الفتور لغة :

مصدر فتر، ويُنطق: فتر يفتر فتورًا وفُتارًا، أي: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، والفترة: الانكسار والضعف، وفَتـَـرَ الماءُ: سَكَن حَرُّه، و: جسمه فُتُورًا: لانَت مَفاصِله، وضَعُف. وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ في الشَّيء .

والفتور اصطلاحًا: هوالكسل والتباطؤ والتراخي بعد الجد والنشاط والحيوية.

النهي عن الفتور في القرآن

أي: (بل هم يُسَبِّحُونَ الله- تعالى- ويحمدونه ويكبرونه. طوال الليل والنهار بدون فتور أوتراخ أوتقصير). - (لا يَفْتُـرُونَ) أي: لا يلحقهم الفتور والكلال .

(وقوله- سبحانه- وَلا تَنِيا عمل مضارع مصدره الونى- بفتح الواووسكون النون- بمعنى الضعف والفتور والتراخي في الأمر. وينطق: ونى فلان في الأمر ينى ونيا- كوعد يعد وعدا- إذا ضعف وتراخى في عمله.)

والمراد بالآية: (أي: لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكري جناحًا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني، معتقدين حتى أمرًا من الأمور لا يتسار لأحد إلا بذكري .

فالآية الكريمة تدعوموسى وهارون، كما تدعوجميع مسلم في جميع زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله- تعالى- في جميع موطن، بقوة لا ضعف معها وبعزيمة صادقة لا فتور فيها ولا كلال.

• وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد والفتور فيه،

نطق الطاهر بن عاشور في تفسيرها: ("يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" ألا تعملون بمقتضى الإيمان، وداعي اليقين من المبادرة لأمر اللّه، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه والنصرة لدينكم، فـ "مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ" أي: تكاسلتم، وملتم إلى الأرض والدعة والسكون فيها.

"أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ" أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا وسعى لها ولم يبال بالآخرة، فكأنه ما آمن بها.

"فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" التي مالت بكم، وقدمتموها على الآخرة "إِلَّا قَلِيلٌ" أفليس قد جعل اللّه لكم عقولا تَزِنُون بها الأمور، وأيها أحق بالإيثار؟.

أفليست الدنيا ـ من أولها إلى آخرها ـ لا نسبة لها في الآخرة. فما مقدار عمر الإنسان القصير جدا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار ).

النهي عن الفتور في السنة

نطق ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولاقد يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما متِّع بصحة جوارحه وعقله) .

ونطق الكلاباذي: (الكسل: فتور في الإنسان عن الواجبات، فإنَّ الفتور إذا كان في الفضول وما لا ينبغي فليس بكسل، بل هوعصمة، وإذا كان في الواجبات فهوكسل، وهوالثقل، والفتور عن القيام بالواجب، وهوالخذلان، نطق الله تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ   وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن الواجب، والفتور فيه، فنطق سبحانه:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ  . و((الهرم)): فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلاقد يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النَّبي عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعًا، من جهة عجز ضرورة، وحرمان منها، مع الإمكان) .

نطق النووي: (فيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنَّه إذا فتر فليقعد حتى يمضى الفتور).

نطق المباركفوري: معنى قوله: ((كان يقوم الليل)). يعني غالبه أوكله. ((فهجر قيام الليل)). أصلًا حين ثقل عليه، أي: فلا تزد أنت في القيام أيضًا، فإنَّه يؤدي إلى هجره رأسًا. نطق السندي: يريد أنَّ الإكثار في قيام الليل قد يؤدي إلى هجره رأسًا، كما عمل فلان، فلا تعمل أنت ذاك، بل خذ فيه التوسط والقصد أي: لأنَّ التشديد في العبادة قد يؤدي إلى هجرها وهومذموم. ونطق في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) .

نطق ابن تيمية: (إنَّ من الناس منقد يكون له شدة، ونشاط، وحدة، واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.

وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يهجر ما أمر به، ولا يعمل ما نهي عنه، بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه، أوفجور في دنياه، حتى يشير إليه الناس، فينطق: هذا كان مجتهدًا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية).

أقوال في الفتور

«

نطق عمر بن الخطاب : (إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض).

»

«

نطق عبد الله بن مسعود : (لا تغالبوا هذا الليل، فإنَّكم لن تطيقوه، فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه؛ فإنه أسلم له) .

»

أنواع الفتور

• فتور عام في جميع الطاعات:

مع كره لها، وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين، حيث يقول تعالى فيهم: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ))[النساء: 142].

• كسل وفتور في بعض الطاعات:

يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أوضعف في الرغبة مع وجودها.وهذه حال كثير من فساق المسلمين، وأصحاب الشهوات. وهذان القسمان سببهما سقم في القلب، ويقوى هذا السقم ويضعف بحسب حال صاحبه.

• كسل وفتور عام لكن سببه جسدي لا قلبي:

فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهويريد قيام الليل، ولكنه لا يعمل مع استيقاظه وانتباهه.

• كسل وفتور عارض:

يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يسقط في معصية.

من مظاهر الفتور

1-قسوة القلب:

نطق تعالى (في سورة الزمر):  خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ   نطق السعدي في قول سبحانه: ((فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ)): (يعني لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي مُعرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد .

ونطق مالك بن دينار: (أربع من فهم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).

2-التكاسل عن الطاعة:

نطق تعالى (في سورة النساء): إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً  

3-الابتعاد عن الجليس الصالح:

نطق فنطق: ((مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا حتى يحذيك، وإمَّا حتى تبتاع منه، وإمَّا حتى تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إمَّا حتى يحرق ثيابك، وإمَّا حتى تجد ريحًا خبيثة)) .

4-ضياع الوقت وعدم الإفادة منه

5-الفوضوية والتخبط في العمل:(وخداع النفس بالانشغال وهوفارغ، وبالعمل وهوعاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها، ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أوالسنة، وإنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع).

6-عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من جميع عمل جدِّي:

(مما يلحق بهذا الباب أنَّك تجد هذا الفاتر أصبح يعيش بلا هدف، أوغاية سامية، فهبطت اهتماماته، وسفلت غاياته، وذلت مطامحه ومآربه. وتبعًا لذلك فلا قضايا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن وقع شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد وتخمد ثم تزول).

أسباب الفتور

1-التشدُّد في العبادة:

المؤمن ينبغي حتى يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، فعن عبد الله بن عمروبن العاص، ، نطق: (نطق لي رسول الله : يا عبد الله، ألم أبلغ أنَّك تصوم النهار، وتقوم الليل،يا ترى؟ فقلت: بلى يا رسول الله، نطق: فلا تعمل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنَّ لجسدك عليك حقًّا، وإنَّ لعينك عليك حقًا، وإنَّ لزوجك عليك حقًّا، وإنَّ لزورك عليك حقًّا، وإنَّ بحسبك حتى تصوم جميع شهر ثلاثة أيَّام، فإنَّ لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإنَّ ذلك صيام الدهر كله، فشددت فشدد عليَّ، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، نطق: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام، نطق: نصف الدهر. فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النَّبي).

2-الغفلة عن ذكر الله:

نطق ابن القيم: (فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدأه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لـمَّا تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ، واسود، وركبه الران فسد تصوره وإدراكه، فلا يَقبل حقًّا، ولا ينكر باطلًا، وهذا أعظم عقوبات القلب، وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى، فإنَّهما يطمسان نور القلب، ويعميان بصره).

3-الاقتداء بالأشخاص والتعلق الخاطئ بهم:

فقد يتعلق الفرد بشخص يعتبره قدوة، فإن زلَّ زلَّ معه، والحي لا تُؤمن عليه الفتنة، ولا هومعصوم من الخطأ، يقول عبد الله بن مسعود : (من كان منكم مستنًّا، فليستنَّ بمن مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة، أبرَّها قلوبًا، وأعمقها فهمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد كانوا على الهدي المستقيم).

4-التعلق بالدنيا وزينتها:

التعلق بالدنيا والغرور بملاذها، يعتبر من أعظم مسببات الفتور،

ونطق رسول الله : (( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع)).

عواقب الفتور

• فوات المصالح الدينية، والدنيوية.
• التعرض للأزمات النفسيَّة، والاجتماعيَّة.
• قد يؤدي به إلى هجر بعض الفرائض.
• تأثر من حوله به، وخاصة إذا كان قدوةً لغيره.
• قد يؤدي لقسوة القلب.

المراجع