عوضا عن الرخاء .. الشهادة الجامعية تجلب نوعا جديدا من الفقر


عندما نزل نشطاء الحقوق المدنية في الولايات المتحدة إلى الشوارع في القرن الماضي، كانوا يحلمون بيوم يتمتع فيه الأمريكيون السود بفرص التعليم نفسها كأي شخص آخر في البلاد. عاشت سابرينا كانون هذا الحلم - وجعلها تغرق في الديون.
كانت كانون (33 عاما) أول فرد في عائلتها الأمريكية من أصول إفريقية في بوفالو، نيويورك، يلتحق بالجامعة. استخدمت 100 ألف دولار من قروض الطلاب الفيدرالية للحصول على درجة في التسويق في 2010 من جامعة نياجرا، وهي مؤسسة خاصة قريبة.
لكنها عانت لإيجاد عمل في مجالها خلال الأوقات الصعبة التي تلت الأزمة المالية، وحصلت على القليل فقط من الوظائف الأخرى لتسديد الحد الأدنى من المدفوعات على قروضها، تاركة رأس المال دون مساس.
لذلك اعتمدت نهجا جديدا. قررت أن مستقبلها يكمن في الرعاية الصحية - تحديدا، إتقان الرمز الأبجدي الرقمي الذي يستخدمه الأطباء لتتبع المرضى - وعادت إلى الجامعة للدراسة بدوام جزئي للحصول على درجة ثانية في 2017 من معهد البوليتكنيك، التابع لجامعة ولاية نيويورك. سمح لها استئناف دراستها بتعليق مدفوعات قرضها الطلابي الأول، بينما كانت في الجامعة، لكن ذلك تطلب أيضا تحمل مزيد من الديون للحصول على مؤهلات جديدة.
الآن تجني كانون أموالا أكثر من عملها في الترميز الطبي، لكنها مدينة بمبلغ 120 ألف دولار نتيجة القرض الطلابي - أكثر مما كان عليه عندما بدأت دراستها في الجامعة قبل عقد ونصف. تاريخها الائتماني مشوه لدرجة أنه تم رفض منحها قرضا عقاريا في الآونة الأخيرة. وفي العام الماضي فقط، عملت في وظيفة ثانية مؤقتة سائقة توصيل بقالة للمساعدة على سداد قروض الجامعة.
قالت، "لقد قمت بما قيل لنا جميعا أنه متوقع منا فعله، اذهبي إلى الجامعة حتى تتمكني من الحصول على وظيفة جيدة لجني ما يكفي من المال لتغيير وضعك. لو لم أذهب إلى الجامعة لكان وضعي أفضل".
كانون ليست الوحيدة في إحباطها. بالنسبة إلى عدد من الأمريكيين السود، الحصول على شهادة جامعية أدى إلى نوع جديد من الفقر عوضا عن الرخاء - وحطم عقودا من الآمال في أن زيادة الوصول إلى التعليم العالي من شأنها تضييق فجوة الثروة العرقية في الولايات المتحدة.
تكمن المشكلة الأساسية في أن نسبة تسجيل السود في الجامعات ارتفعت في العقود الأخيرة تماما مع انفجار استخدام الديون لتمويل التعليم العالي في الولايات المتحدة - ارتفعت كذلك التكاليف رغم جميع الأموال التي تصب في هذا القطاع.
وفقا للاحتياطي الفيدرالي، بلغت القروض الطلابية، التي تقدم الحكومة الفيدرالية أغلبها، 1.75 ترليون دولار في 2021. وأدت التخفيضات في ميزانية الدولة إلى زيادة التكاليف في الجامعات الحكومية ورفعت المؤسسات الخاصة مبلغ الرسوم السنوية للطلاب غير المتخرجين إلى أكثر من 80 ألف دولار سنويا في بعض الحالات.
من المرجح أن يلجأ الطلاب السود إلى القروض لتمويل تعليمهم. إن 30 في المائة من الأسر السوداء لديها قرض طلابي، مقارنة بـ20 في المائة من الأسر البيضاء و14 في المائة للأسر من أصول إسبانية، حسبما أوضح الاحتياطي الفيدرالي في 2019. ويدين المقترض الأسود بقرض يبلغ 30 ألف دولار في المتوسط، مقارنة بـ23 ألف دولار في المتوسط للمقترض الأبيض.
سداد هذه الديون يتحول إلى صراع طويل الأمد بالنسبة إلى كثير من المقترضين السود. فبعد 20 عاما من بدء الدراسة الجامعية، كان المقترض الأسود المتوسط مدينا 95 في المائة من ديون الطلاب، بينما سدد الطالب الأبيض المماثل 94 في المائة، وفقا لدراسة أجراها معهد الأصول والسياسة الاجتماعية في جامعة برانديز في 2019. ووجدت مؤسسة بروكينجز أن قروض ثلاثة أرباع المقترضين السود كانت في 2019 أكبر حجما مما كانت عليه عندما بدأوا بسحبها، ما يعكس تراكم الفائدة.
يقارن بعض الباحثين تأثير أعباء القرض الطلابي في المجتمع الأسود بالدمار الذي أوجدته قروض الرهن العقاري عديمة الملاءة في الأزمة المالية. في كلتا الحالتين، كان للمنتجات الائتمانية التي كان من المفترض أن تساعد المقترضين على زيادة ثرواتهم تأثير معاكس، حيث استنزفت الموارد من الأقل حظا - وهي عملية يطلق عليها علماء الاجتماع اسم "الشمولية المفترسة".
وفقا لدراسة نشرت هذا العام في صحيفة "سوشيال كرينتس"، فإن ثروة الأسرة الأمريكية السوداء المتوسطة التي لديها قرض طلابي كانت خمس سنتات فقط في 2019 لكل دولار من ثروة الأسرة البيضاء المتوسطة التي لديها قرض طلابي - وهو تفاوت أوسع من الموجود في البلاد بشكل عام. ففي 2019، كانت ثروة الأسرة البيضاء المتوسطة 188200 دولار، أي نحو ثمانية أضعاف ثروة الأسرة السوداء المتوسطة البالغة 24100 دولار، حسبما وجدت مؤسسة بروكينجز.
قالت عالمة الاجتماع لويز سيمستر، من جامعة أيوا، وهي إحدى مؤلفي دراسة التيارات الاجتماعية، "نرى الديون الطلابية تتصاعد وتتصاعد والسبب هو أن الناس لا يستطيعون الخروج منها - لا يمكنهم الوصول إلى أصل (القرض). إذا كنت تحاول إنشاء نظام ينتج نتيجة واحدة لمجموعة معينة من الأشخاص ونتيجة أخرى لمجموعة أخرى من الأشخاص، فلا أعتقد أنه يمكنك القيام بما هو أفضل من ذلك".
يتخلف الأمريكيون السود في كثير من الحالات لأنهم بدأوا بالقليل جدا في المقام الأول. مثل الطلاب الآخرين من المجتمعات المحرومة، من المرجح أن يعملوا لساعات طويلة في وظائف خارجية أثناء وجودهم في الجامعة وأن يتركوا الجامعة دون شهادة. ومن المرجح أيضا أن يتم اجتذابهم من قبل الجامعات الربحية التي اتهمها النقاد باستغلال الطلاب بمزايا التعليم الفيدرالي من خلال فرض أسعار باهظة وتقديم تعليم منخفض الجودة.
يمكن لاحتياجات الأسرة أن تجعل الأمور حتى أكثر صعوبة على الطلاب السود. استنادا إلى نحو ربع قرن من البيانات، أجرى بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس دراسة في 2017 أظهرت أن خريجي الجامعات البيض كانوا أكثر عرضة لتلقي المساعدة المالية من آبائهم لدفع تكاليف تعليمهم أو شراء منازل، بينما كان خريجو الجامعات السود أكثر احتمالا لتزويد والديهم بالمال.
قالت جوليا بارنارد، من مركز الإقراض المسؤول، وهو مجموعة للسياسة المالية، "من الصعب جدا على الطلاب السود الحصول على الفوائد من التعليم العالي العالي التي يحصل عليها الطلاب البيض، بسبب قروض الطلاب وثروة الأسرة والمزيد".
على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية تقدم معظم القروض الطلابية، إلا أن أعباء الديون الناتجة قد تمنع المقترضين من الحصول على ائتمان من القطاع الخاص لشراء سيارات أو منازل أو بدء أعمال تجارية. بالنسبة إلى الأمريكيين السود، سداد القرض الطلابي بعد التخرج هو أمر معقد بسبب استمرار عدم المساواة العرقية في سوق العمل، تظهر الإحصاءات الحكومية أن أجور الأمريكيين السود أقل من أجور البيض الحاصلين على مؤهلات تعليمية مشابهة.
قال بيرنيل هول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة نيو جيرسي كوميونيتي كابيتال غير الربحية، وهي مؤسسة مقرضة تمول رواد الأعمال من الأقليات، "عليك أخذ قرض للحصول على الشهادة فقط، وعندما تحصل على الشهادة، ينتهي بك الأمر إلى وظائف أجرها (أقل). إنك في ورطة بحلول الوقت الذي تترك فيه الجامعة. أنت فقط لا تعلم ذلك بعد".
يكتشف المقترضون السود من أمثال سابرينا إليوت، من شارلوت، شمالي كارولينا، مدى طول الفترة التي قد يستغرقها الأمر للتحرر من قروضهم الطلابية. قالت إنها كانت مدينة بمبلغ 72 ألف دولار عندما أنهت تعليمها وبعد أكثر من عقدين من العمل وصل دينها إلى 166 ألف دولار. وصل الحد الأدنى من دفعة سداد قرضها الطلابي إلى 1393.29 دولار، أي أكثر من متوسط دفعة سداد القرض العقاري الشهرية بمبلغ 1122 دولارا في مسقط رأسها.
تخلفت إليوت عندما التحقت بالخدمة الحكومية بعد حصولها على شهادتين من جامعة فيرجينا وكلية الحقوق في جامعة نورث كارولينا المركزية. حصلت على وظيفة محامية لمدينة شارلوت، وبسبب انخفاض الأجر، طلبت تأجيلات متعددة لقروضها الطلابية.
لكن لم يمنع ذلك الفوائد المترتبة عليها من التفاقم. بحلول الوقت الذي انتقلت فيه إلى أرباب عمل القطاع الخاص، بما في ذلك متاجر وول مارت، وبدأت بجني راتب كاف لتسديد الحد الأدنى من المدفوعات، كان رصيد قرضها قد تضخم. تعترف أن ديونها التعليمية هي "مسؤوليتي". قالت إن كل هذه الفوائد المتراكمة "تجعل من الصعب جدا لأي شخص التحرر من نير القرض الطلابي".
أضافت، "أنا جزء من تلك المجموعة التي تبلغ من العمر 50 عاما وأكبر التي لا تزال تسدد قروضها الطلابية. لذلك، وفقا للمدفوعات الحالية التي لأسددها، ليس من المخطط لي سداد هذا الدين بشكل كامل حتى 2035. بحلول ذلك الوقت، سأكون في العمر الذي يعده كثيرون سن التقاعد. من يريد بلوغ سن التقاعد بقرض طلابي؟"
أصبحت مسألة ما يجب فعله حيال المقترضين من الطلاب الأمريكيين موضوعا ساخنا في واشنطن. تنتهي إجراءات إعفاء قروض الطلاب المقدمة في بداية الجائحة، التي أوقفت مؤقتا الفوائد والمدفوعات بالنسبة إلى أمثال كانون وإليوت، في 31 كانون الثاني (يناير) 2022. ويواجه كل من الكونجرس وإدارة بايدن ضغوطا لتقديم مساعدة إضافية.
خلال الحملة الرئاسية لـ2020، تعهد الرئيس جو بايدن بإعفاء عشرة آلاف دولار من القروض الطلابية لكل مقترض، لكن لا يزال يتعين عليه فعل ذلك ويريد كثير من التقدميين في حزبه الديمقراطي إعفاء أكبر. قالت إليزابيث وارين، سيناتورة ولاية ماساشوستس، هذا العام إن إلغاء 50 ألف دولار من القرض الطلابي لكل مقترض قد يكون "الإجراء التنفيذي الأكثر فاعلية المتاح لدفع اقتصادنا وإحراز تقدم نحو سد فجوة الثروة العرقية".
كانون قالت إنها تحصل على راتب كاف لسداد الحد الأدنى من المدفوعات لقرضها الطلابي وتأمل أن "تكون قادرة على سداده بشكل كامل في النهاية"، مضيفة أنها ستنصح الأمريكيين السود الأصغر سنا بالتفكير بتمعن قبل التسجيل للحصول على قروض فيدرالية للالتحاق بجامعة لأربعة أعوام.
قالت، "الآن أنا مجرد مدافعة كبيرة كي لا يقع الجيل القادم في هذا الأمر كما فعلنا. أذهب إلى كلية المجتمع أو أعمل أولا، واكتشف ما تجيده وأين يمكنك الحصول على ذلك، وابدأ من هناك".

تاريخ الخبر: 2021-12-31 22:23:40
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 42%
الأهمية: 42%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية