تتسلم فرنسا يوم السبت، مطلع يناير/كانون الثاني 2022، رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي التي ستتولاها حتى 30 يونيو/حزيران القادم. خلال هذه الفترة تضع الحكومة الفرنسية نصب عينيها تطبيق القرارات الأكثر حساسية لبروكسيل ودولها الأعضاء.

هي ملفات موضوعة على طاولة الرئاسة الفرنسية، على رأسها قضية الهجرة والتحول الأخضر، كما إيجاد حل نهائي لمثالب بريكسيت، وتعزيز الدفاع الأوروبي المشترك. هذا ما تخطّط حكومة ماكرون للتعاطي معه بإجراءات جديدة قد تحوّل الواقع الأوروبي.

في المقابل تأتي هذه الرئاسة الفرنسية في ظلّ إقبال البلاد على سباق انتخابي رئاسي، من المزمع إجراؤه في أبريل/نيسان القادم. يرى مراقبون أن الرئيس ماكرون يحاول استغلال الرئاسة الأوروبية منصة لدعم حملته الرئاسية.

رئاسة بمبادئ أربعة

تأتي هذه الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي بعد سنة طبعتها الانتكاسات المتتالية للقارة، وهي ما لم ينكره الرئيس ماكرون في خطابه، الذي قال في ديباجته: "إننا نعيش لحظة من التاريخ الأوروبي، نواجه فيها تحديات الأزمة الصحية والاقتصادية، وتهديدات القوى المعادية والتغيرات المناخية، غير أنه على الجواب أن يظلّ أوروبياً".

فيما يقوم هذا الجواب الذي يعتزم الإليزيه تقديمه لرفع هذا التحدي، بحسب موقعه الرسمي، على مبادئ أربعة أساسية: تعزيز السيادة الأوروبية، وتحقيق الانتقال الأخضر، ودعم الرقمنة، وتعزيز الجانب الاجتماعي والإنساني للاتحاد.

ولتعزيز السيادة الأوروبية، أول ما تطرق إليه الرئيس الفرنسي هو قضية الهجرة، إذ يعتزم تشديد المراقبة على الحدود الأوروبية، وتطبيق الاتفاق الأوروبي الجديد للهجرة، وتعديل قوانين منطقة شنغن بحيث تعود مراقبة الحدود الأوروبية الداخلية. وعبّر ماكرون عن ذلك قائلاً: "حماية حدودنا شرط أساسي لضمان أمن الأوروبيين ومواجهة تحديات الهجرة وتجنب المآسي التي عشناها".

فيما يتلخّص عمل هذا الاتفاق الأوروبي الجديد في التضييق أكثر على المعابر الحدودية الخارجية لأوروبا، بالتركيز على توثيق اللاجئين، وأخذ بصماتهم وإخضاعهم لكشوف طبية، إضافة إلى تسريع عمليات قبول طلبات اللجوء، وموازنتها وفقاً لمبدأ الاستحقاق، ذلك بنصّ "آلية سريعة لاستبعاد المهاجرين غير المرجَّح حصولهم على حماية دولية، أي القادمين من دول تسجّل معدَّل استجابة لطلبات اللجوء أقلّ من 20% مثل تونس والمغرب"، حسبما قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية وقتها.

على المستوى الانتقال البيئي، يعتزم ماكرون تطبيق نصوص الاتفاق الأخضر الأوروبي، الأمر الذي قد يرتطم برفض أطراف واسعة من الاتحاد الأوروبي، غير الموافقة على تسريع عملية التطبيق تلك. ضمنها بولندا والمجر، إذ تدافع الأولى عن استغلالها مناجم الفحم، والثانية عن مشروع حقول الغاز.

وفي نفس السياق يرغب ماكرون في التطرق إلى موضوع آخر خلافي، هو توحيد الحدّ الأدنى للأجور بين دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يطلق نقاشات طويلة بين الدول الأعضاء، وداخل كل دولة بين مختلف الفئات الاجتماعية بما يهدّد بانفجار موجة احتجاجات عمالية في عدد منها.

ماكرون يستغلّ رئاسة الاتحاد

في المقابل يرى مراقبون أن الرئيس الفرنسي يحاول تعزيز حملته الانتخابية باستغلاله رئاسة فرنسا للاتحاد، وضمّها كمنجز لحصيلته. هو الذي دخل حملته الأولة سنة 2017 بشعار "لجعل أوروبا قوية في العالم!".

الأمر الذي تؤكده كلير دوميمي، الباحثة في مركز مارك بلوك الفرنسي الألماني في برلين، بأن "هذه الرئاسة تمنحه (ماكرون) منصة مواتية لإبراز حصيلته الأوروبية والتمايز من بعض منافسيه وطرح مطالب جديدة وأفكار جديدة".

فيما يمكن أن يمثل هذا سلاحاً ذا حدين، إذ سيفرض على ماكرون وحكومته التسريع في تطبيق وعوده الأوروبية قبل موعد الانتخابات في أبريل/نيسان القادم، وبالتالي وضع مصيره الانتخابي في يد أطراف أخرى أوروبية قد لا توافق على السير معه في ذلك النهج.

TRT عربي