عندما اجتمع سكان مدينة ماينز في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) لاحتفال موسمي في شيلربلاتز، قلب العصور الوسطى للمدينة الألمانية، أدرك المسؤولون في قاعة البلدية القريبة أن لديهم سببا أكبر لفرحة عيد الميلاد.
لقد أصبح المعقل الروماني السابق على ضفاف نهر الراين المستفيد من ضرائب مفاجئة تبلغ مليار يورو، يرجع الفضل فيها إلى حد كبير إلى شركة بيونتيك، مطورة لقاح كوفيد - 19 التي تأسست في المدينة في عام 2008.
قال عمدة المدينة، مايكل إيبلينج: "خلال الجائحة، أصبحت ماينز صيدلية العالم"، وتعهد باستخدام الأموال المتدفقة من الدور المحوري لشركة بيونتيك في مكافحة فيروس كورونا لسداد ديون المدينة.
سيتم أيضا خفض ضرائب الشركات - التي يمكن أن تحدد بعضها السلطات الألمانية المحلية - في محاولة لجذب مزيد من شركات التكنولوجيا الحيوية.
لقد تم تسليم أكثر من ملياري جرعة من لقاح فايزر ـ بيونتيك حتى الآن، وشركة بيونتيك في طريقها إلى تحقيق أرباح صافية تزيد على عشرة مليارات يورو في 2021. وللأشهر التسعة المنتهية بنهاية أيلول (سبتمبر)، دفعت الشركة التي تمتلك مواقع في الولايات المتحدة ومدنا ألمانية أخرى، مثل ماربورج، ضرائب تبلغ أكثر من ثلاثة مليارات يورو.
لم يؤكد المسؤولون علنا مقدار الضرائب التي دفعتها "بيونتيك" إلى ماينز في الأشهر القليلة الماضية. لكن الشركة التي لم تكن معروفة قبل الجائحة حتى لكثير من سكان المدينة البالغ عددهم 220 ألفا، رفعت بمفردها تقريبا ضرائب الشركات التي تحصل عليها ماينز من 173 مليون يورو عام 2020 إلى أكثر من مليار يورو في عام 2021، وفقا لعديد من الأشخاص المطلعين على الأمر.
وعلى الرغم من شهرتها العالمية التي اكتسبتها من مطبعة جوتنبرج التي يرجع تاريخها إلى القرن الـ15، لطالما كانت ماينز القريب الفقير لمدينة فرانكفورت المجاورة، التي تعد المركز المالي لألمانيا.
وعلى عكس سينديلفنجين، وهي مدينة في جنوب غربي ألمانيا تضم مصنعا لمرسيدس بنز، استخدمت مكاسب ضريبية أخيرا لتركيب خطوط عبور مشاة رخامية، فإن ماينز لا تنفق كثيرا.
جونتر بيك، مدير الشؤون المالية في المدينة، قال لفاينانشال تايمز: "أولويتنا القصوى هي تصفية ديوننا النقدية (القروض قصيرة الأجل) البالغة 634 مليون يورو بحلول نهاية عام 2022. هناك إجماع سياسي واسع على هذه الخطوة لأنه إلى أن يتم سداد الدين، ليست لدينا الحرية في اتخاذ قرار بشأن الإنفاق على النحو الذي نراه مناسبا".
يمكن للمدن الألمانية المثقلة بالديون التي تحصل على قروض أن تنفق الأموال فقط على مشاريع "لا مفر منها".
وفقا لأرقام البنك المركزي الألماني سجلت ولاية راينلاند - بالاتينات، وعاصمتها ماينز، أعلى مستوى من نصيب الفرد من الديون قصيرة الأجل في عام 2020، وكانت المدينة نفسها مدرجة في برنامج للتخفيف من الديون لما يقارب عقدا من الزمان.
والآن سيكون لدى ماينز فائض يبلغ نحو 1.1 مليار يورو في عام 2021، وتتوقع السلطات فائضا إضافيا يزيد على 490 مليون يورو العام المقبل.
بمجرد سداد ديونها قصيرة الأجل، يهدف إيبلينج، العمدة المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى الاستفادة من ثروة المدينة الجديدة لتقليل اعتمادها على شركة واحدة.
قال: "سنستخدم الآن مركزنا المالي الإيجابي وفوائض الميزانية لإنشاء مركز عالمي للعلوم والتكنولوجيا الحيوية"، ووعد بتسريع تحول ثكنات سابقة تبلغ مساحتها 12 هكتارا بالقرب من المقر الرئيس لشركة بيونتيك إلى مركز تجاري وثقافي. أضاف العمدة أن نحو خمسة آلاف وظيفة سيتم استحداثها أثناء ذلك.
يجب ألا يكون هناك نقص في الوافدين. فبفضل بيونتيك استفسرت شركات من جميع أنحاء ألمانيا وخارجها عن الانتقال إلى المدينة، وفقا للمسؤولين.
قال جونتر جيرتز، الرئيس التنفيذي للغرفة التجارية لمنطقة راينهايسين، التي تضم ماينز: "فجأة، أصبحنا معروفين جدا في سنغافورة"، مضيفا أن المدينة اعتادت أن تتصدر عناوين الصحف لكرنفالها السنوي فقط، لكن نجاح بيونتيك العلمي والتجاري شكل "دعاية لا تقدر بثمن".
ماينز أيضا ستفرش السجاد الأحمر للشركات. فالمدينة المليئة بالمال، ستخفض ضرائب الشركات في العام المقبل بمقدار الثلث تقريبا، وهو إجراء سيوفر على الشركات أكثر من 350 مليون يورو في عام 2022، وفقا للعمدة.
نسبة الضرائب المخفضة ستجعل ماينز متماشية مع بلدة إنجلهايم القريبة – موطن ثاني أكبر شركة أدوية في ألمانيا، بورينغر إنجلهايم - ويجعل المدينة مكانا أرخص بكثير لممارسة الأعمال التجارية من فيسبادن أو فرانكفورت المجاورتين، وكلتاهما في ولاية هيس.
قال بيك، المسؤول المالي، إن القرار اتخذ "لأننا نريد أن نرد شيئا لأولئك الذين يحافظون على استمرار الاقتصاد في ماينز".
هل كان يقصد بيونتيك، وهل طالبت مطورة اللقاح بمعدل أقل؟ "لا، بالطبع لا"، قال بيك مشددا على ذلك.
يحتاج مركز ماينز التجاري، حيث انخفضت معدلات الإشغال بشكل حاد خلال الجائحة، إلى مزيد من الاستثمار. كما أن المدينة تفتقر إلى المساكن ورياض الأطفال.
لكن قليلين انتقدوا أولويات مجلس المدينة. قال بيتر هانر، مصرفي ورئيس غرف التجارة في راينهايسن: "من المهم جدا أن نستثمر في تطوير موقع الأعمال والتكنولوجيا الحيوية"، مضيفا: "مسارات الدورة تأتي بعد ذلك."
الأهم من ذلك، كما قال: "من الممكن أن يكون هناك خطر إن لم ندعم بيونتيك. (يمكن) أن (...) تذهب الى مكان آخر".
لا توجد مؤشرات على أن الشركة التي انبثقت عن جامعة يوهانس جوتنبرج حيث كان مؤسساها، أوجور شاهين وأوزليم تورشي، يجريان أبحاثا حول السرطان، ستغادر المدينة.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أعلنت الشركة أنها ستنفق أكثر من مليار يورو لتوسيع مقرها الرئيسي. قال شاهين إنها ستبني أيضا 10 مواقع في جميع أنحاء ماينز وتوظف آلافا آخرين في السنوات المقبلة.
استفاد العديد من الشركات في المنطقة أيضا من مبيعات لقاح كوفيد، بما فيها شركة ميرك الألمانية، التي تنتج الجسيمات النانوية الدهنية لشركة فايزر ـ بيونتيك، وموردين مثل شركة تصنيع القوارير، شوت.
بيك، العضو الممثل لحزب الخضر، واثق بأن هذه الشركات والوافدين الجدد سيبقون ماينز في وضع مالي جيد، حتى لو كان ذلك على حساب مدن أخرى تفرض ضرائب أعلى.
قال: "لقد كان هناك مقال صحافي يقول إن مدينة فيسبادن تشعر بالغيرة، وإن ماينز لا تظهر تضامنا. حسنا، كانت فيسبادن غنية لعقود وكانت ماينز فقيرة. ولم يكن هناك تضامن من فيسبادن مع ماينز أيضا".
