الأزمة الصحية شكلت فرصة لمراجعة الذات الرقمية وتوطين بعد تواصلي افتراضي (خبير)


( أجرت الحديث : زهور السايح )

الرباط - في حديثه إلى مجلة‭ ،(‬BAB‭)‬‭ ‬التي تصدرها وكالة المغرب العربي للأنباء شهريا، أكد السيد علي بولعلام، رئيس مرصد الذكاء الترابي والنمذجة التنموية، أن الأزمة الصحية شكلت فرصة لمراجعة الذات الرقمية وتوطين بعد تواصلي افتراضي، مبرزا السلبيات التي حملتها سنة 2020 والتي مثلت بالنسبة له "خيبات"، وكذا بوارق أمل تحمل على التفاؤل.

BAB : ما هي السلبيات التي حملتها، برأيكم، سنة 2020، ومثلت خيبات بالنسبة لكم، خاصة في ظل الأزمة الصحية العالمية، وما هي قراءتكم لهذا الواقع ؟

علي بولعلام : يعكس السؤال في مضمونه العام، الثقافة المجتمعية السائدة خلال تدبير الأزمات برمتها، بل يسائل البعد السيكولوجي  في التعاطي مع الظروف الاستثنائية، المنفلتة في جوهرها من المعيرة الاجتماعية الروتينية، ذلك أن المقياس الحقيقي للشخصية المتوازنة يتجلى أساسا في قدرتها على التكيف مع كل المتغيرات، وتَمَكُّنِها من كفاءة إبداعية منتجة لمواقف ومهارات، تكون كفيلة بتحويل نقط الضعف الناتجة عن الأزمة إلى فرص تتجاوز الأعطاب والإكراهات المترتبة عنها، لكن مهما كان الوعي بالأزمة مؤسسا على مبدأي الإيجابية والتكيف، تظل السلبيات الكابحة للمسارات العادية حاضرة؛ سواء في نطاق التفاعل مع المحيط داخل الفضاءات العمومية، أو على مستوى الفعل التواصلي المهني داخل رحاب المؤسسة الجامعية.

وفي تقديري الخاص، فالأزمة بكل حمولاتها السلبية وتأثيراتها ذات الأبعاد الفردية والجماعية، يمكن اعتبارها محكا حقيقيا، لاختبار التوازنات النفسية للأفراد، ومقياسا لرصد آليات التضامن داخل المجتمعات، ولعل تجربتي في ظل الأزمة الوبائية يمكن قراءتها في هذا السياق.

ومن هذا المنطلق، فإن تأثيرات الأزمة أسهمت، بما لا يدع مجالا للشك، في طرح أسئلة جديدة، قائمة على أسس منطقية ومعطيات واقعية، يمكن استجلاؤها من خلال الاختلالات المسجلة على مستوى التوازنات الاجتماعية، وكذا الأعطاب الاقتصادية المثبتة لمحدودية سياسات عمومية، ولاسيما في مجالي الصحة والتعليم، بل أبرزت أهمية تفعيل وظائف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، قصد ترسيخ منظومة قيمية مبنية على التضامن ونكران الذات من أجل الصالح العام.

 BAB : ما هي بوارق الأمل التي لاحت لكم وجعلتكم ترون أن كل ما مر بنا جميعا وما نزال نعيشه لم يخل من إيجابيات، وأن في الأفق بشائر قد تحمل على التفاؤل بأن الغد قد يكون أفضل ؟

علي بولعلام : طبعا، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل كما يقال، وتدبير الأزمات سلوك فردي، قبل أن نتحدث عنه من منظور مؤسساتي، وهنا يمكن أن نبرز أهمية الحكامة الذاتية، باعتبارها أس البناء المؤسساتي، وهو مفهوم له راهنية كبرى، يتغذى في عمقه من محددين مركزيين، يتعلق أولاهما بالمكون القيمي، بوصفه البوصلة الداعمة للفرد في توجيه سلوكه صوب الإيجابية والانخراط الفاعل في مواجهة الأزمة، والامتثال لكل المسلكيات الهادفة للحد من آثارها السلبية، وثانيهما المحدد الكفاءاتي، الذي يشكل بوابة حقيقية لإنتاج ضوابط آراء ومواقف قائمة على الإبداع، لإثراء المنظومة الوقائية لمواجهة الأزمة.

وفي هذا السياق، يمكن التأكيد على أن وتيرة المسار العلمي على مستوى البحث والإنتاج المعرفي لم تتأثر بشكل ملحوظ، بل عرفت حركية جديدة أطرتها المناظرات المرئية، والاستثمار الأمثل لكل الآليات التي توفرها التكنولوجيا الرقمية، مما مكن حقيقة من مشاركة فعالة على مستوى الندوات العلمية وطنيا ودوليا، بل أؤكد أنها شكلت فرصة لمراجعة الذات الرقمية، واستجلاء أهميتها في توطين بعد تواصلي افتراضي، لا يرتهن للأنساق المادية والطرق التواصلية العادية. وبالقدر نفسه تم تدبير العملية التعليمية التعلمية، من خلال الاعتماد على آلية التدريس عن بعد، ضمانا للاستمرارية البيداغوجية، مع توجيه الطلبة إلى ضرورة دعم قدراتهم وتطوير رصيدهم المعرفي عبر التكوين الذاتي، لكنه رغم المجهودات المبذولة في هذا المضمار، فإن المسألة تحتاج إلى مراجعة دقيقة للمدخلات المؤطرة للتعليم عن بعد، في أبعادها اللوجستيكية المرتبطة بتوفير منصات رقمية، تتيح إمكانية ممارسة بيداغوجية تفاعلية، مقرونة بمنسوب جيد لصبيب الشبكة، وكذا في أبعادها المنهجية والبيداغوجية التي تسلتزم سياسة عمومية، تستدمج المكون الرقمي ضمن مكونات المنظومة التربوية، وبصيغة أخرى آن الأوان لأجرأة كل الدعامات الناظمة للمربع الديداكتيكي.

وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن الأبعاد الاجتماعية خلال الأزمات، تطرح تساؤلات كثيرة، سواء في بعدها القيمي التضامني، أو في مستوياتها السيكولوجية، ولاسيما داخل البنية الأسرية بشقيها النووي والممتد، فالمؤازرة المعنوية والإسهامات المادية، أصبحت فرض عين في سياق موسوم بالأزمة والارتباك والمفاجآت.

BAB : يعيش العالم حالة استثنائية على كافة الاصعدة صحيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهي حالة ما كان لها ان تمر دون ان تترك خدوشا لدى كل منا، غير أن لكل واحد اسلوب تدبيره لهذا الوضع فكريا ونفسيا واجتماعيا... كيف واجهتم وتواجهون هذه العاصفة ؟

علي بولعلام : أكيد، أن الآثار الناتجة عن الأزمة الوبائية جراء تفشي كوفيد 19 بادية للعيان، حيث حلت بكل المجالات وشملت كافة الأصعدة، بل أنتجت وضعيات يمكن أن نسمها بالصعبة والقاسية أحيانا. وحينما يتعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فإن الوضعية العامة لجل الأسر أصبحت جد معقدة، بل مركبة بالنسبة للشرائح الاجتماعية المندرجة ضمن دائرة الفقر والهشاشة، إذ أصبحت في مواجهة متعددة الجبهات داخل نسق يومي مطبوع باللايقين؛ يتشابك داخله الخصاص والحاجة والعزلة والتوجس من عدوى الإصابة. أما التمثل الثقافي للفيروس التاجي فتحطمه اهتزازات نفسية، تتردد في سيمفونيتها بين الانضباط للاحترازات الوقائية، والقفز عن ذلك بخلفية تؤطرها مقولة الضرورات تبيح المحظورات. إنها بالفعل معادلة صعبة تحكمها ثنائية الحفاظ على الصحة في مقابل تحقيق متطلبات الحياة اليومية.

من هذا المنطلق، يمكن إبراز دور المثقف داخل بيئة موبوءة صحيا واجتماعيا، لا يكتفي فيها بالقيام بدور النموذج المنضبط، الذي يمتلك القدرة على رسم سلوك قادر على التعاطي مع الأزمة من خلال انشغالات معرفية ومشاركات علمية وانخراط في منظومة الحوار العمومي عبر الفضاءات الرقمية، بل ينخرط عضويا وبنفس اجتماعي تؤطره المصلحة العامة والرغبة في إرساء أسلوب مجتمعي ناجع، يسهم في تخفيف الإكراهات الاجتماعية والتوجسات النفسية المخيفة والمرعبة.

من خلال ما سبق، وفي سياق جائحة خلخلت كل البنيات والتنظيمات وغيرت ملامح الحياة العامة، يبقى دور المثقف مفصليا في عملية الفهم والتحليل والتوجيه، بل وفي إرساء ثقافة تضامنية نموذجية، عبر انخراط فاعل في المبادرات المدنية، وإسهام متواصل في دائرة النقاش حول مآلات السياسة العمومية في أبعادها المتعددة.

  BAB : في هذه الظروف العصيبة، التي قد تكون انتقالية الى عالم أو واقع مغاير، ما هي رسالتكم الى القارئ عموما والى الطواقم الطبية، على وجه الخصوص، وايضا الى الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين الذين يوجد كثير منهم في واجهة النضال ؟

علي بولعلام : فعلا ظروف عصيبة، تحتم بالضرورة تكاثف الجهود، وإعطاء مضمون جديد لمفهوم التضامن، عبر تطعيمه بسمات دلالية جديدة، يحتل داخلها المكون الاعتباري نقطة الارتكاز، والمقصود بذلك الإسهام في ترسيخ واجب الحفاظ على حياة الآخرين، عبر سلوكيات شخصية سوية منضبطة، ومتمثلة للجوانب الاحترازية بشكل سليم. وهذه قيمة محددة لمآلات التعاطي مع الأزمات الوبائية، لأن وعي المواطن بخطورة الوضعية هو الرهان الأساس، الذي سيمكن لامحالة الفاعلين الرسميين والمدنيين، ولاسيما المتمترسين في الصفوف الأمامية من القيام بأدوارهم، التي تمليها المصلحة العامة.

وبدون ارتفاع منسوب وعي المواطن بمخاطر الأزمة وتأثيراتها المهولة، وما يتطلبه الموقف من نضج اجتماعي، تظل كل الجهود المبذولة من طرف المؤسسات والتنظيمات بدون جدوى. غير أن هذا البعد لا يمكن اعتباره الحل الوحيد لتجاوز الوضعية، بل يعد مدخلا لبلورة استراتيجية جديدة للتفاعل مع المتغيرات الناتجة عن الأزمة، سواء على صعيد البنية الداخلية أو على مستوى البيئة الإقليمية والدولية.

لقد آن الأوان لرسم معالم جيل جديد من السياسات العمومية، يتجاوز النظرة التقليدية القطاعية، المُفْتَقِدة لعناصر الالتقائية والاندماج، الى بلورة تصورات ناظمة للمسألة التنموية؛ تشتغل على تأهيل الرأسمال البشري، والسعي نحو الرفع من مؤشرات التنمية البشرية، والمحددة أساسا في منظومة تعليمية ناجعة، وعرض صحي جيد، ودخل فردي محترم. وبصيغة أخرى الانتقال من سياسة عمومية تتغيى الرفع من مستوى عيش الأفراد إلى تنمية مندمجة غايتها " تجويد الحياة".

 BAB : بالنظر لإشرافكم على مرصد مستقل يتولى متابعة التنمية المحلية .. هلا تفضلتم بالتعريف بهذا المشروع وكيف تم الاشتغال والاستفادة من هذا المرصد في سياق هذه الازمة الصحية التي طالت كافة القطاعات ؟

علي بولعلام : لا بد من التأكيد على أهمية دور مراكز التفكير في توجيه السياسات العمومية، وأهميتها في رصد توجهات الرأي العام، من خلال تجربة إقليمية يمكن اختزالها في "المرصد الإقليمي للذكاء الترابي ونمذجة التنمية"، الذي أتشرف برئاسته.

هذه البنية التنظيمية المدنية المستقلة ذات البعد الجهوي، يمكن إدراجها في سياق التحولات التي يشهدها المشهد المدني، مؤسسا بذلك جيلا جديدا، يسعى الى ربط التنمية بالمكون المعرفي، وذلك من منطلق مفاده، أن كل قرار لا يرتكز على خلفية معرفية فهو عديم النجاعة.

فالمرصد، من خلال هذا المنظور، يسعى إلى إعطاء نفس جديد للتنمية الترابية، عبر آليات ترتكز على مقومات الذكاء الترابي، الذي أضحى المنهج الملائم لصناعة القرار التنموي المجالي. بل وغدا محددا محوريا لنمذجة تنموية، مثمنة للمؤهلات وموجهة للبنيات، ورافعة لتدبير الديناميات المجالية في أبعادها القيمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

بناء على هذه المنطلقات، راكم المرصد تجربة متميزة إبان الأزمة الصحية، بمشاركته في عملية التوعية والتحسيس عبر الإمكانات الرقمية المتاحة، وإسهامه في تنشيط بعض المناظرات المرئية والندوات العلمية، من قبيل الندوة التي تم تنظيمها حول موضوع " الذكاء الصناعي ورهانات التنمية" بتنسيق مع الوكالة الدولية للمعالجة الآلية للغات الطبيعية، ومركز البحث السوسيولوجي والتنمية المجالية بمراكش، إضافة إلى توجيه مجموعة من الأبحاث والدراسات، وتأطير الطلبة الباحثين قصد الاشتغال على المنظومة المجالية لجهة فاس ـ مكناس. كما ينكب حاليا على دراسة ترصد المتغيرات السيكولوجية خلال الأزمات الوبائية، بتتبع منتظم للفضاءات الرقمية، وباعتماد تقنيات تحليل المشاعر وتوجهات الرأي.

تاريخ الخبر: 2021-02-12 12:23:44
المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب
التصنيف: صحة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

هذا موقف نقابة موخاريق من رفع سن التقاعد إلى 65 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:09
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

بنكيران في تصريح لـ"الأول" بمناسبة عيد الشغل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:25
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

نقابة "البيجيدي" تعتبر الحوار الاجتماعي "شاردا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

بنكيران في تصريح لـ"الأول" بمناسبة عيد الشغل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:29
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

فاتح ماي باهت.. هل أثرت الزيادات في أجور الموظفين على التجمعات؟

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:51
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

نقابة "البيجيدي" تعتبر الحوار الاجتماعي "شاردا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:15
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

فاتح ماي باهت.. هل أثرت الزيادات في أجور الموظفين على التجمعات؟

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 21:26:54
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية