«راهب المعرفة».. مصر تُودِّع جابر عصفور عن عمر يناهز 77 عامًا

حزن كبير شهدته الساحة الثقافية والأدبية فى مصر والعالم العربى، أمس، برحيل المفكر والناقد الكبير الدكتور جابر عصفور، أحد الأعمدة الرئيسية للمشروع والتجربة الفكرية والثقافية العربية خلال العقود الأخيرة.

مسيرة جابر عصفور، الذى وافته المنية عن عمر ٧٧ عامًا بعد صراع مع المرض، لم تكن محصورة بين الأوراق والمؤلفات التى أثرى بها المكتبة العربية، بل كان فارسًا فى ميادين العمل الثقافى العام، ومصباحًا منيرًا، سواء فى عمله كأستاذ جامعى، أو مسئول عن إصدار المجلات الأدبية، أو مدير المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومى للترجمة، وصولًا إلى توليه منصب وزير الثقافة، علاوة على دوره كفاعل حقيقى فى قيادة الحركة الثقافية العربية التى تسعى للانتصار للحداثة والتنوير والتجديد.

ولد مُفكرنا الكبير فى ٢٥ مارس ١٩٤٤، وتخرج فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة بتقدير «امتياز مع مرتبة الشرف»، وحصل على درجة الدكتوراه عام ١٩٧٣، وعمل أستاذًا بعدة جامعات عربية وأجنبية، بينها جامعة ستوكهولم فى السويد، وويسكونسن وهارفارد فى الولايات المتحدة.

اختير «عصفور» عضوًا فى لجنة الآداب والدراسات اللغوية فى مكتبة الإسكندرية، منذ تشكيلها فى مارس ٢٠٠٣، ثم عيّن وزيرًا للثقافة فى حكومة الفريق أحمد شفيق، يناير ٢٠١١، لكنه استقال من الوزارة فى ٩ فبراير من نفس العام لأسباب صحية، ليعين مرة أخرى فى يونيو ٢٠١٤ حتى نهاية فبراير ٢٠١٥. وحصد جابر عصفور العديد من الأوسمة والجوائز، منها: أفضل كتاب فى الدراسة النقدية، من وزارة الثقافة عام ١٩٨٤، وأفضل كتاب فى الدراسات الأدبية، عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمى عام ١٩٨٥، وأفضل كتاب فى الدراسات الإنسانية، من معرض القاهرة الدولى للكتاب عام ١٩٩٥، والوسام الثقافى التونسى فى أكتوبر ١٩٩٥. وحصد كذلك جائزة سلطان بن على العويس الثقافية، فى دورتها الخامسة ١٩٩٦/١٩٩٧، فى حقل «الدراسات الأدبية»، وجائزة الإبداع العربى فى مجال الآداب من مؤسسة الفكر العربى ٢٠٠٧، وجائزة اليونسكو للثقافة العربية والشارقة للثقافة العربية عام ٢٠٠٨، والجائزة التقديرية فى مجال الأدب من جامعة القاهرة عام ٢٠٠٧، وجائزة التميز فى مجال الإنسانيات من جامعة القاهرة عام ٢٠٠٨، وجائزة الدولة التقديرية فى مجال الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠٠٩، ووسام المكافأة الوطنية من درجة قائد من ملك المغرب فى فبراير ٢٠١٠.

وأسهم الراحل من خلال منجزه النقدى، فى تطوير الدراسات النقدية وإضفاء الحيوية والإبداع عليها، فى دأب واجتهاد وإخلاص، خاصة فى تكييف النظريات الحداثية المعاصرة ذات المرجعيات الغربية، لتصبح قادرة على إنارة الأعمال السردية الروائية والقصصية والشعرية المصرية والعربية فى اقتدار.

واتسم النتاج النقدى لـ«عصفور» بالتنوع والإبداع فى دراسة التراث النقدى العربى، ومتابعة مستجدات النقد المعاصر، والسعى إلى استثمارها بروح الاستيعاب والنقد والتساؤل على نحو أثرى الحركة النقدية العربية بالعديد من الإضافات المهمة، خاصة فى مجال «نقد النقد».

وأسهم الراحل وعلى مدى ٦ عقود فى إثراء المكتبة العربية بمؤلفات رئيسية وترجمات وتحرير، كلها تصب فى النقد والتحليل والتنوير والدفاع عن القضايا الاستراتيجية للفكر، وتنطلق من رؤية منهجية وبُعد ثقافى واعٍ، نال عنها جوائز عربية كثيرة.

وتكمن مساهمته الفعالة فى النشاط الثقافى العام، فى عضوية عدد من المجالس والروابط، وكذلك فى لجان التحكيم لجوائز قومية ذات مستوى عالٍ وشهرة عالمية، كما فاز منذ منتصف الثمانينيات بعدد من الجوائز العلمية والأوسمة فى دول عربية مختلفة، فى تعزيز دور الثقافة العربية وتقوية الجسور بينها وبين مختلف مكوناتها وبين الثقافات العالمية، ما أسهم فى تحقيق أشكال متقدمة من حوار الثقافات.

كما عمل باستمرار على التجديد فى أسئلتنا الثقافية المرتبطة بالهوية العربية، بوصفها جزءًا من الهوية الإنسانية المبنية على قيم نبيلة وخالدة، مثلما كان مساهمًا فى بناء الشخصية الثقافية العربية داخل العالم العربى وخارجه.

وتعتبر مؤلفات جابر عصفور منظومة واحدة تتخذ من الفكر والأدب وجهيها البارزين، ولا تكتمل إلا بالعودة إلى التراث البلاغى والنقدى الذى بدأ به رحلته الأكاديمية، وكان دافعًا لانفتاحه على مفاهيم العقل الحديث من خلال ترجماته من قبيل «عصر البنيوية»، و«الماركسية والنقد الأدبى»، و«اتجاهات النقد المعاصر»، وكتابه المهم «قاطرة التقدم: الترجمة ومجتمع المعرفة»، ثم إنجازه الكبير فى إنشاء المركز القومى للترجمة. وبهذه الاعتبارات يمكن وصف جابر عصفور بالمثقف العضوى، فهو لم يكتف بدوره كناقد أدبى كبير، بل اشتبك مع قضايا عصره، مواجهًا ما يعترض مسيرة تقدمه من ثقافة التخلف والتعصب والإرهاب، ورافعًا راية الحداثة التى تؤمن بالتعدد والتنوع وحق الاختلاف وحرية الاعتقاد والتعبير.

 

إيناس عبدالدايم: فقدنا أحد أعمدة الثقافة المصرية

نعت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، وجميع الهيئات والقطاعات، الكاتب والباحث الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، قائلة إن «الثقافة المصرية والعربية فقدت أحد أعمدتها الراسخة».

وأضافت وزيرة الثقافة أن الراحل وضع بصمات بارزة فى مجال التنوير، وحقق الكثير من الإنجازات الخالدة به، مشيرة إلى دوره الرائد فى البحث الأكاديمى وإدارة المواقع الثقافية التى تولاها.

واختتمت: «كان الصديق والأب والمعلم لكل من شاركه العمل»، مقدمة العزاء لأسرته وأصدقائه ومحبيه، وداعية الله أن يتغمده برحمته.

«الأعلى للإعلام»: رائد التنوير

نعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة الكاتب الصحفى كرم جبر، الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، وتقدم بخالص العزاء إلى أسرة الفقيد ومحبيه، داعيًا الله، عز وجل، أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أهله الصبر والسلوان.

وذكر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فى بيان، أمس، أن الراحل كان أحد أساتذة التنوير والتثقيف، وأثرى المكتبة المصرية والعربية بالعديد من المؤلفات فى النقد والتحليل والتنوير والفكر، وكان مثالًا للمثقف الواعى المحب لوطنه.

حكمة المثقف

الشعب المصرى بطبيعته متدين، وهى مسألة ليست حديثة فى تاريخه القريب أو حتى فى التاريخ الإسلامى، لكنها ترجع للتاريخ الفرعونى، وهو عصر قائم على فكرة الحاكم الإله والألوهية.

أصبحنا أقل بلد يُعمل العقل فى طريقة تفكيره وتفسيره للأمور، وذلك بسبب هيمنة الخطاب الدينى الجامد، أو الخطاب الدينى الرجعى، المتسبب فيه عدد كبير من الفرق والفصائل، أبرزها الأزهر الشريف و«الأزهريون الجامدون».

لا مجال لنجاة البشرية من الهلاك إلا بالثقافة التى تشكل الوعى، من يقرأ يستطيع أن يدرك المخاطر التى تتعرض لها البشرية ويفكر فى إمكانية حلها، ويصبح العقل البشرى أكثر قدرة على مواجهة مشاكله.

أرى أن نصعّب قليلًا من إمكانية نشر الشبان الجدد رواياتهم حتى يعلم الجميع أن العملية ليست سهلة، وأن النشر لا يكون لكل من كتب كلمتين، فجيل يوسف إدريس مثلًا كان يعانى كثيرًا من أجل نشر كتاباته، لذا تعلم هذا الجيل أن يكتب أفضل حتى يكون أديبًا حقيقيًا.

تجديد الخطاب الدينى له تعريف واحد فقط، هو أن نرى ما يتناسب مع العصر الذى نعيشه ويساعدنا على التقدم ونترك ما لا يتناسب مع عصرنا ويدفعنا إلى التخلف، ومعنى ذلك نقديًا أن علينا أن نأخذ ونرفض من التراث والنصوص. 

تاريخ الخبر: 2021-12-31 20:25:37
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية