فهم الدين البرزالي

فهم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن زكي الدين محمد بن يوسف بن أبي يَدّاس البرزالي الإشبيلي الشافعي (665 - 739 هـ/1266 - 1339م) الشيخ الإمام الحافظ المحدث المؤرخ.

وُلد في دمشق في أسرة فهمية اتىت من المغرب. وكانت أسرته قد نزلت إشبيلية، ثم رحلت إلى الشام. وأوَّلُ مَنْ عُرِف مِنْ هذه الأسرة الجد الأعلى للمترجم له الإمام الرحال المفيد، محدث الشام، زكي الدين محمد بن يوسف بن أبي يَدّاس، الذي سمع تاريخ مدينة دمشق في الربع الأول من القرن السابع على أبي محمد القاسم بن علي، ابن عساكر، وخطه بخطه الأندلسي الجميل. ولكن شهرة فهم الدين البِرْزالي غطَّت على من سبقه من فهماء هذه الأسرة، وذاع صيته في حياته، وانتشر في الشرق والغرب.

حضر البرزالي مجالس السماع صغيراً، وجلس في شبابه مع الشهود، وكان حسن الخط، نطق عنه ابن تيمية: «نَقْلُ البِرْزالي نَقْرٌ في حجر».

ورحل إلى حلب، وبعلبك، ومصر، والحرمين. وبلغ عدد شيوخه بالسماع أكثر من ألفي نفس، وبالإجازة أكثر من ألف جمعهم في معجم كبير؛ نطق السيوطي: «خرَّج لنفسه معجماً في سبع مجلدات عن أكثر من ثلاثة آلاف شيخ».

وَلِي البرزالي دار الحديث الأشرفية في دمشق مقرئاً فيها، وقرأ بالظاهرية سنة 713هـ، وحضر المدارس، وتولى مشيخة دار الحديث النُّورِية، ومشيخة دار الحديث النفيسية، ووقف خطه بدار الحديث السنية، وبدار الحديث القوصية. كان قوي الذاكرة، عارفاً بالرجال، ولاسيما شيوخ زمانه. ودامت حياته الفهمية من سنة 684هـ إلى سنة وفاته. وقد أجمع معاصروه على أنه كان رأساً في صدق الرواية والأمانة، صاحب سنة وأتباع، ولزوم للفرائض، خيراً ديناً متواضعاً، حسن البشر، عديم الشر، فصيح القراءة مع عدم اللحن، وكان حليماً صبوراً متودِّداً، لا يتباهى بفضائله، ولا يَنْتقصُ فاضلاً بل يوفيه فوق حقِّه.

وقد أحبّه معاصروه وتلامذته وأجلُّوه، فنطق المضىي: «مفهمنا ورفيقنا»، وأقر في أكثر من موضع بإفادته منه، والسير على نهجه، وكان ابن كثير يقتبس من تاريخه، ويراه حجةً فيما يقتبس منه. وليس غريباً حتى نجد له هذه المكانة في نفوس تلامذته، فقد كان باذلاً لخطه، مؤثراً على نفسه متصدِّقاً. وكان وافر العقل حتى إنَّه يصحب المتعاديين فلا يكتمه وواحد منهما سرّه لوثوقه به.

مصنفاته

تاريخ البرزالي

ألَّف الكثير من الخط عدد بروحدثان قسماً منها، وكان أشهرها تاريخه الذي جعله ذيلاً على تاريخ أبي شامة «ذيل الروضتين»، وسماه: «المقتفي لتاريخ أبي شامة»، واشتهر بـ«تاريخ البرزالي» وكان هذا التاريخ بدءاً من سنة مولده إلى سنة 738هـ أي قبل وفاته بسنة، ونطق صاحب الفوات: إنه في خمس مجلدات.

ولهذا التاريخ نسخة وحيدة ناسيرة في سراي طوبقبو في خزانة أحمد الثالث باصطنبول وأولها: «الحمد لله مبدئ العالم ومبيده، وناشره من الأجداث ومعيده»، وهذه النسخة في مجلدين يبدأ الأول بحوادث سنة665هـ، وينتهي بحوادث سنة 698هـ، ويتلوه المجلد الثاني بسنة 699هـ، وينتهي بسنة 720هـ، واتى في آخره: «يتلوه في الثالث سنة 721هـ والحمد لله رب العالمين»، ثم يذكر اسم الناسخ وتاريخ النسخ والسماعات.

أما المجلد الثالث فقد نقل ابن طولون (ت 953هـ ) في كتابه «اللمعات البرقية في النكت التاريخية» بعض النصوص منه مما يشير على أنَّه كان موجوداً في عصره.

وذكر صاحب كشف الظنون حتى كتاب البرزالي ظل طالما المسودة، والنسخة الموجودة في هجرية منه، والتي تقدم وصفها، تنفي ذلك. ولعل مااتى بعد المجلدين المذكورين هوالذي ظلَّ طالما التسويد، وهواحتمال ضعيف لا يوجد ما يؤيده، وقد تكشف الأيام عنه.

حجَّ البرزالي مرات عدة، وتوفي محرماً، وهوفي طريقه لأداء فريضة الحج، فدُفن بخُليص بين مكة والمدينة.