حسام الدين لؤلؤ

عودة للموسوعة

حسام الدين لؤلؤ

حسام الدين لؤلؤ (ت.تسعة جمادى الآخر 596 هـ / 1200م) أحد القواد البارزين أيام صلاح الدين الأيوبي . ولد حسام الدين لؤلؤ في النصف الأول من القرن السادس الهجرى، وقد كان قائدًا مظفرًا، شجاعًا، كريمًا. وقد كان قائدًا للأسطول المصرى الإسلامى للقاءة الصليبيين حيث نظم أسطوله، ودعمه بالبحارة من جميع أنحاء العالم الإسلامى. وقد مضى "حسام الدين" بأسطوله وبحارته، وكلهم غضبًا لله وشوقًا للثأر من الصليبيين الذين تعرضوا للأماكن المقدسة، واعتدوا على حجاج بيت الله الحرام، وانتهكوا أمن المسلمين وحرماتهم. وقد تعقّب حسام الدين الصليبيين حتى أسقط بهم الهزائم، كما قام بتدمير قراصنة الإفرنج، والثأر من انتهاكاتهم.

حسام الدين لؤلؤ من جند مصر في عصر الدولة الفاطمية، أحب صلاح الدين بشجاعته، فأسند إليه قيادة الأسطول، وكان السلطان قد عنى بأمر الأسطول، وأفرد له ديواناً خاصاً، وعين للإنفاق عليه موارد ثابتة، فكان الاختيار موفقاً، لأن حسام الدين كان شجاعاً خبيراً بالبحر والقتال فيه، فسار النصر في ركابه، وصاحب خطاه النجح والتوفيق، وسجل له التاريخ معارك انتصر فيها على الفرنج عند ساحل الشام.

وكان صلاح الدين يرسل إليه كي يهاجم أسطول الفرنج حيناً، أويحاول بينه وبين إيصال المدد إلى من بالشام من الصليبيين حيناً آخر، أوليضطر جيشهم إلى الدفاع عن الساحل بينما صلاح الدين يهاجم جيوش الفرنج بالبر، فيلزم عدوه حتى يقسم قوته، ويصد هجومين في وقت واحد معاً، إلى غير ذلك كان الأسطول وعلى رأسه لؤلؤ إحدى يدي صلاح الدين وجناح جيشه.

واشتهر لؤلؤ في معركة عكا، وساهم فيها بالنصيب الأوفى، فعندما حاصرها العدوسنة 585 أوفد صلاح الدين في طلب الأسطول فقدمت منه خمسون بترة على رأسها البطل البحري، فانقض على أسطول الصليبيين وبدده، وظفر ببطستين كبيرتين بما فيهما من الأموال والرجال والقلال، وقويت نفوس أهل المدينة بقدوم الأسطول واستظهروا برجاله على العدو، وكانوا زهاء عشرة آلاف، وظل الأسطول يكافح في المعركة، يحارب حيناً ويجلب المسيرة والإمداد حيناً آخر.

وكان مما خلد ذكر هذا القائد ما دار بينه وبين الصليبيين في البحر الأحمر سنة 578، ذلك حتى صاحب الكرك، وهومن ألد أعداء المسلمين، وأشدهم نكاية فيهم، فكر في مهاجمة المسلمين في البحر الأحمر، ظناً منه أنهم غير مستعدين فيه، وتأديباً لحامية أبلة التي كانت تغير عليه، ولا سبيل له عليها، لأنها تقيم بقلعة في جزيرة وسط البحر، فبنى سفناً، ونقل أخشابها على الجمال إلى الساحل، وجمعها في أسرع وقت، وشحنها بالمحاربين وآلات القتال، وسارت السفن وقد اقترنت فرقتين: أقلت إحداهما على حصن أبلة تحصره وت أهله ورود الماء، فأصاب حاميته شدة وضيق، ومضت الثانية، وهي فرقة فدائية، إلى عيذاب فأحرقوا في البحر ستة عشر مركباً، وأخذوا في البر قافلة كبيرة كانت قادمة من قوص إلى عيذاب وقتلوا جميع أفرادها، واستولوا على مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على الساحل كانت معدة ليرة مكة والمدينة، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع بمثلها في الإسلام، فقد فاجأوا الناس على حين غفلة فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً لا تاجراً ولا محارباً. وأرادت الحملة حتى تبتر طريق الحج، فقد كانت الغزوة في شهر شوال سنة 578، وأن تمضي إلى المدينة المنورة لتنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنقل جسده الشريف إلى بلادها، وتدفنه هناك، ولا يتمكن المسلمين من زيارته إلا بجعل. فسارت الفرقة إلى بلاد الحجاز، واتى الخبر إلى مصر، وبها الملك العادل نائباً عن أخيه صلاح الدين، فأمر قائد الأسطول وهوالحاجب لؤلؤ حتى تبع هؤلاء الغزاة، فأخذ الأسطول وانقض على محاصري أيلة انقضاض العقاب وقاتلتهم فقتل بعضهم، وأسر الباقي.

ثم مضى إلى عيذاب وأخذ يتتبع مراكب العدوحتى عثر عليها بعد أيام، فأسقط بها، وأطلق المأسورين من التجار فيها، ورد عليهم ما أخذ منهم.

ورأى العدوقد أوغلوا في طريق المدينة حتى لم يبق بينهم وبينها إلا مسافة يوم، فمضى خلفهم على حيل أخذها من الأعراب وحاصرهم هناك في شعب لا ماء فيه، حتى استسلموا، فقتل أكثرهم وأوفد بعضهم إلى منى ليقتلوا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله، وعاد بالباقين إلى مصر.

فكان لدخولهم يوم مشهود، وطيف بهم في القاهرة والإسكندرية، ورآهم ابن جبير بالإسكندرية وقد تجمع الناس حولهم، عندما أدخلوا البلد راكبين على الجمال، ووجوههم إلى أذنابها، وحولهم الطبول والأبواق.

وأوفد صلاح الدين إلى أخيه العادل يثني على أسير البحر ويغبطه، ويأمل بقتل أسراه، ويقول له على لسان القاضي الفاضل:. . . وقد غبطناه بأجر جهاده، ونجح اجتهاده، ركب السبيلين براً وبحراً، وامتطى السابقين مركباً وظهراً، وخطا فأوسع الخطو، وغزا فانجح الغزو، وحبذا العنان الذي في هذه الغزوة أطلق، والمال الذي في هذه الكرة أنفق؛ وهؤلاء الأسارى فقد ظهروا على عورة الإسلام وكشفوها، وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها. . . ولابد من تطهير الأرض من أرجاسهم، والهواء من أنفاسهم، بحيث لا يعود منهم بخبر يشير على عورات المسلمين).

وأوفد صلاح الدين بنبأ هذا النصر إلى بغداد، وانتهى الأمر بقتل الأسرى، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء وأرباب الديانة.

ذكرى المعركة

خلدت هذه المعركة ذكرى بطلها، وأقبل الشعراء يشيدون بذكره ويمجدون جهاده، فأنشأ أبوالحسن بن الذروى أشعاراً كثيرة يمدحه بها، منها قوله يصف أسرى المعركة:

مر يوم من الزمان عجيب ... كاد يبدي فيه السرور الجماد

إذا أتى الحاجب الأجل بأسرى ... قرنتهم في طيها الأصفاد

بجمال كأنهن جبال ... وعلوج كأنهم أطواد

قلت بعد التفكير لما تبدى ... هكذا هكذاقد يكون الجهاد

حبذا لؤلؤ يصيد الأعادي ... وسواه من اللآلئ يصاد

وقوله يصف هذا الجهاد:

يا حاجب المجد الذي ماله ... ليس عليه في الندى حجبه

ومن دعوه لؤلؤاً عندما=صحت من البحر له نسبه

لله ما تعمل من صالح ... فيه وما تظهر من حسبه

كفيت أهل الحرمين العدا ... وذدت عن أحمد والكعبه

كما نطق فيه الرضي بن أبي حصينة المصري يخاطب الفرنج:

عدوكم لؤلؤ والبحر مسكنه ... والدر في البحر لا يخشى من الغير

فأمر حسامك حتى يحظى بنحرهم ... فالدر مذ كان منسوب إلى النحر

ويظهر حتى صلاح الدين والعادل قد أغرقا العطاء على القائد المقدام فأثرى ثراء ضخماً.


التعامل مع القحط

غير أنه لم يشأ حتى يستأثر وحده بهذا الثراء، فإنه بعد حتى زوج بناته، وكن أربعاً وجهزهن بجهاز كاف، ومنح ابنيه ما يكفيهما، شرع يتصدق بما يبقى معه على الفقراء، نطق العماد المحرر: ومن دلائل سماحه ما شاهدته بالقاهرة، في سنة إحدى وتسعين من مبراته الظاهرة، إنه لما حط القحط رحله). . . وتم الغلا، وعم البلاد، ابتكر هذا الحاجب الكبير مكرمة لم يسبق إليها، وبذلك أنه كان يخبز جميع ليلة أثنى عشر ألف رغيف، فإذا أصبح جلس على باب الموضع الذي فيه حشر الفقراء. . . فما يزال قاعداً حتى يفرق الألوف على الألوف.

وكان هذا دأبه في هذا الغلاء، حتى هب رخاء الرخاء، فحينئذ تنوعت صدقاته، واستغرقت بالصلاة أوقاته؛ وكان بهي الشيب، نقي الحبيب، قد جعل الله البركة في عمره، وخصه مدة حياته بإمرار أمره، فأنجده في أوان ضعفه بتضعيف بره). وكان هذا الكرم مثار إعجاب الشعراء كذلك فمدحه ابن الذروى بقوله:

لئن كنت من ذا البحر يا لؤلؤ العلا ... نتجت، فإن الجود فيك وفيه

وإن لم تكن منه لأجل مذاقه ... فإنك من بحر السماح أخيه

وفاته

في اليوم التاسع من جمادى الآخرة سنة 596 هـ وارت مصر التراب بطلاً من أبطالها، وقائداً من أبرع قوادها، نطق عنه العماد وهويؤرخ وفاته:

"كان في الأيام الصلاحية أشجع الشجعان، وأفرس الفرسان، وله مقامات في الغزاة، ومواقف مع العداة."

ذكراه

نطق عنه الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي في أحدي قصائده :

مالسفن في عدد الحصي بنوافع : حتى يهز لواءها مقدام
وسألت هل من لؤلؤ أوطارق : في البحر تخفق فوقه الأعلام

الهامش

  • موسوعة الحضارة الإسلامية
  1. ^ أحمد احمد بدوي (1948). "قائد الأسطول المصري في عهد صلاح الدين". حلوان الحمامات، القاهرة: مجلة الرسالة.
تاريخ النشر: 2020-06-04 20:53:59
التصنيفات: أيوبيون, مصريون, مواليد القرن السادس هـ, وفيات 596 هـ, وفيات 1200

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

العراق: انتشال المزيد من الجثث من تحت ركام المزار الديني

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:18
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

السودان: تضرر نحو «3» آلاف منزل جراء الأمطار والسيول جنوبي البلاد

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:43
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

الاتحاد الجزائري يُعرقل انضمام عبد الرؤوف بن غيث لنادي الرجاء

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:29
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 77%

مصرع ربة منزل وطفليها إثر انهيار عقار بحدائق القبة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:43
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 38%

مبابي أصغر لاعب يسجل 200 هدف فى القرن الـ 21

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:45
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 50%

ارتفاع حصيلة ضحايا الحرائق في الجزائر الى 43 قتيلا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

سيول وصواعق رعدية تودي بحياة 13 شخصا في اليمن

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:20
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

الحلفاء الغربيون يسعون لمزيد من الإجراءات الأمنية لتأمين محط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:03
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

الاتحاد السعودي يتجه نحو الإبقاء على حمد الله

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:30
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 84%

الحاخام شالوم كوهين: وفاة الزعيم الروحي لحزب شاس الإسرائيلي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:26
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

15 ألف يسجلون رغباتهم بتنسيق جامعة الأزهر.. والخميس المقبل آخر موعد

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:49
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 37%

شوبير: ريكاردو سواريز لن يرحل عن الأهلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:50
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 36%

نصف عام من الحرب على أوكرانيا ولا بصيص أمل لوقفها

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

إصابة رئيس الوزراء الياباني بفيروس كورونا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:24
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 84%

اختطاف أربع راهبات كاثوليكيات على يد مسلحين في نيجيريا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:23
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

تعمل إيه لو منزلك تعرض لماس كهربائى.. اعرف التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:22:48
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 44%

الجامعة الملكية تفاوضت بالفعل مع الإيطالي "ماتزاري" لتدريب الأسود

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-22 12:23:28
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 84%

تحميل تطبيق المنصة العربية