوله : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى نطق : خصومة عَلَّمها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يخاصمون بها أهل الضلالة. نطق قتادة : وبلغنا حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله".

قلت : هذا الحديث مُخَرَّج في السليم (2) عن عبد الله بن عمرو(3).

__________

في ط : "في قوله".

في ط : "في السليمين".

سليم مسلم برقم (1924).

(1/402)

{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى ، بعد ما عَلِموا من القرآن والسنة ، عياذًا بالله من ذلك ، فإن الخطاب مع الرسول ، والأمر لأمته.

[وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله : { حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ حيث أفرد الملة على حتى الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون : 6] ، عملى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار ، وكل منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا ؛ لأنهم كلهم ملة واحدة ، وهذا ممضى الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه. ونطق في الرواية الأخرى كقول مالك : إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى ، كما اتى في الحديث ، والله أفهم] (1).

وقوله تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ نطق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : هم اليهود والنصارى. وهوقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير.

ونطق : سعيد عن قتادة : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، وعبد الله بن عمران الأصبهاني ، نطقا حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ نطق : إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة ، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار (2).

ونطق أبوالعالية : نطق ابن مسعود : والذي نفسي بيده ، إذا حق تلاوته حتى يُحِلَّ حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرف الحدث عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله.

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة ومنصور بن المعتمر ، عن ابن مسعود.

ونطق السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في هذه الآية ، نطق : يُحِلُّون حلاله ويُحَرِّمُون حرامه ، ولا يُحَرِّفُونه عن مواضعه.

نطق ابن أبي حاتم : وروي عن ابن مسعود نحوذلك.

ونطق الحسن البصري : يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، يَكِلُونَ ما أشكل عليهم إلى عالمه.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوزُرْعَة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أبلغنا ابن أبي زائدة ، أبلغنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ نطق : يتبعونه حق اتباعه ، ثم قرأ : { وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا [ الشمس : 2 ] ، يقول : اتَّبَعَها. نطق : ورُوِيَ عن عكرمة ، وعطاء ، ومجاهد ، وأبي رزين ، وإبراهيم النخَعي نحوذلك.

ونطق سفيان الثوري : حدثنا زُبَيد ، عن مُرَّة ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ

__________

زيادة من ط ، أ.

تفسير ابن أبي حاتم (1/357).

(1/403)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)

نطق : يتبعونه حق اتباعه.

نطق القرطبي : وروى نصر بن عيسى ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ نطق : "يتبعونه حق اتباعه" ، ثم نطق : في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا حتى معناه سليم. ونطق أبوموسى الأشعري : من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة. وعن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله ، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها ، نطق : وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مرَّ بآية رحمة سأل ، وإذا مرَّ بآية عذاب تعوذ.

وقوله : { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ خَبَر عن { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي : من أقام كتابه من أهل الخط المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته ، آمن بما أوفدتك به يا محمد ، كما نطق تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ الآية [ المائدة : 66 ]. ونطق : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [ المائدة : 68 ] ، أي : إذا أقمتموها حق الإقامة ، وآمنتم بها حَقَّ الإيمان ، وصَدَّقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونَعْتِه وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته ، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة ، كما نطق تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ الآية [ الأعراف : 157 ] ونطق تعالى : { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إذا كان ما وعدنا به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم لواقعًا. ونطق تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ* وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ القصص : 52 - 54]. ونطق تعالى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [ آل عمران : 20 ] ولهذا نطق تعالى : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ كما نطق تعالى : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [ هود : 17 ]. وفي السليم : "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي ، إلا ولج النار" (1).

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)

قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة ، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي

__________

سليم مسلم برقم (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/404)

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)

الأمي الذي يجدون صفته في خطهم ونعتَه ومسماه وأمره وأمته. يحذرهم (1) من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم حتى يذكروا نعمة الله عليهم ، من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عَمِّهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسدُ على مخالفته وتكذيبه ، والحيدة عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)

يقول تعالى مُنَبِّهًا على شرف إبراهيم خليله ، عليه السلام (2) وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد ، حتى (3) قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي ؛ ولهذا نطق : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ أي : واذكر - يا محمد - لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملَّة إبراهيم وليسوا عليها ، وإنما الذي هوعليها مستقيم فأنت والذين (4) معك من المؤمنين ، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم ، أي : اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي { فَأَتَمَّهُنَّ أي : قام (5) بهن كلهن ، كما نطق تعالى : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [ النجم : 37 ] ، أي : وفى جميع ما شرع له ، فعمل به صلوات الله عليه ، ونطق تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ النحل : 120 - 123 ] ، ونطق تعالى : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ الأنعام : 161 ] ، ونطق تعالى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ آل عمران : 67 ، 68 ]

وقوله تعالى : { بِكَلِمَاتٍ أي : بشرائع وأوامر ونواه ، فإن الحدثات تطلق ، ويراد بها الحدثات القدرية ، كقوله تعالى عن مريم ، عليها السلام ، : { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [ التحريم : 12 ]. وتطلق ويراد بها الشرعية ، كقوله تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] (6) [ الأنعام : 115 ] أي : حدثاته الشرعية. وهي إما خبر صدق ، وإما طلب عدل إذا كان أمرًا أونهيًا ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ أي : قام بهن. نطق : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا أي : جزاء على ما فَعَل ، كما قام بالأوامر وتَرَكَ الزواجر ، جعله الله للناس قدوة وإمامًا يقتدى به ، ويحتذى حذوه.

__________

في جـ ، ط ، أ ، و : "فحذرهم".

في جـ : "عليه الصلاة والسلام".

في أ ، و : "حين".

في جـ : "فأنت والذي".

في جـ : "أي أقام".

زيادة من ط.

(1/405)

وقد اختلف [الفهماء] (1) في تفسير (2) الحدثات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل ، عليه السلام. فروي عن ابن عباس في ذلك روايات :

فنطق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، نطق ابن عباس : ابتلاه الله بالمناسك. وكذا رواه أبوإسحاق السَّبِيعي ، عن التميمي ، عن ابن عباس.

ونطق عبد الرزاق - أيضًا - : أبلغنا معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ نطق : ابتلاه الله بالطهارة : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ؛ في الرأس : قَص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفَرْق الرأس. وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونَتْف الإبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء (3).

نطق ابن أبي حاتم : ورُوِي عن سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والشعبي ، والنَّخَعي ، وأبي صالح ، وأبي الجلد ، نحوذلك.

قلت : وقريب من هذا ما ثبت في سليم مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، نطقت : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عَشْرٌ من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البرَاجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء" [نطق مصعب] (4) ونسيت العاشرة إلا حتى تكون المضمضة.

نطق وَكِيع : انتقاص الماء ، يعني : الاستناتى (5).

وفي السليم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نطق : "الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط". ولفظه لمسلم (6).

ونطق ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة ، أبلغنا ابن وهب ، أبلغني ابن لهيعة ، عن ابن هُبيرة ، عن حَنَش (7) بن عبد الله الصنعاني ، عن ابن عباس : أنه كان يقول في هذه الآية : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ نطق : عَشْرٌ ، ست في الإنسان ، وأربع في المشاعر. فأما التي في الإنسان : حلق العانة ، ونتف الإبط ، والختان. وكان ابن هبيرة يقول : هؤلاء الثلاثة واحدة. وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، والسواك ، وغسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر : الطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإفاضة.

ونطق داود بن أبي هند ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس أنه نطق : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به

__________

زيادة من أ.

في و : "تعيين".

تفسير عبد الرزاق (1/76).

زيادة من جـ ، ط.

سليم مسلم برقم (261).

سليم البخاري برقم (5889) وسليم مسلم برقم (257).

في جـ ، ط : "حنيش" ، وفي أ : "حسين".

(1/406)

كله إلا إبراهيم ، نطق الله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قلت له : وما الحدثاتُ التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن ،يا ترى؟ نطق : الإسلام ثلاثون سهمًا ، منها عشر آيات في براءة : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [الْحَامِدُونَ ] (1) [ التوبة : 112 ] إلى آخر الآية (2) وعشر آيات في أول سورة { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ و{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ وعشر آيات في الأحزاب : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [ الآية : 35 ] إلى آخر الآية ، فأتمهن كلهن ، فخطت له براءة. نطق الله : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [ النجم : 37 ].

هكذا رواه الحاكم ، وأبوجعفر بن جرير ، وأبومحمد بن أبي حاتم ، بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند ، به (3). وهذا لفظ ابن أبي حاتم.

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أوعكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : الحدثات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه - في الله - حين أمر بمفارقتهم. ومحاجَّته نمروذ (4) - في الله - حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه. وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه - في الله - على هول ذلك من أمرهم. والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده - في الله - حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه ، فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء (5) نطق الله له : { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ على ما كان من خلاف الناس وفراقهم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبوسعيد الأشج ، حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن أبي راتى ، عن الحسن - يعني البصري - : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [فَأَتَمَّهُنَّ] (6) نطق : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه.

ونطق ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زُرَيع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، نطق : كان الحسن يقول : أي والله ، ابتلاه بأمر فصبر عليه : ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر ، فأحسن في ذلك ، وعهد حتى ربه (7) دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما كان من المشركين. ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرًا إلى الله ، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك. وابتلاه الله بذبح ابنه (8) والختان فصبر على ذلك.

ونطق عبد الرزاق : أبلغنا مَعْمَر ، عمن سمع الحسن يقول في قوله : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [فَأَتَمَّهُنَّ] (9)

__________

زيادة من جـ.

في و : "إلى آخر الآيات".

تفسير الطبري (3/8) وتفسير ابن أبي حاتم (1/360).

في جـ : "ومحاجته بنمروذ".

في جـ : "ذلك من البلاء كله وأخلصه للبلاء".

زيادة من أ.

في جـ : "أن الله ربه".

في ط : "بذبح ولده".

زيادة من جـ.

(1/407)

نطق : ابتلاه الله بذبح ولده ، وبالنار ، والكوكب (1) والشمس ، والقمر.

ونطق أبوجعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا سَلْم بن قتيبة ، حدثنا أبوهلال ، عن الحسن { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ نطق : ابتلاه بالكوكب ، والشمس ، والقمر ، فوجده صابرًا.

ونطق العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ فمنهن : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (2) ومنهن : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ومنهن : الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنوالبيت ، ومحمد بعث في دينهما.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ نطق الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو،يا ترى؟ نطق : تجعلني للناس إمامًا. نطق : نعم. نطق : ومن ذريتي ،يا ترى؟ { قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : تجعل البيت مثابة للناس ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطق : وأمنًا. نطق : نعم. نطق : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطق : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله ،يا ترى؟ نطق : نعم.

نطق ابن أبي نَجِيح : سمعته من عكرمة ، فعرضته على مجاهد ، فلم ينكره.

إلى غير ذلك رواه ابن جرير من غير وجه ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد.

ونطق سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ نطق : ابتلي بالآيات التي بعدها : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [فَأَتَمَّهُنَّ] (3) نطق : الحدثات : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا وقوله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وقوله { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ الآية ، وقوله : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ الآية ، نطق : فذلك كله من الحدثات التي ابتلي بهن إبراهيم.

نطق السدي : الحدثات التي ابتلى بهن إبراهيم رَبُّه : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ، { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ [يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ] (4) .

__________

في أ ، و : "والكواكب".

في جـ ، ط : "نطق إني".

زيادة من أ.

زيادة من أ.

(1/408)

[ونطق القرطبي : وفي الموطأ وغيره ، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم ، عليه السلام ، أول من اختتن وأول من ضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قَلَّم أظفاره ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب فلما رأى الشيب ، نطق : ما هذا ،يا ترى؟ نطق : وقار ، نطق : يا رب ، زدني وقارًا. وذكر ابن أبي شيبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، نطق : أول من خطب على المنابر إبراهيم ، عليه السلام ، نطق غيره : وأول من برَّد البريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل ، وروي عن معاذ بن جبل نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم" قلت : هذا حديث لا يثبت ، والله أفهم. ثم شرع القرطبي يتحدث على ما يتعلق بهذه الأمور من الأحكام الشرعية] (1).

نطق أبوجعفر بن جرير ما حاصله : أنه يجوز حتىقد يكون المراد بالحدثات جميعُ ما ذكر ، وجائز حتىقد يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزمُ بشيء منها أنه المرادُ على التعيين إلا بحديث أوإجماع. نطق : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له.

نطق : غَيْرَ أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران ، أحدهما ما حدثنا به أبوكُرَيْب ، حدثنا رشدين بن سعد ، حدثني زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، نطق : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ألا أقول لكم لم سمى الله إبراهيم خليله { الَّذِي وَفَّى [ النجم : 37 ] ،يا ترى؟ لأنه كان يقول حدثا أصبح وحدثا أمسى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [ الروم : 17 ] حتى يختم الآية" (2).

نطق : والآخر منهما : حدثنا به أبوكريب ، أبلغنا الحسن ، عن عطية ، أبلغنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أتدرون ما وفى ؟". نطقوا : الله ورسوله أفهم. نطق : "وفَّى عمل يومه ، أربع ركعات في النهار".

ورواه آدم في تفسيره ، عن حماد بن سلمة. وعبد بن حميد ، عن يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن جعفر بن الزبير ، به (3).

ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين ، وهوكما نطق ؛ فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما ، وضعفهما من وجوه عديدة ، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء ، مع ما في متن الحديث مما يشير على ضعفه [والله أفهم] (4).

ثم نطق ابن جرير : ولونطق قائل : إذا الذي نطقه مجاهد وأبوصالح والربيع بن أنس أولى

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ.

تفسير الطبري (3/15).

تفسير الطبري (3/16).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

(1/409)

بالصواب من القول الذي نطقه غيرهم كان ممضىًا ، فإن قوله : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا وقوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وسائر الآيات التي هي نظير ذلك ، كالبيان عن الحدثات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم.

قلت : والذي نطقه أولا من حتى الحدثات تضم جميع ما ذكر ، أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن نطق مثله ؛ لأن السياق يعطي غير ما نطقوه والله أفهم.

وقوله : { قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله حتى تكون الأئمةُ من بعده من ذريته ، فأجيب إلى ذلك وأبلغ أنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولاقد يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ، والدليل على أنه أجيب إلى طَلِبَتِهِ قول الله (1) تعالى في سورة العنكبوت : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [ العنكبوت : 27 ] فكل نبي أوفده الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه (2).

وأما قوله تعالى : { قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فقد اختلفوا في ذلك ، فنطق خَصِيف ، عن مجاهد في قوله : { قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : إنه سيكون في ذريتك ظالمون.

ونطق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، { قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : لاقد يكون لي إمام ظالم [يقتدى به] (3). وفي رواية : لا (4) أجعل إمامًا ظالمًا يقْتَدَى به. ونطق سفيان ، عن (5) منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى : { قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : لاقد يكون إمام ظالم يقتدى به.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي نطق : أما من كان منهم صالحًا فسأجعله إمامًا يقتدى به ، وأما من كان ظالما فلا ولا نُعْمَةَ عَيْنٍ.

ونطق سعيد بن جبير : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ المراد به المشرك ، لاقد يكون إمام ظالم. يقول : لاقد يكون إمام مشرك.

ونطق ابن جُرَيج ، عن عطاء ، نطق : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فأبى حتى يجعل من ذريته إمامًا ظالمًا. قلت لعطاء : ما عهده ،يا ترى؟ نطق : أمره.

ونطق ابن أبي حاتم : أبلغنا عمروبن ثور القيساري (6) فيما خط إلي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نطق : نطق الله لإبراهيم : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فأبى حتى يعمل ، ثم نطق : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

__________

في جـ : "قوله".

في جـ : "وسلامه عليه وعليهم أجمعين".

زيادة من ط.

في جـ : "أن لا".

في أ : "سفيان بن".

في أ : "النيسابوري".

(1/410)

ونطق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أوعكرمة ، عن ابن عباس : { قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده - ولا ينبغي [له] (1) حتى يوليه شيئا من أمره وإن كان من ذرية خليله - ومحسن ستنفذ فيه دعوته ، وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته.

ونطق العوفي ، عن ابن عباس : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : يعني لا عهدَ لظالم عليك في ظلمه ، حتى تطيعه فيه.

ونطق ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، نطق : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانتقضه (2).

وروي عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان ، نحوذلك.

ونطق الثوري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، نطق : ليس لظالم عهد.

ونطق عبد الرزاق : أبلغنا مَعْمَر ، عن قتادة ، في قوله : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : لا ينال عهدُ الله في الآخرة (3) الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وعاش.

وكذا نطق إبراهيم النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة.

ونطق الربيع بن أنس : عهد الله الذي عهد إلى عباده : دينه ، يقول : لا ينال دينه الظالمين ، ألا ترى أنه نطق : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ [ الصافات : 113 ] ، يقول : ليس جميع ذريتك يا إبراهيم على الحق.

وكذا روي عن أبي العالية ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان.

ونطق جويبر ، عن الضحاك : لا ينال طاعتي عدولي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليًّا لي يطيعني.

ونطق الحافظ أبوبكر بن مَرْدويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الأسدي ، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني ، حدثنا وَكِيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نطق : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ نطق : "لا طاعة إلا في المعروف" (4).

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ ، ط ، أ ، و : "فأنقضه".

في ط : "لا ينال عهد الله ظالم في الآخرة".

نطق البخاري في سليمه برقم (7257) : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن زيد ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - حتى النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا ، فأوقد نارا ونطق : ادخلوها ، فأرادوا حتى يدخلوها ، ونطق آخرون : إنما فررنا منها ، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنطق للذين أرادوا حتى يدخلوها : "لودخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة". ونطق للآخرين : "لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف". فهذا هوأصل هذا الحديث من دون ذكر الآية ، والله أفهم.

(1/411)

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

ونطق السدي : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ يقول : عهدي نبوتي.

فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، رحمهما الله تعالى. واختار ابن جرير حتى هذه الآية - وإن كانت ظاهرة في الخبر - أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما. ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أنه سيوجد من ذريتك من هوظالم لنفسه ، كما تقدم عن مجاهد وغيره ، والله أفهم.

{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125)

نطق العوفي ، عن ابن عباس : قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ يقول : لا يقضون منه وطرًا ، يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه.

ونطق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مَثَابَةً لِلنَّاسِ يقول : يثوبون.

رواهما (1) ابن جرير.

ونطق ابن أبي حاتم : أبلغنا أبي ، أبلغنا عبد الله بن راتى ، أبلغنا إسرائيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ نطق : يثوبون إليه ثم يرجعون. نطق : وروي عن أبي العالية ، وسعيد بن جبير - في رواية - وعطاء ، ومجاهد ، والحسن ، وعطية ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، نحوذلك. ونطق ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن أبي عمير ، حدثني الوليد بن مسلم نطق : نطق أبوعمرو- يعني الأوزاعي - حدثني عبدة بن أبي لبابة ، في قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ نطق : لا ينصرف عنه منصرف وهويرى أنه قد قضى منه وطرًا.

وحدثني يونس ، عن ابن وهب ، نطق : نطق ابن زيد : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ نطق : يثوبون إليه من البُلْدان كلها ويأتونه.

[وما أحسن ما نطق الشاعر في هذا المعنى ، أورده القرطبي (2) :

جعل البيتُ مثابًا لهم... ليس منه الدهر يقضون الوَطَرْ] (3)

ونطق سعيد بن جبير - في الرواية الأخرى - وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء الخراساني { مَثَابَةً لِلنَّاسِ أي : مجمعا.

{ وَأَمْنًا نطق الضحاك عن ابن عباس : أي أمنًا للناس.

__________

في جـ ، ط : "رواه".

تفسير القرطبي (2/110).

زيادة من جـ ، ط ، أ.

(1/412)

ونطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا يقول : أمنًا من العدو، وأن يُحْمَل فيه السلاح ، وقد كانوا في الجاهلية يُتَخَطَّف الناس من حولهم ، وهم آمنون لا يُسْبَون.

وروي عن مجاهد ، وعطاء ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نطقوا : من دخله كان آمنًا.

ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية : حتى الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا من كونه مثابة للناس ، أي : جعله مَحَلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ، ولا تقضي منه وطرًا ، ولوترددَت إليه كلَّ عام ، استجابة من الله تعالى لنادىء خليله إبراهيم ، عليه السلام ، في قوله : { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ إلى حتى نطق : { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (1) [ إبراهيم : 37 - 40 ] ويصفه تعالى بأنه جعله أمنًا ، من دخله أمن ، ولوكان قد عمل ما عمل ثم دخله كان آمنًا.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يَعْرض له ، كما وصفها في سورة المائدة بقوله تعالى (2) { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ [ المائدة : 97 ] أي : يُرْفَع عنهم بسبب تعظيمها (3) السوءُ ، كما نطق ابن عباس : لولم يحج الناسُ هذا البيت لأطبق الله السماءَ على الأرض ، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا وهوخليل الرحمن ، كما نطق تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا [ الحج : 26 ] ونطق تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [ آل عمران : 96 ، 97 ].

وفي هذه الآية الكريمة نَبَّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده. فنطق : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما ،يا ترى؟ فنطق ابن أبي حاتم : أبلغنا عمر بن شَبَّة النميري ، حدثنا أبوخلف - يعني عبد الله بن عيسى - حدثنا داود بن أبي هند ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى نطق : مقام إبراهيم : الحرم كله. وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك.

ونطق [أيضا] (4) حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، نطق : سألت عطاء عن { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فنطق : سمعت ابن عباس نطق : أما مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا ، فمقام إبراهيم هذا الذي (5) في المسجد ، ثم نطق : و{ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ يعد كثير ، " مقام إبراهيم " الحج كله. ثم فسره لي عطاء فنطق : التعريف ، وصلاتان بعهدة ، والمشعر ، ومنى ، ورمي الجمار ، والطواف بين الصفا والمروة. فقلت : أفسره ابن عباس ،يا ترى؟ نطق : لا ولكن نطق : مقام إبراهيم : الحج كله. قلت : أسمعت ذلك ،يا ترى؟ لهذا أجمع. نطق : نعم ، سمعته منه.

__________

في جـ ، ط : "نادىئي".

في جـ : "بقوله تبارك وتعالى".

في جـ : "لسبب تعظيمهم".

زيادة من و.

في جـ : "الذي هو".

(1/413)

ونطق سفيان الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى نطق : الحَجر مقام إبراهيم نبي الله ، قد جعله الله رحمة ، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. ولوغَسل رأسَه كما يقولون لاختلف رجلاه.

[ونطق السدي : المقام : الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه. حكاه القرطبي ، وضعفه ورجحه غيره ، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس] (1).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن ابن جُرَيج ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، سمع جابرًا يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم نطق : لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم نطق له عمر : هذا مقام أبينا إبراهيم ،يا ترى؟ نطق : نعم ، نطق : أفلا نتخذه مصلى ،يا ترى؟ فأنزل الله ، عز وجل : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (2).

ونطق عثمان بن أبي شيبة : أبلغنا أبوأسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة نطق : نطق عمر : قلت : يا رسول الله ، هذا مقام خليل ربنا ،يا ترى؟ نطق : نعم ، نطق : أفلا نتخذه مصلى ،يا ترى؟ فنزلت : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (3).

ونطق ابن مَرْدويه : حدثنا دَعْلَج بن أحمد ، حدثنا غيلان بن عبد الصمد ، حدثنا مسروق بن المرزبان ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق عن عمروبن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مَرَّ بمقام إبراهيم فنطق : يا رسول الله ، أليس نقوم مقام خليل ربنا (4) ،يا ترى؟ نطق : "بلى". نطق : أفلا نتخذه مصلى ،يا ترى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى

ونطق ابن مردويه : حدثنا محمد (5) بن أحمد بن محمد القزويني ، حدثنا علي بن الحسين الجنيد ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد ، عن مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر ، نطق : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم ، نطق له عمر : يا رسول الله ، هذا مقام إبراهيم الذي نطق الله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ،يا ترى؟ نطق : "نعم". نطق الوليد : قلت لمالك : هكذا حدثك { وَاتَّخِذُوا نطق : نعم. هكذا سقط في هذه الرواية. وهوغريب.

وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه (6).

ونطق البخاري : باب قوله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى مثابة يثوبون يرجعون.

__________

زيادة من جـ ، ط ، أ.

تفسير ابن أبي حاتم (1/370).

ورواه الدارقطني في "الأفراد" كما في "أطراف الغرائب والأفراد" لابن القيسراني (ق31) ونطق : "غريب من حديث أبي إسحاق عن أبي ميسرة - عمروبن شرحبيل - عن عمر ، تفرد به زكريا بن أبي زائدة عنه".

في جـ : "خليل الله".

في جـ ، و : "علي"

سنن النسائي (5/236).

(1/414)

حدثنا مُسدَّد ، حدثنا يحيى ، عن حميد ، عن أنس بن مالك. نطق : نطق عمر بن الخطاب وافقتُ ربي في ثلاث ، أووافقني ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لواتخذت من مقام إبراهيم مصلى ،يا ترى؟ فنزلت : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلوأمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ،يا ترى؟ فأنزل الله آية الحجاب. ونطق : وبلغني مُعَاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ، فدخلت عليهن (1) فقلت : إذا انتهيتن أوليبدلَن الله رسوله خيرًا منكن ، حتى أتيت إحدى نسائه ، فنطقت : يا عمر ، أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تَعظهن أنت ؟! فأنزل الله : { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ الآية [ التحريم :خمسة ].

ونطق ابن أبي مريم : أبلغنا يحيى بن أيوب ، حدثني حميد ، نطق : سمعت أنسًا عن عمر ، رضي الله عنهما (2).

هكذا ساقه البخاري هاهنا ، وعلق الطريق الثانية عن شيخه سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري. وقد تفرد بالرواية عنه البخاري من بين أصحاب الخط الستة. وروى عنه الباقون بواسطة ، وغرضه من تعليق هذا الطريق ليبين (3) فيه اتصال إسناد الحديث ، وإنما لم يسنده ؛ لأن يحيى بن أبي أيوب الغافقي فيه شيء ، كما نطق الإمام أحمد فيه : هوسيئ الحفظ ، والله أفهم.

ونطق الإمام أحمد : حدثنا هُشَيم ، حدثنا حُمَيد ، عن أنس ، نطق : نطق عمر رضي الله عنه (4) وافقت ربي عز وجل في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لواتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ،يا ترى؟ فنزلت : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقلت : يا رسول الله ، إذا نساءكَ يدخلُ عليهن البر والفاجر ، فلوأمرتهن حتى يحتجبن ،يا ترى؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن : { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ [ التحريم :خمسة ] فنزلت كذلك (5) ثم رواه أحمد ، عن يحيى وابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس ، عن عمر أنه نطق : وافقت ربي في ثلاث ، أووافقني ربي في ثلاث فذكره (6).

وقد رواه البخاري عن عَمْروبن عَوْن والترمذي عن أحمد بن منيع ، والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وابن ماجه عن محمد بن الصباح ، كلهم عن هُشَيم بن بشير ، به (7). ورواه الترمذي - أيضًا - عن عبد بن حُميد ، عن حجاج بن مِنهال ، عن حماد بن سلمة ، والنسائي عن هناد ، عن

__________

في جـ : "عليهن بالحجاب".

سليم البخاري برقم (4483).

في جـ : "ليتبين".

في جـ : رضي الله عنهما".

المسند (1/23).

رواية يحيى في المسند (1/36) ورواية ابن أبي عدي (1/24).

سليم البخاري برقم (4916) وسنن الترمذي برقم (2960) وسنن النسائي الكبرى برقم (11611) وسنن ابن ماجة برقم (1009).

(1/415)

يحيى بن أبي زائدة ، كلاهما عن حميد ، وهوابن تيرويه الطويل ، به (1). ونطق الترمذي : حسن سليم. ورواه الإمام علي بن المديني عن يزيد بن زُرَيع ، عن حميد به. ونطق : هذا من سليم الحديث ، وهوبصري ، ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في سليمه بسند آخر ، ولفظ آخر ، فنطق : حدثنا عقبة بن مُكْرَم ، أبلغنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، نطق : وافقت ربي في ثلاث : في الحجاب ، وفي أسارى بدر ، وفي مقام إبراهيم (2).

ونطق أبوحاتم الرازي : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك نطق : نطق عمر بن الخطاب : وافقني ربي في ثلاث - أووافقت ربي - قلت (3) يا رسول الله ، لواتخذت من مقام إبراهيم مصلى ،يا ترى؟ فنزلت : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقلت : يا رسول الله لوحجبت النساء ،يا ترى؟ فنزلت آية الحجاب. والثالثة : لما توفي عبد الله بن أبي اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه. قلت : يا رسول الله ، تصلي على هذا الكافر المنافق! فنطق : "إيهًا عنك يا بن الخطاب" ، فنزلت : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [ التوبة : 84 ] (4).

وهذا إسناد سليم أيضًا ، ولا تعارض بين هذا ولا هذا ، بل الكل سليم ، ومفهوم العدد إذا عارضه منطوق قُدم عليه ، والله أفهم.

ونطق ابن جريج (5) أبلغني جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ، وسار أربعًا ، حتى إذا فرغ عَمَد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى

ونطق ابن جرير : حدثنا يوسف بن سلمان (6) حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر نطق : استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن ، فرمل ثلاثًا ، وسار أربعًا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم ، فقرأ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فجعل المقام بينه وبين البيت ، فصلى ركعتين.

وهذا بترة من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في سليمه ، من حديث حاتم بن إسماعيل (7).

وروى البخاري بسنده ، عن عمروبن دينار ، نطق : سمعت ابن عمر يقول : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين (8).

فهذا كله مما يشير على حتى المراد بالمقام إنما هوالحَجَرُ الذي كان إبراهيم عليه السلام ، يقوم عليه

__________

سنن الترمذي برقم (2959) وسنن النسائي الكبرى برقم (10998).

سليم مسلم برقم (2399).

في ط : "فقلت".

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/88) من طريق أبي حاتم الرازي به.

في جـ : "ابن جرير".

في جـ ، ط : "سليمان".

تفسير الطبري (3/36) وسليم مسلم برقم (1218).

سليم البخاري برقم (395 ، 1793).

(1/416)

لبناء الكعبة ، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل ، عليه السلام ، به ليقومَ فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لحمل الجدار ، كلَّما كَمَّل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى ، يطوف حول الكعبة ، وهوواقف عليه ، حدثا فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها هكذا ، حتى تم جدارات الكعبة ، كما سيأتي بيانه في سيرة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت ، من رواية ابن عباس عند البخاري. وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه ، ولم يزل هذا معروفًا تعهده العرب في جاهليتها ؛ ولهذا نطق أبوطالب في قصيدته المعروفة اللامية :

ومَوطئُ إبراهيم في الصخر رطبة... على قدميه حافيًا غير ناعل (1)

وقد استوعب المسلمون ذلك فيه أيضا. ونطق (2) عبد الله بن وهب : أبلغني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب : حتى أنس بن مالك حدثهم ، نطق : رأيت المقام فيه أثر أصابعه عليه السلام ، وإخْمَص قدميه ، غير أنه أمضىه مسح الناس بأيديهم.

ونطق ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زُرَيع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى إنما أمروا حتى يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها ، ولقد ذُكِرَ لنا من رأى أثر عَقِبِه وأصابعه فيه (3) فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.

قلت : وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا ، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك ، وكان الخليل ، عليه السلام (4) لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أوأنه انتهى عنده البناء فهجره هناك ؛ ولهذا - والله أفهم - أمر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف ، وناسب حتىقد يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه ، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه (5) [وهو] (6) أحدُ الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين ، الذين أُمِرْنا باتباعهم ، وهوأحد الرجلين اللذين نطق فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقتدوا باللَّذَين من بعدي أبي بكر وعمر". وهوالذي هبط القرآن بوفاقه في الصلاة عنده ؛ ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين.

نطق عبد الرزاق ، عن ابن جُرَيج ، حدثني عطاء وغيره من أصحابنا : نطقوا : أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه (7) ونطق عبد الرزاق أيضًا عن معمر عن حَمِيد الأعرج ، عن مجاهد نطق : أول من أخر المقام إلى موضعه الآن ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه (8).

__________

البيت في السيرة النبوية لابن هشام (1/273).

في جـ ، ط : "كما نطق".

في جـ ، ط : "فيها".

في جـ : "عليه الصلاة والسلام".

في جـ : "رضي الله تعالى عنه".

زيادة من جـ.

المصنف لعبد الرزاق برقم (8955).

المصنف لعبد الرزاق برقم (8953).

(1/417)

ونطق الحافظ أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (1) أبلغنا أبو[الحسين بن] (2) الفضل القطان ، أبلغنا القاضي أبوبكر أحمد بن تام ، حدثنا أبوإسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي ، حدثنا أبوثابت ، حدثنا الدراوردي ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : حتى المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا إسناد سليم مع ما تقدم.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العَدَني نطق : نطق سفيان - [يعني ابن عيينة] (3) وهوإمام المكيين في زمانه - كان المقام في (4) سُقْع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى نطق : مضى السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا ، فرده عمر إليه.

ونطق سفيان : لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. نطق سفيان : لا أدري أكان (5) لاصقًا بها أم لا ،يا ترى؟ (6).

فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه ، والله أفهم.

وقد نطق الحافظ أبوبكر بن مَرْدُويه : حدثنا أبوعَمْرو، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، نطق : نطق عمر : يا رسول الله لوصلينا خلف المقام ،يا ترى؟ فأنزل الله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا. نطق مجاهد : قد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن (7).

هذا مرسل عن مجاهد ، وهومخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق ، عن معمر ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد حتى أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا أصح من طريق ابن مَرْدُويه ، مع اعتضاد هذا بما تقدم ، والله أفهم (8).

{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِين وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

__________

في أ ، و : "علي بن الحسين".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في هـ : "من" وهوخطأ.

في جـ : "إن كان".

تفسير ابن أبي حاتم (1/372).

نطق الحافظ ابن حجر في الفتح (8/169) : "إسناده ضعيف".

وقد ألف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - رسالتين فيما يتعلق بالمقام : الأولى : في جواز نقل المقام سماها : "الجواب المستقيم في جواز نقل مقام إبراهيم" مطبوعة ضمن فتاواه (5/17 - 55). والثانية : في الرد على الشيخ سليمان بن حمدان في اعتراضه على رسالة الشيخ عبد الرحمن المفهمي في جواز نقل المقام سماها : "نصيحة الإخوان ببيان بعض ما في نقض المباني لابن حمدان من الخبط والجهل والبهتان" مطبوعة ضمن فتاواه (5/56 - 132) وهما رسالتان قيمتان حشد فيهما - رحمه الله - جواز نقل المقام ، واستشهد بكلام الحافظ ابن كثير هنا وكلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، وهما تدلان على تبحره وسعة فهمه - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

(1/418)

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

(1/418)

نطق الحسن البصري : قوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ نطق : أمرهما الله حتى يطهراه من الأذى والنَّجَس ولا يصيبه من ذلك شيء.

ونطق ابن جريج : قلت لعطاء : ما عهده ،يا ترى؟ نطق : أمره.

ونطق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أي : أمرناه. كذا نطق. والظاهر حتى هذا الحرف إنما عُدِّيَ بإلى ، لأنه في معنى تقدمنا وأوحينا.

ونطق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ نطق : من الأوثان.

ونطق مجاهد وسعيد بن جُبَير : { طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ إذا ذلك من الأوثان والرفث وقول الزور والرجس.

نطق ابن أبي حاتم : ورُوي عن عُبَيد بن عمير ، وأبي العالية ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء وقتادة : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ أي : بلا إله إلا الله ، من الشرك.

وأما قوله تعالى : { لِلطَّائِفِينَ فالطواف بالبيت معروف. وعن سعيد بن جبير أنه نطق في قوله تعالى : { لِلطَّائِفِينَ يعني : من أتاه من غُرْبة ، { وَالْعَاكِفِينَ المقيمين فيه. إلى غير ذلك روي عن قتادة ، والربيع بن أنس : أنهما فسرا العاكفين بأهله المقيمين فيه ، كما نطق سعيد بن جبير.

ونطق يحيى [بن] (1) القطَّان ، عن عبد الملك - هوابن أبي سليمان - عن عطاء في قوله : { وَالْعَاكِفِينَ نطق : من انتابه (2) من الأمصار فأقام عنده (3) ونطق لنا - ونحن مجاورون - : أنتم من العاكفين.

ونطق وكيع ، عن أبي بكر الهذلي عن عطاء عن ابن عباس نطق : إذا كان جالسًا فهومن العاكفين.

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت نطق : قلنا لعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مُكَلِّم الأمير حتى أمنع الذين ينامون في

__________

زيادة من أ.

في جـ ، أ : "من أتى".

في أ : "فأقام عندنا".

(1/419)

المسجد الحرام فإنهم يجنبون (1) ويُحدثون. نطق : لا تعمل ، فإن ابن عمر سئل عنهم ، فنطق : هم العاكفون.

[ورواه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة ، به] (2).

قلت : وقد ثبت في السليم أنّ ابن عمرَ كان ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهوعَزَب (3).

وأما قوله تعالى : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ فنطق وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء ، عن ابن عباس { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ نطق : إذا كان مصليًا فهومن الركع السجود. وكذا نطق عطاء وقتادة.

ونطق ابن جَرير رحمه الله : فمعنى الآية : وأمَرْنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين. والتطهير الذي أمرهما به في البيت هوتطهيرُه من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك. ثم أورد سؤالا فنطق : فإن قيل : فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه ،يا ترى؟ وأجاب بوجهين : أحدهما : أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زَمَان قوم نوح من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سُنَّة لمن بعدهما إذ كان الله تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما نطق عبد الرحمن بن زيد : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ نطق : من الأصنام التي يعبدون ، التي كان المشركون يعظمونها.

قلت : وهذا الجواب مُفَرَّع على أنه كان يُعْبَدُ عنده أصنام قبل إبراهيم عليه السلام ، ويحتاج إثبات هذا إلى مرشد عن المعصوم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

الجواب الثاني : أنه أمرهما حتى يخلصا [في] (4) بنائه لله وحده لا شريك له ، فيبنياه مطهرًا من الشرك والرَّيْب ، كما نطق جل ثناؤه : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ [ التوبة : 109 ] نطق : فكذلك قوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ أي : ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب ، كما نطق السدي : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ابنيا بيتي للطائفين.

وملخص هذا الجواب : حتى الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، حتى يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطائفين به والعاكفين عنده ، والمصلين إليه من الركع السجود ، كما نطق تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ الآيات [ الحج : 26 - 37 ].

[وقد اختلف الفقهاء : أيما أفضل ، الصلاة عند البيت أوالطواف ،يا ترى؟ فنطق مالك : الطواف به لأهل الأمصار أفضل من الصلاة عنده ، ونطق الجمهور : الصلاة أفضل مطلقا ، وتوجيه جميع منهما يذكر في كتاب الأحكام] (5).

__________

في جـ : "فإنهم يخبثون".

زيادة من و.

سليم البخاري برقم (440).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

زيادة من أ.

(1/320)

والمراد من ذلك الرد على المشركين الذين كانوا يشركون بالله عند بيته ، المؤسس على عبادته وحده لا شريك له ، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه ، كما نطق تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [ الحج : 25 ].

ثم ذكر حتى البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له ، إما بطواف أوصلاة ، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة : قيامها ، وركوعها ، وسجودها ، ولم يذكر العاكفين لأنه تقدم { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين ، واجتزأ بذكر الركوع والسجود عن القيام ؛ لأنه قد فهم أنه لاقد يكون ركوع ولا سجود إلا بعد قيام. وفي ذلك - أيضًا - رَدّ على من لا يحجه من أهل الكتابين : اليهود والنصارى ؛ لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته ، ويفهمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصلاة عنده وهم لا يعملون شيئًا من ذلك ، فكيفقد يكونون (1) مقتدين بالخليل ، وهم لا يعملون ما شرع الله له ،يا ترى؟ وقد حَجَّ البيتَ موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم السلام ، كما أبلغ بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى { إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [ النجم : أربعة ].

وتقدير الكلام إذًا : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ [أي : تقدمنا لوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل] (2) { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي : طهراه من الشرك والريب وابنياه خالصًا لله ، معقلا للطائفين والعاكفين والركع السجود. وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية ، ومن قوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [ النور : 36 ] ومن السنة من أحاديث كثيرة ، من الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك ، من صيانتها من الأذى والنجاسات (3) وما أشبه ذلك. ولهذا نطق عليه السلام : "إنما بنيت المساجد لما بنيت له" (4). وقد جَمَعْتُ في ذلك جزءًا على حدة ولله الحمد والمنة.

وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة ، فقيل : الملائكة قبل آدم ، وروي هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين ، ذكره القرطبي وحكى لفظه ، وفيه غرابة ، وقيل : آدم عليه السلام رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم : حتى آدم بناه من خمسة أجبل : من حراء وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجودي ، وهذا غريب أيضًا. وروي نحوه عن ابن عباس وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبه : حتى أول من بناه شيث ، عليه السلام ، وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من خط أهل الكتاب ، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها ، وأما إذا صح حديث في ذلك عملى الرأس والعين.

__________

في جـ : "فكيفقد يكون".

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "والنجاسة".

رواه مسلم في سليمه برقم (569) من حديث بريدة رضي الله عنه.

(1/421)

وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ

نطق الإمام أبوجعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار نطق : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن إبراهيم حَرَّم بيت الله وأمَّنَه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يُصَادُ صيدها ولا يبتر عضاهها" (1).

إلى غير ذلك رواه النسائي ، عن محمد بن بشار عن بُنْدَار به (2).

وأخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعَمْروالناقد ، كلاهما عن أبي أحمد الزبيري ، عن سفيان الثوري (3).

ونطق ابن جرير - أيضًا - : حدثنا أبوكُرَيْب وأبوالسائب نطقا حدثنا ابن إدريس ، وحدثنا أبوكريب ، حدثنا عبد الرحيم الرازي ، نطقا جميعًا : سمعنا أشعث عن نافع عن أبي هريرة ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبدُ الله ورسوله وإن إبراهيم حَرَّم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، عضاهَها وصيدَها ، لا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يبتر منها شجرة إلا لعلف بعير" (4).

وهذه الطريق غريبة ، ليست في شيء من الخط الستة ، وأصل الحديث في سليم مسلم من وجه آخر ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، نطق : كان الناس إذا رأوا أول الثمر ، جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مُدِّنا ، اللهم إذا إبراهيمَ عبدُك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك وإنه نادىك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما نادىك لمكة ومثله معه" ثم يدعوأصْغَرَ وليد له ، فيعطيه ذلك الثمر. وفي لفظ : "بركة مع بركة" ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان. لفظ مسلم (5).

ثم نطق ابن جرير : حدثنا أبوكُريب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عبد الله بن عمروبن عثمان ، عن رافع بن خَديج ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن إبراهيم حرم مكة ، وإني أحرم ما بين لابتيها".

انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه عن قتيبة ، عن بكر بن مضر ، به (6). ولفظه كلفظه سواء. وفي

__________

تفسير الطبري (3/48) واللابتان : هما الحرتان بجانبي المدينة ، والعضاة : جميع شجر عظيم له شوك ، وقيل : العظيم من الشجر مطلقا.

سنن النسائي الكبرى برقم (4284).

سليم مسلم برقم (1362).

تفسير الطبري (3/48).

سليم مسلم برقم (1373).

تفسير الطبري (3/49).

(1/422)

السليمين عن أنس بن مالك ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : "التمس لي غلامًا من غلمانكم يخدمني" فخرج بي أبوطلحة يردفني وراءه ، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا نزل. ونطق في الحديث : ثم أقْبَلَ حتى إذا بدا له أُحد نطق : "هذا جبل يُحبُّنا ونحبه". فلما أشرف على المدينة نطق : "اللهم إني أحرم ما بين جبليها ، مثلما حرم به إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مُدِّهم وصاعهم". وفي لفظ لهما : "اللهم بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم ، وبارك لهم في مدهم". زاد البخاري : يعني : أهل المدينة (1).

ولهما أيضا عن أنس : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلته بمكة من البركة" (2) وعن عبد الله بن زيد بن عاصم ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا إبراهيم حرم مكة ونادى لها ، وحَرَّمتُ (3) المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، ودعوت (4) لها في مدها وصاعها (5) مثل ما نادى إبراهيم لمكة"

رواه البخاري وهذا لفظه (6) ، ومسلم ولفظه : حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق : "إن إبراهيم حرم مكة ونادى لأهلها. وإني حرَّمتُ المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت لها في صاعها ومدها بمثل ما نادى إبراهيم لأهل مكة" (7).

وعن أبي سعيد ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نطق : "اللهم إنَّ إبراهيم حَرَّم مكة فجعلها حرامًا ، وإني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها ، لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف. اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، اللهم بارك لنا في مُدِّنا ، اللهم اجعل مع البركة بركتين". الحديث رواه مسلم (8).

والأحاديث في تحريم المدينة كثيرة ، وإنما أوردنا منها ما متعلق بتحريم إبراهيم ، عليه السلام ، لمكة ، لما في ذلك في مطابقة الآية الكريمة.

[وتَمسَّك بها من مضى إلى حتى تحريم مكة إنما كان على لسان إبراهيم الخليل ، وقيل : إنها محرمة منذ خلقت مع الأرض وهذا أظهر وأقوى] (9).

وقد وردت أحاديث أخَرُ تدل على حتى الله تعالى حرم مكة قبل خلق السموات والأرض ، كما

__________

سليم مسلم برقم (1361).

سليم البخاري برقم (1885) وسليم مسلم برقم (1369).

في جـ ، ط : "وإني حرمت".

في جـ ، ط : "وإني دعوت".

في جـ ، ط : "صاعها ومدها".

سليم البخاري برقم (2129).

سليم مسلم برقم (1360).

سليم مسلم برقم (1374).

زيادة من جـ ، ط ، أ.

(1/423)

اتى في السليمين ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، نطق : نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : "إن هذا البلد حَرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهوحرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. وإنه لم يحِل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهوحرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. لا يُعْضَد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا تُلْتَقَط لُقَطَتُه إلا من عرَّفها ، ولا يختلى خَلاهَا" فنطق العباس : يا رسول الله ، إلا الإذْخَر فإنه لقَينهم ولبيوتهم. فنطق : "إلا الإذخر" وهذا لفظ مسلم (1).

ولهما عن أبي هريرة نحومن ذلك (2).

ثم نطق البخاري بعد ذلك : نطق (3) أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم ، عن صفية بنت شيبة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله (4).

وهذا الذي علقه البخاري رواه الإمام أبوعبد الله بن ماجة ، عن محمد بن عبد الله بن نُمَير ، عن يونس بن بُكَيْر ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم بن يَنَّاق ، عن صفية بنت شيبة ، نطقت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح ، فنطق : "يا أيها الناس ، إذا الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حَرَام إلى يوم القيامة ، لا يُعْضَد شجرها ولا يُنَفَّر صيدُها ، ولا يأخذ لُقَطَتَها إلا مُنْشِد" فنطق العباس : إلا الإذخر ؛ فإنه للبيوت والقبور. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إلا الإذْخَر" (5).

وعن أبي شُرَيح العدوي أنَّه نطق لعَمْروبن سعيد - وهويبعث البعوث إلى مكة - : ائذن لي - أيها الأمير - حتى أحدثَك قولا قام به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الغَد من يوم الفتح ، سَمِعَته أذناي ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي حين تَكَلَّم به ، إنه حمد الله وأثنى عليه ، ثم نطق : "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر حتى يسفك بها دمًا ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد تَرَخَّصَ بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إذا الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شُرَيح : ما نطق لك عمرو،يا ترى؟ نطق : أنا أفهم بذلك منك يا أبا شريح ، إذا الحرم لا يعيذ عاصيًا ، ولا فارًّا بدم ، ولا فارًّا بخَرَبَة.

رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظه (6).

فإذا فهم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على حتى الله حَرَّم مكة يوم خلق السموات

__________

سليم البخاري برقم (1834 ، 1587 ، 3189 ، 3077) وسليم مسلم برقم (1353).

سليم البخاري برقم (112 ، 6880) وسليم مسلم برقم (1355).

في جـ ، ط : "ونطق".

سليم البخاري برقم (1349).

سنن ابن ماجة برقم (3109).

سليم البخاري برقم (1832) وسليم مسلم برقم (1354).

(1/424)

والأرض ، وبين الأحاديث الدالة على حتى إبراهيم ، عليه السلام ، حَرَّمها ؛ لأن إبراهيم بَلَّغ عن الله حُكْمه فيها وتحريمه إياها ، وأنها لم تزل بلدًا حرامًا عند الله قبل بناء إبراهيم ، عليه السلام ، لها ، كما أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عند الله خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجَدل في طينته ، ومع هذا نطق إبراهيم ، عليه السلام : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ وقد أجاب الله نادىءه بما تجاوز في فهمه وقَدَره. ولهذا اتى في الحديث أنهم نطقوا : يا رسول الله ، أبلغنا عن بَدْءِ أمرك. فنطق : "دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ابن مريم ، ورأت أمي كأنه (1) خرج منها نور أضاء ت له قصور الشام".

أي : أخْبِرْنا عن بدء ظهور أمرك. كما سيأتي قريبًا ، إذا شاء الله.

وأما مسألة تفضيل مَكَّة على المدينة ، كما هوقول الجمهور ، أوالمدينة على مكة ، كما هوممضى مالك وأتباعه ، فتذكر في موضع آخر بأدلتها ، إذا شاء الله ، وبه الثقة.

وقوله : تعالى إخبارًا عن الخليل أنه نطق : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا أي : من الخوف ، لا يَرْعَبُ أهله ، وقد عمل الله ذلك شرعًا وقدرًا. كقوله تعالى (2) { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [ آل عمران : 97 ] وقوله { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [ العنكبوت : 67 ] إلى غير ذلك من الآيات. وقد تقدمت الأحاديث في تحريم القتال فيها. وفي سليم مسلم عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يحل لأحد حتى يحمل بمكة السلاح" (3). ونطق في هذه السورة : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا أي : اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا ، وناسب هذا ؛ لأنه قبل بناء الكعبة. ونطق تعالى في سورة إبراهيم : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا [ إبراهيم : 35 ] وناسب هذا هناك لأنه ، والله أفهم ، كأنه سقط نادىء ثانًيا (4) بعد بناء البيت واستقرار أهله به ، وبعد مولد إسحاق الذي هوأصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة ؛ ولهذا نطق في آخر النادىء : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [ إبراهيم : 39 ]

وقوله تعالى : { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

نطق أبوجعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئسَ الْمَصِير نطق : هوقول الله تعالى. وهذا قول مجاهد وعكرمة وهوالذي صوبه ابن جرير ، رحمه الله تعالى : نطق : وقرأ آخرون : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فجعلوا ذلك من تمام نادىء إبراهيم ، كما رواه أبوجعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية نطق : كان ابن عباس يقول : ذلك قول إبراهيم ، يسأل ربه حتى من كفر فأمتعه قليلا.

__________

في جـ : "كأنها".

في جـ : "كما نطق الله تعالى" ، وفي طـ : "لقوله تعالى".

سليم مسلم برقم (1356).

في جـ ، طـ ، أ : "نادىء مرة ثانية".

(1/425)

ونطق أبوجعفر ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا يقول : ومن كفر فأرزقه أيضًا { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

ونطق محمد بن إسحاق : لما عزل إبراهيم ، عليه السلام ، الدعوة عمَّن أبى الله حتى يجعل له الولاية - انقطاعًا إلى الله ومحبته ، وفراقًا لمن خالف أمره ، وإن كانوا من ذريته ، حين عهد أنه كائن منهم أنه ظالم ألا يناله عهدُه ، بخبر الله له بذلك - نطق الله : ومن كفر فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا.

ونطق حاتم بن إسماعيل عن حُمَيد الخرَّاط ، عن عَمَّار الدُّهْني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ نطق ابن عباس : كان إبراهيم يحجُرها على المؤمنين دون الناس ، فأنزل الله ومن كفر أيضًا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقًا لا أرزقهم ؟! أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير. ثم قرأ ابن عباس : { كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [ الإسراء : 20 ]. رواه ابن مَرْدُويه. ورُوي عن عكرمة ومجاهد نحوذلك أيضًا. وهذا كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [ يونس : 69 ، 70 ] ، وقوله تعالى : { وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [ لقمان : 23 ، 24 ] ، وقوله : { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ* وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ الزخرف : 33 ، 35 ]

وقوله { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي : ثم ألجئه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار وبئس المصير. ومعناه : حتى الله تعالى يُنْظرُهم ويُمْهلهُم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، كقوله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ [ الحج : 48 ] ، وفي السليمين : "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ؛ إنهم يجعلون له ولدا ، وهويرزقهم ويعافيهم" (1) وفي السليم أيضًا : "إن الله ليملي (2) للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته". ثم قرأ قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [ هود : 102 ] (3).

وأما قوله تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

__________

سبق تخريج هذا الحديث قريبا.

في جـ ، طـ : "يملي".

سليم البخاري برقم (4686) وسليم مسلم برقم (2583) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(1/426)

فالقواعد : جمع قاعدة ، وهي السارية والأساس ، يقول تعالى : واذكر - يا محمد - لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، البيت ، ورفْعَهما القواعدَ منه ، وهما يقولان : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فهما في عمل صالح ، وهما يسألان الله تعالى حتى يتقبل منهما ، كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي ، عن وهيب بن الورد : أنه قرأ : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ثم يبكي ويقول : يا خليل الرحمن ، تحمل قوائم بيت الرحمن وأنت مُشْفق حتى لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين (1) في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا أي : يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات { وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [ المؤمنون : 60 ] أي : خائفة ألا يتقبل منهم. كما اتى به الحديث السليم ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه.

ونطق بعض المفسرين : الذي كان يحمل القواعد هوإبراهيم ، والداعي إسماعيل. والسليم أنهما كانا يحملان ويقولان ، كما سيأتي بيانه.

وقد روى البخاري هاهنا حديثًا سنورده ثم نُتْبِعه بآثار متعلقة بذلك. نطق البخاري ، رحمه الله :

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن أيوب السخيتاني (2) وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وَدَاعة - يزيد أحدُهما على الآخر - عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، نطق : أول ما (3) اتخذ النساء المنْطَق من قبَل أم إسماعيل ، عليهما (4) السلام اتخذت منطقًا ليعفي أثرها على سارة. ثم اتى بها إبراهيم وبابنها إسماعيل ، عليهما السلام ، وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زَمْزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسِقَاء فيه ماء ، ثم قَفَّى إبراهيم ، عليه السلام ، منطلقًا. فتبعته أم إسماعيل فنطقت : يا إبراهيم ، أين تمضى وتهجرنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ،يا ترى؟ فنطقت له ذلك مرارًا ، وجعل لا يلتفت إليها. فنطقت (5) آلله أمرك بهذا ،يا ترى؟ نطق : نعم. نطقت : إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت. فانطلق إبراهيم ، عليه السلام ، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم نادى بهؤلاء الدعوات ، وحمل يديه ، نطق : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ إبراهيم : 37 ] ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، عليهما السلام ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ماء السقاء (6) عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى -

__________

في أ ، و : "الخلص".

في أ ، و : "السختياني".

في جـ : "أول من".

في جـ : "عليه".

في أ : "فنطقت له".

في أ ، و : "نفد ما في السقاء".

(1/427)

أونطق : يتلبط - فانطلقت كراهية حتى تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقربَ جبل في الأرض يليها (1) فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا ،يا ترى؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي حملت طَرْفَ درعها ، ثم سعت سَعْيَ الإنسان الجهد حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة ، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحَدًا ،يا ترى؟ فلم تر أحدًا. فعملت ذلك سبع مرات ، نطق ابن عباس : نطق النبي صلى الله عليه وسلم : "فلذلك سعى الناس بينهما".

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فنطقت : صه ، ترغب نفسها ، ثم تَسَمَّعت فسمعَت أيضًا. فنطقت : قد أسمعت إذا كان عندك غُوَاث فإذا هي بالمَلَك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه - أونطق : بجناحه - حتى ظهر الماء ، فجعلت تُحَوِّضُهُ ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهويفور بعدما تغرف. نطق ابن عباس : نطق النبي صلى الله عليه وسلم : "يرحم الله أم إسماعيل ، لوهجرت زمزم - أونطق : لولم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينًا مَعينًا".

نطق : فشربت وأرضعت ولدها ، فنطق لها الملك : لا تخافي الضيعة ؛ فإن هاهنا بيتًا لله ، عز وجل ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله ، عز وجل ، لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهُم - أوأهل بيت من جُرْهم - مقبلين من طريق كَدَاء. فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرًا عائفًا ، فنطقوا : إذا هذا الطائر ليدور على الماء ، لعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأوفدوا جَرِيًّا أوجَرِيَّين ، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأبلغوهم بالماء ، فأقبلوا. نطق : وأم إسماعيل عند الماء. فنطقوا : أتأذنين لنا حتى ننزل عندك ،يا ترى؟ نطقت : نعم ، ولكن لا حَقَّ لكم في الماء. نطقوا : نعم.

نطق ابن عباس (2) فنطق النبي صلى الله عليه وسلم : "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس. فنزلوا ، وأوفدوا إلى أهليهم فنزلوا معهم. حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلامُ ، وتفهم العربية منهم ، وأنْفَسَهم وأعجبهم حين شب ، فلما استوعب زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل ، عليهما (3) السلام ، فاتى إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيلُ ليطالع تَرْكَتَه. فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فنطقت : خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فنطقت : نحن بشَرّ ، نحن في ضيق وشدة. وشكت إليه. نطق : فإذا اتى زوجك فاقرئي عليه السلام ، وقولي له : يغير عتبة بابه. فلما اتى إسماعيل ، عليه السلام ، كأنه أنس شيئًا. فنطق : هل اتىكم من أحد ،يا ترى؟ نطقت : نعم ، اتىنا شيخ كذا وكذا ، فسأل (4) عنك ، فأبلغته ، وسألني كيف من الممكن أن عيشنا ،يا ترى؟ فأبلغته أنا في جَهْد وشدَّة. نطق : فهل أوصاك بشيء ،يا ترى؟ نطقت : نعم ، أمرني حتى أقرأ عليك السلام ، ويقول (5) غَيِّرْ عتبة بابك. نطق : ذاك أبي. وقد أمرني حتى أفارقك ، فالحقي بأهلك. فَطَلَّقَها وتزوج منهم بأخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده. فدخل على امرأته ، فسألها عنه ، فنطقت : خرج يبتغي لنا. نطق : كيف من الممكن أن أنتم ؟

__________

في جـ : "إليها".

في ط : "عبد الله بن عباس".

في جـ ، ط : "عليها".

في جـ ، ط : "فسألنا".

في أ : "يقول لك".

(1/428)

وسألها عن عيشهم وَهَيْئَتهم. فنطقت : نحن بخير وسعة. وأثنت على الله ، عز وجل. فنطق : ما طعامكم ،يا ترى؟ نطقت : اللحم. نطق : فما شرابكم ،يا ترى؟ نطقت : الماء. نطق : اللهم بارك لهم في اللحم والماء". نطق النبي صلى الله عليه وسلم : "ولم يكن لهم يومئذ حَب ، ولوكان لهم ، لنادى لهم فيه. نطق : فهما لا يخلوعليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه". نطق : "فإذا اتى زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومُريه يُثَبِّت عتبة بابه ، فلما اتى إسماعيل ، عليه السلام ، نطق : هل أتاكم من أحد ،يا ترى؟ نطقت : نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه (1) فسألني عنك ، فأبلغته ، فسألني : كيف من الممكن أن عيشنا ،يا ترى؟ فأبلغته أنا بخير. نطق : فأوصاك بشيء ،يا ترى؟ نطقت : نعم ، هويقرأ عليك السلام ، ويأمرك حتى تثبت عتبة بابك. نطق : ذاك أبي ، وأنت العتبة ، أمرني حتى أمسكك. ثم لَبثَ عنهم ما شاء الله ، عز وجل ، ثم اتى بعد ذلك وإسماعيل يَبْرِي نَبْلا (2) له تحت دوحة قريبًا من زمزم ، فلما رآه قام إليه ، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد ، والوالد بالولد. ثم نطق : يا إسماعيل ، إذا الله أمرني بأمر. نطق : فاصنع ما أمرك ربك ، عز وجل. نطق : وتعينني ،يا ترى؟ نطق : وأعينك. نطق : فإن الله أمرني حتى أبني هاهنا بيتًا - وأشار إلى أكَمَةٍ مرتفعة على ما حولها - نطق : فعند ذلك رَفَعا القواعد من البيت فجعل (3) إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء اتى بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهويبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " نطق : "فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ، وهما يقولان : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4).

[ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به مطولا] (5).

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي عبد الله محمد بن حمَّاد الظهراني. وابن جرير ، عن أحمد بن ثابت الرازي ، كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرًا (6).

ونطق أبوبكر بن مَرْدُويه : حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي ، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن عبد الملك بن جُرَيج ، عن كثير بن كثير ، نطق : كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير ، في أعلى المسجد ليلا فنطق سعيد بن جبير : سلوني قبل حتى لا تروني. فسألوه عن المقام. فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس ، فذكر الحديث بطوله.

ثم نطق البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد. حدثنا أبوعامر عبد الملك بن عمرو(7) حدثنا إبراهيم بن نافع ، عن كثير بن كثير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نطق : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان ، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ، ومعهم شَنَّة فيها ماء ، فجعلت أم إسماعيل تشرب من

__________

في جـ : "وأثنت عليه خيرا".

في جـ : "يبني له بيتا".

في جـ : "نطق : فجعل".

سليم البخاري برقم (3364).

زيادة من و.

تفسير ابن أبي حاتم (1/381).

في أ : "بن عمير".

(1/429)

الشنَّة ، فيَدِرُّ لبنها على صبيها ، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ، ثم عاد إبراهيم إلى أهله ، فاتبعته أم إسماعيل ، حتى (1) بلغوا كَدَاء نادته (2) من ورائه : يا إبراهيم ، إلى من تهجرنا ،يا ترى؟ نطق : إلى الله ، عز وجل. نطقت : رضيت بالله. نطق : فرجَعَتْ ، فجعلت تشرب من الشنة ، ويَدر لبنها على صَبيها حتى لما فَنِي الماء نطقت : لومضىت فنظرت لعلي أحس أحدا. نطق : فذهَبَتْ فصَعدت الصفا ، فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا ، فلم تحس أحدًا. فلما بلغت الوادي سَعَت (3) حتى أتت المروة ، فعملت ذلك أشواطا ثم نطقت : لومضىت فنظرت ما عمل ، تعني الصبي ، فمضىت فنظرت فإذا هوعلى حاله كأنه يَنْشَغُ للموت ، فلم تقُرَّها نفسها ، فنطقت : لومضىت فنظرت لعلي أحس أحدًا. نطق : فمضىت فصعدت الصفا ، فنظرت ونَظرت فلم تُحس أحدًا ، حتى أتمت سبعا ، ثم نطقت : لومضىت فنظرت ما عمل ، فإذا هي بصوت ، فنطقت : أغثْ إذا كان عندك خير. فإذا جبريل ، عليه السلام ، نطق : فنطق بعقبه هكذا ، وغمز عَقِبَه على الأرض. نطق : فانبثق الماء ، فَدَهَشَتْ أم إسماعيل ، فجعلت تحفر.

نطق : فنطق أبوالقاسم صلى الله عليه وسلم : "لوهجرَتْه لكان الماء ظاهرًا (4).

نطق : فجعلت تشرب من الماء ويَدِرُّ لبنها على صَبِيِّها.

نطق : فمر ناس من جُرْهم ببطن الوادي ، فإذا هم بطير ، كأنهم أنكروا ذلك ، ونطقوا : ماقد يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فَنَظَرَ ، فإذا هوبالماء. فأتاهم فأبلغهم. فأتوا إليها فنطقوا : يا أم إسماعيل ، أتأذنين لنا حتى نكون معك - ونسكن معك ،يا ترى؟ - فبلغ ابنها ونكح فيهم (5) امرأة.

نطق : ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم (6) فنطق لأهله : إني مُطَّلع تَرْكَتي. نطق : فاتى فسلم ، فنطق : أين إسماعيل ،يا ترى؟ نطقت امرأته : مضى يصيد. نطق : قولي له إذا اتى : غير عتبة بيتك. فلما اتى أبلغته ، نطق : أنت ذَاكِ ، فامضىي إلى أهلك.

نطق : ثم إنه بدا لإبراهيم ، فنطق لأهله : إني مُطَّلع تَرْكتي. نطق : فاتى فنطق : أين إسماعيل ،يا ترى؟ فنطقت امرأته : مضى يصيد. فنطقت : ألا تنزل فَتَطْعَم وتشرب ،يا ترى؟ فنطق : ما طعامكم وما شرابكم ،يا ترى؟ نطقت : طعامنا اللحم ، وشرابنا الماء. نطق : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم.

نطق : فنطق أبوالقاسم صلى الله عليه وسلم : "بَرَكة بدعوة إبراهيم"

نطق : ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فنطق لأهله : إني مُطَّلع تَرْكتي. فاتى فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نَبْلا له (7) فنطق : يا إسماعيل ، إذا ربك ، عز وجل ، أمرني حتى أبني له بيتًا. فنطق : أطعْ ربك ، عز وجل. نطق : إنه قد أمرني حتى تعينني عليه ،يا ترى؟ فنطق : إذن أعملَ - أوكما نطق - نطق : فقاما (8) [نطق] (9) فجعل إبراهيم يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

__________

في جـ ، ط : "حتى لما".

في جـ : "سألته".

في جـ : "وسعت".

في جـ : "ظاهر".

في جـ : "منهم".

في جـ ، أ : "عليه السلام".

في جـ : "يصلح بيتا له".

في جـ ، ط : "فقام".

زيادة من جـ ، ط.

(1/430)

نطق : حتى ارتفع البناء وضَعُفَ الشيخ عن نقل الحجارة. فقام على حَجَر المقام ، فجعل يناوله الحجارة ويقولان : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

هكذا (1) رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء (2).

والعجب حتى الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك ، عن أبي العباس الأصم ، عن محمد بن سنان القَزَّاز ، عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، عن إبراهيم بن نافع ، به. ونطق : سليم على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. كذا نطق. وقد رواه البخاري كما ترى ، من حديث إبراهيم بن نافع ، كأن فيه اقتصارًا ، فإنه لم يذكر فيه [شأن] (3) الذبح. وقد اتى في السليم ، حتى قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة ، وقد اتى حتى إبراهيم ، عليه السلام ، كان يزور أهله بمكة على البراق سريعًا (4) ثم يعود إلى أهله بالبلاد (5) المقدسة ، والله أفهم. والحديث - والله أفهم - إنما فيه - مرفوع - أماكن صَرح بها ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا ، كما نطق ابن جرير :

حدثنا محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى نطقا حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرِّب ، عن علي بن أبي طالب ، نطق : لما أمر إبراهيم ببناء البيت ، خرج معه إسماعيل وهاجر. نطق : فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة ، فيه مثلُ الرأس. فحدثه ، نطق : يا إبراهيم ، ابن على ظِلي - أونطق على قدري - ولا تَزْد ولا تنقص : فلما بنى خرج ، وخلف إسماعيل وهاجر ، فنطقت هاجر : يا إبراهيم ، إلى من تكلنا ،يا ترى؟ نطق : إلى الله. نطقت : انطلق ، فإنه لا يضيعنا. نطق : فعطش إسماعيل عطشًا شديدًا ، نطق : فصعدت هاجر إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئًا ، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا ، ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئًا ، حتى أتت المروة فلم تر شيئًا ، ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئًا ، حتى عملت ذلك سبع مرات ، فنطقت : يا إسماعيل ، مت حيث لا أراك. فأتته وهويفحص برجله من العطش. فناداها جبريل فنطق لها : من أنت ،يا ترى؟ نطقت : أنا هاجر أم ولد إبراهيم. نطق : فإلى من وَكَلَكُما ،يا ترى؟ نطقت : وكلنا إلى الله. نطق : وكلكما إلى كافٍ. نطق : ففحص الغلام الأرض بأصبعه ، فنبعت زمزم. فجعلت تحبس الماء فنطق : دعيه فإنها رَوَاء (6).

ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل حتى يفارقهما ، وقد يحتمل - إذا كان محفوظًا - حتىقد يكون أولا

__________

في ط : "هكذا".

سليم البخاري برقم (3365).

زيادة من جـ ، ط ، أ ، و.

في جـ : "بمكة سريعا على البراق".

في جـ : "ثم يعود لأهله إلى البلاد".

تفسير الطبري (3/69).

(1/431)

وضع له حوطًا وتحجيرًا ، لا أنه بناه إلى أعلاه ، حتى كبر إسماعيل فبنياه معًا ، كما نطق الله تعالى.

ثم نطق ابن جرير : أبلغنا هَنَّاد بن السري ، حدثنا أبوالأحوص ، عن سِماك ، عن خالد بن عرعرة ، حتى رجلا قام إلى علي ، رضي الله عنه ، فنطق : ألا تخبرني عن البيت ، أهوأول بيت وضع في الأرض ،يا ترى؟ فنطق : لا ولكنه أول بيت وضع فيه البَرَكة (1) ، مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنًا ، وإن شئت أنبأتك كيف من الممكن أن بني : إذا الله أوحى إلى إبراهيم حتى ابن لي بيتًا في الأرض ، نطق : فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا فأوفد الله السكينة - وهي ريح خجوج ، ولها رأسان - فأتْبَع أحدهما صاحبه ، حتى انتهت إلى مكة ، فتطوت (2) على موضع البيت كطي الحجفَة ، وأمر إبراهيم حتى يبني حيث تستقر السكينة. فبنى إبراهيم وبقي حجر ، فمضى الغلام يبغي شيئًا. فنطق إبراهيم : أبغني حجرًا كما آمرك. نطق : فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا ، فأتاه به ، فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه. فنطق : يا أبه ، من أتاك بهذا الحجر ،يا ترى؟ فنطق : أتاني به من لن يَتَّكل (3) على بنائك ، اتى به جبريل ، عليه السلام ، من السماء. فأتماه (4).

ونطق ابن أبي حاتم : حدثنا حمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن بشر بن عاصم ، عن سعيد بن المسيب ، عن كعب الأحبار ، نطق : كان البيت غثاءة على الماء قبل حتى يخلق الله الأرض بأربعين عامًا ، ومنه دحيت الأرض.

نطق سعيد : وحدثنا علي بن أبي طالب : حتى إبراهيم أقبل من أرمينية ، ومعه السكينة تدله على تَبُوُّء (5) البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتًا ، نطق : فكشفت عن أحجار لا يُطيق (6) الحجر إلا ثلاثون رجلا. قلت : (7) يا أبا محمد ، فإن الله يقول : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ نطق : كان ذلك بعد.

ونطق السدي : إذا الله ، عز وجل ، أمر إبراهيم حتى يبني [البيت] (8) هووإسماعيل : ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ، فانطلق إبراهيم ، عليه السلام ، حتى أتى مكة ، فقام هووإسماعيل ، وأخَذَا المعاول لا يدريان أين البيت ،يا ترى؟ فبعث الله ريحًا ، ينطق لها : ريح الخجوج ، لها جناحان ورأس في صورة حية ، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول ، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس. فذلك حين يقول [الله] (9) تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [ الحج : 26 ] فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن. نطق إبراهيم لإسماعيل : يا بني ، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. نطق : يا أبت ، إني كسلان لَغب.

__________

في جـ ، ط ، أ ، و : "في البركة".

تاريخ النشر: 2020-06-04 18:30:37
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الهلال السعودي يعلن تعاقده رسميا مع كوليبالي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:41
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 98%

إيران ترد على تغريدة للخارجية الفرنسية بشأن "الخليج"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:50
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 98%

منتدى مغاربي يدين في ذكرى مأساة مليلية سياسة الهجرة الأوروبية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:44
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 95%

قرار للعاهل السعودي يخص ذوي جنود قتلوا في المواجهات مع الحوثيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:55
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 91%

دورة برلين: كفيتوفا تحرز لقبها الثاني هذا العام والـ31 في مسيرتها

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:43
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 99%

بلينكن: تمرد فاغنر يظهر تصدعات حقيقية في سلطة بوتين

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:27
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

غارات جوية روسية تقتل 11 شخصا على الأقل وتصيب العشرات في سوق سوري

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:30
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 98%

دورة برمنغهام: أوستابنكو تحرز اللقب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:41
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 91%

فاغنر: ماذا سيفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد تمرد بريغوجين؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:30
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 98%

دمشق تتسلّم نسخة من أوراق اعتماد السفير الجزائري في سوريا (صور)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:54
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 92%

زكرياء فاتي يُغادر صفوف الجيش الملكي بعد نهاية عقده مع النادي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:11
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

نجيب ساويرس يعلق على منشور منسوب له بشأن السيسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 21:16:51
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية