فمازالت صدمة عام 2020 ماثلة في أذهاننا مع استمرار جائحة كورونا في الانتشار من خلال المتحورات التي بات يأخذها فايروس كوفيد-19 والتي كان آخرها متحور أوميكرون. فلنا أن نتخيل ما أحدثه في وعينا ذلك العام عندما كانت أكثر كلمة مبتغاة فيه هي Negative. عام 2021 كان امتداداً لسلفه من حيث الجوائح التي ألقت بظلالها على الإنسانية جمعاء، فعلى مستوى العالم الغربي، كانت الديمقراطية تواصل تأرجحها، أما في العالم العربي كان عام الانقلابات، في حين كان عام الكوارث الطبيعية على المستوى العالمي.

بدأ العام المنصرم بأحداث شكلت صدمة ليس للولايات المتحدة وحدها بل وللعالم أجمع. فمن خلال تحريض مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، اجتاح حشد من الدهماء في 6 يناير/كانون ثاني 2021 مبنى الكونجرس رفضاً منهم لنتائج الانتخابات التي أتت بالرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. لم يكن رفض الرئيس ترمب عادياً من حيث امتناعه عن تهنئة خصمه على سبيل المثال، وإنما بدعوة مناصريه من أتباع اليمين المتطرف والمسيحيين الإنجليكانيين إلى القتال بضراوة وفي حال "لم يقاتلوا بضراوة" فإنهم سوف "يفقدون بلدهم". وقد استجابوا له، ودنسوا أعتى المؤسسات الديمقراطية في العالم بأعمال إرهابية وأخرى خارجة عن نطاق المألوف كالأقنعة التي ارتداها بعضهم وتعبر عن شخصيات من العصور الوسطى.

كان هذا الحدث تعبيراً واضحاً عن الأزمة السياسية التي تمر بها الديمقراطية الغربية من حيث تآكل الإيمان بالعملية الانتخابية، وفقدان الثقة بالمؤسسات السياسية والسياسيين على حد سواء، وحالة الاستقطاب الشديدة في المجتمع والتي عبرت عنها ظواهر عديدة منها ارتفاع حاد في الحوادث العنصرية والكراهية وانتشار حملات التضليل والتلاعب الإعلامي. وإذا كانت إدانة ديريك تشوفين الذي تسبب بقتل جورج فلويد عام 2020 قد أدخلت نوعاً من الارتياح إلى دعاة المساواة وحركات الحقوق المدنية، فإن العنصرية ضد اللاجئين والسود استمرت تسجل حالات صادمة للرأي العام معبرة عن خلل شديد في المنظومة السياسية والاجتماعية الغربية.

هذا الخلل بلا شك كانت له أيضاً تداعيات على العديد من مناطق العالم. مجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض لا شك قد أزاح الكثير من الصداع الذي تسبب به الرئيس دونالد ترمب، ولكن هذا لم يؤدِ إلى تصحيح المسار بشكل جذري، فالأجندة الديمقراطية التي تبناها الرئيس بايدن لم تُترجم على أرض الواقع والدليل حدوث عديد من الانقلابات العسكرية، وشبه العسكرية أو العسكرية المقنعة من ميانمار إلى السودان مروراً بتونس التي عطّل فيها رئيس منتخب العملية السياسية وأصبح يقود البلاد بشكل منفرد عبر قرارات رئاسية لا تخضع أبداً لإرادة الشعب من خلال برلمانه المنتخب.

لم تكن خيبة الأمل في واشنطن مقتصرة فقط على تخليها أو إهمالها للمبادئ الديمقراطية بل أيضا تعدتها لخيبة أمل في استراتيجيتها الأمنية العالمية والتي عبّر عنها بشكل كبير انسحابها المُذِّل من أفغانستان. لقد نظر حلفاء واشنطن بنوع من الهلع إلى انسحابها بهذا الشكل من حرب خاضتها لمدة عشرين عاماً تركت البلد خلفها في حالة يرثى لها، فلا ديمقراطية تحققت، ولا تنمية اقتصادية ازدهرت، ولا حتى استقرار سياسي. تردُّد الولايات المتحدة السياسي، ومن ثم غياب استراتيجيتها العسكرية المتناسقة أعطى ذلك الانطباع أن النظام الدولي يسير بلا قيادة وهو بذلك غير قادر على التعاطي مع الأزمات الجوهرية التي تمر بها البشرية.

هذه المشكلات عابرة الحدود والقارات أصبحت تدق ناقوس الخطر حول الوجود البشري على كوكب الأرض. فالمناخ ظهر في السنة الفائتة وكأنه يشن حرباً على الإنسان في كل مكان. الاحتباس الحراري وما ينتج عنه من تغير مناخي لم يعُد مادة يتندر بها منتجي أفلام الخيال العلمي بل أصبح حقيقة مُعاشة بشكل لا يقبل معه مجالاً للشك. فقد ضربت الفيضانات العديد من مناطق العالم، فضلاً عن الحرائق التي أتت على ملايين الهكتارات في العديد من الغابات. ولعل مشهد احتراق الغابات في تركيا كان موجعاً بشكل كبير إذ تأثرت أجمل المناطق فيها بهذه الحرائق العملاقة، فضلاً عن الحرائق التي ضربت العديد من الدول الأوروبية وأمريكا حتى خُيِّل أن فلوريدا قد أصبحت قطعة من جهنم.

بالرغم من هذه الاجتياح المناخي لكوكب الأرض فإن غياب القيادة عن العالم كان واضحاً وجلياً، إذ فشلت قمة غلاسكو التي عُقدت في بريطانيا في التوصل إلى إجماع بين الدول الكبرى على تخفيض نسبة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون بعدما أحجمت كلٌّ من الصين والهند عن التوقيع على الميثاق الأخير للقمة. وبذلك فإن هذا الجيل الحالي من القادة يخاطر بمستقبل البشرية بطريقة لم تشهد لها الإنسانية مثيلاً بتاريخها أبداً. فالأخطار التي تحدق بنا أصبحت خارج نطاق سيطرتنا، وفي الوقت الذين كان يتم الاعتداء على نقاد الحداثة الغربية لما تشكله هذه الحداثة من خطر على البشرية، فإن مقارباتهم أصبحت على مرأى ومسمع البشرية جمعاء، فالتطور التكنولوجي وتقديس العقل، وتعظيم النظم الرأسمالية كشكل أعلى من أشكال التطور الإنساني ربما يتسبب في نهاية المطاف بفناء البشرية. فالأزمة لم تعد أزمة إجراءات بل أزمة نظام ومؤسسات، بمعنى أنه لا يمكن حل هذه المشكلات في ظل عمل هذا النظام وفق منطق هذه المؤسسات.

بطبيعة الحال لا تخلو الصورة من بعض الجوانب المشرقة. على المستوى الدولي فقد أدت جهود اللقاح إلى تخفيف أعراض فيروس كورونا ومتحوراته وإن لم يقضِ عليها تماماً. هذا يمنحنا بعض الأمل أن العمل بمنطق التعاون الجماعي قد يُفضي إلى نتائج قد تسهم في تخفيف المخاطر التي تحدق بالبشرية.

فيما يتعلق بالعالم العربي، فإن استمرار الشارع السوداني في التحرك ضد الانقلاب، وانطلاق إضراب الجوع في تونس يؤشران على أن نبض الشعوب لا يزال حاضراً في المعادلة السياسية. كما أن فرار مجموعة من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي بشكل إعجازي عبر حفر نفق باستخدام أدوات متواضعة كالملاعق، وفشل سلطات الاحتلال في تهجير سكان حي الشيخ جراح من الفلسطينيين يؤشران أيضا على أن المقاومة في جسد هذه الأمة لا تزال نابضة وإن لم تسعفها الظروف كي تغير موازين القوى.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي