محمد عزيز الحبابي

عودة للموسوعة

محمد عزيز الحبابي

محمد عزيز لحبابي

محمد عزيز الحبابي (1922- 1993) فيلسوف ومحرر مغربي. تنويري وعقلاني عصري، ساهم في الحياة الفكرية والسياسية والأدبية المغربية. بل كان، أيضا عاملاً ثقافياً نشــطاً، ساهم في تأسيس اتحاد كتاب المغرب، وفي عقد مؤتمره الأول، 1961 ، حيث كرّمه المشــاركون بانتخابه كأول رئيس للاتحاد. كذلك امتد نشــاط الحبابي إلى الأقطار العربية، والعالم أيضا، في إيطاليا ومصر وفرنسا، فضلاً عن الفدرالية الدولية للفلسفة. فيلسوف استقلالية الذات.

تنطلق فلسفة الحبابي من أنّ الإنسان هو«الكائن الذي قد بلغ تشخصنه درجة من النموتجعله، حينما يقوم بنشاط ما، يحقق نوايا ترمي إلى أبعد من الأمور الفردية». وكل نشاط (في مستوى الإنسان) يتجه نحوقصد يرمي إليه الوعي، وبهذا يمتاز عن الأفعال الآلية والحيوية، وكل نية ترمي إلى تحقيق قيمة (إيجابية أوسلبية). هناك، مع ذلك، دوافع وأسباب هي التي تحدد اختيار القيمة والغاية المقصودة، وهي ليست دواقع خاضعة دائما للتعقل أوقابلة للتفسير. يرى الحبابي بأن الإنسان يمر بثلاثة مراحل: الكائن أوالفرد، الشخص، والإنسان. فالكائن هوالمادة الخام الأولى للإنسان، ومنه ينبثق الفرد والشخص، كما يرى بأن الفرد يعد فترة أولية وهوإمكانية لتحقيق الشخص: «إن الكائن هوالأساس الحتمي للشخص، إنه مايصير شخصاً، فظهور الكائن هونقطة البداية لتكوين الشخصية الأولى، وبتقدّم السنّ تتحول هذه الشخصية إلى شخصيات أخرى من مجموعها يتكون الشخص، والشخص بدوره يصبوإلى الإنسان، وقد يحقق أحياناً هذا النزوع».

تأثر الحبابي بفلســفة هنري برگسون وإمانويل مونييه، وســعى إلى تأســيس فلســفة قائمة على نزعة إنسية إسلامية، تنطلق من معطيات الشخصية وتعقيداتها غير التقليدية. وكان لافتاً أنه اعتمد على النصّ القرآني والأحاديث، لكي يستخلص استقلالية الذات والوعي الفردي، ومعنى الفردانية في إطار مفهوم الشخصية الأعرض. وعلى نحوما، باختصار لعله غير مخلّ كثيراً بفلسفة مركبة، درس الحبابي عن صيغة تصالح الفلسفة الإنسية الغربية مع الفكر الفلسفي الإسلامي.

ولد الحبابي في فاس العريقة، وتعرض مرارا لاضطهاد المســتعمر الفرنســي لأنه طالب باستقلال المغرب، ُ كما لوحق وطرد من الدراســة، فســافر إلى فرنســا لدراســة الفلســفة، وتخرج من »المدرســة الوطنية للغات الشــرقية«، كما نال دبلوم الدراســات العليا في الفلســفة ســنة 1953، كما والدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون.

أعماله

أصــدر الحبابي قرابة 30 عملاً، بين فلســفة وشــعر ورواية، باللغتــن العربية والفرنســية؛ بينها:

  • »مفكروالإسلام«، 1954؛
  • »بــؤس وضيــاء«، شــعر، 1962؛
  • »مــن الكائن إلى الشــخص: دراســات في الشــخصانية الواقعية«، 1962؛
  • »الشخصانية الإسلامية«، 1964؛
  • »جيل الظمأ«، رواية 1967؛
  • »العض على الحديد«، قصص، 1969؛
  • »إكسير الحياة«، 1974؛
  • »تأملات في اللغوواللغة«، 1980؛
  • «يتيم تحت الصفر«، شعر، 1988.


لا داعي لتقييد بروميثيوس

كثير من المحدثين يتشاءمون من التقدم الحضاري المعاصر، ظانين حتى خلاص النوع البشري في إيقاف نشر الفهم والتقنيات. لذا نراهم ينادون، مع جوزيف كايو، بضرورة تكبيل پروميثيوس.

رداً على جوزيف كايونجيب بأنه لا داعي لتقييد بروميثيوس، فما نحن في حاجة ملحة إليه، هوحتى نتفهم كيف من الممكن أن نحمي أنفسنا من عبث الذين يعملون على تحجير الحضارة وتحويلها إلى وسائل تقنية للإنتاج لا أكثر، جاعلين الفهم مجالاً للبحث عن وسائل لإرضاء إرادة السلطة والشعور بالعظمة، فحسب. علينا حتى نوجد قوانين تمنع القوة من حتى تحل محل الحق وتتيح للفهم حتى يؤدي دوره في خدمة الناس أجمعين. ومتى حققنا ذلك، لن يعود التقدم مرادفاً لسيطرة أقليات على أكثريات، بل ترقية النوع البشري، وتحسين سلوكه والاستجابة الكاملة لميله الطبيعي في التعالي. لا نريد من ذلك حتى نوقف سير التقدم التقني الذي هوسير ضروري، وإنما نريد حتى ننبه إلى ضرورة الاهتمام العاجل بإيجاد إصلاحات أخلاقية ومجتمعية، على الصعيد العالمي، تطابق التطور الصناعي والتقني الذي حققناه. فإذاً الأمر يتعلق بوجوب اعتبار التقنيات، دائماً، مجرد وسائل مسخرة لإسعاد الإنسان، لا غاية في ذاتها. حقاً، إذا التقدم التقني يقضي على الجوع، إذ يندر، في وقتنا، حتى يموت أحد جوعاً في بلاد صناعية. لأنه إذا كانت أغلبية الناس تعيش في أوضاع أفضل بكثير من تلك التي كان يعيش عليها أجدادهم، فإنهم يعهدون، اليوم، ألواناً أخرى من البؤس، مثل البطالة وتضخم الحاجات التي تظل غير مشبعة عند السواد الأعظم.

لم تقدم الرأسمالية حلولاً لتجنب الأزمات، عيبها الأكبر هوالمزاحمة الجنونية التي كثيراً ما انتهت بنشوب حرب، أوسحق شعوب برمتها للاستعمار والاستغلال. وهنا يكمن أساس الأزمة الراهنة. ومما يبعث على القلق، أنه قد ينتاب إنسانية اليوم (وقد دخلت العهد النووي) جنون التسابق والمزاحمة أكثر من دافع الحماسة. يشير على ذلك حتى الولايات المتحدة، التي تعد طليعة في هذا الميدان، تعتقد حتى الحرب وحدها هي الكفيلة بالقضاء على معضلة البطالة التي لم يستطع برنامج روزڤلت حتى يحلها. فالولايات المتحدة تفهم، أيضاً، حتى هذا الخطر محقق حتماً، إذا عمّ السلام، لأن التقدم التقني يعمل على مضاعفة المصانع الحربية.

من غير شك حتى السبب، في هذا الاضطراب وفي هذا القلق، يرجع في جزء كبير إلى الفوضى الأخلاقية والاقتصادية التي تسود بيئاتنا، إذ حتى نُظُم الحياة السياسية والاقتصادية لم تحدد بعد أهدافاً لخدمة الإنسانية تحديداً صادقاً واضحاً. فأجهزة التوزيع غير منسجمة مع وسائل الإنتاج المتزايدة باستمرار.

فلكي نصل إلى حضارة حق، ذات طابع إنساني، يتحتم علينا حتى نعيد النظر، بصفة عامة، في الوسائل الفكرية والمجتمعية المطبقة داخل بيئاتنا. إذا الحضارة ليست مثلاً أعلى، ولكنها أمر واقع نحياه. ومع ذلك، فإن العدد الأكبر بيننا يفتقر إلى الكثير من الضروريات في حين حتى أقليات تكاد تختنق رخاء! وبقدر ما تواصل الحضارة سيرها، بقدر ما يضاعف التطور خطواته. وإذا كانت معلوماتنا الفهمية، ووسائلنا التقنية، وطرق الإنتاج والتوزيع تتغير دوماً، فإن أخلاقنا تظل ثابتة جامدة. فرغم التقدم الذي حققناه، في جميع الميادين، ما زلنا بعيدين عن الحضارة كما حدد مفهومها كوندورسيه، بقوله: «حدثا انتشرت الحضارة في أراتى العالم، تلاشى شبح الحرب، وقلت مظاهر الاستعباد، مثل الرق والبؤس». إننا أمام اختيار غامض مفجع: إما حتى يستمر هذا الطلاق البائن بين الأخلاق وتطور الصناعة اللامنتهي، فتستمر حضارتنا زوجة لشبح الإفلاس، وإما حتى تتطور فيحصل الإنقاذ. يثير الجانب الثاني من هذا الاختيار المرير معضلة عويصة. فعندما يطرأ تغير على المبادىء الأخلاقية، لا تعود أحكامنا عن الخير والشر، ولا شعورنا بالواجب مرتكزة على أساس وطيد. ومع ذلك، فإن للتاريخ منطقاً يقضي على الأخلاق بأن تعمل، دائماً، على ضبط التوازن في هذا العالم المتغير دون توقف. فإن هي لم تعمل (أي حتى الأخلاق لا تساير التطور) أصبحت الحضارة مجردة من الجانب الدينامي المبدع، وصارت في تدحرج إلى الاندثار.

—فقرات من كتاب «من المنغلق إلى المنفتح»، الذي صدر أولاً بالفرنسية سنة 1961، وترجمه محمد برادة إلى العربية سنة 1971.

الهامش

  1. ^ محمد عزيز الحبابي (2014-10-25). "لا داعي لتقييد بروميثيوس". صحيفة القدس العربي.
تاريخ النشر: 2020-06-08 01:19:12
التصنيفات: مواليد 1922, وفيات 1993, أشخاص من فاس, خريجو جامعة پاريس, طاقم تدريس جامعة محمد الخامس, فلاسفة مغاربة, كتاب مغاربة, كتاب مغاربة بالفرنسية, كتاب مقالات مغاربة, شعراء مغاربة, فلاسفة القرن 20, روائيون مغاربة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اعتقال “كرّاب” وحجز كمية مهمة من “الماحيا” بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:28
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 50%

حارس المنتخب الالماني يعلن إصابته بالسرطان

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:30
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 49%

المغرب يرصد 82 إصابات جديدة دون وفيات جراء كورونا خلال 24 ساعة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:38
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

السلطات الجزائرية تمنع “AFP” من محاورة بوريطة + فيديو

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:38
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 40%

وفاة الهولندي بيرت فلينت

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:36
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 42%

الامم المتحدة تصف تصريحات وزيرة بريطانية عن المهاجرين ب"المروعة"

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:16:46
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 95%

الموت يفجع عمدة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:29
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 50%

غرينبيس تحذر من شح المياه والغذاء في المنطقة العربية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:35
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 45%

وزير الخارجية السعودي يعلن استضافة بلاده للقمة العربية المقبلة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:32
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 49%

منظمات أمازيغية تقاضي عزيز البدراوي ومشجعين رجاويين

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 18:15:27
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 44%

تحميل تطبيق المنصة العربية