جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي صحابي وقائد مسلم، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وهوأحد وزراء الرسولِ محمدٍ لقوله: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَبْلِي إِلا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُوبَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُوذَرٍّ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلالٌ». وجعفر هوأخوعلي بن أبي طالب لأبويه، ويُنطق أنه كان أشبه الناس بالرسولِ محمدٍ خَلقاً وخُلُقاً.

أسلم جعفر بن أبي طالب، ثم هاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة، ومكثوا فيها عند ملكها النجاشي. ثم هاجر جعفر إلى المدينة المنورة يوم فتح خيبر، فكانت له هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وآخى الرسولُ بينه وبين معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري. شهد جعفر بن أبي طالب غزوة مؤتة التي دارت رحاها سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وكان هوأميرَ جيش المسلمين إذا أُصيب قائدُهم الأول زيد بن حارثة، فلما قُتل زيد بن حارثة في المعركة، أخذ جعفر بن أبي طالب اللواء بيمينه فبترت، فأخذه بشماله فبترت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل وهوابن إحدى وأربعين سنة، فصلى عليه الرسولُ ونطق: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ». دُفن جعفر في منطقة مؤتة في بلاد الشام، وله مقام يقع في بلدة المزار الجنوبي في الأردن جنوب مدينة الكرك.

نسبه

• هو«جعفر بن أبي طالب (واسمه عبد مناف) بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهوقريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هوالمتفق عليه من نسبه، الذي هونسب الرسول محمدٍ نفسُه تقريباً، فكلاهما من نسل عبد المطلب بن هاشم. أما ما فوق معد بن عدنان ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت حتى نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم. وجعفر ابن عم الرسول محمد، وأخوعلي بن أبي طالب لأبويه، وكان أسن من علي بعشر سنين، وأخوه عقيل أسن منه بعشر سنين، وأخوهم طالب أسن من عقيل بعشر سنين.

• أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية القرشية، وهي أمه وأم إخوته طالب وعقيل وعلي، أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت بها، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي أيضاً أول هاشمية ولدت خليفة.

إسلامه

أسلم جعفر بن أبي طالب قبل حتى يدخل الرسول محمدٌ دار الأرقم ويدعوفيها، فقد أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل، وهوأحد السّابقين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد خمسة وعشرين رجلاً، وقيل أسلم بعد واحد وثلاثين إنساناً، فكان هوالثاني والثلاثين.

وقد رُوي حتى أبا طالب رأى النبيَّ محمداً وعليّاً يصليان، وعلي عن يمينه، فنطق لجعفر: «صِلْ جناحَ ابن عمك، وصلِّ عن يساره».

هجرته إلى الحبشة

عندما رأى النبيُ محمدٌ ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم مما هم فيه من البلاء نطق لهم: «لوخرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه»، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب الرسولِ إلى أرض الحبشة، مخافةَ الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أولَ هجرة في الإسلام.

وكان أول من خرج من المسلمين إلى الحبشة عثمان بن عفان، معه امرأته رقية بنت الرسول محمد، وأبوحذيفة بن عتبة بن ربيعة، معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، والتي ولدت هناك محمد بن أبي حذيفة، وكذلك الزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبوسلمة بن عبد الأسد، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبوسبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، وينطق: بل أبوحاطب بن عمروبن عبد شمس (وينطق: هوأول من قدمها)، وسهيل بن بيضاء، وهوسهيل بن وهب بن ربيعة. فكان هؤلاء العشرةُ أولَ من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة. نطق ابن هشام: «وكان عليهم عثمان بن مظعون، فيما ذكر لي بعض أهل الفهم».

ثم خرج جعفر بن أبي طالب، ومعه امرأته أسماء بنت عميس، والتي ولدت له بأرض الحبشة عبدالله. وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، فكانوا بها، منهم من خرج بأهله معه، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه. فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغاراً وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلاً، إذا كان عمار بن ياسر فيهم، وهويُشك فيه. أي يُشك فيه أكان خرج إلى الحبشة أم لا.

وكان مما قيل من الشعر في الحبشة، حتى عبد الله بن الحارث، حين أمن المسلمون بأرض الحبشة، وحمدوا جوار النجاشي، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحداً، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به، نطق أبياتاً منها:

رسولَي قريش إلي الحبشة

قصَّت أم سلمة بنت أبي أمية سيرة رسولَي قريش إلى أرض الحبشة فنطقت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورْنا بها خيرَ جارٍ النجاشيَّ، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً، ائتمروا بينهم حتى يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هداياً مما يُستطرف من متاع مكة، وكان من أحب ما يأتيه منها الأدم (أي الجلود)، فجمعوا له أدماً كثيراً، ولم يهجروا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمروبن العاص، وأمروهما بأمرهم، ونطقوا لهما: «ادفعا إلى جميع بطريق هديته قبل حتى تحدثا النجاشي فيهم، ثم قدِّما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه حتى يسلمهم إليكما قبل حتى يحدثهم»، فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريقٌ إلا دفعا إليه هديته قبل حتى يحدثا النجاشي، ونطقا لكل بطريق منهم: «إنه قد ضوى (أي لجأ) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، واتىوا بدين مبتدع، لا نعهده نحن ولا أنتم، وقد بَعَثَنَا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم ليردهم إليهم، فإذا حدثنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يحدثهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً، وأفهم بما عابوا عليهم»، فنطقوا لهما: «نعم».

ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم حدثاه فنطقا له: «أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، واتىوا بدين ابتدعوه، لا نعهده نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأفهم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه»، ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمروبن العاص من حتى يسمع كلامَهم النجاشيُّ، فنطقت بطارقته حوله: «صدقاً أيها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً، وأفهم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم»، فغضب النجاشي، ثم نطق: «لاها الله، إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني».

نطقت: ثم أوفد إلى أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنادىهم، فلما اتىهم رسولُه اجتمعوا، ثم نطق بعضهم لبعض: «ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟»، نطقوا: «نقول والله ما فهمنا، وما أمرنا به نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم كائناً في ذلك ما كائن»، فلما اتىوا، وقد نادى النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فنطق لهم: «ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟»، أونطق: «ما هذا الدين الذي أنتم عليه،يا ترى؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية، ولا نصرانية»، فكان الذي حدثه جعفر بن أبي طالب، فنطق له:

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

•  •

شخصيات محورية  •  •  •

•  •

مدن مقدسة  • مواقع مقدسة  • الخلافة الإسلامية  •  •  • الفتوحات الإسلامية  •  •  •  •  •  •  •

أعياد ومُناسبات الأعياد في الإسلام  • مناسبات إسلامية  •

فنطق له النجاشي: «هل معك مما اتى به عن الله من شيء؟»، فنطق له جعفر بن أبي طالب: «نعم»، فنطق له النجاشي: «فاقرأه علي»، فقرأ عليه صدراً من سورة مريم:  كهيعص  ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا  إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا  ، إلى الآيات:  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا  فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا  قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا  .

نطقت: فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم نطق النجاشي: «إن هذا والذي اتى به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون».

فلما خرج رسولا قريش من عنده، نطق عمروبن العاص: «والله لآتينه غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم»، فنطق له عبد الله بن أبي ربيعة: «لا نعمل، فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا»، نطق: «والله لأبلغنه أنهم يزعمون حتى عيسى بن مريم عبد». ثم غدا عليه من الغد فنطق له: «أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأوفد إليهم فسلهم عما يقولون فيه»، فأوفد إليهم ليسألهم عنه، فاجتمع القوم، ثم نطق بعضهم لبعض: «ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟»، نطقوا: «نقول والله ما نطق الله، وما اتىنا به نبينا، كائنا في ذلك ما كائن»، فلما دخلوا عليه، نطق لهم: «ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟»، فنطق جعفر بن أبي طالب:

فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فأخذ منها عوداً، ثم نطق: «والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود» (أي حتى قولك لم يعد عيسى بن مريم بمقدار هذا العود)، فتناخرت بطارقته حوله حين نطق ما نطق، فنطق: «وإن نخرتم والله، امضىوا فأنتم شيوم بأرضي (أي آمنون)، من سبكم غرم»، ثم نطق: «من سبكم غرم»، ثم نطق: «من سبكم غرم، ما أحب حتى لي دبراً (أي جبلاً) من مضى، وأني آذيت رجلاً منكم، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه»، نطقت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما اتىا به، وأقمنا عنده بخير دار، مع خير جار.

وفي رواية أخرى حتى قريشاً بعثت عمروبن العاص وعمارة بن الوليد (وليس عبد الله بن أبي ربيعة كما في الرواية السابقة)، بعثتهما بهدية، فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم نطقا له: «إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا»، نطق: «فأين هم؟»، نطقا: «في أرضك، فابعث إليهم»، فبعث إليهم، فنطق جعفر: «أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه»، فسلم ولم يسجد، فنطقوا له: «مالك لا تسجد للملك؟»، نطق: «إنا لا نسجد إلا لله عز وجل»، نطق: «وما ذاك؟»، نطق: «إن الله بعث إلينا رسولاً ثم أمرنا حتى لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة»، نطق عمرو: «فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم»، نطق: «فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟»، نطق: «نقول كما نطق الله: هوحدثته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول، التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد»، فحمل عوداً من الأرض ثم نطق: «يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما سوى هذا، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه»، وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما.

واجتمع أهل الحبشة يوماً فنطقوا للنجاشي: «إنك قد فارقت ديننا»، وخرجوا عليه، فأوفد إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفناً، ونطق: «اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإن هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا»، ثم عمد إلى كتاب فخط فيه: «هويشهد حتى لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويشهد حتى عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه، وحدثته ألقاها إلى مريم»، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فنطق: «يا معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم؟»، نطقوا: «بلى»، نطق: «فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟»، نطقوا: «خير سيرة»، نطق: «فما بالكم؟»، نطقوا: «فارقت ديننا، وزعمت حتى عيسى عبد»، نطق: «فما تقولون أنتم في عيسى؟»، نطقوا: «نقول هوابن الله»، فنطق النجاشي، ووضع يده على صدره على قبائه: «هويشهد حتى عيسى بن مريم»، لم يزد على هذا شيئاً، وإنما يعني ما خط، فرضوا وانصرفوا عنه. فبلغ ذلك النبيَ محمداً، فلما توفي النجاشي صلى عليه، واستغفر له.

هجرته إلى المدينة

لما هاجر الرسولُ محمدٌ إلى المدينة المنورة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائباً بأرض الحبشة.

قدِم جعفر بن أبي طالب على الرسولِ محمدٍ يوم فتح خيبر، فقبَّل الرسولُ بين عينيه، والتزمه ونطق: «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟» أونطق: «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟»، وأنزله الرسولُ إلى جنب المسجد.

وقد روي عن أبي موسى أنه نطق: بلغنا مخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقْنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين افتتح خيبر، فكان أناس من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة- سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فنطق حين رأى أسماء: «من هذه؟»، نطقت: «أسماء ابنة عميس»، نطق عمر: «الحبشية هذه،يا ترى؟ البحرية هذه؟»، نطقت أسماء: «نعم»، نطق: «سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منكم»، فغضبت ونطقت: «كلا والله كنتم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أوفي أرض- البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه»، فلما اتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نطقت: «يا نبي الله إذا عمر نطق كذا وكذا»، نطق: «فما قلت له؟»، نطقت: «قلت كذا وكذا»، نطق: «ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان»، نطقت: «فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شئ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما نطق لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم».

إمارته في غزوة مؤتة ومقتله

شهد جعفر بن أبي طالب غزوة مؤتة التي دارت رحاها في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وقد أمَّره الرسولُ محمدٌ على جيش المسلمين طالما أصيب قائدهم الأول زيد بن حارثة، إذ نطق: «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس». فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج، وهم ثلاثة آلاف، فلما جاء خروجهم ودَّع الناسُ أمراءَ الرسول وسلموا عليهم.

ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام، فبلغ الناسَ حتى هرقل قد هبط مآب من أرض البلقاء، في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي، مائة ألف منهم. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم ونطقوا: «نخط إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنخبره بعدد عدونا، فإما حتى يمدنا بالرجال، وإما حتى يأمرنا بأمره، فنمضي له». فشجع عبدُ الله بن رواحة الناس، ونطق: «يا قوم، والله إذا التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة»، فنطق الناس: «قد والله صدق ابن رواحة»، فمضى الناس.

مضى المسلمون، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء ينطق لها مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية ينطق لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة ينطق له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار ينطق له عباية بن مالك (وينطق عبادة بن مالك). ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية الرسولِ حتى شاط في رماح القوم، أي سال دمه فمات.

ثم أخذ جعفر الراية فقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء (أي رمى بنفسه عنها)، فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قُتل، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام، ومعنى عقرها: أي ضرب قوائمها وهي قائمة بالسيف، وذلك مخافة حتى يأخذها العدوُّ فيقاتلَ عليها المسلمين، نطق السهيلي: «لم يعب ذلك عليه أحد، فدل على جوازه إذا خيف حتى يأخذها العدوفيقاتل عليها المسلمين، فلم يدخل هذا في باب النهي عن تعذيب البهائم وقتلها عبثاً، غير حتى أبا داود نطق: ليس هذا الحديث بالقوي. وقد اتى فيه نهيٌ كثيرٌ عن الصحابة...».

وقد رُوي عن عبد الله بن الزبير، وكان في غزوة مؤتة أنه نطق: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها ثم قاتل حتى اغتال وهويقول:

ورُوي حتى جعفر بن أبي طالب قد أخذ اللواء بيمينه فبترت، فأخذه بشماله فبترت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل وهوابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل كان عمره إحدى وأربعين سنة، وقيل غير ذلك. ويؤمن المسلمون حتى الله تعالى قد أثابه بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، فقد نطق الرسولُ محمدٌ: «أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة». ويُنطق إذا رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فبتره بنصفين. ولما قُتل جعفر وُجد به بضع وسبعون جراحة ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، كلها فيما أقبل من بدنه، وقيل: بضع وخمسون، والأول أصح. ونطق عبد الله بن رواحة: «كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من ضربة ورمية». ورُوي عن ابن عمر أنه وقف على جعفر بن أبي طالب يومئذ وهوقتيل فعد به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره.

نطق ابن إسحاق: «فلما أصيب القومُ نطق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما بلغني: «أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى اغتال شهيداً، ثم أخذها جعفر، فقاتل بها حتى اغتال شهيداً»، ثم صمت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون، ثم نطق: «أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل بها حتى اغتال شهيداً»، ثم نطق: «لقد حملوا في الجنة على سرر من مضى، فرأيت في سرير عبد الله ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا،يا ترى؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى»».

وروي حتى الرسولَ محمداً نطق لما اغتال زيد: «أخذ الراية جعفر بن أبي طالب»، فاتىه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا فنطق: «الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدنيا»، ثم مضى قدماً حتى قُتل، فصلى عليه الرسولُ ونطق: «استغفروا لأخيكم فإنه شهيد، ولج الجنة وهويطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء في الجنة»، نطق: «ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم ولج الجنة معترضاً»، فشق ذلك على الأنصار، فقيل: «يا رسول الله ما اعترضه؟»، نطق: «لما أصابته الجراح نكل»، فعاتب نفسه فتشجع، واستشهد ودخل الجنة، فسري عن قومه.

حزن المسلمين على مقتل جعفر

رُوي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس (زوجة جعفر) أنها نطقت: لما أصيب جعفر وأصحابه ولج علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد دبغت أربعين مناً، وعجنت عجيني، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فنطق لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ائتيني ببني جعفر»، فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما يبكيك،يا ترى؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟» نطق: «نعم، أصيبوا هذا اليوم»، فقمت أصيح، واجتمعت إلي النساء، وخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أهله، فنطق: «لا تغفلوا آل جعفر من حتى تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم».

ويروى أنه لما أصيب جعفر، أوفد الرسولُ إلى امرأته حتى ابعثي إلي بني جعفر، فأتي بهم، فنطق الرسول: «اللهم إذا جعفراً قد قدِم إليك إلى أحسن الثواب، فاخلِفه في ذريته بخير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين».

وعن عائشة أنها نطقت: «لما أتى وفاة جعفر عهدنا في وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحزن». وروي حتى الرسولَ لما أتاه نعي جعفر، ولج على امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها فيه، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: «واعماه»، فنطق الرسولُ محمدٌ: «على مثل جعفر فلتبك البواكي». ودخله من ذلك هم شديد حتى أتاه جبريل، فأبلغه حتى الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة.

شعر حسان بن ثابت في بكاء جعفر

نطق حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب:

مقامه وقبره

توفي جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، ودفن على أرض الأردن في بلدة المزار الجنوبي. ويقع مقامه في مؤتة في الأردن جنوب مدينة الكرك بنحوعشرة كيلومترات، وعلى بُعد كيلومتر واحد إلى الشرق من الشارع العام المؤدي إلى بلدة المزار. وتاريخ المسقط يعود إلى عصر الأيوبيين والمماليك، حيث قاموا ببناء الضريح والقبة، ومن بعدهم العثمانيون الذين اهتموا بهذا المزار، فبنوا القباب وغطوا الأضرحة ببلاطات رخامية، وقد هُدم هذا المقام مرةً إمّا بعمل الزلازل أوعند احتلال الصليبيين لمنطقة الكرك.

وقد قام قسم الآثار الإسلامية في وزارة الأوقاف الأردنية بإجراء حفريات أثرية أسفرت عن اكتشافات مهمة، منها إبراز القابلة الشمالية وإظهارها وبشكل تام للمسقط، وتـمّ العثور على بوابة تؤدي إلى ممر مبلط يصل إلى ساحة المسجد في منتصف القابلة الشمالية، وكذلك تـمّ العثور على قبة تعلوأقواساً أربعة أحدها ظاهر والثلاثة الباقية منهدمة وأرضيتها مبلطة بالرخام، كما عثر على محراب المسجد الذي يبلغ ارتفاعه مترين تقريباً، وكذلك عثر على عدد من بتر العملة والأسرجة الفخارية والنقوش الأثرية. وإلى الجنوب من المشهد بما يقرب من 500 م يقع مسجد عبد اللّه بن رواحة في المسقط الذي توفي فيه، وكذلك قبر زيد بن حارثة.

فضله ومكانته في الإسلام

كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس بالرسول محمد خَلقاً وخُلُقاً، فعن علي بن أبي طالب حتى النبيَّ محمداً نطق: «وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأنت من عترتي التي أنا منها»، وبعدما قُتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، اختصم علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنته أمامة بنت حمزة، فنطق علي: «أنا أخذتها وهي ابنة عمي»، ونطق جعفر: «ابنة عمي، وخالتها تحتي»، ونطق زيد: «ابنة أخي»، فقضى بها النبيُّ محمدٌ لخالتها (أي لزوجة جعفر)، ونطق: «الخالة بمنزلة الأم»، ونطق لعلي: «أنت مني وأنا منك»، ونطق لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، ونطق لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، نطق علي: «ألا تتزوج ابنة حمزة»، نطق: «إنها ابنة أخي من الرضاعة».

وعن أبي هريرة أنه نطق: «نطق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة»». كما روي عن أبي هريرة أنه نطق: «ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من جعفر».

وقد كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويحسن إليهم ويخدمهم، حتى سمي أبا المساكين، فعن أبي هريرة أنه نطق: «إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا، فيطعمنا ما كان في بيته حتى إذا كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها». ونطق أبوهريرة: «كان جعفر يحبّ المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه. فكان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يكنيه أبا المساكين».

كما كان لجعفر بن أبي طالب مكانة عظيمة في نفوس الصحابة، نطق عبدُ الله بنُ جعفر: «كنت إذا سألت علياً شيئاً فمنعني، وقلت له: بحق جعفر، إلا أعطاني»، ونطق: «كان عمر بن الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر، نطق: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين».

زوجته وذريته

أسماء بنت عميس

أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهوخثعم بن أنمار، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية. أسلمت قديماً، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فولدت له بالحبشة عبد الله، وعوناً، ومحمداً، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قُتل عنها جعفر بن أبي طالب تزوجها أبوبكر الصديق، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم توفي عنها فتزوجها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى، لا خلاف في ذلك. وأسماء أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي محمد، وأخت أم الفضل امرأة العباس، وهي أخت سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب، وكانت أسماء بنت عميس أكرم الناس أصهاراً، فمن أصهارها النبيُّ محمدٌ وحمزة والعباس وغيرهم. ونطق لها عمر بن الخطاب: «نِعم القوم لولا أنا سبقناكم إلى الهجرة»، فذكرت ذلك للنبي فنطق: «بل لكم هجرتان إلى أرض الحبشة وإلى المدينة».

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، له صحبة، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولد بأرض الحبشة، وهوأول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة، وهوأخومحمد بن أبي بكر الصديق، ويحيى بن علي بن أبي طالب لأمهما. روى عن النبيِّ محمدٍ أحاديث، وروى عن أمه أسماء، وعمه علي بن أبي طالب، وروى عنه بنوه: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والشعبي، وغيرهم. توفي الرسولُ محمدٌ ولعبد الله عشر سنين.

كان عبد الله كريماً جواداً حليماً، يسمى بحر الجود، فقد رُوي حتى عبد الله بن جعفر أسلف الزبير بن العوام ألف ألف درهم، فلما اغتال الزبير، نطق ابنه عبد الله لعبد الله بن جعفر: «إني وجدت في خط أبي حتى له عليك ألف ألف درهم»، فنطق: «هوصادق فاقبضها إذا شئت»، ثم لقيه فنطق: «يا أبا جعفر، وهمت، المال لك عليه»، نطق: «فهوله»، نطق: «لا أريد ذاك»، نطق: «فاختر إذا شئت فهوله، وإن كرهت ذلك فله فيه نظرة ما شئت، وإن لم ترد ذلك فبعني من ماله ما شئت»، نطق: «أبيعك ولكن أقوم»، فقوم الأموال ثم أتاه، فنطق: «أحب حتى لا يحضرني وإياك أحد»، فانطلق، فمضى معه فأعطاه حراباً وشيئاً لا عمرة فيه وقومه عليه، حتى إذا فرغ نطق عبد الله بن جعفر لغلامه: «ألق لي في هذا الموضع مصلى»، فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى، فصلى ركعتين وسجد فأطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد من النادىء نطق لغلامه: «احفر في موضع سجودي»، فحفر، فإذا عين قد أنبطها، فنطق له ابن الزبير: «أقلني»، نطق: «أما نادىئي وإجابة الله إياي فلا أقيلك»، فصار ما أخذ منه أعمر مما في يد ابن الزبير. وأخباره في جوده وحلمه وكرمه كثيرة.

توفي عبد الله سنة ثمانين، عام الجحاف بالمدينة، وأمير المدينة أبان بن عثمان لعبد الملك بن مروان، فحضر أبان غسل عبد الله وكفنه، والولائد خلف سريره قد شققن الجيوب، والناس يزدحمون على سريره، وأبان بن عثمان قد حمل السرير بين العمودين، فما فارقه حتى وضعه بالبقيع، وإن دموعه لتسيل على خديه، وهويقول: «كنت والله خيراً لا شر فيك، وكنت والله شريفاً واصلاً براً». وصلى عليه أبان بن عثمان، ورئي على قبره مكتوب:

وقيل: توفي سنة أربع أوخمس وثمانين، والأول أكثر، نطق المدائني: كان عمره تسعين سنة، وقيل: إحدى، وقيل: اثنان وتسعون سنة.

عون بن جعفر بن أبي طالب

عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وُلد على عهد الرسولِ محمدٍ. أمه وأم أخويه عبد الله ومحمد هي أسماء بنت عميس الشهرانية الخثعمية. قُتل بتستر، ولا عقب له. روى عبد الله بن جعفر، حتى النبي نطق لعون: «أشبهت خلقي وخلقي»، وهذا إنما نطقه الرسولُ محمدٌ لأبيه جعفر بن أبي طالب.

محمد بن جعفر بن أبي طالب

محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وهوابن أخي علي بن أبي طالب، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية. وُلد على عهد الرسولِ محمدٍ، وكانت ولادته بأرض الحبشة، وقدم إلى المدينة طفلاً، ولما اتى نعي جعفر إلى الرسولِ اتى إلى بيت جعفر، ونطق: «أخرجوا إلي أولاد أخي»، فأخرج إليه عبد الله، ومحمد، وعون، فوضعهم النبي على فخذه ونادى لهم، ونطق: «أنا وليهم في الدنيا والآخرة»، ونطق: «أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب». وهوالذي تزوج أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب. نطق الواقدي: «كان محمد بن جعفر يكنى أبا القاسم»، وقيل إنه قُتل بتستر، نطقه أبوعمر.

نعمى بنت جعفر بن أبي طالب

نعمى بنت جعفر بن أبي طالب، ذُكرت في حديث رواه عبد الملك بن جريج عن عطاء عن أسماء بنت عميس: حتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نطق لنعمى بنت جعفر: «ما لي أرى أجساد بني جعفر أنضاء،يا ترى؟ أبهم حاجة؟»، نطقت: «لا، ولكنهم تسرع إليهم العين، أفأرقيهم؟»، نطقت: فعرضت عليه كلاماً لا بأس به، فنطق: «ارقيهم».

المصادر

المراجع

• السيرة النبوية لابن هشام، المؤلف: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبومحمد، جمال الدين (المتوفى: 213هـ)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مخطة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ - 1955م.
• أسد الغابة في فهم الصحابة، المؤلف: أبوالحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين بن الأثير (المتوفى: 630هـ)، المحقق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الخط الفهمية، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1415هـ - 1994م.
• البداية والنهاية، المؤلف: أبوالفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، المحقق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى 1408هـ - 1988م.
• سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي)، المؤلف: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني (المتوفى: 151هـ)، تحقيق: سهيل زكار، الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى 1398هـ - 1978م.
• الإصابة في تمييز الصحابة، المؤلف: أبوالفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الخط الفهمية - بيروت، الطبعة: الأولى - 1415هـ.

وصلات خارجية

• جعفر بن أبي طالب - مسقط سيرة الإسلام.
• جعفر بن أبي طالب.
• جعفر بن أبي طالب - إسلام ويب.