إسحق الموصلي
إسحاق بن إبراهيم بن ماهان (أوميمون) بن بهمن الموصلي التّميمي بالولاء، الأرجانيّ الأصل المعروف بابن النّديم الموصلي نادم الرّشيد والمأمون والمعتصم والواثق ولد عام 767 م في مدينة الري.
سافر مع أبيه إلى بغداد وتلقى تعليمه على يد أساتذه أكفاء منهم هيثم بن بشير الكسائي تتلمذ على يدأحد تلامذة والده وهومنصور زلزل، فتعلّم منه الضّرب على العود وتعلّم الغناء من عاتكة بنت شذا وتفهم التاريخ والأدب الأصمعي، فاشتهر بالغناء والموسيقى حتى أصبح من أشهر وأمهر المُغنّين والموسيقييّن في العصر العباسي وبلغ أعظم منزلة عند ستة من الخلفاء حتى المتوكل.
تفرّد بالغناء وصناعته، وكان عالمًا باللّغة والموسيقى والتّاريخ وعلوم الدّين وفهم الكلام؛ راويًا للشّعر، حافظًا للأخبار وقد قام بتلحين أبيات شعر لا يجرؤ أحد من معاصريه على تلحينها مرة أخرى مع حتى هذا كان مألوفا في ذلك العصر وقد كان إسحاق على فهم بأصول الموسيقى وأسرارها ودقائقها ويستطيع حتى يختار ألوان الألحان والإيقاعات التي يصوغها لتتناسب مع الشعر وقد قيل أنه أول من ضبط الأوزان التي تبنى عليها مقامات الموسيقى العربية وميز بينها تمييزا لم يقدر عليها أحد من قبله وقد كان إسحق الموصلي يسير على نهج والده فهومن مؤيدي المدرسة القديمة في الغناء وكان في صراع دائم مع طرق الغناء الحديثة. نطق عنه صاحب الأغاني: "كان الغناء أصغر علوم إسحاق وأدنى ما يوسم به، وإن كان الغالب عليه وعلى ما يحسنه. هوالذي صحّح أجناس الغناء". ونطق عنه المأمون: "لولا اشتهار إسحاق بالغناء لَوَلّيتُه القضاء، لما أفهم من عفّته ونزاهته وأمانته".
ونطق الواثق: "ما غنّاني إسحاق قط إلاّ ظننتُ أنّه زيد لي في ملكي".
سعة فهمه
نطق محمد بن عطية العطوي الشاعر: كنت في مجلس القاضي يحيى بن أكثم، فوافى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تحدث في الفقه، فأحسن وقاس واحتج، وتحدث في الشعر واللغة، ففاق من حضر، ثم أقبل على القاضي يحيى فنطق له: أعز الله القاضي! أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أومطعن،يا ترى؟ نطق: لا، نطق: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وانسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه،يا ترى؟ يعني الغناء. نطق العطوي: فالتفت إلي القاضي يحيى ونطق لي: الجواب في هذا عليك، وكان العطوي من أهل الجدل، فنطق القاضي يحيى: نعم، أعز الله القاضي! الجواب علي. ثم أقبل على إسحاق فنطق: يا أبا محمد، انت كالفراء والخفش في النحو،يا ترى؟ فنطق: لا، فنطق: فأنت في اللغة وفهم الشعر مالأصمعي وأبي عبيدة،يا ترى؟ نطق: لا، نطق: فأنت في فهم الكلام كأبي الهذيل العلاف والنظام ابلخي،يا ترى؟ نطق: لا، نطق: فأنت في الفقه كالقاضي،يا ترى؟ واشار إلى القاضي يحيى، نطق: لا، نطق: فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس،يا ترى؟ نطق: لا، نطق فمن ههنا نسبت إلى مانسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله، فضحك وقام وانصرف. فنطق القاضي يحيى العطوي: لقد وفيت الحجة حقها، وفيها ظلم قليل لإسحاق، وغنه ممن يقل في الزمان نظيره.
وكان الخلفاء يكرمونه ويقربونه، وكان المأمون يقول: لولا ما تجاوز لإسحاق على ألسنة الناس واشتهر بالغناء لوليته القضاء، فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر ديناً وامانة من هؤلاء القضاة، ولكنه اشتهر بالغناء وغلب على جميع علومه، مع أنه أصغرها عنده، ولم يكن له فيه نظير.
اسحاق الموصلي .. مغني .. وشاعر
وكان بالاضافة إلى حسن صوته وغنائه ينظم الشعر وله نظم جيد، فمن شعره ما خطه إلى هارون الرشيد:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصـري فليس إلى ما تأمـرين سـبـيل
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى بخيلاً له في العالمـين خـلـيل
وإني رأيت البخل يزري بأهلـه فأكرمت نفسي حتى ينطق بـخـيل
ومن خير حالات الفتى لوفهمته إذا نـال شـيئاً ان يكـون ينـيل
عطائي عطاء المكثرين تكـرمـا وما لي كما قد تفهمـين قـلـيل
وكيف أخاف الفقر أوأحرم الغنى ورأي أمير المؤمنـين جـمـيل
توفّي الموصلي عام 867 م عن عمر ناهز ثلاثا وثمانين عاماً.
انظر أيضاً
- زرياب
- إبراهيم بن المهدي
المصادر
- ^ الموسوعة العربية الميسرة - دار الشعب 1987