أنشيء
حدثة وحدثة: بقلم د. رمزي حجازي ما رأيت أنهش للحم الإنسان، ولا أجرح لمشاعره، ولا أنفذ في قلبه من الحدثة السقيمة التي قصد بها صاحبها إهانة أولوما أوسوءا، فالحدثة المريضة مُسقمة، والحدثة السعيدة مُسعدة، فكم من حدثة قتلت، وكم من حدثة جرحت، وكم من حدثة أحيت أرضا جرزا، وذلك حتى الإنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس، وليس آلة تُدار، فهوبين انقباض وانبساط، وخوف وأمن، وحزن وفرح، وتذكر ونسيان، وعالمه الذي يعيش فيه هوذاته التي يجمعها في جميع يوم، فتارة يلقاها، وتارة يبحث عنها فلا يجدها. إن النفس في منحنياتها صعودا وهبوطا، هي في الحقيقة منحنيات من الأمل والألم، من التفاؤل والتشاؤم، تتأرجح بين الابتسام والانكسار، حين تختمر بها بلادة الحس في عالم مهين، فتُضرس كالحَبّ في الرحى، أويمتزج بها نقاء الأرواح، فتشرق كالشمس في فلكها. إحسان المرء في انتقاء حدثته، واصطباره على حبس سقيمها، وكظمها مراعاة للأخوة الإنسانية، مرتبة عليا لا تواتي إلا جميع حكيم عفِّ اللسان، ثابت الجَنان، قوي الإرادة، وقليل من الناس من هوكذلك، فأما مسلوب الإرادة، مضطرب الجنان، فلا ترى له همهمة إلا حين تكون الحدثة ساقطة، وحينقد يكون السقوط والسفل هواية. أتعهد ما معنى الحدثة.. مفتاح الجنة فى حدثة ودخول النار على حدثة.. وقضاء الله هوالحدثة الحدثة لوتعهد حرمة.. زاد مزخور الحدثة نور.. وبعض الحدثات قبور.
النفس تحيا بتغاريد الطيور حولها، فغرد كطائر في دوحته، حتى يسمعك الوجود، وغنِّ كهزار حتى يغني معك الكون، ولا تكن حدثاتك مُدية تمتد لتقتل مَن حولَك وأنت لا تبالي، وتذكر حتى أنفاسنا معدودة، وأن الحدثة باقية مهما طال الأمد، فاجعل حدثاتِك شاهدة لك لا عليك.
د. رمزي حجازي أستاذ مساعد في جامعة الجوف