رحلة الشتاء والصيف
رحلة الشتاء والصيف، هما رحلتا تجارة وميرة كانت قبيلة قريش تجهزهما في هذين الفصلين جميع سنة أولاهما، شتاءاً إلى بلاد اليمن يبلغون بها بلاد حمير، وأخراهما صيفًا إلى الشام يبلغون بها مدينة بصرى من بلاد الشام.
التاريخ
كان أول من سن الرحلتين هاشم بن عبد مناف، وسبب ذلك أنهم كانوا يعتريهم خصاصة فإذا لم يجد أهل بيت طعاما لقوتهم حمل رب البيت عياله إلى موضع معروف فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعا ويسمى ذلك الاعتفار بالعين المهملة وبالراء وقيل بالدال عوض الراء وبفاء فحدث حتى أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهموا بالاعتفار فبلغ خبرهم هاشما لأن أحد أبنائهم كان تربا لأسد بن هاشم ، فقام هاشم خطيبا في قريش ونطق:
| إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب وتذلون وتعز العرب وأنتم أهل البيت الحرام والناس لكم تبع ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم. |
ثم جمع جميع بني أب على رحلتين للتجارات فما كسب الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته حتى صار فقيرهم كغنيهم.
ذكر الرحلتين في القرآن الكريم
ورد ذكر رحلتي الشتاء والصيف في القران الكريم وذلك في سورة قريش فنطق تعالى: 
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ 
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ 
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ 
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ 
(سورة قريش).
إن منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف، هي المنة التي يذكرهم الله بها ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين, وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله, ومنة أمنهم الخوف, سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله الحرام، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله من جميع اعتداء.
فيذكرهم بهذه المنن ليستحوا مما هم فيه من عبادة غير الله، وهورب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين، ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين. وهوتذكير يستجيش الحياء في النفوس، ويثير الخجل في القلوب. ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق، ولا يثوب إلى حق، ولا يرجع إلى معقول.
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
أي فلتعبد قريش ربها شكرا له على حتى جعلهم قوما تجارا ذوي أسفار في بلاد غير ذات غرس ولا ضرع، لهم رحلتان رحلة إلى اليمن شتاء لجلب الأعطار والأفاويه التي تأتي من بلاد الهند والخليج العربي إلى تلك البلاد ورحلة في الصيف إلى بلاد الشام لجلب الحاصلات الزراعية إلى بلادهم المحرومة منها.
وقد كان العرب يحترمونهم في أسفارهم، لأنهم جيران بيت الله وسكان حرمه، وولاة الكعبة، فيمضىون آمنين، ويعودون سالمين، لا يمسهم أحد بسوء على كثرة ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنبتر.
فكان احترام البيت ضربا من القوة المعنوية التي تحتمي بها قريش في الأسفار، ولهذا ألفتها نفوسهم، وتعلقت بالرحيل، استدرارا للرزق.
وهذا الإجلال الذي ملك نفوس العرب من البيت الحرام، إنما هومن تسخير رب البيت سبحانه، وقد حفظ حرمته، وزادها في نفوس العرب ردّ الحبشة عنه حين أرادوا هدمه، وإهلاكهم قبل حتى ينقضوا منه حجرا، بل قبل حتى يدنوا منه.
ولونزلت مكانة البيت من نفوس العرب، ونقصت حرمته عندهم، واستطالت الأيدي على سفّارهم لنفروا من تلك الرحلات، فقلّت وسائل الكسب بينهم، لأن أرضهم ليست بذات غرس ولا ضرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة يحتاج إليها الناس فيأتوهم وهم في عقر ديارهم ليأخذوا منها، فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق وتنبتر عنهم ينابيع الخيرات.
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
الذي حماه من الحبشة وغيرهم، ومكّن منزلته في النفوس، وكان من الحق حتى يفردوه بالتعظيم والإجلال.
ثم وصف رب هذا البيت بقوله:
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي إنه هوالذي أوسع لهم الرزق، ومهد لهم سبله، ولولاه لكانوا في جوع وضنك عيش.
(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي وآمن طريقهم، وأورثهم القبول عند الناس، ومنع عنهم التعدي والتطاول إلى أموالهم وأنفسهم، ولولاه لأخذهم الخوف من جميع مكان فعاشوا في ضنك وجهد شديد.
وإذا كانوا يعهدون حتى هذا كله بفضل رب هذا البيت، فلم يتوسلون إليه بتعظيم غيره، وتوسيط سواه عنده،يا ترى؟ مع أنه لا فضل لأحد ممن يوسطونه في شيء من النعمة التي هم فيها، نعمة الأمن ونعمة الرزق: وكفاية الحاجة.
انظر أيضاً
- قريش
- هاشم بن عبد مناف
- التوقيت الإسلامي
المصادر
- ^ سورة قريش تفسير ابن عاشور جامعة الملك سعود. وصل لهذا المسار فيثمانية نوفمبر 2016 Archived 1 June 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
- ^ القران الكريم، سورة قريش.
- ^ في ظلال القرآن، سيد قطب.
