النزاع المصري السوداني حول حلايب وشلاتين

عودة للموسوعة

النزاع المصري السوداني حول حلايب وشلاتين

خريطة توضح مسقط مثلث شلاتين.

النزاع المصري السوداني حول حلايب وشلاتين، تحمل تعبير النزاع الحدودي معاني مختلفة، فهي تمثل تلك الخلافات التي تحدث بين الدول المتجاورة بشأن الحدود المشهجرة بينها، أوهي انادىءات معارضة للدول المتجاورة بشأن تعيين الحدود التي تفصل أنطقيمها أوتخطيطها. كما تعني الخلاف الذي يثور بين دولتين أوأكثر، إما بسبب الرغبة في التوسع أوإما بسبب ظهور موارد معدنية أونفطية. أوهي تلك الخلافات حول تعيين المسار السليم لخط الحدود بين بلدين جارين.

كما يقصد بالنزاع الحدودي نزاع دولي، ينصب بشكل أساسي على المسار السليم للخط الفاصل بين دولتين، ويتضمن انادىءات متعارضة حول السيادة على المناطق الجغرافية الواقعة علي جانبي الحدود موضوع النزاع.

ويرجع النزاع المصري السوداني حول مثلث حلايب نظرا لوجود انادىءين متعارضين لموضوع خط الحدود، غالبا ما ينشأ مثل هذا النوع من المنازعات نتيجة وجود سندين مختلفين لتعيين خط الحدود السليم. كما ينصب علي تفسير السند القانوني المنشئ لخط الحدود موضوع النزاع، ويدخل هذا النزاع ضمن طائفة المنازعات القانونية التي يجب تسويتها من خلال إعمال حكم القانون، وإن كانت الخبرة العملية في هذا الخصوص تفيد بأن الدول أحيانا ما تفضل تسوية بعض هذه المنازعات عن طريق الوسائل السياسية للتوصل إلى حل توفيقي بعيدا عن حكم القانون، ويتميز بأنه يكتسب حساسية خاصة نتيجة كونه نزاع ينشب بين دول ذات حدود مشهجرة مماقد يكون له أثر في تعكير صفوالعلاقات الودية بين دول الجوار، ومن ثم فإنه يجب تلمس تسوية دون إراتى حفاظا علي أوجه الصداقة وحسن الجوار بين الدولتين حتي تكون الحدود الدولية نقاط تلاق وتعاون بين الشعبين المصري والسوداني، وألا تكون مصدرا دائما للتوتر.

نبذة عن حلايب وشلاتين وأهميتهما للدولتين

تقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع على ساحل البحر الأحمر، وحلايب تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين كما تتنقل هذه القبائل بسهولة عبر الحدود، لأن وجودها كان سابقاً على رسم الحدود، وبها نقطة وطريق يربط بينها وبين السويس عبر بئر شلاتين وأبورماد وتتصل حلايب ببورسودان بطريق بري غير مسفلت وتبلغ المسافة من السويس - حلايب - بورسودان حوالي 1,485 كم تقريباً، وتعد مدينة حلايب البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر وتظل الوظيفة الرائدة لها تقديم الخدمات الجمركية للعابرين إلى الحدود السودانية بالإضافة إلى الأنشطة التجارية المصاحبة لذلك.

وتتمتع منطقة حلايب بأهمية استراتيجية لدى الجانبين المصري والسوداني، حيث تعتبرها مصر عمقاً استراتيجياً هاماً لها كونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر وهوالأمر الذي يهدد أمنها القومي، كما تنظر السودان إلى المنطقة باعتبارها عاملاً هاماً في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي لما تشكله المنطقة من امتداد سياسي وجغرافي لها على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين.

وقد أشارت الدراسات إلى حتى خامات المنجنيز تتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم وهي ضرورية جداً لصناعة المنسوجات، كما تجرى حالياً دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الإستيراد، وكذا انتاج الماغنسيوم الذي يستخدم بشكل كبير في صناعة الأسمدة. كما يأتي موضوع اكتشاف البترول ومعادن ثمينة أخرى في حلايب كمحرك لتصعيد النزاع بين الدولتين على هذه المنطقة.


خلفية

يعد الوجود البريطاني المتزامن في مصر والسودان هوالذي أدى إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، وكان ذلك عملاً من نتاج الفكر الاستعماري البريطاني الذي كان يترقب لحظة تفكيك أملاك الدولة العثمانية، حيث سقطت إتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 يناير 1899م، والتي سقطها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد "كرومر" المعتمد البريطاني لدى مصر، ونصت المادة الأولى من الإتفاقية على حتى الحد الفاصل بين مصر والسودان هوخط عرض 22 درجة شمالاً، وما لبث حتى أدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من ناظر الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات ما يسمى بمشكلة حلايب وشلاتين.

وتشير المراجع التاريخية إلى حتى المرة الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب كان في يناير عام 1958م، عندما أوفدت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون الإنتخابات الجديد الذي أصدره السودان في 27 فبراير 1958م . وأشارت المذكرة إلى حتى القانون خالف اتفاقية 1899م بشأن الحدود المشهجرة إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت حينها مصر بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعرب فيها نزاع على الحدود بين البلدين.

التاريخ

ممثل السودان في الأمم المتحدة في نيويورك السفير يعقوب عثمان في حديث ودي وباسم مع نظيره المصري عمر لطفي حول نزاع حلايب. فور انتهاء اللقاء صرح المتحدث باسم البعثة المصرية حتى السلطات السودانية أقرت أنه ليس هناك غزومصري للسودان (وكالة اسوشيتدپرس)، 19 فبراير 1958.

ظلت حلايب تحت الإدارة السودانية لأكثر من نصف قرن (من عام 1902 وحتى عام 1958) بطريقة سلمية وهادئة ودون احتجاج مصري. ولم تقم مصر خلال هذه الفترة إطلاقاً في الاحتجاج على الإدارة السودانية رغم أنها كانت شريكاً (على الأقل من الناحية النظرية) في الإدارة الاستعمارية للسودان حتى الاستقلال في عام 1956.

تشكلت أول حكومة وطنية سودانية في شهر يناير عام 1954، برئاسة السيد إسماعيل الأزهري بعد فوز الحزب الوطني الاتحادي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 1953. وقد ضمت تلك الانتخابات منطقة حلايب والتي فاز في دائرتها (الدائرة 70) السيد محمد كرار كجر. كما جرت الانتخابات في القرى التي كانت تقع شمال وادي حلفا وخط 22 شمال (وضمت قرى سره وفرس ودبيره وأرقين والتي كانت تُعهد بنتوء حلفا) والتي فاز في دائرتها (الدائرة 74) السيد محمد نور الدين.

لم تُثر مصر أوتحتج على مسألة إجراء الانتخابات السودانية في دائرة حلايب وفي قرى شمال حلفا، أوتزعم أنها أراضي مصرية، أوحتى أراض متنازع عليها. ساد ذلك الصمت رغم حتى مصر كانت في ذلك الوقت إحدى دولتي الحكم الثنائي الاستعماري للسودان (على الأقل من الناحية النظرية)، ورغم وجود السيد حسين ذوالفقار كممثلٍ لمصر في السودان ومستشار للحاكم العام حتى نهاية شهر ديسمبر عام 1955.

فبراير 1958 - موجة بيع كبيرة في اسواق الأسهم لاسباب منها النزاع الذي انفجر بين مصر والسودان حول مثلث حلايب (صحيفة نيويورك تايمز).

في 19 ديسمبر عام 1955 قرر البرلمان السوداني إعلانَ استقلال السودان رسمياً في الفاتح من يناير عام 1956. كانت دولتا الحكم الثنائي (إنگلترة ومصر) أول دولتين تعترفان باستقلال السودان.

برز الخلاف حول تبعية مثلث حلايب لأول مرة في 29 يناير 1958، حين أوفدت الحكومة المصرية مذكرة تحتج فيها على نية السودان عقد انتخابات في منطقة حلايب باعتبار أنها تتبع لمصر بموجب اتفاقية الحكم الثنائي لعام 1899. وقد قامت مصر بإرسال فرقة عسكرية إلى منطقة حلايب بعد إرسال تلك المذكرة. وأعقبت مصر تلك المذكرة بمذكرة أخرى فيتسعة فبراير 1958، تعلن فيها نيّتها إجراء استفتاء الوحدة مع سوريا في تلك المنطقة أيضاً.

ولا بد من مقارنة الصمت المصري عن حلايب بإثارة إثيوبيا مسالة منطقة قامبيلا التي كانت تحت إدارة السودان وقتها. فقد طلبت الحكومة الإثيوبية من حكومة السيد الأزهري إعادة المنطقة إلى إثيوبيا قبل حتى تقوم الحكومة الإثيوبية بالاعتراف باستقلال السودان. وقد قامت حكومة السيد الأزهري بإعادة منطقة قامبيلا إلى إثيوبيا في أول يناير عام 1956. وتمّ في ذلك اليوم إنزال الفهمين الإنجليزي والمصري، ورُفِعَ الفهم السوداني لدقائق ثم تمّ إنزاله. ثم رُفِعَ الفهم الإثيوبي، وتمّ تسليم المنطقة للحاكم الإثيوبي الجديد وطاقمه الإداري وفرقته العسكرية.

وزير الخارجية السوداني محمد أحمد المحجوب في القاهرة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وآخرين لمناقشة أزمة حلايب، 20 فبراير 1958.

وقد قامت حكومة السيد الأزهري بتعيين السيد حامد بشرى والذي كان وقتها مأمور منطقة قامبيلا قنصلاً للسودان في منطقة قامبيلا في نفس ذلك اليوم، الأول من يناير عام 1956. وقد تمّ تعيين القنصل السوداني لقامبيلا حتى قبل إنشاء وزارة الخارجية السودانية وتعيين السيد مبارك زروق كأول وزيرٍ سودانيٍ لها. وقد قامت إثيوبيا بالاعتراف بدولة السودان المستقلّة في ذلك اليوم بعد حتى تمّ حسم قضية منطقة قامبيلا.

زار السيد إسماعيل الأزهري منطقة قامبيلا مع السيد هيلاسيلاسي امبراطور إثيوبيا في مارس عام 1956، وتمّ تاكيد تبعيّة المنطقة لإثيوبيا. في ذلك الوقت تواصل تأكيد تبعيّة منطقة حلايب للسودان بتعيين إداريين سودانيين لها، وبإرسال أول فرقة عسكرية للمنطقة في شهر مارس عام 1956.

في شهر يونيوعام 1956 وقع الانقسام الكبير في الحزب الوطني الاتحادي وبَرَزَ حزبُ الشعب الديمقراطي تحت رعاية السيد علي الميرغني. وضمَّ الحزبُ الجديد عدداً من قيادات الحزب الوطني الاتحادي ضمت السادة علي عبد الرحمن، وميرغني حمزه، ومحمد نور الدين، ومحمد أحمد أبوسن، وحماد توفيق، وأمين السيد.

قوات الجيش السوادانية في حالة تأهب بأوامر من رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل بعد فشل مفاوضات أزمة حلايب، 20 فبراير 1958.

في يوليوعام 1956، أي بعد شهرٍ من الانقسام، تحالف حزب الشعب الديمقراطي مع حزب الأمة وسقطت حكومة الأزهري لتحلَّ محلّها حكومة السيدين (السيد عبد الرحمن المهدي راعي حزب الأمة، والسيد علي الميرغني راعي حزب الشعب الديمقراطي). ترأّس الحكومة الجديدة السيد عبد الله خليل وأصبح السيد محمد أحمد محجوب وزيراً للخارجية. وانتقل السيد إسماعيل الأزهري وما تبقّى من حزبه إلى المعارضة.

رغم عدم الاستقرار السياسي الذي ساد السودان في تلك الفترة فقد ظلت حلايب تحت الإدارة السودانية حتى عام 1958 بطريقةٍ سلمية وهادئةٍ ودون نزاعٍ أواحتجاج مصري، كما كانت منذ عام 1902. وقد تأكّدت تبعيّة حلايب للسودان من خلال إجراء الانتخابات السودانية عام 1953، وعدم تعرّض مصر لحلايب في مذكرة اعترافها باستقلال السودان في الفاتح من يناير عام 1956، ومن خلال تعيين السودان للإداريين وإرسال وبقاء الجيش السوداني في حلايب منذ مارس عام 1956.

غير حتى حكومة السيد عبد الله خليل لم تكن تتحدّث بصوتٍ واحد في مسألة حلايب. فقد قرّر السيد رئيس الوزراء عبد الله خليل اتخاذ موقفٍ متشدّدٍ من القضية، بينما كان شركاؤه في الحكومة من حزب الشعب الديمقراطي يتحدثون عن العلاقة الوطيدة والأزلية مع مصر، وضرورة حلِّ الخلاف بالتفاوض و"تفويت الفرصة على الامبريالية العالمية والاستعمار" كما ظلّ الشيخ علي عبد الرحمن والسيد محمد نور الدين يردّدان ويصرّحان لوكالات الأنباء والصحف. وقام السيد الأزهري رئيس الحزب الوطني الاتحادي بإرسال رسالةٍ إلى الرئيس عبد الناصر لتأكيد علاقات الاخوّة بين البلدين وضرورة حل الخلاف بصورةٍ ودّية وأُسريّة. غير هذا فقد لزم الحزبُ الصمتَ.

إزاء هذا الارتباك في قضية حلايب داخل حزبي الحكومة السودانية قرر السيد عبد الله خليل إرسال وزير خارجيته السيد محمد أحمد محجوب إلى القاهرة. في 18 فبراير عام 1958 وصل السيد المحجوب القاهرة. قابله نظيره المصري في المطار وأبلغه حتى الحكومة المصرية يفترض أن تستضيفه في قصر الطاهرة. اعتذر المحجوب موضّحاً حتى إقامته في القاهرة لن تطول. يظهر ان المحجوب كان يعي جيداً حتى جميع صغيرة وكبيرة في قصر الطاهرة مرصودةٌ. من المؤكّد حتى المحجوب تذكر تجربة صديقه وزميله الوزير خضر حمد الذي سقط في شباك الأمن المصري عام 1955 عندما كان يقيم في قصر الطاهرة ضيفاً على الحكومة المصرية، وحاول عمل صورٍ من قصيدة الشاعر الأستاذ أحمد محمد صالح "إلى نجيب في عليائه."

الرئيس المصري جمال عبد الناصر ووزير الخارجية السوداني محمد أحمد محجوب، 19 فبراير 1958.

التقى وزير الخارجية محمد أحمد محجوب بالرئيس جمال عبد الناصر منتصف نهار يوم 19 فبراير عام 1958. كان عبد الناصر ودوداً ومهذباً مع المحجوب، وظل يخاطبه خلال الاجتماع بـ "الأخ محجوب." عرض الرئيس عبد الناصر على السيد المحجوب مقترح ألّا تُجرى انتخابات سودانية أواستفتاء مصري في حلايب، وأن تناقش الدولتان مسألة حلايب بعد الانتخابات والاستفتاء. غير حتى المحجوب رفض ذلك الحلَّ الوسط وأوضح للرئيس عبد الناصر تبعيّة حلايب للسودان دون شرطٍ أوقيد. تواصل اجتماع المحجوب مع الرئيس جمال عبد الناصر حتى نهاية ذلك اليوم، ولكنّ الطرفين فشلا في حلّ النزاع من خلال التفاوض.

في حوالى الساعة الخامسة عصر ذلك اليوم أوضح السيد المحجوب للرئيس عبد الناصر أنه حاول الاتصال هاتفياً ببعثة السودان للأمم المتحدة في نيويورك، لكن يظهر حتى الأمن المصري يقف في طريق تلك المكالمة. ابتسم الرئيس عبد الناصر وسأل المحجوب إذا كان لدى السودان الإمكانيات للتنصّت على المكالمات الهاتفية، وعرض عليه تدريب سودانيين في مصر للقيام بتلك المهمة. شكره المحجوب وأبلغه حتى السودان يملك تلك الإمكانيات ويقوم عملاً، مثل مصر، بالتنصّت على المكالمات التي يعتقد أنها تهدّد أمنه.

أخذ الرئيس عبدالناصر السيد المحجوب إلى مخط مجاور وسلمه سماعة الهاتف وهم بالخروج. غير حتى المحجوب طلب منه البقاء قائلاً "سيخبرك رجال الأمن المصري بمضمون المكالمة لاحقاً فلماذا لا تسمعها أنت بنفسك مباشرةً مني الآن؟" بعد قليلٍ من التردّد بقي الرئيس عبد الناصر في نفس المخط مع السيد المحجوب.

حمل المحجوب سماعة الهاتف وعندما تمّ توصيله بالمندوب الدائم للسودان في الأمم المتحدة في نيويورك ذكر المحجوب في تلك المكالمة حدثةً واحدةً فقط باللغة الانجليزية وهي: Release وترجمتها "إطلق." ثم أعاد المحجوب السماعة إلى مكانها وسط دهشة الرئيس عبد الناصر. بعدها بقليلٍ غادر المحجوب قصر القبة إلى سفارة السودان بالقاهرة ثم إلى منزل السفير، ومنها صباح اليوم التالي إلى الخرطوم.

إلى غير ذلك انتهت زيارة المحجوب إلى القاهرة بالفشل التام في حسم نزاع حلايب ودياً وسلمياً. ووضح فشل الزيارة في عدم اشتمالها على دعوة العشاء التقليدية من مصر ورئيسها ووزير خارجيتها للسيد وزير خارجية السودان الذي كان في زيارة رسمية للقاهرة، والذي كان يُفترض حتى ينزل في ضيافة الحكومة المصرية في قصر الطاهرة.

غير حتى ذلك الاجتماع كان من الاجتماعات المصرية السودانية القليلة التي اتسمتْ بالندّية الكاملة بين طرفي الاجتماع، والاحترام التام للجانب السوداني من الجانب المصري.

في 20 فبراير عام 1958 حمل السودان شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي في نيويورك. كانت حدثة "إطلق" التي اشتملتها مكالمة السيد المحجوب الهاتفية لسفير السودان في نيويورك حدثة سرٍّ اتفق المحجوب مع سفيره أنها تعني تسليم شكوى السودان ضد مصر بخصوص حلايب إلى مجلس الأمن الدولي إذا فشلت مفاوضاته مع الرئيس عبد الناصر. كان المحجوب يعهد حتى مكالماته في القاهرة سيتمُّ التّنصّتَ عليها لذا احتاط لذلك الأمر.

اجتمع مجلس الأمن في 21 فبراير عام 1958، ووقتها تراجعت مصر، بناءاً على بيانٍ تلاه مندوبها السيد عمر لطفي، عن قرارها بعقد الاستفتاء، وسمحتْ في نفس الوقت للسودان بإجراء انتخاباته في حلايب. كما أعربت مصر سحب فرقتها العسكرية من المنطقة. عليه فقد قرّر مجلس الأمن حفظ شكوى السودان والاجتماع لاحقاً بناءاً على طلب أيٍ من الطرفين وموافقة أعضاء المجلس.

وقد تم سحب الوحدة العسكرية المصرية بالكامل من حلايب، وبقيت الوحدة العسكرية السودانية هناك بمفردها كاملةً. وتمّ أيضاً إجراء الانتخابات السودانية في موعدها وفي جميع أراتى حلايب، ولم يتم إجراء الاستفتاء المصري هناك. وقد ظلّت حلايب سودانية وباعتراف مصريٍ تام حتى عام 1992 حين قامت مصر باحتلالها، متنصّلةً عن جميع وعودها والتزاماتها القانونية والأخلاقية وعلاقات الود والإخاء مع السودان.

قررت مصر في 21 من شهر فبراير عام 1958 الانسحاب التام من حلايب، ويرجع ذلك للأسباب التالية:

  • أولاً: كما ذكرنا من قبل فقد كان في ذهن الرئيس عبد الناصر ومستشاريه مشروع بناء السدِّ العالي وترحيل أهالي حلفا عندما قرّروا الانسحاب من حلايب في فبراير عام 1958. فلم يكن منطقياً دبلوماسياً ولا عملياً حتى تتمسّك مصر باحتلال حلايب وتطالب السودان بإغراق حلفا وقراها بعد ذلك من أجل قيام السدِّ العالي. عليه فقد قرّرت مصر النظر إلى الصورة الكبرى والانسحاب من حلايب على أمل مواصلة السودان لموافقته على قيام السدِّ العالي وإغراق مدينة حلفا و27 من القرى حولها و200,000 فدان من الأراضي الخصبة. وهذا بالضبط ما وقع عندما وقّعت حكومة الفريق إبراهيم عبود على اتفاقية مياه النيل فيثمانية نوفمبر عام 1959، ووافقت على إغراق منطقة وادي حلفا وقراها والترحيل القسري لحوالى خمسين ألف من النوبيين السودانيين.

بل إذا مصر وافقت على ترحيل القُرى الأربعة (سره وفرس ودبيره وأرقين) التي كانت تقع شمال خط 22 شمال مع القرى السودانية الأخرى إلى منطقة خشم القربة، وليس مع النوبيين المصريين. وقد نسف ذلك الترحيل وموافقة مصر عليه إنادىء مصر بقدسية خط 22 شمال كفاصلٍ حدوديٍ بين البلدين.

  • ثانياً: كانت مصر تخشى إنْ تمسّكتْ بموقفها من حلايب حتى يعطي ذلك التمسّك كرتاً رابحاً يكسب به حزب الأمة الانتخابات البرلمانية ذلك الشهر على حساب حلفاء مصر في السودان - حزبي الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي. عليه فقد كان السبب الثاني هومساعدة هذين الحليفين المصريين في الانتخابات. فحلم وحدة وادي النيل كان لا يزال حيّاً في أعماق عبد الناصر، خصوصاً بعد الوحدة مع سوريا، وهذان الحزبان كانا ما يزالان في ذلك الوقت أملَ مصر في تحقيق وحدة وادي النيل.
  • ثالثاً: كان عبد الناصر ومستشاروه يعهدون جيداً ضعف الموقف القانوني والسياسي المصري تجاه حلايب، ويخشون حتى يصدر قرارٌ من مجلس الأمن يطالب مصر بالانسحاب من حلايب كما كان متسقطاً. لذا فقد قرّر عبد الناصر استباق الأحداث وعدم إعطاء السودان أرضيّةً قانونيةً إضافيةً في نزاع حلايب. ويبدوحتى مندوب مصر في مجلس الأمن قد أوضح لحكومته التعاطف الكبير في مجلس الأمن مع السودان في قضية حلايب، وحذّرها من نتيجة الاجتماع.
  • رابعاً: كان الدخول في حربٍ مع السودان سيعني هزيمة كبيرة لمشروع وحلم عبد الناصر لتوحيد العالم العربي تحت قيادته. إذ كيف من الممكن أن يعقل حتى يتحدّث عبدالناصر عن وحدة العالم العربي وهويدخل في حربٍ مع جاره وضدّ من يدّعي أنهم أشقاؤه وعمقه الأمني والاستراتيجي،يا ترى؟ أليست إسرائيل هي الجديرة بالحرب بدلاً من السودان، كما ظلّت إذاعة "صوتُ العرب من القاهرة" تكرّر جميع مساءٍ في تلك السنوات؟

لهذه الأسباب انسحبت مصر من حلايب عام 1958. لكنها عادت لاحتلالها عام 1992، بعد عشرين عاماً من اكتمال السد العالي، وثلاثة أعوام من انقلاب الإنقاذ.

كما ذكرنا من قبل فقد أنْستْ الاحتفالاتُ والابتهاجُ بالانسحاب المصري من حلايب السيدَ محمد أحمد محجوب – القانوني الكبير والضليع – والسيد رئيس الوزراء، وحكومتهما حتى يؤطِّروا ذلك الانسحاب في اتفاقٍ متكاملٍ حول حلايب مع مصر. وحتى على افتراض احتمال رفض مصر لذلك الاتفاق فقد كان من الممكن تضمين النتائج في مذكرة تفاهمٍ من الحكومة السودانية للحكومة المصرية تعكس ما دار في مجلس الأمن في 21 فبراير عام 1958، وتفسير السودان له.

لقد أصبح ذلك الخللُ أحدَ الثغرات التي استغلتها مصر وعادت من خلالها لاحتلال حلايب عام 1992، ولإعلان ضمّها رسمياً لمصر عام 1995.

ظلّتْ التصريحات والموضوعات الصحفية والأفعال الاستفزازية المُشِيرة إلى تبعيّة حلايب لمصر، والتهديدات للسودان، تصدرُ من كلِّ ألوان الطيف السياسي والأكاديمي والصحفي والشعبي في القاهرة خلال الأسبوعين الماضيين. كان آخر تلك الأفعال الاستفزازية هي توجّهُ وفدٍ شعبيٍ مصريٍ للمرّة الأولى إلى منطقة حلايب،

وعقده مؤتمراً من هناك، وذلك لتأكيد السيادة المصرية على حلايب. وقد ضمّ الوفد نواباً من عدّة محافظاتٍ مصرية وضم مجموعةً من ممثلي عدّة قبائل مصرية قادمة من محافظات الصعيد والبحر الأحمر وسيناء والإسماعيلية وبورسعيد ومطروح وغيرها. وكان من بين أعضاء الوفد نوابٌ ومسئولون سابقون، وعمدٌ ومشايخ.

وقد أشارت وكالات الأنباء المصرية إلى حتى وفداً نسائياً مشابهاً في تكوينه سيقوم بزيارة حلايب في الأيام القادمة لتأكيد السيادة المصرية عليها.

ظلّ الصمت هوسيد الموقف الحكومي، عدا شذراتٍ من بعض صغار المسئولين تتحدّث بصوتٍ خافتٍ وفي حياءٍ كبير عن العلاقات الأزلية بين الشعبين المصري والسوداني، وأنه يجب ألا يسمح الأشقاءُ بما يعكر صفوتلك العلاقة.

ورغم حتى السيد وزير الخارجية كان قد حدّثنا في الماضي عن إحالة الخلاف إلى "الجهات العدلية" (والتي لم يخبرنا من هي، ومن أحال الخلاف إليها، وما هي مرجعيتها؟) إلا أنه لزم الصمت الكامل هذه المرّة. وتوقّف الحديث بصورةٍ تامةٍ حتى عن التحكيم، أوعن جعل حلايب منطقة تكاملٍ بين البلدين، أوإعادة الخلاف إلى مجلس الأمن بمقتضى قراره في 21 فبراير عام 1958.

ولا يختلف الحال داخل أحزاب المعارضة السودانية التي لزمت بدورها الصمت التام أيضاً.

ضم هذا الصمت الحزب الذي قاد استراتيجية فبراير عام 1958 والتي أعادتْ حلايب كاملةً للسودان، رغم غرام وولع الحزب وقيادته في السنوات الأخيرة بالمبادرات المحلية والإقليمية.

وضم الصمت أيضاً أصدقاء وحلفاء مصر في السودان، والذين ما يزالون يحتفظون بصفة "الاتحادي" في إسم حزبهم رغم مرور قرابة الستة عقود على موت مشروع وحدة وادي النيل.

أما التكامل في منطقة حلايب والذي كان يتحدث عنه في الماضي أصدقاءُ مصر في السودان فهويحتاج إلى الطرفين، ولن يستطيع هؤلاء الأصدقاء الدعوة له (أوحتى الحديث عنه) في وجه الرفض المصري الحازم والحاسم.


الدفوع التي يعتمد عليها البلدان في نزاعهما

أولاً: الدفوع التي يعتمد عليها السودان في إثبات أحقيته للمنطقة

1. إذا السودان قد تمكن عملياً من حيازة هذه المناطق إذ ظل يديرها منذ إجراء التعديلات الإدارية على خط الحدود الذي أنشأه إتفاق 19 يناير عام 1899، وذلك بموجب قرار ناظر الداخلية المصري في يونيو1902 وكان ذلك القرار الإداري قد تم التوصل اليه بعد تشكيل لجنة فنية برئاسة مدير أسوان (مصري) وثلاثة مفتشين احدهم من الداخلية المصرية وواحد يمثل حكومة السودان وثالث يمثل خفر السواحل المصرية، هؤلاء كانت مهمتهم تحديد أرض قبائل البشاريين وقدموا تقريرا يؤكد حتى مثلث حلايب وشلاتين أرض تقطنها قبائل سودانية وعلي ضوء هذا التقرير أصدر ناظر الداخلية المصري قراره المشار.

2. إذا مصر قبلت هذا الوضع لسنوات طويلة ولم تعترض عليه طيلة الفترة التي سبقت استقلال السودان في الأول من يناير1956م، وهذا الموقف وفق قواعد القانون الدولي يمثل سنداً قوياً للسودان للتمسك بالمناطق المذكورة تأسيساً على فكرة التقادم التي تقوم على مبدأ الحيازة العملية وغير المنبترة من جانب، وعدم وجود معارضة لهذه الحيازة من جانب آخر.

3. إذا مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة منذ عهد الإستعمار، هوسبب آخر اعتمده السودان لإثبات أحقيته للمنطقة. فقد ورث السودان حدوده الحالية ومنها حدوده الشمالية مع مصر، وتشير المصادر إلى حتى عدداً من المنظمات الدولية والإقليمية ومنها منظمة الوحدة الأفريقية ضمنت في مواثيقها إشارات إلى إقرار واستمرار نفس الحدود المتعارف عليها أثناء فترة الاستعمار، أيضا يتمسك السودان بأن مؤتمر الرؤساء والقادة الأفارقة الي عقد في القاهرة عام 1964 أقر هذا المبدأ.

4. وأخيراً فإن وجهة النظر السودانية الخاصة بالنزاع الحدودي ومحاولة إثبات أحقية السودان في حلايب كانت تشير إلى حتى اعتراف مصر بالسودان كدولة مستقلة ذات سيادة عام 1956 لم يتضمن أية تحفظات بشأن الحدود.

ثانيا:الدفوع التي تعتمد عليها مصر في إثبات أحقيتها للمنطقة

1. تؤكد مصر بأن التعديلات الإدارية التي جرت على الحدود المشهجرة بينها وبين السودان تمت من الناحية الرسمية لأغراض انسانية وهي التيسير للقبائل التي تعيش على جانبي خط الحدود، وهي لا تزيد عن كونها مجرد قرارات إدارية عادية صدرت استجابة لرغبات المسئولين المحليين في المناطق المتنازع عليها واقتصر أثرها على هذا الدور فقط. واذا كان الأصل حتى تتطابق الحدود الإدارية للدولة مع حدودها السياسية إلا أنه في بعض الحالات يمكن حتىقد يكون هناك اختلاف بينهما كما الحاصل في الحالة التي نحن بصدد دراستها وذلك وفقا للقرار الإداري الصادر عن ناظر الداخلية المصري في عام 1902؛ حيث تنازلت مصر للسودان -الدولة المجاورة لها- عن ادارة بعض اجزاء من اقليمها –مثلث حلايب- إذ بموجب هذا التنازل تقوم الدولة المتنازل لها بمباشرة سلطاتها الإدارية علي هذه الأجزاء، دون حتى يؤثر ذلك –بالطبع- علي حقوق السيادة الاقليمية الثابتة للدولة المتنازلة عن هذه الاجزاء.

فالحدود السياسية الخطية وحدها هي التي تتميز عن غيرها من انواع الحدود أوالمفاهيم ذات الصلة بإقامة خطوط أومناطق فاصلة بين الدول مقارنة بالحدود الإدارية، والحدود الجمركية ،وخطوط الهدنة أووقف اطلاق النار.

إن الحدود الإدارية لا شأن لها –علي وجه الإطلاق- بتحديد نطاق السيادة أوالإختصاص الإقليمي للدول، فضلا عن حتى وجودها من عدمه لا أثر له بالنسبة لمركز الدولة القانوني فيما يتعلق بحقوقها ازاء الإقليم أوالمنطقة المعنية. فلا يعتد بمسقط مثل هذه الحدود الإدارية –حال وجودها- من خط الحدود السياسة، سواء أكانت تتطابق مع الحد السياسي الدولي أم كان الأخير يختلف عنها ضيقا واتساعا.

2. إذا انادىء السودان بأنها مارست سيادتها العملية علي مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد منذ العام 1902 يعد سببا كافيا ينهض بذاته لاكتساب السودان السيادة علي الإقليم بحدوده المعنية هوانادىء مرفوض وزعم مدحوض، فاكتساب السيادة العملية علي الإقليم يجب حتى تباشر بطريقة سلمية هادئة ودونما احتجاج أومنازعة من قبل الغير. فالسلوك اللاحق لمصر تجاه الإجراءات التطبيقية التي اتخذتها السلطات السودانية في مثلث حلايب ولأول مرة عام 1958 يكشف عن حتى مصر لم تزعن أوتقبل هذه الإجراءات السودانية، حيث قدمت الخارجية المصرية احتجاجا رسميا لحكومة السودان وصدرت الكثير من الإعلانات والبيانات عن الحكومة المصرية ترفض مثل هذا الإجراء.

جدير بالذكر حتى الإحتجاج المصري علي الإجراءات السودانية المشار اليها لم يكن متباطئا أومتأخرا، وذلك للحؤول دون انادىء السلطات السودانية أنها حازت حيازة عملية هادئة مستقرة لهذا الإقليم من الأراضي المصرية.

3. حتى التعديل الإداري علي اتفاقية تحديد الحدود الدولية بين مصر والسودان عام 1899م لم يؤثر علي سريان وجريان وامتداد خط العرض رقم (22) والذي يعد الحد الفاصل بين الدولتين مصر والسودان، حيث يمتد خط العرض (22) حتي ساحل البحر الأحمر وبالتدقيق عند ميناء "عيذاب" المصري.

4. إذا ادراة السودان لمثلث حلايب وشلاتين وأبورماد لفترة عارضة طارئة لا يمنح السودان أية سيادة، ولا ينفي عن مصر سيادتها علي أية بقعة من بقاعها أومصر من أمصارها فالحق القانوني التاريخي المكتسب لمصر قد تحدد بموجب اتفاقية ترسيم الحدود لعام 1899.

5. إذا السلوك المصري اللاحق مباشرة للإجراءات التطبيقية السودانية المشار اليها عام 1958 لا يكشف من قريب أوبعيد عن ثمة ازعان من جانب الحكومة المصرية تجاه الإجراءات السودانية المشار اليها.

فلقد أشارت محكمة العدل الدولية في قضية ماليزيا ضد سنغافورة في قضية 23 مايو2008 "أن غياب ردود العمل من جانب الطرف الأخر في نزاعات الحدود يعد ازعانا وقبولا للوضع الراهن".

أيضا قضت محكمة العدل الدولية في النزاع الحدودي بين هنداروس والسلفادور بأن "احتجاج هنداروس اتى متأخرا جدا لكي يحدث تأثيرا في افتراض الإزعان، فسلوك هنداروس تجاه الحيازة العملية السابقة يكشف عن موافقة ضمنية من نوع ما علي الوضع".

أيضا وفي النزاع الحدودي بين هندوراس ونيكاراجوا قررت المحكمة: "بأنه يمتنع علي الدولة التي تسلك سلوك ما يحقق لها نفعا حتى تدعي لنفسها حقوقا تضر بدولة أخري علي نقيض هذا السلوك".

وفي القضية المتعلقة بالنزاع حول جزيرة "كاسكيلي/سيدودو" بين ناميبيا وبتسوانا رفضت المحكمة انادىء ناميبيا بسيادتها علي الجزر لأنها حين استخدمت الجزر لم تدفع بسيادتها عليها، وحين ادعت ناميبيا بهذه السيادة فإن بتسوانا رفضت هذا الإنادىء.

6. إذا ادارة السودان للمثلث المتنازع عليه منذ عام 1902م لا تعد إدارة من جانب دولة مستقلة ذات شخصية قانونية معترف بها، ولا يستطيع حتى يحاجج السودان بسيادته علي هذه المنطقة في تلك الفترة لكونه اقليما ناقص السيادة، فضلا عن حتى منشأ السلطة -التي يدعي السودان ممارستها في تلك الحقبة- هوالقرارات الإدارية المصرية التي اسبغت علي التواجد السوداني مظهرا اداريا لا يشكل مظهرا من ممارسة السيادة علي المنطقة.

وحين خرجت السلطات السودانية عن الحدود القانونية المرخصة لها من قبل السلطات المصرية عام 1958م فإن السلطات المصرية اعترضت رسميا علي هذه القرارات في الكثير من مظاهر الإعتراضات الدبلوماسية الرسمية، وأيضا المبادرة ولأول مرة بتحريك وحدات وطنية من الجيش المصري الي المثلث المتنازع عليه.

7. تؤكد مصر إلى أنها لم تبرم اية معاهدات أواتفاقيات دولية سواء بين مصر وبريطانيا أوبين السودان ومصر في جميع المراحل الزمنية والتاريخية لإضفاء صفة (دولية) على التعديلات الحدودية الإدارية.

8. ترفض مصر القول بأنها قد تنازلت بموجب التعديلات المذكورة عن سيادتها على المناطق المتنازع عليها والتي تقع شمال خط العرض (22) درجة، فمصر كانت خاضعة لسيادة الباب العالي، وكانت ممنوعة بموجب ذلك من التنازل أوحتى من بيع أورهن أي جزء من أراضيها إلا من خلال موافقة صريحة من الدولة العثمانية ولذلك فهي لم تستطع الاحتجاج بالنسبة للحدود مع السودان.

9. تمضى الدفوع المصرية إلى حتى فكرة التقادم التي يدفع بها السودان ليس مقطوعاً بها وبصحتها تماماً من قبل القانون الدولي وهي مرفوضة من قبل الجانب المصري، فضلاً عن حتى المدة الزمنية وفق نفس وجهة النظر حول التقادم هي محل اختلاف.

10. حتى التعداد أوالإحصاء السكاني الرسمي الأخير الذي اجرته الحكومة السودانية لم يتضمن إحصاء سكان حلايب وشلاتين.

11. رفضت أكبر القبائل التي تسكن مثلث حلايب وهم الرشايدة، العبابدة، البشارية قرار المفوضة القومية للإنتخابات السودانية والتي تحدثت عن أحقيتهم بالمشاركة في اإنتخابات واعلنت القبائل الثلاثة أثناء احتفالهم بفوزات اكتوبر عام 2009م أنهم مصريون 100%.

12. لقد أكد حكم محمكة التحكيم الدولية الدائمة عام 1928م فيما يتعلق بالنزاع بين الولايات المتحدة وهولندا حول جزيرة پالماس، ضعف القيمة القانونية للخرائط حيث أكد في حكمه أنه، مهما كان عدد الخرائط المقدمة، ورغم قيمتها، يستحيل عليه تعليق اهمية ما عليها إذا ما تعارضت مع أعمال أوحقائق قانونية صادرة عن سلطات قائمة.

كما أكد بأن "جل ما تقدمه خريطة ما سوي اشارة غير مباشرة علي الأكثر. وباستنثناء حال إرفاق الخريطة بوثيقة قانونية، فهي لا تساوي وثيقة مماثلة علي صعيد البت بالإعتراف بحقوق مطلقة أوبالتخلي عنها". ثمة إذا هرمية تخضع لها الوثائق الدولية في ما يتعلق بقدرتها علي الثبوتية، وفي هذه الهرمية تحتل الخرائط المتعلقة بالحدود الدولية المرتبة الاخيرة بعد النصوص والقرارات، إلا طالما ارفاقها بوثائق مماثلة. ويفهم من ذلك أنه وفق رأي الفقه الدولي فأنهقد يكون لتلك الخرائط أحيانا مجرد قيمة استدلالية فيما يتعلق بالمنازعات، وقد تكون لها حجة قاطعة.


حلايب تبرز وتختفي على خلفيات سياسية

رغم هذا التباين في وجهات النظر بين الجانبين المصري والسوداني حول أحقية جميع منهما للسيادة على هذه المنطقة، فإن أي من البلدين لم يتخذ خطوة واحدة نحوعرض هذه المشكلة علي محكمة العدل الدولية، أوأي من محاكم التحكيم الدولية، كما حرص البلدان على استمرار العلاقات الأخوية والروابط التاريخية بين الشعبين الجارين وذلك من خلال اللجوء إلى الوسائل السياسية والقنوات الدبلوماسية لحل النزاع.


فبرغم قدم معضلة حلايب بين مصر والسودان إلا أنها في جميع مراحلها التاريخية لم تبلغ فترة اللقاءة العسكرية بين البلدين، ولا تثار هذه المشكلة وتبرز إلى السطح إلا حين يعمد أحد البلدان إلى إثارتها على خلفية تباين سياسي بين البلدين.

لقد أعربت السفارة السودانية بالقاهرة في بيان أصدرته بتاريخ 18-8-2002 حتى الخرطوم لم تجدد مطالبتها لمجلس الأمن ببحث قضية حلايب مثلما أشارت إلى ذلك بعض التقارير،واتى في البيان " إذا معضلة حلايب ليست وليدة عهد ثورة الإنقاذ، وإنما ترجع لعام 1958، وأن إدراجها في مجلس الأمن تم منذ ذلك التاريخ، وظلت طوال هذه الفترة تجدد تلقائياً عند مراجعة مجلس الأمن لجدول أعماله.

خاتمة

ومن جانبنا فإننا نري حتى المفاوضات المباشرة بين الدولتين هي أكثر الوسائل الدبلوماسية فاعلية لتسوية هذا النزاع بين الدولتين، فالمفاوضات وسيلة مرنة لتسوية المنازعات بالسبل السلمية من نواح عديدة، من حيث أنها يمكن حتى تطبق علي جميع أشكال المنازعات سواء كانت سياسية أوقانونية أوتقنية، وبما ان المفاوضات لا تضم سوي الدول الإطراف في النزاع، خلافا للوسائل الإخري المدرجة في المادة 33 من الميثاق، فإن بإمكان الدول حتى ترصد جميع مراحل العملية من بدايتها حتي نهايتها، وأن تجريها بأكثر الطرق التي تجدها ملائمة، فضلا عن انه في واقع الحياة الدولية تعتبر المفاوضات -بوصفها واحدة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات- الوسيلة التي تلجأ اليها الدول في الغالب لحل القضايا موضع النزاع، وفي حين أنها ليست ناجحة دائما، إلا انها تفيد في حل معظم المنازعات.

أجرى الدراسة أستاذ القانون الدولي العام الدكتور أيمن سلامة.

المصادر

  • أيمن سلامة (2013-04-12). "النزاع المصري السوداني حول حلايب وشلاتين". معهد العربية للدراسات. Unknown parameter |access_date= ignored (help)
  • ^ حلايب، هل الهروب من الاستحقاقات مصري أم سوداني، المسقط الإلكتروني لسلمان محمد سلمان
  • ^ د. سلمان محمد سلمان (2014-01-25). "حلايب: ماذا دَارَ في اجتماعِ المحجوب وعبد الناصر يوم 19 فبراير 1958؟". صحيفة الراكوبة. Retrieved 2014-06-01.
  • تاريخ النشر: 2020-06-04 19:34:49
    التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, حلايب وشلاتين, العلاقات المصرية السودانية, نزاعات حدودية في أفريقيا, نزاعات حدودية في مصر, نزاعات حدودية في السودان

    مقالات أخرى من الموسوعة

    سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

    آخر الأخبار حول العالم

    كوليبا يطلق تصريحا مفاجئا حول الأراضي التي خسرتها أوكرانيا

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:50
    مستوى الصحة: 92% الأهمية: 92%

    سجناء في بريطانيا إلى الحرية ضمن برنامج "الإفراج المبكر"

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:08:00
    مستوى الصحة: 77% الأهمية: 93%

    سفن حربية روسية تصل إلى الهند للمشاركة بمناورة دولية (فيديو)

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:48
    مستوى الصحة: 88% الأهمية: 87%

    بيلاروس تشهد لأول مرة في تاريخها يوم تصويت موحدا

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:08:05
    مستوى الصحة: 79% الأهمية: 85%

    كاميرون مهددا الحوثيين: سندعم أقوالنا بالأفعال

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:47
    مستوى الصحة: 82% الأهمية: 88%

    مهاجرون من أوزبكستان يقاضون بايدن ووزير داخليته

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:49
    مستوى الصحة: 77% الأهمية: 100%

    طقس الأحد: جو بارد نسبيا ورياح وأمطار بهذه المناطق!

    المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:09:48
    مستوى الصحة: 68% الأهمية: 71%

    تصرف غير مألوف من مايلي عند لقائه ترامب في واشنطن (فيديو)

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:53
    مستوى الصحة: 89% الأهمية: 99%

    فيديو سابق لوزير الطاقة السعودي يثير تفاعلا

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:08:08
    مستوى الصحة: 93% الأهمية: 90%

    اليابان تعد بمواصلة دعم أوكرانيا وفرض عقوبات ضد روسيا

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:08:11
    مستوى الصحة: 92% الأهمية: 90%

    بعد التحقيق..الجيش الإسرائيلي يقدم روايته لمقتل الطفلة هند رجب

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:07:59
    مستوى الصحة: 79% الأهمية: 89%

    السعودية تعلن عن زيادة في الاحتياطيات المؤكدة للغاز والمكثفات

    المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-02-25 09:08:10
    مستوى الصحة: 75% الأهمية: 86%

    تحميل تطبيق المنصة العربية