الحكاية أكبر من شجرة


في سنة ٢٠٠١ دمّرت طالبان تمثالين عملاقين لـ«بوذا» في منطقة باميان وسط أفغانستان.
صمد التمثالان منذ القرن الخامس الميلادي حتى أفتَى الملا عمَر زعيم حركة طالبان بتدميرهما أمام أنظار العالم أجمع، رغم المواقف والاستنكارات والوساطات المختلفة ومطالبات الأمم المتحدة واليونيسكو، وحتى مطالبات وتدخلات شخصيات عالمية وإسلامية.

في سوريا دمّر الدواعش آثار تدْمُر ومتحف الموصل في العراق، آثاراً وتحف إرث إنساني عظيم تتحدث عن حضارة الرافدين وحضارات سوريا القديمة التي صمدت قروناً حتى تمكن منها من أراد أن يفرض رؤيته للعالم والدين وللحياة بعين واحدة، ورؤية واحدة، وفكرة واحدة أنه لا حق لغيره في فَهم الأحكام ولا حق لغيره في رأي أو دين أو اجتهاد في الحياة وفي السلوك وفي الأخلاق.

المتعصبون من يقررون عن كل الناس الدين والصواب والخطأ، وهم من يعرفون حدود الجنة والنار وهم من يمنعون ويمنحون ويحكمون ويعفون ويقيمون الحدود، وبنظرهم كل الآخر كافر وباطل وأفّاق وزنديق.

ونحن هنا نستغرب إزالة شجرة ترمز إلى ولادة نبي، وترمز أيضاً إلى عيد طائفة كبيرة من البشر وشركاء معنا في الحياة، عيد يرمز إلى بهجة وألفة ومحبة وفرح؟

لم هذا كله؟ رغم أننا نتقاسم مع الشعوب الأخرى الحياة على هذا الكوكب، ونستنكر عليهم ثقافاتهم وخصوصياتهم!

الدين تسامح وتسامٍ وحُب ورحمة. والناس جميعاً سواسية في الحياة وفي الكرامة، كل الأديان تتشارك القيم العظيمة ولا يحيد دين عنها، وكلها تدعم الحق والخير والعدل والأخلاق، وتنكر الموبقات والرذائل والفواحش وتحمي الحقوق وتصون الأرواح والأملاك والأنفس.

كيف نستغرب السلوك العنيف من البعض تجاه الآخر ورموزه والتنمر على معتقداته وحتى على أخلاقياته لمجرد أنه لا يدين بديننا ولا يحمل أفكارَنا، رغم أننا نتشارك معه القيم ذاتها؟ وكيف يجتهد العامة من الناس في الدين والفتوى وتنفيذ أحكامهم الخاصة بأيديهم، يحطمون رمزاً أو يهدمون بناء ويستقوون بآراء في الدين، قد لا تكون محلّ إجماع.

ماذا لو غلبت هذه الفئة في مجتمعاتنا وبلداننا؟ ماذا كان حصل لمدائن صالح في الشقيقة المملكة السعودية ولمدينة البتراء في الأردن الشقيق، وبعلبك لبنان وأهرامات مصر وأبو الهول وتلك الآثار العظيمة والمتاحف التي تحكي عن الإنسان وحضاراته؟

بل ماذا عن ناطحات السحاب في الكويت مثل أبراج لكل منها يرمز إلى شكل فني وفي دبي وقطر والرياض، فلربما إنها تتطاول على السماء كإرمِ ذات العماد فيعتبرونها رمزاً للفساد والاستكبار والتشبه!

مخيف ما يحدث وما يقال، وتصبح الفتوى على كل لسان. لكن الخوف أن يصل هؤلاء إلى مقام الفعل من القول.

بلادنا عاشت على التسامح وهي عامرة به وبالمحبة والشراكة الإنسانية.

كل عيد والجميع بخير ووطننا بخير مباركة أعيادهم ومباركة أعيادنا وتجمعنا المحبة والفرحة والحياة.

*نقلا عن القبس

تاريخ الخبر: 2021-12-31 18:17:06
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 86%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية