تسببت الجائحة الصحية Covid-19 في خفض مستوى النمو في إفريقيا جنوب الصحراء إلى (3.3-) حسب إحصاءات البنك الدولي، مما جعلها تعاني من أول موجة ركود خلال 25 عاماً. كما كشفت الجائحة ضعف البنيات الصحية في إفريقيا، وقد أشعل الوضع الصحي في إفريقيا ما يسمى "دبلوماسية اللقاحات"، إذ تسابقت الدول الكبرى في إطار تنافسها الاستراتيجي، بخاصة الولايات المتحدة والصين، إلى تقديم ملايين الجرعات للشعوب الإفريقية.

ويُتوقع مع تراجع آثار الجائحة خلال العام 2021 أن تستعيد القارة بعضاً من عافيتها الاقتصادية ليرتفع مؤشر النمو الاقتصادي حسب توقعات البنك الدولي إلى نحو 4%.

تنامي العجز الديمقراطي في إفريقيا

يمثّل تراجع الوضع الديمقراطي أو ما يُعرف بـ"العجز الديمقراطي" في إفريقيا قلقا في الدوائر الغربية، بخاصة بعد اندلاع موجة من الانقلابات أو انحرافات في نقل السلطة ومخالفة الدستور كما في تونس والسودان وغينيا ومالي وتشاد وبورندي. حسب الإحصاءات فقد عانت 29% من دول القارة من محاولات انقلابية منذ عام 2013، بخاصة بعد تجربتَي مصر وزيمبابوي.

ويرى كثير من السياسيين والمثقفين الأفارقة أن مثل هذه الانقلابات لا تزال تُعتبر، حسب الإرث السياسي في القارة، وسيلة لنقل السلطة، وتعبّر عن الصراع الطبقي في المجتمع والتنافس بين النخب للسيطرة على السلطة والثروة.

ورغم تشديد الاتحاد الإفريقي والتكتلات الإقليمية على فرض سياسات واتخاذ تدابير تصل إلى تجميد العضوية وفرض عقوبات لمناهضة الانقلابات، فإنها لم تفلح في محاصرة هذه الظاهرة لأنها في الأساس نتاج لاختلالات السلطة وبنية الدولة في إفريقيا، كما أن العقوبات التي يفرضها الاتحاد الإفريقي تعاني الانتقائية، ففي الوقت الذي جمّد فيه مجلس الأمن والسلم عضوية السودان بعد قرارات قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول، سكت الاتحاد عن الانقلاب الدستوري للرئيس التونسي قيس سعيد، كما سكت قبلها على طريقة نقل السلطة المخالفة للدستور في تشاد.

تسهم القوى الخارجية في تنشيط الانقلابات في إفريقيا، ورغم تسليط الضوء مؤخراً على النشاط السالب لشركة فاغنر الروسية في عدد من الدول وتأثيرها في توازنات السلطة مثل ما حدث في مالي، فإن دولاً غربية وإقليمية تسهم أيضاً في شرعنة الانقلابات للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية.

الاقتصاد والنزاعات والتغيير المناخي

أبرز تحديات القارة الإفريقية في العام 2022 هو استعادة النمو الاقتصادي وتجاوز آثار الجائحة الصحية، التي أثّرت أكثر في الشرائح الضعيفة في ماكينة الاقتصاد التقليدي، مما يهدد بزيادة معدلات الفقر. ولعل انخفاض معدلات تدفق الاستثمارات الخارجية بنسبة 16% خلال العام 2021 بسبب جائحة كورونا يُعتبر التحدي الأبرز، بخاصة في تأثيره البالغ في نسبة تشغيل الشباب وتفشي البطالة مجدداً في القارة.

من ناحية أخرى، أن هاجس التراجع الديمقراطي أو ما يسميه البعض "الركود الديمقراطي" في إفريقيا وما تسببه الانقلابات من آثار عميقة في الاقتصاد مثل الفساد والمحسوبية وتراجع معدلات الاستثمارات الخارجية في القارة، لكن في تقديري أن التهديد الحقيقي لإفريقيا ليس مجرد الانقلابات التي تقوم بها الجيوش، ولكن انتشار رقعة النزاعات المسلحة.

إذ تعاني 19 دولة في القارة جنوب الصحراء من انتشار نزاع مسلَّح على أراضيها، مع وجود 20 بعثة سلام دولية في القارة. وتمثّل النزاعات في إثيوبيا وجنوب السودان أبرز نموذج لعجز الدول الإفريقية على فضّ النزاعات ذات الطابع السياسي المرتبط ببناء الدولة القومية في إفريقيا. ويهدد النزاع في إثيوبيا بين الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد و جبهة تحرير تيغراي مجمل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.

ومع تطورات الأوضاع في الصومال والتململ في إريتريا والأوضاع في جيبوتي والاضطرابات في السودان، فإن القرن القرن الإفريقي يُعتبر برميل بارود قابلاً للانفجار في أي لحظة، لا سيما بعد تمدُّد نفوذ دول الخليج إلى المنطقة وسباق التسلُّح في البحر الأحمر.

ُتعتبر إفريقيا أبرز الضحايا لقضية تغير المناخ رغماً عن أنها الأقلّ مساهمة في التلوث البيئي مقارنة بالدول الصناعية الكبرى، ولا تجد إلا الفتات من المساعدات الدولية لإعادة تكييف اقتصاداتها على السياسات الدولية للتغير المناخي. ولا نتوقع أي نجاح لجهود المجتمع الدولي لمساعدة إفريقيا على الاستجابة لتحديات التغيير المناخي، لأنها تتطلب استثمارات ضخمة في إعادة تكييف الاقتصادات الإفريقية لتتسق مع المعايير العولمية التي قننتها الاتفاقيات الدولية.

عام 2022.. الأمل لإفريقيا

إن عام 2022 يمثل نافذة أمل لتعافي القارة الإفريقية من الأزمات المتلاحقة التي عانت منها بسبب الركود الاقتصادي وتراجع معدلات النمو وتفشي البطالة وتراجع الاستثمارات الأجنبية نسبة بسبب كورونا الصحية. وإن كان أمل في بعض التعافي الاقتصادي فإن تحديات القارة في انتشار النزاعات المسلحة وتمدد موجة الانقلابات ربما لن يطرأ عليه أي تحسن، لأنها نتيجة طبيعية لأزمات بناء الدولة الوطنية وصراعات النخب والطبقات الاجتماعية على الثروة والسلطة في القارة.

إن عودة التنافس الاستراتيجي بين القوى الدولية على القارة لا سيما الولايات المتحدة والصين يمكن أن تكون عاملاً مساعداً للنمو إذا استطاعت القارة توظيفه لتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة. لكنه في نفس الوقت يمكن أن يكون عامل سلب يعيد أجواء الحرب الباردة ويُحدِث انقسامات سياسية في الدول والمجتمعات الإفريقية.

إن تجربة الشراكات الإفريقية مع عدد من الدول أثبتت نجاعة كبيرة في تحقيق مستويات غير مسبوقة من التعاون الاقتصادي ورفع مستوى التبادل التجاري، ولا شك أن أبرز نموذج هو القمة التركية-الإفريقية الثالثة التي عُقدت في اسطنبول في النصف الثاني من ديسمبر/كانون الأول.

رغم التحديات الراهنة تظل القارة الإفريقية هي قارة المستقبل، ليس من حيث الموارد فحسب، لكنها تُعتبر أكبر سوق حر مشتركة يقطنها أكثر من مليار نسمة، تبلغ نسبة الشباب من الكتلة السكانية أكثر من 60% مما يزيد رخص و كفاءة الأيدي العاملة.

ومع الإصلاحات الاقتصادية والتحديث في قطاع التعليم والتركيز على التكنولوجيا والاهتمام بالقطاعات الخدمية والاستثمار في البنيات التحتية، تبقي إفريقيا هي رهان المستقبل لكل العالم.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي